فصل: (فَصْل): في زيارة القبور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْل): في زيارة القبور:

(يُسَنُّ لِذُكُورٍ زِيَارَةُ قَبْرِ مُسْلِمٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» رَوَاه مُسْلِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ «فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة «زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ وَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْمَوْتَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (بِلَا سَفَرٍ) لِحَدِيثِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ».
(وَتُبَاحُ) الزِّيَارَةُ (لِقَبْرِ كَافِرٍ) وَالْوُقُوفُ عِنْدَ قَبْرِهِ، كَزِيَارَتِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ: لِزِيَارَتِهِ قَبْرِ أُمِّهِ وَكَانَ بَعْد الْفَتْحِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} فَإِنَّمَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فِي آخِرِ التَّاسِعَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ: الْقِيَامُ لِلدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ.
(وَلَا يُسَلِّمُ) مَنْ زَارَ قَبْرَ كَافِرٍ (عَلَيْهِ) كَالْحَيِّ (بَلْ يَقُولُ) الزَّائِرُ لِكَافِرٍ (لَهُ: أَبْشِرْ بِالنَّارِ) فِي اسْتِعْمَالِ الْبِشَارَةِ تَهَكُّمٌ بِهِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {ذُقْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (وَلَا يُمْنَعُ كَافِرٌ مِنْ زِيَارَةِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ) حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، لِعَدَمِ الْمَحْظُورِ.
(وَتُكْرَهُ) زِيَارَةُ الْقُبُورِ (لِلنِّسَاءِ) لِمَا رَوَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «نُهِينَا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ عُلِمَ- أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهُنَّ مُحَرَّمٌ؛ حُرِّمَتْ) زِيَارَتُهُنَّ الْقُبُورَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّرَاتِ الْقُبُورِ» رَوَاه الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (غَيْرَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ) أَبِي بَكْر وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (فَيُسَنُّ) زِيَارَتُهَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فِي طَلَبِ زِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَإِنْ اجْتَازَتْ امْرَأَةٌ بِقَبْرٍ فِي طَرِيقهَا) وَلَمْ تَكُنْ خَرَجَتْ لَهُ (فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَدَعَتْ لَهُ؛ فَحَسَنٌ) لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لِذَلِكَ.
(وَيَقِفُ الزَّائِرُ أَمَامَ الْقَبْرِ) أَيْ: قُدَّامَهُ (وَيَقْرُبُ مِنْهُ) كَعَادَةِ الْحَيِّ (وَلَا بَأْسَ بِلَمْسِهِ) أَيْ: الْقَبْرِ (بِالْيَدِ) (وَأَمَّا التَّمَسُّحُ بِهِ، وَالصَّلَاةُ عِنْده)، (أَوْ قَصَدَهُ لِأَجْلِ الدُّعَاءِ عِنْدَهُ، مُعْتَقِدًا أَنَّ الدُّعَاءَ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِهِ، أَوْ النَّذْر لَهُ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ؛) (وَقَالَ الشَّيْخُ: فَلَيْسَ هَذَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ هُوَ مِمَّا أُحْدِثَ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ).
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِالْقَبْرِ وَلَا يُقَبِّلُهُ، بَلْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ قُلْت: بَلْ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَيُسَنُّ إذَا زَارَهَا) أَيْ: قُبُورَ الْمُسْلِمِينَ (أَوْ مَرَّ بِهَا أَنْ يَقُولَ مُعَرِّفًا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ، يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ) لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ فَمِنْهَا: حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» قَالَ فِي الشَّرْحِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ» وَرَوَى مُسْلِمُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى الْمَقَابِرِ، أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ».
وَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ اسْمَ الدَّارِ: يَقَعُ عَلَى الْمَقَابِرِ وَإِطْلَاقُ الْأَهْلِ عَلَى سَاكِنِ الْمَكَانِ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَقَوْلُهُ: «إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» الِاسْتِثْنَاءُ لِلتَّبَرُّكِ قَالَهُ الْعُلَمَاءُ.
وَفِي الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى اللُّحُوقِ لَا إلَى الْمَوْتِ.
وَفِي الشَّافِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْبِقَاعِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ: أَوْ يَقُولُ نَحْو ذَلِكَ: مِمَّا وَرَدَ وَمِنْهُ «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ، وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا، وَهِيَ بِكَ مُؤْمِنَةٌ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ رُوحًا مِنْكَ وَسَلَامًا مِنِّي» ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
(وَيُخَيَّرُ بَيْنَ تَعْرِيفِهِ) أَيْ: السَّلَامُ (وَتَنْكِيرِهِ فِي سَلَامِهِ عَلَى الْحَيِّ) لِأَنَّ النُّصُوصَ صَحَّتْ بِالْأَمْرَيْنِ وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ سَلَامُ التَّحِيَّةِ مُنَكَّرٌ وَسَلَامُ الْوَدَاعِ مُعَرَّفٌ.
(وَابْتِدَاؤُهُ) أَيْ: السَّلَامِ (سُنَّةٌ، وَمِنْ جَمَاعَةٍ سُنَّةُ كِفَايَةٍ وَالْأَفْضَلُ: السَّلَامُ مِنْ جَمِيعِهِمْ) لِحَدِيثِ «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» وَغَيْرِهِ (فَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى الَّذِينَ سَلَّمُوا عَلَيْهِ (جَمِيعًا؛ جَازَ) ذَلِكَ (وَسَقَطَ الْفَرْضُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ) لِحُصُولِ الرَّدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ.
(وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِابْتِدَاءِ السَّلَامِ سُنَّةٌ، لِيَسْمَعهُ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ سَمَاعًا مُحَقَّقًا) لِحَدِيثِ «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».
(وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى أَيْقَاظٍ) (عِنْدَهُمْ نِيَامٌ، أَوْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ: هَلْ هُمْ أَيْقَاظٌ أَوْ نِيَامٌ؟ خَفَضَ صَوْتَهُ، بِحَيْثُ يُسْمِعُ الْأَيْقَاظَ وَلَا يُوقِظُ النِّيَامَ) جَمْعًا بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ.
(وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ ثُمَّ لَقِيَهُ عَلَى قُرْبٍ سُنَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ)، لِعُمُومِ حَدِيثِ «أَفْشُوا السَّلَامَ» (وَيُسَنُّ أَنْ نَبْدَأَ بِالسَّلَامِ قَبْلَ كُلِّ كَلَامٍ) لِلْخَبَرِ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السَّلَامِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَمَعْنَاهُ: اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ، أَيْ: أَنْتَ فِي حِفْظِهِ؛ كَمَا يُقَال: اللَّهُ يَصْحَبُكَ، اللَّهُ مَعَكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ، أَيْ:: السَّلَامَةُ مُلَازِمَةٌ لَكَ قَالَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى.
(وَلَا يَتْرُكُ السَّلَامَ إذَا كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ) السَّلَامَ، لِعُمُومِ «أَفْشُوا السَّلَامَ».
(وَإِنْ دَخَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ عُلَمَاءُ سَلَّمَ عَلَى الْكُلِّ، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى الْعُلَمَاءِ سَلَامًا ثَانِيًا) تَمْيِيزًا لِمَرْتَبَتِهِمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِمْ عَالِمٌ وَاحِدٌ.
(وَرَدُّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى) الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ (الْمُنْفَرِد) أَيْ: الَّذِي انْفَرَدَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ، بِأَنْ خَصَّهُ الْمُسَلِّمُ بِالسَّلَامِ وَإِنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ وَفَرْضُ (كِفَايَةٍ عَلَى الْجَمَاعَةِ) الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ فَيَسْقُطُ بِرَدِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (فَوْرًا) أَيْ: يَجِبُ الرَّدُّ فَوْرًا بِحَيْثُ يُعَدُّ جَوَابًا لِلسَّلَامِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ رَدًّا.
(وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ) أَيْ: بِرَدِّ السَّلَامِ (وَاجِبٌ قَدْرَ الْإِبْلَاغِ) أَيْ: إبْلَاغِ الْمُسَلِّمِ (وَتُزَادُ الْوَاوُ فِي رَدِّ السَّلَامِ وُجُوبًا) قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْآدَابِ وَعَزَاهُ لِلشَّيْخِ وَجِيهِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَقِيلَ: لَا تَجِبُ وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَشْهُرُ وَأَصَحُّ.
تَتِمَّةٌ لَوْ قَالَ سَلَامٌ لَمْ يُجِبْهُ قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ تَامٍّ ذَكَرَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ؛ وَإِنْ قَالَ: وَعَلَيْك، أَوْ عَلَيْكُمْ فَقَطْ وَحَذَفَ الْمُبْتَدَأَ؛ فَظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَنَّهُ يُجْزِئُ وَكَذَا الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ وَقَالَ: كَمَا رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ فَإِنَّ الْمُضْمَرَ كَالْمُظْهَرِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَابْنِ عَقِيل: لَا يُجْزِئُ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ.
وَيُكْرَه الِانْحِنَاءُ فِي السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ: يَحْرُمُ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ) أَيْ: غَيْرِ زَوْجَةٍ لَهُ وَلَا مَحْرَمٍ (إلَّا أَنْ تَكُونَ عَجُوزًا) أَيْ: غَيْرَ حَسْنَاءَ، كَمَا يُعْلَم مِمَّا تَقَدَّمَ فِي حُضُورِهَا الْجَمَاعَةَ (أَوْ) إلَّا أَنْ تَكُونَ (بَرْزَةً) أَيْ: فَلَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ لَا تُشْتَهَى، لِأَمْنِ الْفِتْنَةِ.
(وَيُكْرَه) السَّلَامُ (فِي الْحَمَّامِ) وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّرْحِ فِيهِ.
(وَ) يُكْرَهُ السَّلَامُ (عَلَى مَنْ يَأْكُلُ أَوْ يُقَاتِلُ) لِاشْتِغَالِهِ (وَفِيمَنْ يَأْكُلُ نَظَرٌ) قَالَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى أَيْ: فِي كَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَيْهِ نَظَرٌ قَالَ: وَظَاهِرُ التَّخْصِيصِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ عَلَى صَغِيرِهِمَا وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ: خِلَافُهُ، أَيْ: تَعْلِيلِهِمْ بِاشْتِغَالِهِمَا.
(وَ) يُكْرَهُ السَّلَامُ (عَلَى تَالٍ) لِلْقُرْآنِ وَعَلَى (ذَاكِرٍ) لِلَّهِ تَعَالَى وَعَلَى (مُلَبٍّ وَمُحَدِّثٍ) أَيْ: مُلْقٍ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَخَطِيبٍ وَوَاعِظِ وَعَلَى مَنْ يَسْتَمِعُ لَهُمْ) أَيْ: لِلْمَذْكُورِينَ مِنْ التَّالِي وَمَنْ بَعْدَهُ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى (مُكَرِّرِ فِقْهٍ وَمُدَرِّسٍ) فِي أَيِّ عِلْمٍ كَانَ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَ مَشْرُوعًا أَوْ مُبَاحًا (وَعَلَى مَنْ يَبْحَثُونَ فِي الْعِلْمِ وَعَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمُصَلِّي وَأَنَّ الْمَذْهَبَ: لَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ (وَعَلَى مَنْ هُوَ عَلَى حَاجَتِهِ) وَيُكْرَهُ أَيْضًا رَدُّهُ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَا يُكْرَهُ ذَكَرَهُ فِي الْآدَابِ (أَوْ مُتَمَتِّعٍ بِأَهْلِهِ، أَوْ مُشْتَغِلٍ بِالْقَضَاءِ وَنَحْوِهِمْ) أَيْ نَحْوِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ كُلِّ مَنْ لَهُ شُغْلٍ عَنْ رَدِّ السَّلَامِ.
(وَ مَنْ سَلَّمَ فِي حَالَةٍ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا السَّلَامُ) كَالْأَحْوَالِ السَّابِقَةِ (لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا) لِسَلَامِهِ.
(وَيُكْرَه أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ طَائِفَةٍ لَقِيَهُمْ) أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِهِ (بِالسَّلَامِ) لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ فِي إفْشَاءِ السَّلَامِ، وَكَسْرًا لِقَلْبِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ وَيُكْرَهُ (أَنْ يَقُولَ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) لِمُخَالَفَتِهِ الصِّيغَةِ الْوَارِدَةِ.
تَتِمَّةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْآدَابِ: وَيُكْرَه أَنْ يَقُولَ: عَلَيْك سَلَامُ اللَّهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةَ الْمَوْتَى عَلَى عَادَتِهِمْ فِي تَحِيَّةِ الْأَمْوَاتِ، يُقَدِّمُونَ اسْمَ الْمَيِّتِ فِي الدُّعَاءِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَفَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَلِّمَ عَلَى قَوْمٍ يَتَوَقَّعُ جَوَابًا وَالْمَيِّتُ لَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ فَجَعَلُوا السَّلَامَ عَلَيْهِ كَالْجَوَابِ.
(وَالْهَجْرُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ) وَهُوَ هَجْرُ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (يَزُولُ بِالسَّلَامِ) لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّحَابُبِ لِلْخَيْرِ، فَيَقْطَعُ الْهَجْرَ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا «السَّلَامُ يَقْطَعُ الْهِجْرَانَ».
(وَيُسَنُّ السَّلَامُ عِنْدَ الِانْصِرَافِ) عَنْ الْقَوْمِ وَيُسَنُّ السَّلَامُ (وَإِذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ) لِلْخَبَرِ.
(فَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا خَالِيًا، أَوْ دَخَلَ مَسْجِدًا خَالِيًا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) لِلْخَبَرِ.
(وَإِذَا وَلَجَ) أَيْ: دَخَلَ بَيْتَهُ فَلْيُقَدِّمْ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، (وَلِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِاسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا، وَبِاسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِهِ) لِخَبَرِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ فِي الْآدَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ: السَّلَامُ (عَلَى الصِّبْيَانِ، تَأْدِيبًا لَهُمْ) هَذَا مَعْنَى كَلَام ابْنِ عَقِيل وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِيهَا، وَالشَّيْخُ عَبْد الْقَادِر أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إجْمَاعًا وَالصِّبْيَانُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا لُغَةٌ قَالَهُ فِي الْآدَابِ.
(وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى صَبِيٍّ، لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ) أَيْ: رَدُّ الصَّبِيِّ السَّلَامَ لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ».
(وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى صَبِيٍّ وَبَالِغٍ رَدَّهُ الْبَالِغُ وَلَمْ يَكْفِ رَدُّ الصَّبِيّ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَحْصُلُ بِهِ) هَذَا مَعْنَى كَلَام أَبِي الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْآدَابِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِأَذَانِهِ وَصَلَاتِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ.
(وَإِنْ سَلَّمَ صَبِيٌّ عَلَى بَالِغٍ، وَجَبَ الرَّدُّ) عَلَى الْبَالِغِ (فِي وَجْهٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ.
(وَيُجْزِئُ فِي السَّلَامِ) قَوْلُ الْمُسَلِّمِ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ) كَانَ السَّلَامُ (عَلَى مُنْفَرِدٍ) أَيْ: شَخْصٍ وَاحِدٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إمَّا هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ أَوْ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك أَجْزَأَ (وَ) يُجْزِئُ (فِي الرَّدِّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَتُسَنَّ مُصَافَحَةُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَ) مُصَافَحَةُ (الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ) لِحَدِيثِ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْت لِأَنَسٍ: أَكَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ نَعَمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ» وَرُوِيَ «تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُمَا وَكَانَ أَحَقُّهُمَا بِالْأَجْرِ أَبَشَّهُمَا بِصَاحِبِهِ».
(وَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَةِ الْمُرْدَانِ لِمَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ، وَقَصَدَ تَعْلِيمَهُمْ حُسْنَ الْخُلُقِ) ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَالرِّعَايَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ.
(وَلَا تَجُوزُ مُصَافَحَةُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ) لِأَنَّهَا شَرٌّ مِنْ النَّظَرِ، أَمَّا الْعَجُوزُ فَلِلرَّجُلِ مُصَافَحَتهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَالرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: تُكْرَهُ مُصَافَحَةُ النِّسَاءِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مِهْرَانَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يُصَافِحُ الْمَرْأَةَ قَالَ: لَا، وَشَدَّدَ فِيهِ جِدًّا قُلْت: فَيُصَافِحهَا بِثَوْبِهِ قَالَ: لَا قَالَ رَجُلٌ: فَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ قَالَ: لَا قُلْت: ابْنَتُهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ ابْنَتُهُ فَلَا بَأْسَ وَالتَّحْرِيمُ مُطْلَقًا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَيَتَوَجَّهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِهِ، فَأَمَّا الْوَالِدُ فَيَجُوزُ قَالَهُ فِي الْآدَابِ.
(وَإِنْ سَلَّمْت شَابَّةٌ عَلَى رَجُلٍ رَدَّهُ عَلَيْهَا) كَذَا فِي الرِّعَايَةِ، وَلَعَلَّ فِي النُّسْخَةِ غِلْظًا وَيُتَوَجَّهُ: لَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَهُ فِي الْآدَابِ.
(وَإِنْ سَلَّمَ) الرَّجُلُ (عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الشَّابَّةِ (لَمْ تَرُدَّهُ) أَيْ: السَّلَامَ عَلَيْهِ، دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الْمَحْرَمِ.
(وَإِرْسَالُ السَّلَامِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِرْسَالُهَا) السَّلَامُ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْأَجْنَبِيِّ (لَا بَأْسَ بِهِ، لِلْمَصْلَحَةِ، وَعَدَمِ الْمَحْذُورِ) أَيْ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ مَعَ عَدَمِ الْمَحْذُورِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى ضِدِّهِمْ) فَيُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِيُسَلِّمْ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ».
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» رَوَاهمَا الْبُخَارِيُّ (فَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ سَلَّمَ الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْقَاعِدُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الرَّاكِبِ (حَصَلَتْ السُّنَّةُ) لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْأَمْر بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَالْأَوَّلُ أَكْمَلُ فِي السُّنَّةِ، لِامْتِيَازِهِ بِخُصُوصِ الْأَمْرِ السَّابِقِ (هَذَا) الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ: (إذَا تَلَاقَوْا فِي طَرِيقٍ) وَنَحْوِهَا (أَمَّا إذَا وَرَدُوا عَلَى قَاعِدٍ أَوْ قُعُودٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ مُطْلَقًا) صَغِيرًا كَانَ أَوْ رَاكِبًا، أَوْ قَلِيلًا أَوْ ضِدَّهُمْ.
(وَإِنْ سَلَّمَ) عَلَى (مَنْ وَرَاءَ جِدَارٍ) وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ عِنْدَ الْبَلَاغِ.
أَوْ سَلَّمَ (الْغَائِبُ عَنْ الْبَلَدِ بِرِسَالَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ عِنْد الْبَلَاغِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الرَّسُولِ، فَيَقُولُ: وَعَلَيْك وَعَلَيْهِ السَّلَامُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَبِي يُقْرِئُكَ السَّلَامَ فَقَالَ: عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ» وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: إنَّ فُلَانًا يُقْرِئُكَ السَّلَامَ فَقَالَ: عَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَعَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ.
(وَإِنْ بَعَثَ) إنْسَانٌ (مَعَهُ السَّلَامُ) لِيُبَلِّغهُ لِمَنْ عَيَّنَهُ لَهُ (وَجَبَ) عَلَى الرَّسُولِ (تَبْلِيغُهُ إنْ تَحَمَّلَهُ) لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَلَاقِيَيْنِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
(فَإِنْ الْتَقَيَا وَبَدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَعًا) بِالسَّلَامِ (فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِجَابَةُ) لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ بِرَدِّ السَّلَامِ فَإِنْ قَالَهُ أَحَدُهُمَا بَعْد الْآخَرِ فَقَالَ الشَّاشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: كَانَ جَوَابًا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ قَالَ وَقَالَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ ابْتِدَاءً لَا جَوَابًا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجَوَابَ لِأَنَّ هَذِهِ صِيغَةُ جَوَابٍ فَلَا تَسْتَحِقُّ جَوَابًا.
(وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى أَصَمًّ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ) وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ قَالَهُ فِي الْآدَابِ (كَرَدِّهِ سَلَامِهِ) أَيْ: سَلَامِ الْأَصَمِّ فَيَجْمَعُ الرَّادُّ عَلَيْهِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ (وَسَلَامُ الْأَخْرَسِ) بِالْإِشَارَةِ (وَجَوَابُهُ) أَيْ: الْأَخْرَس (بِالْإِشَارَةِ) لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ وَقَالَ الْمَرُّوذِيَّ: إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ كَانَ رُبَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فَيَرُدَّ بِيَدِهِ (وَآخِرُ السَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا: وَبَرَكَاتُهُ) أَيْ: اسْتِحْبَابًا وَتَقَدَّمَ مَا يُجْزِئُ مِنْهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ الِابْتِدَاءَ عَلَى الرَّدِّ وَعَكْسِهِ) أَيْ: أَنْ يَزِيدَ الرَّدَّ عَلَى الِابْتِدَاءِ.
(وَسَلَامُ النِّسَاءِ عَلَى النِّسَاءِ كَسَلَامِ الرِّجَالِ عَلَى الرِّجَالِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
(وَلَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِ مَنْ يُصَافِحُهُ حَتَّى يَنْزِعَهَا) أَيْ: يَدَهُ مِنْ يَدِهِ لِمَا فِي نَزْعِ يَدِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ (إلَّا لِحَاجَةٍ كَحَيَائِهِ مِنْهُ) (وَنَحْوِهِ) كَمَضَرَّةٍ بِالتَّأْخِيرِ.
(وَلَا بَأْسَ بِالْمُعَانَقَةِ) وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: يُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَادِمِ وَمُعَانَقَتِهِ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ قَالَ: وَإِكْرَامُ الْعُلَمَاءِ وَأَشْرَافِ الْقَوْمِ بِالْقِيَامِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَطْمَعَ فِي قِيَامِ النَّاسِ لَهُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ إلَّا لِلْإِمَامِ الْعَادِلِ وَالْوَالِدَيْنِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ وَالْكَرَمِ وَالنَّسَبِ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَكَذَا ذَكَر الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَقَاسَهُ عَلَى الْمُهَادَاةِ لَهُمْ قَالَ: وَيُكْرَهُ لِأَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَاَلَّذِي يُقَامُ إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَسْتَكْبِرُ نَفْسُهُ إلَيْهِ وَلَا تُطَالِبُهُ وَالنَّهْيُ قَدْ وَقَعَ عَلَى السُّرُورِ بِذَلِكَ الْحَالِ فَإِذَا لَمْ يُسَرَّ بِالْقِيَامِ إلَيْهِ وَقَامُوا إلَيْهِ فَغَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ ذَكَره فِي الْآدَابِ.
(وَ) لَا بَأْسَ (بِتَقْبِيلِ الرَّأْسِ وَالْيَدِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَنَحْوِهِمْ) لَحَدِيثِ «عَائِشَةَ قَالَتْ قَدِمَ زَيْدُ بْنِ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَآتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ، فَقَامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَفِي حَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةٍ قَالَ فِيهَا فَدَنَوْنَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلْنَا يَدَهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ «قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ اذْهَبْ بِنَا إلَى هَذَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيَا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ «فَقَبَّلَا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّك نَبِيٌّ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ، فَيُبَاحُ تَقْبِيلُ الْيَدِ وَالرَّأْسِ تَدَيُّنًا وَإِكْرَامًا وَاحْتِرَامًا، مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ إبَاحَتِهِ لِأَمْرِ الدُّنْيَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّهْيُ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ.
(وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ فَمِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ) الْمُبَاحَةِ لَهُ لِأَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَقَعَ كَرَامَةً.
(وَإِذَا تَثَاءَبَ كَظَمَ) نَدْبًا أَيْ: أَمْسَكَ فَمَهُ لِئَلَّا يَنْفَتِحَ (مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ غَلَبَهُ) التَّثَاؤُبُ (غَطَّى فَمَهُ بِكُمِّهِ أَوْ غَيْرِهِ) كَيَدِهِ لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ».
وَفِي رِوَايَةٍ «فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ» (وَإِذَا عَطَسَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ (خَمَرَ) أَيْ: غَطَّى (وَجْهَهُ) لِئَلَّا يَتَأَذَّى غَيْرُهُ بِبُصَاقِهِ (وَغَضَّ) أَيْ: خَفَضَ (صَوْتَهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ «إذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِثَوْبِهِ وَيَدِهِ، ثُمَّ غَضَّ بِهَا صَوْتُهُ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ (وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَحَمِدَ اللَّهَ) قَالَ ابْن هُبَيْرَةَ: إذَا عَطَسَ الْإِنْسَانُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى صِحَّةِ بَدَنِهِ، وَجَوْدَةِ هَضْمِهِ، وَاسْتِقَامَةِ قُوَّتِهِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَلِذَلِكَ أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ».
لِأَنَّ الْعُطَاسَ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةِ بَدَنٍ وَنَشَاطٍ، وَالتَّثَاؤُبُ غَالِبًا لِثِقَلِ الْبَدَنِ وَامْتِلَائِهِ، وَاسْتِرْخَائِهِ فَيَمِيلُ إلَى الْكَسَلِ فَأَضَافَهُ إلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ يُرْضِيهِ، أَوْ مِنْ تَسَبُّبِهِ لِدُعَائِهِ إلَى الشَّهَوَاتِ وَيَكُونُ حَمْدُهُ (جَهْرًا بِحَيْثُ يُسْمِعُ جَلِيسَهُ) حَمْدَهُ (لِيُشَمِّتَهُ) بِالشِّينِ وَالسِّينِ (وَتَشْمِيتُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) كَرَدِّ السَّلَامِ (فَيَقُولُ لَهُ) سَامِعُهُ (يَرْحَمُك اللَّهُ أَوْ يَرْحَمْكُمْ اللَّهُ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْعَاطِسُ) وُجُوبًا (فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِب وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ وَيُدْخِلَكُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَكُمْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى أَوْ يَقُولُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُشَمَّتَ مَنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ) لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمَدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِذَا لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمُ.
(وَإِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ) أَيْ: لَمْ يُسَنَّ تَذْكِيرُهُ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَرَوَى الْمَرُّوذِيُّ: أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ أَحْمَدَ فَلَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ، فَانْتَظَرَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ فَيُشَمِّتهُ فَلَمْ يَحْمَد اللَّهَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَيْفَ تَقُولُ إذَا عَطَسْتَ قَالَ أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، (لَكِنْ يُعَلَّمَ الصَّغِيرُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَكَذَا حَدِيثُ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ وَنَحْوِهِ) كَمَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَمَّنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْجَهْلِ بِذَلِكَ.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الذِّمِّيِّ) نَصَّ عَلَيْهِ وَهَلْ يُكْرَهُ أَوْ يُبَاحُ أَوْ يُحَرَّمُ؟ أَقْوَالٌ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ (فَإِنْ قِيلَ لَهُ) أَيْ: لِلذِّمِّيِّ (يَهْدِيكُمْ اللَّهُ جَازَ) ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ.
(وَيُقَالُ لِلصَّبِيِّ إذَا عَطَسَ: بُورِكَ فِيكَ، وَجَبَرَك اللَّهُ) قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَرُوِيَ «أَنَّهُ عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيك يَا غُلَامُ» رَوَاه الْحَافِظُ السَّلَفِيُّ فِي انْتِخَابِهِ (وَتُشَمِّتُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَ) يُشَمِّتُ (الرَّجُلُ الرَّجُلَ).
(وَ) يُشَمِّتُ الرَّجُلُ (الْمَرْأَةَ الْعَجُوزَ الْبَرْزَةَ) لِأَمْنِ الْفِتْنَةِ (وَلَا يُشَمِّتُ الشَّابَّةَ وَلَا تُشَمِّتْهُ) كَمَا فِي رَدِّ السَّلَامِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَجْنَبِيَّةُ (فَإِنْ عَطَسَ ثَانِيًا) وَحَمِدَ (شَمَّتْهُ، وَ) إنْ عَطَسَ (ثَالِثًا) وَحَمِدَ (شَمَّتْهُ) قَالَ صَالِحُ لِأَبِيهِ: يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ فِي مَجْلِسٍ ثَلَاثًا قَالَ: أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي ثَلَاثٍ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، مَرْفُوعًا «يُشَمَّتُ مُعَاطِسٌ ثَلَاثًا فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ».
(وَ) إنْ عَطَسَ (رَابِعًا دَعَا لَهُ بِالْعَافِيَةِ وَلَا يُشَمَّتُ) لِلرَّابِعَةِ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَمَّتَهُ قَبْلهَا) ثَلَاثًا، فَالِاعْتِبَارُ بِفِعْلِ التَّشْمِيتِ وَبِعَدَدِ الْعَطَسَاتِ فَلَوْ عَطَسَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ مُتَوَالِيَاتٍ شَمَّتَهُ بِعَدَدِهَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ تَشْمِيتٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ: قَوْلًا وَاحِدًا.
(وَلَا يُجِيبُ الْمُتَجَشِّئَ بِشَيْءٍ فَإِنْ حَمَدَ اللَّهَ قَالَ) لَهُ سَامِعُهُ (هَنِيئًا مَرِيئًا، أَوْ هَنَّأَكَ اللَّهُ وَأَمْرَاكَ) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَابْنُ تَمِيمٍ، وَكَذَا ابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ: وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ سُنَّةٌ بَلْ هُوَ عَادَةٌ مَوْضُوعَةٌ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مَهَنَّا: إذَا تَجَشَّأَ الرَّجُلُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ وَجْهَهُ إلَى فَوْقٍ، لِكَيْ لَا يَخْرُجَ مِنْ فِيهِ رَائِحَةٌ يُؤْذِي بِهَا النَّاسَ.
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ «رَجُلًا تَجَشَّأَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا أَطْوَلَهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
(وَيَجِبُ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى كُلِّ مَنْ يُرِيدَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِب وَأَجَانِب) قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالسَّامِرِيُّ وَابْنُ تَمِيمٍ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} قَالَ: لَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَدْخُلَ بَيْتَ غَيْرِكَ إلَّا بِالِاسْتِئْذَانِ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ يُسَنُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلَا وَجْهَ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فَيَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ ا هـ وَرَوَى سَعِيد عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى وَالِدَيْهِ فَلْيَسْتَأْذِنْ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْله (فَإِنْ أُذِنَ لَهُ) فِي الدُّخُولِ دَخَلَ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ (رَجَعَ) وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْذَانُهُ ثَلَاثًا، إلَّا أَنْ يُجَابَ قَبْلَهَا (وَلَا يَزِيدُ) فِي اسْتِئْذَانِ (عَلَى ثَلَاثِ) مَرَّاتٍ لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَك وَإِلَّا فَارْجِعْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَظُنَّ عَدَمَ سَمَاعِهِمْ) لِلِاسْتِئْذَانِ، فَيَزِيد بِقَدْرِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ: وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ وَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: أَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَادِمِهِ «اُخْرُجْ إلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ فَقَالَ لَهُ قُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ حَمْدَانَ وَقِيلَ يَقُولُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَقَطْ ا هـ وَيَجْلِسُ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسِ لِلْأَخْبَارِ وَلَعَنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَلَسَ وَسَطَ الْحَلْقَةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ قَالَ فِي الْآدَابِ: يُتَوَجَّهُ: تَحْرِيمُ ذَلِكَ يُفَرَّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا لِلْحَدِيثِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.