فصل: فَصْلٌ (السَّابِعُ عَقْدُ النِّكَاحِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ (السَّابِعُ عَقْدُ النِّكَاحِ):

(فَلَا يَتَزَوَّجُ) الْمُحْرِمُ (وَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ وَلَا يَقْبَلُ لَهُ) أَيْ: لِلْمُحْرِمِ (النِّكَاحُ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ وَلَا تَزَوُّجُ الْمُحْرِمَةِ وَالنِّكَاحُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَاطِلٌ تَعَمَّدَهُ أَوْ لَا) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَرَفَعَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَجَازَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرِوَايَتِهِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ «وَهُمَا مُحْرِمَانِ»؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُ بِهِ الِاسْتِمْتَاعَ فَلَمْ يُحَرِّمْهُ الْإِحْرَامُ كَشِرَاءِ الْإِمَاءِ.
وَجَوَابُهُ مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» قَالَ وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَبِي دَاوُد «وَتَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ» وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهِمَ وَقَالَ أَيْضًا: أَوْهَمَ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ أَيْ: ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى ذَلِكَ وَلِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد هَذَا الْمَعْنَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ خَطَأٌ وَكَذَا نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَطَأٌ.
ثُمَّ قِصَّةُ مَيْمُونَةَ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا سَبَقَ فَيَتَعَارَضُ ذَلِكَ وَمَا سَبَقَ لَا مُعَارِضَ لَهُ ثُمَّ رِوَايَةُ الْحِلِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ وَفِيهَا صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَالسَّفِيرُ فِيهَا وَلَا مَطْعَنَ فِيهَا وَيُوَافِقُهَا مَا سَبَقَ وَفِيهَا زِيَادَةٌ مَعَ صِغَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَنْ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ أَظْهَرَ تَزْوِيجِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِعْلَهُ خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنْ خَصَائِصِهِ فَلِهَذَا قَالَ تَبَعًا لِلتَّنْقِيحِ كَالْمُنْتَهَى (إلَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَلَا يَكُونُ مَحْظُورًا بِخِلَافِ أُمَّتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَرَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ «أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ» وَعَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ مَعْنَاهُ رَوَاهُمَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَدَوَاعِيَهُ فَمَنَعَ عَقْدَ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ.
(وَالِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْعَقْدِ) أَيْ: عَقْدِ النِّكَاحِ لَا بِحَالَةِ الْوَكَالَةِ (فَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا) فِي عَقْدِ النِّكَاحِ (فَعَقَدَهُ بَعْدَ حِلِّهِ) مِنْ إحْرَامِهِ (صَحَّ) عَقْدُهُ لِوُقُوعِهِ حَالَ حِلِّ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ.
(وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ حَلَالًا فَعَقَدَهُ) الْوَكِيلُ (بَعْد أَنْ أَحْرَمَ) هُوَ أَوْ مُوَكِّلُهُ فِيهِ (لَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ وَكَّلَهُ) أَيْ: الْحَلَالُ (ثُمَّ أَحْرَمَ) الْمُوَكِّلُ (لَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ) بِإِحْرَامِهِ (فَإِذَا أَحَلَّ) الْمُوَكِّلُ (كَانَ لِوَكِيلِهِ عَقْدُهُ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ.
(وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ حَلَالًا) فِي عَقْدِ النِّكَاحِ (فَعَقَدَهُ وَأَحْرَمَ الْمُوَكِّلُ فَقَالَتْ الزَّوْجَةُ: وَقَعَ فِي الْإِحْرَامِ وَقَالَ الزَّوْجُ) وَقَعَ (قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْعَقْدِ وَهِيَ الظَّاهِرُ.
(وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ قَالَتْ الزَّوْجَةُ: وَقَعَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الزَّوْجُ: فِي الْإِحْرَامِ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ أَيْضًا)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِهِ (وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ)؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا فِي إسْقَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
(وَيَصِحُّ) النِّكَاحُ (مَعَ جَهْلِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (وُقُوعَهُ) أَيْ: وُقُوعِ النِّكَاحِ هَلْ كَانَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ فِيهِ؟؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْعُقُودِ الصِّحَّةُ وَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْتُكِ وَقَدْ حَلَلْتُ وَقَالَتْ: بَلْ كُنْتُ مُحْرِمَةً صَدَقَ وَتُصْدَقُ هِيَ فِي نَظِيرَتِهَا فِي الْعِدَّةِ.
(وَإِنْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ) لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَلَا الْخَاصَّةِ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَلَا) أَنْ (يُزَوِّجَ أَقَارِبَهُ) بِالْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ (وَلَا) أَنْ يُزَوِّجَ (غَيْرَهُمْ) مِمَّنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ) كَالْخَاصَّةِ.
(وَ) يَجُوزُ أَنْ (يُزَوِّجَ خُلَفَاؤُهُ) مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِوِلَايَةِ الْحُكْمِ مَا لَا يَجُوزُ بِوِلَايَةِ النَّسَبِ بِدَلِيلِ تَزْوِيجِ الْكَافِرَةِ وَأَمَّا وُكَلَاؤُهُ فِي تَزْوِيجِ نَحْو بِنْتِهِ فَلَا لِمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ أَحْرَمَ نَائِبُهُ فَكَهُوَ) أَيْ: فَكَإِحْرَامِ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ أَقَارِبَهُ وَلَا غَيْرَهُمْ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَيُزَوِّجُ نُوَّابُهُ.
(وَتُكْرَهُ خِطْبَةُ مُحْرِمٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ امْرَأَةً (عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَخِطْبَةِ مَحِلٌّ مُحْرِمَةً كَخُطْبَةِ عَقْدِهِ) بِضَمِّ الْخَاءِ أَيْ: عَقْدِ النِّكَاحِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «وَلَا يَخْطُبُ».
(وَ) يُكْرَهُ (حُضُورُهُ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (وَشَهَادَتُهُ فِيهِ) أَيْ: فِي النِّكَاحِ نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَخْطُبُ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَشْهَدُ النِّكَاحَ وَمَا رُوِيَ فِيهِ «وَلَا يُشْهَدُ» فَلَا يَصِحُّ.
(وَتُبَاحُ الرَّجْعَةُ لِلْمُحْرِمِ وَتَصِحُّ)؛ لِأَنَّهَا إمْسَاكٌ؛ وَلِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ قَبْلَ الرَّجْعَةِ فَلَا إحْلَالَ (كَشِرَاءِ أَمَةٍ لِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ) لِوُرُودِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ خَاصَّةً بِخِلَافِ شِرَاءِ الْأَمَةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ وَلَا الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهَا وَصَحَّ شِرَاؤُهَا.
(وَيَصِحُّ اخْتِيَارُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لِبَعْضِهِنَّ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ)؛ لِأَنَّهُ إمْسَاكٌ وَاسْتِدَامَةٌ لَا ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ كَالرَّجْعَةِ وَأَوْلَى (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ: جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صُوَرِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَسَدَ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ فِدْيَةٌ (كَشِرَاءِ الصَّيْدِ) وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.

.فَصْلٌ (الثَّامِنُ الْجِمَاعُ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ):

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «هُوَ الْجِمَاعُ» بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ} يَعْنِي: الْجِمَاعَ (قُبُلًا كَانَ) الْفَرْجُ (أَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ) حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْغُسْلِ (فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ: جَامَعَ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ (قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ بَعْدَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (فَسَدَ نُسُكُهُمَا) حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ النُّسُكُ إلَّا بِهِ.
وَفِي الْمُوَطَّأِ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالُوا يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجٌّ مِنْ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ وَلَمْ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ (وَلَوْ) كَانَ الْمُجَامِعُ (سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، نَصًّا أَوَنَائِمَةً) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الصَّحَابَةِ قَضَوْا بِفَسَادِ النُّسُكِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا.
(وَيَجِبُ بِهِ) أَيْ: بِالْجِمَاعِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ (بَدَنَةٌ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَهْدِ نَاقَةً وَلْتُهْدِ نَاقَةً» (وَلَا يَفْسُدُ) الْإِحْرَامُ (بِ) شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ (غَيْرِ الْجِمَاعِ) لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهِ وَالْإِجْمَاعِ.
(وَعَلَيْهِمَا) أَيْ: الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ (الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَحُكْمُهُ) أَيْ: الْإِحْرَامِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ حُكْمُ الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ (فَيَفْعَلُ بَعْدَ الْإِفْسَادِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَهُ مِنْ الْوُقُوفِ وَغَيْرِهِ وَيَجْتَنِبُ مَا يُجْتَنَبُ قَبْلَهُ) أَيْ: الْفَسَادِ (مِنْ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إذَا فَعَلَ مَحْظُورًا بَعْدَهُ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ إلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَسَأَلَهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ؟ فَأَشَارَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى ذَلِكَ وَاسْأَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: بَطَلَ حَجُّكَ فَقَالَ الرَّجُل أَفَأَقْعُدُ؟ قَالَ لَا بَلْ تَخْرُج مَعَ النَّاسِ وَتَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلًا فَحُجَّ وَأَهْدِ فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَاسْأَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ قَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ قَالَ أَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَا وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَزَادَ وَحُلَّ إذَا حَلَّوْا فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ فَاحْجُجْ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَأَهْدِيَا فَإِنْ لَمْ تَجِدَا فَصُومَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْتُمَا وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ حَدِيثُهُ حَسَنٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَأَيْتُ عَلِيًّا وَأَحْمَدَ وَالْحُمَيْدِيَّ وَإِسْحَاقَ يَحْتَجُّونَ بِهِ قِيلَ لَهُ: فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَاذَا يَقُولُ قَالَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَنَحْوُ هَذَا.
(وَ) عَلَيْهِمَا (الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ نَذْرًا أَوْ نَفْلًا)؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِالدُّخُولِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْتَفْصِلُوا (إنْ كَانَا) أَيْ: الْوَاطِئُ وَالْمَوْطُوءَةُ (مُكَلَّفَيْنِ)؛ لِأَنَّهُمَا لَا عُذْرَ لَهُمَا فِي التَّأْخِيرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُكَلَّفَيْنِ حَالَ الْإِفْسَادِ قَضَيَاهُ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ التَّكْلِيفِ (بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) وَتَقَدَّمَ (عَلَى الْفَوْرِ) حَيْثُ لَا عُذْرَ فِي التَّأْخِيرِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَا لَوْ بَلَغَ فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ.
(وَيَصِحُّ قَضَاءُ عَبْدٍ فِي رِقِّهِ) وَكَذَا قَضَاءُ أَمَةٍ فِي رِقِّهَا لِتَكْلِيفِهَا (وَتَقَدَّمَ حُكْمُ إفْسَادِ حَجِّهِ) أَيْ: الْقِنِّ (وَ) حُكْمُ إفْسَادِ (حَجِّ الصَّبِيِّ) فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ.
وَيَكُونُ إحْرَامُ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ فِي الْقَضَاءِ (مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا أَوَّلَا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ)؛ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ قِصَاصٌ بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ إذَا قَضَى لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامَ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُهُ وَذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْحَادِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُونَا أَحْرَمَا قَبْلَ الْمِيقَاتِ (لَزِمَهُمَا) الْإِحْرَامُ (مِنْ الْمِيقَاتِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَجَاوُزُهُ بِلَا إحْرَامٍ (وَإِنْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ قَضَى الْوَاجِبَ لَا الْقَضَاءَ) كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَزْدَادُ بِفَوَاتِهِ وَإِنَّمَا يَبْقَى مَا كَانَ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ (وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهَا إنْ طَاوَعَتْ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «أَهْدِيَا هَدْيًا» أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِمَا.
وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَهْدِ نَاقَةً وَلْتُهْدِ نَاقَةً»؛ وَلِأَنَّهَا بِمُطَاوَعَتِهَا أَفْسَدَتْ نُسُكَهَا فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ (وَإِنْ أُكْرِهَتْ) الْمَرْأَةُ (فَ) النَّفَقَةُ (عَلَى الزَّوْجِ)؛ لِأَنَّهُ الْمُفْسِدُ لِنُسُكِهَا فَكَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا كَنَفَقَةِ نُسُكِهِ (وَتُسْتَحَبُّ تَفْرِقَتُهُمَا فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ «رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَةً وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا: أَتِمَّا حَجَّكُمَا ثُمَّ ارْجِعَا وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى مِنْ قَابِلٍ حَتَّى إذَا كُنْتُمَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتَهَا فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا وَلَا يُوَاكِلْ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ أَتِمَّا مَنَاسِكَكُمَا وَأَهْدِيَا» وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ (إلَى أَنْ يُحِلَّا) مِنْ إحْرَامِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ خَوْفُ الْمَحْظُورِ وَيَحْصُلُ التَّفْرِيقُ (بِأَنْ لَا يَرْكَبَ مَعَهَا عَلَى بَعِيرٍ وَلَا يَجْلِسَ مَعَهَا فِي خِبَاءٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بَلْ يَكُونُ قَرِيبًا مِنْهَا فَيُرَاعِي أَحْوَالَهَا؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمُهَا) وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَحْرَمٌ غَيْرُهُ.
وَ(الْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ) كَالْحَجِّ لِأَنَّهَا أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَ (يُفْسِدُهَا الْوَطْءُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ) كَالْحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَ(لَا) يُفْسِدُهَا الْوَطْءُ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ (وَقَبْلَ حَلْقٍ) كَالْوَطْءِ فِي الْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ.
(وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ (وَيَجِبُ الْقَضَاءُ) فَوْرًا كَالْحَجِّ (وَالدَّمُ وَهُوَ شَاةٌ) لِنَقْصِ الْعُمْرَةِ عَنْ الْحَجِّ.
(لَكِنْ إنْ كَانَ) الْمُفْسِدُ لِعُمْرَتِهِ (مَكِّيًّا أَوْ حَصَلَ بِهَا) أَيْ: بِمَكَّةَ (مُجَاوِرًا أَحْرَمَ لِلْقَضَاءِ مِنْ الْحِلِّ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِهَا) أَيْ: بِالْعُمْرَةِ الَّتِي أَفْسَدَهَا (مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ)؛ لِأَنَّ الْحِلَّ هُوَ مِيقَاتُهَا.
(وَإِنْ أَفْسَدَ الْمُتَمَتِّعُ عُمْرَتَهُ وَمَضَى فِي فَاسِدِهَا وَأَتَمَّهَا خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ) مَكَانَ الَّتِي أَفْسَدَهَا؛ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ قِصَاصٌ (فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ دَمٌ فَإِنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ خَرَجَ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ الَّتِي أَفْسَدَهَا وَعَلَيْهِ هَدْيٌ يَذْبَحُهُ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ لِمَا أَفْسَدَ مِنْ عُمْرَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَفْسَدَ الْمُفْرِدُ حَجَّتَهُ وَأَتَمَّهَا فَلَهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ)؛ لِأَنَّهُ مِيقَاتُهَا.
(وَإِنْ أَفْسَدَ الْقَارِنُ نُسُكَهُ فَعَلَيْهِ فِدَاءٌ وَاحِدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عَمَلَ الْقَارِنِ كَعَمَلِ الْمُفْرِدِ.
(وَإِنْ جَامَعَ) الْمُحْرِمُ (بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ) التَّحَلُّلِ (الثَّانِي) بِأَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحَلَقَ مَثَلًا ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ الطَّوَافِ (لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ قَارِنًا كَانَ أَوْ مُفْرِدًا) أَوْ مُتَمَتِّعًا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَوْمَ النَّحْرِ يَنْحَرَانِ جَزُورًا بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ رَوَاهُ مَالِكٌ وَلَا يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ (لَكِنْ فَسَدَ إحْرَامُهُ) بِالْوَطْءِ (فَيَمْضِي إلَى الْحِلِّ) التَّنْعِيمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ (فَيُحْرِمَ مِنْهُ لِيَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ وَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى وَتَحَلَّلَ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَلَيْسَ هَذَا عُمْرَةً حَقِيقِيَّةً) وَالْإِحْرَامُ إنَّمَا وَجَبَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْحَجِّ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ فَقَوْلُ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ: أَنَّهُ يَعْتَمِرُ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا هَذَا وَسَمَّوْهُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالُهَا وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا عُمْرَةً حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ سَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ وَعَلَى هَذَا نُصُوصُ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّهُ إحْرَامٌ مُسْتَأْنَفٌ فَكَانَ فِيهِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ كَالْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ تَجْرِي مَجْرَى الْحَجِّ بِدَلِيلِ الْقِرَانِ بَيْنَهُمَا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَيَلْزَمُهُ شَاةٌ) لِعَدَمِ إفْسَادِهِ لِلْحَجِّ كَوَطْءٍ دُونَ فَرْجٍ بِلَا إنْزَالٍ وَلِخِفَّةِ الْجِنَايَةِ فِيهِ.
(وَالْقَارِنُ كَالْمُفْرِدِ)؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لِلْحَجِّ لَا لِلْعُمْرَةِ بِدَلِيلِ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ (فَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ) أَيْ: وَحَلَقَ (وَلَمْ يَرْمِ) جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (ثُمَّ وَطِئَ فَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: لَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ مِنْ الْحِلِّ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ أَرْكَانِ الْحَجِّ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ) لِوُجُودِهِ الْوَطْءَ قَبْلَ مَا يَتِمُّ بِهِ التَّحَلُّلُ (وَهُوَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُحْرِمٌ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وُجُودَ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ) فَيَفْسُدُ إحْرَامُهُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَالْمُرَادُ فَسَادُ مَا بَقِيَ مِنْهُ لَا مَا مَضَى إذْ لَوْ فَسَدَ كُلُّهُ لَوَقَعَ الْوُقُوفُ فِي غَيْرِ إحْرَامٍ.

.فَصْلٌ (التَّاسِعُ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ):

(لِشَهْوَةٍ بِوَطْءٍ، أَوْ قُبْلَةٍ، أَوْ لَمْسٍ وَكَذَا نَظْرَةٌ لِشَهْوَةٍ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ فَكَانَ حَرَامًا (فَإِنْ فَعَلَ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ اقْتَرَنَ بِهَا الْإِنْزَالُ فَأَوْجَبَتْهَا كَالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ (وَلَمْ يَفْسُدْ نُسُكُهُ) لِعَدَمِ الدَّلِيلِ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ لَمْ يَجِبْ بِنَوْعِهِ الْحَدُّ فَلَمْ يُفْسِدْهُ (كَمَا لَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنِ) الْإِنْزَالُ (لِشَهْوَةٍ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ: أَنَّهُ يُفْسِدُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ لَا يُفْسِدُهُ إلَّا الْجِمَاعُ وَالرَّفَثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَمْ نَقُلْ بِجَمِيعِهِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهِ فِي الْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ (وَتَأْتِي تَتِمَّةٌ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ).

.فَصْلٌ: إحْرَامُ الْمَرْأَةِ:

(وَالْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَغْطِيَتُهُ بِبُرْقُعٍ أَوْ نِقَابٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لَا تَتَنَقَّبْ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (فَإِنْ غَطَّتْهُ) أَيْ: الْوَجْهَ (لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَدَتْ) كَمَا لَوْ غَطَّى الرَّجُلُ رَأْسَهُ (وَالْحَاجَةُ: كَمُرُورِ رِجَالٍ قَرِيبًا مِنْهَا تُسْدِلُ الثَّوْبَ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا) لِفِعْلِ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا.
(وَلَوْ مَسَّ) الثَّوْبُ (وَجْهَهَا) وَشَرَطَ الْقَاضِي فِي السَّاتِرِ أَنْ لَا يُصِيبَ بَشَرَتَهَا فَإِنْ أَصَابَهَا ثُمَّ ارْتَفَعَ بِسُرْعَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَدَتْ لِاسْتِدَامَةِ السِّتْرِ وَرَدَّهُ الْمُوَفَّقُ بِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ هُوَ عَنْ أَحْمَدَ وَلَا هُوَ فِي الْخَبَرِ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهُ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ الْمَسْدُولُ مِنْ إصَابَةِ الْبَشَرَةِ فَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَبُيِّنَ.
وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَغْطِيَةُ رَأْسِهَا كُلِّهِ (وَلَا يُمْكِنُهَا تَغْطِيَةُ جَمِيعِ الرَّأْسِ إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَلَا كَشْفُ جَمِيعِ الْوَجْهِ إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ فَسَتْرُ الرَّأْسِ كُلِّهِ أَوْلَى)؛ لِأَنَّهُ آكَدُ لِوُجُوبِ سَتْرِهِ مُطْلَقًا.
(وَلَا تَحْرُمُ تَغْطِيَةُ كَفَّيْهَا) خِلَافًا لِأَبِي الْفَرَجِ حَيْثُ أَلْحَقَهَا بِالْوَجْهِ.
(وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ) مِنْ إزَالَةِ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهَا لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ الْخِطَابِ (إلَّا لُبْسَ الْمَخِيطِ وَتَظْلِيلِ الْمَحْمَلِ وَغَيْرِهِ) كَالْهَوْدَجِ وَالْمِحَفَّةِ لِحَاجَتِهَا إلَى السَّتْرِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَكَعَقْدِ الْإِزَارِ لِلرَّجُلِ.
(وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا وَعَلَى رَجُلٍ لُبْسُ قُفَّازَيْنِ أَوْ قُفَّازًا وَاحِدًا وَهُمَا كُلُّ مَا يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ يُدْخِلُهُمَا فِيهِ لِسَتْرِهِمَا مِنْ الْحَرِّ كَالْجَوَارِبِ لِلرِّجْلَيْنِ كَمَا يُعْمَلُ لِلْبُزَاةِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا تَتَنَقَّبْ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالرَّجُلُ أَوْلَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ تَغْطِيَتِهِمَا بِكُمِّهِمَا لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْ جَوَازِهِ بِهِمَا بِدَلِيلِ جَوَازِ تَغْطِيَةِ الرَّجُلِ قَدَمَهُ بِإِزَارِهِ لَا بِخُفٍّ.
وَإِنَّمَا جَازَ تَغْطِيَةُ قَدَمَيْهَا بِكُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ (وَفِيهِ) أَيْ: لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (الْفِدْيَةُ كَالنِّقَابِ قَالَ الْقَاضِي وَمِثْلُهُمَا لَوْ لَفَّتْ عَلَى يَدَيْهَا خِرْقَةً أَوْ خِرَقًا وَشَدَّتْهَا عَلَى حِنَّاءٍ أَوْ لَا كَشَدِّهِ) أَيْ: الرَّجُلِ (عَلَى جَسَدِهِ شَيْئًا) وَذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا يَحْرُمُ وَإِنْ لَفَّتْهَا بِلَا شَدٍّ فَلَا بَأْسَ)؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اللُّبْسُ لَا التَّغْطِيَةُ كَيَدَيْ الرَّجُلِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَطُوفَ مُنْتَقِبَةً إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْرِمَةً فَعَلَتْهُ عَائِشَةُ.
(وَيُبَاحُ لَهَا خَلْخَالٌ وَنَحْوُهُ مِنْ حُلِيٍّ كَسِوَارٍ وَنَحْوِهِ) كَدُمْلُجٍ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ قَالَ نَافِعٌ كُنَّ نِسَاءَ ابْنِ عُمَرَ يَلْبَسْنَ الْحُلِيَّ وَالْمُعَصْفَرَ وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
وَفِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ «وَيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَ» وَلَا دَلِيلَ لِلْمَنْعِ (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا لِبَاسُ زِينَةٍ.
وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: يُكْرَهُ) أَيْ: لِبَاسُ الزِّينَةِ قَالَ أَحْمَدُ الْمُحْرِمَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَتْرُكَانِ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ وَلَهُمَا سِوَى ذَلِكَ وَفِي التَّبْصِرَةِ: يَحْرُمُ.
(وَيُكْرَهُ لَهُمَا) أَيْ: لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ (كُحْلٌ بِإِثْمِدٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ كُحْلٍ أَسْوَدَ غَيْرِ مُطَيَّبٍ (لِزِينَةٍ لَا لِغَيْرِهَا) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ (وَلَا يُكْرَهُ غَيْرُهُ) أَيْ: الْإِثْمِدِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا زِينَةَ بِهِ (إذَا لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا) فَإِنْ كَانَ مُطَيَّبًا حُرِّمَ.
(وَيُكْرَهُ لَهَا خِضَابٌ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ كَالْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ وَ(لَا) يُكْرَهُ لَهَا الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ (عِنْدَ) إرَادَةِ (الْإِحْرَامِ) بَلْ يُسْتَحَبُّ (وَتَقَدَّمَ) أَوَّلَ بَابِ الْإِحْرَامِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلرَّجُلِ فِيمَا لَا تَشَبُّهَ فِيهِ بِالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَلَا دَلِيلَ لِلْمَنْعِ.
(وَيَجُوزُ لَهُمَا لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْكُحْلِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصْبَاغِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فِي حَقِّ الْمُحْرِمَةِ وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ كُحْلِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ «أَنَّهُمَا كَانَا يُحْرِمَانِ فِي الْمُعَصْفَرِ»؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فَلَمْ يُكْرَهْ الْمَصْبُوغُ بِهِ كَالسَّوَادِ (إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ)؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ فَفِيهِ أَوْلَى هَكَذَا فِي الْإِنْصَافِ هُنَا وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرْحِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي الْإِحْرَامِ كَمَا فِي الْمُبْدِعِ وَالتَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِمَا ذَكَرَهُ نَصًّا (وَلَهُمَا قَطْعُ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ بِغَيْرِ طِيبٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ بَلْ مَطْلُوبٌ فِعْلُهُ.
(وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ) جَائِزٌ (لَهُمَا جَمِيعًا لِحَاجَةٍ كَمُدَاوَاةِ جُرْحٍ وَإِزَالَةِ شَعْرٍ بِعَيْنِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ (وَيُكْرَهُ) نَظَرُهُمَا فِي الْمِرْآةِ (لِزِينَةٍ) كَالِاكْتِحَالِ بِالْإِثْمِدِ.
(وَلَهُ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (لُبْسُ خَاتَمٍ) مِنْ فِضَّةٍ أَوْ عَقِيقٍ وَنَحْوِهِمَا لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ وَالْخَاتَمِ لِلْمُحْرِمِ».
(وَ) لَهُ (رَبْطُ جُرْحٍ وَ) لَهُ (خِتَانٌ) نَصًّا (وَقَطْعُ عُضْوٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ) إلَيْهِ.
(وَأَنْ يَحْتَجِمَ)؛ لِأَنَّهُ لَا رَفَاهِيَةَ فِيهِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ احْتَاجَ) الْمُحْرِمُ (فِي الْحِجَامَةِ إلَى قَطْعِ شَعْرٍ فَلَهُ قَطْعُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) لِمَا قَطَعَهُ مِنْ الشَّعْرِ كَمَا لَوْ احْتَاجَ لِحَلْقِ رَأْسِهِ.
(وَيَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (مَا نَهَى اللَّهُ) تَعَالَى (عَنْهُ مِنْ الرَّفَثِ وَهُوَ الْجِمَاعُ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ (وَكَذَا التَّقْبِيلُ وَالْغَمْزُ وَأَنْ يُعَرِّضَ لَهَا بِالْفُحْشِ مِنْ الْكَلَامِ) رُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَالْفُسُوقُ وَهُوَ السِّبَابُ) وَقِيلَ الْمَعَاصِي (وَالْجِدَالُ وَهُوَ الْمِرَاءُ فِيمَا لَا يَعْنِي) أَيْ: يَهُمُّ قَالَ الْمُوَفَّقُ: الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَجِبُ اجْتِنَابُ الْجِدَالِ وَهُوَ الْمُمَارَاةُ فِيمَا لَا يَعْنِي.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفُسُوقُ وَهُوَ السِّبَابُ وَالْجِدَالُ وَهُوَ الْمُمَارَاةُ فِيمَا لَا يَعْنِي وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ كُلُّ جِدَالٍ وَمِرَاءٍ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قِلَّةُ الْكَلَامِ إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْهُ مَرْفُوعًا «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَلَهُ أَيْضًا فِي لَفْظٍ «قِلَّةُ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ».
(وَ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ (أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتَّلْبِيَةِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتَعْلِيمِ الْجَاهِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِنْ الْمَطْلُوبَاتِ (وَيُبَاحُ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ وَ) أَنْ (يَصْنَعَ الصَّانِعُ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ) ذَلِكَ (عَنْ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ «كُنْتُ رَجُلًا أُكَرِّي فِي هَذَا الْوَجْه وَكَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ: لَيْسَ لَكَ حَجٌّ فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ فَقُلْتُ: إنِّي أُكَرِّي فِي هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّ أُنَاسًا يَقُولُونَ: لَيْسَ لَكَ حَجٌّ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَلَيْسَ تُحْرِمُ وَتُلَبِّي وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَتُفِيضُ مِنْ عَرَفَاتٍ وَتَرْمِي الْجِمَارَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى قَالَ فَإِنَّ لَكَ حَجًّا جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ مِثْلَ مَا سَأَلْتَنِي فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فَأَرْسَلَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ لَكَ حَجٌّ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَحْمَدُ وَعِنْدَهُ «إنَّا نُكْرِي فَهَلْ لَنَا مِنْ حَجٍّ»؟ وَفِيهِ وَتَحْلِقُونَ رُءُوسَكُمْ وَفِيهِ: فَقَالَ: «أَنْتُمْ حُجَّاجٌ».