فصل: فَصْل: ذِكْرُ اللَّهِ وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ عَقِب الصَّلَاةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْل: ذِكْرُ اللَّهِ وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ عَقِب الصَّلَاةِ:

(يُسَنُّ ذِكْرُ اللَّهِ وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ عَقِب الصَّلَاةِ) الْمَكْتُوبَةِ (كَمَا وَرَدَ) فِي الْأَخْبَارِ عَلَى مَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ مُفَصَّلًا قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي الشَّرْحِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمَا أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَاعِدٌ وَلَوْ قَالَهُ بَعْد قِيَامِهِ وَفِي ذَهَابهِ فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُصِيبٌ لِلسُّنَّةِ أَيْضًا، إذْ لَا تَحْجِيرَ فِي ذَلِكَ.
وَلَوْ شُغِلَ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فَذَكَرَهُ، فَالظَّاهِرُ حُصُولُ أَجْرِهِ الْخَاصِّ لَهُ أَيْضًا إذَا كَانَ قَرِيبًا لِعُذْرٍ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ فَالظَّاهِرُ فَوَاتُ أَجْرِهِ الْخَاصِّ، وَبَقَاءِ أَجْرِ الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ لَهُ (فَيَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ثَلَاثًا اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) لِمَا رَوَى ثَوْبَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا سَلَّمَ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
وَمِمَّا وَرَدَ مِنْ الذِّكْرِ: مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةِ حِينَ يُسَلِّمُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاه مُسْلِم.
وَعَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقُولُ: فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ مَكْتُوبَةٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيُسَبِّحُ وَيُحَمِّدُ وَيُكَبِّرُ، كُلَّ وَاحِدَةٍ) مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَة أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «تُسَبِّحُونَ وَتُحَمِّدُونَ وَتُكَبِّرُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ».
(وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُنَّ) أَيْ مِنْ عَدَدِ الْكُلِّ (مَعًا) لِقَوْلِ أَبِي صَالِحٍ رَاوِي الْحَدِيثِ- «تَقُول: اللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَتَّى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَمَامُ الْمِائَةِ- لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيَعْقِدُهُ» أَيْ يَعْقِدُ الْعَدَدَ الْمُتَقَدِّمَ بِيَدِهِ (وَ) يَعْقِدُ (الِاسْتِغْفَارَ بِيَدِهِ، أَيْ يَضْبِطُ عَدَدَهُ بِأَصَابِعِهِ كَمَا يَأْتِي) لِحَدِيثِ بُسْرَةَ مَرْفُوعًا «وَاعْقِدْهُ بِالْأَنَامِلِ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ» رَوَاه أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ عَقِبَ) كُلِّ (صَلَاةٍ انْتَهَى) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ، إذَا سَمِعْتُهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ «كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ بَطَّةَ عَنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ خِلَافَهُ، وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفٌ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ الْجَهْرُ لِقَصْدِ التَّعْلِيمِ فَقَطْ ثُمَّ يَتْرُكُهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْعَدَدِ: أَنْ لَا يَنْقُصَ مِنْهُ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا تَضُرُّ شَيْئًا لَا سِيَّمَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِأَنَّ الذِّكْرَ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ يُشْبِهُ الْمُقَدَّرَ فِي الزَّكَاةِ، إذَا زَادَ عَلَيْهِ.
(وَ) يَقُولُ (بَعْدَ كُلِّ مِنْ) صَلَاتِي (الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ، وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ، قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، عَشْرَ مَرَّاتٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لِخَبَرِ أَحْمَدَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ مَرْفُوعًا وَلِهَذَا مُنَاسَبَةٌ وَيَكُونُ الشَّارِعُ شَرَعَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، لِيَحْتَرِس بِهِ عَنْ الشَّيْطَانِ فِيهِمَا وَالْخَبَرُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَغْرِبَ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْفَجْرِ فَقَطْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَشَهْرٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ جِدًّا ا هـ وَيَقُولُ أَيْضًا، وَهُوَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ: (اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ).
لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ عَنْ أَبِيهِ- وَقِيلَ الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِيهِ- «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إلَيْهِ فَقَالَ: إذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ».
وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا فَإِنَّكَ إذَا قُلْتَ ذَلِكَ ثُمَّ مِتّ فِي لَيْلَتِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جِوَارًا مِنْهَا وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنَّكَ إنْ قُلْتَ ذَلِكَ ثُمَّ مِتَّ مِنْ يَوْمِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَك جِوَارًا مِنْهَا قَالَ الْحَارِثُ أَسَرَّ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَخُصُّ بِهَا إخْوَانَنَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ تَفَرَّدَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَلِهَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يُعْرَفُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي لَفْظِهِ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ.
(وَ) يَقْرَأُ (بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْإِخْلَاصِ) لِخَبَرِ أَبِي أُمَامَةَ «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا الْمَوْتُ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَارَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيَقْرَأُ (الْمُعَوِّذَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ الْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ» لَهُ طُرُقٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَفِي هَذَا سِرٌّ عَظِيمٌ فِي دَفْعِ الشَّرِّ مِنْ الصَّلَاةِ إلَى الصَّلَاةِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَيَدْعُو) الْإِمَامُ (بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ، لِحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ) أَيْ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (فِيهِمَا فَيُؤَمِّنُونَ) عَلَى الدُّعَاءِ فَيَكُونُ أَقْرَبَ لِلْإِجَابَةِ (وَكَذَا) يَدْعُو بَعْدَ (غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ) لِأَنَّ مِنْ أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ: أَدْبَارَ الْمَكْتُوبَاتِ (وَيَبْدَأُ) الدُّعَاءَ (بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (وَيَخْتِمُ) دُعَاءَهُ (بِهِ) أَيْ بِالْحَمْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ).
قَالَ الْآجُرِّيُّ: وَوَسَطَهُ، لِخَبَرِ جَابِرٍ قَالَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ فَإِنَّ الرَّاكِبَ يَمْلَأُ قَدَحَهُ ثُمَّ يَضَعُهُ، وَيَرْفَعُ مَتَاعَهُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَرَابٍ شَرِبَ أَوْ الْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَإِلَّا أَهْرَاقَهُ، وَلَكِنْ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ، وَأَوْسَطِهِ وَآخِرهِ».
(وَيَسْتَقْبِلُ) الدَّاعِي (غَيْر إمَامٍ هُنَا الْقِبْلَةَ) لِأَنَّ خَيْرَ الْمَجَالِسِ: مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ.
(وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ) اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ (بَلْ يَسْتَقْبِلُ) الْإِمَامُ (الْمَأْمُومِينَ) لِمَا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهِمْ إذَا سَلَّمَ.
(وَيُلِحُّ) الدَّاعِي فِي الدُّعَاءِ لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» (وَيُكَرِّرُهُ) أَيْ الدُّعَاءُ (ثَلَاثًا) لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْإِلْحَاحِ (وَ) الدُّعَاءُ (سِرًّا أَفْضَلُ) مِنْهُ جَهْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اُدْعُوَا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِخْلَاصِ (وَيَعُمُّ بِهِ) أَيْ بِالدُّعَاءِ، «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ يَا عَلِيُّ عَمِّمْ» الْحَدِيثَ.
(وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ: بَسْطُ يَدَيْهِ وَرَفْعُهُمَا إلَى صَدْرِهِ) لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا «إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَتَكُونُ يَدَاهُ مَضْمُومَتَيْنِ، لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَعَا ضَمَّ كَفَّيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ» وَضَعَّفَهُ فِي الْمَوَاهِبِ وَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا، وَيُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِهِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ.
(وَيَدْعُو بِدُعَاءٍ مَعْهُودٍ) أَيْ مَأْثُورٍ، إمَّا مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ السُّنَّةِ، أَوْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ، أَوْ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ، وَيَكُونُ جَامِعًا (بِتَأَدُّبٍ) فِي هَيْئَتهِ وَأَلْفَاظِهِ، فَيَكُونُ جُلُوسُهُ إنْ كَانَ جَالِسًا كَجُلُوسِ أَذَلِّ الْعَبِيدِ بَيْنَ يَدَيْ أَعْظَمِ الْمَوَالِي.
(وَخُشُوعٍ وَخُضُوعٍ، وَعَزْمٍ وَرَغْبَةٍ) وَحُضُورِ قَلْبٍ وَرَجَاءٍ لِحَدِيثٍ «لَا يُسْتَجَابُ مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَيَتَمَلَّقُ وَيَتَوَسَّلُ إلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَيُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ صَدَقَةً وَيَتَحَرَّى أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ، هِيَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ، وَعِنْد الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَأَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَعِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ، وَآخِرَ سَاعَةٍ بَعْد الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
(وَيَنْتَظِرُ الْإِجَابَةَ) لِحَدِيثِ «اُدْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» (وَلَا يُعَجِّلُ، فَيَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يُعَجِّلْ قَالُوا: وَكَيْف يُعَجِّلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي فَيَسْتَحْسِرَ عِنْدَ ذَلِكَ» وَيَدْعُو الدُّعَاءَ وَيَنْتَظِرُ الْفَرَجَ فَهُوَ عِبَادَةٌ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَسْأَلَةِ إلَّا لِيُعْطِيَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ «مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ دَعْوَةً إلَّا أَتَاهُ اللَّهُ إيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إذَنْ نُكْثِرُ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ» وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ وَفِيهِ «إمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا أَوْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا» وَيَبْدَأُ فِي دُعَائِهِ بِنَفْسِهِ.
(وَ لَا يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ فِيهِ) أَيْ الدُّعَاءِ، خِلَافًا لِلْغَنِيَّةِ لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي».
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ نَصًّا) لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «إذْ أَوَّلُهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك وَأَسْأَلُكَ» ذَلِكَ يَخُصُّ نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَالْمُرَادُ) بِهِ أَيْ بِالدُّعَاءِ الَّذِي لَا يُكْرَهُ، أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ: الدُّعَاءُ (الَّذِي لَا يُؤَمَّنُ عَلَيْهِ كَالْمُنْفَرِدِ وَكَ) الدُّعَاءِ (بَعْدَ التَّشَهُّدِ) أَوْ فِي السُّجُودِ وَنَحْوِهِ (فَأَمَّا مَا يُؤَمَّنُ عَلَيْهِ، كَالْمَأْمُومِينَ مَعَ الْإِمَامِ فَيَعُمُّ) بِالدُّعَاءِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ يُؤَمَّنُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعُمّهُمْ، فَقَدْ (خَانَهُمْ، وَكَدُعَاءِ الْقُنُوتِ) فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعُمَّ بِهِ كَانَ خَائِنًا لَهُمْ لِخَبَرِ ثَوْبَانَ فَإِنَّ فِيهِ «لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ».
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَهُ) أَيْ الدُّعَاءَ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ الْإِفْرَاطِ فِي الدُّعَاءِ» وَالْإِفْرَاطُ يَشْمَلُ كَثْرَةَ الْأَسْئِلَةِ.
(وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) قَالَ فِي الْفُصُولِ، فِي آخِرِ الْجُمُعَةِ: الْإِسْرَارُ بِالدُّعَاءِ عَقِبَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْإِفْرَاطِ فِي الدُّعَاءِ» وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى ارْتِفَاعِ الصَّوْتِ، وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ ا هـ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّعَقُّبِ: أَنَّ الْإِفْرَاطَ لَا يَشْمَلُ الْجَهْرَ وَإِنَّمَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ الْكَثْرَةُ فَقَطْ (إلَّا لِحَاجٍّ) فَإِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ لَهُ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ «أَفْضَلُ الْحَجِّ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ» وَشَرْطُ الدُّعَاءِ: الْإِخْلَاصُ قَالَ الْآجُرِّيُّ: وَاجْتِنَابُ الْحَرَامِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مِنْ الْآدَابِ وَقَالَ شَيْخُنَا: يَبْعُدُ إجَابَتُهُ إلَّا مُضْطَرًّا أَوْ مَظْلُومًا قَالَ وَذِكْرُ الْقَلْبِ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللِّسَانِ وَحْدَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ عَكْسه «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ قَالَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَة إبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيَجْتَنِبُ السَّجْعَ.

.فَصْلٌ مَا يُكْرَهُ وَمَا يُبَاحُ وَمَا يُسْتَحَبُّ فِي الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ:

(فِيمَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ الْتِفَاتٌ يَسِيرٌ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ (بِلَا حَاجَةٍ) فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ (كَخَوْفِ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ.
(وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْو الْخَوْفِ كَمَرَضِ لَمْ يُكْرَهْ، لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ «ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد قَالَ وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إلَى الشِّعْبِ يَحْرُسُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ» رَوَاه النَّسَائِيُّ.
(وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (إنْ اسْتَدَارَ) الْمُصَلِّي (بِجُمْلَتِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَهَا) أَيْ الْقِبْلَةَ لِتَرْكِهِ الِاسْتِقْبَالِ بِلَا عُذْرٍ (مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكَعْبَةِ) فَلَا تَبْطُلُ، لِأَنَّهُ إذَا اسْتَدْبَرَ جِهَةً فَقَدْ اسْتَقْبَلَ أُخْرَى (وَ) فِي (شِدَّةِ خَوْفٍ) فَلَا تَبْطُلُ إنْ الْتَفَتَ بِجُمْلَتِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ لِسُقُوطِ الِاسْتِقْبَالِ إذَنْ وَكَذَا إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا الْمُصَنِّفِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ، بَلْ اسْتَدَارَ إلَيْهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ قِبْلَتَهُ (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (لَوْ الْتَفَتَ بِصَدْرِهِ وَوَجْهِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدِرْ بِجُمْلَتِهِ.
(وَ) يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ (رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَ(لَا) يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرهِ إلَى السَّمَاءِ (حَالَ التَّجَشِّي) إذَا كَانَ (فِي جَمَاعَةٍ) لِئَلَّا يُؤْذِيَ مَنْ حَوْلَهُ بِالرَّائِحَةِ.
(وَ) يُكْرَه فِي الصَّلَاةِ (تَغْمِيضُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ وَمَظِنَّةُ النَّوْمِ (بِلَا حَاجَةٍ كَخَوْفِهِ مَحْذُورًا، مِثْل أَنْ رَأَى أَمَتَهُ عُرْيَانَة، أَوْ) رَأَى (زَوْجَتَهُ) كَذَلِكَ (أَوْ) رَأَى (أَجْنَبِيَّةً) كَذَلِكَ (بِطَرِيقِ الْأَوْلَى) إذْ نَظَرُهُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ بِخِلَافِ أَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ.
(وَ) يُكْرَهُ (صَلَاتُهُ إلَى صُورَةٍ مَنْصُوبَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ صُورَةٌ مُمَثَّلَةٌ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ سُجُودَ الْكُفَّارِ لَهَا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ صُورَةُ حَيَوَانٍ مُحَرَّمَةٍ لِأَنَّهَا الَّتِي تُعْبَدُ وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَفِي الْفُصُولِ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى جِدَارٍ فِيهِ صُورَةٌ وَتَمَاثِيلُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ وَظَاهِرهُ: وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ إلَيْهَا، وَأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ إلَى غَيْرِ مَنْصُوبَةٍ وَلَا سُجُودُهُ عَلَى صُورَةٍ وَلَا صُورَةٍ خَلْفَهُ فِي الْبَيْتِ وَلَا فِي فَوْقَ رَأْسِهِ فِي سَقْفٍ، أَوْ عَنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
(وَ) يُكْرَه (السُّجُودُ عَلَيْهَا) أَيْ الصُّورَةُ عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ كَمَا سَبَقَ لَا يُكْرَهُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى إلَيْهَا وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا كَرِهُوا الصَّلَاةَ إلَيْهَا، لَا السُّجُودَ عَلَيْهَا.
(وَيُكْرَهُ حَمْلُهُ فَصًّا) فِيهِ صُورَةٌ (أَوْ) حَمْلَهُ (ثَوْبًا وَنَحْوه) كَدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ (فِيهِ صُورَةٌ) وِفَاقًا (وَ) صَلَاتُهُ (إلَى وَجْهِ آدَمِيٍّ) نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَفِي الرِّعَايَةِ: أَوْ حَيَوَانٌ غَيْره وَالْأَوَّلُ) أَصَحُّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ وَيُصَلِّي إلَيْهَا».
(وَ) يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ (مَا يُلْهِيهِ) لِأَنَّهُ يَشْغَلُهُ عَنْ إكْمَالِ صَلَاتِهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلَى أَبِي جَهْمٍ وَآتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْخَمِيصَةُ: كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ والْإِنْبِجانِيَّة كِسَاءٌ غَلِيظٌ.
وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهُ شَيْئًا (مِنْ نَارٍ وَلَوْ سِرَاجًا، وَقِنْدِيلًا وَنَحْوه، كَشَمْعَةٍ مُوقَدَةٍ) لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِعَبَدَةِ النَّارِ.
(وَ) يُكْرَهُ (حَمْلُهُ مَا يَشْغَلُهُ) عَنْ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالْخُشُوعِ.
(وَ) يُكْرَهُ (إخْرَاجُ لِسَانِهِ وَفَتْحُ فَمِهِ، وَوَضْعُهُ فِيهِ شَيْئًا) لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ (وَلَا) يُكْرَهُ وَضْعُ شَيْءٍ (فِي يَدِهِ وَكُمِّهِ) إلَّا إذَا شَغَلَهُ عَنْ كَمَالِهَا، فَيُكْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ (إلَى مُتَحَدِّثٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنْ حُضُورِ قَلْبِهِ فِي الصَّلَاةِ (وَ) إلَى (نَائِمٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى النَّائِمِ وَالْمُتَحَدِّثِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد (وَكَافِر) لِأَنَّهُ نَجِسٌ وَقَدْ يَعْبَثُ بِهِ (وَاسْتِنَادُهُ) إلَى جِدَارٍ أَوْ نَحْوِهِ لِأَنَّهُ يُزِيلُ مَشَقَّةَ الْقِيَامِ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ مَعَهَا «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِد عَلَيْهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد (فَإِنْ سَقَطَ) الْمُصَلِّي (لَوْ أُزِيلَ) مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ (لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْقَائِمِ.
(وَ) يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ فِي (مَا يَمْنَعُ كَمَالَهَا، كَحَرٍّ) مُفْرِطٍ (وَبَرْدٍ) مُفْرِطٍ (وَنَحْوه) كَجُوعٍ شَدِيدٍ وَخَوْفٍ شَدِيدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُقْلِقُهُ وَيَشْغَلُهُ عَنْ حُضُورِ قَلْبِهِ فِي الصَّلَاةِ.
(وَ) يُكْرَهُ (افْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ سَاجِدًا) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ وَلَا يَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(وَ) يُكْرَهُ (إقْعَاؤُهُ) لِخَبَرِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُقْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ».
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ، فَلَا تُقْعِ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ» رَوَاهمَا ابْنُ مَاجَهْ (وَهُوَ) أَيْ الْإِقْعَاءُ (أَنْ يَفْرِشَ قَدَمَهُ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِيبِهِ) كَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْفُرُوعِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَأَمَّا عَنْ الْعَرَبِ فَهُوَ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ، نَاصِبًا فَخِذَيْهِ مِثْل إقْعَاءِ الْكَلْبِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِتَفْسِيرِ الْإِقْعَاءِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا فِي ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ.
(وَ) يُكْرَهُ (ابْتِدَاؤُهَا) أَيْ الصَّلَاةُ (حَاقِنًا) بِالنُّونِ وَهُوَ (مَنْ احْتَبَسَ بَوْلُهُ، أَوْ حَاقِبًا) بِالْمُوَحَّدَةِ نَحْوُ مَا ذُكِرَ وَهُوَ (مَنْ احْتَبَسَ غَائِطَهُ، أَوْ) ابْتِدَاؤُهَا (مَعَ رِيحٍ مُحْتَبَسَةٍ وَنَحْوه) أَيْ نَحْو مَا ذُكِرَ مِمَّا يُزْعِجُهُ وَيَشْغَلُهُ عَنْ خُشُوعِ الصَّلَاةِ، أَوْ ابْتِدَاؤُهَا (تَائِقًا) أَيْ شَائِقًا (إلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ، أَوْ جِمَاعٍ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ قَالَ «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ: مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَبَقَ وَنَحْوه (فَيَبْدَأُ بِالْخَلَاءِ) لِيُزِيلَ مَا يُدَافِعُهُ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ.
(وَ) يَبْدَأُ أَيْضًا (بِمَا تَاقَ إلَيْهِ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ جِمَاعٍ (وَلَوْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ (مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ فَلَا يُكْرَهُ) ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ (بَلْ يَجِبُ) فِعْلُهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ (وَيَحْرُمُ اشْتِغَالُهُ بِالطَّهَارَةِ) إذَنْ أَيْ حِينَ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَكَذَا اشْتِغَالُهُ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ.
(إذَنْ وَيُكْرَهُ) لِلْمُصَلِّي (عَبَثُهُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ».
(وَ) يُكْرَهُ (تَقْلِيبُهُ الْحَصَى وَمَسُّهُ) أَيْ الْحَصَى، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَمَسَّ الْحَصَى فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَ) يُكْرَهُ (وَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ وَلَفْظ مُسْلِمٍ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَ) يُكْرَهُ (تَرُوحهُ بِمِرْوَحَةٍ وَنَحْوِهَا) لِأَنَّهُ مِنْ الْعَبَثِ (إلَّا لِحَاجَةٍ، كَغَمٍّ شَدِيدٍ) فَلَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ (مَا لَمْ يُكْثِرْ) مِنْ التَّرَوُّحُ فَيُبْطِلُ الصَّلَاةَ إنْ تَوَالَى.
وَ(لَا) تُكْرَهُ (مُرَاوَحَتُهُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَتُسْتَحَبُّ) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عُبَادَةَ قَالَ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ رَجُلًا يُصَلِّي صَافًّا بَيْنَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: لَوْ رَاوَحَ هَذَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَفِيهِ قَالَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، لَوْ رَاوَحَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَعْجَبَ (كـ) مَا يُسْتَحَبُّ (تَفْرِيقُهُمَا) قَالَ الْأَثْرَمُ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُفَرِّقُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ وَرَأَيْتُهُ يُرَاوِحُ بَيْنَهُمَا.
(وَتُكْرَهُ كَثْرَتُهُ) أَيْ كَثْرَةُ أَنْ يُرَاوِحَ بَيْنَ قَدَمَيْهِ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ قَالَ إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَكِّنْ أَطْرَافَهُ، وَلَا يَمِلْ مَيْلَ الْيَهُودِ» قَالَ فِي شَرْح الْمُنْتَهَى: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَطُلْ قِيَامُهُ.
(وَ) تُكْرَهُ (فَرْقَعَةُ أَصَابِعُهُ) لِمَا رَوَى الْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا تُقَعْقِعُ أَصَابِعَكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ ابْن مَاجَهْ.
(وَ) يُكْرَه (تَشْبِيكهَا) أَيْ الْأَصَابِعُ لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَأَى رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الَّذِي يُصَلِّي، وَقَدْ شَبَّكَ أَصَابِعُهُ تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي (لَمْسُ لِحْيَتِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْعَبَثِ (وَ) يُكْرَهُ (نَفْخُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَرُبَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ.
(وَ) يُكْرَهُ (اعْتِمَادُهُ عَلَى يَدِهِ فِي جُلُوسِهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ) تَدْعُو إلَيْهِ.
(وَ) تُكْرَهُ (صَلَاتُهُ مَكْتُوفًا، وَعَقْصُ شَعْرِهِ) أَيْ لَيُّهُ وَإِدْخَالُ أَطْرَافِهِ فِي أُصُولِهِ (وَكَفُّهُ) أَيْ الشَّعْرَ (وَكَفُّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ كَفِّ الثَّوْبِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَلَا أَكُفُّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» وَنَهَى أَحْمَدُ رَجُلًا كَانَ إذَا سَجَدَ جَمَعَ ثَوْبَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ ثِيَابَهُ وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ.
يُكْرَه أَنْ يُشَمِّرَ ثِيَابَهُ لِقَوْلِهِ تَرِبَ تَرِبَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حِكْمَةَ النَّهْيِ: أَنَّ الشَّعْرَ وَنَحْوَهُ يَسْجُدُ مَعَهُ (وَ) يُكْرَهُ (تَشْمِيرُ كُمِّهِ) قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ فَعَلَهُمَا) أَيْ عَقْصَ الشَّعْرِ وَكَفَّ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ (لِعَمَلٍ قَبْلَ صَلَاتِهِ) فَيُكْرَه لَهُ إبْقَاؤُهُمَا كَذَلِكَ لِمَا سَبَقَ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ، فَجَعَلَ يَحُلُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَا لَك وَلِرَأْسِي؟ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» رَوَاه مُسْلِمٌ (وَ) يُكْرَهُ (جَمْعُ ثَوْبِهِ بِيَدِهِ إذَا سَجَدَ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَخُصَّ جَبْهَتَهُ بِمَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ شِعَارُ الرَّافِضَةِ) أَيْ مِنْ شِعَارِهِمْ، أَوْ جُلِّهَا،.
وَ(لَا) تُكْرَهُ (الصَّلَاةُ عَلَى حَائِلٍ صُوفٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهِمَا) كَوَبَرٍ (مِنْ حَيَوَانٍ) كَمَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى (مَا تُنْبِتهُ الْأَرْضُ) مِنْ حَشِيشٍ وَزَرْعٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَنَحْوِهَا وَتَقَدَّمَ مُوَضَّحًا (وَلَا عَلَى مَا يَمْنَعُ صَلَابَةُ الْأَرْضِ) حَيْثُ حَصَلَ الْمَقَرُّ لِأَعْضَاءِ السُّجُودِ وَتَقَدَّمَ.
(وَيُكْرَه التَّمَطِّي) لِأَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ هَيْئَةِ الْخُشُوعِ، وَيُؤْذِنُ بِالْكَسَلِ (وَإِنْ تَثَاءَبَ كَظَمَ عَلَيْهِ، نَدْبًا) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِي فِيهِ» رَوَاه مُسْلِمٌ (فَإِنْ غَلَبَهُ) التَّثَاؤُبُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَظْمِ (اُسْتُحِبَّ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ) «لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَضَعْ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ.
(وَيُكْرَهُ مَسْحُ أَثَرِ سُجُودِهِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنَّ مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ يُكْثِرَ الرَّجُلُ مَسْحَ جَبْهَتِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاتِهِ» رَوَاه ابْن مَاجَهْ وَلِذَلِكَ ذُكِرَ فِي الْمُغْنِي: يُكْرَهُ إكْثَارُهُ مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ.
(وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يُكْتَبَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِي قِبْلَتِهِ شَيْءٌ (أَوْ) أَنْ (يُعَلَّقَ فِي قِبْلَتِهِ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْمُصَلِّي (وَلَا) يُكْرَهُ (وَضْعُهُ) شَيْئًا فِي قِبْلَتِهِ (بِالْأَرْضِ وَلِذَلِكَ) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ أَوْ يُعَلَّقَ فِي الْقِبْلَةِ شَيْءٌ (كُرِهَ التَّزْوِيقَ) فِي الْمَسْجِدِ (وَكُلَّ مَا يَشْغَلُ الْمُصَلِّي عَنْ صَلَاتِهِ) لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالْخُشُوعِ (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْعَلُوا فِي الْقِبْلَةِ شَيْئًا) حَتَّى الْمُصْحَفَ.
(وَ) تُكْرَهُ (تَسْوِيَةُ التُّرَابِ بِلَا عُذْرٍ) لِحَدِيثِ مُعَيْقِيبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ إنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عَبَثٌ.
(وَ) يُكْرَهُ (تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ) لِأَنَّهَا رُكْنٌ، وَفِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ بِتَكْرَارِهَا خِلَافٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِتَكْرَارِهَا لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الرُّكْنِ الْفِعْلِيِّ.
(وَفِي الْمُذْهَبِ) بِضَمِّ الْمِيم لِابْنِ الْجَوْزِيِّ (وَالنَّظْمِ: تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ الْمُخَالِفَةُ عُرْفَ الْبَلَدِ أَيْ) يُكْرَه (لِلْإِمَامِ فِي قِرَاءَةٍ يَجْهَرُ بِهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ لِلْجَمَاعَةِ) هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ (وَمَنْ أَتَى بِالصَّلَاةِ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ مَا دَامَ وَقْتهَا بَاقِيًا) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مُنْفَرِدًا، أَوْ وَقْتَ نَهْيٍ لَكِنْ مَا يَأْتِي فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ لَا يُسَاعِدُهُ (لِأَنَّ الْإِعَادَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْخَلَلِ فِي) الْفِعْلِ (الْأَوَّلِ) وَالْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ خَلَلٌ فِي كَمَالِهَا وَمِنْهُ تَعْلَمَ: أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ لِغَيْرِ ذَاتِهَا، كَالصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا سَدْلٌ أَوْ مِنْ حَاقِنٍ وَنَحْوه: فِيهَا ثَوَابٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَكْرُوهَةً لِذَاتِهَا كَالسِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ نَفْسَهُ لِلصَّائِمِ مَكْرُوهٌ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ، بَلْ يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ.
(وَلَا يُكْرَهُ جَمْعُ سُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رَكْعَةٍ، وَلَوْ فِي فَرْضٍ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ «كَانَ يَؤُمُّهُمْ، فَكَانَ يَقْرَأ قَبْلَ كُلِّ سُورَةٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ؟ فَقَالَ: إنِّي أُحِبّهَا فَقَالَ: حُبُّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ».
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَكْتُوبَةِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(كـ) مَا لَا يُكْرَه (تَكْرَارُ سُورَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ) لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» رَوَاه سَعِيدٌ (وَتَفْرِيقُهَا) أَيْ السُّورَةِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ الْبَقَرَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ.
(وَلَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ، وَأَوْسَاطُهَا كَأَوَائِلِهَا) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَوْله تَعَالَى {قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا} الْآيَة وَفِي الثَّانِيَةِ آلَ عِمْرَانَ {قُلْ يَا أَهْلِ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ} الْآيَة».
(وَلَا) يُكْرَه (مُلَازَمَةُ سُورَةٍ يُحْسِنُ غَيْرَهَا مَعَ اعْتِقَادِهِ جَوَازِ غَيْرِهَا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُلَازَمَةِ ذَلِكَ الْأَنْصَارِيِّ عَلَى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
(وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ كُلِّ الْقُرْآنِ فِي فَرْضٍ وَاحِدٍ) لِعَدَمِ نَقْلِهِ، وَلِلْإِطَالَةِ، وَلَا تُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ كُلُّهُ فِي نَفْلٍ لِأَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ (وَلَا) تُكْرَهُ (قِرَاءَةُ) الْقُرْآنِ (كُلِّهِ فِي الْفَرَائِضِ عَلَى تَرْتِيبهِ) قَالَ حَرْبٌ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ عَلَى التَّأْلِيفِ فِي الصَّلَاةِ: الْيَوْمَ سُورَةً وَغَدًا الَّتِي تَلِيهَا؟ قَالَ لَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ، إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ.
(وَيُسَنُّ رَدُّ مَارٌّ بَيْنَ يَدَيْهِ بِدَفْعِهِ) أَيْ الْمَارِّ (بِلَا عُنْفٍ آدَمِيًّا كَانَ) الْمَارُّ (أَوْ غَيْرَهُ) فَرْضًا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هِيَ شَيْطَانٌ» مُتَّفَق عَلَيْهِ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعَنَّ أَحَدًا يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ» رَوَاه مُسْلِمٌ (مَا لَمْ يَغْلِبْهُ) الْمَارُّ (فَإِنْ غَلَبَهُ، وَمَرَّ، لَمْ يَرُدَّهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ) لِأَنَّ فِيهِ الْمُرُورَ ثَانِيًا بَيْنَ يَدَيْهِ (أَوْ يَكُنْ) الْمَارُّ (مُحْتَاجًا) إلَى الْمُرُورِ، بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا، أَوْ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا (أَوْ يَكُنْ فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَلَا) يَرُدُّ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى بِمَكَّةَ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ» رَوَاه أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَأَلْحَقَ فِي الْمُغْنِي: الْحَرَمَ بِمَكَّةَ.
(وَتُكْرَهُ صَلَاتُهُ بِمَوْضِعٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُرُورِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُذَهَّبِ وَغَيْرِهِ (وَتَنْقُصُ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ) أَيْ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ مَمَرَّ الرَّجُلِ لَيُضِعْ نِصْفَ الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ نَقْصُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ فَلَمْ يَفْعَلْهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّدُّ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَنْقُصُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا ذَنْبٌ غَيْرُهُ (فَإِنْ أَبَى) الْمَارُّ أَنْ يَرْجِعَ حَيْثُ رَدَّهُ الْمُصَلِّي (دَفَعَهُ بِعُنْفٍ، فَإِنْ أَصَرَّ، فَلَهُ قِتَالُهُ وَلَوْ مَشَى) قَلِيلًا، لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنْ أَبِي فَلْيُقَاتِلْهُ» وَ(لَا) يُقَاتِلُهُ (بِسَيْفٍ وَلَا بِمَا يُهْلِكُهُ، بَلْ بِالدَّفْعِ وَالْوَكْزِ بِالْيَدِ، وَنَحْو ذَلِكَ قَالَهُ الشَّيْخُ وَقَالَ فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الدَّفْعِ وَالْوَكْزِ بِالْيَدِ وَنَحْوه (فَدَمُهُ هَدَرٌ انْتَهَى).
لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ عَنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا، أَشْبَهَ مَنْ مَاتَ فِي الْحَدِّ (وَيَأْتِي نَحْوُهُ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ) إذَا أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ دَفَعَتْهُ بِالْأَسْهَلِ، فَالْأَسْهَلُ، وَلَوْ أَفْضَى إلَى ذَهَابِ نَفْسِهِ (فَإِنْ خَافَ إفْسَادَ صَلَاتِهِ بِتَكْرَارٍ دَفْعَهُ) بِأَنْ احْتَاجَ إلَى كَثِيرٍ (لَمْ يُكَرِّرهُ) أَيْ الدَّفْعُ، لِئَلَّا يُفْسِدَ صَلَاتَهُ (وَيَضْمَنُهُ) أَيْ يَضْمَنُ الْمُصَلِّي الْمَارَّ إنْ قَتَلَهُ (إذَنْ) أَيْ مَعَ خَوْفِ فَسَادِهَا (لِتَحْرِيمِ التَّكْرَارِ لِكَثْرَتِهِ) الَّتِي تُؤَدِّي إلَى إفْسَادِ الصَّلَاةِ الْمَشْرُوعِ إتْمَامُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: سَوَاءً كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَمَرَّ دُونَهَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ فَمَرَّ قَرِيبًا مِنْهُ.
(وَيَحْرُمُ مُرُورٌ بَيْنَ مُصَلٍّ وَسُتْرَتِهِ، وَلَوْ بَعُدَ عَنْهَا) لِمَا رَوَى أَبُو جَهْمٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» قَالَ أَبُو النَّصْرِ أَحَدُ رُوَاتِهِ: لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» (وَمَعَ عَدَمِهَا) أَيْ السُّتْرَةُ بِأَنْ كَانَ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ (يَحْرُمُ) الْمُرُورُ (بَيْنَ يَدَيْهِ قَرِيبًا) مِنْهُ (وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ بِذَارِعِ الْيَدِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي.
(وَفِي الْمُسْتَوْعَبِ: إنْ احْتَاجَ) الْمَارُّ (إلَى الْمُرُورِ أَلْقَى شَيْئًا) بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي يَكُونُ سُتْرَةٌ لَهُ (ثُمَّ مَرَّ) مِنْ وَرَائِهِ (انْتَهَى).
فَيَكُونُ مُرُورهُ مِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ (فَإِنْ مَرَّ) الْمَارُّ (بَيْنَ يَدَيْ الْمَأْمُومِينَ، فَهَلْ) يُسَنُّ (لَهُمْ رَدُّهُ، وَهَلْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ) الْمُرُورِ؟ (احْتِمَالَانِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ يَمِيلُ إلَى أَنَّ لَهُمْ) أَيْ الْمَأْمُومِينَ (رَدَّهُ، وَأَنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، وَعَلَى هَذَا: فَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ قَطْعِ صَلَاتِهِمْ بِمُرُورِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَقَطْ (كَذَا ذَكَرَهُ عَنْهُ) الْقَاضِي أَحْمَدُ مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ (فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ وَلَيْسَ وُقُوفُهُ) بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي (كَمُرُورِهِ) لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَخْبَارِ قُلْتُ وَكَذَا تَنَاوُلُهُ شَيْئًا مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُرُورٍ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (عَدُّ التَّسْبِيحِ) بِأَصَابِعِهِ (وَ) لَهُ عَدُّ (الْآيِ بِأَصَابِعِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ فِيهِمَا) لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَعْقِدُ الْآيَ بِأَصَابِعِهِ» رَوَاه مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ وَعَدَّ التَّسْبِيحَ فِي مَعْنَى عَدِّ الْآيِ وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي عَدِّ التَّسْبِيحِ لِأَنَّهُ يَتَوَالَى لِقِصَرِهِ فَيَتَوَالَى حِسَابُهُ فَيَكْثُرُ الْعَمَلُ بِخِلَافِ عَدِّ الْآي (كـ) عَدِّ (تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَيُبَاحُ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (قَتْلُ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ» رَوَاه الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَ) لَهُ قَتْلُ (قَمْلَةٍ) لِأَنَّ عُمَرَ وَأَنَسًا وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِهَا أَذَى لَهُ إنْ تَرَكَهَا عَلَى جَسَدهِ، وَلِغَيْرِهِ إنْ أَلْقَاهَا، وَهُوَ عَمَلٌ يَسِيرٌ فَلَمْ يُكْرَه وَقَالَ الْقَاضِي التَّغَافُلُ عَنْهَا أَوْلَى وَفِي مَعْنَاهَا الْبُرْغُوثُ.
(وَ) لَهُ (لُبْسُ ثَوْبٍ وَعِمَامَةٍ وَلَفُّهَا، وَحَمْلُ شَيْءٍ وَوَضْعُهُ) لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حَجَرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَحَفَ بِإِزَارِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ» وَتَقَدَّمَ حَمْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَامَةَ وَكَذَا إنْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ فَلَهُ رَفْعُهُ وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ (وَ) لَهُ (إشَارَةٌ بِيَدٍ وَوَجْهٍ وَعَيْنٍ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَنَحْوِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَعْمَالِ الْيَسِيرَةِ، كَحَكِّ جَسَدِهِ يَسِيرًا (لِحَاجَةٍ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ أَشْبَهَ حَمْلَ أُمَامَةَ وَفَتْحَ الْبَابِ لِعَائِشَةَ.
(وَإِلَّا) يَكُنْ لِحَاجَةٍ (كُرِهَ) لِأَنَّهُ عَبَثٌ (مَا لَمْ يَطُلْ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَلَهُ رَدُّ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى آخِرِهِ (وَلَا يَتَقَدَّرُ الْيَسِيرُ بِثَلَاثٍ وَلَا) بِ (غَيْرِهَا مِنْ الْعَدَدِ، بَلْ) الْيَسِيرُ مَا عَدَّهُ (الْعُرْفُ) يَسِيرًا لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ فَيَرْجِعُ لِلْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ (وَمَا شَابَهَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي حَمْلِ أُمَامَةَ وَفَتْحِهِ الْبَابَ لِعَائِشَةَ وَتَأَخُّرِهِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَتَقَدُّمِهِ (فَهُوَ يَسِيرٌ) لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ.
(وَإِنْ قَتَلَ الْقَمْلَةَ فِي الْمَسْجِدِ أُبِيحَ دَفْنُهَا فِيهِ إنْ كَانَ) الْمَسْجِدُ (تُرَابًا وَنَحْوَهُ) كَالْحَصَى وَالرَّمْلِ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُبَاحُ قَتْلُهَا فِيهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا وَيَدْفِنَهَا قِيلَ لِلْقَاضِي: يُكْرَهُ قَتْلُهَا وَدَفْنُهَا فِيهِ كَالنُّخَامَةِ؟ فَقَالَ دَفْنُ النُّخَامَةِ كَفَّارَةٌ لَهَا فَإِذَا دَفَنَهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَتَنَخَّمْ، فَكَذَا الْقَمْلَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَعْمَاقَهُ تَجِبُ صِيَانَتُهَا عَنْ النَّجَاسَةِ كَظَاهِرِهِ بِخِلَافِهَا انْتَهَى وَهَذَا النَّظَرُ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةٍ مَيْتَةٍ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً وَالْمَذْهَبُ طَهَارَتُهَا فَلَا يَتَأَتَّى التَّنْظِيرُ (فَإِنْ طَالَ عُرْفًا) مَا (فَعَلَ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا غَيْرِ مُتَفَرِّقٍ، أَبْطَلَهَا) إجْمَاعًا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا) أَوْ جَهْلًا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ، وَيَمْنَعُ مُتَابَعَةَ الْأَرْكَانِ وَيُذْهِبُ الْخُشُوعَ فِيهَا وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مُنَافٍ لَهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهَا (مَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةً).
فَإِنْ كَانَتْ (كَحَالَةِ خَوْفٍ وَهَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ) كَسَيْلٍ وَسَبُعٍ وَنَارٍ لَمْ تَبْطُلْ إلْحَاقًا لَهُ بِالْخَائِفِ (وَعَدَّ) أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ الضَّرُورَةِ: (إذَا كَانَ بِهِ حَكٌّ لَا يَصْبِرُ عَنْهُ) وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَفَرِّقَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ إذَا قَامَ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا» رَوَاه مُسْلِمٌ وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ. «صَلَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَكَرَّرَ صُعُودُهُ وَنُزُولُهُ عَنْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مَفْهُومَةٌ أَوْ لَا كَعَمَلٍ أَيْ كَفِعْلِهِ دُونَ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا فِعْلٌ لَا قَوْلٌ، فَلَا تَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ إلَّا إذَا كَثُرَتْ عُرْفًا وَتَوَالَتْ.
(وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِعَمَلِ الْقَلْبِ، وَلَوْ طَالَ) لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ (وَلَا بِإِطَالَةِ نَظَرٍ) إلَى شَيْءٍ (مِنْ كِتَابٍ) أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى (إذَا قَرَأَ) مَا فِيهِ (بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ) رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ فَعَلَهُ (مَعَ كَرَاهَتِهِ) لِلْخِلَافِ فِي إبْطَالِهِ الصَّلَاةَ، وَلِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ (وَلَا أَثَرَ لِعَمَلِ غَيْرِهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (كَمَنْ مَصّ وَلَدُهَا) أَوْ وَلَدُ غَيْرِهَا (ثَدْيَهَا) وَهِيَ تُصَلِّي (فَنَزَلَ لَبَنُهَا) وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا، لِعَدَمِ الْمُنَافِي.
(وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي) قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلِطَ فَرَدَّ بِالْكَلَامِ (وَالْمَذْهَبُ: لَا) يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي نَصَّ عَلَيْهِ وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أَيْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سَلَّمَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ (وَلَهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (رَدُّهُ) أَيْ السَّلَامِ (بِإِشَارَةٍ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُشِيرُ فِي صَلَاتِهِ» وَكَذَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَنَسٍ.
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إشَارَةً وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ السَّلَامِ فَحَسَنٌ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا يَرُدُّهُ فِي نَفْسِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ بَعْدَهَا لِرَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ السَّلَامِ (فَإِنْ رَدَّهُ) أَيْ رَدَّ الْمُصَلِّي السَّلَامَ (لَفْظًا بَطَلَتْ) الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ.
(وَلَوْ صَافَحَ) الْمُصَلِّي (إنْسَانًا يُرِيدُ السَّلَامَ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَلَامٌ (وَلَهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (أَنْ يَفْتَحَ عَلَى إمَامِهِ إذَا أُرْتِجَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَتَخْفِيف الْجِيم كَأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ، مِنْ أَرَتَجْتُ الْبَابَ إرْتَاجًا، أَغْلَقْتُهُ إغْلَاقًا وَثِيقًا (عَلَيْهِ) أَيْ الْإِمَامِ (أَوْ غَلِطَ) فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ، فَرْضًا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا.
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً فَلُبِسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَصَلَّيْتَ مَعَنَا؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا مَنَعَكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد قَالَ الْخَطَّابِيَّ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ فِي الصَّلَاةِ بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِيهَا أَشْبَهَ التَّسْبِيحَ.
(وَيَجِبُ) الْفَتْحُ عَلَى إمَامِهِ إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ أَوْ غَلِطَ (فِي الْفَاتِحَةِ) لِتَوَقُّفِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ عَلَى ذَلِكَ (كـ) مَا يَجِبُ تَنْبِيهُهُ عِنْدَ (نِسْيَانِ سَجْدَةٍ وَنَحْوِهَا) مِنْ الْأَرْكَانِ (وَإِنْ عَجَزَ الْمُصَلِّي عَنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ بِالْإِرْتَاجِ عَلَيْهِ، فَكَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، يَأْتِي بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَلَا يُعِيدُهَا) كَالْأُمِّيِّ (فَإِنْ كَانَ) مَنْ عَجَزَ عَنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ (إمَامًا صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُمِّيِّ خَلْفَهُ) لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ (وَالْقَارِئُ يُفَارِقُهُ) لِلْعُذْرِ (وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ائْتِمَامُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الصَّلَاةِ بِقِرَاءَتِهَا فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».
وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى الْأُمِّيِّ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِدُونِهَا وَهَذَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ فَيَسْأَلَ عَمَّا وَقَفَ فِيهِ وَيُصَلِّي وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى أَرْكَانِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ الصَّلَاةِ لَا يُزِيلُ عَجْزَهُ مِنْهَا، بِخِلَافِ هَذَا (وَإِنْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ) الَّذِي عَجَزَ عَنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فِي أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ (مَنْ يُتِمّ بِهِمْ) صَلَاتهمْ (وَصَلَّى مَعَهُ، جَازَ) ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ وَكَذَا لَوْ عَجَزَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ رُكْنٍ يَمْنَعُ الِائْتِمَامَ بِهِ كَالرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ مِنْ يُتِمُّ بِهِمْ، وَكَذَا لَوْ حُصِرَ عَنْ قَوْلٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَتَقَدَّمَ فِي النِّيَّةِ (وَلَا يَفْتَحُ) الْمُصَلِّي (عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ) مُصَلِّيًا كَانَ أَوْ غَيْرُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(فَإِنْ فَعَلَ كُرِهَ) لِمَا مَرَّ (وَلَمْ تَبْطُلْ) الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِيهَا (وَيُكْرَه لِعَاطِسٍ الْحَمْدُ بِلَفْظِهِ) أَيْ أَنْ يَتَلَفَّظُ بِالْحَمْدِ لِلْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ (وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ مَشْرُوعٌ فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ (وَيَحْمَدُ) الْعَاطِسُ (فِي نَفْسِهِ) نَقَلَ أَبُو دَاوُد يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَنَقَلَ صَالِحٌ لَا يُعْجِبُنِي صَوْتُهُ بِهَا (وَمَنْ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ} (وَتَبْطُلُ) أَيْ الصَّلَاةُ (بِهِ) أَيْ بِجَوَابِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ.
(وَيُجِيبُ) الْمُصَلِّي (وَالِدَيْهِ فِي نَفْلٍ فَقَطْ) لِتَقَدُّمِ حَقِّهِمَا وَبِرِّهِمَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْفَرْضِ (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِهِ) أَيْ بِجَوَابِهِ لِأَبَوَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الزَّوْجَةِ مِنْ النَّفْلِ لِحَقِّ الزَّوْجِ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى النَّفْلِ بِخِلَافِ الْفَرْضِ وَكَذَا حُكْمُ الْقِنِّ (فَإِنْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا ذِكْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) نَحْو مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى عَلَيْهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِحْبَابًا لِتَأَكُّدِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ اسْمُهُ (فِي نَفْلٍ نَصَّ عَلَيْهِ فَقَطْ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ (وَلَا يَبْطُلُ الْفَرْضُ بِهِ) أَيْ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ.
(وَيَجِبُ رَدُّ كَافِرٍ مَعْصُومٍ) بِذِمَّةٍ أَوْ هُدْنَةٍ أَوْ أَمَانٍ (عَنْ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ) كَحَيَّةٍ تَقْصِدُهُ (كـ) رَدِّ (مُسْلِمٍ) عَنْ ذَلِكَ بِجَامِعِ الْعِصْمَةِ (وَ) يَجِبُ (إنْقَاذُ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَحَرِيقٍ (فَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِذَلِكَ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ ضَاقَ وَقْتُهَا، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ أَبَى قَطْعَهَا) أَيْ الصَّلَاةَ لِإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ أَثِمَ وَ(صَحَّتْ) صَلَاتُهُ كَالصَّلَاةِ فِي عِمَامَةِ حَرِيرٍ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (إنْ فَرَّ مِنْهُ غَرِيمُهُ أَوْ سُرِقَ مَتَاعُهُ أَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ وَنَحْوه) كَمَا لَوْ أَبِقَ عَبْدُهُ (الْخُرُوجُ فِي طَلَبِهِ) لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ لُحُوقِ الضَّرَرِ لَهُ (وَإِنْ نَابَهُ) أَيْ أَصَابَهُ (شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ مِثْل سَهْوِ إمَامِهِ أَوْ اسْتِئْذَانِ إنْسَانٍ عَلَيْهِ: سَبَّحَ رَجُلٌ وَلَا يَضُرُّ) أَيْ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالتَّسْبِيحِ (وَلَوْ كَثُرَ) لِأَنَّهُ قَوْلٌ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ.
(وَكَذَا لَوْ كَلَّمَهُ إنْسَانٌ بِشَيْءٍ فَسَبَّحَ) الْمُصَلِّي (لِيُعْلِمَ) الْمُكَلِّمُ لَهُ (أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ أَوْ خَشِيَ) الْمُصَلِّي (عَلَى إنْسَانٍ الْوُقُوعَ فِي شَيْءٍ، أَوْ أَنْ يُتْلِفَ شَيْئًا فَسَبَّحَ بِهِ لِيَتْرُكَهُ، أَوْ تَرَكَ إمَامُهُ ذِكْرًا فَرَفَعَ) الْمَأْمُومُ (صَوْتَهُ بِهِ لِيُذَكِّرَهُ وَنَحْوَهُ) لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلَاتِكُمْ فَلْتُسَبِّحْ الرِّجَالُ، وَلْتُصَفِّقْ النِّسَاءُ» مُتَّفَق عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ «كُنْتُ إذَا اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ سَبَّحَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ أَذِنَ» (وَيُبَاحُ) التَّنْبِيهُ (بِقِرَاءَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَنَحْوه) كَتَحْمِيدٍ وَاسْتِغْفَارٍ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ.
(وَيُكْرَهُ) التَّنْبِيهُ (بِنَحْنَحَةٍ) لِلِاخْتِلَافِ فِي إبْطَالِهَا.
(وَ) يُكْرَهُ (بِصَفِيرٍ كَتَصْفِيقِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (وَتَسْبِيحُهَا) أَيْ وَيُكْرَهُ التَّنْبِيهُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِالتَّسْبِيحِ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ، مُتَّفَق عَلَيْهِمَا (وَصَفَّقَتْ امْرَأَةٌ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى) مَعْطُوف عَلَى سَبَّحَ رَجُلٌ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا تَبْطُلُ بِتَصْفِيقِهَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَتَبْطُلُ بِهِ لِمُنَافَاتِهِ لِلصَّلَاةِ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْخُنْثَى كَامْرَأَةٍ (وَإِنْ كَثُرَ) التَّصْفِيقُ (أَبْطَلَهَا) لِأَنَّهُ عَمَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ، فَأَبْطَلَهَا كَثِيرُهُ، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا (وَلَوْ عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ لَسَعَهُ شَيْءٌ) مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، أَوْ سَمِعَ) مَا يَغُمُّهُ (أَوْ رَأَى مَا يَغُمُّهُ، فَقَالَ: إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ) أَوْ سَمِعَ (أَوْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ قِيلَ لَهُ: وُلِدَ لَك غُلَامٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ احْتَرَقَ دُكَّانُهُ وَنَحْوه فَقَالَ: لَا حَوَلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كُرِهَ) لِلِاخْتِلَافِ فِي إبْطَالِهِ الصَّلَاةَ (وَصَحَّتْ) لِلْأَخْبَارِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَكَذَا لَوْ خَاطَبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كَأَنْ يُسْتَأْذَنُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ) آمِنِينَ (أَوْ يَقُولُ لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى {يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابِ بِقُوَّةٍ}) لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ اسْتَأْذَنَّا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ: {اُدْخُلُوا مِصْرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} فَقُلْنَا: كَيْف صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: اسْتَأْذَنَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ: {اُدْخُلُوا مِصْرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} وَلِأَنَّهُ قُرْآنٌ فَلَمْ تَفْسُدْ بِهِ الصَّلَاةُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ التَّنْبِيهَ وَقَالَ الْقَاضِي إذَا قَصَدَ بِالْحَمْدِ الذِّكْرَ أَوْ الْقُرْآنَ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قَصَدَ خِطَابَ آدَمِيٍّ بَطَلَتْ وَإِنْ قَصَدَهُمَا فَوَجْهَانِ فَأَمَّا إنْ أَتَى بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ يَا إبْرَاهِيمُ وَنَحْوه فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ هَذَا كَلَامُ النَّاسِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ كَلَامِهِمْ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْقُرْآنُ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ كَلِمَاتٍ مُفَرَّقَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَالَ: يَا إبْرَاهِيمُ خُذْ الْكِتَابَ الْكَبِيرَ.
(وَإِنْ بَدَرَهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (مُخَاطٌ أَوْ بُزَاقٌ) وَيُقَالُ: بِالسِّينِ وَالصَّادِ أَيْضًا (وَنَحْوه) كَنُخَامَةٍ (فِي الْمَسْجِدِ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ وَ) حَكَّ بَعْضُهُ بِبَعْضِ، إذْهَابًا لِصُورَتِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يَبْزُقَنَّ قِبَلَ قِبْلَتِهِ لَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَزَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الْمَسْجِدِ عَنْ الْبُصَاقِ فِيهِ وَيَبْصُقُ وَنَحْوه (فِي غَيْرِهِ عَنْ يَسَارِهِ، وَتَحْتَ قَدَمِهِ) وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ: عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ وَلَعَلَّ فِيهِ سَقْطُ الْوَاوِ، أَوْ لِيُوَافِقَ الْخَبَرَ وَكَلَامَ الْأَصْحَابِ (الْيُسْرَى) لِأَنَّ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ وَالْمُطَلَّقِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَإِكْرَامًا لِلْقَدَمِ الْيُمْنَى (لِلْحَدِيثِ الصَّحِيح) وَتَقَدَّمَ.
(وَ) بَصْقُهُ (فِي ثَوْبِهِ أَوْلَى، إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ: يَبْصُقُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ الْمَسْجِدِ فِي ثَوْبِهِ وَفِي غَيْرِهِمَا يَسْرَةً وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَيُكْرَهُ) بَصْقُهُ وَنَحْوه (أَمَامَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنَهَا» رَوَاه الْبُخَارِيُّ.
وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ تَفَلَ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَفَلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» وَيَلْزَمُ حَتَّى غَيْرُ بَاصِقٍ وَنَحْوه إزَالَةَ الْبُصَاقِ وَنَحْوه مِنْ الْمَسْجِدِ وَسُنَّ تَخْلِيقُ مَحَلِّهِ.
(وَتُسَنُّ صَلَاةُ غَيْرِ مَأْمُومٍ) إمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا (إلَى سُتْرَةٍ) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَلَوْ لَمْ يَخْشَ) الْمُصَلِّي (مَارًّا) حَضَرًا كَانَ أَوْ سَفَرًا، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَرْفَعُهُ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالسُّتْرَةُ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ (مِنْ جِدَارٍ أَوْ شَيْءٍ شَاخِصٍ كَحَرْبَةٍ أَوْ آدَمِيٍّ غَيْرِ كَافِرٍ) لِأَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ بَهِيمٍ) يَعْرِضُهُ، وَيُصَلِّي إلَيْهِ (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، مِثْلِ آخِرَةِ الرَّحْلِ تُقَارِبُ طُولَ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ).
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُبَالِي مَنْ يَمُرُّ وَرَاءَ ذَلِكَ» رَوَاه مُسْلِمٌ (فَأَمَّا قَدْرُهَا) أَيْ السُّتْرَةُ (فِي الْغِلَظِ فَلَا حَدَّ لَهُ فَقَدْ تَكُونُ غَلِيظَةً كَالْحَائِطِ أَوْ دَقِيقَةً كَالسَّهْمِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى إلَى حَرْبَةٍ وَإِلَى بَعِيرٍ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ (وَيُسْتَحَبُّ قُرْبُهُ مِنْهَا قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ قَدَمَيْهِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْجِدَارُ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِصَلَاتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ قَرُبَ مِنْ الْجِدَارِ أَوْ السَّارِيَةِ نَحْو ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ فَإِلَى شَيْءٍ شَاخِصٍ مِمَّا سَبَقَ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (انْحِرَافُهُ عَنْهَا) أَيْ السُّتْرَةِ (يَسِيرًا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ لَكِنْ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَاخِصًا) يُصَلِّي إلَيْهِ (وَتَعَذَّرَ غَرْزُ عَصًا وَنَحْوِهَا) كَسَهْمٍ وَحَرْبَةٍ وَضَعَهَا بِالْأَرْضِ، وَصَلَّى إلَيْهَا، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَكْفِي الْعَصَا بَيْنَ يَدَيْهِ عَرْضًا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْخَطِّ وَعَرْضًا أَيْ وَضْعَ الْعَصَا وَنَحْوِهَا (عَرْضًا أَعْجَبُ إلَى أَحْمَدَ مِنْ الطُّولِ) قَالَ أَحْمَدُ مَا كَانَ أَعْرَضَ فَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى سَمُرَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ «اسْتَتِرُوا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ بِسَهْمٍ» رَوَاه الْأَثْرَمُ وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِسَهْمٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ (وَيَكْفِي) فِي السُّتْرَةِ (خَيْطٌ وَنَحْوُهُ وَ) كُلُّ (مَا اُعْتُقِدَ سُتْرَةً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ خَطَّ خَطًّا) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا، وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ فِيهِ رَجُلًا مَجْهُولًا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا.
وَصِفَته كَالْهِلَالِ لَا طُولًا لَكِنْ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَكَيْفَمَا خَطَّ أَجْزَأَهُ.
(وَلَا تُجْزِئُ سُتْرَةٌ مَغْصُوبَةٌ) كَالصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ (فَالصَّلَاةُ إلَيْهَا) أَيْ السُّتْرَةُ الْمَغْصُوبَةُ (كـ) الصَّلَاةِ إلَى (الْقَبْرِ) أَيْ فَتُكْرَه لِأَنَّ السُّتْرَةَ الْمَغْصُوبَةَ كَالْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالصَّلَاةُ إلَيْهَا كَالصَّلَاةِ إلَى الْقَبْرِ.
(وَتُجْزِئُ) سُتْرَةٌ (نَجِسَةٌ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الصَّوَابُ أَنَّ النَّجِسَةَ لَيْسَتْ كَالْمَغْصُوبَةِ، وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَسُتْرَةٌ مَغْصُوبَةٌ وَنَجِسَةٌ كَغَيْرِهَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَفِيهِ وَجْهٌ فَالصَّلَاةُ إلَيْهَا كَالْقَبْرِ قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: وَعَلَى قِيَاسِهِ: سُتْرَةُ الذَّهَبِ (فَإِذَا مَرَّ شَيْءٌ مِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ لَمْ يُكْرَهُ) لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ.
(وَإِنْ مَرَّ بَيْنَهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (وَبَيْنَهَا) أَيْ سُتْرَتِهِ كَلْبٌ أَسْوَدُ بَهِيمٌ (أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سُتْرَةٌ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَرِيبًا) مِنْهُ (كَقُرْبِهِ مِنْ السُّتْرَةِ) أَيْ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ مِنْ قَدَمَيْهِ (كَلْبٌ أَسْوَدُ بَهِيمٌ، وَهُوَ مَا لَا لَوْنَ فِيهِ سِوَى السَّوَادِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ «مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ، مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا.
وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ (بِمُرُورِ امْرَأَةٍ) لِأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ «مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
(وَ) لَا بِمُرُورِ (حِمَارٍ) لِمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ «أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ فَصَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَحِمَارٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ يَعْبَثَانِ، فَمَا بَالَى ذَلِكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
وَ(لَا) بِمُرُورِ (بَغْلٍ وَشَيْطَانٍ وَسِنَّوْرٍ أَسْوَدَ وَلَا بِالْوُقُوفِ وَالْجُلُوسِ) وَلَوْ مِنْ كَلْبٍ أَسْوَدَ (قُدَّامَهُ) مِنْ غَيْرِ مُرُورٍ اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَأْمُومٍ اتِّخَاذُ سُتْرَةً) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي إلَى سُتْرَةٍ دُونَ أَصْحَابِهِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ اتَّخَذَ الْمَأْمُومُ سُتْرَةً (فَلَيْسَتْ سُتْرَةً لِأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفُوا فِي سُتْرَةِ الْإِمَامِ هَلْ هِيَ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، أَوْ هِيَ سُتْرَةٌ لَهُ خَاصَّةً، وَهُوَ سُتْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُمَا مُصَلُّونَ إلَى سُتْرَةٍ انْتَهَى وَالْمَعْنَى أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْمَأْمُومِ سَوَاءٌ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ أَوْ قُدَّامَهُ، حَيْثُ صَحَّتْ.
أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي شَرْح الْفُرُوعِ (فَلَا يَضُرُّ صَلَاتَهُمْ) أَيْ الْمَأْمُومِينَ (مُرُورُ شَيْءٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «هَبَطْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى أُخْرَى فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَعَمَدَ إلَى جِدَارٍ فَاتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ فَجَاءَتْ بَهِيمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يُدَارِيهَا حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِدَارِ فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد فَلَوْلَا أَنَّ سُتْرَتَهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مُرُورِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ فَرْقٌ.
(وَإِنْ مَرَّ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ) وَهُوَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ (بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ قَطَعَ صَلَاتَهُ وَصَلَاتَهُمْ) لِأَنَّهُ مَرَّ بَيْنهمْ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ قَالَ فِي الْمُبْدِع: فَظَاهِرُهُ: أَنَّ هَذَا فِيمَا يُبْطِلُهَا خَاصَّةً وَأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي نَهْيِ الْآدَمِيِّ عَنْ الْمُرُورِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَكَذَا الْمُصَلِّي لَا يَدَعُ شَيْئًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِجَوَازِ مُرُورِ الْإِنْسَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَأْمُومِينَ، فَيَحْتَمِلُ جَوَازَهُ اعْتِبَارًا بِسُتْرَةِ الْإِمَامِ لَهُ حُكْمًا وَيَحْتَمِلُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْإِبْطَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْجَمِيعِ.
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ وَلَوْ حَافِظًا) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهَا كَانَ يَؤُمُّهَا غُلَامُهَا ذَكْوَانُ فِي الْمُصْحَفِ فِي رَمَضَانَ» رَوَاه الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَ خِيَارُنَا يَقْرَءُونَ فِي الْمَصَاحِفِ وَالْفَرْضُ وَالنَّفَلُ سَوَاءٌ قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ (وَلَهُ السُّؤَالُ وَالتَّعَوُّذُ فِي فَرْضٍ وَنَفْلٍ، عِنْدَ آيَةِ رَحْمَةٍ أَوْ عَذَابٍ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ بِالْبَقَرَةِ فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى إلَى أَنْ قَالَ إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ» مُخْتَصَرٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَخَيْرٌ (حَتَّى مَأْمُومٌ نَصًّا وَيَخْفِضُ صَوْتَهُ) نَقَلَ الْفَضْلُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَهُ مَأْمُومٌ وَيَخْفِضُ صَوْتَهُ.
تَتِمَّةٌ قَالَ أَحْمَدُ إذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فِي صَلَاةٍ وَغَيْرهَا قَالَ سُبْحَانَكَ فَبَلَى، فِي فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِمَا.
فَائِدَةٌ: سُئِلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْقِرَاءَةِ بِمَا فِيهِ دُعَاءٌ هَلْ يَحْصُلَانِ لَهُ؟ فَتَوَقَّفَ وَيَتَوَجَّهُ الْحُصُولُ لِخَبَرِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنَّ اللَّهَ خَتَمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ بِآيَتَيْنِ أَعْطَانِيهِمَا مِنْ كَنْزِهِ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَعَلَّمُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ فَإِنَّهُمَا صَلَاةٌ وَقُرْآنٌ وَدُعَاءٌ» رَوَاه الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيّ.