فصل: فَصْلٌ: في التَّلْبِيَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: في التَّلْبِيَةِ:

(وَالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ بِهَا وَهِيَ ذِكْرٌ فِيهِ فَلَمْ تَجِبْ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ (وَيُسَنُّ ابْتِدَاؤُهَا) أَيْ: التَّلْبِيَةِ (عَقِبَ إحْرَامِهِ) عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: إذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَ) يُسَنُّ (ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا وَ).
يُسَنُّ (ذِكْرُ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ لِلْقَارِنِ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا».
وَقَالَ جَابِرٌ «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ».
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «بَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَمَعْنَى أَهَلَّ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إذَا صَاحَ.
(وَ) يُسَنُّ (الْإِكْثَارُ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ التَّلْبِيَةِ لِخَبَرِ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَابْنُ مَاجَهْ (وَ).
يُسَنُّ (رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا) لِقَوْلِ أَنَسٍ سَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهَا صُرَاخًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَلَكِنْ لَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي رَفْعِهِ زِيَادَةً عَنْ الطَّاقَةِ) خَشْيَةَ ضَرَرٍ يُصِيبُهُ.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا) أَيْ: التَّلْبِيَةِ (فِي مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهِ) قَالَ أَحْمَدُ إذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ إنَّ هَذَا لَمَجْنُونٌ إنَّمَا التَّلْبِيَةُ إذَا بَرَزْتَ وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بِأَنَّ إخْفَاءَ التَّطَوُّعِ أَوْلَى خَوْفَ الرِّيَاءِ عَلَى مَنْ لَا يُشَارِكُهُ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الْبَرَارِيِّ وَعَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ وَمَكَّةَ.
(وَلَا) يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ) خَوْفَ اشْتِغَالِ الطَّائِفِينَ وَالسَّاعِينَ عَنْ أَذْكَارِهِمْ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا فِيهِمَا سِرًّا؛ لِأَنَّهُ زَمَنُ التَّلْبِيَةِ.
(وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَائِفًا (لِئَلَّا يُشْغَلَ الطَّائِفِينَ عَنْ طَوَافِهِمْ وَأَذْكَارِهِمْ) الْمَشْرُوعَةِ لَهُمْ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَبِّيَ عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ وَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ) تَكْمِيلًا لِنُسُكِهِمْ وَكَالْأَفْعَالِ الَّتِي يَعْجَزُونَ عَنْهَا.
(وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ بَعْدَهَا) أَيْ: التَّلْبِيَةِ (فَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ» (وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ)؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ.
(وَ) يُسَنُّ عَقِبَهَا (الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُشْرَعُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَتْ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالصَّلَاةِ أَوْ فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ كَالْأَذَانِ (وَلَا يَرْفَعُ بِذَلِكَ) أَيْ: بِالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَقِبَ التَّلْبِيَةِ (صَوْتَهُ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
(وَصِفَةُ التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا لَزِمَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ وَكَرَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّثْنِيَةِ وَإِنَّمَا هُوَ التَّكْثِيرُ كَحَنَانَيْكَ وَالْحَنَانُ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ مَعْنَى: التَّلْبِيَةِ إجَابَةُ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ حِين نَادَى بِالْحَجِّ وَقِيلَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَسْرُ هَمْزَةِ إنَّ أَوْلَى عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَحُكِيَ الْفَتْحُ عَنْ آخَرِينَ قَالَ ثَعْلَبٌ مَنْ كَسَرَ فَقَدْ عَمَّ يَعْنِي فَقَدْ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ أَيْ: لَبَّيْكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَكَ (وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا).
؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزِمَ تَلْبِيَتَهُ فَكَرَّرَهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا (وَلَا يُكْرَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُلَبِّي تَلْبِيَةَ الرَّسُولِ وَيَزِيدُ مَعَ هَذَا «لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَزَادَ عُمَرُ «لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْكَ لَبَّيْكَ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَزِيدُ «لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا» (وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) قَالَهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعَبِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ لَهُ الْأَثْرَمُ: مَا شَيْءٌ تَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ يُلَبُّونَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءُوا بِهِ قُلْت: أَلَيْسَ يُجْزِئُهُ مَرَّةٌ؟ قَالَ: بَلَى؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ التَّلْبِيَةُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ (وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: تَكْرَارُهَا ثَلَاثًا فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ حَسَنٌ) فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ.
(وَلَا تُشْرَعُ) التَّلْبِيَةُ (بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِقَادِرٍ) عَلَى التَّلْبِيَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فَلَمْ تُشْرَعْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالْأَذَانِ وَالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الصَّلَاةِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الْعَرَبِيَّةِ لَبَّى (بِلُغَتِهِ) كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ.
(وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهَا إذَا عَلَا نَشْزًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا وَفِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَلَوْ فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ) وَعِنْدَ (إقْبَالِ اللَّيْلِ) وَإِقْبَالِ (النَّهَارِ وَبِالْأَسْحَارِ وَإِذَا الْتَقْتَ الرِّفَاقُ وَإِذَا سَمِعَ مُلَبِّيًا أَوْ أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا إذَا ذَكَرَهُ أَوْ رَكِبَ دَابَّتَهُ أَوْ أَنْزَلَ عَنْهُمَا أَوْ رَأَى الْبَيْتَ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي فِي حَجَّتِهِ إذَا لَقِيَ رَاكِبًا أَوْ عَلَا أَكَمَةً أَوْ هَبَطَ وَادِيًا وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ وَفِي آخِرِ اللَّيْلِ».
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا وَإِذَا عَلَا نَشْزًا وَإِذَا لَقِيَ الرُّكْبَانَ وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ» وَأَمَّا فِيمَا إذَا فَعَلَ مَحْظُورًا نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَهُ فَلِتَدَارُكِ الْحَجِّ وَاسْتِشْعَارِ إقَامَتِهِ عَلَيْهِ وَرُجُوعِهِ إلَيْهِ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: تُسْتَحَبُّ عِنْدَ تَنَقُّلِ الْأَحْوَالِ بِهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ) التَّلْبِيَةُ (فِي مَكَّةَ وَالْبَيْتِ) الْحَرَامِ (وَسَائِرِ مَسَاجِدَ الْحَرَمِ كَمَسْجِدِ مِنًى وَفِي عَرَفَاتٍ أَيْضًا) وَسَائِرِ (بِقَاعِ الْحَرَمِ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ؛ وَلِأَنَّهَا مَوَاضِعُ النُّسُكِ.
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُلَبِّيَ الْحَلَالُ)؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ مُسْتَحَبٌّ لِلْمُحْرِمِ فَلَمْ تُكْرَهْ لِغَيْرِهِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ.
(وَتُلَبِّي الْمَرْأَةُ) اسْتِحْبَابًا لِدُخُولِهَا فِي الْعُمُومَاتِ (وَيُعْتَبَرُ بِأَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا) التَّلْبِيَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُتَلَفِّظَةً بِذَلِكَ إلَّا كَذَلِكَ.
(وَيُكْرَهُ جَهْرُهَا بِهَا أَكْثَرَ مِنْ سَمَاعِ رَفِيقَتِهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا ا هـ وَإِنَّمَا كُرِهَ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا لَكِنْ يُعْتَبَرُ أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا التَّلْبِيَةَ وِفَاقًا قُلْتُ وَخُنْثَى مُشْكِلٌ كَأُنْثَى (وَيَأْتِي) مَحِلُّ (قَطْعِهَا آخِرَ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ) مُفَصَّلًا.

.بَابُ مَحْظُورَاتُ الْإِحْرَامِ:

أَيْ: الْمَمْنُوعُ فِعْلُهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ شَرْعًا (وَهِيَ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِعْلُهُ) بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ (وَهِيَ تِسْعَةٌ):

.(أَحَدُهَا: إزَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ جَمِيعِ بَدَنِهِ):

وَلَوْ مِنْ أَنْفِهِ (بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} نَصَّ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ وَعَدَى إلَى سَائِرِ شَعْرِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ إذْ حَلْقُهُ يُؤْذِنُ بِالرَّفَاهِيَةِ وَهُوَ يُنَافِي الْإِحْرَامَ لِكَوْنِ أَنَّ الْمُحْرِمَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ وَقِيسَ عَلَى الْحَلْقِ: النَّتْفُ وَالْقَلْعُ؛ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهُ وَإِنَّمَا عُبِّرَ بِهِ فِي النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ: الْمُحْرِمِ عُذْرُ (مَرَضٍ أَوْ قَمْلٍ أَوْ قُرُوحٍ أَوْ صُدَاعٍ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ لِكَثْرَتِهِ مِمَّا يَتَضَرَّرُ بِإِبْقَاءِ الشَّعْرِ أَزَالَهُ) أَيْ: الشَّعْرَ.
(وَفَدَى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} وَلِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ قَالَ «كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى الْجَهْدَ يَبْلُغُ بِكَ مَا أَرَى أَتَجِدُ شَاةً قُلْتُ بَلَى فَنَزَلَتْ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} قَالَ هُوَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ طَعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ: نِصْفُ صَاعٍ، طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (كَأَكْلِ صَيْدٍ لِضَرُورَةٍ) إلَى أَكْلِهِ فَيَأْكُلُهُ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ.

.(الثَّانِي تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ):

لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الرَّفَاهِيَةُ فَأَشْبَهَ إزَالَةَ الشَّعْرِ (إلَّا مِنْ عُذْرٍ) فَيُبَاحُ عِنْدَ الْعُذْرِ كَالْحَلْقِ.
(فَمَنْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا أَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ فَصَاعِدًا وَلَوْ مُخْطِئًا أَوْ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) يَعْنِي: شَاةً أَوْ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كَمَا يَأْتِي فِي الْفِدْيَةِ أَمَّا فِي الْحَلْقِ: فَلِمَا تَقَدَّمَ وَخُصَّتْ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا جَمْعٌ وَاعْتُبِرَتْ فِي مَوَاضِعَ بِخِلَافِ رُبُعِ الرَّأْسِ وَأُلْحِقَتْ حَالَةُ عَدَمِ الْعُذْرِ بِحَالَةِ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَأَمَّا التَّقْلِيمُ: فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فِي حُصُولِ الرَّفَاهِيَةِ (فِيمَا دُونَ ذَلِكَ) أَيْ: الثَّلَاثِ مِنْ الشَّعَرَاتِ أَوْ الْأَظْفَارِ (فِي كُلِّ وَاحِدٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ) فَفِي شَعْرَةٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَفِي شَعْرَتَيْنِ طَعَامَا مِسْكِينَيْنِ وَفِي تَقْلِيمِ ظُفْرٍ وَاحِدٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَفِي ظُفْرَيْنِ طَعَامَا مِسْكِينَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا وَجَبَ شَرْعًا فِدْيَةً (وَفِي قَصِّ بَعْضِ الظُّفْرِ مَا فِي جَمِيعِهِ وَكَذَا قَطْعُ بَعْضِ الشَّعْرِ) فِيهِ مَا فِي جَمِيعِهَا فَفِي بَعْضِ الشَّعْرَةِ أَوْ بَعْضِ الظُّفْرِ: طَعَامُ مِسْكِينٍ وَفِي شَعْرَتَيْنِ وَبَعْضِ أُخْرَى وَظُفْرَيْنِ وَبَعْضِ آخَرَ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِسَاحَةٍ وَهُوَ يَجِبُ فِيهِمَا سَوَاءٌ طَالَا أَوْ قَصُرَا كَالْمُوضِحَةِ يَجِبُ مَعَ كِبَرِهَا وَصِغَرِهَا.
(وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِإِذْنِهِ) فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ دُونَ الْحَالِقِ (أَوْ) حَلَقَ رَأْسَهُ بِلَا إذْنِهِ لَكِنَّهُ (سَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ) أَيْ: الْحَالِقُ (وَلَوْ كَانَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ بِحَلْقِ الرَّأْسِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ غَيْرَهُ يَحْلِقُهُ؛ وَلِأَنَّ الشَّعْرَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ فَإِذَا سَكَتَ وَلَمْ يَنْهَ الْحَالِقَ فَقَدْ فَرَّطَ فِيهِ فَيَضْمَنْهُ (كَمَا لَوْ أُكْرِهَ) الْمُحْرِمُ (عَلَى حَلْقِهِ) أَيْ: الشَّعْرِ فَحَلَقَهُ (بِيَدِهِ) فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَهُوَ يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ بَاشَرَهُ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا.
(وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ) وَلَوْ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ وَاحِدٌ فَلَا يُوجِبُ فِدْيَتَيْنِ (وَإِنْ كَانَ) الْمُحْرِمُ الْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ (مُكْرَهًا) وَحُلِقَتْ رَأْسُهُ (بِيَدِ غَيْرِهِ أَوْ) كَانَ (نَائِمًا) وَحُلِقَتْ رَأْسُهُ (فَ) الْفِدْيَةُ (عَلَى الْحَالِقِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مَا مُنِعَ مِنْ إزَالَتِهِ كَحَلْقِ مُحْرِمٍ رَأْسَ نَفْسِهِ.
(وَمَنْ طَيَّبَ غَيْرَهُ) وَالْغَيْرُ مُحْرِمٌ (فَكَحَالِقٍ) فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ سَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا فَعَلَى الْفَاعِلِ وَيَأْتِي: أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ تَطَيَّبَ مُكْرَهًا.
(وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ حَلَالًا) يَعْنِي أَزَالَ شَعْرَهُ (أَوْ قَلَمَ) الْمُحْرِمُ (أَظْفَارَهُ) أَيْ: الْحَلَالِ (فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) أَيْ: هَدْرٌ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَعْرٌ أَوْ ظُفْرٌ مُبَاحُ الْإِتْلَافِ فَلَمْ يَجِبْ بِإِتْلَافِهِ جَزَاءٌ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.
(وَحُكْمُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ فِي إزَالَةِ الشَّعْرِ وَ) فِي (الطِّيبِ وَ) فِي (اللُّبْسِ: وَاحِدٌ)؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَمْ يَخْتَلِفْ إلَّا مَوْضِعُهُ (فَإِنْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ) فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَمَا لَوْ لَبِسَ قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ (أَوْ تَطَيَّبَ) فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ (أَوْ لَبِسَ فِيهِمَا ف) عَلَيْهِ (فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ)؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ إتْلَافٌ فَهُوَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ فَهُنَا أَوْلَى.
(وَإِنْ حَلَقَ مِنْ رَأْسِهِ شَعْرَتَيْنِ وَمِنْ بَدَنِهِ شَعْرَةً أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ حَلَقَ مِنْ بَدَنه شَعْرَتَيْنِ وَمِنْ رَأْسِهِ وَاحِدَةً (فَعَلَيْهِ دَمٌ) أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
(وَإِنْ خَرَجَ فِي عَيْنَيْهِ شَعْرٌ فَقَلَعَهُ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ نَزَلَ شَعْرُ حَاجِبَيْهِ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ فَأَزَالَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ آذَاهُ فَكَانَ لَهُ إزَالَتُهُ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ كَقَتْلِ الصَّيْدِ الصَّائِلِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَقَ شَعْرَهُ لِقَمْلٍ، أَوْ صُدَاعٍ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الْأَذَى مِنْ غَيْرِ الشَّعْرِ (وَكَذَا إنْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَصَّهُ)؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِيهِ بَقَاؤُهُ وَكَذَا إنْ وَقَعَ بِظُفْرِهِ مَرَضٌ فَأَزَالَهُ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (أَوْ قَطَعَ إصْبَعًا بِظُفْرِهَا) فَهَدَر؛ لِأَنَّهُ زَالَ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مُدَاوَاةُ مَرَضِهِ إلَّا بِقَصِّهِ قَصَّهُ وَفَدَى (أَوْ قَلَعَ جِلْدًا عَلَيْهِ شَعْرٌ) فَهَدَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ اُفْتُصِدَ فَزَالَ شَعْرٌ) فَهَدَرٌ وَلَوْ قَطَعَ أَشْفَارَ عَيْنٍ لَمْ يَضْمَنْ الْهُدْبَ.
(وَإِنْ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ أَوْ مَشَّطَهَا أَوْ) خَلَّلَ (رَأْسَهُ) أَوْ مَشَّطَهَا (فَسَقَطَ شَعْرٌ مَيِّتٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَصًّا) قَالَ أَحْمَدُ إنْ خَلَّلَهَا فَسَقَطَ إنْ كَانَتْ شَعْرًا مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ) أَيْ: الشَّعْرَ (بَانَ بِالْمُشْطِ أَوْ التَّخْلِيلِ فَدَى) لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ مَا سَبَقَ (وَتُسْتَحَبُّ الْفِدْيَةُ مَعَ الشَّكِّ) فِي كَوْنِهِ بَانَ بِمُشْطٍ أَوْ كَانَ مَيِّتًا احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
(وَلَهُ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (حَكُّ بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ بِرِفْقٍ) نَصَّ عَلَيْهِ (مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (غَسْلُهُ) أَيْ: غَسْلُ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَأَرْخَصَ فِيهِ عَلِيٌّ وَجَابِرٌ (فِي حَمَّامٍ وَغَيْرِهِ بِلَا تَسْرِيحٍ)؛ لِأَنَّ تَسْرِيحَهُ تَعْرِيضٌ لِقَطْعِهِ.
(وَ) لِلْمُحْرِمِ (غَسْلُهُ بِسِدْرٍ وَخِطْمِيٍّ وَنَحْوِهَا) كَصَابُونٍ وَأُشْنَانٍ لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» مَعَ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ وَقِيسَ عَلَى السِّدْرِ مَا يُشْبِهُهُ.
(وَإِنْ وَقَعَ فِي أَظْفَارِهِ مَرَضٌ فَأَزَالَهَا لِذَلِكَ الْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فَلَا تُضْمَنُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَأَزَالَ أَكْثَرَ مِمَّا انْكَسَرَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) أَيْ: فِدْيَةُ مَا زَادَ عَلَى الْمُنْكَسِرِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إزَالَتِهِ بِخِلَافِ الْمُنْكَسِرِ.

.فَصْلٌ (الثَّالِثُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ):

إجْمَاعًا «لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحْرِمَ عَنْ لُبْسِ الْعَمَائِمِ» وَقَوْله فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ» وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مَرْفُوعًا (وَالْأُذُنَانِ مِنْهُ) لِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» (وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي) بَابِ (الْوُضُوءِ) وَمِنْهُ أَيْضًا: النَّزْعَتَانِ وَالصُّدْغُ وَالتَّحْذِيفُ وَالْبَيَاضُ فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ (فَمَا كَانَ مِنْهُ) أَيْ: الرَّأْسِ (حُرِّمَ عَلَى ذَكَرٍ تَغْطِيَتُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ غَطَّاهُ) أَيْ: الرَّأْسَ (أَوْ) غَطَّى (بَعْضَهُ حَتَّى أُذُنَيْهِ بِلَاصِقٍ مُعْتَادٍ أَوْ لَا) أَيْ: أَوْ بِلَاصِقٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ (كَعِمَامَةٍ وَخِرْقَةٍ وَقِرْطَاسٍ فِيهِ دَوَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ لَا دَوَاءَ فِيهِ وَكَعِصَابَةٍ لِصُدَاعٍ وَنَحْوِهِ) كَرَمَدٍ (وَلَوْ يَسِيرٌ أَوْ طِينٍ طَلَاهُ بِهِ أَوْ بِحِنَّاءِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِنَوْرَةٍ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ)؛ لِأَنَّهُ فَعَلٌ مُحَرَّمًا فِي الْإِحْرَامِ يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ أَشْبَهَ حَلْقَ الرَّأْسِ.
(وَإِنْ اسْتَظَلَّ فِي مَحْمَلٍ) ضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيُّ كَالْمَجْلِسِ وَعَكَسَ ابْنُ مَالِكٍ (وَنَحْوِهِ مِنْ هَوْدَجٍ وَعِمَارِيَّةٍ وَمَحَارَةٍ حَرُمَ وَفَدَى)؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ مُحْرِمٍ عُودًا يَسْتُرهُ مِنْ الشَّمْسِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ بِسِتْرِهِ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهَ لِتَغْطِيَتِهِ أَوْ يُقَالُ؛ لِأَنَّهُ سَتَرَ رَأْسَهُ بِمَا يُسْتَدَامُ وَيَلْزَمُهُ (كَذَا لَوْ اسْتَظَلَّ بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ رَاكِبًا وَنَازِلًا) كَالْمَحْمَلِ (وَلَا أَثَرَ لِلْقَصْدِ وَعَدَمِهِ فِيمَا فِيهِ فِدْيَةٌ وَمَا لَا فِدْيَةَ فِيهِ) لَكِنْ يَأْتِي إذَا فَعَلَهُ نَاسِيًا.
(وَيَجُوزُ تَلْبِيدُ رَأْسِهِ بِعَسَلٍ وَصَمْغٍ وَنَحْوِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ غُبَارٌ أَوْ دَبِيبٌ أَوْ يُصِيبَهُ شُعْثٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَحْظُورًا وَلَوْ كَانَ فِي رَأْسِهِ طِيبٌ مِمَّا فَعَلَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ».
(وَكَذَا إنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدَامُ (أَوْ نَصَبَ حِيَالَهُ ثَوْبًا لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَمْسَكَهُ إنْسَانٌ أَوْ رَفَعَهُ عَلَى عُودٍ) لِمَا رَوَتْ أُمُّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ «حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ بِلَالًا وَأُسَامَةَ وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَجَابَ أَحْمَدُ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَسِيرٌ لَا يُرَادُ لِلِاسْتِدَامَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِظْلَالِ بِالْمَحْمَلِ (أَوْ اسْتَظَلَّ بِخَيْمَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ وَلَوْ طَرَحَ عَلَيْهَا شَيْئًا يَسْتَظِلُّ بِهِ أَوْ) اسْتَظَلَّ ب (سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ السِّتْرَ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِنَمِرَةٍ فَنَزَلَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّرَفُّهَ فِي الْبَدَنِ عَادَةً بَلْ جَمْعَ الرَّحْلِ وَحِفْظَهُ وَفِيهِ شَيْءٌ.
(وَكَذَا لَوْ غَطَّى) الْمُحْرِمُ الذَّكَرُ (وَجْهَهُ) فَيَجُوزُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ سُنَّةُ التَّقْصِيرِ مِنْ الرَّجُلِ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ حُرْمَةُ التَّخْمِيرِ كَبَاقِي بَدَنِهِ.

.فَصْلٌ (الرَّابِعُ لُبْسِ الذَّكَرِ الْمَخِيطَ):

(قَلَّ أَوْ كَثُرَ فِي بَدَنِهِ أَوْ بَعْضِهِ) مِمَّا عُمِلَ عَلَى قَدْرِهِ أَيْ: قَدْرِ الْمَلْبُوسِ فِيهِ مِنْ بَدَنٍ أَوْ بَعْضِهِ (مِنْ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَسَرَاوِيلَ وَبُرْنُسٍ وَنَحْوِهَا وَلَوْ دِرْعًا مَنْسُوجًا أَوْ لِبَدًا مَعْقُودًا وَنَحْوَهُ) مِمَّا يُعْمَلُ عَلَى قَدْرِ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ (كَالْخُفَّيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لِلرِّجْلَيْنِ، وَكَالْقُفَّازَيْنِ) تَثْنِيَةُ قُفَّازٍ كَتُفَّاحٍ: شَيْءٌ يُعْمَلُ (لِلْيَدَيْنِ) كَمَا يُعْمَلُ لِلْبُزَاةِ.
(وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ) الْمَخِيطُ (غَيْرَ مُعْتَادٍ، كَجَوْرَبٍ فِي كَفٍّ وَخُفٍّ فِي رَأْسٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ انْتَهَى) لِلْعُمُومَاتِ (وَرَانَ) شَيْءٌ يُلْبَسُ تَحْتَ الْخُفِّ (كَخُفٍّ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَتَنْصِيصُهُ عَلَى الْقَمِيصِ يُلْحِقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْجُبَّةِ وَالدُّرَّاعَةِ، وَالْعِمَامَةِ يُلْحَقُ بِهَا كُلُّ سَاتِرٍ مُلَاصِقٍ أَوْ سَاتِرٍ مُعْتَادٍ وَالسَّرَاوِيلُ يُلْحَقُ بِهَا التُّبَّانُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ اللُّبْسِ وَكَثِيرِهِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ فَاعْتُبِرَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ يَقُولُ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَا يَجِدُ الْإِزَارَ وَالْخُفَّانِ لِمَنْ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ الْأَثْبَاتُ وَلَيْسَ فِيهِ بِعَرَفَاتٍ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ انْفَرَدَ بِهَا شُعْبَةُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ (وَمِثْلُهُ) أَيْ: السَّرَاوِيلُ (لَوْ شَقَّ إزَارَهُ وَشَدَّ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ)؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ (وَمَتَى وَجَدَ إزَارًا خَلَعَهُ) أَيْ: السَّرَاوِيلَ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ.
(وَإِنْ ائْتَزَرَ) الْمُحْرِمُ (بِقَمِيصٍ فَلَا بَأْسَ) بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لُبْسًا لِلْمَخِيطِ الْمَصْنُوعِ لِمِثْلِهِ.
(وَإِنْ عَدِمَ نَعْلَيْنِ أَوْ) وَجَدَهُمَا وَ(لَمْ يُمْكِن لُبْسهمَا) لِضِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَبِسَ خُفَّيْنِ وَنَحْوَهُمَا مِنْ رَانٍ وَغَيْرِهِ) كَسُرْمُوذَةٍ وَزُرْبُولٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ (بِلَا فِدْيَةٍ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ (وَيَحْرُمُ قَطْعُهُمَا) أَيْ: الْخُفَّيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قَطْعَ الْخُفَّيْنِ وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ قَطْعُ الْخُفَّيْنِ فَسَادٌ؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ مَلْبُوسٌ أُبِيحَ لِعَدَمِ غَيْرِهِ أَشْبَهَ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ مِنْ غَيْرِ فَتْقٍ وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَقَالَ أَبُو الشَّعْثَاءَ لِابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَقُلْ: لِيَقْطَعْهُمَا قَالَ لَا: رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ عُمَرَ «الْخُفَّانِ نَعْلَانِ لِمَنْ لَا نَعْلَ لَهُ» (وَعَنْهُ يَقْطَعْهُمَا) أَيْ: الْخُفَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا (حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَجَوَّزَهُ جَمْعٌ قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ وَالْأَوْلَى قَطْعُهُمَا عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ) أَيْ: حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَأَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ قَالَ الشَّارِحُ: وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْقَطْعِ لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ وَرُوِيَ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَلَوْ سَلِمَ صِحَّةُ رَفْعِهَا فَهِيَ بِالْمَدِينَةِ وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَاتٍ فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لِلْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَلَامُهُ فِي الْمَدِينَةِ فِي مَوْضِعِ الْبَيَانِ وَقْتَ الْحَاجَةِ لَا يُقَالُ: اكْتَفَى بِمَا سَبَقَ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: فَلِمَ ذَكَرَ لُبْسَهُمَا وَالْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِهِ لُبْسُهُمَا بِلَا قَطْعٍ.
وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ: بِأَنَّ الْمُقَيَّدَ يَقْضِي عَلَى الْمُطْلَقِ: أَنَّ مَحِلَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ وَعَنْ قَوْلِهِ: أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ زِيَادَةُ لَفْظٍ بِأَنَّ خَبَر ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فِيهِمَا زِيَادَةُ حُكْمِ جَوَازِ اللُّبْسِ بِلَا قَطْعٍ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَمْ يُشْرَعْ بِالْمَدِينَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: الْعَجَبُ مِنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا أَيْ: قَوْلِهِ بِعَدَمِ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ سُنَّةً تَبْلُغُهُ وَفِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ قَدْ يُخَالِفُ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُتَبَحِّرِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ أَيَّدَهُمْ اللَّهُ بِمَعُونَتِهِ فِي جَمْعِهِمْ بَيْنَ الْأَخْبَارِ (وَإِنْ لَبِسَ مَقْطُوعًا) مِنْ خُفٍّ وَغَيْرِهِ (دُونَ الْكَعْبَيْنِ مَعَ وُجُودِ نَعْلٍ) حُرِّمَ كَلُبْسِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ كَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَخِيطًا (وَفَدَى) لِلُبْسِهِ كَذَلِكَ.
(وَيُبَاحُ) لِلْمُحْرِمِ (النَّعْلُ) لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ وَهِيَ الْحِذَاءُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَتُطْلَقُ عَلَى التَّاسُومَةِ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (وَلَوْ كَانَتْ) النَّعْلُ (بِعَقِبٍ وَقِيدٍ وَهُوَ السَّيْرُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الزِّمَامِ) لِلْعُمُومَاتِ.
(وَلَا يَعْقِدُ) الْمُحْرِمُ (عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مِنْطَقَةٍ وَلَا رِدَاءٍ وَلَا غَيْرِهِمَا) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ شَيْئًا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى هُوَ وَمَالِكٌ أَنَّهُ يُكْرَهُ لُبْسُ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَرَفَّهُ بِذَلِكَ أَشْبَهَ اللِّبَاسَ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِذَلِكَ) أَيْ: الْمِنْطَقَةِ وَالرِّدَاءِ وَنَحْوِهِمَا (زِرًّا وَعُرْوَةً وَلَا يُخْلِهِ بِشَوْكَةٍ أَوْ إبْرَةٍ أَوْ خَيْطٍ وَلَا يَغْرِزُ أَطْرَافَهُ فِي إزَارِهِ فَإِنْ فَعَلَ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ (أَثِمَ وَفَدَى؛ لِأَنَّهُ كَمَخِيطٍ).
(وَيَجُوزُ لَهُ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (شَدُّ وَسَطِهِ بِمِنْدِيلٍ وَحَبْلٍ وَنَحْوِهِمَا إذَا لَمْ يَعْقِدْهُ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي مُحْرِمٍ حَزَمَ عِمَامَتَهُ عَلَى وَسَطِهِ: لَا يَعْقِدُهَا وَيُدْخِلُ بَعْضَهُمَا فِي بَعْضٍ) لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِذَلِكَ قَالَ طَاوُسٌ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَر (إلَّا إزَارَهُ) فَلَهُ عَقْدُهُ (لِحَاجَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَ) إلَّا (هِمْيَانَهُ وَمِنْطَقَتَهُ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا نَفَقَتُهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ) الْهِمْيَانُ أَوْ الْمِنْطَقَةُ (إلَّا بِالْعَقْدِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «أَوْثِقْ عَلَيْك نَفَقَتَكَ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ مَعْنَاهُ بَلْ رَفَعَهُ بَعْضُهُمْ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى عَقْدِهِ فَجَازَ كَعَقْدِ الْإِزَارِ فَإِنْ ثَبَتَ بِغَيْرِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ السُّيُورَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ لَمْ يَجُزْ عَقْدُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفَقَةٌ.
(وَإِنْ لَبِسَ الْمِنْطَقَةَ لِوَجَعِ ظَهْرٍ أَوْ حَاجَةٍ) غَيْرَهُ (أَوْ لَا) لِحَاجَةٍ (فَدَى) كَمَا لَوْ لَبِسَ مَخِيطًا لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ.
(وَلَهُ أَنْ يَلْتَحِفَ بِقَمِيصٍ) أَيْ: يَتَغَطَّى بِهِ (وَيَرْتَدِيَ بِهِ وَبِرِدَاءٍ مُوصَلٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْسَ بِلُبْسِ الْمَخِيطِ الْمَصْنُوعِ لِمِثْلِهِ (وَلَا يَعْقِدُهُ) أَيْ: الرِّدَاءَ وَتَقَدَّمَ (وَيَفْدِي بِطَرْحِ قَبَاءٍ وَنَحْوِهِ عَلَى كَتِفَيْهِ) مُطْلَقًا نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْأَقْبِيَةِ لِلْمُحْرِمِ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ؛ وَلِأَنَّهُ مَخِيطٌ وَهُوَ عَادَةُ لُبْسِهِ كَمَخِيطٍ.
(وَمَنْ بِهِ شَيْءٌ) مِنْ قُرُوحٍ أَوْ غَيْرِهَا (لَا يُحِبُّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) لَبِسَ وَفَدَى نَصَّ عَلَيْهِ.
(أَوْ خَافَ) الْمُحْرِمُ (مِنْ بَرْدٍ لَبِسَ وَفَدَى) كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ صَيْدٍ.
(وَلَا تَحْرُمُ دَلَالَةٌ عَلَى طِيبٍ وَلِبَاسٍ) وَلِبَاسٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ تَحْصِيلُهُمَا بَلْ اسْتِعْمَالُهُمَا بِخِلَافِ الصَّيْدِ (وَيَأْتِي قَرِيبًا).
(وَيَتَقَلَّدُ) الْمُحْرِمُ (بِسَيْفٍ لِلْحَاجَةِ) لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ «لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَهُمْ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا إلَّا بِجُلْبَانِ السِّلَاحِ: الْقُرَابُ بِمَا فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي إبَاحَتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَأْمَنُونَ أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ (وَلَا يَجُوزُ) أَنْ يَتَقَلَّدَ بِالسَّيْفِ (لِغَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ حَاجَةٍ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «لَا يَحِلُّ لِمُحْرِمٍ السِّلَاحُ فِي الْحَرَمِ» قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي إبَاحَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى اللُّبْس كَمَا لَوْ حَمَلَ قِرْبَةً فِي عُنُقِهِ.
(وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ السِّلَاحِ بِمَكَّةَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ السِّلَاحُ بِمَكَّةَ» وَإِنَّمَا مَنَعَ أَحْمَدُ مِنْ تَقَلُّدِ السَّيْفِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللُّبْسِ (وَلَهُ حَمْلُ جِرَابٍ وَقِرْبَةِ الْمَاءِ فِي عُنُقِهِ وَلَا فِدْيَةَ) عَلَيْهِ (وَلَا يُدْخِلُهُ) أَيْ: حَبْلَهَا (فِي صَدْرِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ) وَلَمْ يُغَطِّ وَجْهَهُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ امْرَأَةً (أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَجَسَدَهُ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ لِلْمَخِيطِ فَلَا فِدْيَةَ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا.
(وَإِنْ غَطَّى وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ) فَدَى؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ غَطَّى وَجْهَهُ وَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ غَطَّى رَأْسَهُ فَوَجَبَتْ بِكُلِّ حَالٍ (أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَلَبِسَ الْمَخِيطَ فَدَى)؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِتَغْطِيَةِ وَجْهِهِ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَلِلُبْسِهِ الْمَخِيطَ.