فصل: فَصْلٌ: فيما يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: فيما يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي:

(وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَحْبُوسِينَ) لِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْبَقَاءَ فِيهِ فَاسْتُحِبَّتْ الْبَدَاءَةُ فِيهِمْ (فَيُنْفِذُ) أَيْ يَبْعَثُ (ثِقَةً يَكْتُبُ اسْمَ كُلِّ مَحْبُوسٍ وَمَنْ حَبَسَهُ وَفِيمَ حُبِسَ فِي) رُقْعَةٍ مُنْفَرِدَةٍ (لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَالِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يَتَكَرَّرَ بِكِتَابَتِهِ فِي رُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ النَّظَرُ فِي حَالِ الْأَوَّلِ مِنْهَا فَالْأَوَّلُ بَلْ يُخْرِجُ وَاحِدًا مِنْهَا بِحَسَبِ الِاتِّفَاق) كَالْقُرْعَةِ (وَيَأْمُر مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَدِ أَنَّ الْقَاضِي يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ يَوْمَ كَذَا فَمَنْ لَهُ خَصْمٌ مِنْهُمْ فَلْيَحْضُرْ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِعْلَامِ بِيَوْمِ جُلُوسِ الْقَاضِي لَهُمْ.
وَفِي الشَّرْحِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَد بِذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (فَإِذَا حَضَرُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَنَاوَلَ) الْقَاضِي (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الرِّقَاعِ الَّتِي كَتَبَ بِهَا أَسْمَاءَهُمْ (رُقْعَةً) بِحَسَبِ الِاتِّفَاق كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَالَ مَنْ خَصْمُ فُلَانٍ الْمَحْبُوسِ؟) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحُكْمُ إلَّا بِذَلِكَ (فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ بَعَثَ ثِقَةً الْحَبْسَ فَأَخْرَجَ خَصْمَهُ وَحَضَرَ مَعَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ) فَيَنْظُرُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لِذَلِكَ وَلِيَ (وَيَفْعَلُ) الْقَاضِي (ذَلِكَ فِي قَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّسِعُ زَمَانُهُ لِلنَّظَرِ فِيهِ) مِنْ الْمَحْبُوسِينَ (فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَلَا يُخْرِجُ غَيْرُهُمْ) فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ (فَإِذَا حَضَرَ الْمَحْبُوسُ وَخَصْمُهُ لَمْ يَسْأَلْ خَصْمَهُ فِيمَ حَبَسَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِر أَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا حَبَسَهُ لِحَقٍّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ (بَلْ يَسْأَلُ الْمَحْبُوسَ بِمَ حُبِسْتَ؟).
فَإِنْ قَالَ حُبِسْتُ بِحَقٍّ أَمَرَهُ بِقَضَائِهِ إنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ فَإِنْ أَبَى وَلَهُ مَوْجُودٌ قَضَاهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ.
وَفِي الشَّرْحِ قَالَ لَهُ الْقَاضِي اقْضِهِ وَإِلَّا رَدَدْتُكَ إلَى الْحَبْسِ فَإِنْ ادَّعَى عَجْزًا فَقَدْ قُدِّمَ فِي أَوَّلِ الْحَجْرِ مُفَصَّلًا.
وَإِنْ أَقَامَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً بِأَنَّ لَهُ مِلْكًا مُعَيَّنًا فَقَالَ هُوَ لِزَيْدٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا هُنَاكَ (ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ حُبِسَ لِتَعَدُّلِ الْبَيِّنَةِ فَإِعَادَتْهُ) إلَى الْحَبْسِ (مَبْنِيَّةً عَلَى حَبْسِهِ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ) تَفْصِيلُ ذَلِكَ (وَيَقْبَلُ قَوْلَ خَصْمِهِ فِي أَنَّهُ حَبَسَهُ بَعْدَ تَكْمِيلِ بَيِّنَتِهِ وَتَعْدِيلِهَا) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ.
(وَإِنْ) كَانَ (حُبِسَ بِقِيمَةِ كَلْبٍ) وَلَوْ مُعَلَّمًا لِصَيْدٍ (أَوْ خَمْرِ ذِمِّيٍّ وَصَدَّقَهُ غَرِيمُهُ) عَلَى ذَلِكَ (خَلَّى) سَبِيلَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَمَوِّلٍ فَلَا غُرْمَ فِيهِ (وَإِنْ أَكْذَبَهُ) خَصْمُهُ (وَقَالَ بَلْ حُبِسْتَ بِحَقٍّ وَاجِبٍ غَيْرِ هَذَا فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ) أَيْ خَصْمِ الْمَحْبُوسِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ حَبْسُهُ بِحَقٍّ) وَاجِبٍ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ) كَانَ (حُبِسَ فِي تُهْمَةٍ أَوْ افْتِيَاتٍ عَلَى الْقَاضِي قَبِلَهُ أَوْ) فِي (تَعْزِيرٍ خَلَّى) الْقَاضِي (سَبِيلَهُ) إنْ رَآهُ (أَوْ أَبْقَاهُ) فِي الْحَبْسِ (بِقَدْرِ مَا يَرَى) إبْقَاءَهُ فِيهِ.
(وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ فَقَالَ حُبِسْتُ ظُلْمًا وَلَا حَقَّ عَلَيَّ وَلَا خَصْمَ لِي نَادَى) أَيْ أَمَرَ مَنْ يُنَادِي بِذَلِكَ فِي الْبَلَدِ وَيُكْرَهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا غَرِيمَ لَهُ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ عُرْفًا.
وَقَالَ فِي الْمُقْنِعِ وَمَنْ تَبِعَهُ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَوْ كَانَ غَرِيمٌ لَظَهَرَ فِي الثَّلَاثَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: إنَّ الْمَعْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ (فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ) نَظَرَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَصْمٌ (أَحْلَفَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِر أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَصْمٌ لَظَهَرَ (وَمَعَ غَيْبَةِ خَصْمِهِ يَبْعَثُ إلَيْهِ) لِيَحْضُرَ فَيَنْظُرَ بَيْنَهُمَا (وَمَعَ جَهْلِهِ) أَيْ الْخَصْمِ (أَوْ تَأَخُّرِهِ بِلَا عُذْرٍ يُخَلِّي) سَبِيلَهُ (وَالْأَوْلَى) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (بِكَفِيلٍ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ حَبْسُهُ بِحَقٍّ.
(وَيَنْظُرُ) الْقَاضِي (فِي مَالِ الْغَائِبِ) وَتَقَدَّمَ فِيمَا تُفِيدُهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ (وَإِطْلَاقُهُ) أَيْ الْقَاضِي (الْمَحْبُوسَ مِنْ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ) بِأَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ الْحَبْسِ حُكْمُهُ (وَإِذْنُهُ) فِي شَيْءٍ.
(وَلَوْ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَنَفَقَةٍ فَيَرْجِعُ) الْقَاضِي لِلْمَدِينِ أَوْ الْمُنْفِقِ حُكْمُهُ (وَ) إذْنُهُ فِي (وَضْعِ مِيزَابٍ وَ) فِي (بِنَاءٍ وَغَيْرِهِ) كَإِخْرَاجِ جَنَاحٍ أَوْ سَابَاطٍ فِي دَرْبٍ نَافِذٍ حُكْمُ (الضَّمَانِ) لِمَا يَتْلَفُ مِنْ ذَلِكَ.
(وَأَمْرُهُ بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ) حُكْمٌ (وَقُرْعَتُهُ) فِي أَيْ مَوْضِعٍ شُرِعَتْ فِيهِ (حُكِمَ بِرَفْعِ الْخِلَافِ إنْ كَانَ) فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ لِصُدُورِهِ عَنْ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْحُكْمِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا: الْحَاكِمُ لَيْسَ هُوَ الْفَاسِخُ وَإِنَّمَا يَأْذَنُ أَوْ يَحْكُمُ بِهِ فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ لَمْ يَحْتَجْ بَعْد ذَلِكَ إلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ عَقَدَ هُوَ أَوْ فَسَخَ فَهُوَ فِعْلُهُ وَهَلْ فِعْلُهُ حُكْمٌ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ.
(وَفُتْيَاهُ لَيْسَتْ حُكْمًا مِنْهُ فَلَوْ حَكَمَ غَيْرُهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِغَيْرِ مَا أَفْتَى بِهِ لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ (نَقْضًا لِحُكْمِهِ وَلَا هِيَ) أَيْ فُتْيَا الْقَاضِي (كَالْحُكْمِ) إذْ لَا إلْزَامَ فِي الْفُتْيَا (وَلِهَذَا يَجُوزُ) لِلْقَاضِي (أَنْ يُفْتِيَ الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ) بِخِلَافِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ.
(وَ) لِكَوْنِ فُتْيَاهُ لَيْسَتْ حُكْمًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ (مَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ) حُكْمُهُ لَهُ كَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَزَوْجَتِهِ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَإِقْرَارُهُ) أَيْ الْقَاضِي غَيْرُهُ (عَلَى فِعْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ) كَتَزْوِيجٍ بِلَا وَلِيٍّ فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بَلَغَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ (لَيْسَ حُكْمًا بِهِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ هُوَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ وَلَيْسَ حُكْمًا بِهِ (وَفِعْلُهُ) أَيْ الْقَاضِي الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَيَسْتَفِيدُهُ بِطَرِيقِ وِلَايَةِ الْحُكْمِ (حُكْمٌ كَتَزْوِيجِ يَتِيمَةٍ) بِلَا وَلِيٍّ لَهَا بِإِذْنِهَا إذَا تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ (وَشِرَاءُ عَيْنٍ غَائِبَةٍ) بِالصِّفَةِ لِيَفِيَ بِهَا دَيْنَ مُفْلِسٍ وَنَحْوِهِ (وَعَقْدُ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ) وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ فِي بَيْعِ مَا فُتِحَ عَنْوَةً إنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا صَحَّ، لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَفِيهِ أَيْضًا لَا شُفْعَةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهَا حَاكِمٌ أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَفِيهِ أَيْضًا إنْ تَرَكَهَا بِلَا قِسْمَةٍ وَقَفَ لَهَا وَإِنَّمَا فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ انْتَهَى بِخِلَافِ فِعْلٍ لَمْ يَسْتَفِدْهُ بِوِلَايَةِ حُكْمٍ كَبَيْعِ عَقَارِ نَفْسِهِ لِغَائِبٍ أَوْ لِيَتِيمٍ هُوَ وَصِيُّهُ أَوْ وَكَالَةٍ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ عَنْ ابْنِ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ (وَتَقَدَّمَ آخِرُ الصَّدَاقِ أَنَّ ثُبُوتَ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ كَتَقْرِيرِ أُجْرَةِ مِثْلٍ وَ) تَقْرِيرِ (نَفَقَةٍ وَنَحْوِهِ) كَتَقْرِيرِ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَمَسْكَنِ مِثْلٍ وَكِسْوَةِ مِثْلٍ (حُكْمٌ) فَلَا يُغَيِّرُهُ حَاكِمٌ آخَرُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ.
(وَتَأْتِي تَتِمَّتُهُ قَرِيبًا) وَهِيَ قَوْلُهُ فَدَلَّ أَنَّ إثْبَاتَ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَجَرْحٍ إلَخْ (قَالَ الشَّيْخُ الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إخْبَارٌ وَهُوَ إظْهَارٌ وَ) الثَّانِي (إبْدَاءٌ وَأَمْرٌ وَهُوَ إنْشَاءٌ فَالْخَبَرُ يَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُهُ عَنْ حُكْمِهِ وَعَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَعَنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ وَالْآخَرُ) الَّذِي هُوَ الْإِنْشَاءُ (هُوَ حَقِيقَةُ الْحُكْمِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِبَاحَةٌ وَيَحْصُلُ) الْحُكْمُ (بِقَوْلِهِ أَعْطِهِ وَلَا تُكَلِّمْهُ وَالْزَمْهُ وَ) يَحْصُلُ أَيْضًا (بِقَوْلِهِ حَكَمْتُ وَأَلْزَمْتُ) قُلْتُ وَكُلُّ مَا أَدَّى هَذَا الْمَعْنَى.
(وَحُكْمُهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِشَيْءٍ حُكْمٌ يُلَازِمُهُ) فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنَ بِمَالِهِ كَانَ حُكْمًا بِإِبْطَالِ الْعِتْقِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ بُطْلَانُ الْعِتْقِ (ذَكَره الْأَصْحَابُ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِ).
قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فِي إعَادَةِ فَاسِقٍ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ رَدَّهُ لَهَا حُكْمٌ بِالرَّدِّ فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ لِإِلْغَاءِ قَوْلِهِمَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رَدِّ عَبْدٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى وَالْمُخَالَفَةُ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ نَقْضٌ مَعَ الْعِلْمِ.
(وَثُبُوتُ شَيْءٍ عِنْدَهُ) أَيْ الْقَاضِي (لَيْسَ حُكْمًا بِهِ) سِوَى إثْبَاتِ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ كَتَقْرِيرِ أُجْرَةِ مِثْلٍ.
(وَتَنْفِيذُ الْحُكْمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ.
وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَارِحِ الْمُحَرَّرِ وَالشَّارِحُ الْكَبِيرُ (وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَمَلٌ بِالْحُكْمِ وَإِجَازَةٌ لَهُ وَإِمْضَاءٌ لِتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ) قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِالْمَحْكُومِ بِهِ إذْ الْحُكْمُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ انْتَهَى وَمَعْنَى التَّنْفِيذِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ الْخَصْمِ مُنَازَعَةٌ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَيَرْفَعُ إلَيْهِ حُكْمَ الْأَوَّل فَيُمْضِيهِ وَيُنَفِّذُهُ وَلَزِمَهُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ، وَأَمَّا التَّنْفِيذُ الْمُتَعَارَفُ الْآنَ الْمُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فَمَعْنَاهُ إحَاطَةُ الْقَاضِي الثَّانِي عِلْمًا بِحُكْمِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَرَضٍ عِنْدَهُ وَيُسَمَّى اتِّصَالًا، وَيَجُوزُ بِذِكْرِ الثُّبُوتِ وَالتَّنْفِيذِ فِيهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ الْحَنَفِيِّ.
(وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ قَطْعًا) لِأَنَّ الصِّحَّةَ فَرْعُ ذَلِكَ.
(وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (حُكْمٌ بِمُوجَبِ الدَّعْوَى الثَّانِيَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) أَيْ بِمَا تَرَتَّبَ عَلَى الدَّعْوَى الثَّانِيَةِ بِذَلِكَ لِأَنَّ مُوجَبَ الشَّيْءِ هُوَ أَثَرُهُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ (فَالدَّعْوَى الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (الْحُكْمُ فِيهَا بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ بِالصِّحَّةِ) لِأَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ مُوجَبِهِ إذْنٌ (وَ) الدَّعْوَى (غَيْرُ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ (الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لَيْسَ حُكْمًا بِهَا) أَيْ بِالصِّحَّةِ.
(قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ) قَالَ الْغَزِّيِّ فِي شَرْحِ نَظْمِهِ الْعُمْدَةِ: الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ إذَا كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِمَا يُعْتَبَرُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ كَانَ أَقْوَى وَأَعَمَّ لِوُجُودِ الْإِلْزَامِيَّةِ فِيهِ وَتَضَمُّنُهُ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ كَمَا إذَا شَهِدَ عِنْدَ الشُّهُودِ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ وَذَكَرُوا الْمَصْرِفَ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ عِنْدَهُ فَحُكِمَ بِمُوجَبِ شَهَادَتِهِمْ كَانَ الْحُكْمُ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ قَالَ السُّبْكِيّ لَكِنَّهُ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ (وَقَالَ السُّبْكِيّ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَتَبِعَهُ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (ابْنُ قُنْدُسٍ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَسْتَدْعِي صِحَّةَ الصِّيغَةِ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَيَزِيدُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَوْنَ تَصَرُّفِهِ فِي مَحِلِّهِ.
وَقَالَ السُّبْكِيّ أَيْضًا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ هُوَ الْأَثَرُ الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّفْظُ وَ) الْحُكْمُ (بِالصِّحَّةِ كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَثَرُ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَحْكُمُ بِالصِّحَّةِ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ وَقِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِهِ.
(وَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ) كَالنُّكُولِ (فَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مُوجَبُهُ.
(وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لَا يَشْمَلُ الْفَسَادَ انْتَهَى) وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرَ السُّبْكِيّ أَيْضًا قَوْلَ مَنْ قَالَ مُوجَبُهُ يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ الصَّحِيحَ يُوجِبُ حُكْمًا، وَاللَّفْظَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا قَالَ فِي التَّنْقِيحِ بَعْدَ مَا سَبَقَ (وَالْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالُوا) أَيْ الْأَصْحَابُ.
(الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ) فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَرَاهُ نَقْضُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مُوجَبٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُوجَبَ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ يَقْتَضِي عَقْدَهُ لَا حُكْمَ بِالْعَقْدِ وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَذَكَرَ الْغَزِّيِّ فُرُوقًا بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ مِنْهَا مَا سَبَقَ وَمِنْهَا أَنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ صَحِيحًا بِالِاتِّفَاقِ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي مُوجَبِهِ.
فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ عِنْدَ غَيْرِ الَّذِي حَكَمَ بِالصِّحَّةِ وَلَوْ حَكَمَ الْأَوَّلُ فِيهِ بِالْمُوجَبِ امْتَنَعَ الْعَمَلُ عَلَى الثَّانِي مِثَالُهُ التَّدْبِيرُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي مَنْعِهِ الْبَيْعَ خِلَافٌ فَإِذَا حَكَمَ بِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ بَيْعِهِ لِمَنْ يَرَاهُ وَإِنْ حَكَمَ بِمُوجَبِهِ مَنْ لَا يَرَى بَيْعَهُ مَنَعَ الْبَيْعَ وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ دَعْوَى كَانَ الْمَطْلُوبُ فِيهَا إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْإِلْزَامِ هُوَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ وَلَا يَكُونُ بِالصِّحَّةِ لَكِنْ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إقْرَارًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَمِنْهَا بِالْحُكْمِ عَلَى الزَّانِي وَالسَّارِقِ بِمُوجَبِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ لَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ لَا يَتَضَمَّنُهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إثْبَاتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَا فَسْخُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ حُكِمَ بِمُوجَبِهِ وَالْإِلْزَامُ بِمُقْتَضَاهُ امْتَنَعَ التَّمْكِينُ مِنْ الْفَسْخِ انْتَهَى.
وَقَدْ صَنَّفَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ أَبُو زُرْعَةَ الْعِرَاقِيُّ الشَّافِعِيُّ وُرَيْقَاتٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَأَوْرَدَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الْفَتُوحِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْمُنْتَهَى وَهِيَ نَافِعَةٌ جَيِّدَةٌ مُوضِحَةٌ لِمَا سَبَقَ.
(فَصْلٌ ثُمَّ يَنْظُرُ) الْقَاضِي (وُجُوبًا فِي أَمْرِ يَتَامَى وَمَجَانِينَ وَوُقُوفٍ) عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ (وَوَصَايَا لَا وَلِيَّ لَهُمْ وَلَا نَاظِرَ) لِأَنَّ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ لَا قَوْلَ لَهُمَا وَأَرْبَابُ الْوُقُوفِ وَالْوَصَايَا غَيْرُ الْمُعَيَّنِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ لَا يَتَعَيَّنُونَ.
(وَلَوْ نَفَّذَ) الْقَاضِي (الْأَوَّلُ وَصِيَّةَ مُوصَى إلَيْهِ أَمْضَاهَا) الْقَاضِي (الثَّانِي) وَلَمْ يَعْزِلْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَةُ أَهْلِيَّتِهِ (فَدَلَّ) ذَلِكَ (أَنْ إثْبَاتَ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَجَرْحٍ وَأَهْلِيَّةِ مُوصَى إلَيْهِ وَغَيْرِهَا حُكْمٌ يَقْبَلُهُ حَاكِمٌ آخَرُ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ وَتَنْفِيذُهُ (لَكِنْ يُرَاعِيهِ) أَيْ يُرَاعِي الْقَاضِي الْمُوصَى إلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ، فَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ.
(فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ وَمِثْلُهُ النَّاظِرُ بِشَرْطٍ (بِفِسْقٍ أَوْ ضَعْفٍ أَضَافَ إلَيْهِ أَمِينًا) قَوِيًّا يُعِينُهُ لِيَحْصُلَ مَقْصُودَ الْوَصِيَّةِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْقَاضِي (الْأَوَّلُ مَا نَفَّذَ وَصِيَّتَهُ نَظَرَ) الثَّانِي (فِيهِ) أَيْ فِي الْمُوصَى إلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا) أَمِينًا (أَقَرَّهُ، وَإِنْ كَانَ أَمِينًا ضَعِيفًا ضَمَّ إلَيْهِ مَنْ يُعِينُهُ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا عَزَلَهُ وَأَقَامَ غَيْرَهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ ثُمَّ قَالَ، وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ يُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ يَنْظُرُ عَلَيْهِ انْتَهَى وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ هُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَصَرَّفَ أَوْ فَرَّقَ لِلْوَصِيَّةِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْوَصِيَّةِ نَفَّذَ تَصَرُّفَهُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِأَهْلٍ وَالْمُوصَى إلَيْهِمْ بَالِغِينَ عَاقِلِينَ مُعَيَّنِينَ صَحَّ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ قَبَضُوا حُقُوقَهُمْ.
(وَيَنْظُرُ) الْقَاضِي الثَّانِي (فِي أُمَنَاءِ الْحَاكِمِ) قَبْلَهُ (وَهُمْ مَنْ رَدَّ إلَيْهِ الْحَاكِمُ النَّظَرَ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا الَّتِي لَمْ يُعَيَّنْ لَهَا وَصِيٌّ) مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي (فَإِنْ كَانُوا بِحَالِهِمْ) مِنْ الْأَهْلِيَّةِ (أَقَرَّهُمْ) عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَبْلَهُ وَلَّاهُمْ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَا يَنْعَزِلُونَ بِعَزْلِ الْقَاضِي وَلَا بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ خُلَفَائِهِ فِي الْحُكْمِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ مَا يَلْحَقُ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ بِعَزْلِهِمْ بِإِضَاعَةِ حُقُوقِ الْأَيْتَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَلِذَلِكَ ذَكَرُوا فِي الْوَقْفِ لَوْ فَوَّضَ قَاضٍ النَّظَرَ لِوَاحِدٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضِهِ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى مِنْ عِنْدِهِ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُمْ- أَيْ الْأَصْحَابَ- نَزَّلُوا تَفْوِيضَهُ مَنْزِلَةَ حُكْمِهِ فَكَذَلِكَ يُقَالُ هُنَا.
(وَمَنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ) مِمَّنْ نَصَبَ وَصِيًّا (عَزَلَهُ إنْ فَسَقَ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ (وَإِنْ ضَعُفَ) مَعَ عَدَالَتِهِ (ضَمَّ إلَيْهِ أَمِينًا) لِيَقْوَى عَلَى التَّصَرُّفِ.
(ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الضَّوَالِّ وَاللُّقَطِ الَّتِي يَتَوَلَّى الْحَاكِمُ حِفْظَهَا) لِئَلَّا تَضِيعَ (فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُخَافُ تَلَفُهُ كَالْحَيَوَانِ أَوْ) كَانَ (فِي حِفْظِهَا مُؤْنَةٌ بَاعَهَا وَحَفِظَ ثَمَنَهَا لِأَرْبَابِهَا) لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُمْ (وَإِنْ كَانَتْ أَثْمَانًا حَفِظَهَا لِأَرْبَابِهَا وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا) لُقَطَةً أَوْ نَحْوَهُ (لِتُعْرَفَ) وَلَا تَشْتَبِهُ بِغَيْرِهَا (ثُمَّ يَنْظُرُ فِي حَالِ الْقَاضِي قَبْلَهُ إنْ شَاءَ وَلَا يَجِبُ) عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِر صِحَّةُ قَضَايَا مَنْ قَبْلَهُ.
(فَإِنْ كَانَ) مَنْ قَبْلَهُ (مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُضَ مِنْ أَحْكَامِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ وَيُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ أَصْلًا (إلَّا مَا يُخَالِفُ نَصَّ كِتَابِ) اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ) نَصَّ (سُنَّةِ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ آحَادٍ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَلَوْ مُلْتَزِمًا فَيَلْزَمُ نَقْضُهُ نَصًّا وَ).
كَذَا (جَعْلَ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ) لِفَلَسٍ (أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَيُنْقَضُ نَصًّا) لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لَمْ يُصَادِفْ شَرْطَهُ فَوَجَبَ نَقْضُهُ كَمَا لَوْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ لِأَنَّ شَرْطَ الِاجْتِهَادِ عَدَمُ مُخَالِفَةِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ خَبَر مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَلِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقَدْ فَرَّطَ فَوَجَبَ نَقْضُ حُكْمِهِ، كَمَا لَوْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ.
(وَلَوْ زَوَّجَتْ) الْمَرْأَةُ (نَفْسَهَا) وَحَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ (لَمْ يُنْقَضْ) حُكْمُهُ لِاخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ فِي صِحَّتِهِ (أَوْ خَالَفَ مَا) حُكِمَ بِهِ (إجْمَاعًا قَطْعِيًّا) فَيُنْقَضُ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ شَرْطِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَ(لَا) يُنْقَضُ مَا خَالَفَ إجْمَاعًا (ظَنِّيًّا وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ بِمَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ) إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا بِخِلَافِ الْمُقَلِّدِ وَتَقَدَّمَ (وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَحَكَاهُ الْقَرَافِيُّ إجْمَاعًا وَيَأْثَمُ وَيَعْصَى بِذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ}.
(وَلَوْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَمْ يُنْقَضْ وَحَكَاهُ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا إجْمَاعًا) وَيَأْتِي فِي أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْمَالِ» (وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ بِعَدَمِ عِلْمِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا لِ) لِلْإِمَامِ (مَالِكٍ) لِأَنَّ عِلْمَهُ بِالْخِلَافِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ وَلَا بُطْلَانِهِ حَيْثُ وَافَقَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ.
(وَلَا) يُنْقَضُ حُكْمُهُ أَيْضًا (لِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ وَلَوْ) كَانَ الْقِيَاسُ (جَلِيًّا) لِأَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (وَحَيْثُ قُلْنَا بِنَقْضِ) الْحُكْمِ (فَالنَّاقِضُ لَهُ حَاكِمُهُ إنْ كَانَ) مَوْجُودًا (فَيَثْبُتُ السَّبَبُ) الْمُقْتَضَى عِنْدَهُ (وَيَنْقُضُهُ) حَاكِمُهُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَقَالَ الْغَزِّيِّ: إذَا قَضَى بِخِلَافِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ هَذَا بَاطِلٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقُضَاةِ نَقْضُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ النَّاقِضَ لَهُ حَاكِمُهُ إنْ كَانَ لَا يَتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا حَكَمَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ أَوْ بِجَعْلِ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُفْلِسٍ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ يَرَاهُ وَإِنَّمَا يَنْقُضُهُ مَنْ لَا يَرَاهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فَيَثْبُتُ السَّبَبُ وَيَنْقُضُهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ لِنَقْضِهِ طَلَبُ رَبِّ الْحَقِّ) نَقْضِهِ وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ فِيهِ لِمُعَيَّنٍ لِأَنَّ نَقْضَهُ حَقُّ لِلَّهِ (وَيَنْقُضُهُ) أَيْ يَنْقُضُ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ.
(إذَا بَانَتْ الْبَيِّنَةُ عَبِيدًا أَوْ نَحْوَهُمْ) كَمَا لَوْ كَانُوا أَبْنَاءَ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ مِنْ أُصُولِهِ (إنْ لَمْ يَرَ) الْحَاكِمُ (الْحُكْمَ بِهَا، وَفِي الْمُحَرَّرِ لَهُ نَقْضُهُ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَانِعِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ وَاجِبًا فَلَا خِلَافَ.
(قَالَ وَكَذَا كُلُّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ صَادَفَ مَا حَكَمَ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ) الْقَاضِي ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَثْبُتُ السَّبَبُ وَيَنْقُضُهُ كَعَدَاوَةِ الْبَيِّنَةِ وَعُصْبَتِهِمْ وَكَوْنِ الْمَبِيعِ مَنْذُورًا عِتْقُهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ وَنَحْوِهِ (قَالَ السَّامِرِيُّ لَوْ حَكَمَ بِجَهْلٍ نُقِضَ حُكْمُهُ) لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ.
(وَإِنْ كَانَ) الْقَاضِي (مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ) لِلْقَضَاءِ (لِفِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ نُقِضَ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا) وَلَوْ وَافَقَتْ الصَّوَابَ لِأَنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقَضَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ لِفَقْدِ شَرْطِ الْقَضَاءِ فِيهِ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّيْخُ وَجَمْعٌ لَا يُنْقَضُ الصَّوَابُ مِنْهَا) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ الْحَقَّ وَصَلَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ (وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ مُدَّةٍ) ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
(إذَا تَخَاصَمَ اثْنَانِ فَدَعَا أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَزِمَتْهُ إجَابَتُهُ) فِي الْحُضُورِ مَعَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ (فَإِنْ اسْتَعْدَى الْحَاكِمَ أَحَدٌ عَلَى خَصْمِهِ) أَيْ طَلَبَ مِنْهُ إحْضَارَهُ (فِي الْبَلَدِ بِمَا يَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ لَزِمَهُ) أَيْ الْحَاكِمَ (إحْضَارُهُ وَلَوْ لَمْ يُحَرِّرْ الدَّعْوَى) لِأَنَّ ضَرَرَ فَوَاتِ الْحَقِّ أَعْظَمُ مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَقَدْ حَضَرَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَحَضَرَ عُمَرُ وَآخَرُ عِنْدَ شُرَيْحٍ، وَسَوَاءٌ (عَلِمَ) الْقَاضِي (أَنَّ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُسْتَعْدِي وَالْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ (مُعَامَلَةً أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) ذَلِكَ.
(وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعْدِي مِمَّنْ يُعَامِلُ الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ، أَوْ لَا يُعَامِلُهُ كَالْفَقِيرِ يَدَّعِي عَلَى ذِي ثَرْوَةٍ وَهَيْبَةٍ فَيَبْعَثُ مَعَهُ عَوْنًا يُحْضِرُهُ وَإِنْ شَاءَ) الْقَاضِي (بَعَثَ مَعَهُ) أَيْ الْمُسْتَعْدَى (قِطْعَةً مِنْ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ مَخْتُومًا بِخَاتَمِهِ أَوْ فِي كَاغَدٍ وَنَحْوِهِ فَإِذَا بَلَغَهُ لَزِمَهُ الْحُضُورُ) إلَى مَجْلِسِ الشَّرْعِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ (وَإِنْ شَاءَ) الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ (وَكَّلَ) مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إنْ كَرِهَ الْحُضُورَ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ مِنْ الْحُضُورِ (أَوْ كَسَّرَ الْخَتْمَ أُعْلِمَ الْوَالِي بِهِ فَأَحْضَرَهُ) وَلَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي تَخَلُّفِهِ لِئَلَّا يَكُونَ وَسِيلَةً إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ.
(فَإِذَا حَضَرَ) بَعْدَ امْتِنَاعِهِ (وَثَبَتَ امْتِنَاعُهُ عَزَّرَهُ) الْقَاضِي (إنْ رَأَى ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنْ كَلَامٍ وَكَشْفِ رَأْسٍ وَضَرْبٍ وَحَبْسٍ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ إلَى رَأْيِهِ (فَإِنْ اخْتَفَى) الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ (بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ ثَلَاثًا بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ سَمَّرَ بَابَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ) لِتَزُولَ مَعْذِرَتُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَسَأَلَ الْمُدَّعِي أَنْ يُسَمَّرَ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ وَيَخْتِمَهُ أَجَابَهُ إلَيْهِ، فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى الِامْتِنَاعِ (حَكَمَ عَلَيْهِ كَغَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَيَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ (وَلَا يُعْدَى حَاكِمٌ فِي مِثْلِ مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ) لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِالشَّيْءِ التَّافِهِ الَّذِي لَا يُعَادِلهُ (وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْمَعَ شَكِيَّةَ أَحَدٍ إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ) بِحَيْثُ يَسْمَعُ شَكَوَاهُ وَيَرُدُّ جَوَابَهَا (وَإِنْ اسْتَعْدَاهُ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ أَوْ عَلَى مَنْ فِي مَعْنَاهُ كَالْخَلِيفَةِ وَالْعَالِمِ الْكَبِيرِ وَالشَّيْخِ الْمَتْبُوعِ وَكُلِّ مِنْ خِيفَ تَبْذِيلُهُ وَنَقْصُ حُرْمَتِهِ بِإِحْضَارِهِ).
وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ حَاكِمًا فَأَكْثَرَ وَاسْتَعْدَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ (لَمْ يَعْدُهُ حَتَّى يُحَرِّرَ دَعْوَاهُ بِأَنْ يَعْرِفَ مَا يَدَّعِيهِ وَيَسْأَلَهُ عَنْهُ صِيَانَةٍ لِلْقَاضِي) وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ (عَنْ الِامْتِهَان فَإِنْ ذَكَرَ) الْمُسْتَعِدِّي (أَنَّهُ يَدَّعِي حَقًّا مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ رِشْوَةٍ أَخَذَهَا مِنْهُ عَلَى الْحَاكِمِ رَاسَلَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى اسْتِخْلَاصِ الْحَقِّ (فَإِنْ اعْتَرَفَ) الْقَاضِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ (بِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْعُمْدَةِ) لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بِاعْتِرَافِهِ (وَإِنْ أَنْكَرَ أَحْضَرَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إلَى اسْتِخْلَاصِ حَقِّ الْمُدَّعِي (وَإِنْ ادَّعَى) الْمُسْتَعْدَى (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاضِي الْمَعْزُولِ (الْجَوْرَ فِي الْحُكْم وَكَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ) بِدَعْوَاهُ (أَحْضَرَهُ وَحَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ).
إذَا شَهِدَتْ فِي وَجْهِ الْقَاضِي وَثَبَتَتْ عَدَالَتُهَا كَسَائِرِ الدَّعَاوَى (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ) لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ أَوْ قَالَ حُكِمَ عَلَيَّ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ فَأَنْكَرَ) الْقَاضِي (فَقَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لَتَطَرَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إلَى إبْطَالِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُقُوقِ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ وَالْيَمِينُ تَجِبُ لِلتُّهْمَةِ وَالْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (وَإِنْ قَالَ حَاكِمٌ مَعْزُولٌ عَدْلٌ لَا يُتَّهَمُ كُنْتُ حَكَمْتُ فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِحَقٍّ وَهُوَ مِمَّنْ يَسُوغُ الْحُكْمُ لَهُ) بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ.
(قَبِلَ قَوْلُهُ) أَيْ الْحَاكِمُ (وَأَمْضَى ذَلِكَ الْحَقَّ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ) الْحَاكِمُ (مُسْتَنَدَهُ) الَّذِي حَكَمَ بِهِ (وَلَوْ أَنَّ الْعَادَةَ تَسْجِيلُ أَحْكَامِهِ وَضَبْطِهَا بِشُهُودٍ) لِأَنَّ عَزْلَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَتَبَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ ثُمَّ عُزِلَ وَوَصَلَ الْكِتَابُ بَعْدَ عَزْلِهِ لَزِمَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ قَبُولُ كِتَابِهِ، وَلِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا حَكَمَ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ أَشْبَهَ حَالَ وِلَايَتِهِ (مَا لَمْ يَشْتَمِلْ) الْحُكْمُ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ الْحَاكِمُ بَعْدَ عَزْلِهِ.
(عَلَى إبْطَالِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَلَوْ حَكَمَ) حَاكِمٌ (حَنَفِيٌّ بِرُجُوعِ وَاقِفٍ عَلَى نَفْسِهِ فَأَخْبَرَ حَنْبَلِيٌّ أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ قَبْلَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ لَمْ يُقْبَلْ) إخْبَارُ الْحَنْبَلِيِّ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ قَالَهُ الْقَاضِي مَجْدُ الدِّينِ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَهُوَ حَسَنٌ (وَإِنْ أَخْبَرَ حَاكِمٌ حَاكِمًا آخَرَ بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ فِي عَمَلِهِمَا أَوْ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ عَمَلِهِمَا (أَوْ فِي عَمَلِ أَحَدِهِمَا) دُونَ الْآخَرِ (قَبِلَ) الْمُخَبَّرُ (وَعَمَل بِهِ) الْمُخَبَّرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ (إذَا بَلَغَ عَمَلُهُ) كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِحُكْمِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ وَ(لَا) يَقْبَلُ الْمُخَبَّرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَلَا يَعْمَلُ إذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ.
كَذَا وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ (مَعَ حُضُورِ الْمُخَبِّرِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (وَهُمَا بِعَمَلِهِمَا) لِأَنَّ ذَلِكَ كَنَقْلِ الشَّهَادَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ.
وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ يَزُولُ بِمَا قَدَّرْتُهُ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ الْكَاتِبِ (وَكَذَا إخْبَارُ أَمِيرِ جِهَادٍ وَأَمِينِ صَدَقَةٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ) بَعْدَ عَزْلِهِ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ فِي حَالِ وِلَايَتِهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ.
قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: كُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ إنْشَاءُ أَمْرٍ صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ (وَإِنْ قَالَ) الْحَاكِمُ (فِي وِلَايَتِهِ كُنْتُ حَكَمْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا قُبِلَ قَوْلُهُ سَوَاءٌ قَالَ قَضَيْتُ عَلَيْهِ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ قَالَ سَمِعْتُ بِبَيِّنَةٍ وَعَرَفْتُ عَدَالَتَهُمْ أَوْ قَالَ قَضَيْتُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ أَوْ أُقِرَّ عِنْدِي لِفُلَانٍ بِحَقٍّ فَحَكَمْتُ بِهِ) أَوْ قَالَ حَكَمْتُ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى بَيِّنَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْحُكْمَ فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ كَالزَّوْجِ إذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَالسَّيِّدِ إذَا أَخْبَرَ بِالْعِتْقِ.
(بِالْعِتْقِ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ بَرْزَةً وَهِيَ الَّتِي تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا أَحْضَرَهَا) لِعَدَمِ الْعُذْرِ (وَلَا يُعْتَبَرُ لِإِحْضَارِهَا فِي سَفَرِهَا هَذَا) إنْ كَانَ (مُحَرَّمٌ) لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهَا (كَسَفَرِ الْهَجْرَةِ) وَلِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ (وَإِنْ كَانَتْ) الْمَرْأَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا (مُخَدَّرَةً) لَا تَبْرُزُ لِقَضَاءِ حَوَائِجهَا (أَمَرَتْ بِالتَّوْكِيلِ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَقُومُ مَقَامَهَا فَلَمْ تَبْذُلْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَمْ يُحْضِرْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ.
(فَإِنْ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا بَعَثَ الْحَاكِمُ أَمِينًا مَعَهُ شَاهِدَانِ يَسْتَحْلِفُهَا بِحَضْرَتِهِمَا) لِأَنَّ إحْضَارَهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَالْيَمِينُ لَا بُدَّ مِنْهَا وَهَذَا طَرِيقُهُ (وَإِنْ أَقَرَّتْ) بِشَيْءٍ (شَهِدَ عَلَيْهَا) بِهِ لِيَقْضِيَ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا لِشَهَادَتِهِمَا بِطَلَبِ الْمُدَّعِي.
(قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ خَرَجَتْ لِلْعَزَايَا وَالزِّيَارَاتِ وَلَمْ تُكْثِرْ فَهِيَ مُخَدَّرَةً) فَلَا يُحْضِرُهَا الْقَاضِي بَلْ تُوَكِّلُ (وَمَرِيضٌ وَنَحْوُهُ) مِنْ ذَوِي الْأَعْذَارِ (كَمُخَدَّرَةٍ) فِي أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّوْكِيلِ وَلَا يَحْضُرُ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (وَإِنْ اسْتَعْدَى عِنْدَهُ عَلَى غَائِبٍ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ لَمْ يُعْدِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْلَى عَلَيْهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْغَائِبُ (فِي عَمَلِهِ) أَيْ الْقَاضِي (وَكَانَ لَهُ) أَيْ الْقَاضِي (فِي بَلَدِهِ) الَّذِي بِهِ الْغَائِبُ (خَلِيفَةٌ) أَيْ نَائِبٌ (فَإِنْ كَانَتْ لَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ) أَيْ الْقَاضِي (كَتَبَ بِهِ) أَيْ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ (إلَى خَلِيفَتِهِ) كَمَا يَكْتُبُ لِغَيْرِهِ (وَلَمْ يُحْضِرْهُ) أَيْ الْغَائِبَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي إحْضَارِهِ إذَنْ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْقَاضِي (فِيهِ) أَيْ الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الْغَائِبُ (خَلِيفَةٌ وَكَانَ فِيهِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ أَذِنَ لَهُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا) فَيَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْ يَصْلُحُ) لِلْقَضَاءِ (كَتَبَ) الْقَاضِي (إلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَتَوَسَّطُوا بِهِ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى قَطْعِ الْخُصُومَةِ مَعَ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالْإِحْضَارِ (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلَا) أَيْ الْخَصْمَانِ (الْوَسَاطَةَ) أَوْ تَعَذَّرَ مَنْ يُتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا.
(قِيلَ) أَيْ قَالَ الْقَاضِي (لَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (حَرِّرْ دَعْوَاك فَإِذَا تَحَرَّرَتْ) دَعْوَاهُ (أُحْضِرَ خَصْمُهُ وَلَوْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَةِ وَقَدْ تَعَيَّنَ بِذَلِكَ.
(وَلَوْ ادَّعَى قَبْلَهُ شَهَادَةً لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَمْ يُعْدِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْلِفْ) إذَا أَنْكَرَ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَقَالَ لَوْ قَالَ أَنَا أَعْلَمُهَا وَلَا أُؤَدِّيهَا فَظَاهِرٌ وَلَوْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَى بِهِ إنْ قَبِلَ ضَمَانَهَا مُوجَبٌ بِضَمَانِ مَا تَلِفَ وَلَا يَبْعُدُ كَمَا يَضْمَنُ مَنْ تَرَكَ الْإِطْعَامَ الْوَاجِب كَوْنَهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ لِفِسْقِهِ وَكِتْمَانِهِ لَا يَبْقَى ضَمَانُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِالْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ حَقًّا عَلَى الشَّاهِد ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ.