فصل: بَابُ (الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَابُ (الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ):

الِاسْتِثْنَاءُ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الثَّنْيِ، وَهُوَ الرُّجُوعُ يُقَالُ ثَنَى رَأْسَ الْبَعِيرِ إذَا عَطَفَهُ إلَى وَرَائِهِ فَكَأَنَّ الْمُسْتَثْنَى رَجَعَ فِي قَوْلِهِ إلَى مَا قَبْلَهُ (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ اصْطِلَاحًا: (إخْرَاجُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ) أَيْ بَعْضُ مَا يَتَنَاوَلهُ اللَّفْظُ (بِ) لَفْظِ (إلَّا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، كَغَيْرِ وَسِوَى) بِوَزْنِ رِضَا وَهَدْيٍ وَسَمَاءٍ وَبِنَاءٍ (وَلَيْسَ، وَلَا يَكُونُ وَحَاشَا وَخَلَا وَعَدَا) مَقْرُونَيْنِ بِمَا أَوْ مُجَرَّدَتَيْنِ مِنْهَا مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ نِيَّةٌ قَبْلَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُتَكَلِّمِينَ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَاقِعٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ (يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ فَأَقَلَّ) لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ أَبَان بِهِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُرَادٍ بِالْأَوَّلِ فَصَحَّ، كَمَا لَوْ أَتَى بِمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى بِدُونِ الِاسْتِثْنَاءِ.
وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَصِحّ قَوْلُ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ {إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} يُرِيدُ بِهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ-، وَقَالَ- تَعَالَى-:
{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا} وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ رَافِعًا لِوَاقِعٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَانِعٌ لِدُخُولِ الْمُسْتَثْنَى فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (مِنْ طَلْقَاتِهِ) كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً (وَمُطَلَّقَاتِهِ) كَنِسَائِهِ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ (وَإِقْرَارِهِ) كُلِّهِ عَلَى عَشْرَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً وَنَحْوِهِ وَ(لَا) يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ (مَا زَادَ عَلَيْهِ) أَيْ النِّصْفِ (نَصًّا) وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَقَوَّاهُ ابْنُ حَمْدَان، وَجَازَ الْأَكْثَرُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فِي قَوْله تَعَالَى-:
{إلَّا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ} لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَدَدِ.
وَذَكَر أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ بِالصِّفَةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْصِيصٌ، وَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الْكُلُّ، نَحْوُ: اُقْتُلْ مَنْ فِي الدَّارِ إلَّا بَنِي تَمِيمٍ وَهُمْ بَنُو تَمِيمٍ فَيَحْرُم قَتْلُهُمْ (فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا) طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلّ رَفْعٌ لِمَا أَوْقَعَهُ فَلَمْ يَرْتَفِعْ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ) طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ، لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا) طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا (إلَّا وَاحِدَةً أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (أَرْبَعًا إلَّا وَاحِدَةً) طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِبَقَائِهَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ، (أَوْ قَالَ): أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا رُبْعَ طَلْقَةٍ) أَوْ نِصْفَهَا أَوْ سُدُسَهَا وَنَحْوَهُ (طَلُقَتْ ثَلَاثًا) لِأَنَّ الطَّلْقَةَ النَّاقِصَةَ تَكْمُلُ فَتَصِيرُ ثَلَاثًا ضَرُورَةً أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ.
(وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ وَاحِدَةً) لِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ (وَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَيَصِحُّ، (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ اثْنَتَانِ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ مِمَّا قَبْلَهَا فَيَبْقَى وَاحِدَةُ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الثَّلَاثِ فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقُ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ اثْنَتَانِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ دُونَ الثَّانِي (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (إلَّا وَاحِدَةً وَإِلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ اثْنَتَانِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ اثْنَتَانِ لِأَنَّهَا الْبَاقِيَةُ بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى، (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (أَرْبَعًا إلَّا اثْنَتَيْنِ يَقَعُ اثْنَتَانِ) لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِلنِّصْفِ بِحَسْبِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، (وَ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لِمَا اسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْ الثَّلَاث بَقِيَ بَعْدَهَا اثْنَتَانِ اسْتَثْنَاهُمَا مِنْ الثَّلَاثِ وَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهَا فَلَمْ يَصِحّ الِاسْتِثْنَاءُ، (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (خَمْسًا) إلَّا ثَلَاثًا (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا) وَقَعَتْ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ (أَوْ) أَنْتِ (طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ إلَّا طَلَاقًا) يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَلِيهِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِكُلِّهِ فَلَا يَصِحُّ، (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ ثَلَاثًا لِمَا ذَكَرنَا.
بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَيَقَعُ ثِنْتَانِ، (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً) يَقَعُ ثَلَاثٌ بِتَكْمِيلِ النِّصْفِ، وَإِلْغَاءِ الِاسْتِثْنَاءِ لِرُجُوعِهِ إلَى مَا يَلِيهِ فَيَكُونُ اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ) يَقَعُ ثَلَاثًا وَيُلْغَى الِاسْتِثْنَاءُ لِعَوْدِهِ إلَى مَا يَلِيهِ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ (إلَّا وَاحِدَةً) يَقَعُ (ثَلَاثًا) لِأَنَّهَا الْبَاقِيَةُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ (كَعَطْفِهِ بِالْفَاءِ أَوْ) عَطْفِهِ (بِثُمَّ) كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ أَوْ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ ثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ أَوْ إلَّا وَاحِدَةً فَيَقَعُ بِذَلِكَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ صَارَ جُمْلَتَيْنِ لِلتَّرْتِيبِ الْحَاصِلِ بِالْعَطْفِ بِالْفَاءِ أَوْ بِثُمَّ فَاسْتِثْنَاءُ الِاثْنَتَيْنِ مِنْ الِاثْنَتَيْنِ اسْتِثْنَاءٌ لِلْكُلِّ.
وَاسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدَةِ إنْ عَادَ لِلرَّابِعَةِ فَقَدْ بَقِيَ بَعْدَهَا ثَلَاثٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الِاثْنَتَيْنِ كَانَ اسْتِثْنَاءً لِلْجَمِيعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ (وَلَوْ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْمَجْمُوعِ فِي قَوْلِهِ) أَنْتِ (طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً دِينَ) أَيْ قُبِلَ مِنْهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لِأَنَّ لَفْظَهُ مُحْتَمِلٌ (قُبِلَ) مِنْهُ حُكْمًا (فَيَقَعُ اثْنَتَانِ) لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ (وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِع إلَى مَا تَلَفَّظَ بِهِ) بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ وَ(لَا) يَرْجِعُ (إلَى مَا يَمْلِكُهُ) خِلَافًا لِلْقَاضِي وَابْنِ اللَّحَّامِ فِي قَوَاعِدِهِ.
(وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (وَفِي شَرْطٍ) مُتَأَخِّرٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ (وَنَحْوِهِ) كَالصِّفَةِ، نَحْو أَنْتِ طَالِقٌ قَائِمَةً، وَكَذَا عَطْفُ مُغَايِرٍ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا (اتِّصَالُ مُعْتَادٍ لَفْظًا أَوْ حُكْمًا) لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَحْتَمِلُ اللَّفْظَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَ تَمَامِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَّصِلِ فَإِنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي رَفْعَ مَا وَقَعَ بِالْأَوَّلِ، وَالطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ، وَالِاتِّصَالُ لَفْظًا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مُتَوَالِيًا، وَحُكْمًا (كَانْقِطَاعِهِ بِتَنَفُّسٍ وَنَحْوِهِ) كَسُعَالٍ وَعُطَاسٍ قَالَ الطُّوخِي فَلَا يُبْطِلُهُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ وَلَا مَا عَرَضَ مِنْ سُعَالٍ وَنَحْوِهِ وَلَا طُولُ كَلَامٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي اسْتِثْنَاءِ (نِيَّةِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ) فَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً لَا يُعْتَدّ بِالِاسْتِثْنَاءِ إلَّا إنْ نَوَاهُ قَبْلَ تَمَامِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (وَقَطَعَ بِهِ جَمْعٌ وَ).
تَصِحُّ نِيَّتُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (قَبْلَ فَرَاغِهِ) مِنْ كَلَامِهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَاوِيًا لَهُ عِنْدَ تَمَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ (وَاخْتَارَهُ) أَيْ اخْتَارَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ نِيَّتِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَبْل فَرَاغِهِ (الشَّيْخُ وَ) تِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَحْمَدَ وَمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِهِ، وَقَالَ (لَا يَضُرّ فَصْلٌ يَسِيرٌ بِاسْتِثْنَاءٍ)، قَالَ وَفِي الْقُرْآنِ جُمَلٌ قَدْ فُصِلَ بَيْنَ أَبِعَاضِهَا بِكَلَامٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ- تَعَالَى-:
{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا}- إلَى قَوْلِهِ-
{هُدَى اللَّهِ} فُصِلَ بَيْن الْكَلَامِ وَالْمَحْكِيّ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَكَذَا حُكْمُ شَرْطٍ مُتَأَخِّرٍ وَعَطْفٍ مُغَايِرٍ وَنَحْوِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (و) إذَا قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ الثَّلَاثُ) لِأَنَّ الْعَدَد نَصَّ فِيمَا تَنَاوَلَهُ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالنِّيَّةِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ أَقْوَى وَلَوْ ارْتَفَعَ بِالنِّيَّةِ لِرَجْحِ الْمَرْجُوحُ عَلَى الرَّاجِحِ (وَإِنْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً بِقَلْبِهِ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ الْعُمُومَ فِي الْخُصُوصِ، وَذَلِكَ شَائِعٌ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا (وَإِنْ قَالَ نِسَائِي الْأَرْبَعَ أَوْ الثَّلَاثَ أَوْ الِاثْنَتَيْنِ) بِالنَّصْبِ لِلْأَرْبَعِ فَمَا بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ كَأَعْنِي طَوَالِقُ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً بِقَلْبِهِ (مِنْهُنَّ) طَلُقَتْ فِي الْحُكْمِ أَيْ فِي الظَّاهِرِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَلَمْ تَطْلُقْ فِي الْبَاطِنِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَقِيلَ تَطْلُقُ أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيّ وَالْخِرَقِيُّ انْتَهَى وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُنْتَهَى لِأَنَّ النَّصَّ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ، فَلَا يَرْتَفِعُ مِنْهُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ طَلِّقْنِي فَقَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ) طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَتَنَاوَلهُنَّ، (أَوْ قَالَتْ لَهُ) امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ (طَلِّقْ نِسَاءَكَ فَقَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ) لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فِيهَا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ غَيْرَ مُقْتَضَاهُ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ كَالصُّورَةِ الْأُولَى.
(فَإِنْ أَخْرَجَ السَّائِلَةَ بِنِيَّتِهِ) بِأَنْ اسْتَثْنَاهَا بِقَلْبِهِ (دِينَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ (فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ طَلِّقْنِي وَصُورَةِ طَلِّقْ نِسَاءَكَ، (وَلَمْ يَقْبَلْ فِي الْحُكْمِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّ طَلَاقَهَا جَوَابُ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ لِنَفْسِهَا فَلَا يَصْدُقُ فِي الْحُكْمِ فِي صَرْفِهِ عَنْهَا لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ وَسَبَبَ الْحُكْمِ، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعُمُومِ بِالتَّخْصِيصِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَفِي الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا يُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا أَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا بِقَلْبِهِ لِأَنَّ خُصُوصَ السَّبَبِ يُقَدَّمُ عَلَى عُمُومِ اللَّفْظِ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى نِيَّتِهِ.

.بَابُ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ:

أَيْ تَقْيِيدُ الطَّلَاقِ بِالزَّمَنِ الْمَاضِي وَالزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ (إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ وَنَوَى وُقُوعَهُ إذَنْ) أَيْ حِينَ التَّكَلُّمِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ الْأَغْلَظُ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وُقُوعَهُ إذَنْ بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى إيقَاعَهُ فِي الْمَاضِي (لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلِاسْتِبَاحَةِ وَلَا يَمْلِكُ رَفْعَهَا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي فَلَمْ يَقَعْ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِيَوْمَيْنِ فَقَدِمَ الْيَوْمَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ يَقَعُ إذَا قَالَ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ وَلَا يَقَعُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ أَنَّ زَوْجًا قَبْلِي طَلَّقَهَا أَوْ) قَالَ أَرَدْتُ أَنِّي (طَلَّقْتُهَا أَنَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَ هَذَا قُبِلَ مِنْهُ إنْ كَانَ) ذَلِكَ (قَدْ وُجِدَ) لِأَنَّ لَفْظَهُ مُحْتَمِلٌ لَهُ (مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ مِنْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالهَا الطَّلَاقَ وَنَحْوِهِ)، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (فَإِنْ مَاتَ) بَعْد قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَوْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ (أَوْ جُنَّ أَوْ خُرِسَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِمُرَادِهِ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّ الْعِصْمَةَ مُتَيَقَّنَةٌ فَلَا تُزَالُ بِالشَّكِّ.
(وَ) وَإِنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ فَقَدِمَ) زَيْدٌ (قَبْلَ مُضِيِّ) أَيْ الشَّهْرِ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى صِفَةٍ مُمْكِنَةِ الْوُجُودِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا (أَوْ) قَدِمَ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ مُضِيِّ الشَّهْرِ (لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جُزْءٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ، (وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ ذَلِكَ (وَطْؤُهَا مِنْ حِينِ عَقْدِ الصِّفَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِبَيْتِهَا) لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ يَأْتِي مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ شَهْرُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ تَأَمَّلْتُ نُصُوصَ الْإِمَامِ فَوَجَدْتُهُ يَأْمُرُ بِاعْتِزَالِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ فِي كُلِّ يَمِينٍ حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَبَارٌّ هُوَ أَوْ حَانِثٌ؟ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَنَّهُ بَارٌّ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَارٌّ اعْتَزَلَهَا أَبَدًا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَارٌّ فِي وَقْتٍ وَشَكَّ فِي وَقْتٍ اعْتَزَلَهَا وَقْتَ الشَّكِّ ثُمَّ ذَكَرَ فُرُوعًا مِنْ ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ، وَذَكَرَ بَعْضَهُ فِي الْحَاشِيَةِ.
(وَلَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ الْمَقُولِ لَهَا ذَلِكَ (النَّفَقَةُ) مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ (إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ لِأَجْلِهِ، (وَإِنْ قَدِمَ) زَيْدٌ (بَعْدَ شَهْرٍ وَجُزْءٍ يَسَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ فِيهِ) أَيْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ عَقِبَ التَّعْلِيقِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَ) تَبَيَّنَّا (أَنَّ وَطْأَهُ) فِي الشَّهْرِ (مُحَرَّمٌ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، (فَإِنْ كَانَ وَطِئَ) بَعْدَ التَّعْلِيقِ (لَزِمَهُ الْمَهْرُ) بِمَا نَالَ مِنْ فَرْجِهَا (إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا مَهْرَ وَحَصَلَتْ بِهِ رَجَعْتُهَا.
(وَإِنْ خَالَعَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ) أَيْ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ (بِيَوْمٍ فَأَكْثَرَ) مِنْ يَوْمٍ (كَثْرَةً يَقَعُ الْخُلْعُ مَعَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ بِحَيْثُ لَا تَكُونُ) الْمَخْلُوعَةُ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْكَثْرَةِ حِينَ الْخُلْعِ (بَائِنًا) وَقْتَ الْخُلْعِ (وَكَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بَائِنًا) ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ الشَّهْرِ بِيَوْمَيْنِ (صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الطَّلَاقُ) الْمُعَلَّقُ لِأَنَّ مَحِلَّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ صَادَفَهَا بَائِنًا بِالْخُلْعِ، (وَإِنْ قَدِمَ) زَيْد (بَعْدَ شَهْرٍ وَسَاعَةٍ) مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ (وَقَعَ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ) لِوُجُودِ شَرْطِهِ (دُونَ الْخُلْعِ) فَلَا يَصِحُّ (وَتَرْجِعُ بِالْعِوَضِ) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ حِينَهُ بَائِنًا بِالطَّلَاقِ (وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ) الْمُعَلَّقُ (رَجْعِيًّا صَحَّ الْخُلْعُ قَبْلَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ) لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ يَصِحُّ خُلْعُهَا (مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا).
فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَانَتْ وَلَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ إنْ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ بَعْدَهَا قُلْتُ إنْ وَقَعَ الْخُلْعُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ يَمِينِ الطَّلَاقِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا تَقَدَّمَ (وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ أَوْ مَعَهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ عَقْدِ الْيَمِينِ بِشَهْرٍ وَسَاعَةٍ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ (لَكِنْ لَا إرْثَ) لِمُطَلَّقَةٍ (بَائِنٍ) فِي تِلْكَ الصُّورَةِ (لِعَدَمِ التُّهْمَةِ) بِحِرْمَانِهَا الْمِيرَاثَ (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (بَعْدَ عَقْدِ الصِّفَةِ) أَيْ بَعْدَ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ (بِيَوْمَيْنِ ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ شَهْرٍ وَسَاعَةٍ مِنْ حِينِ عَقْدِ الصِّفَةِ، لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الطَّلَاقُ (رَجْعِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ التَّوَارُثُ مَا دَامَتْ) الرَّجْعِيَّةُ لَهُ (فِي الْعِدَّةِ) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ إذَنْ (وَإِنْ قَدِمَ) زَيْدٌ (بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَهْرٍ وَسَاعَةٍ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْمَوْتِ) لِسَبْقِهِ وُجُودَ الصِّفَةِ (وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) الْمُعَلَّقُ.
(وَإِنْ قَالَ إذَا مِتَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ التَّعْلِيقُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَوْت شَرْطًا لِطَلَاقِهَا وَهِيَ تَبِينُ فِيهِ فَلَمْ يَتَأَتَّ ذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ مَوْتَهُ شَرْطًا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا قَبْلَ شَهْرٍ، وَإِنَّمَا رَتَّبَهُ فَوَقَعَ عَلَى مَا رَتَّبَهُ،.
(وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ: (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (قَبْلَ مَوْتِكَ) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (قَبْل قُدُومِهِ) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (قَبْل دُخُولِكِ الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ مَا قَبْلَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مِنْ حِينِ عَقْدِهِ أَوْ الصِّفَةِ فَكُلُّهُ مَحِلُّ لِلطَّلَاقِ فِي أَوَّلِهِ قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقْدِمْ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى-:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} وَلَمْ يُوجَدْ الطَّمْسُ فِي الْمَأْمُورِينَ، وَلَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ: اسْقِنِي قَبْلَ أَنْ أَضْرِبَكَ فَسَقَاهُ فِي الْحَالِ عُدَّ مُمْتَثِلًا وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْهُ.
(وَإِنْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (قُبَيْلَ مَوْتِي، أَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (قُبَيْلَ قُدُومِ زَيْدٍ) أَوْ مَوْتِهِ أَوْ قُبَيْلَ دُخُولِكِ الدَّارَ وَنَحْوِهِ (لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ (فِي الْحَالِ وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَلِيهِ الْمَوْتُ) أَوْ الْقُدُومُ أَوْ الدُّخُولُ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ يَقْتَضِي كَوْنَ الَّذِي يَبْقَى جُزْءًا يَسِيرًا.
(وَإِنْ قَالَ) أَنْتِ (طَالِقٌ قُبَيْلَ مَوْتِ زَيْد وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ) فَقَالَ الْقَاضِي تَتَعَلَّقُ الصِّفَةُ بِأَوَّلِهِمَا مَوْتًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَقَعَ بِأَوَّلِهِمَا مَوْتًا) يَعْنِي قَبْلَهُ بِشَهْرٍ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بِالثَّانِي يُفْضِي إلَى وُقُوعِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ، وَاعْتِبَارَهُ بِالْأَوَّلِ لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ فَكَانَ أَوْلَى.
(وَإِنْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (بَعْدَ مَوْتِي أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (مَعَ مَوْتِي أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (مَعَ مَوْتِكَ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّ الْبَيْنُونَة حَصَلَتْ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ نِكَاحٌ يُزِيلُهُ الطَّلَاقُ، وَالْمَوْتُ سَبَبُ الْحُكْمِ بِالْبَيْنُونَةِ فَلَا يُجَامِعُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ كَمَا أَنَّهُ لَا يُجَامِعُ الْبَيْنُونَةَ.
(وَإِنْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (يَوْمَ مَوْتِي) أَوْ مَوْتِكَ أَوْ مَوْتِ زَيْدٍ (طَلُقَتْ فِي أَوَّلِهِ) أَيْ أَوَّلِ الْيَوْمِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَصْلُحُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ وَلَا مُقْتَضَى لِتَأْخِيرِهِ عَنْ أَوَّلِهِ فَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِ، قُلْتُ: قِيَاسُ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ كُلُّ يَوْمٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْمَوْتِ.
(وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجَيْهِ (أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ فَبِمَوْتِ إحْدَاهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ) بِالْأُخْرَى إذَنْ أَيْ عِنْدَ مَوْتِ إحْدَاهُمَا لِأَنَّهُ بِمَوْتِ إحْدَاهُمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْبَاقِيَةَ أَطْوَلُهُمَا حَيَاةً وَ(لَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِذَلِكَ (وَقْتَ يَمِينِهِ) أَيْ حَالَ عَقْدِ الصِّفَةِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ كَأَنْتِ طَالِق صَائِمَةً إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ لَا حَالَ عَقْدِهَا.
(وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ) بِشَرْطِهِ (ثُمَّ قَالَ) لَهَا (إذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ) قَالَ لَهَا (إذَا اشْتَرَيْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ أَبُوهُ أَوْ اشْتَرَاهَا طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْمَوْتَ أَوْ الشِّرَاءَ سَبَبُ مُلْكِهَا وَطَلَاقُهَا وَفَسْخُ النِّكَاحِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِ فَيُوجَدُ الطَّلَاقُ فِي زَمَنِ الْمِلْكِ السَّابِقِ عَلَى الْفَسْخِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ (وَلَوْ قَالَ) لَهَا (إذَا مَلَكْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ أَبُوهُ وَاشْتَرَاهَا لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَقِبَ الْمِلْكِ وَقَدْ صَادَفَهَا مَمْلُوكَةً فَلَا يَقَعُ (فَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً) أَيْ دَبَّرَهَا أَبُوهُ (وَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَمَاتَ أَبُوهُ (وَقَعَ الطَّلَاقُ) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَهُ فَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ (وَ) وَقَعَ (الْعِتْقُ) لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ وَمَحِلُّ وُقُوعِ الْعِتْقِ (إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ) أَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ حَيْثُ قُلْنَا هِيَ تَنْفِيذٌ.
فَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ تَرِكَتَهُ لَمْ تُعْتَقْ وَالْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ (وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ) بَلْ بَعْضُهَا (فَكَذَلِكَ) يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَلَا تُطْلَقُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ (لِمِلْكِ الِابْنِ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ) مِلْكِهِ (كُلَّهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ) فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَعَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةَ تَطْلُقُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَوْتَ وَالطَّلَاقَ سَبَبُ مِلْكِهَا، وَطَلَاقُهَا وَفَسْخُ النِّكَاحِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُلْكِ فَيُوجَد الطَّلَاقُ فِي زَمَنِ الْمِلْكِ السَّابِقِ عَلَى الْفَسْخِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ.

.فَصْلٌ: في تعليق الطلاق:

(وَيُسْتَعْمَلُ طَلَاقٌ وَنَحْوُهُ) كَالْعِتْقِ وَالظِّهَارِ (كَمَا يَأْتِي اسْتِعْمَالِ الْقَسَمِ) بِاَللَّهِ- تَعَالَى- (وَيُجْعَلُ جَوَابُ الْقَسَمِ جَوَابًا لَهُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَأَقُومَنَّ وَقَامَ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ حَلْفَ قَدْ بَرَّ فِيهِ فَلَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى (فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ حَنِثَ) كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ حَنِثَ بِالْيَأْسِ أَيْ قُبَيْلَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ إنَّ أَخَاكِ لَعَاقِلٌ وَكَانَ أَخُوهَا عَاقِلًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخُوهَا عَاقِلًا حَنِثَ) الزَّوْجُ كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ إنَّ أَخَاكِ لَعَاقِلٌ (وَإِنْ شَكَّ فِي عَقْلِهِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْتِ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَتْهُ حَنِثَ) وَإِلَّا فَلَا.
(وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ مَا أَكَلْتِيهِ لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَانَ صَادِقًا) وَإِلَّا حَنِثَ (كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَكَلْتُهُ و) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا أَبُوكِ لَطَلَّقْتُكِ وَكَانَ صَادِقًا لَمْ تَطْلُقْ) وَإِلَّا طَلُقَتْ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ (وَلَوْ قَالَ إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَأُكْرِمَنَّك طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا.
(وَ) إنْ قَالَ (إنْ حَلَفْتُ بِعِتْقِ عَبْدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ لَأَقُومَنَّ طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الْحَلِفِ بِعِتْقِ عَبْدِهِ (وَإِنْ قَالَ إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، لَقَدْ صُمْتُ أَمْسِ عَتَقَ الْعَبْدُ) لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ.
(وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى وُجُودِ فِعْلٍ مُسْتَحِيلِ عَادَةً) أَيْ فِي الْعَادَةِ (أَوْ) عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ (فِي نَفْسِهِ) أَيْ لِذَاتِهِ فَمِثَالُهُ (الْأَوَّلُ) أَيْ الْمُعَلَّقُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ عَادَةً (كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ صَعِدَتْ السَّمَاءَ أَوْ) إنْ (شَاءَ الْمَيِّتُ أَوْ) إنْ شَاءَتْ (الْبَهِيمَةُ أَوْ) إنْ (طِرْتِ أَوْ) إنْ (قَلَبْتِ الْحَجَرَ ذَهَبًا أَوْ إنْ شَرِبْتِ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ كُلِّهِ أَوْ) إنْ (حَمَلْتِ الْجَبَلَ وَنَحْوَهُ) كَأَنْتِ طَالِقٌ لَا صَعِدْتِ السَّمَاءَ أَوْ لَا شَاءَ الْمَيِّتُ.
(وَ) مِثَالُ الثَّانِي أَيْ الْمُعَلَّقِ عَلَى مُسْتَحِيلٍ فِي نَفْسِهِ (كَإِنْ رَدَدْتِ أَمْسِ أَوْ جَمَعْتِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ إنْ كَانَ الْوَاحِدُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ إنْ شَرِبْتِ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ (كَحَلِفِهِ بِاَللَّهِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ.
وَلِأَنَّ مَا يَقْصِدُهُ بِتَقْيِيدِهِ يُعَلَّقُ عَلَى الْمُحَالِ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} وَقَالَ الشَّاعِر: فِ إذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْتُ أَهْلِي وَصَارَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ أَيْ لَا آتِيهِمْ أَبَدًا (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الْفِعْلِ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً أَوْ فِي نَفْسِهِ (كَ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ عَلِمَ) الْحَالِفُ (أَنَّ فِيهِ مَاءً أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) ذَلِكَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ لَمْ أَشْرَبْهُ) أَيْ مَاءَ الْكُوزِ.
(وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا مَاءَ فِيهِ) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ إنْ لَمْ أَصْعَدْهَا أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (إذَا) طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا (طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ (عَلِمَهُ) مَيِّتًا (أَوْ لَا أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (لَأَطِيرَنَّ وَنَحْوَهُ) كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ الْمَيِّتُ (طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى نَفْيِ الْمُسْتَحِيلِ وَعَدَمُهُ مَعْلُومٌ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَالِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ.
(كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَبِعْ عَبْدِي فَمَاتَ الْعَبْدُ) قَبْلَ بَيْعِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (وَعِتْقٌ وَظِهَارٌ وَحَرَامٌ وَنَذْرٌ وَيَمِينٌ بِاَللَّهِ كَطَلَاقٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ (وَإِنْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ لَمْ تَطْلُقْ) فِي (الْيَوْمِ وَلَا) فِي (غَدٍ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ، إذْ مُقْتَضَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ وَلَا يَأْتِي الْغَدُ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِ الْيَوْمِ وَذَهَابُ مَحِلِّ الطَّلَاقِ (وَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى مَذْهَبِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِاسْتِحَالَةِ الصِّيغَةِ لِأَنَّهُ لَا مَذْهَبَ لَهُمْ) أَيْ لِلشِّيعَةِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (وَلِقَصْدِهِ التَّأْكِيدَ فَإِنْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَذْهَبِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَ(لَمْ يَقُلْ ثَلَاثًا فَوَاحِدَةٌ) لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ (إنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، وَمِثْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى سَائِرِ الْمَذَاهِبِ) فَتَقَعُ الثَّلَاثُ وَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى سَائِرِ الْمَذَاهِبِ يَقَعُ وَاحِدَةً إنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ.