فصل: ما يحرم في الكفن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.ما يحرم في الكفن:

يَحْرُمُ أَيْضًا بِ (حَرِيرٍ وَمُذَهَّبٍ) وَمُفَضَّضٍ (وَلَوْ لِامْرَأَةٍ) لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الزِّينَةِ وَالشَّهْوَةِ وَقَدْ زَالَ بِمَوْتِهَا (وَ) لَوْ لِ (صَبِيٍّ) كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ حَالَ الْحَيَاةِ وَأَوْلَى (وَيَجُوزُ) التَّكْفِينُ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْحَرِيرِ وَالْمُذَهَّبِ (ضَرُورَةً) أَيْ: عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِمَا لِوُجُوبِ سَتْرِهِ.
(وَيَكُونُ) الْكَفَنُ إذَنْ (ثَوْبًا وَاحِدًا) يَسْتُرُ جَمِيعَهُ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَنْ يَلِي الْمَيِّتَ (مَا يَسْتُرُ) الْمَيِّتَ (جَمِيعَهُ سَتَرَ الْعَوْرَةَ) لِتَقَدُّمِهَا عَلَى سَائِرَ جَسَدِهِ (ثُمَّ) إنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَتَرَ بِهِ (رَأْسَهُ وَمَا يَلِيه وَجُعِلَ عَلَى بَاقِيهِ حَشِيشٌ أَوْ وَرَقٌ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مُصْعَبًا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا نَمِرَةً فَكَانَتْ إذَا وُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُغَطَّى رَأْسُهُ، وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرُ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَوُجِدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَمْوَاتِ جُمِعَ فِي ثَوْبٍ مَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ) مِنْ الْأَمْوَاتِ (فِيهِ) لِخَبَرِ أَنَسٍ فِي قَتْلَى أُحُدٍ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ شَيْخُنَا: يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَيَسْتُرُ عَوْرَةَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَا يُجْمَعُونَ فِيهِ.
(وَأَفْضَلُ الْأَكْفَانِ الْبَيَاضُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَكَفِّنُوا فِيهِ مَوْتَاكُمْ» (وَأَفْضَلُهُ الْقُطْنُ) (وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ رَجُلٍ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ مِنْ قُطْنٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ، جُدُدٍ يَمَانِيَةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ أُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «وَأَمَّا الْحُلَّةُ فَاشْتَبَهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لِيُكَفَّنَ فِيهَا، فَتُرِكَتْ الْحُلَّةُ وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ» قَالَ أَحْمَدُ: أَصَحّ الْأَحَادِيثِ فِي كَفَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ عَائِشَةَ لِأَنَّهَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَدْ رُوِيَ فِي كَفَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي كَفَنِهِ قَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ.
(وَ) يَكُونُ (أَحْسَنُهَا) أَيْ: اللَّفَائِفِ (أَعْلَاهَا لِيَظْهَرَ لِلنَّاسِ كَعَادَةِ الْحَيِّ) فِي جَعْلِهِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ أَعْلَاهَا (وَتُكْرَه الزِّيَادَة) عَلَى الثَّلَاثِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَلْ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَ) يُكْرَهُ (تَعْمِيمُهُ) صَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ.
(وَيُكَفَّنُ صَغِيرٌ فِي ثَوْبٍ) وَاحِدٍ (وَيَجُوزُ) تَكْفِينُ الصَّغِيرِ (فِي ثَلَاثَةِ) ثِيَابٍ (وَإِنْ وَرَثَهُ) أَيْ: الصَّغِيرُ (غَيْرُ مُكَلَّفٍ) مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ (لَمْ يَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَوْبٍ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ قَالَهُ الْمَجْدُ) وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى.
(قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيُّ بْنُ عَقِيلٍ: وَمَنْ أَخْرَجَ فَوْقَ الْعَادَةِ فَأَكْثَرَ لِلطِّيبِ وَالْحَوَائِجِ وَأَعْطَى الْمُقْرِئِينَ بَيْنَ يَدَيْ الْجِنَازَةِ، وَأَعْطَى الْحَمَّالِينَ، وَالْحَفَّارِينَ زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ لَا بِقَدْرِ الْوَاجِبِ فَمُتَبَرِّعٌ) إنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ (فَإِنْ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ فَمِنْ نَصِيبِهِ انْتَهَى) وَكَذَا مَا يُعْطَى لِمَنْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ مَعَ الْجِنَازَةِ بِالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ وَمَا يُصْرَفُ فِي طَعَامٍ وَنَحْوِهِ لَيَالِي جَمْعٍ وَمَا يُصْنَعُ فِي أَيَّامِهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُسْتَحْدَثَةِ خُصُوصًا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ قَاصِرٌ أَوْ يَتِيمٌ (وَتُكَفَّنُ الصَّغِيرَةُ إلَى بُلُوغٍ فِي قَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ) لِعَدَمِ حَاجَتِهَا إلَى خِمَارٍ فِي حَيَاتِهَا (وَخُنْثَى كَأُنْثَى) احْتِيَاطًا.
(فَيَبْسُطُ) مَنْ يُكَفِّنُ الرَّجُلَ الْمَيِّتَ (بَعْضَ اللَّفَائِفِ) الثَّلَاثِ (فَوْقَ بَعْضٍ) لِيُوضَعَ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ، وَوَضْعِهِ عَلَى وَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ (وَيُجَمِّرُهَا بِالْعُودِ) أَوْ نَحْوِهِ أَوْصَى بِهِ أَبُو سَعِيدٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ هَذَا عَادَةُ الْحَيِّ (بَعْدَ رَشِّهَا بِمَاءِ وَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَتَعَلَّقَ بِهِ) رَائِحَةُ الْبَخُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا (ثُمَّ يُوضَعُ) الْمَيِّتُ (عَلَيْهَا) أَيْ: اللَّفَائِفِ (مُسْتَلْقِيًا) لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِإِدْرَاجِهِ فِيهَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَرَ بِثَوْبٍ فِي حَالِ حَمْلِهِ، وَأَنْ يُوضَعَ مُتَوَجِّهًا.
(وَيُجْعَلَ الْحَنُوطُ وَهُوَ أَخْلَاطٌ مِنْ طِيبٍ) يُعَدُّ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً (فِيمَا بَيْنَهَا) أَيْ: يُذَرُّ بَيْنَ اللَّفَائِفِ وَ(لَا) يُجْعَلُ مِنْ الْحَنُوطِ (عَلَى ظَهْرِ) اللِّفَافَةِ (الْعُلْيَا) لِكَرَاهَةِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ (وَلَا) يُوضَعُ (عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي) يُجْعَلُ (عَلَى النَّعْشِ) شَيْءٌ مِنْ الْحَنُوطِ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْكَفَنِ.
(وَيُجْعَلُ مِنْهُ فِي أَيْ: قُطْنٍ يُجْعَلُ) ذَلِكَ الْقُطْنُ (بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ) بِرِفْقٍ، وَيُكْثِرُ ذَلِكَ لِيَرُدَّ مَا يُخْرَجُ عِنْدَ تَحْرِيكِهِ (وَيُشَدُّ فَوَقَهُ) أَيْ: الْقُطْنِ (خِرْقَةً مَشْقُوقَةَ الطَّرْفِ كَالتُّبَّانِ) وَهُوَ السَّرَاوِيلُ بِلَا أَكْمَامٍ (تُجْمَعُ أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتِهِ) لِيَرُدَّ ذَلِكَ مَا يَخْرُجُ وَيُخْفِيَ مَا يَظْهَرُ مِنْ الرَّوَائِحِ (وَكَذَلِكَ) يَضَعُ (فِي الْجِرَاحِ النَّافِذَةِ) لِمَا ذُكِرَ (وَيُجْعَلُ الْبَاقِي) مِنْ الْقُطْنِ الْمُحَنَّطِ (عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ) كَعَيْنَيْهِ وَفَمِهِ وَأَنْفِهِ وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ أُذُنَاهُ.
(وَ) عَلَى (مَوَاضِعِ سُجُودِهِ) كَجَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافِ قَدَمَيْهِ تَشْرِيفًا لَهَا لِكَوْنِهَا مُخْتَصَّةً بِالسُّجُودِ (وَ) عَلَى (مَغَابِنِهِ) كَطَيِّ رُكْبَتَيْهِ وَتَحْتَ إبِطِهِ، وَكَذَا سُرَّتُهُ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُتْبِعُ مَغَابِنَ الْمَيِّتِ وَمُرَافَقَهُ بِالْمِسْكِ (وَيُطَيِّبُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ) وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ (وَإِنْ طُيِّبَ) مَنْ يَلِيهِ.
(وَلَوْ بِمِسْكٍ بِغَيْرِ وَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ سَائِرُ بَدَنِهِ غَيْرَ دَاخِلِ عَيْنَيْهِ كَانَ حَسَنًا) لِأَنَّ أَنَسًا طَلَى بِالْمِسْكِ، وَطَلَى ابْنُ عُمَرَ مَيِّتًا بِالْمِسْكِ.
(وَيُكْرَه) أَنْ يُطَيَّبَ (دَاخِلُ عَيْنَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُمَا (وَ) يُكْرَهُ أَنْ يُطَيَّبَ (بِوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ لَوْنُهُ عَلَى الْكَفَنِ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ غِذَاءً وَزِينَةً وَلَا يُعْتَادُ التَّطَيُّبُ بِهِ.
(وَيُكْرَهُ طَلْيُهُ) أَيْ: الْمَيِّتُ (بِصَبِرٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتُسَكَّنُ فِي ضَرُورَةِ الشَّعْرِ (لِيُمْسِكَهُ وَ) يُكْرَهُ طَلْيُهُ أَيْضًا (بِغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الصَّبِرِ مِمَّا يُمْسِكُهُ (مَا لَمْ يُنْقَلْ) أَيْ: مَا لَمْ يُرَدْ نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ فَيُبَاحُ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ النَّقْلُ لِحَاجَةٍ بِلَا مَفْسَدَةٍ بِأَنْ لَا يُخْشَى تَفَسُّخُهُ أَوْ تَغَيُّرُهُ.
(قَالَهُ الْمَجْدُ) عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ تَيْمِيَّةَ: وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ (وَالطِّيبُ وَالْحَنُوطُ غَيْرُ وَاجِبَيْنِ بَلْ مُسْتَحَبَّانِ) كَحَالِ الْحَيَاةِ وَتَقَدَّمَ.
(ثُمَّ يَرُدُّ طَرْفُ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ) يَرُدُّ (طَرَفُهَا الْأَيْمَنُ عَلَى) شِقِّهِ (الْأَيْسَرِ) لِأَنَّهُ عَادَةُ لُبْسِ الْحَيِّ فِي قَبَاءٍ وَرِدَاءٍ وَنَحْوِهِمَا (ثُمَّ) يَرُدُّ (الثَّانِيَةُ) مِنْ اللَّفَائِفِ.
(وَالثَّالِثَةُ) مِنْهَا (كَذَلِكَ) أَيْ: كَالْأُولَى لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهَا (وَيَجْعَلُ مَا عِنْدَ رَأْسِهِ) أَيْ: الْمَيِّتِ مِنْ فَاضِلِ الْكَفَنِ (أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِشَرَفِهِ) وَلِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالسَّتْرِ مِنْ رِجْلَيْهِ.
(وَ) يَجْعَلُ (الْفَاضِلُ عَنْ وَجْهِهِ وَرِجْلَيْهِ عَلَيْهِمَا) يَعْنِي يُعِيدُ الْفَاضِلَ عَلَى وَجْهِهِ وَرِجْلَيْهِ بَعْدَ جَمْعِهِ لِيَصِيرَ الْكَفَنُ كَالْكِيسِ فَلَا يَنْتَشِرُ (ثُمَّ يَعْقِدُهَا) أَيْ: اللَّفَائِفَ (إنْ خَافَ انْتِشَارَهَا ثُمَّ تُحَلُّ الْعُقَدُ فِي الْقَبْرِ).
لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إذَا أَدْخَلْتُمْ الْمَيِّتَ اللَّحْدَ فَحُلُّوا الْعُقَدَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ (زَادَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: وَلَوْ نَسِيَ) الْمُلْحِدُ أَنْ يَحُلَّهَا نُبِشَ وَلَوْ كَانَ (بَعْدَ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ قَرِيبًا لِأَنَّهُ) أَيْ: حَلَّهَا (سُنَّةٌ) فَيَجُوزُ النَّبْشُ لِأَجَلِهِ، كَإِفْرَادِهِ عَمَّنْ دُفِنَ مَعَهُ.
(وَلَا يُحَلُّ الْإِزَارُ) فِي الْقَبْرِ إذَا كُفِّنَ فِي إزَارٍ وَقَمِيصٍ وَلِفَافَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَلَا يُخْرَقُ الْكَفَنُ) لِأَنَّهُ إفْسَادٌ لَهُ وَتَقْبِيحٌ، مَعَ الْأَمْرِ بِتَحْسِينِهِ قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ (وَلَوْ خِيفَ نَبْشُهُ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ وَجَوَّزَهُ أَبُو الْمَعَالِي إنْ خِيفَ نَبْشُهُ (وَكَرِهَهُ) أَيْ: تَخْرِيقُ الْكَفَنِ الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ) كَقَمِيصِ الْحَيِّ (بِكُمَّيْنِ وَدَخَارِيصَ، وَ) فِي (إزَارٍ وَلِفَافَةٍ جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ تَتَعَذَّرْ اللَّفَائِفُ وَيُجْعَلُ الْمِئْزَرُ مِمَّا يَلِي جَسَدَهُ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَمِيصَهُ لَمَّا مَاتَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ الْمَيِّتَ يُؤَزَّرُ وَيُقَمَّصُ وَيُلَفُّ بِالثَّالِثَةِ» وَهَذَا عَادَةُ الْحَيِّ (وَلَا يُزَرُّ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمَيِّتِ (الْقَمِيصُ) لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِلْحَيِّ زَرُّهُ فَوْقَ إزَارٍ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ (وَيُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ بِقَوْلِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَا مِنَّةَ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ (وَعَكْسُهُ الْكَفَنُ وَالْمُؤْنَةُ) أَيْ: مُؤْنَةُ التَّجْهِيزُ فَلَا يُصْرَفُ ذَلِكَ مِنْ مُسَبَّلٍ بِقَوْلِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ (وَلَوْ بَذَلَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْ بَقِيَّتَهُمْ قَبُولُهُ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمَيِّتِ وَكَذَلِكَ إنْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِتَكْفِينٍ فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ (لَكِنْ لَيْسَ لِلْبَقِيَّةِ) أَيْ: بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ إذَا تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدُهُمْ (نَقْلُهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ.
(وَ) لَا (سَلَبُهُ مِنْ كَفَنِهِ) الَّذِي تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدُهُمْ (بَعْدَ دَفْنِهِ) فِيهِ بِخِلَافِ مُبَادَرَتِهِ إلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُنْقَلُ بِطَلَبِ بَاقِيهمْ (لِانْتِقَالِهِ) أَيْ: الْمِلْكِ (إلَيْهِمْ) وَفِي إبْقَائِهِ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِمَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ (لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُمْ) نَقْلُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ.
(وَيُسَنُّ تَكْفِينُ امْرَأَةٍ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ) مِنْ قُطْنٍ (إزَارٍ وَخِمَارٍ ثُمَّ قَمِيصٍ وَهُوَ الدِّرْعُ ثُمَّ لِفَافَتَيْنِ) اسْتِحْبَابًا لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد- وَفِيهِ ضَعْفٌ- عَنْ لَيْلَى الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ: «كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ، ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ» قَالَ أَحْمَدُ: الْحِقَاءُ الْإِزَارُ وَالدِّرْعُ الْقَمِيصُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ فَعَلَى هَذَا تُؤْزَرُ بِالْمِئْزَرِ ثُمَّ تُلَبَّسُ الْقَمِيصَ، ثُمَّ تَخَمَّرُ بِمُقَنَّعَةٍ، ثُمَّ بِاللِّفَافَتَيْنِ.
(وَنَصُّهُ: وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنَّ الْخَامِسَةَ (خِرْقَةٌ تُشَدُّ بِهَا فَخِذَاهَا ثُمَّ مِئْزَرٌ، ثُمَّ قَمِيصٌ، ثُمَّ خِمَارٌ، ثُمَّ لِفَافَةٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ تُنَقَّبَ) ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ.
(وَتُسَنُّ تَغْطِيَةُ نَعْشٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي سَتْرِ الْمَيِّتِ وَصِيَانَتِهِ (بِأَبْيَضَ) لِأَنَّهُ خَيْرُ الْأَلْوَانِ.
(وَيُكْرَهُ) أَنْ يُغَطَّى نَعْشٌ (بِغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ أَبْيَضَ وَيَحْرُمُ بِحَرِيرٍ وَمَنْسُوجٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَإِنْ مَاتَ مُسَافِرٌ كَفَّنَهُ رَفِيقُهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ) تَكْفِينُهُ مِنْ مَالِهِ (فَمِنْهُ) أَيْ: فَإِنَّهُ يُكَفِّنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ (وَيَأْخُذُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ) إنْ كَانَتْ (أَوْ) يَأْخُذُهُ (مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) غَيْرَ الزَّوْجِ (إنْ نَوَى الرُّجُوعَ) لِأَنَّهُ قَامَ بِوَاجِبٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ فَمُتَبَرِّعٌ.
(وَلَا حَاكِمَ فَإِنْ وُجِدَ حَاكِمٌ وَأَذِنَ فِيهِ) لِرَفِيقِهِ (رَجَعَ) رَفِيقُهُ بِمَا كَفَّنَهُ بِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ) الْحَاكِمُ أَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ، وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ (وَنَوَى الرُّجُوعَ رَجَعَ) عَلَى التَّرِكَةِ، أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِقِيَامِهِ بِوَاجِبٍ.
(وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ كَفَنٌ وَثَمَّ حَيٌّ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى كَفَنِ الْمَيِّتِ (لِبَرْدٍ وَنَحْوِهِ) كَدَفْعِ حَرٍّ (فَالْحَيُّ أَحَقُّ بِهِ) أَيْ: بِكَفَنِ الْمَيِّتِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكَدُ.
(قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: إنْ خَشِيَ التَّلَفَ وَإِنْ كَانَ) الْحَيُّ مُحْتَاجًا لِكَفَنِ الْمَيِّتِ (لِحَاجَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ فَالْمَيِّتُ أَحَقُّ بِكَفَنِهِ وَلَوْ كَانَ لِفَافَتَيْنِ وَيُصَلِّي الْحَيُّ) عُرْيَانًا (عَلَيْهِ) وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُصَلِّي عَلَيْهِ عَادِمٌ فِي إحْدَى لِفَافَتَيْهِ.
(وَإِنْ نُبِشَ) الْمَيِّتُ (وَسُرِقَ كَفَنُهُ كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَلَوْ قُسِمَتْ) تَرِكَتُهُ كَمَا لَوْ قُسِمَتْ قَبْلَ تَكْفِينِهِ الْأَوَّلِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَارِثٍ بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِ مِنْ التَّرِكَةِ (مَا لَمْ تُصْرَفْ) تَرِكَتُهُ (فِي دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ) فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَتَبَرَّعَ أَحَدٌ بِكَفَنِهِ، وَإِلَّا تُرِكَ بِحَالِهِ.
(وَإِنْ أَكَلَهُ) أَيْ: الْمَيِّتَ (سَبُعٌ أَوْ أَخَذَهُ سَيْلٌ، وَبَقِيَ كَفَنُهُ فَإِنْ كَانَ) كَفَنُهُ (مِنْ مَالِهِ فَ) هُوَ (تَرِكَةٌ) يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ، لِاسْتِغْنَاءِ الْمَيِّتِ عَنْهُ.
(وَإِنْ كَانَ) الْكَفَنُ مِنْ شَخْصٍ (مُتَبَرِّعٍ بِهِ فَهُوَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُتَبَرِّعِ بِهِ (لَا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ تَكْفِينَهُ إيَّاهُ: لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، بَلْ إبَاحَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ لِلْوَرَثَةِ أَوَّلًا فَكَفَّنُوهُ بِهِ، ثُمَّ وَجَدُوهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمْ وَيَأْتِي فِي السَّرِقَةِ ذَلِكَ وَمَا فِيهِ.
(وَإِنْ جَبَى كَفَنُهُ) أَيْ: الْمَيِّتُ لِحَاجَةٍ وَفَضُلَ مِنْهُ شَيْءٌ (فَمَا فَضُلَ مِنْهُ فَلِرَبِّهِ إنْ عُلِمَ) لِأَنَّهُ دَفَعَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ (فَإِنْ جُهِلَ) رَبُّهُ، وَلَوْ بِاخْتِلَاطِهِ وَعَدَمِ تَمَيُّزِهِ (فَـ) إنَّهُ يُصْرَفُ (فِي كَفَنٍ آخَرَ) إنْ أَمْكَنَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) ذَلِكَ (تَصَدَّقَ بِهِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي التَّكْفِينِ مُطْلَقًا نَصَّ عَلَيْهِ وَالْمُنْتَخَبُ كَزَكَاةٍ فِي رِقَابٍ أَوْ غَارِمٍ (وَلَا يُجْبَى كَفَنٌ لِعَدَمِ) مَا يُكَفَّنُ بِهِ الْمَيِّتُ (إنْ سُتِرَ) أَيْ: إنْ أَمْكَنَ سَتْرُهُ (بِحَشِيشٍ) ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، صَوْنًا لِلْمَيِّتِ عَنْ التَّبَذُّلِ.

.(فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ):

وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى غَيْرِ شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٍ ظُلْمًا لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ كَقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلُّوا عَلَى أَطْفَالِكُمْ فَإِنَّهُمْ أَفْرَاطُكُمْ» وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَالِّ «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» وَقَوْلِهِ: «إنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا صَلُّوا عَلَيْهِ» وَقَوْلِهِ «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِالْمَيِّتِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَعْذُورٌ (يُسْقِطُ فَرْضَهَا وَاحِدٌ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى) لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ فَرْضٌ تَعَلَّقَ بِهِ فَسَقَطَ بِالْوَاحِدِ (كَغُسْلِهِ) وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ.
(وَتُسَنَّ لَهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (الْجَمَاعَةُ وَلَوْ لِنِسَاءٍ) كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ.
وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ (إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا) أَيْ: فَإِنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ بِإِمَامٍ (احْتِرَامًا لَهُ وَتَعْظِيمًا) لِقَدْرِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دَخَلَ النَّاسُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا النِّسَاءَ حَتَّى إذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا الصِّبْيَانَ وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَفِي الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُطَافُ بِالْجِنَازَةِ عَلَى أَهْلِ الْأَمَاكِنِ لِيُصَلُّوا عَلَيْهَا فَهِيَ كَالْإِمَامِ يُقْصَدُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.
(وَلَا يَقْصِدُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (وَالْأَوْلَى بِهَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إمَامًا وَصِيَّهُ الْعَدْلُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ مَا زَالُوا يُوصُونَ بِذَلِكَ وَيُقَدِّمُونَ الْوَصِيَّ فَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَأَوْصَى عُمَرُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ وَأَوْصَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ.
وَأَوْصَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَبُو بَرْزَةَ حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ أَحْمَدُ وَقَالَ غَيْرُهُ: عَائِشَةُ أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ تُسْتَفَادُ بِالنَّسَبِ، فَصَحَّ الْإِيصَاءُ بِهَا كَالْمَالِ وَتَفْرِقَتُهُ فَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ فَاسِقًا لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ثُمَّ (بَعْدَ الْوَصِيِّ: السُّلْطَانُ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْمَوْتَى وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ الْعُصْبَةَ وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ شَهِدْتُ حُسَيْنًا حِينَ مَاتَ الْحَسَنُ وَهُوَ يَدْفَعُ فِي قَفَا سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَمِيرِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَقُولُ: لَوْلَا السُّنَّةُ مَا قَدَّمْتُكَ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُسَنُّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ فَإِذَا حَضَرَهَا السُّلْطَانُ كَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ كَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ (ثُمَّ نَائِبُهُ الْأَمِيرُ) أَيْ: أَمِيرُ بَلَدِ الْمَيِّتِ، إنْ حَضَرَهَا (ثُمَّ الْحَاكِمُ وَهُوَ الْقَاضِي، لَكِنَّ السَّيِّدَ أَوْلَى بِرَقِيقِهِ بِهَا) أَيْ: بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَامًا (مِنْ السُّلْطَانِ) وَنُوَّابِهِ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ.
(وَ) السَّيِّدُ أَيْضًا أَوْلَى (بِغُسْلٍ وَبِدَفْنٍ) لِرَقِيقِهِ لِمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ) بَعْدَ السُّلْطَانِ وَنُوَّابِهِ: الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى الْحُرِّ (أَقْرُبُ الْعُصْبَةُ) يَعْنِي الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ لَهُ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ وَهَكَذَا كَالْمِيرَاثِ (ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ) الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، كَالْغُسْلِ (ثُمَّ الزَّوْجُ) ثُمَّ الْأَجَانِبُ (وَمَعَ التَّسَاوِي) كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ (يُقَدَّمُ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ (فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الصِّفَاتِ) بِحَيْثُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِأَحَدِهِمْ عَلَى الْآخَرِ فِي الْإِمَامَةِ (أُقْرِعَ) كَالْأَذَانِ (وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ الْبَعِيدُ) كَالْعَمِّ (عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ) كَالْأَخِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ.
(وَيُقَدَّمُ الْعَبْدُ الْمُكَلَّفُ عَلَى الصَّبِيِّ) الْحُرِّ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِلْبَالِغِينَ (وَ) عَلَى (الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهَا لِلرِّجَالِ.
فَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّ هَذَا التَّقْدِيمَ وَاجِبٌ (فَإِنْ اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ مَوْتَى قُدِّمَ) مِنْهُمْ (الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ) كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ (ثُمَّ) إنْ تَسَاوَوْا فِي ذَلِكَ فَ (قُرْعَةٌ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ (وَلِوَلِيِّ كُلِّ مَيِّتٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتِهِ إنْ أَمِنَ فَسَادًا) لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ (وَمَنْ قَدَّمَهُ وَلِيٌّ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ) إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ، كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فَإِنْ غَابَ الْأَقْرَبُ بِمَكَانِ تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ، تَحَوَّلَتْ لِلْأَبْعَدِ، أَيْ: فَلَهُ مَنْعُ مَنْ قَدِمَ بِوَكَالَةٍ وَرِسَالَةٍ لِأَنَّهُ إذَا نَزَّلَ شَخْصًا مَكَانَهُ ثُمَّ غَابَ الْغِيبَةَ الْمَذْكُورَةَ سَقَطَ حَقُّهُ، وَتَحَوَّلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْوَكِيلِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: كَذَا قَالَ (فَإِنْ بَادَرَ أَجْنَبِيٌّ وَصَلَّى بِغَيْرِ إذْنِ) الْوَلِيِّ، أَوْ صَلَّى الْبَعِيدُ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَرِيبِ صَحَّ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَقَدْ حَصَلَ وَلَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ افْتِيَاتٍ تَشُحُّ بِهِ الْأَنْفُسُ عَادَةً بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ (فَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ خَلْفَهُ صَارَ إذْنًا) لِدَلَالَتِهِ عَلَى رِضَاهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ قَدَمُهُ لِلصَّلَاةِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْوَلِيّ وَرَاءَهُ (فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، لِأَنَّهَا حَقُّهُ) وَيُسَنُّ لِمَنْ صَلَّى أَنْ يُعِيدَ تَبَعًا لَهُ.
وَلَوْ مَاتَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ، فَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُقَدَّمَ أَقْرَبُ أَهْلِ الْقَافِلَةِ إلَى الْخَيْرِ، وَالْأَشْفَقِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ كَالْإِمَامَةِ.
(وَإِذَا سَقَطَ فَرْضُهَا) بِصَلَاةِ مُكَلَّفٍ فَأَكْثَرَ (سَقَطَ التَّقْدِيمُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِهَا) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِفَرْضِهَا فَسَقَطَ بِسُقُوطِهِ (وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُقَدِّمَ غَيْرَهُ) لِتَفْوِيتِهِ عَلَى الْمُوصِي مَا أَمَّلَهُ فِي الْوَصِيِّ مِنْ الْخَيْرِ وَالدِّيَانَةِ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْوَصِيُّ انْتَقَلَ الْحَقُّ لِمَنْ يَلِيهِ.
(وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِتَعَيُّنِ مَأْمُومٍ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) فِيهِ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَصُفَّهُمْ، وَأَنْ يُسَوِّيَ صُفُوفَهُمْ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ فِي الْمُرَاصَّةِ وَتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (لَا يَنْقُصَهُمْ عَنْ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ) لِخَبَرِ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ إلَّا غُفِرَ لَهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَالْفَذُّ هُنَا) أَيْ: فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (كـ) الْفَذِّ فِي (غَيْرِهَا) فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، إلَّا امْرَأَةً خَلْفَ رَجُلٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يَقُومَ إمَامٌ عِنْدَ صَدْرِ رَجُلٍ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ: عِنْدَ رَأْسِهِ لِلْخَبَرِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِقُرْبِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ فَالْوَاقِفْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَاقِفٌ عِنْدَ الْآخَرِ (وَوَسَطِ امْرَأَةٍ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِح وَأَبِي الْحَارِثِ وَأَبِي طَالِبٍ وَجَعْفَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي الصَّقْرِ وَحَنْبَلٍ وَحَرْبٍ، وَسِنْدِي الْخَوَاتِيمِيِّ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «صَلَّى عَلَى رَجُلٍ، فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ، فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: هَكَذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْجِنَازَةِ مُقَامَكَ مِنْهَا، وَمِنْ الرَّجُلِ مُقَامَك مِنْهُ قَالَ: نَعَمْ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: احْفَظُوا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(وَبَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ: بَيْنَ الصَّدْرِ وَالْوَسَطِ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ لِاسْتِوَاءِ الِاحْتِمَالَيْنِ.
(فَإِنْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ مَوْتَى فَقَطْ) أَيْ: لَا نِسَاءَ مَعَهُمْ وَلَا خَنَاثَى (أَوْ) (أَوْ) اجْتَمَعَ (خَنَاثَى) مَوْتَى (فَقَطْ) لَا رِجَالَ وَلَا نِسَاءَ مَعَهُمْ (سَوَّى بَيْنَ رُءُوسِهِمْ) لِأَنَّ مَوْقِفَهُمْ وَاحِدٌ وَإِنْ اجْتَمَعَ أَنْوَاعٌ سَوَّى بَيْنَ رُءُوسِ كُلِّ نَوْعٍ (وَمُنْفَرِدٍ كَإِمَامٍ) فَيَقِفُ عِنْدَ صَدْرِ رَجُلٍ وَوَسَطِ امْرَأَةٍ، وَبَيْنَ ذَلِكَ مِنْ خُنْثَى (وَيُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَفْضَلُهُمْ) أَيْ: أَفْضَلُ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّقَدُّمَ فِي الْإِمَامَةِ لِفَضِيلَتِهِ، فَاسْتَحَقَّ تَقْدِيمَ جِنَازَتِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدَّمُ فِي الْقَبْرِ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ قُرْآنًا» فَيُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ ثُمَّ الْعَبْدُ الْمُكَلَّفُ، ثُمَّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ كَالْمَكْتُوبَةِ (فَإِنْ تَسَاوَوْا) فِي الْفَضْلِ (قُدِّمَ أَكْبَرُ) أَيْ: أَسَنُّ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ» (فَإِنْ تَسَاوَوْا) فِي السِّنِّ (فَسَابِقٌ) أَيْ: يُقَدَّمُ لِسَبْقِهِ (فَإِنْ تَسَاوَوْا) فِي ذَلِكَ (فَقُرْعَةٌ) فَيُقَدَّمُ مَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ كَالْإِمَامَةِ.
(وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ مِنْ الْمَوْتَى أَمَامَ) أَيْ: قُدَّامَ (الْمَفْضُولِينَ فِي الْمَسِيرِ) لِأَنَّ حَقَّ الْأَفْضَلِ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا لَا تَابِعًا (وَيَجْعَلُ وَسَطَ الْمَرْأَةِ حِذَاءَ صَدْرِ الرَّجُلِ، وَ) يَجْعَلُ (خُنْثَى بَيْنِهِمَا) إذَا اجْتَمَعُوا لِيَقِفَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْتَى مَوْقِفَهُ (وَجَمْعُ الْمَوْتَى فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مُنْفَرِدِينَ) أَيْ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ، مُحَافَظَةً عَلَى الْإِسْرَاعِ وَالتَّخْفِيفِ.
(وَالْأَوْلَى) لِمَنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ (مَعْرِفَةُ ذُكُورِيَّتِهِ وَأُنُوثِيَّتِهِ وَاسْمِهِ وَتَسْمِيَتِهِ) أَيْ: الْمَيِّتِ (فِي دُعَائِهِ) لَهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ) أَيْ: مَعْرِفَةُ كَوْنِهِمْ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ.
(وَلَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ حَالَ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ) نَصَّ عَلَيْهِ (ثُمَّ يُحْرِمُ) بَعْدَ النِّيَّةِ (كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ) فَيَقُولُ قَائِمًا مَعَ الْقُدْرَةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مُقَامَهَا وَمَنْ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَى النِّيَّةِ هُنَا اكْتَفَى بِمَا تَقَدَّمَ، لِحَدِيثْ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَصِفَة النِّيَّةِ هُنَا: أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ، أَوْ هَؤُلَاءِ الْمَوْتَى إنْ كَانُوا جَمَاعَةً عَرَفَ عَدَدَهُمْ أَوْ لَا (وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ) بَعْدَ حَطِّهِمَا أَوْ فَرَاغِ التَّكْبِيرِ، وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ، كَمَا سَبَقَ (وَيَعُوذُ) وَيُبَسْمِلُ (قَبْلَ الْفَاتِحَةِ) لِمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَلَا يَسْتَفْتِحُ) لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ.
وَلِذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا قِرَاءَةُ سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (وَيُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعًا».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ»، وَفِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ «صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (وَيَقْرَأُ فِي) التَّكْبِيرَةِ (الْأُولَى: الْفَاتِحَةَ، فَقَطْ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ سُورَةٍ، لِمَا تَقَدَّمَ: أَنَّ مَبْنَى هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَى التَّخْفِيفِ (سِرًّا وَلَوْ لَيْلًا) لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ «السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً، ثُمَّ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا وَالسَّلَامُ».
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ نَحْوُهُ رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ، وَلَا تُقَاسُ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ وَالْجِنَازَةُ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ، فَأَشْبَهَتْ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهَا (وَيُصَلِّي) سِرًّا (عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي) التَّكْبِيرَةِ (الثَّانِيَةِ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ «السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ» وَتَكُونُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ (كَمَا فِي التَّشَهُّدِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلُوهُ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ عَلَّمَهُمْ ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا تَتَعَيَّنُ صَلَاةٌ، لِأَنَّ الْقَصْدَ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَا فِي التَّشَهُّدِ، خِلَافًا لِلْقَاضِي.
فَإِنْ اسْتَحَبَّ بَعْدَهَا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ مِنْ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرَضِينَ، إنَّك عَلَى كَلْءٍ شَيْءٌ قَدِيرٌ (وَيَدْعُو) لِلْمَيِّتِ (فِي) التَّكْبِيرَةِ (الثَّالِثَةِ سِرًّا بِأَحْسَنِ مَا يَحْضُرُهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ (وَلَا تَوْقِيتَ) أَيْ: تَحْدِيدَ (فِيهِ) أَيْ: فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا سَبَقَ.
(وَيُسَنُّ) الدُّعَاءُ (بِالْمَأْثُورِ) أَيْ: الْوَارِدِ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ (فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا) حَاضِرِنَا (وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا إنَّك تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ).
هَكَذَا فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ فِي الْمُقْنِعِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ: فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ زَادَ ابْنُ مَاجَهْ «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ» وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ لَكِنْ زَادَ فِيهِ الْمُؤَلِّفُ، أَيْ: الْمُوَفَّقُ «وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَلَفْظُهُ السُّنَّةُ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ» بِضَمِّ الزَّايِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ «وَأَوْسِعْ مَدْخَلَهُ» بِفَتْحِ الْمِيمِ: مَوْضِعِ الدُّخُولِ، وَبِضَمِّهَا الْإِدْخَالُ («وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ») رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى جِنَازَةٍ حَتَّى تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ.
وَفِيهِ رِوَايَةُ «أَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ» وَزَادَ الْمُوَفَّقُ لَفْظَ مِنْ الذُّنُوبِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (وَافْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْمَحَلِّ (اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُكَ ابْنُ أَمَتِكَ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ).
اسْتَحَبَّهُ الْمَجْدُ تَبَعًا لِلْخِرَقِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا زَادَ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ (وَلَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا) لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الْأَدْنَيْنَ إلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي فِيمَا عَلِمُوا، وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ» رَوَاه أَحْمَدُ (اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَجَازِهِ بِإِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ) اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَزَادَ بَعْدُ فَتَجَاوَزْ عَنْهُ اللَّهُمَّ إنَّا جِئْنَا شُفَعَاءَ لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ وَبَعْدُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ: وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ إنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَيِّتُ (صَغِيرًا وَلَوْ أُنْثَى، أَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَاسْتَمَرَّ) عَلَى جُنُونِهِ حَتَّى مَاتَ (جَعْلَ مَكَان الِاسْتِغْفَار لَهُ) بَعْدَ فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ وَفَرَطًا وَأَجْرًا وَشَفِيعًا مُجَابًا اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ وَقِه بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمِ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا «السَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ».
وَفِي لَفْظٍ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَإِنَّمَا لَمْ يُسَنَّ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ لِأَنَّهُ شَافِعٌ غَيْرُ مَشْفُوعٍ فِيهِ، وَلَا جَرَى عَلَيْهِ قَلَمٌ، فَالْعُدُولُ إلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ أَوْلَى مِنْ الدُّعَاءِ لَهُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الدُّعَاءِ لَائِقٌ بِالْمَحَلِّ مُنَاسِبٌ لِمَا هُوَ فِيهِ فَشُرِعَ فِيهِ كَالِاسْتِغْفَارِ لِلْبَالِغِ وَقَوْلُهُ فَرَطًا أَيْ: سَابِقًا مُهَيِّئًا لِمَصَالِحِ أَبَوَيْهِ فِي الْآخِرَةِ.
وَقَوْلُهُ: فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: «إنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةٌ يُقَالُ لَهَا طُوبَى كُلُّهَا ضُرُوعٌ، فَمَنْ مَاتَ مِنْ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ يَرْضَعُونَ رَضَعَ مِنْ طُوبَى وَحَاضِنُهُمْ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ» (وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ إسْلَامُ وَالِدَيْهِ دَعَا لِمَوَالِيهِ) فَيَقُولُ: ذُخْرًا لِمَوَالِيهِ- إلَى آخِرِهِ.
(وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ لِامْرَأَةٍ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذِهِ أَمَتُكَ ابْنَةُ أَمَتِكَ نَزَلَتْ بِكَ، وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ) بَدَلَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي دُعَائِهِ لِلرَّجُلِ: اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُكَ- إلَى قَوْلِهِ: وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ (وَلَا يَقُولُ: أَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَيَقُولُ فِي) دُعَائِهِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ (خُنْثَى) اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِ (هَذَا الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ) كَهَذِهِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ يَصْلُح لَهُمَا.
(وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرَ الْخَيْرِ، فَلَا يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا) لِأَنَّهُ كَذِبٌ (وَيَقِفُ بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ قَلِيلًا) لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقِفُ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَكُنْتُ أَحْسَبُ هَذِهِ الْوَقْفَةَ لِتَكْبِيرِ آخِرِ الصُّفُوفِ».
(وَلَا يَدْعُو) أَيْ: لَا يُشْرَعُ بَعْدَهَا دُعَاءٌ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ يَدْعُو فِيهَا كَالثَّالِثَةِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْآجُرِّيُّ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي أَوْفَى فَعَلَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ أَصْلَحِ مَا رَوَى وَقَالَ: لَا أَعْلَم شَيْئًا يُخَالِفُهُ فَيَقُولُ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}؛ وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْ الْأَكْثَرِ وَصَحَّ أَنَّ أَنَسًا كَانَ لَا يَدْعُو بِدُعَاءٍ إلَّا خَتَمَهُ بِهَذَا وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْمَحَلِّ (وَلَا يَتَشَهَّدُ وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَهَا) أَيْ: الرَّابِعَةِ (وَلَا قَبْلهَا) نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا بَأْسَ بِتَأْمِينِهِ) عَلَى الدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ.
(وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: عَنْ سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِقَوْلِهِ: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ تَسْلِيمَةً» رَوَاه الْجُوزَجَانِيُّ (يَجْهَرُ بِهَا) أَيْ: التَّسْلِيمَةِ (الْإِمَامُ) كَالْمَكْتُوبَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ نَصَّ عَلَيْهِ أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ.
(وَيَجُوزُ) تَسْلِيمَةٌ (ثَانِيَةٌ عَنْ يَسَارِهِ) لِمَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى تَسْلِيمَتَيْنِ وَاسْتَحَبَّهُ الْقَاضِي قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيُتَابِعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ كَالْقُنُوتِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدٍ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ، وَالْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ طَرَفُهَا بِسُجُودٍ وَلَا قُعُودٍ، فَسُنَّ فِيهَا الرَّفْعُ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَصِفَةُ الرَّفْعِ وَانْتِهَاؤُهُ كَمَا سَبَقَ.
(وَيُسَنُّ وُقُوفُهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي (مَكَانَهُ حَتَّى تُرْفَعَ) الْجِنَازَةُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا تَنْفَضُّ الصُّفُوفُ، حَتَّى تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ (وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا: (الْقِيَامُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا) كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلِّ قَائِمًا».
(وَلَا تَصِحُّ) صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَرْضًا (مِنْ قَاعِدٍ وَلَا رَاكِبٍ) لِفَوَاتِ رُكْنِهَا وَهُوَ الْقِيَامُ وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّ نَفْلَهَا يَصِحُّ مِنْ الْقَاعِدِ: كَنَفْلِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَمِنْ الرَّاكِبِ الْمُسَافِرِ.
(وَ) الثَّانِي (التَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ أَرْبَعًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا) أَيْ: الْأَرْبَعِ (غَيْرَ مَسْبُوقٍ تَكْبِيرَةً عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِتَرْكِهِ وَاجِبًا.
(وَ) إنْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً مِنْهَا فَأَكْثَرَ (سَهْوًا يُكَبِّرُ) مَا تَرَكَهُ (مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ) كَمَنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصِ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ (فَإِنْ طَالَ) الْفَصْلُ (أَوْ وُجِدَ مُنَافٍ مِنْ كَلَامٍ وَنَحْوِهِ اسْتَأْنَفَ) الصَّلَاةَ، أَيْ: ابْتَدَأَهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا، وَتَكَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّمَا كَبَّرْتَ ثَلَاثًا فَرَجَعَ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا رَوَاهُ حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ، وَالْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ وَعَوْدُهُ إلَى ذَلِكَ لَمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ دَلِيلُ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ وَعَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ صَلَّى بِنَا أَنَسٌ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ سَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّمَا كَبَّرْتَ ثَلَاثًا فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ الرَّابِعَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
، فَتُحْمَلُ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الْمُنَافِي، وَفِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَالْخَلَّال عَلَى وُجُودِ الْمُنَافِي فَإِنَّ فِيهَا وَتَكَلَّمَ.
(وَ) الثَّالِثُ قِرَاءَةُ (الْفَاتِحَةِ عَلَى إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَيَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ.
(وَ) الرَّابِعُ (الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِقَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى نَبِيِّهِ» ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَ) الْخَامِسُ (دَعْوَةٌ) لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ (وَلَا يَتَعَيَّنُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي) التَّكْبِيرَةِ (الثَّالِثَةِ بَلْ يَجُوزُ فِي) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ) نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ لَا تَعْيِينَ فِيهِ.
(وَيَتَعَيَّنُ غَيْرُهُ) أَيْ: الدُّعَاءُ (فِي مَحَالِّهِ) فَتَتَعَيَّنُ الْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَى وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّانِيَةِ.
صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَقُدِّمَ فِي الْفُرُوعِ خِلَافُهُ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: مَا رُوِيَ لِلشَّافِعِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ: أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، يَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْجِنَازَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ لَا يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ، ثُمَّ يُسَلِّمُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ.
(وَ) السَّادِسُ (تَسْلِيمَةٌ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَقَالَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) فِي السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ (وَرَحْمَةُ اللَّهِ)؛
أَجْزَأَ (وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ) لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُلَقَّفِ، فَسَلَّمَ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.
(وَ) يُشْتَرَطُ لَهَا (جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ لِمَكْتُوبَةٍ) كَالْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ، وَالطَّهَارَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ مَعَ أَحَدِ الْعَاتِقَيْنِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَالنِّيَّةِ (مَعَ حُضُورِ الْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ: يَدَيْ الْمُصَلِّي (قَبْلَ الدَّفْنِ) احْتِرَازًا عَمَّا بَعْدَ الدَّفْنِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (لَا الْوَقْتِ) اسْتِثْنَاءً مَنْ قَوْلِهِ: جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ لِمَكْتُوبَةٍ أَيْ: فَالْوَقْتُ مَشْرُوطٌ لِلْمَكْتُوبَةِ دُونَ الْجِنَازَةِ (فَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (عَلَى جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ) عَلَى الْأَعْنَاقِ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ أَيْدِي الرِّجَالِ (لِأَنَّهَا) أَيْ: الْجِنَازَةُ (كَإِمَامٍ) وَلِهَذَا لَا صَلَاةَ بِدُونِ الْمَيِّتِ قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: قُرْبُهَا مِنْ الْإِمَامِ مَقْصُودٌ كَقُرْبِ الْمَأْمُومِ مِنْ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الدُّنُوُّ مِنْهَا وَفِي كِتَابِ الْخِلَافِ لِلْقَاضِي: صَلَاةُ الصَّفِّ الْأَخِيرِ جَائِزَةٌ وَلَوْ حَصَلَ بَيْنَ الْجِنَازَةِ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ وَلَوْ وَقَفَ فِي مَوْضِعِ الصَّفِّ الْأَخِيرِ بِلَا حَاجَةٍ لَمْ يَجُزْ.
(وَلَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ (مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ قَبْلَ الدَّفْنِ كَحَائِطٍ وَنَحْوِهِ) كَنَعْشٍ مُغَطَّى بِخَشَبٍ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ (وَيُشْتَرَطُ) أَيْضًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ (إسْلَامِ مَيِّتٍ) لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا يُسْتَجَابُ فِيهِ دُعَاءٌ قَالَ تَعَالَى {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}.
(وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (تَطْهِيرُهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (بِمَاءٍ) إنْ أَمْكَنَ (أَوْ تُرَابٍ لِعُذْرٍ) كَفَقْدِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ صَلَّى عَلَيْهِ) وَكَذَا يُشْتَرَطُ تَكْفِينُهُ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ قَبْلَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ (وَلَا يَجِبُ، أَنْ يُسَامِتَ الْإِمَامُ الْمَيِّتَ فَإِنْ لَمْ يُسَامِتْهُ كُرِهَ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ عَيْنِ، الْمَيِّتِ) لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَقْصُودِ عَلَى ذَلِكَ (فَيَنْوِي) الصَّلَاةَ (عَلَى الْحَاضِرِ) أَوْ عَلَى هَذِهِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(وَإِنْ نَوَى) الصَّلَاةَ عَلَى (أَحَدِ الْمَوْتَى اُعْتُبِرَ تَعْيِينُهُ) لِتَزُولَ الْجَهَالَةُ (فَإِنْ) نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ مَوْتَى يُرِيدُ بِهِ زَيْدًا فَ (بَانَ غَيْرُهُ فَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَقَالَ) أَبُو الْمَعَالِي (إنْ نَوَى) الصَّلَاةَ (عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَبَانَ امْرَأَةً أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ نَوَى عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ، فَبَانَتْ رَجُلًا (فَالْقِيَاسُ الْإِجْزَاءُ) لِقُوَّةِ التَّعْيِينِ عَلَى الصِّفَةِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ.
(وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ) فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (عَلَى سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ هُوَ أَكْثَرُ مَا جَاءَ فِيهِ لِأَنَّهُ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعًا» رَوَاه ابْنُ شَاهِينَ وَكَبَّرَ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ سَبْعًا وَعَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ سِتًّا وَقَالَ: إنَّهُ يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ فَاسْتَشَارَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرْبَعًا فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ وَقَالَ: هُوَ أَطْوَلُ الصَّلَاةِ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الْجِنَازَةِ مَقَامُ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَأَطْوَلُ الْمَكْتُوبَاتِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ (وَلَا) يَجُوزُ (النَّقْصُ عَنْ أَرْبَعِ) تَكْبِيرَاتٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْأَرْبَعِ) مِنْ التَّكْبِيرَاتِ لِجَمْعِ عُمَرَ النَّاسَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ تَدُلَّ عَلَى الْفَضِيلَةِ، وَغَيْرُهَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ (فَإِنْ زَادَ إمَامٌ) عَلَى أَرْبَعَةٍ (تَابَعَهُ مَأْمُومٌ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» (إلَى سَبْعٍ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مَا جَاءَ فِيهِ (مَا لَمْ تُظَنَّ بِدْعَتُهُ) أَيْ: الْإِمَامِ (أَوْ رَفْضُهُ فَلَا يُتَابَعُ) عَلَى مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ لِمَا فِي مُتَابَعَتِهِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِهِمْ.
(وَلَا يَدْعُو بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ فِي الْمُتَابَعَةِ أَيْضًا) أَيْ: كَمَا لَا يَدْعُو لَوْ كَانَ يُسَلِّمُ عَقِبَهَا (وَلَا يُتَابَعُ) الْإِمَامُ (فِيمَا زَادَ عَلَى السَّبْعِ) تَكْبِيرَاتٍ لِعَدَمِ وُرُودِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا تَبْطُلُ) صَلَاةُ الْجِنَازَةِ (بِمُجَاوَزَتِهَا) أَيْ: السَّبْعِ تَكْبِيرَاتٍ (وَلَوْ عَمْدًا) لِأَنَّهَا زِيَادَةُ قَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي أَصْلِهِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَشْبَهَ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ، وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ أَوْ نَقُولُ: تَكْرَارُ تَكْبِيرَةٍ أَشْبَهَ تَكْبِيرِ الصَّلَوَاتِ.
وَعَكْسُهُ زِيَادَةُ الرَّكْعَةِ، لِأَنَّهَا زِيَادَةُ أَفْعَالٍ، وَلِهَذَا لَوْ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا أَبْطَلَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْضِي مُنْفَرِدًا، لِكَوْنِهِ فِعْلًا (وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَبِّحَ بَعْدَهَا) أَيْ: السَّابِعَةِ (بِهِ) أَيْ: بِالْإِمَامِ لِاحْتِمَالِ سَهْوِهِ، وَ(لَا) يَنْبَغِي أَنْ يُسَبِّحَ بِهِ (فِيمَا) زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ (دُونَهَا) أَيْ: دُونَ السَّابِعَةِ، أَيْ: فِي الْخَامِسَةِ وَالسَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا.
(وَلَا يُسَلِّمُ) الْمَأْمُومُ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ إمَامِهِ، وَلَوْ جَاوَزَ السَّبْعَ تَكْبِيرَاتٍ نَصَّ عَلَيْهِ فَيَحْرُمُ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِمُجَاوَزَةِ السَّبْعِ (وَمُنْفَرِدٌ كَإِمَامٍ فِي الزِّيَادَةِ) عَلَى السَّبْعِ وَفِي النَّقْصِ عَنْ أَرْبَعٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُجَاوَزَةِ السَّبْعِ لِمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ كَبَّرَ) إمَامٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ (عَلَى جِنَازَةٍ) تَكْبِيرَةً وَاحِدَةٍ (ثُمَّ جِيءَ بِ) جِنَازَةٍ (أُخْرَى كَبَّرَ) تَكْبِيرَةً (ثَانِيَةً وَنَوَاهُمَا) أَيْ: الْجِنَازَتَيْنِ (فَإِنْ جِيءَ بِ) جِنَازَةٍ (ثَالِثَةٍ كَبَّرَ) التَّكْبِيرَةَ (الثَّالِثَةَ وَنَوَى الْجَنَائِزَ الثَّلَاثَ فَإِنْ جِيءَ بِ) جِنَازَةٍ (رَابِعَةٍ كَبَّرَ) التَّكْبِيرَةَ (الرَّابِعَةَ وَنَوَى) الْجَنَائِزَ (الْكُلَّ فَيَصِيرُ مُكَبِّرًا عَلَى الْأُولَى أَرْبَعًا وَعَلَى الثَّانِيَةِ ثَلَاثًا وَعَلَى الثَّالِثَةِ اثْنَتَيْنِ وَعَلَى الرَّابِعَةِ وَاحِدَةً فَيَأْتِي بِثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ أُخَرَ) تَتِمَّةَ السَّبْعِ (فَيُتِمُّ) تَكْبِيرَهُ (سَبْعًا، يَقْرَأُ) الْفَاتِحَةَ (فِي) التَّكْبِيرَةِ (الْخَامِسَةِ، وَيُصَلِّي) عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي) التَّكْبِيرَةِ (السَّادِسَةِ وَيَدْعُو) لِلْمَوْتَى (فِي) التَّكْبِيرَةِ (السَّابِعَةِ) ثُمَّ يُسَلِّمُ (فَيَصِيرُ مُكَبِّرًا عَلَى) الْجِنَازَةِ (الْأُولَى سَبْعًا وَعَلَى الثَّانِيَةِ سِتًّا وَعَلَى الثَّالِثَةِ خَمْسًا وَعَلَى الرَّابِعَةِ أَرْبَعًا فَإِنْ جِيءَ) بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ (بِ) جِنَازَةٍ (خَامِسَةٍ لَمْ يَنْوِهَا بِالتَّكْبِيرِ، بَلْ يُصَلِّي عَلَيْهَا بَعْدَ سَلَامِهِ) لِئَلَّا يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِهَا عَنْ أَرْبَعٍ أَوْ زِيَادَةِ مَا قَبْلَهَا عَلَى سَبْعٍ وَكِلَاهُمَا مَحْظُورٌ.
(وَكَذَا لَوْ جِيءَ بِ) جِنَازَةٍ (ثَانِيَةٍ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ) لَمْ يَجُزْ إدْخَالُهَا فِي الصَّلَاةِ (لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّبْعِ) تَكْبِيرَاتٍ (أَرْبَعٌ) بَلْ ثَلَاثٌ فَيُؤَدِّي إلَى مَا سَبَقَ (فَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الْجِنَازَةِ الْأُولَى رَفْعَهَا) بَعْدَ الْأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ وَ(قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ.
(وَفِي الْكَافِي) فِيمَا إذَا جِيءَ بِأُخْرَى فَأَكْثَرَ، فَكَبَّرَ وَنَوَى لَهُمَا أَوَّلَهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ تَكْبِيرِهِ أَرْبَعٌ (يَقْرَأُ فِي الرَّابِعَةِ الْفَاتِحَةَ وَيُصَلِّي) عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الْخَامِسَةِ، وَيَدْعُو لَهُمْ فِي السَّادِسَةِ) لِتَكْمُلَ الْأَرْكَانُ لِجَمِيعِ الْجَنَائِزِ وَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ قَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالتَّنْقِيحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَ مَنْ سُبِقَ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ) حَيْثُ أَدْرَكَهُ (وَلَوْ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ نَدْبًا) كَالصَّلَاةِ (أَوْ) كَانَ إدْرَاكُهُ لَهُ (بَعْد تَكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ قَبْلَ السَّلَامِ) فَيُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ مَعَهُ (وَيَقْضِي ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ) اسْتِحْبَابًا (وَيَقْضِي مَسْبُوقٌ مَا فَاتَهُ) قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ (عَلَى صِفَتِهِ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ (بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ) كَالْمَسْبُوقِ فِي الصَّلَاةِ قُلْتُ: لَكِنْ إنْ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ صَحَّ أَنْ يَنْفَرِدَ وَيُتِمَّ لِنَفْسِهِ قَبْلَ سَلَامِهِ (فَإِنْ أَدْرَكَهُ) الْمَسْبُوقُ (فِي الدُّعَاءِ تَابَعَهُ فِيهِ) أَيْ: الدُّعَاءِ (فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ كَبَّرَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ) بَعْدَ التَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ (ثُمَّ كَبَّرَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَلَّمَ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فَيَأْتِي فِيهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَقَوْلِهِ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَلَّمَ هَكَذَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُظْهِرُ إذَا كَانَ الدُّعَاءُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ أَوْ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا لِنَوْمٍ أَوْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ فَإِنْ كَانَ أَدْرَكَهُ فِي الدُّعَاءِ وَكَبَّرَ الْأَخِيرَةَ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ كَبَّرَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ كَبَّرَ وَصَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ تَمَّتْ.
تتمة:
مَتَى أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، فَكَبَّرَ وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ ثُمَّ كَبَّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا تَابَعَهُ وَقَطَعَ الْقِرَاءَةَ كَالْمَسْبُوقِ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ إتْمَامِهِ الْقِرَاءَةَ (فَإِنْ خَشِيَ) الْمَسْبُوقُ (رَفْعَهَا) أَيْ: الْجِنَازَةِ (تَابَعَ) أَيْ: وَالَى (بَيْنَ التَّكْبِيرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ) أَيْ: قِرَاءَةٍ وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا دُعَاءٍ، رُفِعَتْ) الْجِنَازَةُ (أَمْ لَا) قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَحَكَاهُ نَصًّا (فَإِذَا سَلَّمَ) الْمَسْبُوقُ (وَلَمْ يَقْضِ) مَا فَاتَهُ (صَحَّ) ذَلِكَ، أَيْ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُ التَّكْبِيرِ قَالَ: «مَا سَمِعْتِ فَكَبِّرِي وَمَا فَاتَكِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْكِ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَلِأَنَّهَا تَكْبِيرَاتٌ مُتَوَالِيَاتٌ حَالَ الْقِيَامِ فَلَمْ يَجِبْ قَضَاءُ مَا فَاتَ مِنْهَا كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ (وَمَتَى رُفِعَتْ) الْجِنَازَةُ (بَعْدَ الصَّلَاةِ) عَلَيْهَا (لَمْ تُوضَعْ لِأَحَدٍ) يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا، تَحْقِيقًا لِلْمُبَادَرَةِ إلَى مُوَارَاةِ الْمَيِّتِ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى: وَلَا تُوضَعُ لِصَلَاةٍ بَعْدَ حَمْلِهَا (فَظَاهِرُهُ: يُكْرَهُ) وَيُبَادَرُ بِدَفْنِهَا وَقَالَ الْقَاضِي: إلَّا أَنْ يُرْجَى مَجِيءُ الْأُولَى فَتُؤَخَّرُ، إلَّا أَنْ يُخَافَ تَغَيُّرُهُ.
(وَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ) عَلَى الْجِنَازَةِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (اُسْتُحِبَّ لَهُ إذَا وُضِعَتْ) الْجِنَازَةُ (أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ جَمَاعَةً عَلَى الْقَبْرِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ- أَوْ شَابًّا- فَفَقَدَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فَقَدَهُ فَسَأَلَ عَنْهَا، أَوْ عَنْهُ فَقَالُوا: مَاتَتْ أَوْ مَاتَ فَقَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟ قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا أَوْ عَلَى قَبْرِهِ فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «انْتَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قَبْرٍ رَطْبٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَصَفُّوا خَلْفَهُ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا قَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ يَشُكُّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ؟ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ مِنْ سِتَّةِ وُجُوهٍ كُلُّهَا حِسَانٌ (وَ كَذَا غَرِيقٌ وَنَحْوُهُ) كَأَسِيرٍ، فَيُصَلَّى عَلَيْهِ إلَى شَهْرٍ وَيَسْقُطُ شَرْطُ الْحُضُورِ لِلْحَاجَةِ وَالْغُسْلِ، لِتَعَذُّرِهِ أَشْبَهَ الْحَيَّ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ (إلَى شَهْرٍ مِنْ دَفْنِهِ) لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ» وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ قَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْتُ هَذَا لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَتَقَيَّدَ بِهِ (وَ) إلَى (زِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ) عَلَى الشَّهْرِ قَالَ الْقَاضِي كَالْيَوْمَيْنِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ عَلَى قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.
(وَيَحْرُمُ) أَنْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ (بَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَنَّهُ «صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ شَهْرٍ» أَجَابَ أَبُو بَكْرٍ: يُرِيدُ شَهْرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} أَرَادَ الْحِينَ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْفَنْ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ مَضَى أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ وَقَيَّدَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ بِشَهْرٍ.
(وَإِنْ شَكَّ فِي انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ) الَّتِي يُصَلَّى فِيهَا عَلَى الْقَبْرِ وَنَحْوِهِ (صَلَّى عَلَيْهِ، حَتَّى يُعْلَمَ فَرَاغُهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا (وَيُصَلِّي إمَامٌ) أَعْظَمُ (وَغَيْرُهُ عَلَى غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ، وَلَوْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ، أَوْ) كَانَ (فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ) أَيْ: قِبْلَةِ الْمُصَلِّي (بِالنِّيَّةِ إلَى شَهْرٍ) كَالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ، لَكِنْ يَكُونُ الشَّهْرُ هُنَا مِنْ مَوْتِهِ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فَصَفَّ- أَيْ: النَّاسَ- وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ: لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ.
فَإِنَّهُ يُمْنَعُ الصَّلَاةُ عَلَى الْغَرِيقِ وَالْأَسِيرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَبْعُدُ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّجَاشِيَّ مَلِكَ الْحَبَشَةِ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَيَبْعُدُ أَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَرْضَ زُوِيَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُشِفَ لَهُ عَنْ النَّجَاشِيِّ، حَتَّى رَآهُ حِينَ صَلَاتِهِ لَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَذَكَرَهُ لِأَصْحَابِهِ وَلَنُقِلَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُعْجِزَةِ الْعَظِيمَةِ كَمَا نَقَلَ إخْبَارُهُ لَهُمْ بِمَوْتِهِ يَوْمَ مَاتَ، وَأَيْضًا لَوْ تَمَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ لَمَا تَمَّ فِي حَقِّ أَصْحَابِهِ وَ(لَا) يُصَلَّى عَلَى مَنْ (فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْبَلَدِ وَلَوْ كَانَ) الْبَلَدُ (كَبِيرًا وَلَوْ لِمَشَقَّةِ مَطَرٍ أَوْ مَرَضٍ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ حُضُورُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ وَيُعْتَبَرُ انْفِصَالُهُ عَنْ الْبَلَدِ بِمَا يُعَدُّ الذَّهَابُ إلَيْهِ نَوْعَ سَفَرٍ وَقَالَ الْقَاضِي: يَكْفِي خَمْسُونَ خُطْوَةً قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَقْرَبُ الْحُدُودِ: مَا تَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ إذَنْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فِي الْبَلَدِ فَلَا يُعَدُّ غَائِبًا عَنْهَا.
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى قَبْرٍ وَغَائِبٍ وَقْتَ نَهْيٍ (وَلَا يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ عَلَى كُلِّ غَائِبٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَمَنْ صَلَّى) عَلَى مَيِّتٍ (كُرِهَ لَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ) عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ كَالْعِيدِ (إلَّا عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ) كَالْغَائِبِ (إذَا حُضِرَ) جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ (أَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَيِّتٍ صَلَّى عَلَى جُمْلَتِهِ فَتُسَنُّ) إعَادَةُ الصَّلَاةِ (فِيهِمَا) مُرَّةً ثَانِيَةً (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ: الْمَيِّتِ (بِلَا إذْنِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ) بِالصَّلَاةِ (مَعَ حُضُورِهِ) أَيْ: الْأَوْلَى وَعَدَمُ إذْنِهِ وَلَمْ يُصَلِّ مَعَهُ (فَتُعَادُ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ (تَبَعًا) لِلْوَلِيِّ لِأَنَّهَا حَقُّهُ ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَظَاهِرُهُ: لَا يُعِيدُ غَيْرَ الْوَلِيِّ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.