فصل: فَصْلٌ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ:

(وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ مَنْ أَبَى) مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (بَذْلَ جِزْيَةٍ، أَوْ) أَبَى (الصَّغَارَ، أَوْ) أَبَى (الْتِزَامَ حُكْمِنَا)، سَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ لَا، وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِهَا حَاكِمُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} قِيلَ: الصَّغَارُ: الْتِزَامُ أَحْكَامِنَا، (أَوْ قَاتَلَنَا مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ أَهْلِ حَرْبٍ)، لِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمَانِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْقِتَالِ، (أَوْ لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا) لَا لِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا، لِصَيْرُورَتِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ، (أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ)، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ أَرَادَ اسْتَكْرَاهُ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ عَلَى الزِّنَا، فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاكُمْ، فَأَمَرَ بِهِ، فَصُلِبَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِس. (وَيَتَّجِهُ): لَوْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ زَوْجَتَهُ رَجْعِيًّا، فَأَسْلَمَتْ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَوَطِئَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ، (لَا) يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِوَطْئِهِ لَهَا (زَمَنَ عِدَّتِهَا مِنْهُ، وَلَمْ يُسْلِمْ) لِلشُّبْهَةِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَإِنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُقُوعَ طَلَاقٍ قَطُّ، فَشُبْهَتُهُ أَقْوَى مِنْ شُبْهَةِ غَيْرِهِ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ. (أَوْ)، أَيْ: وَكَذَا لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ إذَا (لَاطَ بِمُسْلِمٍ)، وَإِنْ كَانَ اللِّوَاطُ أَفْحَشَ مِنْ الزِّنَا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ، وَالطِّبَاعُ تَنْفِرُ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ، بَلْ قَالُوا فِي الْحُدُودِ: إنَّهُ كَالزِّنَا، وَكَذَلِكَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ الشَّافِعِيُّ قَاسَهُ عَلَى الزِّنَا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، (أَوْ أَصَابَهَا)، أَيْ: وَطِئَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَةَ (بِاسْمِ نِكَاحٍ) لَا إنْ أَصَابَهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ عَنْهَا لِلشُّبْهَةِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي زِنَاهُ)، أَيْ: الذِّمِّيِّ مِنْ حَيْثُ نَقْضُ الْعَهْدِ (أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْمُسْلِمِ بَلْ يَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ)، وَالِاشْتِهَارُ، (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِيهِ شَيْءٌ. (أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا)، لِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمُقْتَضَى الذِّمَّةِ مِنْ أَمْنِ جَانِبِهِ (أَوْ تَجَسَّسَ أَوْ آوَى جَاسُوسًا)، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ الِامْتِنَاعَ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، (أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ ذَكَرَ كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ)، أَيْ: الْإِسْلَامَ، (أَوْ رَسُولَهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِسُوءٍ). (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) ذَكَرَ (نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ) عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِسُوءٍ.
قَالَ تَعَالَى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}، وَهَذَا فِي حَقِّ نَبِيِّنَا وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْتَرِفُونَ بِنُبُوَّتِهِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَنْ جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ فَلَا يَظْهَرُ، وَطَائِفَةُ السَّمَارَةِ لَهُمْ حَطٌّ وَتَسَلُّطٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، لَا سِيَّمَا سَيِّدَنَا دَاوُد وَابْنَهُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ السُّوءُ مَنْسُوبًا إلَى التَّوْرَاةِ، فَإِنَّ فِيهَا أَنَّ يَهُوذَا ضَاجَعَ ابْنَتَهُ وَلُوطًا ضَاجَعَ ابْنَتَيْهِ، وَهَذَا مِنْ افْتِرَائِهِمْ وَتَبْدِيلِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ أَقْرَرْنَاهُمْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِذِكْرِهِمْ بِذَلِكَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَذِيَّةٌ لَنَا، وَفِي ضِمْنِهِ تَكْذِيبٌ لِنَبِيِّنَا، وَهَضْمٌ لِدِينِنَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ، فَقَالَ لَهُ: كَذَبْت، قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: يُقْتَلُ، أَوْ)، أَيْ: وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ مَنْ (تَعَدَّى عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ) عَمْدًا. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِير. (وَيَتَّجِهُ): أَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ (مَعْصُومٍ)، فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِقَتْلِ مُرْتَدٍّ وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ أَوْ قَاتِلٍ مَعْصُومٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ فَتَنَهُ)، أَيْ: فَتَنَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ (عَنْ دِينِهِ)، لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَاتَلَهُمْ.
وَ(لَا) يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ (بِقَذْفِهِ)، أَيْ: الذِّمِّيُّ مُسْلِمًا، (وَ) لَا بِـ (إيذَائِهِ بِسِحْرٍ فِي تَصَرُّفِهِ) نَصًّا. كَإِبْطَالِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ، لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَطَمَهُ (وَلَا إنْ أَظْهَرَ) الذِّمِّيُّ (مُنْكَرًا، أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ)، فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ فِيهِ غَضَاضَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا بِسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ. (وَلَا) يُنْتَقَضُ بِنَقْضِ عَهْدِهِ (عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ) الْبَالِغِينَ الْمَوْجُودِينَ، لِأَنَّ النَّقْضَ وُجِدَ مِنْهُ دُونَهُمْ، فَاخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ، فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ وَلَوْ لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَمَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ وَوَلَدَتْهُ بَعْدَ النَّقْضِ، فَإِنَّهُ يُسْتَرَقُّ وَيُسْبَى، لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأَمَانِ لَهُ وَإِنْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ اخْتَصَّ حُكْمُ النَّقْضِ بِالنَّاقِضِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضُوا لَكِنْ خَافَ مِنْهُمْ النَّقْضَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ، لِأَنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ لِحَقِّهِمْ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ إلَيْهِ، بِخِلَافِ عَقْدِ الْأَمَانِ وَالْهُدْنَةِ، فَإِنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ)، أَيْ: الْمُنْتَقَضِ عَهْدَهُ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ نَائِبُهُ) عِنْدَ غَيْبَتِهِ، لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَوْ قَالَ: تُبْت، كَأَسِيرٍ) حَرْبِيٍّ بَيْنَ رِقٍّ وَقَتْلٍ وَمِنْ فِدَاءٍ، لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ قَدَرْنَا عَلَيْهِ بِدَارِنَا بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا عَهْدٍ وَلَا شُبْهَةَ ذَلِكَ، أَشْبَهَ اللِّصَّ الْحَرْبِيَّ، وَمَالُهُ فَيْءٌ، لِأَنَّ الْمَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِمَالِكِهِ حَقِيقَةً وَقَدْ اُنْتُقِضَ عَهْدُ الْمَالِكِ فِي نَفْسِهِ، فَكَذَا فِي مَالِهِ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَمَان مُوَضَّحًا. (وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ) لِنَقْضِ الْعَهْدِ (إنْ أَسْلَمَ، وَلَوْ كَانَ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. (وَيَتَّجِهُ): إنَّمَا يَحْرُمُ قَتْلُ سَابِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنْ كَانَ سَبَّهُ (بِغَيْرِ قَذْفٍ)، وَأَمَّا قَاذِفُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَيَأْتِي فِي الْقَذْفِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا) يَحْرُمُ (رِقُّهُ)، أَيْ: مَنْ أَسْلَمَ، لِأَنَّهُ عَصَمَ نَفْسَهُ بِإِسْلَامٍ لِلْخَبَرِ، (لَا إنْ رُقَّ قَبْلَ) إسْلَامِهِ، فَلَا يَزُولُ رِقُّهُ بِهِ بَلْ يَسْتَمِرُّ. وَإِنْ كَانَ عَلَى مَنْ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ جِنَايَاتٌ مِنْ قَتْلٍ وَدِيَةٍ وَدُيُونٍ اُسْتُوْفِيَتْ مِنْهُ، لِأَنَّهَا حُقُوقُ آدَمِيِّينَ، فَلَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ. (وَقِيلَ: يُقْتَلُ سَابُّهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِكُلِّ حَالٍ) وَإِنْ أَسْلَمَ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ، (وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
(وَقَالَ) الشَّيْخُ: (إنْ سَبَّهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَرْبِيٌّ، ثُمَّ تَابَ بِإِسْلَامِهِ، قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ إجْمَاعًا)، لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ السَّابِقَيْنِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ: وَالدَّلَالَةُ عَلَى انْتِقَاضِ عَهْدِ الذِّمِّيِّ لِسَبِّهِ اللَّهَ أَوْ كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ أَوْ رَسُولَهُ وَوُجُوبِ قَتْلِهِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ إذَا أَتَى بِذَلِكَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَمَّا الْكِتَابُ، فَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعَ، أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}.. إلَى قَوْله تَعَالَى: {مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فَلَا يَجُوزُ الْإِمْسَاكُ عَنْ قَتْلِهِمْ إلَّا إذَا كَانُوا صَاغِرِينَ حَالَ إعْطَائِهِمْ الْجِزْيَةَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ مِنْ حِينِ بَذْلِهَا وَالْتِزَامِهَا إلَى تَسْلِيمِهَا وَإِقْبَاضِهَا، فَإِنَّهُمْ إذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ وَشَرَعُوا فِي الْإِعْطَاءِ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمْ إلَى أَنْ يُقْبِضُونَاهَا، فَيَتِمُّ الْإِعْطَاءُ، فَمَتَى لَمْ يَلْتَزِمُوهَا أَوْ الْتَزَمُوهَا أَوَّلًا وَامْتَنَعُوا مِنْ تَسْلِيمِهَا ثَانِيًا لَمْ يَكُونُوا مُلْتَزِمِينَ لِلْجِزْيَةِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْطَاءِ لَمْ يُوجَدْ وَإِذَا كَانَ الصَّغَارُ حَالًّا لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ، فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ سَبَّ نَبِيِّنَا فِي وُجُوهِنَا، وَشَتَمَ رَبَّنَا عَلَى رُءُوسِ الْمَلَأِ، وَطَعَنَ فِي دِينِنَا فِي مَجَامِعِنَا، فَلَيْسَ بِصَاغِرٍ، لِأَنَّ الصَّاغِرَ: الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ، وَهَذَا فِعْلُ مُتَعَزِّزٍ مُرَاغِمٍ، بَلْ هَذَا غَايَةُ مَا يَكُونُ مِنْ الْإِذْلَالِ لَنَا وَالْإِهَانَةِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الصَّغَارُ: الذُّلُّ وَالضَّيْمُ، وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ إظْهَارَ السَّبِّ وَالشَّتْمِ لِدِينِ الْأُمَّةِ، الَّذِي بِهِ اُكْتُسِبَ شَرَفَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَيْسَ فِعْلُ رَاضٍ بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَإِذَا كَانَ قِتَالُهُمْ وَاجِبًا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ يَكُونُوا صَاغِرِينَ، وَلَيْسُوا بِصَاغِرِينَ، كَانَ الْقِتَالُ مَأْمُورًا بِهِ، وَكُلُّ مَنْ أُمِرْنَا بِقِتَالِهِ مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّا إذَا كُنَّا مَأْمُورِينَ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَعْقِدَ لَهُمْ الذِّمَّةَ بِدُونِهَا، وَلَوْ عُقِدَ لَهُمْ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا، فَيَبْقَى ذَلِكَ عَلَى الْإِبَاحَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(وَقَالَ: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانَ الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ.
(وَقَالَ: إنْ جَهَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللَّهِ)، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، (عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ إمَّا بِالْقَتْلِ أَوْ بِمَا دُونَهُ)، لِإِتْيَانِهِ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَ(لَا) يُعَاقَبُ بِذَلِكَ (إنْ قَالَهُ سِرًّا) فِي نَفْسِهِ. (وَإِنْ قَالَ) ذِمِّيٌّ: (هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ الْكِلَابُ أَوْلَادُ الْكِلَابِ إنْ أَرَادَ طَائِفَةً مُعَيَّنَةً) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عُوقِبَ عُقُوبَةً تَزْجُرُهُ وَأَمْثَالَهُ) عَنْ أَنْ يَعُودَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ الشَّنِيعِ (وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْعُمُومِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَوَجَبَ قَتْلُهُ)، لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَضَاضَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. (وَمَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ، فَحَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ، ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ فَكَذِمِّيٍّ)، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ دُونَ ذُرِّيَّتِهِ. وَتَخْرُجُ نَصْرَانِيَّةٌ لِشِرَاءِ زُنَّارٍ، وَلَا يَشْتَرِيهِ مُسْلِمٌ لَهَا، لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكُفْرِ، وَلَا يَأْذَنُ الْمُسْلِمُ لِزَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ أَمَتِهِ كَذَلِكَ أَنْ تَخْرُجَ إلَى عِيدٍ أَوْ تَذْهَبَ إلَى عِيدٍ أَوْ تَذْهَبَ إلَى بَيْعَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا ذَلِكَ.

.كِتَابُ الْبَيْعِ:

قَدَّمَهُ عَلَى الْأَنْكِحَةِ وَمَا بَعْدَهَا؛ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا غِنَى لِلْإِنْسَانِ عَنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَلِبَاسٍ، وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُهْتَمَّ بِهِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى؛ إذْ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، فَيَجِبُ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهِ. وَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَلَّفٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَبَعَثَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ يُقِيمُ مِنْ الْأَسْوَاقِ مَنْ لَيْسَ بِفَقِيهٍ. وَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَلِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقْرَارِهِ أَصْحَابَهُ عَلَيْهِ، وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ تَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَلَا يَبْذُلُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ غَالِبًا، فَفِي تَجْوِيزِ الْبَيْعِ وُصُولٌ لِغَرَضِهِ، وَدَفْعِ حَاجَتِهِ. وَهُوَ مَصْدَرُ بَاعَ يَبِيعُ إذَا مَلَكَ، وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى شَرَى، وَكَذَلِكَ شَرَى يَكُونُ لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: بَاعَ وَأَبَاعَ بِمَعْنًى، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبَاعِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَمُدُّ بَاعَهُ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ. وَشَرْعًا: (مُبَادَلَةُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ)، أَيْ دَفْعُهَا وَأَخْذِ عِوَضِهَا، فَلَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَهِيَ كُلُّ جِسْمٍ أُبِيحَ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ مُطْلَقًا، فَخَرَجَ نَحْوُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ النَّجِسَةِ وَالْحَشَرَاتِ وَالْكَلْبِ وَلَوْ لِصَيْدٍ (أَوْ) مُبَادَلَةُ (مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ) عَلَى الْإِطْلَاقِ، بِأَنْ لَا تَخْتَصَّ إبَاحَتُهَا بِحَالٍ دُونَ حَالٍ، كَمَمَرِّ دَارٍ وَبُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا، بِخِلَافِ نَحْوِ جِلْدِ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ، فَلَا يُبَاعُ هُوَ، وَلَا نَفْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مُطْلَقًا، بَلْ فِي الْيَابِسَاتِ (بِإِحْدَاهُمَا)، أَيْ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا. وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُبَادَلَةٍ، فَيَشْمَلُ نَحْوَ بَيْعِ كِتَابٍ بِكِتَابٍ، أَوْ بِمَمَرٍّ فِي دَارٍ، وَبَيْعِ نَحْوِ مَمَرٍّ فِي دَارٍ بِكِتَابٍ، أَوْ بِمَمَرٍّ فِي دَارٍ أُخْرَى (أَوْ) مُبَادَلَةُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا، (بِمَالٍ فِي الذِّمَّةِ) مِنْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَكَذَا مُبَادَلَةُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَيْنٍ مَالِيَّةٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ، أَوْ بِمَالٍ فِي الذِّمَّةِ، إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ (لِلْمِلْكِ) احْتِرَازًا عَنْ إعَارَةِ ثَوْبِهِ لِيُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ (عَلَى التَّأْبِيدِ) بِأَنْ لَمْ تَتَقَيَّدْ مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِمُدَّةٍ، أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ، فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ. (غَيْرَ رِبًا وَقَرْضٍ) إخْرَاجٌ لَهُمَا؛ فَإِنَّ الرِّبَا مُحَرَّمٌ، وَالْقَرْضُ وَإِنْ قُصِدَ فِيهِ الْمُبَادَلَةُ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ فِيهِ الْإِرْفَاقُ. (وَأَرْكَانُهُ)؛ أَيْ الْبَيْعِ (إنْ لَمْ يَكُنْ ضِمْنِيًّا)؛ كَ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي. فَإِذَا أَعْتَقَهُ؛ صَحَّ الْعِتْقُ عَنْ السَّائِلِ، وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ، مَعَ أَنَّهُ هُنَا لَمْ تُوجَدْ الْأَرْكَانُ كُلُّهَا. (أَرْبَعَةٌ: مُتَعَاقِدَانِ)، وَهُمَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِ (وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ)، وَهُوَ الْمَبِيعُ (وَصِيغَةٌ) قَوْلِيَّةٌ، (أَوْ مُعَاطَاةٌ). وَبَدَأَ بِالصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ؛ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ، فَقَالَ: (فَيَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ إنْ أُرِيدَ حَقِيقَتُهُ؛ بِأَنْ رَغِبَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا بَذَلَهُ مِنْ الْعِوَضِ، (لَا) إنْ وَقَعَ (هَزْلًا) بِلَا قَصْدٍ لِحَقِيقَتِهِ. (وَيُقْبَلُ)، قَوْلُ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمَا أَنَّهُ وَقَعَ هَزْلًا (بِيَمِينِهِ مَعَ قَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ؛ لَمْ يُقْبَلْ. (وَلَا) إنْ وَقَعَ (تَلْجِئَةً وَأَمَانَةً وَهُوَ)؛ أَيْ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ وَالْأَمَانَةِ (إظْهَارُهُ)؛ أَيْ الْبَيْعِ الَّذِي أُظْهِرَ؛ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ؛ (لِدَفْعِ ظَالِمٍ) عَنْ الْبَائِعِ، (وَلَا يُرَادُ) الْبَيْعُ (بَاطِنًا)؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ النِّيَّةُ فَقَطْ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (بَيْعُ الْأَمَانَةِ الْمَضْمُونَةِ) عَلَى الْقَابِضِ هُوَ (اتِّفَاقُهُمَا)؛ أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا جَاءَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَعَادَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ عَلَى الْبَائِعِ (مِلْكَهُ) الْمَأْخُوذَ مِنْهُ (يَنْتَفِعُ بِهِ)؛ أَيْ: بِالْبَيْعِ (مُشْتَرٍ بِإِجَارَةٍ وَسَكَنٍ وَنَحْوِهِ)؛ كَرُكُوبِ مَا يُرْكَبُ، وَحَلْبِ مَا يُحْلَبُ، (وَهُوَ عَقْدُ) الْبَيْعِ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ (بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَمَقْصُودُهُمَا)؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَيْنِ (إنَّمَا هُوَ الرِّبَا بِإِعْطَاءِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ لِأَجَلٍ، وَمَنْفَعَةُ الدَّارِ رِبْحٌ)؛ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى قَرْضٌ بِعِوَضٍ، وَالْوَاجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ، وَرَدُّ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي مَا قَبَضَهُ مِنْهُ ثَمَنًا عَنْ الْمَبِيعِ. لَكِنْ يُحْسَبُ لِلْبَائِعِ مِنْهُ مَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَالِ الَّذِي سَمَّيَا أُجْرَةً. وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي سَكَنَ؛ حُسِبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ فَتَحْصُلُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِهِ، وَيُرَدُّ الْفَضْلُ (بِإِيجَابٍ)- مُتَعَلِّقٌ بِ يَنْعَقِدُ- كَقَوْلِ بَائِعٍ (بِعْتُكَ) كَذَا، (أَوْ مَلَّكْتُك) كَذَا، (أَوْ وَلَّيْتُكَ) كَذَا، أَيْ: بِعْتُكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ. (أَوْ أَشْرَكْتُكَ) فِيهِ فِي بَيْعِ الشَّرِكَةِ وَتَأْتِي صُورَةُ التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ فِي السَّادِسِ مِنْ بَابِ الْخِيَارِ (أَوْ وَهَبْتُكَ) هَذَا بِكَذَا، (أَوْ أَعْطَيْتُكَهُ) بِكَذَا. وَيَقُولُ؛ كَقَوْلِ مُشْتَرٍ: (ابْتَعْتُ) ذَلِكَ، (أَوْ قَبِلْت أَوْ تَمَلَّكْتُ، أَوْ اشْتَرَيْتُ أَوْ أَخَذْتَ، وَنَحْوَهُ) كَ اسْتَبْدَلْتُ. (وَشَرْطٌ) لِانْعِقَادِ بَيْعٍ (كَوْنُ قَبُولٍ عَلَى وَفْقِ إيجَابٍ قَدْرًا)؛ فَلَوْ خَالَفَ؛ كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَهُ بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِثَمَانِيَةٍ؛ لَمْ يَنْعَقِدْ وَكَوْنُهُ عَلَى وَفْقِهِ (نَقْدًا وَصِفَةً وَحُلُولًا وَأَجَلًا. فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفِ) دِرْهَمٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ (صَحِيحَةٍ مَثَلًا، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ)؛ كَ اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ نِصْفُهَا صَحِيحٌ وَنِصْفُهَا مُكَسَّرٌ، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ، أَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى رَجَبٍ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: إلَى شَعْبَانَ، (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْإِيجَابِ، لَا قَبُولَ لَهُ. (وَصَحَّ تَقَدُّمُ قَبُولٍ) عَلَى إيجَابٍ (بِلَفْظِ أَمْرٍ)، وَيَأْتِي مِثَالُهُ أَوْ بِلَفْظِ مَاضٍ فَقَطْ مُجَرَّدٍ عَنْ نَحْوِ اسْتِفْهَامٍ، كَتَرَجٍّ وَتَمَنٍّ؛ كَقَوْلِ مُشْتَرٍ لِبَائِعٍ: (بِعْنِي) كَذَا بِكَذَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ؛ صَحَّ، وَهَذَا مِثَالُ الْأَمْرِ. (أَوْ) قَالَ مُشْتَرٍ: (اشْتَرَيْتُ) مِنْك هَذَا بِكَذَا، (فَيَقُولُ) الْبَائِعُ: (بِعْتُكَ وَنَحْوَهُ) مِمَّا تَقَدَّمَ؛ صَحَّ الْبَيْعُ، وَهَذَا مِثَالُ الْمَاضِي. (أَوْ) قَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْنِي هَذَا بِكَذَا، أَوْ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك بِكَذَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: (بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهِ، أَوْ) هُوَ (مُبَارَكٌ عَلَيْك) أَوْ قَالَ: (إنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَكَ)؛ صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إنْ قَالَ الْبَائِعُ: (بِعْتُهُ) بِكَذَا، (فَقَالَ) الْمُشْتَرِي: (أَنَا آخُذُهُ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ بِأَخْذِهِ. فَلَوْ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْكَ، صَحَّ؛ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. (وَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ إنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: (أَبِعْتنِي) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، (أَوْ لَيْتَك) بِعْتَنِي، بِالتَّمَنِّي، أَوْ لَعَلَّكَ تَبِيعُنِي، بِالتَّرَجِّي، (أَوْ تَبِيعُنِي)، بِالْمُضَارِعِ. وَهَذِهِ مُحْتَرَزَاتُ قَوْلِهِ: بِلَفْظِ الْأَمْرِ، أَوْ مَاضٍ فَقَطْ، مُجَرَّدٍ عَنْ نَحْوِ اسْتِفْهَامٍ وَتَمَنٍّ، (أَوْ قَالَ بَائِعٌ لِمُشْتَرٍ: اشْتَرِهِ بِكَذَا، أَوْ ابْتَعْهُ بِكَذَا، فَقَالَ) مُشْتَرٍ: (اشْتَرَيْتُهُ، أَوْ ابْتَعْتُهُ)؛ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، (مَا لَمْ يَقُلْ بَائِعٌ بَعْدَهُ)؛ أَيْ: بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ: بِعْتُكَ وَنَحْوَهُ كَمَلَّكْتُكَ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (وَصَحَّ تَرَاخِي أَحَدِهِمَا)؛ أَيْ: الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَنْ الْآخَرِ. (وَالْبَيِّعَانِ بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ)؛ أَيْ: الْبَيْعَ عُرْفًا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقَبْضِ فِيهِ لِمَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُمَا، أَوْ تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا، (فَلَا) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعْرَاضٌ عَنْ الْعَقْدِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَا بِالرَّدِّ. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَضُرُّ التَّشَاغُلُ بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا، إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا. (لَا) إنْ صَدَرَ مِنْ (مُتَوَلِّي طَرَفَيْهِ)؛ أَيْ: الْعَقْدِ، (لِإِجْزَاءِ أَحَدِهِمَا)؛ أَيْ: الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَنْ الْآخَرِ؛ كَصُدُورِ الْعَقْدِ مِنْ مُتَوَلِّي طَرَفَيْهِ فِي (نِكَاحٍ)؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُ فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ، وَلَا يَلْزَمُ قَوْلُهُ: وَقَبِلْتُ ذَلِكَ لَهُ، أَوْ يَقُولَ: تَزَوَّجْتُهَا لِفُلَانٍ، وَلَا يَلْزَمُ (قَوْلُهُ): وَقَبِلْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَإِذَا كَانَ هُوَ الزَّوْجَ فَيَكْفِي قَوْلُهُ: تَزَوَّجْتُهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: وَقَبِلْتُ ذَلِكَ لِنَفْسِي. وَالْبَيْعُ كَذَلِكَ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مَا بَطَلَ) بِهِ الْعَقْدُ (مِمَّا مَرَّ) مِنْ الصُّوَرِ؛ (يَصِحُّ)؛ أَيْ: يَنْقَلِبُ صَحِيحًا (إذَا قَبَضَ) الثَّمَنَ؛ (لِوُجُودِ الْمُعَاطَاةِ إذَنْ)؛ أَيْ: وَقْتَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ يَشْتَرِي مِنْ الْبَقَّالِ وَالْبَزَّازِ وَالْقَصَّابِ شَيْئًا فَشَيْئًا، بِنَفْسِهِ تَارَةً، وَبِوَكِيلِهِ تَارَةً أُخْرَى، مِنْ غَيْرِ مُسَاوَمَةٍ، وَلَا قَطْعِ ثَمَنٍ، ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ، يُحَاسِبُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَدْفَعُ لَهُ الثَّمَنَ. فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْقَبْضُ فِي الْمُعَاطَاةِ كُلَّ مَرَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا؛ لَضَاقَ الْأَمْرُ، وَلَزِمَ إبْطَالُ غَالِبِ الْعُقُودِ، وَاشْتِغَالُ الذِّمَمِ بِفَسَادِ الْمُعَامَلَةِ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا يَسَعُ النَّاسُ الْعَمَلَ بِغَيْرِهِ، فَلِلَّهِ دَرُّ مُسْتَنْبِطِهِ عَلَى نَظَرِهِ الدَّقِيقِ، وَاسْتِخْرَاجِهِ الْأَنِيقِ. (وَإِنْ كَاتَبَ) الْبَائِعُ (أَوْ رَاسَلَ غَائِبًا) عَنْ الْمَجْلِسِ قَائِلًا: (إنِّي بِعْتُكَ) كَذَا بِكَذَا، (أَوْ) إنِّي (بِعْتُ فُلَانًا كَذَا)، وَنَسَبَهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ بِكَذَا، (فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي) الْبَيْعَ (حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ)، صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ التَّرَاخِيَ مَعَ غِيبَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْ الْإِيجَابِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، فَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا، وَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ فِي النِّكَاحِ قَالَ فِي رَجُلٍ يَمْشِي إلَيْهِ قَوْمٌ: فَقَالُوا: زَوِّجْ فُلَانًا فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُهُ عَلَى أَلْفٍ، فَرَجَعُوا إلَى الزَّوْجِ، فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ (هَلْ يَكُونُ هَذَا نِكَاحًا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ) الْعَاقِدُ الْآخَرُ حَاضِرًا اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا جَازَ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْمَجْلِسِ، كَمَا قُلْنَا فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ. (وَيَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ (فِي غَيْرِ كِتَابَةٍ) وَفِي غَيْرِ ضِمْنِيٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ: (اعْتِقْ عَبْدَكَ عَلَى كَذَا) كَأَلْفٍ مَثَلًا. (وَيَتَّجِهُ وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا فِي غَيْرِ (تَوَلِّي طَرَفَيْهِ)؛ أَيْ: الْعَقْدِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِمُعَاطَاةٍ) نَصًّا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِدَلَالَةِ الْحَالِ. جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ اسْتِعْمَالُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي بَيْعِهِمْ، وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ لَنُقِلَ نَقْلًا شَائِعًا وَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَبِيَاعَاتِهِمْ عَلَى الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ؛ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي: (أَعْطِنِي بِهَذَا) الدِّرْهَمِ (خُبْزًا، فَيُعْطِيهِ) الْبَائِعُ (مَا يُرْضِيهِ)، وَهُوَ سَاكِتٌ، أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ: خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ، فَيَأْخُذُهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ. (أَوْ يُسَاوِمُهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ، فَيَقُولُ) بَائِعُهَا: (خُذْهَا)، فَيَأْخُذُهَا، وَهُوَ سَاكِتٌ، (وَنَحْوَهُ)؛ كَ أَعْطَيْتُكهَا، (أَوْ هِيَ لَكَ، أَوْ) يَقُولُ (خُذْ هَذِهِ) السِّلْعَةَ (بِدِرْهَمٍ فَيَأْخُذُهَا) مُشْتَرٍ وَهُوَ سَاكِتٌ (أَوْ) يَقُولُ مُشْتَرٍ: (كَيْفَ تَبِيعُ الْخُبْزَ؟ فَيَقُولُ) الْبَائِعُ: (كَذَا بِدِرْهَمٍ، فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: خُذْهُ)؛ أَيْ: الدِّرْهَمَ، (أَوْ اتَّزِنْهُ)، فَيَأْخُذُهُ، (أَوْ وَضَعَ) مُشْتَرٍ (ثَمَنَهُ) الْمَعْلُومَ لِمِثْلِهِ (عَادَةً، وَأَخَذَهُ)؛ أَيْ: الْمَوْضُوعَ ثَمَنُهُ (عَقِبَهُ)؛ أَيْ: عَقِبَ وَضْعِ ثَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(وَ) قَالَ (فِي الْمُبْدِعِ ظَاهِرُهُ) الصِّحَّةُ، (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ حَاضِرًا)؛ لِلْعُرْفِ. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ (هَذَا)، أَيْ: وَضْعِ الثَّمَنِ وَأَخْذُ الْمُثَمَّنِ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ (فِي) مَبِيعٍ (يَسِيرٍ) عُرْفًا، كَحُزَمِ الْبَقْلِ وَنَحْوِهَا، مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ ثَمَنُهُ، بِخِلَافِ مَبِيعٍ لَهُ شَأْنٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ مَالِكِهِ، أَوْ وَكِيلِهِ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُعْتَبَرُ فِي) صِحَّةِ بَيْعٍ (مُعَاطَاةُ مُعَاقَبَةُ الْقَبْضِ) لِلطَّلَبِ، فِي نَحْوِ خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ، (أَوْ) مُعَاقَبَةُ (الْإِقْبَاضِ) لِلطَّلَبِ، فِي نَحْوِ أَعْطِنِي بِهَذَا خُبْزًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ عَدَمُ التَّأْخِيرِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيِّ، بِأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ، أَوْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا؛ فَفِي الْمُعَاطَاةِ أَوْلَى نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ قُنْدُسٍ. وَالْعَطْفُ بِالْفَاءِ، فِي نَحْوِ فَيُعْطِيهِ وَمَا بَعْدَهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي الْمُعَاطَاةِ مُبْطِلٌ، وَلَوْ كَانَا بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ؛ لِضَعْفِهَا عَنْ الصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ. (وَكَذَا هِبَةٌ وَهَدِيَّةٌ وَصَدَقَةٌ)؛ فَتَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ؛ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي الْمَعْنَى، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، اسْتِعْمَالُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا)؛ أَيْ: اعْتِبَارُ الْقَبْضِ، أَوْ الْإِقْبَاضِ: (لِصِحَّةِ الْبَيْعِ إذَنْ)؛ أَيْ: وَقْتَ التَّنَاوُلِ، (وَإِلَّا؛ فَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (بِقَبْضٍ مُتَأَخِّرٍ) عَنْ التَّنَاوُلِ.- وَإِنْ تَرَاخَى الْقَبْضُ- لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَقَدَّمَ آنِفًا مَعَنَا. (وَلَا بَأْسَ بِذَوْقٍ مَبِيعٍ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ) عِلْمٌ (عِنْدَ شِرَاءٍ نَصًّا وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ وَالْإِنْصَافِ وَغَيْرِهَا، (خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: مَعَ الْإِذْنِ،
(وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ مَرَّةً: لَا أَدْرِي) إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَالْوَرَعُ الْعَمَلُ بِالثَّانِي.

.(فَصْلٌ): [شُرُوطُ الْبَيْعِ]:

(وَشُرُوطُهُ)؛ أَيْ: الْبَيْعِ (سَبْعَةٌ). أَحَدُهَا:

.[الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الرِّضَا بِأَنْ يَتَبَايَعَا اخْتِيَارًا]:

(الرِّضَا) بِأَنْ يَتَبَايَعَا اخْتِيَارًا: فَلَا يَصِحُّ إنْ أُكْرِهَ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ»، (إلَّا مِنْ مُكْرَهٍ بِحَقٍّ؛ كَرَاهِنٍ) يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، كَإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ، (وَمُحْتَكِرٍ) يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ غَلَّتِهِ زَمَنَ غَلَاءٍ، (وَمَدِينٌ مُمْتَنِعٍ) مِنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ؛ فَيُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ عَقَارِهِ.

.[الشَّرْطُ الثَّانِي: الرُّشْدُ]:

الشَّرْطُ (الثَّانِي: الرُّشْدُ): يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ؛ أَيْ: حُرًّا مُكَلَّفًا رَشِيدًا؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ، وَلَا مِنْ صَغِيرٍ، وَنَائِمٍ، وَسَكْرَانَ، وَمُبَرْسَمٍ، وَسَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الرِّضَا، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الرُّشْدُ، كَالْإِقْرَارِ، (إلَّا فِي) شَيْءٍ (يَسِيرٍ)؛ كَرَغِيفٍ، وَحُزْمَةِ بَقْلٍ، وَقِطْعَةِ حَلْوَى وَنَحْوِهَا؛ فَيَصِحُّ مِنْ قِنٍّ صَغِيرٍ، وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمْ لِخَوْفِ ضَيَاعِ الْمَالِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْيَسِيرِ، وَإِلَّا (إذَا أَذِنَ لِمُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ وَلِيُّهُمَا)؛ فَيَصِحُّ- وَلَوْ فِي الْكَثِيرِ- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} (وَيَحْرُمُ) إذْنُ وَلِيٍّ لَهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا (بِلَا مَصْلَحَةٍ)؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ. (وَيَتَّجِهُ) وَأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى وَلِيِّ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ حِفْظُ مَالِهِمَا، وَتَنْمِيَتُهُ، وَفِعْلُ مَا فِيهِ (حَظٌّ) وَمَصْلَحَةٌ لَهُمَا، فَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِلَا مَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَيْهِمَا؛ فَيَكُونُ مُفَرِّطًا، (وَيَضْمَنُ) مَا أَتْلَفَاهُ مِنْ مَالِهِمَا بِفِعْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ الْمُسَلِّطُ لَهُمَا عَلَى مَا يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) أَذِنَ (لِقِنٍّ سَيِّدُهُ)، فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ؛ لِزَوَالِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِإِذْنٍ لَهُ، (وَلَا يَصِحُّ مِنْ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ قَبُولُ هِبَةٍ، وَوَصِيَّةٍ بِلَا إذْنِ) وَلِيٍّ لَهُمَا؛ كَالْبَيْعِ؛ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ لَوْ قَبِلَ الْمُمَيِّزُ مَا أُهْدِيَ أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِ؛ يَصِحُّ قَبُولُهُ، وَيَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ، (وَلَكِنْ) عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَحْفَظَهُ لَهُ؛ كَبَاقِي مَالِهِ، ثُمَّ (يَتَصَرَّفُ فِيهَا)؛ أَيْ: الْهَدِيَّةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ مُمَيِّزٌ (إذَا بَلَغَ) رَشِيدًا؛ (لِرِضَا رَبِّهَا بِذَلِكَ).
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الصَّوَابُ الصِّحَّةُ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ الشَّارِحُ (صِحَّتَهُ)، أَيْ صِحَّةَ قَبُولِ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ (مِنْ مُمَيِّزٍ) بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ؛ (كَعَبْدٍ)؛ أَيْ: كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ مَحْضٌ، فَهُوَ كَاحْتِشَاشِهِ وَاصْطِيَادِهِ، وَيَكُونَانِ لِسَيِّدِهِ، (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ قِنٍّ فِي ذِمَّتِهِ)؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا شِرَاءٌ بِعَيْنٍ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ؛ (كَسَفِيهٍ) بِجَامِعِ الْحَجْرِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا. (وَتُقْبَلُ هَدِيَّةٌ مِنْ مُمَيِّزٍ أُرْسِلَ بِهَا)، وَمِمَّنْ دُونَهُ فِي السِّنِّ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا، كَقَبُولِ (إذْنِهِ فِي دُخُولِ مَنْزِلٍ)؛ عَمَلًا بِالْعُرْفِ. (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى فِي جَامِعِهِ: (وَ) تُقْبَلُ هَدِيَّةٌ (مِنْ كَافِرٍ وَفَاسِقٍ) أُرْسِلَ بِهَا، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي إجْمَاعًا فِي مَوْضِعٍ؛ يَقْبَلُهُ مِنْهُ (إذَا ظَنَّ صِدْقَهُ) بِقَرِينَةٍ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَّجِهٌ.

.[الشَّرْطُ الثَّالِثُ: كَوْنُ الْمَبِيعٍ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَنًا كَانَ أَوْ مُثَمَّنًا]:

الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: كَوْنُ مَبِيعٍ) مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ثَمَنًا كَانَ أَوْ مُثَمَّنًا (مَالًا)؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُقَابَلُ بِهِ، (وَهُوَ)؛ أَيْ: الْمَالُ شَرْعًا (مَا يُبَاحُ نَفْعُهُ مُطْلَقًا)؛ أَيْ: فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ؛ (بِخِلَافِ جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ)؛ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ نَفْعُهُ إلَّا فِي الْيَابِسَاتِ، (وَ) يُبَاحُ (اقْتِنَاؤُهُ بِلَا حَاجَةٍ)، فَيَخْرُجُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ؛ كَالْحَشَرَاتِ، وَمَا فِيهِ نَفْعٌ مُحَرَّمٌ؛ كَخَمْرٍ، وَمَا لَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ؛ كَالْمَيْتَةِ، وَمَا لَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ؛ كَالْكَلْبِ؛ (كَبَغْلٍ وَحِمَارٍ)؛ لِانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِمَا، وَتَبَايُعِهِمَا فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، (وَكَدُودِ قَزٍّ وَبَذْرِهِ)؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْحَرِيرُ الَّذِي هُوَ أَفْخَرُ الْمُلَابِسِ؛ بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا، (وَكَنَحْلٍ مُنْفَرِدٍ) عَنْ كُوَّارَتِهِ؛ أَيْ: خَارِجٍ عَنْهَا، بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ، يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهِ شَرَابٌ فِيهِ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ، فَهُوَ، كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، (أَوْ) نَحْلٍ (مَعَ كِوَارَتِهِ) خَارِجًا عَنْهَا، وَنَحْلٍ مَعَ كِوَارَتِهِ (فِيهَا إذَا شُوهِدَ دَاخِلًا إلَيْهَا) لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ. (وَشَرْطُ مَعْرِفَتِهِ)؛ أَيْ: النَّحْلِ (بِفَتْحِ رَأْسِهَا) أَيْ: الْكِوَارَاتِ؛ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُشَاهَدَتُهُ دَاخِلًا إلَيْهَا، بَلْ يَكْفِي رُؤْيَتُهُ فِيهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: (وَخَفَاءُ بَعْضِهِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ)؛ أَيْ: صِحَّةَ الْبَيْعِ؛ (كَالصُّبْرَةِ)؛ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِهَا اسْتِتَارُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَالْمَذْهَبُ لَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ دَاخِلًا إلَيْهَا؛ فَلَا يَكْفِي فَتْحُ رَأْسِهَا وَمُشَاهَدَتُهُ فِيهَا. جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (وَيَدْخُلُ الْعَسَلُ) الْمَوْجُودُ فِي الْكِوَارَةِ حَالَ الْبَيْعِ (تَبَعًا) لَهَا كَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ، وَ(لَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَا كَانَ مَسْتُورًا) مِنْ النَّحْلِ (بِأَقْرَاصِهِ)، وَلَمْ يُعْرَفْ لِلْجَهَالَةِ، (وَلَا) بَيْعُ (كِوَارَةٍ بِمَا فِيهَا مِنْ عَسَلٍ وَنَحْلٍ) لِلْجَهَالَةِ (وَكَهِرٍّ) فَيَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحِ: ( «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ لَهَا حَبَسَتْهَا»). وَالْأَصْلُ فِي اللَّامِ لِلْمِلْكِ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يُبَاحُ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ؛ أَشْبَهَ الْبَغْلَ، (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْهَدْيِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ؛ فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ، فَقَالَ: (زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ») وَفِي لَفْظٍ: ( «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ»). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ مِنْهَا، أَوْ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْهَا (وَكَفِيلٍ)؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ؛ أَشْبَهَ الْبَغْلَ. (وَمَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَبُومَةٍ) تُجْعَلُ (شباشا)؛ أَيْ: تُخَاطُ عَيْنَاهَا وَتُرْبَطُ؛ لِيَنْزِلَ عَلَيْهَا الطَّيْرُ، (وَكُرِهَ فِعْلُ ذَلِكَ) بِالْبُومَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهَا. (أَوْ) يُصَادُ (بِهِ؛ كَدِيدَانٍ وَسِبَاعِ بَهَائِمَ) تَصْلُحُ لِصَيْدٍ؛ كَفُهُودِ. (وَكَطَيْرٍ لِقَصْدِ صَوْتِهِ)؛ كَهَزَارٍ وَبَبَّغَاءٍ- وَهِيَ الدَّرَّةُ- وَبُلْبُلٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُبَاحًا، فَيَصِحُّ بَيْعُهُ- وَإِنْ كُرِهَ حَبْسُهُ لِذَلِكَ- لِلتَّلَذُّذِ بِصَوْتِهِ؛ (لِكَوْنِهِ)؛ أَيْ: حَبْسِهِ (مِنْ الْبَطَرِ)؛ وَهُوَ قِلَّةُ احْتِمَالِ النَّعْمَةِ وَالدَّهَشِ وَالْحِيرَةِ، وَالطُّغْيَانِ بِالنَّعْمَةِ، وَكَرَاهَةِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْكَرَاهَةَ. (وَالْأَشِرُ): هُوَ النِّشَادُ وَالِاخْتِيَالُ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (وَيُعَدُّ سَفَهًا)؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، (أَوْ) جَوَارِحِ طَيْرٍ (تَصْلُحُ لِصَيْدٍ)؛ كَبَازٍ وَصَقْرٍ (وَوَلَدِهَا وَفَرْخِهَا وَبَيْضِهَا)؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ، (إلَّا الْكَلْبَ)؛ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ. وَكَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ (بَقِيَّةِ حَشَرَاتٍ؛ كَعَقْرَبٍ وَفَأْرٍ) وَخَنَافِسَ وصراصر وَحَيَّاتٍ.
(وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ (سِبَاعِ) بَهَائِمَ لَا تَصْلُحُ لِصَيْدٍ، وَلَا (جَوَارِحَ لَا تَصْلُحُ) لِصَيْدٍ؛ كَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَسَبُعٍ، وَلَا جَوَارِحَ طَيْرٍ؛ (كَنِسْرٍ وَغُرَابٍ) لَا يُؤْكَلُ، وَعَقْعَقٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا كَالْحَشَرَاتِ. (وَمَنْ قَتَلَ كَلْبًا) يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ (مُعَلَّمًا) الصَّيْدَ؛ (أَسَاءَ لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا، وَلَا غُرْمَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ؛ فَلَا قِيمَةَ لَهُ، وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ غَيْرِ أَسْوَدِ بَهِيمٍ وَعَقُورٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ هُنَاكَ. (وَحَرُمَ اقْتِنَاءُ) كَلْبٍ (غَيْرِ مُعَلَّمٍ- وَلَوْ لِحِفْظِ بُيُوتٍ- خِلَافًا لِجَمْعٍ)، مِنْهُمْ الْحَارِثِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ كِتَابِهِ، فِي الْوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْكَلْبِ: وَالصَّحِيحُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ بِمَا عَدَا كَلْبَ الصَّيْدِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ، (غَيْرَ كَلْبِ مَاشِيَةٍ وَصَيْدٍ وَحَرْثٍ)؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَجُوزُ تَرْبِيَةُ جَرْوٍ صَغِيرٍ لِذَلِكَ)؛ أَيْ: لِمَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ حَرْثٍ؛ لِأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ مَا يُبَاحُ. وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ ثُمَّ تَرَكَ الصَّيْدَ مُدَّةً وَهُوَ يُرِيدُ الْعَوْدَةَ إلَيْهِ؛ لَمْ يَحْرُمْ اقْتِنَاؤُهُ فِي مُدَّةِ تَرْكِهِ وَكَذَا لَوْ اقْتَنَاهُ لِزَرْعٍ لَوْ حَصَدَ الزَّرْعَ؛ أُبِيحَ اقْتِنَاؤُهُ حَتَّى يَزْرَعَ زَرْعًا آخَرَ. وَكَذَا لَوْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ، أَوْ بَاعَهَا وَهُوَ يُرِيدُ شِرَاءَ غَيْرِهَا؛ فَلَهُ إمْسَاكُ كَلْبِهَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِي الَّتِي يَشْتَرِيهَا. (وَمَنْ مَاتَ وَفِي يَدِهِ كَلْبٌ) يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ؛ (فَوَرَثَتُهُ أَحَقُّ بِهِ)؛ كَسَائِرِ الِاخْتِصَاصِ، (وَيَجُوزُ إهْدَاءُ كَلْبٍ مُبَاحٍ، وَالْإِثَابَةُ عَلَيْهِ)، لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ. (وَكَقِرْدٍ لِحِفْظٍ)؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ، (وَلَا) يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ (لِلَّعِبِ، وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ) قَالَ: أَكْرَهُ بَيْعَ الْقِرْدِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَافَةِ بِهِ، وَاللَّعِبِ. فَأَمَّا بَيْعُهُ لِحِفْظٍ الْمَتَاعِ وَالدُّكَّانِ وَنَحْوِهِ؛ فَيَجُوزُ؛ كَالصَّقْرِ، (وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ لِلَّعِبِ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَكَعَلَقٍ لِمَصِّ دَمٍ)؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ. (وَكَلَبَنِ آدَمِيَّةٍ) انْفَصَلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ يُنْتَفَعُ بِهِ؛ كَلَبَنِ الشَّاةِ، (لَا) لَبَنِ (رَجُلٍ وَيُكْرَهُ)؛ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ. (وَكَقِنٍّ مُرْتَدٍّ)؛ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ يُنْتَفَعُ بِهِ. وَخَشْيَةُ هَلَاكِهِ لَا تَمْنَعُ بَيْعَهُ، وَكَقِنٍّ (مَرِيضٍ، وَلَوْ مَأْيُوسًا مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْرَأُ، فَيُنْتَفَعُ بِهِ، وَكَقِنٍّ (جَانٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، خَطَأً كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْ عَمْدًا؛ عَلَى نَفْسٍ فَمَا دُونَهَا، أَوْجَبَتْ الْقِصَاصَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَقٌّ ثَبَتَ بِغَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِ؛ فَلَمْ يُمْنَعْ بَيْعُهُ؛ كَالدَّيْنِ، وَلِجَاهِلٍ بِالرِّدَّةِ أَوْ الْجِنَايَةِ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ؛ كَالْعَيْبِ، وَيَأْتِي وَكَقِنٍّ (قَاتَلَ فِي مُحَارَبَةٍ) تَحَتَّمَ قَتْلُهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ إلَى قَتْلِهِ، أَوْ يُعْتَقُ فَيَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ (أَمَةٍ لِمَنْ بِهِ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ) كَجُذَامٍ وَبَرَصٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُرَادُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَفِي تَحْرِيمِ وَطْئِهَا وَجْهَانِ، أَوْلَاهُمَا: لَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ) لِمِلْكِهِ لَهَا وَلِمَنَافِعِهَا، (وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ حَكَاهُ) عَنْهُمْ (ابْنُ الْعِمَادِ) فِي كِتَابِ التِّبْيَانِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْحَيَوَانِ. (وَيَتَّجِهُ بَلْ) يَجُوزُ لَهَا أَنْ (تَمْنَعَهُ؛ لِلْإِيذَاءِ؛ لِأَنَّ) وَطْأَهُ يُؤْذِيهَا، وَ(الْإِيذَاءُ حَرَامٌ)، بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمَّ الْجَذْمَاءَ أَوْ الْبَرْصَاءَ يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ حَضَانَةِ وَلَدِهَا، مَعَ أَنَّ الطِّفْلَ لَا يَعْقِلُ النَّفْرَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَا التَّأَذِّي بِهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَنْذُورٍ عِتْقُهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ؛ لِوُجُوبِ عِتْقِهِ بِالنَّذْرِ؛ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِبَيْعِهِ بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ.
وَ(لَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَيْتَةٍ، وَلَوْ طَاهِرَةً) كَالْعَقْرَبِ وَمَيْتَةِ الْآدَمِيِّ؛ لِعَدَمِ النَّفْعِ بِهَا (غَيْرَ نَحْوِ سَمَكٍ وَجَرَادٍ) مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ الَّتِي لَا تَعِيشُ إلَّا فِيهِ؛ لِحِلِّ مَيْتَتِهَا. (وَلَا) بَيْعَ (سِرْجِينٍ نَجِسٍ)؛ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ بَيْعِ سِرْجِينٍ طَاهِرٍ، كَرَوْثِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ. (وَيَتَّجِهُ) يَحْرُمُ بَيْعُ سِرْجِينٍ (مُتَنَجِّسٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) بَيْعُ (دُهْنٍ نَجِسٍ) كَشَحْمِ مَيْتَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهَا، (أَوْ) دُهْنِ (مُتَنَجِّسٍ)؛ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ لَاقَتْهُ نَجَاسَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِغَسْلٍ، أَشْبَهَ نَجَسَ الْعَيْنِ؛ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، (وَلَوْ لِكَافِرٍ)؛ لِأَنَّهُ إذَا حُرِّمَ شَيْءٌ حُرِّمَ ثَمَنُهُ؛ لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» (وَيَجُوزُ) دَفْعُ أَدْهَانٍ مُتَنَجِّسَةٍ لِكَافِرٍ (فِي فِكَاكِ) أَسِيرٍ (مُسْلِمٍ)؛ تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ الْأَسْرِ، وَهَذَا لَيْسَ بَيْعًا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ افْتِدَاءٌ. وَعَلَى دَافِعِ ذَلِكَ أَنْ (يُعْلِمَ الْكَافِرَ بِنَجَاسَتِهِ)؛ أَيْ: الدُّهْنِ؛ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ؛ فَلَا يَبِيعُهُ لِمُسْلِمٍ. (وَيَجُوزُ اسْتِصْبَاحٌ) بِدُهْنٍ (مُتَنَجِّسٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَعَدَّى نَجَاسَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَاسْتِعْمَالُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَعَدَّى، بِأَنْ تُجْعَلَ فِي إبْرِيقٍ وَيُصَبُّ مِنْهَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَلَا يُمَسُّ أَوْ يَدَعُ عَلَى رَأْسِ الْجَرَّةِ الَّتِي فِيهَا الدُّهْنُ سِرَاجًا مَثْقُوبًا، وَيُطَيِّنُهُ عَلَى رَأْسِ إنَاءِ الدُّهْنِ، وَكُلَّمَا نَقَصَ دُهْنُ السِّرَاجِ صَبَّ فِيهِ مَاءً بِحَيْثُ يَرْفَعُ الدُّهْنَ، فَيَمْلَأُ السِّرَاجَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (تِرْيَاقٍ فِيهِ لُحُومُ حَيَّاتٍ)؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ فَخَلَا مِنْ نَفْعٍ مُبَاحٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ إذَا كَانَ خَالِيًا مِنْ لُحُومِ الْحَيَّاتِ وَمِنْ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ كَسَائِرِ الْمَعَاجِينِ الْخَالِيَةِ مِنْ مُحَرَّمٍ. (وَلَا) بَيْعُ (سُمُومٍ قَاتِلَةٍ؛ كَسُمِّ الْأَفَاعِي)؛ لِخُلُوِّهَا مِنْ نَفْعٍ مُبَاحٍ، (فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ نَبَاتٍ) مَسْمُومٍ، (فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ كَانَ يَقْتُلُ قَلِيلُهُ؛ فَكَذَلِكَ) بَيْعُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) بِأَنْ انْتَفَعَ بِهِ؛ وَأَمْكَنَ التَّدَاوِي بِيَسِيرِهِ؛ (جَازَ؛ كَبَيْعِ سَقَمُونْيَا وَنَحْوِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ. (وَحُرِّمَ بَيْعُ مُصْحَفٍ) مُطْلَقًا، وَلَوْ فِي دَيْنٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِذَالِهِ وَتَرْكِ تَعْظِيمِهِ، (وَلَا يَصِحُّ) بَيْعُهُ (لِكَافِرٍ فَقَطْ) دُونَ الْمُسْلِمِ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لَهُ مَعَ الْحُرْمَةِ. (خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ مَنَعَ صِحَّةَ بَيْعِهِ مُطْلَقًا.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَلَا يَصِحُّ لِكَافِرٍ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى. (وَإِنْ مَلَكَهُ)؛ أَيْ: الْكَافِرُ، (بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ) (وَيَتَّجِهُ كَنَسْخِهِ) بِيَدِهِ، أَوْ اسْتِنْسَاخِهِ بِأُجْرَةٍ، (وَاسْتِيلَائِهِ) عَلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ اسْتِنْقَاذِهِ إيَّاهُ مِنْ (حَرْبِيٍّ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْهُ) خَشْيَةَ امْتِهَانِهِ (وَكَذَا)، أَيْ: كَبَيْعِ الْمُصْحَفِ (إجَارَتُهُ)، فَتَحْرُمُ وَلَا تَصِحُّ. (وَيَأْتِي ذِكْرُهُ) فِي بَابِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ، (وَكَذَا) يَحْرُمُ بَذْلُ مُصْحَفٍ (فِي سَائِرِ عُقُودٍ) كَبَذْلِهِ عِوَضًا عَنْ (مَهْرٍ)، وَبَدَلِ عِوَضِ (خُلْعٍ)، وَبَدَلِ أُجْرَةٍ نَحْوِ عَقَارٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ. وَاتِّجَاهُهُ فِي مَحَلِّهِ. (تَنْبِيهٌ) يَلْزَمُ بَذْلُ الْمُصْحَفِ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ؛ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ، وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَى رَبِّهِ. (وَلَا يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ)؛ أَيْ: الْمُصْحَفِ مِمَّنْ يَبْتَذِلُهُ؛ (اسْتِنْقَاذًا) لَهُ؛ كَشِرَاءِ الْأَسِيرِ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يُكْرَهُ (إبْدَالُهُ لِمُسْلِمٍ بِمُصْحَفٍ آخَرَ)، وَلَوْ مَعَ دَرَاهِمَ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ عَنْهُ، وَلَا عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ، بِخِلَافِ أَخْذِ ثَمَنِهِ. وَلَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ- وَلَوْ فِي دَيْنٍ- لَمْ يُبَعْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَجُوزُ نَسْخُهُ)؛ أَيْ: الْمُصْحَفِ (بِأُجْرَةٍ) حَتَّى مِنْ مُحْدِثٍ وَكَافِرٍ بِلَا حَمْلٍ وَلَا مَسٍّ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ. وَيَجُوزُ (وَقْفُهُ)؛ أَيْ: الْمُصْحَفِ، (وَهِبَتُهُ، وَوَصِيَّةٌ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِيَاضَ فِي ذَلِكَ عَنْهُ. (وَيَصِحُّ شِرَاءُ كُتُبِ زَنْدَقَةٍ، وَنَحْوِهَا) كَتَنْجِيمٍ، وَسِحْرٍ، وَكِيمْيَاءَ، وَكُتُبٍ مُبْتَدَعَةٍ (لِيُتْلِفَهَا)؛ لِمَا فِيهَا مِنْ مَالِيَّةِ الْوَرَقِ، وَتَعُودُ وَرَقًا مُنْتَفَعًا بِهِ بِالْمُعَالَجَةِ. وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ (خَمْرٍ لِيُرِيقَهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا، وَلَا مَالِيَّةَ. وَلَا شِرَاءُ (آلَةِ لَهْوٍ لِيَكْسِرَهَا)؛ كَمِزْمَارٍ، وَطُنْبُورٍ، وَنَرْدٍ، وَشَطْرَنْجٍ، وَنَحْوِهِ.