فصل: بَاب النَّذْر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَاب النَّذْر:

(النَّذْر) مَصْدَرُ نَذَرْتُ أَنْذُرُ بِالضَّمِّ وَكَسْرِهَا فَأَنَا نَاذِرٌ أَيْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى:
{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} وَقَوْله:
{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَيَتَعَيَّنُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ التَّبَرُّرِ (وَهُوَ) أَيْ النَّذْرُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ (مَكْرُوهُ وَلَوْ عِبَادَةً) لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ.
وَقَالَ «إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ لِكَرَاهَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا مَدَحَ الْمُوَفِّينَ بِهِ لِأَنَّ ذَمّهُمْ بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ أَشَدُّ مِنْ طَاعَتِهِمْ فِي وَفَائِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ (لَا يَأْتِي) أَيْ النَّذْرُ (بِخَيْرٍ) لِلْخَبَرِ (وَلَا يَرُدُّ قَضَاءً) وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مُحْدَثًا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ (وَهُوَ) أَيْ النَّذْرُ (إلْزَامُ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْقَوْلِ شَيْئًا غَيْرَ لَازِمٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَ) قَوْلِهِ (عَلَيَّ لِلَّهِ أَوْ نَذَرْتُ لِلَّهِ وَنَحْوِهِ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ فَلَا يُنَفَّذُ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَالْإِقْرَارِ وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ وَلَا بِغَيْرِ قَوْلٍ إلَّا مِنْ أَخْرَسَ وَإِشَارَةٌ مَفْهُومَة كَيَمِينِهِ وَفِي نَذْرِ الْوَاجِبِ خِلَافٌ يَأْتِي فِي كَلَامِهِ (فَلَا تُعْتَبَر لَهُ صِيغَةٌ) بِحَيْثُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهَا بَلْ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ كَالْبَيْعِ.
(وَيَصِحُّ) النَّذْرُ (مِنْ كَافِرٍ) وَلَوْ (بِعِبَادَةٍ) لِحَدِيثِ عُمَرَ «إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ».
(فَإِنْ نَوَاهُ) أَيْ النَّذْرَ (النَّاذِرُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ كَالْيَمِينِ) لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِغَيْرِ الْقَوْلِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَيَقْتَضِي تَشْبِيهُهُ بِالطَّلَاقِ صِحَّتَهُ بِالْكِتَابَةِ وَمُقْتَضَى تَشْبِيهِهِ بِالنِّكَاحِ انْعِقَادُهُ بِهَا لَكِنَّ النِّكَاحَ أَضْيَقُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ بِخِلَافِ النَّذْرِ.
(وَيَنْعَقِدُ) النَّذْرُ (فِي وَاجِبٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ بِيَمِينٍ إنْ تَرَكَهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ فَفَعَلَهُ فَإِنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ إذَا نَذَرَهُ الْعَبْدُ أَوْ عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ أَوْ بَايَعَ عَلَيْهِ الرَّسُولَ أَوْ الْإِمَامَ أَوْ تَحَالَفَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ وَالْمَوَاثِيق تَقْتَضِي لَهُ وُجُوبًا ثَانِيًا غَيْرَ الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ وَاجِبًا مِنْ وَجْهَيْنِ وَيَكُونُ تَرْكُهُ مُوجِبَ التَّرْكِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ وَالْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ (فَيُكَفِّرُ إنْ لَمْ يَصُمْهُ كَحَلِفِهِ عَلَيْهِ) أَيْ كَحَلِفِهِ لَيَصُومَنَّ رَمَضَانَ فَيُكَفِّرُ إنْ لَمْ يَصُمْهُ (وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ لَا) يَنْعَقِدُ النَّذْرُ فِي وَاجِبٍ لِأَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامٌ وَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُ مَا هُوَ لَازِمٌ (كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُحَالِ) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُهُ وَلَا الْوَفَاءُ بِهِ أَشْبَهَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ وَمُوجِبَهُ مُوجِبُهَا إلَّا فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إذَا كَانَ قُرْبَةً وَأَمْكَنَهُ فِعْلُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِأُخْتِ عُقْبَةَ لَمَّا نَذَرَتْ الْمَشْيَ وَلَمْ تُطِقْهُ فَقَالَ:
«لِتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا وَلْتَرْكَبْ».
وَفِي رِوَايَةٍ «وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» قَالَ أَحْمَدُ أَذْهَبُ إلَيْهِ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ فِي أَحَدِ أَقْسَامِهِ وَهُوَ نَذْرُ اللَّجَاجِ فَكَذَلِكَ فِي سَائِرِهِ سِوَى مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ قُلْتُ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّرَ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ.
(وَ النَّذْرُ الْمُنْعَقِدُ أَقْسَامُهُ) سِتَّةٌ (أَحَدُهَا) النَّذْرُ (الْمُطْلَقُ كَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ لِلَّهِ عَلِيَّ نَذْرٌ) سَوَاءٌ (أَطْلَقَ أَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا) وَفَعَلَهُ (وَلَمْ يَنْوِ) بِنَذْرِهِ (شَيْئًا) مُعَيَّنًا (فَيَلْزَمهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا:
«كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَةَ يَمِينٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ.
(الثَّانِي نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَهُوَ تَعْلِيقُهُ) يَعْنِي النَّذْرَ (بِشَرْطٍ يَقْصِدُ) النَّاذِرُ (الْمَنْعَ مِنْهُ) أَيْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (أَوْ الْحَمْلَ) أَيْ الْحَثَّ (عَلَيْهِ وَالتَّصْدِيقَ عَلَيْهِ) إذَا كَانَ خَبَرًا (كَقَوْلِهِ إنْ كَلَّمْتُكِ أَوْ إنْ لَمْ أَضْرِبكِ فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ عِتْقُ عَبْدِي أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ إنْ لَمْ أَكُنْ صَادِقًا فَعَلَيَّ صَوْمُ كَذَا، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ) لِمَا رَوَى عُمَرُ أَنَّ ابْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ فَيَتَخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ، (وَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ) أَيْ النَّاذِرِ (عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُلْزِمُ بِذَلِكَ، أَوْ لَا أُقَلِّدُ مَنْ يَرَى الْكَفَّارَةَ) مُجْزِئَةً (وَنَحْوَهُ لِأَنَّ) هَذَا تَأْكِيدٌ وَ(الشَّرْعُ لَا يَتَغَيَّر بِتَوْكِيدٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَلَوْ عَلَّقَ الصَّدَقَةَ بِهِ بِبَيْعِهِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ بِعْتُهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ (وَالْمُشْتَرِي عَلَّقَ الصَّدَقَةَ بِهِ بِشِرَائِهِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ (فَاشْتَرَاهُ كَفَّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ)، ذَكَرَهُ السَّيَاعِرِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ كَمَا لَوْ حَلَفَا عَلَى ذَلِكَ قُلْتُ: إنْ تَصَدَّقَ بِهِ الْمُشْتَرِي خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ (وَمَنْ حَلَفَ فَقَالَ: عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ) إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَنَحْوَهُ (فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) إنْ لَمْ يَعْتِقْ رَقَبَةً.
(الثَّالِثُ: نَذْرُ الْمُبَاحِ، كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبِي أَوْ أَرْكَبَ دَابَّتِي فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إذْ هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَأَنْ يَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَإِنْ أَوْفَى بِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ «امْرَأَة أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ فَقَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَ(كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ) أَيْ الْمُبَاحَ (فَلَمْ يَفْعَلْ) فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ.
(الرَّابِعُ: نَذْرُ، مَكْرُوهٌ كَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ مِنْ أَكْلِ ثُومٍ وَبَصَلٍ) وَتَرَكِ سُنَّةٍ (فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفِّرَ) لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ، (وَلَا يَفْعَلُهُ) لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى (فَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ وَفَّى بِنَذْرِهِ.
(الْخَامِسُ نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَيَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» (وَيَقْضِي الصَّوْمَ) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: غَيْرَ يَوْمِ حَيْضٍ انْتَهَى لِانْعِقَادِ نَذْرِهِ فَتَصِحُّ مِنْهُ الْقُرْبَةُ وَيَلْغُو تَعْيِينُهُ لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً كَنَذْرِ مَرِيضٍ صَوْمًا يُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ وَنَذْرُ صَوْمِ لَيْلَةٍ لَا يَنْعَقِدُ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَمَنِ صَوْمٍ، وَكَذَا يَوْمُ أَكْلٍ فِيهِ وَيَوْمُ حَيْضٍ بِمُفْرَدِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنَّ الْأَكْلَ وَالْحَيْضَ مُنَافِيَانِ لِلصَّوْمِ لِمَعْنًى فِيهِمَا، وَالْعِيدَ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَيْسَ مُنَافِيًا لِلصَّوْمِ لِمَعْنًى فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ (وَيُكَفِّرُ) قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانُ وَسَمُرَةُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ وَلِأَنَّ النَّذْرَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ (فَإِنْ وَفَى) النَّاذِرُ (بِهِ) أَيْ بِنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ (أَثِمَ وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، (وَمَنْ نَذَرَ ذَبْحَ مَعْصُومٍ وَلَوْ نَفْسَهُ كَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ)، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ»، وَلِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ أَشْبَهَ نَذْرَ ذَبْحِ أَخِيهِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: مَنْ نَذَرَ فِعْلَ وَاجِبٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ مُبَاحٍ انْعَقَدَ نَذْرُهُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا قَالَ مَعَ بَقَاءِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ بِحَالِهِنَّ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ.
(فَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ وَكَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَلَدٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا) مِنْ أَوْلَادِهِ (بِنِيَّتِهِ وَلَا قَوْلِهِ لَزِمَهُ بِعَدَدِهِمْ) أَيْ الْأَوْلَادِ (كَفَّارَاتٌ) لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ (فَإِنْ نَذَرَ فِعْلَ طَاعَةٍ وَمَا لَيْسَ بِطَاعَةِ لَزِمَهُ فِعْلُ الطَّاعَةِ وَيُكَفِّرُ لِغَيْرِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ وَإِذَا نَذَرَ نُذُورًا كَثِيرَةً لَا يُطِيقُهَا أَوْ مَا لَا يَمْلِكُ فَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ (وَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ خِصَالًا كَثِيرَةً أَجْزَأَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَاحِدٌ وَكَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ: وَالنَّذْرُ لِلْقُبُورِ أَوْ لِأَهْلِ الْقُبُورِ كَالنَّذْرِ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالشَّيْخِ فُلَانٍ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا نَذَرَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَانَ خَيْرًا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَنْفَعَ).
وَقَالَ: مَنْ نَذَرَ إسْرَاجَ بِئْرٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ جَبَلِ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ نَذَرَ لَهُ أَوْ لِسُكَّانِهِ أَوْ الْمُضَافِينَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ إجْمَاعًا وَيُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ مَا لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ وَمِنْ الْحَسَنِ صَرْفُهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمَشْرُوعِ وَفِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ.
(وَقَالَ فِيمَنْ نَذَرَ قِنْدِيلَ نَقْدٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْرَفُ لِجِيرَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيمَتُهُ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْخَتْمَةِ وَقَالَ: وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ لِلْمَسَاجِدِ مَا تَتَنَوَّرُ بِهِ أَوْ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهَا فَهَذَا نَذْرُ بِرٍّ فَيُوَفِّي بِنَذْرِهِ) لِأَنَّ تَنْوِيرَهَا وَتَعْمِيرَهَا مَطْلُوبٌ.
(السَّادِسُ نَذَرُ التَّبَرُّرِ) أَيْ التَّقَرُّبِ يُقَالُ تَبَرَّرَ تَبَرُّرًا أَيْ تَقَرَّبَ تَقَرُّبًا (كَنَذْرِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْقُرَبِ) كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ (عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ سَوَاءٌ نَذَرَهُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا) بِشَرْطٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَنْعُ وَالْحَمْلُ (كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ سَلِمَ مَالِي أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا أَوْ فَعَلْتُ كَذَا نَحْوَ تَصَدَّقْتُ بِكَذَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ) أَحْمَدُ (فِي إنْ قَدِمَ فُلَانٌ تَصَدَّقْتُ بِكَذَا فَهَذَا نَذْرٌ) صَحِيحٌ (وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ النَّذْرِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ النَّذْرِ فَمَتَى وَجَدَ شَرْطَهُ) إذَا كَانَ النَّذْرُ مُعَلَّقًا (انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ فِعْلُهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوَفُّونَ.
وَقَالَ تَعَالَى:
{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} الْآيَاتِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ نَذْرَ التَّبَرُّرِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا: مَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ اسْتَجْلَبَهَا أَوْ نِقْمَةٍ اسْتَدْفَعَهَا وَكَذَا إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ وَنَحْوَهُ فَعَلْتُ كَذَا الثَّانِي: الْتِزَامُ طَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ نَحْوُهُ الثَّالِثُ: نَذْرُ طَاعَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْوُجُوبِ كَالْإِعْتَاقِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ فَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(تَتِمَّةٌ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَعْلِيقُ النَّذْرِ بِالْمِلْكِ نَحْوَ: إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى:
{وَمِنْهُمْ مِنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} الْآيَةَ (وَيَجُوزُ فِعْلُهُ) أَيْ النَّذْرِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ كَإِخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ (وَقَالَ الشَّيْخُ فِيمَنْ قَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَصُومُ كَذَا: هَذَا نَذْرٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ بِنَذْرٍ فَقَدْ أَخْطَأَ.
وَقَالَ قَوْلُ الْقَائِلِ: لَئِنْ ابْتَلَانِي اللَّهُ لَأَصْبِرَنَّ، وَلَئِنْ لَقِيتُ الْعَدُوَّ لَأُجَاهِدَنَّ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ الْعَمَلَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ لَعَمِلْتُهُ: نَذْرٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ كَقَوْلِ الْآخَرِ {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} الْآيَةَ وَنَظِيرُهُ ابْتِدَاءُ الْإِيجَابِ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَيُشْبِهُهُ سُؤَالُ الْإِمَارَةِ فَإِيجَابُ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ إيجَابًا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ بِنَذْرٍ وَعَهْدٍ وَطَلَبٍ وَسُؤَالِ جَهْلٍ مِنْهُ وَظُلْمٍ، وَقَوْلُهُ لَوْ ابْتَلَانِي اللَّهُ لَصَبَرْتُ وَنَحْوَ ذَلِكَ إنْ كَانَ وَعْدًا أَوْ الْتِزَامًا فَنَذْرٌ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ الْحَالِ فَفِيهِ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ وَجَهْلٌ بِحَقِيقَةِ حَالِهَا انْتَهَى).
وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي تَحْرِيمِ النُّذُورِ وَحَرَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَمَنْ نَذَرَ التَّبَرُّرَ أَوْ حَلَفَ يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ إنْ سَلِمَ مَالِي لِأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَهُ) الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ لِأَنَّ النَّذْرَ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ مُعَيَّنَةٌ بَلْ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ قَوْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْهُ.
(وَمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ) أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ (أَوْ) نَذَرَ الصَّدَقَةَ (بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ كُلُّ مَالِهِ) أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ (أَوْ) نَذَرَ الصَّدَقَةَ (بِأَلْفٍ وَنَحْوِهِ) كَمِائَةٍ (وَهُوَ كُلُّ مَالِهِ أَوْ يَسْتَغْرِقُ كُلَّ مَالِهِ) بِأَنْ كَانَ الْمَنْذُورُ أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ (نَذْرَ قُرْبَةٍ لَا) نَذْرَ (لَجَاجٍ وَغَضَبٍ أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ «لِقَوْلِ كَعْبٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ هُوَ خَيْرٌ لَكَ».
وَفِي قِصَّةِ تَوْبَةِ أَبِي لُبَابَةَ وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِالْجَمْعِ مَكْرُوهَةٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَيْسَ لَنَا فِي نَذْرِ الطَّاعَةِ مَا يُجْزِئُ بَعْضُهُ إلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ انْتَهَى فَإِنْ كَانَ نَذْرَ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَإِنْ نَوَى) مِنْ نَذْرِ الصَّدَقَةِ بِمَالِهِ (عَيْنًا) مِنْهُ (أَوْ) نَوَى (مَالًا دُونَ مَالِهِ كَصَامِتٍ أَوْ غَيْرِهِ أُخِذَ بِنِيَّتِهِ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ تَخْتَلِفُ عِنْدَ النَّاسِ) وَالنِّيَّةُ مُخَصِّصَةٌ (وَثُلُثُ الْمَالِ مُعْتَبَرٌ بِيَوْمِ نَذْرِهِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ قَالَ فِي الْهَدْيِ: يُخْرِجُ قَدْرَ الثُّلُثِ يَوْمَ نَذْرِهِ وَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ قَدْرُ دَيْنِهِ (وَلَا يَدْخُلُ مَا تَجَدَّدَ لَهُ مِنْ الْمَالِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ النَّذْرِ.
(وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ وَنِيَّتُهُ أَلْفٌ) أَوْ نَحْوُهُ (مُخْتَصَّةٌ يُخْرِجُ مَا شَاءَ) لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَمَا نَوَاهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ، وَالنَّذْرُ لَا يَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ (وَ مَصْرِفُهُ) أَيْ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ (لِلْمَسَاكِينِ كَصَدَقَةٍ مُطْلَقَةٍ) وَتَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ يُجْزِئُ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ.
(وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِبَعْضِ مَالِهِ) كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ (أَوْ) نَذَرَ الصَّدَقَةَ (بِأَلْفٍ وَلَيْسَتْ كُلَّ مَالِهِ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا نَذَرَهُ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ كَسَائِرِ النُّذُورِ.
(وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ فَأَبْرَأَ غَرِيمَهُ مِنْ قَدْرِهِ يَقْصِدُ بِهِ وَفَاءَ النَّذْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ) وَ(إنْ كَانَ الْغَرِيمُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقْصِدَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَمْلِيكٌ وَهَذَا إسْقَاطٌ فَلَمْ يُجْزِئْهُ كَالزَّكَاةِ (فَإِنْ أَخَذَهُ) أَيْ الدَّيْنَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَدِينِ (ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ) مِنْ النَّذْرِ (أَجْزَأَ) لِحُصُولِ التَّمْلِيكِ.
وَمَنْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا مَا يَحْتَاجُهُ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِثُلُثِ الزَّائِدِ وَحَبَّةِ بُرٍّ وَنَحْوِهَا لَيْسَتْ سُؤَالَ السَّائِلِ.
وَإِنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُ مَالَ فُلَانٍ فَعَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِهِ فَمَلَكَهُ فَكَمَالِهِ (وَتَجِبُ كَفَّارَةُ النَّذْرِ عَلَى الْفَوْرِ وَتَقَدَّمَ آخِرَ كِتَابِ الْإِيمَانِ) وَكَذَلِكَ نَفْسُ النَّذْرِ يَجِبُ إخْرَاجُهُ فَوْرًا وَتَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
(وَإِنْ نَذَرَ صِيَامًا أَوْ صِيَامَ نِصْفِ يَوْمٍ أَوْ رُبُعِهِ وَنَحْوِهِ) كَثُلُثِ يَوْمٍ (لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرْعِ صَوْمٌ مُفْرَدٌ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ فَلَزِمَهُ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ (بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ أَشْبَهَ قَضَاءَ رَمَضَانَ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً وَأَطْلَقَ فَرَكْعَتَانِ قَائِمًا لِقَادِرٍ) عَلَى الْقِيَامِ (لِأَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تُجْزِئُ فِي فَرْضٍ وَإِنْ عَيَّنَ عَدَدًا) مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ (أَوْ نَوَاهُ لَزِمَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ.
(وَإِنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَمَاتَ) الْعَبْدُ (قَبْلَ مُعْتِقِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ النَّذْرِ (وَيُكَفِّرُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ (وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمَنْذُورَ عِتْقُهُ (السَّيِّدُ فَالْكَفَّارَةُ فَقَطْ) وَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُ غَيْرِهِ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقٌّ لِلْمَنْذُورِ عِتْقُهُ وَقَدْ مَاتَ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ سَيِّدِهِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ (وَلِلسَّيِّدِ الْقِيمَةُ وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ السَّيِّدَ (صَرْفُهَا فِي الْعِتْقِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانُ وَيَوْمَا الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ الصَّوْمَ عَنْ النَّذْرِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ (كَاللَّيْلِ).
(وَإِنْ قَالَ:) لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ (سَنَةً وَأَطْلَقَ) وَلَمْ يُعَيِّنْهَا (لَزِمَهُ التَّتَابُعُ كَمَا فِي) نَذْرِ صَوْمِ (شَهْرٍ مُطْلَقٍ وَيَأْتِي وَيَصُومُ) مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُطْلَقَةٍ (اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا سِوَى رَمَضَانَ وَأَيَّامِ النَّهْيِ) أَيْ: يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَلَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ) لِأَنَّهُ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ سَنَةً فَانْصَرَفَ إلَى سَنَةٍ كَامِلَة وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا كَامِلَةً فَلَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَأَيَّامِ النَّهْيِ لِذَلِكَ.
(وَإِنْ قَالَ:) لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ (سَنَةً مِنْ الْآنِ أَوْ مِنْ وَقْتِ كَذَا فَكَمُعَيَّنَةٍ) لِأَنَّ تَعْيِينَ أَوَّلِهَا تَعْيِينٌ لَهَا إذْ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، فَإِذَا عَيَّنَ أَوَّلَهَا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا انْقِضَاءَ الثَّانِي عَشَرَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانُ وَلَا أَيَّامُ النَّهْيِ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ لَزِمَهُ) كَبَقِيَّةِ النَّذْرِ (وَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ فَقَطْ) أَيْ بِلَا قَضَاءٍ (بِغَيْرِ صَوْمٍ) لِأَنَّ الزَّمَنَ مُسْتَغْرَقٌ بِالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ وَيُكَفِّرُ لِتَرْكِ الْمَنْذُورِ (وَلَا يَدْخُلُ رَمَضَانُ وَيَوْمُ نَهْيٍ) فِي نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ كَاللَّيْلِ (وَيَقْضِي فِطْرَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ رَمَضَانَ (لِعُذْرٍ) أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَتَقْدِيمِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ، وَيُكَفِّرُ بِفِطْرِهِ لِرَمَضَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى (وَيُصَامُ لِظِهَارٍ وَنَحْوِهِ) كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْيَوْمِ الْمَنْذُورِ صَوْمُهُ (وَيُكَفِّرُ مَعَ صَوْمِ ظِهَارٍ) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَنَحْوِهِ (فَقَطْ) لِأَنَّهُ سَبَبُهُ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَفْطَرَ) لِأَنَّ الشَّارِعَ حَرَّمَ صَوْمَهُ (وَقَضَى) لِأَنَّهُ فَاتَهُ مَا نَذَرَ صَوْمَهُ (وَكَفَّرَ) لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ وَكَمَا لَوْ فَاتَهُ لِمَرَضٍ.
(وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَبَدًا ثُمَّ جَهِلَ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا أَيَّ يَوْمٍ كَانَ انْتَهَى وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ التَّعْيِينِ) أَيْ لِفَوَاتِ التَّعْيِينِ قُلْتُ: فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ مَا صَامَهُ خِلَافُ مَا عَيَّنَهُ وَلَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالشَّكِّ.