فصل: (بَابُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ):

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فِي الْأَحْكَامِ.
(وَهُوَ) أَيْ: الْأَذَانُ لُغَةً الْإِعْلَامُ؛ قَالَ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أَيْ: إعْلَامٌ وَقَالَ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} أَيْ: أَعْلِمْهُمْ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ أَيْ أَعْلَمَتْنَا يُقَالُ: أَذَّنَ بِالشَّيْءِ تَأْذِينًا وَأَذَانًا وَأَذِينًا، عَلَى وَزْنِ رَغِيفٍ، إذَا أَعْلَمَ بِهِ فَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ وَأَصْلُهُ مِنْ الْأُذُنِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ لِأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ وَشَرْعًا (الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، أَوْ) الْإِعْلَامُ بِ (قُرْبِهِ لِفَجْرٍ) فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْأَذَانُ لَهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، كَمَا يَأْتِي.
(وَهِيَ) أَيْ: الْإِقَامَةُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ وَحَقِيقَتُهُ: إقَامَةُ الْقَاعِدِ أَوْ الْمُضْطَجِعِ فَكَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ إذَا أَتَى بِأَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ، وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ وَشَرْعًا (الْإِعْلَامُ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا) أَيْ: إلَى الصَّلَاةِ (بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَهُمَا مَشْرُوعَانِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا} {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَهِيَ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ وَمِنْهَا: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قُلْت أَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت بَلَى قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: تَقُولُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته بِمَا رَأَيْت فَقَالَ: إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهِ عَلَيْهِ، فَلْيُؤَذِّنْ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك فَقُمْت مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْت أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ قَالَ فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، يَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الَّذِي رَأَى فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلَّهِ الْحَمْدُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بَعْضَهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعَلِّمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ فَذَكَرُوا أَنْ يُوقِدُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ».
(وَهُوَ) أَيْ: الْأَذَانُ (أَفْضَلُ مِنْ الْإِقَامَةِ) لِزِيَادَتِهِ عَلَيْهَا (وَ) أَفْضَلُ مِنْ (الْإِمَامَةِ) وَيَدُلُّ لِفَضْلِ الْأَذَانِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْت الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَيَشْهَدُ لِفَضْلِ الْأَذَانِ عَلَى الْإِمَامَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ الْأَذَانَ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ عَنْهُ قَالَ عُمَرُ: لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْإِقَامَةِ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَأَمَّا إمَامَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَامَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَكَانَتْ مُتَعَيَّنَةً عَلَيْهِمْ فَإِنَّهَا وَظِيفَةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَذَانِ فَصَارَتْ الْإِمَامَةُ فِي حَقِّهِمْ أَفْضَلَ مِنْ الْأَذَانِ، لِخُصُوصِ أَحْوَالِهِمْ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرِ النَّاسِ الْأَذَانُ أَفْضَلَ (وَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ) أَيْ الْأَذَانِ (وَبَيْنَ الْإِمَامَةِ) بَلْ ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَفْضَلُ وَقَالَ أَيْضًا: مَا صَلُحَ لَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ.
(وَهُوَ) أَيْ: الْأَذَانُ (وَالْإِقَامَةُ فَرْضَا كِفَايَةٍ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ وَالْجُمُعَةِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى أَحَدِهِمْ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَلِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ فَكَانَا فَرْضَ كِفَايَةٍ كَالْجِهَادِ، وَذِكْرِ الْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِدُخُولِهَا فِي الْخَمْسِ (دُونَ غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ الْخَمْسِ، فَلَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِمَنْذُورَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ، وَلَا جِنَازَةٍ، وَلَا عِيدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، عَلَى الْأَعْيَانِ، وَالْقِيَامُ إلَيْهَا وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ الْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ (لِلرِّجَالِ جَمَاعَةٌ) أَيْ: عَلَيْهِمْ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَرْضُ كِفَايَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُنْفَرِدِ بِمَكَانٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ هُنَا اثْنَانِ فَأَكْثَرُ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: الْأَحْرَارِ، إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَلْزَمُ رَقِيقًا، أَيْ: فِي الْجُمْلَةِ (فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَغَيْرِهِمَا حَضَرًا) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.
(وَيُكْرَهَانِ لِلنِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى، وَلَوْ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي التَّحْرِيمِ جَهْرًا لِلْخِلَافَاتِ فِي قِرَاءَةٍ وَتَلْبِيَةٍ ا هـ وَيَأْتِي قَوْلُهُ: وَتُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ إنْ سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَيْ: وُجُوبًا، وَلَا فَرْقَ،.
وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (مَسْنُونَانِ لِقَضَاءِ) فَرِيضَةٍ مِنْ الْخَمْسِ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ «كُنَّا مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَنَامَ عَنْ الصُّبْحِ، حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تَنَحَّوْا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَ) يُسَنُّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ أَيْضًا (لِمُصَلٍّ وَحْدَهُ وَمُسَافِرٍ وَرَاعٍ وَنَحْوِهِ) لِخَبَرِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْت الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «يَعْجَبُ رَبُّك مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ الشَّظِيَّةِ لِلْجَبَلِ، يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي وَأَدْخَلْته الْجَنَّةَ» رَوَاه النَّسَائِيُّ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِ) أَيْ: الْأَذَانِ (فِي الْقَضَاءِ إنْ خَافَ تَلْبِيسًا، وَكَذَا) لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ إذَا أَذَّنَ (فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَذَانِ) الْمَعْهُودِ لَهُ عَادَةً كَأَوَاسِطِ الْوَقْتِ وَأَوَاخِرِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّلْبِيسِ.
(وَكَذَا) لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ لِأَذَانٍ (فِي بَيْتِهِ الْبَعِيدِ عَنْ الْمَسْجِدِ بَلْ يُكْرَهُ) لَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ إذَنْ (لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَنْ يَقْصِدُ الْمَسْجِدَ) إذَا سَمِعَهُمَا وَقَصَدَهُمَا جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ (وَلَيْسَا) أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (بِشَرْطٍ لِلصَّلَاةِ، فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِدُونِهِمَا) لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (مَعَ الْكَرَاهَةِ) ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إلَّا بِمَسْجِدٍ قَدْ صَلَّى فِيهِ وَيَأْتِي (وَيُشْرَعَانِ) أَيْ: يُسَنَّانِ (لِلْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي غَيْرِ الْجَوَامِعِ الْكِبَارِ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي) وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: غَيْرِ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (وَإِنْ كَانَ) مَنْ يَقْضِي الصَّلَاةَ (فِي بَادِيَةٍ رَفَعَ صَوْتَهُ) بِالْأَذَانِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِمْ فِي الرِّعَايَةِ، وَحَسَّنَهُ فِي الْإِنْصَافِ، لِأَمْنِ اللَّبْسِ.
(وَلَا يُشْرَعَانِ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ أَتَى الْمَسْجِدَ بَلْ حَصَلَتْ لَهُمْ الْفَضِيلَةُ) بِأَذَانِ أَحَدِهِمْ (كَقِرَاءَةِ الْإِمَامِ) تَكُونُ قِرَاءَةً (لِلْمَأْمُومِ).
وَهَلْ صَلَاةُ مَنْ أَذَّنَ لِصَلَاتِهِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ فَضْلٌ يَخْتَصُّ الصَّلَاةَ، أَمْ هِيَ وَصَلَاةُ مَنْ أُذِّنَ لَهُ سَوَاءٌ لِحُصُولِ سُنَّةِ الْأَذَانِ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ (وَلِأَنَّهُ قَامَ بِهِمَا) أَيْ: الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (مَنْ يَكْفِي، فَسَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ) كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ (يَكْفِيهِمْ) أَيْ: السَّامِعِينَ (مُتَابَعَةُ الْمُؤَذِّنِ) فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا يَأْتِي.
(فَإِنْ اقْتَصَرَ الْمُسَافِرُ) عَلَى الْإِقَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ (أَوْ) اقْتَصَرَ (الْمُنْفَرِدُ عَلَى الْإِقَامَةِ) لَمْ يُكْرَهْ نَصَّ عَلَيْهِ (أَوْ صَلَّى بِدُونِهَا) أَيْ: الْإِقَامَةِ (فِي مَسْجِدٍ صَلَّى فِيهِ لَمْ يُكْرَهْ) كَمَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَتَقَدَّمَ قُلْت وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ فِعْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ.
(وَيُنَادَى لِعِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، أَوْ الصَّلَاةَ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُنَادَى لِكُسُوفٍ لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاسْتِسْقَاءٍ وَعِيدٍ الصَّلَاةَ جَامِعَةً أَوْ الصَّلَاةَ، بِنَصْبِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ: بِنَصْبِهِمَا وَرَفْعِهِمَا وَقِيلَ: لَا يُنَادَى وَقِيلَ: لَا يُنَادَى فِي عِيدٍ كَجِنَازَةٍ وَتَرَاوِيحَ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ «لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ، وَلَا إقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيَأْتِي بَعْضُهُ) فِي مَوَاضِعِهِ.
(وَلَا يُنَادَى عَلَى الْجِنَازَةِ وَالتَّرَاوِيحِ) لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ مِنْ إنْشَادِ الشِّعْرِ، وَذِكْرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي قَدْ يَكُونُ أَكْثَرُهَا كَذِبًا، بَلْ هُوَ مِنْ النِّيَاحَةِ.
(فَإِنْ تَرَكَهُمَا) أَيْ: الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ (أَهْلُ بَلَدٍ قُوتِلُوا) أَيْ: قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِيَفْعَلُوهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ، فَقُوتِلُوا عَلَى تَرْكِهِمَا كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا قَامَ بِهِمَا مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ غَالِبًا أَجْزَأَ عَنْ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِمَا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: «وَاِتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَالَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ وَكَرِهُوا أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا، وَلِأَنَّهُ يَقَعُ قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ أَشْبَهَ الْإِمَامَةَ.
(وَيَجُوزُ أَخْذُ الْجَعَالَةِ) عَلَيْهِمَا (وَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ) مُفَصَّلًا (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِهِمَا رَزَقَ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ: أَعْطَى مِنْ مَالِ الْفَيْءِ لِأَنَّهُ الْمُعَدُّ لِلْمَصَالِحِ وَالرِّزْقُ الْعَطَاءُ وَالرِّزْقُ مَا يَنْفَعُ وَلَوْ مُحَرَّمًا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْأَرْزَاقُ نَوْعَانِ ظَاهِرَةٌ لِلْأَبْدَانِ كَالْأَقْوَاتِ، وَبَاطِنَةٌ لِلْقُلُوبِ وَالنُّفُوسِ، كَالْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ (مَنْ يَقُومُ بِهِمَا) لِأَنَّ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةً إلَيْهِمَا قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَيْهِ (وَلَا يَجُوزُ بَذْلُ الرِّزْقِ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْ يَقُومُ بِهِمَا (مَعَ وُجُودِ الْمُتَطَوِّعِ) بِهِمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَيُسَنُّ أَذَانٌ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ الْيُمْنَى، حِينَ يُولَدُ، وَ) أَنْ (يُقِيمَ فِي الْيُسْرَى) مِنْ أُذُنَيْهِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَلِخَبَرِ ابْنِ السُّنِّيِّ «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» أَيْ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ وَلِيَكُونَ التَّوْحِيدُ أَوَّلَ شَيْءٍ يَقْرَعُ سَمْعَهُ حِينَ خُرُوجِهِ إلَى الدُّنْيَا، كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ طَرْدِ الشَّيْطَانِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَفِرُّ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَفِي مُسْنَدِ رَزِينٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ» وَالْمُرَادُ أُذُنُهُ الْيُمْنَى قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى.
(وَيُسَنُّ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ صَيِّتًا) أَيْ: رَفِيعَ الصَّوْتِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» وَاخْتَارَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِلْأَذَانِ، لِكَوْنِهِ صَيِّتًا، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (أَمِينًا) أَيْ: عَدْلًا، لِمَا رَوَى أَبُو مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أُمَنَاءُ النَّاسِ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَسُحُورِهِمْ الْمُؤَذِّنُونَ» رَوَاه الْبَيْهَقِيُّ.
وَفِي إسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَلِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُؤْتَمَنُ أَنْ يَغُرَّهُمْ بِأَذَانِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَعْلُو لِلْأَذَانِ، فَلَا يُؤْمَنُ مِنْهُ النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَاتِ (بَصِيرًا) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَعْرِفُ الْوَقْتَ، فَرُبَّمَا غَلِطَ.
وَكَرِهَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ أَذَانَهُ وَكَرِهَ ابْنُ عَبَّاسٍ إقَامَتَهُ (عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ) لِيَتَحَرَّاهَا، فَيُؤَذِّنَ فِي أَوَّلِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْخَطَإِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُؤَذِّنُ (عَبْدًا، وَيَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ) قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حُرِّيَّتُهُ اتِّفَاقًا، لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَيْ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ) الْمُؤَذِّنُ (حَسَنَ الصَّوْتِ) قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَرَقُّ لِسَامِعِهِ (وَأَنْ يَكُونَ بَالِغًا) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَلِأَنَّهُ أَكْمَلُ (وَإِنْ كَانَ) الْمُؤَذِّنُ (أَعْمَى وَلَهُ مَنْ يُعْلِمُهُ بِالْوَقْتِ لَمْ يُكْرَهْ نَصًّا) لِفِعْلِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ.
(فَإِنْ تَشَاحَّ) مِنْ الشُّحِّ وَهُوَ الْبُخْلُ مَعَ حِرْصٍ (فِيهِ) أَيْ: الْأَذَانِ (اثْنَانِ فَأَكْثَرُ قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدَّمَ بِلَالًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ لِكَوْنِهِ أَنْدَى صَوْتًا مِنْهُ» وَقِسْنَا بَقِيَّةَ الْخِصَالِ عَلَيْهِ (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ قُدِّمَ (أَفْضَلُهُمَا فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا قُدِّمَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي الصَّوْتِ، فَبِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّ مُرَاعَاتَهُمَا أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الصَّوْتِ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِفَقْدِهِمَا أَشَدُّ (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ قُدِّمَ (مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ الْمُصَلُّونَ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِهِمْ فَكَانَ لِرِضَاهُمْ أَثَرٌ فِي التَّقْدِيمِ، وَلِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ يَبْلُغُهُمْ صَوْتُهُ، وَمَنْ هُوَ أَعَفُّ عَنْ النَّظَرِ.
(فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَشَاحَّ النَّاسُ فِي الْأَذَانِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ وَلِأَنَّهَا تُزِيلُ الْإِبْهَامَ (وَإِنْ قَدَّمَ) مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْدِيمِ (أَحَدَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ) فِي الْخِصَالِ السَّابِقَةِ (لِكَوْنِهِ أَعْمَرَ لِلْمَسْجِدِ وَأَتَمَّ مُرَاعَاةً لَهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَقْدَمَ تَأْذِينًا أَوْ أَبُوهُ) أَقْدَمَ تَأْذِينًا (أَوْ لِكَوْنِهِ) (مِنْ أَوْلَادِ مَنْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ فِيهِ، فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ.
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ بِهَذِهِ الْخِصَالِ إلَّا إذَا رَآهَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْدِيمِ، بِخِلَافِ الْخِصَالِ الَّتِي قَبْلَهَا (وَبَصِيرٌ، وَحُرٌّ، وَبَالِغٌ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِمْ) فَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْ الْأَعْمَى، وَالْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَالْمُبَعَّضِ، وَالْبَالِغُ أَوْلَى مِمَّنْ دُونَهُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَتُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُ) فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَالْحِكَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ صِحَّتُهُ، لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا بَقَاءُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ مَنْ هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ (وَعَقْلُهُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ (وَإِسْلَامُهُ) لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ (وَتَمْيِيزُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَيُجْزِي أَذَانُ مُمَيِّزٍ.
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: الْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَذَانَ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَيُعْتَمَدُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ صَبِيٌّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ، وَلَا يُعْتَمَدُ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَمَّا الْأَذَانُ الَّذِي يَكُونُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً فِي مِثْلِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الْمِصْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا فِيهِ الرِّوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ (وَعَدَالَتُهُ، وَلَوْ مَسْتُورًا) فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْأَمَانَةِ وَالْفَاسِقُ غَيْرُ أَمِينٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ فَأَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَيَصِحُّ أَذَانُهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ) أَيْ: الْمُؤَذِّنِ (بِالْوَقْتِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ.
(وَالْمُخْتَارُ أَذَانُ بِلَالِ) بْنِ رَبَاحٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَمْسَ عَشَرَةَ كَلِمَةً، أَيْ: خَمْسَ عَشَرَةَ جُمْلَةً لَا تَرْجِيعَ فِيهِ وَالْإِقَامَةُ إحْدَى عَشْرَةَ) جُمْلَةً لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ كَذَلِكَ وَيُقِيمُ حَضَرًا وَسَفَرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ أَحْمَدُ هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ قِيلَ لَهُ: إنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ بَعْدَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ.
وَأَقَرَّ بِلَالًا لِأَذَانِ عَبْدِ اللَّهِ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ الْبُخَارِيُّ «إلَّا الْإِقَامَةَ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ، مَرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ.
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَيْ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، أَوْ هُوَ بِمَعْنَى كَبِيرٍ وَقَوْلُهُ أَشْهَدُ أَيْ: أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ: أَقْبِلُوا إلَيْهَا، وَقِيلَ أَسْرِعُوا وَالْفَلَاحُ الْفَوْزُ وَالْبَقَاءُ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَبْقَى فِيهَا وَيَخْلُدُ وَقِيلَ: هُوَ الرُّشْدُ وَالْخَيْرُ وَطَالِبُهُمَا مُفْلِحٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إلَى الْفَلَاحِ وَمَعْنَاهُ: هَلُمُّوا إلَى سَبَبِ ذَلِكَ وَخَتَمَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِيَخْتِمَ بِالتَّوْحِيدِ وَبِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا ابْتَدَأَ بِهِ وَشُرِعَتْ الْمَرَّةُ إشَارَةً إلَى وَحْدَانِيَّةِ الْمَعْبُودِ سُبْحَانَهُ.
(فَإِنْ رَجَّعَ فِي الْأَذَانِ بِأَنْ يَقُولَ الشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا) بِحَيْثُ يُسْمِعُ مَنْ يَقْرُبُهُ أَوْ أَهْلَ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ وَاقِفًا، وَالْمَسْجِدُ مُتَوَسِّطُ الْخَطِّ (بَعْدَ التَّكْبِيرِ، ثُمَّ يَجْهَرُ بِهِمَا) فَالتَّرْجِيعُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الرَّفْعِ بَعْدَ أَنْ تَرَكَهُ، أَوْ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا (أَوْ ثَنَّى الْإِقَامَةَ لَمْ يُكْرَهْ) لِأَنَّ تَرْجِيعَ الْأَذَانِ فِعْلُ أَبِي مَحْذُورَةَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى الْيَوْمِ.
وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحِكْمَةُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا بِتَدَبُّرٍ وَإِخْلَاصٍ، لِكَوْنِهِمَا الْمُنْجِيَتَيْنِ مِنْ الْكُفْرِ، الْمُدْخِلَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ.
وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَمَرَ أَبَا مَحْذُورَةَ بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا لِيَحْصُلَ لَهُ الْإِخْلَاصُ بِهِمَا فَإِنَّهُ فِي الْإِسْرَارِ أَبْلَغُ وَخَصَّ أَبَا مَحْذُورَةَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِمَا حِينَئِذٍ فَإِنَّ فِي الْخَبَرِ «أَنَّهُ كَانَ مُسْتَهْزِئًا يَحْكِي أَذَانَ مُؤَذِّنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَهُ، فَدَعَاهُ فَأَمَرَهُ بِالْأَذَانِ» وَقَصَدَ نُطْقَهُ بِهِمَا لِيُسْلِمَ بِذَلِكَ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ بِلَالًا وَلَا غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ ثَابِتُ الْإِسْلَامِ، وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ خَبَرَ أَبِي مَحْذُورَةَ مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ عَمَلِ الشَّافِعِيِّ بِهِ فِي الْإِقَامَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَذَانِ.
(وَلَا يُشْرَعُ) الْأَذَانُ (بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ) أَيْ: قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مَحْذُورَةَ «فَإِذَا كَانَ أَذَانُ الْفَجْرِ فَقُلْ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ بِلَالًا جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ نَائِمٌ فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، مَرَّتَيْنِ» قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ (سَوَاءٌ أَذَّنَ مُغْلِسًا أَوْ مُسْفِرًا) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَهُوَ) أَيْ: قَوْلُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ يُسَمَّى (التَّثْوِيبَ) مِنْ ثَابَ بِالْمُثَلَّثَةِ، إذَا رَجَعَ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا لِلصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا وَاخْتَصَّتْ الْفَجْرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَنَامُ النَّاسُ فِيهِ غَالِبًا.
(وَيُكْرَهُ) التَّثْوِيبُ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ الْفَجْرِ، أَيْ: أَذَانِهَا لِقَوْلِ بِلَالٍ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُثَوِّبَ فِي الْفَجْرِ، وَنَهَانِي أَنْ أُثَوِّبَ فِي الْعِشَاءِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
(وَ) يُكْرَهُ التَّثْوِيبُ (بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) لِمَا رَوَى مُجَاهِدٌ أَنَّهُ «لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ مَكَّةَ أَتَاهُ أَبُو مَحْذُورَةَ وَقَدْ أَذَّنَ فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَقَالَ: وَيْحَك، يَا مَجْنُونُ أَمَا كَانَ فِي دُعَائِك الَّذِي دَعَوْتنَا مَا نَأْتِيك حَتَّى تَأْتِيَنَا» وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَى الصَّلَاةِ، فَكَانَ مَكْرُوهًا كَتَخْصِيصِ الْأُمَرَاءِ بِهِ.
(وَكَذَا النِّدَاءُ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ الْأَذَانِ فِي الْأَسْوَاقِ وَغَيْرِهَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: الصَّلَاةَ، أَوْ الْإِقَامَةَ، أَوْ الصَّلَاةَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: هَذَا إذَا كَانُوا قَدْ سَمِعُوا النِّدَاءَ الْأَوَّلَ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ أَوْ الْبَعِيدُ مِنْ الْجِيرَانِ قَدْ سَمِعَ النِّدَاءَ الْأَوَّلَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَنْبِيهُهُ وَقَالَ) الشَّيْخُ (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فَإِنْ تَأَخَّرَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَإِمَامُ الْحَيِّ أَوْ أَمَاثِلُ الْجِيرَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْضِيَ إلَيْهِ مُنَبِّهٌ يَقُولُ لَهُ: قَدْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ انْتَهَى) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ الْأَذَانَ.
(وَيُكْرَهُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُؤَذِّنِ (قَبْلَ الْأَذَانِ: وَقُلْ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} الْآيَةَ) أَيْ: اقْرَأْهَا وَنَحْوُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ وَصَلَهُ) أَيْ الْأَذَانَ (بَعْدَهُ بِذِكْرٍ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ) لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ.
(وَ) يُكْرَهُ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْإِقَامَةِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ) مِنْ الْمُحْدَثَاتِ.
(وَلَا بَأْسَ بِالنَّحْنَحَةِ قَبْلَهُمَا) أَيْ: قَبْلَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (وَ) لَا بَأْسَ بِ (أَذَانٍ وَاحِدٍ بِمَسْجِدَيْنِ لِجَمَاعَتَيْنِ) لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ فِيهِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ) لِيُصَلِّيَ الْمُتَعَجِّلُ، وَيَتَأَهَّبَ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَتَرَسَّلَ فِي الْأَذَانِ) أَيْ: يَتَمَهَّلَ، وَيَتَأَتَّى، مِنْ قَوْلِهِمْ: جَاءَ فُلَانٌ عَلَى رِسْلِهِ (وَ) أَنْ (يَحْدُرَ الْإِقَامَةَ) أَيْ: يُسْرِعَ فِيهَا، لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ «يَا بِلَالُ إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْت فَاحْدُرْ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ صَاحِبِ الشِّفَاءِ وَهُوَ إسْنَادٌ مَجْهُولٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ.
وَعَنْ عُمَرَ مَعْنَاهُ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَلِأَنَّهُ إعْلَامُ الْغَائِبِينَ، فَالتَّثْبِيتُ فِيهِ أَبْلَغُ، وَالْإِقَامَةُ إعْلَامُ الْحَاضِرِينَ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِيهَا (وَلَا يُعْرِبُهُمَا) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ (بَلْ يَقِفُ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ) مِنْهُمَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ شَيْئَانِ مَجْزُومَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُؤَذِّنَ) قَائِمًا (وَ) أَنْ (يُقِيمَ قَائِمًا) لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ قُمْ فَأَذِّنْ» وَكَانَ مُؤَذِّنُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَذِّنُونَ قِيَامًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأَسْمَاعِ.
(وَيُكْرَهَانِ مِنْ قَاعِدٍ، وَرَاكِبٍ، وَمَاشٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ) كَالْخُطْبَةِ قَاعِدًا فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ جَازَ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَمْ يَذْكُرُوا الِاضْطِجَاعَ وَيَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ لَكِنْ يُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَلَا يُكْرَهَانِ (لِمُسَافِرٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَذَّنَ فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثَيْنِ) الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُؤَذِّنْ إلَّا مُتَوَضِّئٌ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَقَالَ هُوَ أَصَحُّ وَحُكْمُ الْإِقَامَةِ كَذَلِكَ.
وَفِي الرِّعَايَةِ: يُسَنُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُتَطَهِّرًا مِنْ نَجَاسَةِ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ (فَإِنْ أَذَّنَ مُحْدِثًا) حَدَثًا أَصْغَرَ (لَمْ يُكْرَهْ) أَذَانُهُ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (وَتُكْرَهُ إقَامَةُ مُحْدِثٍ) لِلْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ.
(وَ) يُكْرَهُ (أَذَانُ جُنُبٍ) لِلْخِلَافِ فِي صِحَّتِهِ وَوَجْهُهَا: أَنَّ الْجَنَابَةَ أَحَدُ الْحَدَثَيْنِ، فَلَمْ تَمْنَعْ صِحَّتَهُ كَالْآخَرِ.
(وَيُسَنُّ) أَنْ يُؤَذِّنَ (عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ) أَيْ: مُرْتَفِعٍ، كَالْمَنَارَةِ وَنَحْوِهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ «كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ، فَيَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ فَيَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعْدِيكَ وَأَسْتَنْصِرُكَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَكَ قَالَتْ: ثُمَّ يُؤَذِّنُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِالْأَذَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُؤَذِّنُونَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ فَإِنْ أَخَلَّ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَصَحَّ (فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ الْتَفَتَ) بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ وَصَدْرِهِ.
وَظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ بِصَدْرِهِ (يَمِينًا لُحَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَ) الْتَفَتَ (شِمَالًا لُحَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فِي الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ) لِحَدِيثِ، أَبِي جُحَيْفَةَ وَيَأْتِي (وَيُقِيمُ) أَيْ: يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ (فِي مَوْضِعِ أَذَانِهِ) لِقَوْلِ بِلَالٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقِيمُ بِالْمَسْجِدِ لَمَا خَافَ أَنْ يَسْبِقَهُ بِهَا كَذَا اسْتَنْبَطَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «كُنَّا إذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَكَالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ (إلَّا أَنْ يَشُقَّ) عَلَى الْمُؤَذِّنِ أَنْ يُقِيمَ فِي مَوْضِعِ أَذَانِهِ (بِحَيْثُ يُؤَذِّنُ فِي الْمَنَارَةِ أَوْ) يُؤَذِّنُ (فِي مَكَان بَعِيدٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَيُقِيمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ) الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ، أَيْ: فَيُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَفُوتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ، وَدَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ (وَلَا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ) عِنْدَ قَوْلِهِ «حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ» فِي الْأَذَانِ بَلْ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَلَوْ أَعْقَبَهُ لَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِحَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ «أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، فَخَرَجَ وَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلَالٌ فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِيهِ «فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ».
(قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (وَالْمَجْدُ) عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ تَيْمِيَّةَ (وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوَّرِ (إلَّا فِي مَنَارَةٍ وَنَحْوِهَا) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ (وَيَجْعَلُ إصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ) لِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ أَنَّ بِلَالًا وَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَعَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَ بِلَالًا بِذَلِكَ وَقَالَ إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَرْفَعَ وَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ فِيهِ) أَيْ: الْأَذَانِ (كُلِّهِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ وَكَذَا فِي الْإِقَامَةِ (وَيَتَوَلَّاهُمَا) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَاحِدٌ (مَعًا فَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُ مَنْ أَذَّنَ) لِمَا فِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ حِينَ أَذَّنَ قَالَ «فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيمُ أَخُو صُدَاءَ فَإِنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِفْرِيقِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُمَا ذِكْرَانِ يَتَقَدَّمَانِ الصَّلَاةَ فَسُنَّ أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا وَاحِدٌ كَالْخُطْبَتَيْنِ.
(وَلَا يَصِحُّ) الْأَذَانُ وَكَذَا الْإِقَامَةُ (إلَّا مُرَتَّبًا) لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُعْتَدٌّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِنَظْمِهِ، كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ (مُتَوَالِيًا عُرْفًا) لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ مُوَالَاةٍ وَشُرِعَ فِي الْأَصْلِ كَذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ الْأَذَانَ مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا» (مَنْوِيًّا) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (مِنْ وَاحِدٍ فَلَوْ أَتَى) وَاحِدٌ (بِبَعْضِهِ، وَكَمَّلَهُ آخَرُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ) كَالصَّلَاةِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (لِعُذْرٍ) بِأَنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ، وَنَحْوِهِ مَنْ شَرَعَ فِي الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ فَكَمَّلَهُ الثَّانِي.
(وَإِنْ نَكَّسَهُ) أَيْ: الْأَذَانَ أَوْ الْإِقَامَةَ، بِأَنْ قَدَّمَ بَعْضَ الْجُمَلِ عَلَى بَعْضٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ (أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ، وَلَوْ بِ) سَبَبِ (نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ) فَرَّقَ بَيْنَهُ (بِكَلَامٍ كَثِيرٍ) لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، لِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ (أَوْ) فَرَّقَ بَيْنَهُ بِكَلَامٍ (مُحَرَّمٍ كَسَبٍّ وَقَذْفٍ وَنَحْوِهِمَا) وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّهُ سَامِعُهُ مُتَلَاعِبًا أَشْبَهَ الْمُسْتَهْزِئَ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ (أَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْأَذَانِ.
(وَيُكْرَهُ فِيهِ) أَيْ: الْأَذَانِ (سُكُوتٌ يَسِيرٌ) بِلَا حَاجَةٍ (وَ) كُرِهَ فِيهِ (كَلَامٌ) مُبَاحٌ يَسِيرٌ (بِلَا حَاجَةٍ) فَإِنْ كَانَ لَهَا لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدَ وَلَهُ صُحْبَةٌ كَانَ يَأْمُرُ غُلَامَهُ بِالْحَاجَةِ فِي أَذَانِهِ (كَإِقَامَةٍ) فَيُكْرَهُ فِيهَا سُكُوتٌ يَسِيرٌ وَكَلَامٌ (وَلَوْ لِحَاجَةٍ) قَالَ أَبُو دَاوُد قُلْت لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ فِي أَذَانِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: يَتَكَلَّمُ فِي الْإِقَامَةِ قَالَ: لَا وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حَدْرُهَا وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَذَانَ كَالْإِقَامَةِ.
(وَلَهُ رَدُّ سَلَامٍ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَبْطُلَانِ بِهِ، وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ إذَنْ غَيْرُ مَسْنُونٍ (وَيَكْفِي مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ فِي الْمِصْرِ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ لِأَهْلِهِ الْعِلْمُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَقَدْ حَصَلَ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: مَتَى أَذَّنَ وَاحِدٌ سَقَطَ عَمَّنْ صَلَّى مَعَهُ مُطْلَقًا خَاصَّةً (وَيَكْفِي بَقِيَّتَهُمْ) أَيْ: بَقِيَّةَ أَهْلِ الْمِصْرِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ الْوَاحِدُ، بِحَيْثُ حَصَلَ لِأَهْلِهِ الْعِلْمُ (الْإِقَامَةُ) فَلَا يُطْلَبُ الْأَذَانُ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ وَكَذَا الْإِقَامَةُ لَا تُطْلَبُ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ لَكِنْ يُقِيمُ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ وَاحِدٌ.
(فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِعْلَامُ بِ) أَذَانٍ (وَاحِدٍ زِيدَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ يُؤَذِّنُ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ) مِنْ الْبَلَدِ (أَوْ) يُؤَذِّنُونَ (دُفْعَةً وَاحِدَةً بِمَكَانٍ وَاحِدٍ) قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَيُقِيمُ أَحَدُهُمْ) إنْ حَصَلَتْ بِهِ الْكِفَايَةُ وَإِلَّا أَقَامَ مَنْ يَكْفِي كَمَا فِي الْمُنْتَهَى وَإِنْ أَذَّنَ اثْنَانِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ أَوَّلًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَرَفْعُ الصَّوْت بِهِ) أَيْ الْأَذَانِ (رُكْنٌ) مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِحَاضِرٍ، فَبِقَدْرِ مَا يَسْمَعُهُ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ (بِقَدْرِ طَاقَتِهِ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَقَوْلُهُ (لِيَحْصُلَ السَّمَاعُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ رُكْنٌ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ أَيْ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِرَفْعِ الصَّوْتِ (وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ) فِي رَفْعِ الصَّوْتِ (فَوْقَ طَاقَتِهِ) خَشْيَةَ ضَرَرٍ.
(وَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ، أَوْ) أَذَّنَ (لِحَاضِرٍ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً (خُيِّرَ) بَيْنَ رَفْعِ الصَّوْتِ وَخَفْضِهِ (وَرَفْعُ الصَّوْتِ أَفْضَلُ) مِنْ خَفْضِهِ (وَإِنْ خَافَتَ بِبَعْضِهِ وَجَهَرَ بِبَعْضِهِ فَلَا بَأْسَ) قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ بَلْ هُوَ كَالْمَقْطُوعِ بِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ إنْ أَذَّنَ فِي الْوَقْتِ لِلْغَائِبِينَ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ فَزَادَ: فِي الصَّحْرَاءِ، وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: رَفْعُ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ تَقُومُ بِهِ الْجَمَاعَةُ رُكْنٌ.
(وَوَقْتُ الْإِقَامَةِ إلَى الْإِمَامِ، فَلَا يُقِيمُ) الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةَ (إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ (وَ) وَقْتُ (أَذَانٍ إلَى الْمُؤَذِّنِ) فَيُؤَذِّنُ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنْ الْإِمَامُ قَالَ فِي الْجَامِعِ: يَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ لَا يُقِيمَ حَتَّى يَحْضُرَ الْإِمَامُ، وَيَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ نَصَّ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «الْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ» فَقَالَ: الْإِمَامُ يَقَعُ لَهُ الْأَمْرُ، أَوْ تَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ فَإِذَا أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُقِيمَ أَقَامَ انْتَهَى.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ الْمُؤَذِّنَ كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَفِيهِ إعْلَامُ الْمُؤَذِّنِ لِلْإِمَامِ بِالصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا وَفِيهِمَا قَوْلُ عُمَرَ «الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ» وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ جَاءَ الْغَائِبُ لِلصَّلَاةِ أَقَامَ حِينَ يَرَاهُ لِلْخَبَرِ.
(وَيَحْرُمُ أَنْ يُؤَذِّنَ غَيْرُ) الْمُؤَذِّنِ (الرَّاتِبِ إلَّا بِإِذْنِهِ، إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ) وَقْتِ (التَّأْذِينِ) كَالْإِمَامِ جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي (وَمَتَى جَاءَ) الرَّاتِبُ (وَقَدْ أَذَّنَ) غَيْرُهُ (قَبْلَهُ أَعَادَ) الرَّاتِبُ الْأَذَانَ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: اسْتِحْبَابًا.
(وَلَا يَصِحُّ) الْأَذَانُ (قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ) لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَهُوَ حَثٌّ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يَصِحَّ فِي وَقْتٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ (كَالْإِقَامَةِ إلَّا الْفَجْرَ، فَيُبَاحُ) الْأَذَانُ لَهَا (بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) لِأَنَّ مُعْظَمَهُ قَدْ ذَهَبَ وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ وَقْتُ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارِ وَيَدْخُلُ وَقْتُ الدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَيُعْتَدُّ بِالْأَذَانِ إذَنْ سَوَاءٌ بِرَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ وَفِيهِمْ الْجُنُبُ وَالنَّائِمُ فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ أَذَانِهِ، حَتَّى يَتَهَيَّئُوا لَهَا، فَيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ (وَاللَّيْلُ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ غُرُوبَ الشَّمْسِ وَآخِرُهُ طُلُوعَهَا، كَمَا أَنَّ النَّهَارَ الْمُعْتَبَرَ نِصْفُهُ، أَوَّلُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَآخِرُهُ غُرُوبُهَا) لِانْقِسَامِ الزَّمَانِ إلَى لَيْلٍ وَنَهَارٍ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ) أَيْ أَذَانِ الْفَجْرِ (قَبْلَ الْوَقْتِ كَثِيرًا) لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ الْقَاسِمُ «وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ ذَا وَيَرْقَى ذَا».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَجْمُوعُ مَا رُوِيَ فِي تَقْدِيمِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ إنَّمَا هُوَ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْأَذَانِ لِلْفَجْرِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ، فَخِلَافُ السُّنَّةِ إنْ سُلِّمَ جَوَازُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَجْعَلَ أَذَانَهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي اللَّيَالِي كُلِّهَا) فَلَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ لِئَلَّا يَغُرَّ النَّاسَ (وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي الْوَقْتِ، وَأَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً لِئَلَّا يَغُرَّ النَّاسَ وَيُكْرَهُ) الْأَذَانُ (فِي رَمَضَانَ قَبْلَ فَجْرٍ ثَانٍ، مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ (أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَلَا) يُكْرَهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت».
(وَمَا سِوَى التَّأْذِينِ قَبْلَ الْفَجْرِ) وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ (مِنْ التَّسْبِيحِ وَالنَّشِيدِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي الْمَآذِنِ) أَوْ غَيْرِهَا (فَلَيْسَ بِمَسْنُونٍ وَمَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَهْدِ أَصْحَابِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِيمَا كَانَ عَلَى عَهْدِهِمْ يُرَدُّ إلَيْهِ (فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ وَلَا يُنْكِرَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ وَلَا يُعَلِّقَ اسْتِحْقَاقَ الرِّزْقِ بِهِ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى بِدْعَةٍ (وَلَا يَلْزَمُ فِعْلُهُ وَلَوْ شَرَطَهُ وَاقِفٌ) لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ (وَقَالَ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ تَلْبِيسِ إبْلِيسَ: وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَقُومُ بِلَيْلٍ كَثِيرًا عَلَى الْمَنَارَةِ فَيَعِظُ وَيُذَكِّرُ، وَيَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ، فَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ نَوْمِهِمْ، وَيَخْلِطُ عَلَى الْمُتَهَجِّدِينَ قِرَاءَتَهُمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ انْتَهَى.
(وَيُسَنُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِقَامَةَ) بَعْدَ الْأَذَانِ (بِقَدْرِ) مَا يَفْرُغُ الْإِنْسَانُ مِنْ (حَاجَتهِ) أَيْ: بَوْلِهِ وَغَائِطِهِ (وَ) بِقَدْرِ (وُضُوئِهِ، وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ، وَلِيَفْرُغَ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَنَحْوِهِ) أَيْ: كَالشَّارِبِ مِنْ شُرْبِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ «اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُقْتَضِي إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
(وَ) يُسَنُّ (فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ: إذَا أَذَّنَ لَهَا أَنْ (يَجْلِسَ قَبْلَهَا) أَيْ: الْإِقَامَةِ (جِلْسَةً خَفِيفَةً) لِمَا سَبَقَ وَلِمَا رَوَى تَمَّامٌ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ سُنَّةٌ فِي الْمَغْرِبِ» وَلِأَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ فَسُنَّ تَأْخِيرُ الْإِقَامَةِ لِلْإِدْرَاكِ كَمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا فِي غَيْرِهَا (وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا) وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ (بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ بَعْضُهُمْ خَفِيفَتَيْنِ وَقِيلَ: وَالْوُضُوءِ (ثُمَّ يُقِيمُ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالْأَوَّلُ، أَيْ: الْجُلُوسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً: هُوَ الْمَذْهَبُ انْتَهَى قُلْت فَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْخُلْفُ لَفْظِيٌّ فَيَرْجِعَانِ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ مَعْنًى.
(وَلَا يُحْرِمُ إمَامٌ وَهُوَ) أَيْ: الْمُقِيمُ (فِي الْإِقَامَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْإِقَامَةِ (وَيُسْتَحَبُّ) الْإِحْرَامُ (عَقِبَ فَرَاغهِ مِنْهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ وَظَاهِرُهُ: لَا تُعْتَبَرُ مُوَالَاةٌ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذَا أَقَامَ عِنْدَ إرَادَةِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، لِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَتُصَلِّي فَأُقِيمَ» وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ ذَهَبَ فَاغْتَسَلَ» وَظَاهِرُهُ: طُولُ الْفَصْلِ وَلَمْ يُعِدْهَا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَتُبَاحُ رَكْعَتَانِ قَبْلَ) صَلَاةِ (الْمَغْرِبِ) بَعْدَ أَذَانِهِ فَلَا يُكْرَهَانِ وَلَا يُسْتَحَبَّانِ وَعَنْهُ يُسَنُّ فِعْلُهُمَا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ وَعَنْهُ «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ (وَفِيهِمَا) أَيْ: الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ثَوَابٌ قُلْت هَذَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُفْرَدَاتِ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا (ثَوَابَ) فِي فِعْلِهِ وَلَا تَرْكِهِ.
(وَيَحْرُمُ خُرُوجٌ مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَ الْأَذَانِ، بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ) لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَدْرَكَهُ الْأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ، لَمْ يَخْرُجْ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ (إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى).
نَقَلَ صَالِحٌ لَا يَخْرُجُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا يَنْبَغِي وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَخْرُجَ وَكَرِهَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَأَبُو الْمَعَالِي وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ يَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ نَصَّ عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ: إنْ كَانَ التَّأْذِينُ لِلْفَجْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يُكْرَهْ الْخُرُوجُ) أَيْ: مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ (نَصًّا) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُومَ) الْإِنْسَانُ (إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ) أَيْ: شَرَعَ (فِي الْأَذَانِ) (بَلْ يَصْبِرُ قَلِيلًا) أَيْ: إلَى أَنْ يَفْرُغَ، أَوْ يُقَارِبَ الْفَرَاغَ (لِأَنَّ فِي التَّحَرُّكِ عِنْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ تَشَبُّهًا بِالشَّيْطَانِ) حَيْثُ يَفِرُّ عِنْدَ سَمَاعِهِ كَمَا فِي الْخَبَرِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمَغْرِبِ فَحِينَ انْتَهَى إلَى مَوْضِعِ الصَّفِّ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَلَسَ انْتَهَى لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ وَبِلَالٌ فِي الْإِقَامَةِ فَقَعَدَ».
(وَمَنْ جَمَعَ صَلَاتَيْنِ) أَذَّنَ لِلْأُولَى، وَأَقَامَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ كَانَ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
(أَوْ قَضَى فَوَائِتَ أَذَّنَ لِ) الصَّلَاةِ (الْأُولَى فَقَطْ ثُمَّ أَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَغَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ، حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» رَوَاه النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ: وَقَالَ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ.
(وَيُجْزِئُ أَذَانُ مُمَيِّزٍ لِبَالِغِينَ) لِمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي أَنْ أُؤَذِّنَ لَهُمْ، وَأَنَا غُلَامٌ لَمْ أَحْتَلِمْ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ شَاهِدٌ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ» وَلِأَنَّهُ ذَكَرٌ تَصِحُّ صَلَاتُهُ فَصَحَّ أَذَانُهُ، كَالْبَالِغِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِيهِ.
(وَ) يَصِحُّ أَذَانٌ (مُلَحَّنٌ) وَهُوَ الَّذِي فِيهِ تَطْرِيبٌ، يُقَالُ: لَحَّنَ فِي قِرَاءَتِهِ إذَا طَرَّبَ بِهِ وَغَرَّدَ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ.
(وَ) يَصِحُّ أَذَانٌ (مَلْحُونٌ إنْ لَمْ يُحِلْ) لَحْنُهُ (الْمَعْنَى) كَمَا لَوْ رَفَعَ الصَّلَاةَ أَوْ نَصَبَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إجْزَاءَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى (مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْمُلَحَّنِ وَالْمَلْحُونِ قَالَ أَحْمَدُ كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ أَكْرَهُهُ مِثْلُ التَّطْرِيبِ (فَإِنْ أَحَالَ) اللَّحْنَ (الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ: بِهَمْزَةٍ مَعَ الْوَاوِ بِدَلِيلِ رَسْمِ الْأَلِفِ بَعْدَهَا وَأَمَّا لَوْ قَلَبَ الْهَمْزَةَ وَاوَ الْوَقْفِ لَمْ يَكُنْ لَحْنًا لِأَنَّهُ لُغَةٌ وَقُرِئَ بِهِ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ (لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ) كَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ.
وَيُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا مِنْ ذِي لُثْغَةٍ فَاحِشَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَاحِشَةً لَمْ يُكْرَهْ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُبَدِّلُ الشِّينَ سِينًا وَالْفَصِيحُ أَحْسَنُ وَأَكْمَلُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَلَا يُجْزِئُ أَذَانُ فَاسِقٍ) ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَتَقَدَّمَ تَعْلِيلُهُ (وَ) لَا أَذَانُ (خُنْثَى وَامْرَأَةٍ) لِأَنَّ رَفْعَ صَوْتِهِمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَخْرُجُ الْأَذَانُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً فَلَمْ يَصِحَّ كَالْحِكَايَةِ.
(وَيُسَنُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَلَوْ) سَمِعَ مُؤَذِّنًا (ثَانِيًا وَثَالِثًا حَيْثُ سُنَّ) الْأَذَانُ ثَانِيًا وَثَالِثًا، لِسِعَةِ الْبَلَدِ أَوْ نَحْوِهَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لَكِنْ لَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَأَجَابَهُ وَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَا يُجِيبُ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَدْعُوٍّ بِهَذَا الْأَذَانِ (حَتَّى) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُجِيبَ (نَفْسَهُ نَصًّا) صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ جَمَاعَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ آخَرِينَ لَا يُجِيبُ نَفْسَهُ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ السَّبْعِينَ: الْأَرْجَحُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ نَفْسَهُ (أَوْ) أَيْ: وَيُسَنُّ لِمَنْ سَمِعَ (الْمُقِيمَ) حَتَّى نَفْسَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (أَنَّ مَا يَقُولُ مُتَابَعَةٌ) لِ (قَوْلِهِ سِرًّا كَمَا يَقُولُ).
الْمُؤَذِّنُ وَالْمُقِيمُ (وَلَوْ) كَانَ السَّامِعُ (فِي طَوَافِ) فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ (أَوْ) كَانَ السَّامِعُ (امْرَأَةً أَوْ تَالِيًا وَنَحْوَهُ) كَالذَّاكِرِ (فَيَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ) أَوْ الذِّكْرَ (وَيُجِيبُهُ) لِعُمُومِ مَا يَأْتِي، (وَلَا) يُجِيبُ السَّامِعُ إنْ كَانَ (مُصَلِّيًا) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (وَ) لَا إنْ كَانَ (مُتَخَلِّيًا) أَيْ: دَاخِلًا الْخَلَاءَ وَنَحْوَهُ، لِقَضَاءِ حَاجَتهِ (وَيَقْضِيَانِهِ) أَيْ: يَقْضِي الْمُصَلِّي وَالْمُتَخَلِّي مَا سَمِعَهُ مِنْ أَذَانٍ أَوْ إقَامَةٍ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ خَرَجَ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ عَلَى صِفَةِ مَا يُجِيبُهُ عَقِبَهُ.
(فَإِنْ أَجَابَهُ الْمُصَلِّي بَطَلَتْ) الصَّلَاةُ (بِالْحَيْعَلَةِ فَقَطْ) أَيْ: إذَا قَالَ السَّامِعُ مُجِيبًا لِلْمُؤَذِّنِ أَوْ الْمُقِيمِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، أَوْ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، دُونَ أَلْفَاظِ بَاقِي الْأَذَانِ لِأَنَّهَا أَقْوَالٌ مَشْرُوعَةٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ الْحَيْعَلَةِ، لِأَنَّهَا خِطَابُ آدَمِيٍّ، وَمِثْلُ الْحَيْعَلَةِ إذَا أَجَابَ فِي التَّثْوِيبِ بِصَدَقْتَ وَبَرِرْت فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ (إلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا يَقُولُ (فَيَقُولُ) السَّامِعُ لِلْحَيْعَلَةِ (لَا حَوْلَ) أَيْ: تَحَوُّلَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ (وَلَا قُوَّةَ) عَلَى ذَلِكَ (إلَّا بِاَللَّهِ) وَقِيلَ: لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِمَعُونَةِ اللَّهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَجْمَعُ وَأَشْمَلُ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ.
(وَ) يَقُولُ الْمُجِيبُ (عِنْدَ التَّثْوِيبِ) أَيْ: قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ: «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ» (صَدَقْت وَبَرِرْت) بِكَسْرِ الرَّاءِ (وَ) إلَّا (فِي الْإِقَامَةِ) فَيَقُولُ (عِنْدَ لَفْظِهَا أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا) لِمَا رَوَى عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا لَمْ يُتَابِعْهُ فِي الْحَيْعَلَةِ لِأَنَّهَا خِطَابٌ فَإِعَادَتُهُ عَبَثٌ بَلْ سَبِيلُهُ الطَّاعَةُ، وَسُؤَالُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَتَكُونُ الْإِجَابَةُ عَقِبَ كُلِّ جُمْلَةٍ لِلْخَبَرِ وَالْأَصْلُ فِي اسْتِحْبَابِ إجَابَةِ الْمُقِيمِ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا».
وَقَالَ فِي سَائِرِ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْأَذَانِ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّتْ الْإِجَابَةُ لِلْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ أَجْرِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَالْإِجَابَةِ وَالْحَيْعَلَةُ هِيَ قَوْلُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، عَلَى أَخْذِ الْحَاءِ وَالْيَاءِ مِنْ حَيَّ وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ مِنْ عَلَى كَمَا يُقَالُ: الْحَوْقَلَةُ فِي لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ عَلَى أَخْذِ الْحَاءِ مِنْ حَوْلَ وَالْقَافِ مِنْ قُوَّةَ وَاللَّامِ مِنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهَا.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إلَّا بِمَعُونَتِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا أَحْسَنُ مَا جَاءَ فِيهِ (وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْمُؤَذِّنُ قَدْ شَرَعَ فِي الْأَذَانِ لَمْ يَأْتِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا بِغَيْرِهَا، بَلْ يُجِيبُ) الْمُؤَذِّنَ (حَتَّى يَفْرَغَ) مِنْ أَذَانِهِ فَيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ بِشَرْطِهِ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ أَجْرِ الْإِجَابَةِ وَالتَّحِيَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: (وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ أَذَانِ الْخُطْبَةِ) أَيْ: الْأَذَانِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (لِأَنَّ سَمَاعَهَا) أَيْ: الْخُطْبَةِ أَهَمُّ مِنْ الْإِجَابَةِ، فَيُصَلِّي التَّحِيَّةَ إذَا دَخَلَ.
(ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغهِ) مِنْ الْأَذَانِ وَإِجَابَتِهِ (ثُمَّ يَقُولُ) كُلٌّ مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَسَامِعِهِ (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَمْ يَذْكُرْ وَالسَّلَامُ مَعَهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِدُونِهِ وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ.
تتمة:
اللَّهُمَّ أَصْلُهُ يَا اللَّهُ وَالْمِيمُ بَدَلٌ مِنْ يَاءِ النِّدَاءِ قَالَهُ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ يَا اللَّهُ أَمِّنَّا بِخَيْرٍ فَحُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الضَّرُورَةِ وَالدَّعْوَةِ بِفَتْحِ الدَّالِ هِيَ دَعْوَةُ الْأَذَانِ سُمِّيَتْ تَامَّةً لِكَمَالِهَا وَعَظَمَةِ مَوْقِعِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَصَفَهَا بِالتَّمَامِ لِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ، يُدْعَى بِهَا إلَى طَاعَتِهِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ صِفَةَ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مُعَرَّضٌ لِلنَّقْصِ وَالْفَسَادِ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ قَالَ لِأَنَّهُ مَا مِنْ مَخْلُوقٍ إلَّا وَفِيهِ نَقْصٌ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ الَّتِي سَتَقُومُ، وَتُفْعَلُ بِصِفَاتِهَا.
وَالْوَسِيلَةَ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ الْمَلِكِ وَهِيَ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَ«الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ» الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبَ الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى إظْهَارُ كَرَامَتهِ، وَعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مُنَكَّرًا فِي الصَّحِيحِ تَأَدُّبًا مَعَ الْقُرْآنِ؛ فَيَكُونُ قَوْلُهُ «الَّذِي وَعَدْته» مَنْصُوبًا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، أَوْ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ أَوْ مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
(ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَدْعُو هُنَا) أَيْ عِنْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَ) يَدْعُو (عِنْدَ الْإِقَامَةِ) فَعَلَهُ أَحْمَدُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ (وَيَقُولُ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِك وَإِدْبَارُ نَهَارِك، وَأَصْوَاتُ دُعَاتِك فَاغْفِرْ لِي) لِلْخَبَرِ.