فصل: فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ:

شَابَّةً كَانَتْ أَوْ عَجُوزًا مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَدُونَهَا: وُجُودُ مَحْرَمٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلَا يُدْخَلُ عَلَيْهَا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ: اُخْرُجْ مَعَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا مَحْرَمٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَلَهُ أَيْضًا ثَلَاثًا، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَنْشَأَتْ سَفَرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَالزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ، (وَكَذَا يُعْتَبَرُ) الْمَحْرَمُ (لِكُلِّ سَفَرٍ يُحْتَاجُ فِيهِ مَحْرَمٌ) أَيْ: لِكُلِّ مَا يُعَدُّ سَفَرًا عُرْفًا، وَ(لَا) يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ إذَا خَرَجَتْ (فِي أَطْرَافِ الْبَلَدِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْف) عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ (وَهُوَ) أَيْ الْمَحْرَمُ (مُعْتَبَرٌ لِمَنْ لِعَوْرَتِهَا حُكْمٌ وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ)؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّهْوَةِ بِخِلَافِ مَنْ دُونَهَا.
(قَالَ الشَّيْخُ: وَأَمَّا الْإِمَاءُ فَيُسَافِرْنَ مَعَهَا) تَبَعًا لَهَا (وَلَا يَفْتَقِرْنَ إلَى مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ انْتَهَى وَيَتَوَجَّهُ فِي عُتَقَائِهَا مِنْ الْإِمَاءِ مِثْلُهُ عَلَى مَا قَالَ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مِنْ أَنَّهُ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ وَيَمْلِكْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِالْعِتْقِ.
(قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ (اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِ لِلْكُلِّ) أَيْ: الْأَحْرَارِ وَإِمَائِهِنَّ وَعُتَقَائِهِنَّ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ الْمَحْرَمِ لِلْمَذْكُورَاتِ (كَعَدَمِ الْمَحْرَمِ لِلْحُرَّةِ) الْأَصْلِ فَلَا يُبَاحُ لَهَا السَّفَرُ بِغَيْرِهِ مُطْلَقًا.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخُنْثَى كَالرَّجُلِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ، (وَالْمَحْرَمُ) هُنَا (زَوْجُهَا) سُمِّيَ مَحْرَمًا مَعَ كَوْنِهَا تَحِلُّ لَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ صِيَانَتِهَا وَحِفْظِهَا مِنْ إبَاحَةِ الْخَلْوَةِ بِهَا بِسَفَرِهِ مَعَهَا (أَوْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ) كَالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ (أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ) كَزَوْجِ أُمِّهَا وَابْنِ زَوْجِهَا وَأَبِيهِ وَأَخِيهَا مِنْ رَضَاعٍ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ لِحُرْمَتِهَا، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ سَبَبٍ مُبَاحٍ نِسَاءُ النَّبِيِّ؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَسْنَا مَحَارِمُ لَهُنَّ إلَّا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ أَوْ مُصَاهَرَةٌ كَذَلِكَ، وَحُكْمُهُنَّ وَإِنْ كَانَ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِنَّ، لَكِنْ قُصِدَ بَيَانُ خُصُوصِيَّتِهِنَّ وَفَضِيلَتِهِنَّ.
(وَخَرَجَ بِهِ) أَيْ: بِقَوْلِهِ: مُبَاحٌ (أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا وَبِنْتُهَا) أَيْ بِنْتُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فَلَيْسَ الْوَاطِئُ لَهُنَّ مَحْرَمًا لِعَدَمِ إبَاحَةِ السَّبَبِ، (وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِحُرْمَتِهَا: الْمُلَاعَنَةُ فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ) أَيْ: الْمَلَاعِنِ (عُقُوبَةً وَتَغْلِيظًا لِحُرْمَتِهَا) فَلَا يَكُونُ الْمَلَاعِنُ مَحْرَمًا لَهَا (إذَا كَانَ ذَكَرًا).
فَأُمُّ الْمَرْأَةِ وَبِنْتُهَا: لَيْسَتْ مَحْرَمًا لَهَا (بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا) فَمَنْ دُونَ بُلُوغٍ وَالْمَجْنُونُ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحِفْظِ، وَالْكَافِرُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْحَضَانَةِ وَكَالْمَجُوسِيِّ لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهَا وَلَا تُعْتَبَرُ الْحُرِّيَّةُ فَلِهَذَا قَالَ: (وَلَوْ عَبْدًا) وَهُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ وَلَدِ زَوْجِهَا أَوْ أَبُوهُ وَنَحْوِهِ (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ: الْمَحْرَمِ إذَا سَافَرَ مَعَهَا (عَلَيْهَا)؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا (وَلَوْ كَانَ مَحْرَمُهَا زَوْجَهَا) فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْحَضَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا زَادَ فَعَلَيْهَا (فَيُعْتَبَرُ أَنْ تَمْلِكَ زَادًا أَوْ رَاحِلَةً لَهُمَا) أَيْ: لَهَا وَلِمَحْرَمِهَا صَالِحَيْنِ لِمِثْلِهِمَا.
(وَلَوْ بَذَلَتْ النَّفَقَةَ) لِمَحْرَمِهَا (لَمْ يَلْزَمْهُ السَّفَرُ مَعَهَا) لِلْمَشَقَّةِ كَحَجَّةٍ عَنْ مَرِيضَةٍ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الزَّوْجُ بِأَنْ يُسَافِرَ مَعَ زَوْجَتِهِ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ أَوْ أَمْرُ تَخْيِيرٍ، وَعُلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ أَنْ يُسَافِرَ مَعَهَا (وَكَانَتْ) مَنْ امْتَنَعَ مَحْرَمُهَا مِنْ السَّفَرِ مَعَهَا (كَمَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (وَلَيْسَ الْعَبْدُ مَحْرَمًا لِسَيِّدَتِهِ) نَصًّا (مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَالِكَةً لَهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «: سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَبْدِهَا ضَيْعَةٌ»؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا، وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا.
(وَلَوْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا)؛ لِأَنَّهُ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (فَلَوْ حَجَّتْ) الْمَرْأَةُ (بِغَيْرِ مَحْرَمٍ حَرُمَ) عَلَيْهَا ذَلِكَ (وَأَجْزَأَ) هَا الْحَجُّ وِفَاقًا، كَمَنْ حَجَّ وَقَدْ تَرَكَ حَقًّا يَلْزَمُهُ مِنْ دَيْنٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْعُمْرَةُ.
(وَيَصِحُّ) الْحَجُّ (مِنْ مَغْصُوبٍ وَ) مِنْ (أَجِيرِ خِدْمَةٍ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا وَمِنْ تَاجِرٍ) وَقَاصِدٍ رُؤْيَةَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ أَوْ النُّزْهَةَ وَنَحْوِهِ (وَيَأْتِي وَلَا إثْمَ) عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}.
(وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ الْإِخْلَاصِ) فِي الْعَمَلِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (وَإِنْ مَاتَ الْمَحْرَمُ قَبْلَ خُرُوجِهَا) لِلسَّفَرِ (لَمْ تَخْرُجْ) بِلَا مَحْرَمٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ السَّفَرِ بِلَا مَحْرَمٍ.
(وَ) إنْ مَاتَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِهَا (فَإِنْ كَانَ) مَاتَ (قَرِيبًا رَجَعَتْ)؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْحَاضِرَةِ، (وَإِنْ كَانَ) مَاتَ (بَعِيدًا مَضَتْ) فِي سَفَرِهَا لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِالرُّجُوعِ شَيْئًا لِكَوْنِهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ.
(وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ إقَامَتِهَا بِبَلَدٍ)؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الرُّجُوعِ (وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةً)؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِالتَّحَلُّلِ زَوَالَ مَا بِهَا كَالْمَرِيضِ، (لَكِنْ إنْ كَانَ حَجُّهَا تَطَوُّعًا وَأَمْكَنَهَا الْإِقَامَةُ بِبَلَدٍ فَهُوَ أَوْلَى) مِنْ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ.
(وَإِنْ كَانَ الْمَحْرَمُ الْمَيِّتُ زَوْجُهَا فَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ فِي الْعِدَدِ) مُفَصَّلًا.
(وَمَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ) عَلَيْهِ حَجَّةُ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا، (وَلَا نَذْرُهُ وَلَا نَافِلَتُهُ) أَيْ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِنَذْرٍ وَلَا نَافِلَةٍ مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ.
(فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَافِلَةٍ إذَنْ (انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ: «هَذِهِ عَنْك وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ»، وَقَوْلُهُ: أَوَّلًا حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ أَيْ: اسْتَدِمْهُ كَقَوْلِك لِلْمُؤْمِنِ: آمِنٌ؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ مُلْغَاةٌ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَجَابَ الْقَاضِي عَنْهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ التَّلْبِيَةَ لِقَوْلِهِ: هَذِهِ عَنْك وَلَمْ يَجُزْ فَسْخُ حَجٍّ إلَى حَجٍّ، وَرَدَّ النَّائِبُ (مَا أَخَذَ) مِنْ غَيْرِهِ لِيَحُجَّ عَنْهُ لِعَدَمِ إجْزَاءِ حَجِّهِ عَنْهُ وَوُقُوعِهِ عَنْ نَفْسِهِ.
(وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِي ذَلِكَ) فَمَنْ عَلَيْهِ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ أَوْ قَضَاءٌ أَوْ نَذْرٌ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَعْتَمِرَ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا نَذْرِهِ وَلَا نَافِلَتِهِ.
(وَمَنْ أَتَى بِوَاجِبِ أَحَدِهِمَا) بِأَنْ يَأْتِيَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ عُمْرَتِهِ (فَلَهُ فِعْلُ نَذْرِهِ وَنَفْلِهِ) أَيْ: مَا أَتَى بِوَاجِبِهِ قَبْلَ الْآخَرِ، فَمَنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَهُ أَنْ يَحُجَّ نَذْرًا وَنَفْلًا قَبْلَ أَنْ يَعْتَمِرَ، وَمَنْ اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْإِسْلَامِ فَلَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ نَذْرًا وَنَفْلًا قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ (وَحُكْمُ النَّائِبِ كَالْمَنُوبِ عَنْهُ) فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ (فَلَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ عَمَّنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَقَعَ) إحْرَامُهُ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ قَضَاءٍ أَوْ حَجَّةُ نَذْرٍ وَأَحْرَمَ بِنَفْلٍ.
(وَلَوْ اسْتَنَابَ عَنْهُ) الْمَعْضُوبُ (أَوْ) اسْتَنَابَ وَارِثٌ (عَنْ مَيِّتٍ وَاحِدٍ فِي فَرْضِهِ وَآخَرُ فِي نَذْرِهِ فِي سَنَةٍ) وَاحِدَةٍ جَازَ، وَزَعَمَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ، (وَيُحْرِمُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْأُخْرَى، وَأَيُّهُمَا أَحْرَمَ أَوَّلًا فَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ) أَحْرَمَ (الْآخَرُ عَنْ نَذْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ: يَنْوِ الثَّانِي أَنَّهَا عَنْ النَّذْرِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ فِي الْحَجِّ لِانْعِقَادِهِ مُبْهَمًا ثُمَّ يُعَيِّنُ.
(وَيَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ الرَّجُلُ عَنْ الْمَرْأَةِ وَ) أَنْ تَنُوبَ (الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) بِلَا كَرَاهَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَأَنْ يَنُوبَ فِي الْحَجِّ مَنْ أَسْقَطَهُ عَنْ نَفْسِهِ) بِأَنْ حَجَّ (مَعَ بَقَاءِ الْعُمْرَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَأَنْ يَنُوبَ فِي الْعُمْرَةِ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْ نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ الْحَجِّ فِي ذِمَّتِهِ)؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ.
(وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ فِي نُسُكٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَسْقَطَهُ عَنْ نَفْسِهِ) كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ كَذَلِكَ.
(وَيَصِحُّ الِاسْتِنَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَفِي بَعْضِهِ لِقَادِرٍ) عَلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ كَالصَّدَقَةِ؛ وَلِأَنَّهَا حَجَّةٌ لَا تَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا كَالْمَعْضُوبِ.
(وَمَنْ أَوْقَعَ) نُسُكًا (فَرْضًا أَوْ نَفْلًا عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ أَوْ) أَوْقَعَ نُسُكًا (لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَأَمْرِهِ بِحَجٍّ فَيَعْتَمِرُ، وَعَكْسُهُ) بِأَنْ يُؤْمَرَ بِالِاعْتِمَارِ فَيَحُجُّ (لَمْ يَجُزْ) عَنْ الْحَيِّ (كَزَكَاةٍ) أَيْ: كَإِخْرَاجِ زَكَاةِ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ، (وَيَرُدُّ) الْمَأْمُورُ الْمُخَالِفُ فِيمَا تَقَدَّمَ (مَا أَخَذَهُ) مِنْ الْآمِرِ؛ لِعَدَمِ فِعْلِهِ مَا أَخَذَ الْعِوَضَ لِأَجْلِهِ.
(وَيَقَعُ) الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ (عَنْ الْمَيِّتِ وَلَا إذْنَ لَهُ) وَلَا لِوَارِثِهِ (كَالصَّدَقَةِ) عَنْهُ؛ وَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَشْبِيهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالدَّيْنِ.
(وَيَتَعَيَّنُ النَّائِبُ بِتَعْيِينِ وَصِيٍّ جُعِلَ إلَيْهِ التَّعْيِينُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوصِي، (فَإِنْ أَبَى) الْوَصِيُّ التَّعْيِينَ عَيَّنَ غَيْرَهُ كَوَارِثٍ أَوْ حَاكِمٍ، وَكَذَا لَوْ أَبَى مُوصًى إلَيْهِ بِحَجٍّ عَيَّنَ غَيْرَهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِإِبَائِهِ، (وَيَكْفِي النَّائِبُ أَنْ يَنْوِيَ النُّسُكَ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ) لَهُ، (وَلَا تُعْتَبَرُ تَسْمِيَتُهُ لَفْظًا نَصًّا وَإِنْ جَهِلَ) النَّائِبُ (اسْمَهُ أَوْ نَسِيَهُ لَبَّى عَمَّنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ) لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِذَلِكَ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا مَيِّتَيْنِ أَوْ عَاجِزَيْنِ، زَادَ بَعْضُهُمْ إنْ لَمْ يَحُجَّا وَيُقَدِّمُ أُمَّهُ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ، وَيُقَدِّمُ وَاجِبَ أَبِيهِ عَلَى فِعْلِهَا) لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ وَالِدِيهِ يُقْبَلُ عَنْهُ وَعَنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ، وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْبَقَّالُ: ضَعِيفَانِ.
، وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «: مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» ضَعِيفٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
تَتِمَّةٌ:
النَّائِبُ أَمِينٌ فِيمَا أُعْطِيَهُ لِيَحُجَّ مِنْهُ فَيَرْكَبُ وَيُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ وَتُحْسَبُ لَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ، وَلَوْ طَالَتْ إقَامَتُهُ بِمَكَّةَ مَا لَمْ يَتَّخِذْهَا دَارًا فَإِنْ اتَّخَذَهَا دَارًا وَلَوْ سَاعَةً فَلَا نَفَقَةَ لِرُجُوعِهِ، وَلَهُ أَيْضًا نَفَقَةُ خَادِمِهِ إنْ لَمْ يَخْدُمْ نَفْسَهُ مِثْلُهُ بِمَا اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ وَبِمَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّةِ رُجُوعِهِ وَمَا لَزِمَهُ بِمُخَالَفَتِهِ فَمِنْهُ، وَلَوْ مَاتَ أَوْ أَحُصِرَ أَوْ مَرِضَ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ لَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ لِمَا أَنْفَقَ نَصًّا.
وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَمْ يَقَعْ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ وَكَذَا إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِتَفْرِيطِهِ، وَإِلَّا اُحْتُسِبَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ، وَإِنْ مَرِضَ فِي الطَّرِيقِ فَعَادَ فَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَا تَفْرِيطَ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَافَ الْمَرَضَ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَهِّمٌ وَدَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ إنْ أَذِنَ فِيهِمَا وَإِلَّا فَعَلَى النَّائِبِ كَجِنَايَتِهِ، وَإِذَا أَمَرَهُ بِحَجٍّ فَتَمَتَّعَ أَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ فَإِنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ بِالْحَجِّ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَصًّا، وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ وَيَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فِيمَا بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَقَعُ فِعْلُهُ عَنْ الْأَمْرِ، وَيَرُدُّ جَمِيعَ النَّفَقَةِ، وَإِنْ أُمِرَ بِالْإِفْرَادِ فَقَرَنَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، وَيَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ الْعُمْرَةِ إنْ أَمَرَهُ بِهَا وَلَمْ يَفْعَلْ.
وَإِنْ أَمَرَهُ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ وَقَعَ عَنْ الْأَمْرِ وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ وَإِنْ أَفْرَدَ: وَقَعَ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ أَيْضًا، وَيَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْقِرَانِ فَأَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ صَحَّ وَوَقَعَا عَنْ الْآمِرِ، وَيَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْ إحْرَامِ النُّسُكِ الَّذِي تَرَكَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ بِالنُّسُكَيْنِ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ رَدَّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ وَوَقَعَ الْمَفْعُولُ عَنْ الْآمِرِ لِلنَّائِبِ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِهِ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ مُلَخَّصًا.

.فَصْلٌ: في الإسراع بالحج:

وَمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُبَادِرْ، فَعَلَى كُلِّ خَيْرٍ مَانِعٌ، (وَلْيَجْتَهِدْ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) بِرَدِّهَا لِأَرْبَابِهَا، وَكَذَلِكَ الْوَدَائِعُ وَالْعَوَارِيّ وَالدُّيُونُ، وَيَسْتَحِلُّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ ظُلَامَةٌ، وَيَسْتَمْهِلُ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَتِهِ، (وَيَجْتَهِدُ فِي رَفِيقٍ صَالِحٍ) يَكُونُ لَهُ عَوْنًا لَهُ عَلَى نَصَبِهِ وَأَدَاءِ نُسُكِهِ، يَهْدِيهِ إذَا ضَلَّ وَيُذَكِّرُهُ إذَا نَسِيَ، (وَإِنْ تَيَسَّرَ أَنْ يَكُونَ) الرَّفِيقُ (عَالِمًا فَلْيَسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ: رِكَابِهِ لِيَكُونَ سَبَبًا فِي بُلُوغِهِ رُشْدَهُ، (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَدْعُو بَعْدَهُمَا بِدُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ) قَبْلَ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِخَارَةِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ.
(وَيَسْتَخِيرُ: هَلْ يَحُجُّ الْعَامَ أَوْ غَيْرَهُ إنْ كَانَ الْحَجُّ نَفْلًا أَوْ لَا يَحُجُّ؟)، وَأَمَّا الْفَرْضُ فَوَاجِبٌ فَوْرًا (وَيُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا دِينِي وَأَهْلِي وَمَالِي وَوَلَدِي وَدِيعَةً عِنْدَك، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْل وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ) قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ وَغَيْرُهُ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ: يَدْعُو قَبْل السَّلَامِ أَفْضَلُ) مِنْهُ بَعْدَ السَّلَامِ (وَيَخْرُجُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ وَغَيْرُهُ: أَوْ) يَوْمَ (اثْنَيْنِ، وَيُبَكِّرُ) فِي خُرُوجِهِ (وَيَقُولُ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا) مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»، (أَوْ دَخَلَ بَلَدًا مَا وَرَدَ) وَمِنْهُ «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرْضِينَ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ أَسْأَلُك خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا»، وَيَقُول أَيْضًا إذَا رَكِبَ، وَنَحْوُهُ مَا وَرَدَ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَذَكَرْت مِنْهُ جُمْلَةً فِي كِتَابِي: نَصِيحَةُ النَّاسِكِ بِبَيَانِ أَحْكَامِ الْمَنَاسِكِ.

.بَابُ الْمَوَاقِيتِ:

(وَهِيَ) جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ لُغَةً الْحَدُّ، وَشَرْعًا (مَوَاضِعُ وَأَزْمِنَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِعِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ) وَقَدْ بَدَأَ بِالْمَوَاضِعِ فَقَالَ: (وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ (وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشْرُ مَرَاحِلَ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ) أَوْ سَبْعَةٌ، وَتُعْرَفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ.
(وَ) مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ وَ(أَهْلِ مِصْرَ وَ) أَهْلِ الْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ.
(وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ) جَامِعَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ اسْمُهَا: مَهْيَعَةَ فَجَحَفَ السَّيْلُ بِأَهْلِهَا فَسُمِّيَتْ الْجُحْفَةَ وَهِيَ (خَرِبَةٌ بِقُرْبِ رَابِغٍ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ النَّاسُ الْآنَ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى مَكَّةَ، وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ رَابِغٍ فَقَدْ أَحْرَمَ قَبْلَ مُحَاذَاةِ الْجُحْفَةِ بِيَسِيرٍ)، وَتَلِي ذَا الْحُلَيْفَةِ فِي الْبُعْدِ (بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ وَقِيلَ: أَكْثَرُ) وَهِيَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْبَحْرِ وَثَمَانِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ (وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ) مِنْ الْمَوَاقِيتِ (بَيْنَ كُلٍّ مِنْهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ)، فَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَقَارِبَةٌ.
(وَ) مِيقَاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى يَمِينِ الْكَعْبَةِ مِنْ بِلَادِ الْغَوْرِ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ يَمَنِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ وَيَمَانٍ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ، يَلَمْلَمُ وَيُقَالُ: أَلَمْلَمُ، لُغَتَانِ، وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ.
(وَ) (مِيقَاتِ أَهْلِ نَجْدٍ الْيَمَنُ وَ) أَهْلُ (نَجْدٍ الْحِجَازُ)، قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: وَهُوَ مَا بَيْنَ جَرْشِ الْمَاءِ إلَى سَوَادِ الْكُوفَةِ، وَكُلُّهَا مِنْ عَمَلِ الْيَمَامَةِ.
وَقَالَ ابْنُ خَطِيبِ الدَّهْشَةِ: وَأَوَّلُهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَآخِرُهُ سَوَادُ الْعِرَاقِ، (وَ) أَهْلِ (الطَّائِفِ: قَرْنٌ) وَهُوَ جَبَلٌ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَيُقَالُ لَهُ: قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ.
(وَ) مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ: ذَاتُ عِرْقٍ وَهِيَ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ قَدِيمَةٌ مِنْ عَلَامَاتِهَا الْمَقَابِرُ الْقَدِيمَةُ وَعِرْقٌ هُوَ الْجَبَلُ الْمُشْرِفُ عَلَى الْعَقِيقِ.
وَفِي الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: ذَاتُ عِرْقٍ مَنْزِلٌ مَعْرُوفٌ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ عِرْقًا وَهُوَ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ وَقِيلَ: الْعِرْقُ: الْأَرْضُ السَّبِخَةُ تُنْبِتُ الطَّرْفَاءَ، (وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ كُلُّهَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «وَقَّتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ،.
وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ خَفِيَ النَّصُّ فَوَافَقَهُ بِرَأْيِهِ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلصَّوَابِ وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ وَهُوَ وَادٍ قَبْلَ ذَاتِ عِرْقٍ بِمَرْحَلَةٍ أَوْ مَرْحَلَتَيْنِ يَلِي الشَّرْقَ» تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ شِيعِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَاتُ عِرْقٍ مِيقَاتُهُمْ بِإِجْمَاعٍ (وَالْأَفْضَلُ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَبْعَدُ عَنْ مَكَّةَ) احْتِيَاطًا.
(وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ مِنْ الطَّرَفِ الْأَقْرَبِ مِنْ مَكَّةَ جَازَ) لِإِحْرَامِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ (فَهِيَ) أَيْ: الْمَوَاقِيتُ السَّابِقَةُ (لِأَهْلِهَا الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ) وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً.
(فَإِنْ مَرَّ الشَّامِيُّ أَوْ الْمَدَنِيُّ أَوْ غَيْرُهُمَا) كَالْمِصْرِيِّ (عَلَى غَيْرِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ) كَالشَّامِيِّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ (فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِيقَاتَهُ وَمِنْ مَنْزِلِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ أَيْ: بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ) كَأَهْلِ خُلَيْصٍ وَعُسْفَانَ (فَمِيقَاتُهُ: مِنْ مَوْضِعِهِ) لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ (فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْزِلَانِ جَازَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَى مَكَّةَ وَالْأَوْلَى) أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَرَفَيْ الْمِيقَاتِ (وَأَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ بِهَا) أَيْ: بِمَكَّةَ (مِنْ غَيْرِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا فِي مَكَّةَ أَوْ فِي الْحَرَمِ) كَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ.
(إذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ فَمِنْ الْحِلِّ)؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ كُلَّهَا فِي الْحَرَمِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى عَرَفَةَ فَيَحْصُلُ الْجَمْعُ وَمِنْ أَيِّ الْحِلِّ أَحْرَمَ جَازَ (وَمِنْ التَّنْعِيمِ أَفْضَلُ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ.
(وَهُوَ) أَيْ: التَّنْعِيمُ (أَدْنَاهُ) أَيْ: أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ وَقَالَ أَحْمَدُ كُلَّمَا تَبَاعَدَ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ وَفِي التَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ: الْجِعْرَانَةُ لِاعْتِمَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا (وَيَأْتِي آخِرَ صِفَةِ الْحَجِّ) عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى صِفَةِ الْعُمْرَةِ (فَإِنْ أَحْرَمُوا) أَيْ أَهْلُ مَكَّةَ وَحَرَمِهَا (وَحَرَمِهَا مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ انْعَقَدَ) إحْرَامُهُمْ بِالْعُمْرَةِ لِأَهْلِيَّتِهِمْ لَهُ وَمُخَالِفَةُ الْمِيقَاتِ لَا تَمْنَعُ الِانْعِقَادَ كَمَنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الْمِيقَاتِ (وَفِيهِ دَمٌ) لِمُخَالِفَةِ الْمِيقَاتِ كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ.
(ثُمَّ إنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ إتْمَامِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ (وَلَوْ بَعْدَ الطَّوَافِ) أَجْزَأَتْهُ عُمْرَتُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمَحَلِّ الْمَشْرُوعِ لَهُ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ النُّسُكِ (وَكَذَا) تُجْزِيهِ الْعُمْرَةُ (إنْ لَمْ يَخْرُجُ) إلَى الْحِلِّ لِمَا سَبَقَ (قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي قَالَ الشَّيْخُ وَالزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ إذْ فَوَاتُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ)؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ لَيْسَ شَرْطًا.
(فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ) أَوْ الْحَرَمِ (قَارِنًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ) لِأَجْلِ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ تَغْلِيبًا لِلْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ لِانْدِرَاجِهَا فِيهِ وَسُقُوطِ أَفْعَالِهَا (وَإِنْ أَرَادُوا) أَيْ: الَّذِينَ بِمَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ (الْحَجَّ) فَإِنَّهُمْ (يُحْرِمُونَ مِنْ مَكَّةَ مَكِّيًّا كَانَ) الْحَاجُّ (أَوْ غَيْرَهُ إذَا كَانَ فِيهَا) أَيْ: مَكَّةَ (مِنْ حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا) لِقَوْلِ جَابِرٍ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ مِنْ الْأَبْطَحِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَنَصُّهُ) فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ.
وَفِي الْإِيضَاحِ وَالْمُبْهِجِ: (مِنْ تَحْتِ الْمِيزَابِ) وَيُسَمَّى الْحَطِيمُ.
(وَيَجُوزُ) إحْرَامُهُ (مِنْ سَائِرِ الْحَرَمِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يَجُوزُ إحْرَامُهُ (مِنْ الْحِلِّ كَالْعُمْرَةِ) وَكَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَمَنَعَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وُجُوبَ إحْرَامِهِ مِنْ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِهِ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ عَلَى مِيقَاتٍ) مِنْ الْمَوَاقِيتِ السَّابِقَةِ كَعِيدَانِ فَإِنَّهَا فِي طُرُقِ الْعَرَبِ (أَوْ عَرَجَ عَنْ الْمِيقَاتِ) بِأَنْ مَشَى فِي طَرِيقٍ لَا تَمُرُّ عَلَيْهِ.
(فَإِذَا حَاذَى أَقْرُبَ الْمَوَاقِيتِ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى طَرِيقِهِ (أَحْرَمَ) لِقَوْلِ عُمَرَ اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ قَدِيدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَالتَّقْدِيرِ فَإِذَا اشْتَبَهَ دَخَلَهُ الِاجْتِهَادُ كَالْقِبْلَةِ.
(وَيُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ مَعَ جَهْلِ الْمُحَاذَاةِ) إذْ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ جَائِزٌ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ حَرَامٌ (فَإِنْ تَسَاوَيَا) أَيْ: الْمِيقَاتَانِ (فِي الْقُرْب إلَيْهِ) أَيْ: إلَى طَرِيقِهِ (فَ) إنَّهُ يُحْرِمُ (مِنْ) حَذْوِ أَبْعَدِهِمَا عَنْ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِهِ (وَمَنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا أَحْرَمَ عَنْ مَكَّةَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ) فَإِنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّهُ قَدْ جَاوَزَ مَا يُحَاذِي الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَمَنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا أَحْرَمَ عَنْ مَكَّةَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ) قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الْمُحَاذَاةِ وَمَعْنَاهُ فِي الْفُرُوعِ.