فصل: (فَصْلٌ): دفع الزَّكَاةِ إلَى كَافِرٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): دفع الزَّكَاةِ إلَى كَافِرٍ:

(وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (إلَى كَافِرٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إجْمَاعًا وَحَدِيثُ مُعَاذٍ نَصٌّ فِيهِ، وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَلَمْ تَجِبْ لِلْكَافِرِ كَالنَّفَقَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ مُؤَلَّفًا) فَيُعْطَى عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى تَأْلِيفِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ) كَانَتْ (زَكَاةَ فِطْرٍ) فَلَا تُدْفَعُ إلَى كَافِرٍ كَزَكَاةِ الْمَالِ وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مَيْمُونٍ وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ: أَنَّهُمْ يُعْطُونَ مِنْهَا الرُّهْبَانَ.
(وَلَا) يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ (إلَى عَبْدٍ كَامِلِ الرِّقِّ، وَلَوْ كَانَ سَيِّدُهُ فَقِيرًا) لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَى سَيِّدِهِ، فَهُوَ غَنِيٌّ بِغِنَاهُ وَمَا يُدْفَعُ إلَيْهِ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ سَيِّدُهُ فَكَأَنَّهُ دُفِعَ إلَيْهِ.
(وَأَمَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ فَيَأْخُذُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ بِنِسْبَتِهِ مِنْ كِفَايَتِهِ) فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَأْخُذُ تَمَامَ نِصْفِ كِفَايَتِهِ وَهَكَذَا (مَا لَمْ يَكُنْ) الْعَبْدُ (عَامِلًا) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ يَسْتَحِقُّهَا سَيِّدُهُ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا) يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ (إلَى فَقِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ) تَصِلُ نَفَقَتُهُ إلَيْهَا لِاسْتِغْنَائِهَا بِذَلِكَ.
(وَلَا) يَجُوزُ دَفْعُهَا (إلَى عَمُودَيْ نَسَبِهِ فِي حَالٍ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ فِيهِ) عَلَيْهِ (أَوْ لَا تَجِبُ) نَفَقَتُهُمْ فِيهِ (وَرِثُوا أَوْ لَمْ يَرِثُوا، حَتَّى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْهُمْ) كَأَبِي الْأُمِّ وَوَلَدِ الْبِنْتِ، قَالَ أَحْمَدُ لَا يُعْطِي الْوَالِدَيْنِ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا الْوَلَدُ وَلَا وَلَدُ الْوَلَدِ وَلَا الْجَدُّ وَلَا الْجَدَّةُ وَلَا وَلَدُ الْبِنْتِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» يَعْنِي الْحَسَنَ، فَجَعَلَهُ ابْنَهُ لِأَنَّهُ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ اتِّصَالُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا عَادَةً فَيَكُونُ صَارِفًا لِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ.
(وَلَوْ) كَانَ أَحَدُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ أَخَذَ (فِي غُرْمٍ لِنَفْسِهِ) بِأَنْ تَدَايَنَ دَيْنًا ثُمَّ أَخَذَ وَفَاءَهُ مِنْ زَكَاةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، وَإِنْ عَلَا أَوْ نَزَلَ (أَوْ فِي كِتَابِهِ أَوْ كَانَ) أَحَدُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ (ابْنَ سَبِيلٍ) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ إنَّمَا يَأْخُذُونَ مَعَ الْفَقْرِ فَأَشْبَهَ الْأَخْذَ لِلْفَقْرِ (مَا لَمْ يَكُونُوا عُمَّالًا) عَلَى الزَّكَاةِ فَلَهُمْ الْأَخْذُ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أُجْرَةَ عَمَلِهِمْ، مَا لَوْ اُسْتُعْمِلُوا عَلَى غَيْرِ الزَّكَاةِ (أَوْ) يَكُونُوا (مُؤَلَّفَةً) فَيُعْطَوْنَ لِلتَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَشْبَهُوا الْأَجَانِبَ (أَوْ) يَكُونُوا (غُزَاةً) لِأَنَّ الْغُزَاةَ لَهُمْ الْأَخْذُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَأَشْبَهُوا الْعَامِلِينَ (أَوْ) يَكُونُوا (غَارِمِينَ) لِإِصْلَاحِ (ذَاتِ الْبَيْنِ) لِجَوَازِ أَخْذِهِمْ مَعَ غِنَاهُمْ، وَلِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ.
(وَلَا) يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ دَفْعُ زَكَاتِهَا (إلَى الزَّوْجِ) لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَيْهَا بِإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ دَفْعُ زَكَاتِهَا إلَى زَوْجِهَا؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ أَمْ لَا؟ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
(وَلَا) يَجُوزُ لِلزَّوْجِ دَفْعُ زَكَاتِهِ (إلَى الزَّوْجَةِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَتَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهَا كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا.
(وَلَوْ لَمْ تَكُنْ) الزَّوْجَةُ (فِي مُؤْنَتِهِ كَنَاشِزٍ) وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَؤَوَّلُ إلَى الْعَوْدِ فِي مُؤْنَتِهِ (وَكَذَا عَبْدُهُ الْمَغْصُوبُ) فَلَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَمَا فِي غَيْرِ حَالِ الْغَصْبِ.
(وَلَا لِبَنِي هَاشِمٍ كَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ) أَيْ بَنُو هَاشِمٍ (مَنْ كَانَ مِنْ سُلَالَةِ هَاشِمٍ فَدَخَلَ فِيهِمْ آلُ عَبَّاسِ) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (وَآلُ عَلِيٍّ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ) بَنِي أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
(وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَآلُ أَبِي لَهَبِ) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ وَإِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَخَذَ الْحَسَنُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِخْ كِخْ لِيَطْرَحَهَا وَقَالَ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَسَوَاءٌ أُعْطُوا مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ أَوْ لَمْ يُعْطَوْا لِعُمُومِ النُّصُوصِ؛ وَلِأَنَّ مَنْعَهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ لِشَرَفِهِمْ، وَشَرَفُهُمْ بَاقٍ فَيَبْقَى الْمَنْعُ (مَا لَمْ يَكُونُوا) أَيْ بَنُو هَاشِمٍ (غُزَاةً أَوْ مُؤَلَّفَةً أَوْ غَارِمِينَ لِذَاتِ الْبَيْنِ) فَلَهُمْ الْأَخْذُ لِذَلِكَ، لِجَوَازِ الْأَخْذِ لِذَلِكَ مَعَ الْغِنَى وَعَدَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ الْقَاضِي يَعْقُوبُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (جَوَازُ أَخْذِهِمْ إنْ مُنِعُوا الْخُمْسَ)؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةِ الْهَاشِمِيِّينَ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ.
(وَيَجُوزُ) دَفْعُ الزَّكَاةِ (إلَى وَلَدِ هَاشِمِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَقَالَهُ الْقَاضِي اعْتِبَارًا بِالْأَبِ) وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَجُوزُ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَلَا) يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ (لِمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ) وَهُمْ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، لِمَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا فَقَالَ: لَا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ فَانْطَلَقَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(وَيَجُوزُ) دَفْعُ الزَّكَاةِ (لِمَوَالِي مَوَالِيهِمْ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا مِنْ مَوَالِيهِمْ (وَلَهُمْ) أَيْ لِبَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ (الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ) لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مُنِعُوا مِنْ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهَا مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ كَمَا سَبَقَ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ (إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَإِنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ مُطْلَقًا فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَهَا كَانَ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ، وَعَلَامَاتِهَا، فَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِهِ فَرُوِيَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّ الَّذِي أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصَفَهُ لَهُ قَالَ: إنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ، ضَرَبَ بِيَدِهِ وَأَكَلَ مَعَهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَمَّا مُنِعُوا فَرْضَ الصَّدَقَةِ لِشَرَفِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَجَبَ أَنْ يُنَزَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْلِهَا وَفَرْضِهَا لِشَرَفِهِ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ تَمْيِيزًا لَهُ بِذَلِكَ كَمَا خُصَّ مَعَ خُمْسِ الْخُمْسِ بِالصَّفِيِّ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَبِالْإِسْهَامِ لَهُ مَعَ غَيْبَتِهِ مِنْ الْمَغَانِمِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَرِضَ، وَلَا أَنْ يُهْدَى لَهُ أَوْ يُنْظَرَ بِدَيْنِهِ، أَوْ يُوضَعَ عَنْهُ، أَوْ يَشْرَبَ مِنْ سِقَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمَارَّةِ، أَوْ يَأْوِيَ إلَى مَكَان جُعِلَ لِلْمَارَّةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ الَّتِي لَا غَضَاضَةَ فِيهَا، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهَا فِي حَقِّ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الصَّدَقَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» (وَ) لَبَنِي هَاشِمٍ غَيْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَخْذُ مِنْ (وَصَايَا الْفُقَرَاءِ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَمِنْ نَذْرٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الزَّكَاةِ وَالطُّهْرَةِ وَالْوُجُوبُ عَنْ الْآدَمِيِّ أَشْبَهَ الْهِبَةَ وَ(لَا) يَجُوزُ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ (كَفَّارَةٍ) لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ.
(وَلَا يَحْرُمُ) أَخْذُ الزَّكَاةِ (عَلَى أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ) وَلِلْأَصْحَابِ (كَمَوَالِيهِنَّ) لِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَعَدَمُ الْمُخَصِّصِ.
وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ بِسُفْرَةٍ مِنْ الصَّدَقَةِ فَرَدَّتْهَا وَقَالَتْ: إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ رَوَاهُ الْخَلَّالُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِنَّ وَلَمْ يُذْكَرْ مَا يُخَالِفُهُ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ الصَّدَقَةُ، وَأَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَرَدَّهُ الْمَجْدُ، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (إلَى سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ) أَوْ مَوَالِيهِ (مِمَّنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ لَهُ تَعْصِيبُ نَسَبٍ، أَوْ وَلَاءٍ كَأَخٍ وَابْنِ عَمٍّ) وَعَتِيقٍ، لِغِنَائِهِ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَلِأَنَّ نَفْعَهَا يَعُودُ إلَى الدَّافِعِ؛ لِكَوْنِهِ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْهُ كَعَبْدِهِ (مَا لَمْ يَكُونُوا عُمَّالًا، أَوْ غُزَاةً، أَوْ مُؤَلَّفَةً أَوْ مُكَاتَبِينَ أَوْ أَبْنَاءَ سَبِيلٍ، أَوْ غَارِمِينَ لِذَاتِ الْبَيْنِ) قَالَ الْمَجْدُ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ يُعْطَى لِغَيْرِ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ نَحْوَ كَوْنِهِ غَارِمًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ بِخِلَافِ عَمُودَيْ النَّسَبِ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ انْتَهَى، وَأَمَّا إذَا كَانُوا عُمَّالًا أَوْ غُزَاةً أَوْ مُؤَلَّفَةً فَتَقَدَّمَ أَنَّ عَمُودَيْ النَّسَبِ يُعْطَوْنَ لِذَلِكَ، فَهَؤُلَاءِ أَوْلَى (فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ وَالْآخَرُ لَا يَرِثُهُ، كَعَتِيقٍ وَمُعْتِقِهِ) فَإِنَّ الْمُعْتِقَ يَرِثُ الْعَتِيقَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ.
(وَ) ك (أَخَوَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ وَنَحْوُهُ) كَابْنِ ابْنٍ فَذٍّ، وَالِابْنُ يَرِثُ الْآخَرَ دُونَ عَكْسِهِ، وَكَعَمَّةٍ مَعَ ابْنِ أُخْتِهَا (فَالْوَارِثُ مِنْهُمَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، فَلَا يَدْفَعُ زَكَاتَهُ إلَى الْآخَرِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَغَيْرُ الْوَارِثِ يَجُوزُ) لَهُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ.
(وَلَا) يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ (إلَى فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ مُسْتَغْنِيَيْنِ بِنَفَقَةٍ لَازِمَةٍ) لِغِنَاهُمَا بِمَا يَجِبُ لَهُمَا عَلَى وَارِثِهِمَا، كَالزَّوْجَةِ (فَإِنْ تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ) عَلَى الزَّوْجَةِ الْفَقِيرَةِ أَوْ الْفَقِيرِ أَوْ الْمِسْكِينِ (مِنْ زَوْجٍ أَوْ قَرِيبٍ بِغَيْبَةٍ أَوْ امْتِنَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَنْ غُصِبَ مَالُهُ أَوْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُ عَقَارِهِ جَازَ) لَهُمْ (الْأَخْذُ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ.
(وَيَجُوزُ) دَفْعُ الزَّكَاةِ (إلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ) وَمَوَالِيهمْ لِعُمُومِ آيَةِ الصَّدَقَاتِ، خَرَجَ مِنْهُ بَنُو هَاشِمٍ بِالنَّصِّ فَيَبْقَى مَنْ عَدَاهُمْ عَلَى الْأَصْلِ وَلِأَنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ فِي دَرَجَةِ بَنِي أُمَيَّةَ وَهُمْ لَا تَحْرُمُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِمْ فَكَذَا هُمْ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُمْ أَشْرَفُ وَأَقْرَبُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُشَارَكَةُ بَنِي الْمُطَّلِبِ لَهُمْ فِي خُمْسِ الْخُمْسِ مَا اسْتَحَقُّوهُ بِمُجَرَّدِ الْقَرَابَةِ، بَلْ بِالنُّصْرَةِ، أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ «لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ» بِدَلِيلِ مَنْعِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ مَعَ مُسَاوَاتِهِمْ فِي الْقَرَابَةِ، وَالنُّصْرَةُ لَا تَقْتَضِي حِرْمَانَ الزَّكَاةِ.
(وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (الدَّفْعُ) مِنْهَا (إلَى ذَوِي أَرْحَامِهِ كَعَمَّتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ غَيْرَ عَمُودَيْ نَسَبِهِ) فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ، وَيَجُوزُ إعْطَاءُ ذَوِي الرَّحِمِ غَيْرَهُمْ.
(وَلَوْ وَرِثُوا) الْمُزَكِّيَ (لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ) لِكَوْنِهِمْ لَا يَرِثُونَ بِهَا مَعَ عَصَبَةٍ وَلَا ذِي فَرْضٍ غَيْرِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (وَإِنْ تَبَرَّعَ) الْمُزَكِّي (بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ) لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (أَوْ) بِنَفَقَةِ (يَتِيمٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ الْأَجَانِبِ (ضَمَّهُ إلَى عِيَالِهِ، جَازَ دَفْعُهَا إلَيْهِ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى.
(وَكُلُّ مَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِمَا سَبَقَ) كَكَوْنِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَوْ غَنِيًّا أَوْ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِ الْمُزَكِّي وَنَحْوِهِ (فَلَهُ قَبُولُهَا هَدِيَّةً مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْ أَهْلِهَا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ، لِعَامِلٍ أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى مِنْهَا لِغَنِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِمَّا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى أُمِّ عَطِيَّةَ وَقَالَ: «إنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحَلَّهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقِيسَ الْبَاقِي عَلَى ذَلِكَ.
(وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي) جَوَازِ (أَخْذِ الزَّكَاةِ) عِنْدَ وُجُودِ الْمُقْتَضَى (وَ) فِي (عَدَمِهِ) مَعَ الْمَانِعِ (سَوَاءٌ) لِلْعُمُومَاتِ مَعَ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ.
(وَالصَّغِيرُ) مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ (وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ كَالْكَبِيرِ) مِنْهُمْ لِلْعُمُومِ (فَيُصْرَفُ ذَلِكَ) أَيْ مَا يُعْطَاهُ مِنْ الزَّكَاةِ (فِي أُجْرَةِ رَضَاعِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) مِنْ مَصَالِحِهِ (وَيَقْبَلُ) لَهُ وَلِيُّهُ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ وَالنَّذْرَ وَالْهِبَةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ.
(وَيَقْبِضُ لَهُ) أَيْ لِلصَّغِيرِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الزَّكَاةِ (وَلَوْ مُمَيِّزًا مِنْ هِبَةٍ وَكَفَّارَةٍ) وَنَذْرٍ وَصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ (مَنْ يَلِي مَالَهُ وَهُوَ وَلِيُّهُ) فِي مَالِهِ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ (أَوْ وَكِيلُ وَلِيِّهِ الْأَمِينُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ وَلِيِّهِ.
(وَفِي الْمُغْنِي: يَصِحُّ قَبْضُ الْمُمَيِّز انْتَهَى، وَعِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ يَقْبِضُ لَهُ) أَيْ لِلصَّغِيرِ (مَنْ يَلِيهِ مِنْ أُمٍّ وَقَرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا نَصًّا) نَقَلَ هَارُونُ الْحَمَّالُ فِي الصِّغَارِ: يُعْطَى أَوْلِيَاؤُهُمْ، فَقُلْتُ: لَيْسَ لَهُمْ وَلِيٌّ قَالَ: يُعْطَى مَنْ يُعْنَى بِأَمْرِهِمْ وَنَقَلَ مُهَنَّا فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: يَقْبِضُ لَهُ وَلِيُّهُ قُلْت: لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ قَالَ: الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوَلَايَةِ.
(وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَّا لِمَنْ يَعْلَمُ) أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا (أَوْ يَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِهَا؛) لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَاحْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ لِتَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ، وَالظَّنُّ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ لِتَعَذُّرِ أَوْ عُسْرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ (فَلَوْ لَمْ يَظُنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ بَانَ مِنْ أَهْلِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ) الدَّفْعُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ هَجَمَ وَصَلَّى فَبَانَ فِي الْوَقْتِ (فَإِنْ دَفَعَهَا) أَيْ الزَّكَاةَ (إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِكُفْرٍ أَوْ شَرَفٍ) أَيْ لِكَوْنِهِ هَاشِمِيًّا أَوْ مَوْلًى لَهُ (أَوْ كَوْنِهِ عَبْدًا) غَيْرَ مُكَاتَبٍ وَلَا عَامِلٍ (أَوْ) لِكَوْنِهِ (قَرِيبًا) مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِ الْمُزَكِّي أَوْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ لِكَوْنِهِ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ (وَهُوَ لَا يَعْلَمُ) عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ (ثُمَّ عَلِمَ) ذَلِكَ (لَمْ يُجْزِئْهُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ وَلَا يَخْفَى حَالُهُ غَالِبًا فَلَمْ يُعْذَرْ بِجَهَالَتِهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ (وَيَسْتَرِدُّهَا رَبُّهَا بِزِيَادَتِهَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ) الزَّكَاةُ (فِي يَدِ الْقَابِضِ) لَهَا مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِمَا سَبَقَ (ضَمِنَهَا لِعَدَمِ مِلْكِهِ) لَهَا (بِهَذَا الْقَبْضِ وَهُوَ قَبْضٌ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُهُ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ (وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ) لِلزَّكَاةِ إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا (الْإِمَام أَوْ السَّاعِي ضَمِنَ) لِتَفْرِيطِهِ (إلَّا إذَا بَانَ) الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ (غَنِيًّا) فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا نَائِبِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْفَى غَالِبًا بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَنَحْوِهِ.
(وَالْكَفَّارَةُ كَالزَّكَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ) فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَّا لِمَنْ يَعْلَمُهُ أَوْ يَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا لَمْ تُجْزِئْهُ إلَّا لِغَنِيٍّ إذَا ظَنَّهُ فَقِيرًا.
(وَلَوْ دَفَعَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ إلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ) غِنَاهُ (لَمْ يَرْجِعْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ وَلَمْ يَفُتْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ إذَا دَفَعَهَا لِكَافِرٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إبْرَاءُ الذِّمَّةِ بِالزَّكَاةِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ (فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ يَظُنُّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا أَجْزَأَتْ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ الْجَلْدَيْنِ وَقَالَ: «وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» وَلَوْ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ انْتِفَاءِ الْغَنِيِّ لَمَا اكْتَفَى بِقَوْلِهَا؛ وَلِأَنَّ الْغِنَى يَخْفَى وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَنْ غَنِيٍّ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ تُقُبِّلَتْ فَلَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقَ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثَ».

.(فَصْلٌ): في صدقة التطوع:

(وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ مُسْتَحَبَّةٌ كُلَّ وَقْتٍ) إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِهَا وَرَغَّبَ فِيهَا وَحَثَّ عَلَيْهَا فَقَالَ {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَصْعَدُ إلَيْهِ إلَّا طَيِّبٌ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(وَ) صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ (سِرًّا أَفْضَلُ) مِنْهَا جَهْرًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ ذَكَرَ مِنْهُمْ رَجُلًا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَ(بِطِيبِ نَفْسٍ) أَفْضَلُ مِنْهَا بِدُونِهِ وَ(فِي الصِّحَّةِ) أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ» (وَفِي رَمَضَانَ) أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ فِي الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ إعَانَةً عَلَى أَدَاءِ فَرِيضَةِ الصَّوْمِ (و) فِي (أَوْقَاتِ الْحَاجَةِ) أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}.
(وَكُلِّ زَمَانٍ أَوْ مَكَان فَاضِلٍ كَالْعَشْرِ وَالْحَرَمَيْنِ) حَرَمِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَكَذَا الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى لِتَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ بِالْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ.
(وَهِيَ) أَيْ الصَّدَقَةُ (عَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» قَالَ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (لَا سِيَّمَا مَعَ الْعَدَاوَةِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَصِلُ مَنْ عَادَاكَ» (فَهِيَ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَرِيبِ أَفْضَلُ (ثُمَّ عَلَى جَارٍ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} وَلِحَدِيثِ «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخُصَّ بِالصَّدَقَةِ مَنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}.
(وَيُسْتَحَبُّ) صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ (بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ وَ) عَنْ (كِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ دَائِمًا بِ) سَبَبِ (مَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةِ مِلْكٍ) مِنْ ضَيْعَةٍ أَوْ عَقَارٍ (أَوْ وَقْفٍ أَوْ ضَيْعَةٍ) أَوْ عَطَاءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
(وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، أَوْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَرِيمِهِ أَوْ كَفَالَتِهِ) أَيْ كَفَالَةٍ فِي مَالٍ أَوْ بَدَنٍ (أَثِمَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَكَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ، فَقَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد فَإِنْ وَافَقَهُ عِيَالُهُ عَلَى الْإِيثَارِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
(وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَهُوَ وَحْدَهُ) أَيْ لَا عِيَالَ لَهُ (وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ) أَيْ الثِّقَةِ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ وَالْيَأْسِ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ (وَالصَّبْرَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، أَيْ يُسْتَحَبُّ) لَهُ ذَلِكَ.
(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) مِنْ نَفْسِهِ (ذَلِكَ) أَيْ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ، (حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَيُمْنَعُ مِنْهُ وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ) لِتَبْذِيرِهِ رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْسَرِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ فَحَذَفَهُ بِهَا، فَلَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ، أَوْ لَعَقَرَتْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ، خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَةٍ «خُذْ مَالَكَ عَفَاءً لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ» (وَإِنْ كَانَ لَهُ عَائِلَةٌ، وَلَهُمْ كِفَايَةٌ أَوْ يَكْفِيهِمْ بِمَكْسَبِهِ جَازَ لِقِصَّةِ الصِّدِّيقِ) أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ أَنَّهُ «جَاءَ بِجَمِيعِ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ فَقَالَ: اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَكَانَ تَاجِرًا ذَا مَكْسَبٍ» فَإِنَّهُ قَالَ حِين وُلِّيَ: قَدْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّ مَكْسَبِي لَمْ يَكُنْ يَعْجَزُ عَنْ مُؤْنَةِ عِيَالِي وَهَذَا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِفَايَةٌ وَلَمْ يَكْفِهِمْ بِمَكْسَبِهِ (فَلَا) يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ».
(وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أَوْ لَا عَادَةَ لَهُ بِهِ) أَيْ بِالضِّيقِ (أَنْ يَنْقُصَ عَنْ نَفْسِهِ الْكِفَايَةَ التَّامَّةَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّقْتِيرَ وَالتَّضْيِيقَ مَعَ الْقُدْرَةِ شُحٌّ وَبُخْلٌ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَتَعَوَّذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَفِيهِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
(وَالْفَقِيرُ لَا يَقْتَرِضُ وَيَتَصَدَّقُ) لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي فَقِيرٍ لِقَرِيبِهِ وَلِيمَةٌ يَسْتَقْرِضُ، وَيُهْدِي لَهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ظَنَّ وَفَاءً.
(وَوَفَاءُ الدَّيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الصَّدَقَةِ) لِوُجُوبِهِ.
(وَتَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْغَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا) مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ مُنِعَ الزَّكَاةَ (وَلَهُمْ أَخْذُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} وَلَمْ يَكُنْ الْأَسِيرُ يَوْمَئِذٍ إلَّا كَافِرًا وَكَسَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا حُلَّةً كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَاهُ إيَّاهَا «وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ صِلِي أُمَّكِ»، وَكَانَتْ قَدِمَتْ عَلَيْهَا مُشْرِكَةً.
(وَيُسْتَحَبُّ التَّعَفُّفُ فَلَا يَأْخُذُ الْغَنِيُّ صَدَقَةً وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا) لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى مَدَحَ الْمُتَعَفِّفِينَ عَنْ السُّؤَالِ مَعَ وُجُودِ حَاجَتِهِمْ، فَقَالَ: «يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ» (فَإِنْ أَخَذَهَا) الْغَنِيُّ (مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَالتَّغْرِيرِ وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» وَفِي لَفْظٍ: «إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ فِيهِ وَفِي بُطْلَانِ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْإِحْبَاطَ بِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ.
(وَمَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ وَكَّلَ فِي ذَلِكَ) أَيْ الصَّدَقَةِ بِهِ (ثُمَّ بَدَا لَهُ) أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهِ (اُسْتُحِبَّ أَنْ يُمْضِيَهُ) وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَبْضِهَا، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَخْرَجَ طَعَامًا لِسَائِلٍ فَلَمْ يَجِدْهُ عَزَلَهُ حَتَّى يَجِيءَ آخَرُ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ.
(وَيَتَصَدَّقُ بِالْجَيِّدِ، وَلَا يَقْصِدُ الْخَبِيثَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}.
(وَأَفْضَلُهَا) أَيْ الصَّدَقَةِ (جَهْدُ الْمُقِلِّ) لِحَدِيثِ «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جَهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ إلَى فَقِيرٍ فِي السِّرِّ» وَلَا يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» إذْ الْمُرَادُ جَهْدُ الْمُقِلِّ بَعْدَ حَاجَةِ عِيَالِهِ وَمَا يَلْزَمُهُ فَهِيَ جَهْدُهُ، وَعَنْ ظَهْرِ غِنًى مِنْهُ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةٍ عَنْ ظَهْرِ غِنًى لَيْسَتْ جَهْدَ مُقِلٍّ.
تَتِمَّةٌ:
لَا يُسَنُّ إبْدَالُ مَا أَعْطَى سَائِلًا فَسَخِطَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ سَأَلَ فَأُعْطِي فَقَبَضَهُ فَسَخِطَهُ لَمْ يُعْطَ لِغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، فَإِنْ صَحَّ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَهُ عُقُوبَةً وَيُحْتَمَلُ أَنَّ سُخْطَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَارُ تَمَلُّكَهُ فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ عَلَى أَصْلِنَا كَبِيَعِ التَّلْجِئَةِ، وَيَتَوَجَّهُ فِي الْأَظْهَرِ: أَنَّ أَخْذَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ وَأَنَّ أَخْذَهَا سِرًّا أَوْلَى.