فصل: فَصْلٌ: (شُرُوطُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [في البحيرةِ والسائبة]:

(كَانَ الْجَاهِلِيَّةُ يَتَقَرَّبُونَ إلَى اللَّهِ بِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ أَبْطَلَهَا)- سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى- بِقَوْلِهِ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} الْآيَةَ. (فَالْبَحِيرَةُ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تُنْتِجُ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ آخِرَهَا ذَكَرٌ، فَيَشُقُّ مَالِكُهَا، أُذُنَهَا، وَيُخَلِّي سَبِيلَهَا، وَلَا يَنْتَفِعُ) هُوَ وَلَا عِيَالُهُ (بِهَا وَلَا بِلَبَنِهَا وَلَا يَجُزُّ وَبَرَهَا [وَلَا] يَمْنَعَهَا الْمَاءَ وَالْكَلَأَ، بَلْ يُخَلِّيهِ)، أَيْ: لَبَنَهَا (لِلضُّيُوفِ) فَقَطْ. (وَالسَّائِبَةُ نَوْعَانِ) إحْدَاهُمَا: (الْعَبْدُ يَعْتِقُهُ مَالِكُهُ سَائِبَةً لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا بِوَلَائِهِ.
وَالثَّانِي: الْبَعِيرُ يُسَيِّبُهُ مَالِكُهُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَلَا يَحْبِسُهُ عَنْ مَرْعَى وَلَا مَاءٍ وَلَا يَرْكَبُهُ، وَتَجْعَلُهُ كَالْبَحِيرَةِ فِي تَحْرِيمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ). (وَالْوَصِيلَةُ نَوْعَانِ) أَيْضًا (إحْدَاهُمَا: الشَّاةُ تُنْتِجُ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ عِنَاقَيْنِ عِنَاقَيْنِ، فَإِنْ نَتَجَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّامِنَةِ جَدْيًا وَعِنَاقًا) مَعًا، أَيْ: ذَكَرًا وَأُنْثَى (قَالُوا وَصَلَتْ أَخَاهَا، فَلَا يَذْبَحُونَهُ لِأَجْلِهَا، وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَ الْأُمِّ إلَّا الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَجَرَتْ مَجْرَى السَّائِبَةِ) وَتَقَدَّمَ. (وَالثَّانِي: الشَّاةُ كَانَتْ إذَا نَتَجَتْ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ، أَوْ)، أَيْ: وَإِذَا نَتَجَتْ (أُنْثَى) فَهِيَ لَهُمْ أَوْ نَتَجَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى قَالُوا وَصَلَتْ أَخَاهَا فَلَمْ يَذْبَحُوا الذَّكَرَ لِآلِهَتِهِمْ. (وَالْحَامِي هُوَ الْفَحْلُ مِنْ الْإِبِلِ يَضْرِبُ فِي إبِلِ الشَّخْصِ عَشْرَ سِنِينَ فَيُخَلَّى سَبِيلُهُ، وَيَقُولُونَ قَدْ حَمَى ظَهْرَهُ، فَلَا يَنْتَفِعُونَ مِنْ ظَهْرِهِ بِشَيْءٍ) وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعَى، وَإِذَا مَاتَ أَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِأَكْثَمَ الْخُزَاعِيِّ يَا أَكْثَمُ رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ، فَمَا رَأَيْنَا مِنْ رَجُلٍ أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ، وَلَا بِهِ مِنْكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ، وَنَصَبَ الْأَوْثَانَ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةِ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ، وَحَمَى الْحَامِيَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ بِرِيحِ قَصَبِهِ، فَقَالَ أَكْثَمُ، أَيَضُرُّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، إنَّكَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ»، وَالْمَعْنَى مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ وَلَا أَمَرَ بِالتَّبْحِيرِ وَلَا التَّسْيِيبِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ الشَّرْطُ (الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ) لَا مِنْ أَخْرَسَ (عِنْدَ إرْسَالٍ) أَوْ رَمْيٍ لِنَحْوِ سَهْمٍ أَوْ مِعْرَاضٍ أَوْ نَصْبِ نَحْوِ مِنْجَلٍ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَوْجُودُ مِنْ الصَّائِدِ، فَاعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ (كَمَا) تُعْتَبَرُ (فِي ذَكَاةٍ) وَتُجْزِئُ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ، وَلَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ (إلَّا أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ هُنَا)، أَيْ فِي الصَّيْدِ (سَهْوًا) وَلَا جَهْلًا، لِلنُّصُوصِ الْخَاصَّةِ، وَلِأَنَّ الذَّبِيحَةَ (تَكْثُرُ فَيَكْثُرُ السَّهْوُ فِيهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الذَّبِيحَةِ) وَالصَّيْدِ بِأَنَّ الذَّبْحَ يَقَعُ فِي الذَّبِيحَةِ فِي مَحِلِّهِ، فَجَازَ أَنْ يُسَامَحَ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ (وَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ التَّسْمِيَةِ) بِزَمَنٍ (يَسِيرٍ) عُرْفًا كَالْعِبَادَاتِ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ (تَأْخِيرٌ كَثِيرٌ) لِلتَّسْمِيَةِ (فِي جَارِحٍ إذَا زَجَرَهُ فَانْزَجَرَ) إقَامَةً لِذَلِكَ مَقَامَ ابْتِدَاءِ إرْسَالِهِ. (وَلَوْ سَمَّى عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ، لَا إنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ وَرَمَى بِغَيْرِهِ) فَلَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ، اُعْتُبِرَ فِي آلَتِهِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمَّى عَلَى سِكِّينٍ ثُمَّ أَلْقَاهَا وَذَبَحَ بِغَيْرِهَا) لِوُجُودِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ بِعَيْنِهَا، وَتَقَدَّمَ لَوْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَ غَيْرِهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ، لَمْ تَحِلَّ، سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ. وَإِنْ رَأَى قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ أَخَذَ شَاةً فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لَمْ يَحِلَّ- وَلَوْ جَهْلًا-؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ يُؤَاخَذُ، بِخِلَافِ النَّاسِي.
تَتِمَّةٌ:
دَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ مَأْكُولٌ كَمَيْتِهِ.

.كِتَابُ الْأَيْمَانِ:

(الْأَيْمَانُ وَاحِدُهَا يَمِينٌ وَهِيَ الْقَسَمُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالسِّينِ (وَالْإِيلَاءُ وَالْحَلِفُ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ) تَأْتِي أَمْثِلَتُهَا (فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِ الْأَخْرَسِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْفُرُوعِ فِي) بَابِ (صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِانْعِقَادِهَا)، أَيْ: الْيَمِينِ (مِنْهُ) كَالنِّيَّةِ. وَأَصْلُ الْيَمِينِ الْيَدُ الْمَعْرُوفَةُ، سُمِّيَ بِهَا الْحَلِفُ، لِإِعْطَاءِ الْحَالِفِ يَمِينَهُ فِيهِ كَالْعَهْدِ وَالْمُعَاقَدَةِ. (فَالْيَمِينُ تَوْكِيدُ حُكْمٍ)، أَيْ: مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ (بِذِكْرِ مُعَظَّمٍ)، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ بِهِ (عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) كَقَوْلِهِ- تَعَالَى-: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ (وَجَوَابُهَا كَشَرْطٍ وَجَزَاءٍ) وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ} {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}، وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوَضْعُهَا فِي الْأَصْلِ لِتَأْكِيدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إي وَرَبِّي إنَّهُ لَحَقٌّ} وَ{قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} (وَالْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ إرَادَةُ تَحْقِيقِ خَبَرٍ) أَيْ: حُكْمٌ يَصِحُّ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ (فِيهِ) أَيْ: الْمُسْتَقْبَلِ (مُمْكِنٌ) كَقِيَامٍ وَسَفَرٍ وَضَرْبٍ (بِقَوْلٍ يُقْصَدُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى فِعْلِ الْمُمْكِنِ أَوْ تَرْكِهِ) نَحْوَ وَاَللَّهِ لَأَقُومَنَّ أَوْ لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ وَالْحَثُّ عَلَى تَرْكِهِ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَزْنِي أَبَدًا. (أَوْ الْحَلِفُ عَلَى) شَيْءٍ (مَاضٍ إمَّا بِرٌّ وَهُوَ الصَّادِقُ) فِي يَمِينِهِ (أَوْ غُمُوسٌ وَهُوَ الْكَاذِبُ) وَيَأْتِي وَجْهُ التَّسْمِيَةِ (أَوْ لَغْوٌ وَهُوَ مَا)، أَيْ: حَلَفَ (لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ) فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ كَحَلِفِهِ ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ، فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ. (وَالْيَمِينُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ بِشَرْطِ: الْحِنْثِ، هِيَ) الْيَمِينُ (الَّتِي بِاسْمِ اللَّهِ- تَعَالَى- الَّذِي لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ، وَالْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ، وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالْآخِرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ، وَرَازِقِ الْعَالَمِينَ أَوْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَالَمِ بِكُلِّ شَيْءٍ) وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَرَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ (وَالرَّحْمَنِ) يَمِينٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قِيلَ هُوَ اسْمٌ أَوْ صِفَةٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ اُدْعُوا اللَّهَ أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَنَ} الْآيَةَ، فَجَعَلَ لَفْظَةَ اللَّهِ وَلَفْظَةَ الرَّحْمَنِ سَوَاءً فِي الدُّعَاءِ، فَيَكُونُ سَوَاءً فِي الْحَلِفِ (أَوْ) اسْمُ اللَّهِ الَّذِي (يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ الْغَيْرُ كَالرَّحِيمِ) قَالَ- تَعَالَى-: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (وَالْعَظِيمِ) قَالَ- تَعَالَى-: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} وَكَذَا الْقَادِرِ، لِقَوْلِهِمْ، فُلَانٌ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ (وَالرَّبِّ) قَالَ- تَعَالَى-: {اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}، الْآيَةَ (وَالْمَوْلَى) لِقَوْلِهِمْ: الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ (وَالرَّازِقِ) قَالَ- تَعَالَى-: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} (وَالْخَالِقِ) قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي} (وَالْقَوِيِّ) قَالَ- تَعَالَى-: {إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} وَكَذَا السَّيِّدُ قَالَ- تَعَالَى-: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}. (أَوْ) الْيَمِينُ (بِصِفَةٍ لَهُ- تَعَالَى- كَوَجْهِ اللَّهِ) نَصًّا قَالَ- تَعَالَى-: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} (وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَعِزَّتِهِ وَعَهْدِهِ) لِأَنَّ عَهْدَهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَلَامُهُ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ وَنَهَانَا، كَقَوْلِهِ- تَعَالَى-: {أَلَمْ أَعْهَدْ إلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} (وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اسْتِحْقَاقُهُ لِمَا تَعَبَّدَنَا بِهِ) وَمِيثَاقُهُ وَحَقُّهُ وَأَمَانَتُهُ وَإِرَادَتُهُ وَقُدْرَتُهُ وَعِلْمُهُ وَجَبَرُوتُهُ، (وَلَوْ نَوَى مُرَادَهُ أَوْ مَقْدُورَهُ أَوْ مَعْلُومَهُ)- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ لِأَنَّهُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ- تَعَالَى- صَارَ يَمِينًا بِذَكَرِ اسْمِهِ- تَعَالَى- مَعَهُ (وَإِنْ لَمْ يُضِفْهَا لِلَّهِ)، أَيْ: إذَا لَمْ يُضِفْهَا إلَى اسْمِ اللَّهِ- تَعَالَى- (لَمْ يَكُنْ) حَلِفُهُ بِهَا (يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا صِفَتَهُ- تَعَالَى) وَتَقَدَّسَ-، فَتَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِضَافَةِ كَوُجُودِهَا (وَأَمَّا مَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسْمَائِهِ- تَعَالَى- وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ أَوْ الَّذِي لَا يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَيْهِ- تَعَالَى-، وَيَحْتَمِلُهُ كَالْحَيِّ وَالْوَاحِدِ وَالْكَرِيمِ وَالْعَالَمِ وَالْمُؤْمِنِ فَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّهَ- تَعَالَى- فَهُوَ يَمِينٌ) لِنِيَّتِهِ بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ كَالرَّحِيمِ وَالْقَادِرِ (وَإِلَّا) يَنْوِ بِهِ اللَّهَ- تَعَالَى- (فَلَا) يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ- تَعَالَى- (وَقَوْلُهُ)، أَيْ: الْحَالِفِ (وَأَيْمُ اللَّهِ) يَمِينٌ كَقَوْلِهِ وَأَيْمُنُ اللَّهِ، وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ مَعَ كَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا، قَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ جَمْعُ يَمِينٍ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ قَطْعٍ، فَكَانُوا يَحْلِفُونَ بِالْيَمِينِ، فَيَقُولُونَ وَيَمِينُ اللَّهِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْيَمِينِ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ (أَوْ) قَوْلُهُ (لَعَمْرُ اللَّهِ)- تَعَالَى- (يَمِينٌ) كَالْحَلِفِ بِبَقَائِهِ- تَعَالَى-، قَالَ- تَعَالَى-: {لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} وَالْعَمْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا الْحَيَاةُ وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ الْمَفْتُوحُ خَاصَّةً، وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا تَقْدِيرُهُ: قَسَمِي. (لَا هَا اللَّهِ) مَعَ قَطْعِ هَمْزَةِ اللَّهِ وَوَصْلِهَا وَمَدِّهَا وَقَصْرِهَا فِيهِمَا، فَلَيْسَ يَمِينًا (إلَّا بِنِيَّتِهِ) فَيَكُونُ قَسَمًا، لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ قَلِيلًا (وَأَقْسَمْت) بِاَللَّهِ (أَوْ أُقْسِمُ) بِاَللَّهِ (وَشَهِدْتُ) بِاَللَّهِ (أَوْ أَشْهَدُ) بِاَللَّهِ (وَحَلَفْتُ) بِاَللَّهِ (أَوْ أَحْلِفُ) بِاَللَّهِ (وَعَزَمْتُ) بِاَللَّهِ (أَوْ أَعْزِمُ) بِاَللَّهِ (وَآلَيْتُ) بِاَللَّهِ (أَوْ آلِي) بِاَللَّهِ (وَقَسَمًا) بِاَللَّهِ (وَحَلِفًا) بِاَللَّهِ (وَأَلْيَةً) بِاَللَّهِ (وَشَهَادَةً) بِاَللَّهِ (وَيَمِينًا بِاَللَّهِ وَعَزِيمَةً بِاَللَّهِ يَمِينٌ) نَوَاهُ بِذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَ.
قَالَ تَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ} {وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ} {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ} وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ أُقْسِمُ وَنَحْوَهُ كَانَ يَمِينًا، فَإِذَا ضَمَّ إلَيْهِ مَا يُؤَكِّدُهُ كَانَ أَوْلَى وَآكَدَ (فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فِيهَا)، أَيْ: الْكَلِمَاتِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ أَقْسَمْتُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا (كُلِّهَا، وَلَمْ يَنْوِ يَمِينًا) فَلَا تَكُونُ يَمِينًا (أَوْ ذَكَرَهُ)، أَيْ: ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ- تَعَالَى- (وَنَوَى) بِقَوْلِهِ أَقْسَمْتُ بِاَللَّهِ وَنَحْوِهِ (خَبَرًا فِيمَا يَحْتَمِلُهُ) كَنِيَّتِهِ بِذَلِكَ عَنْ قَسَمٍ سَبَقَ أَوْ نَوَى بِأُقْسِمُ وَنَحْوِهِ الْخَبَرَ عَنْ يَمِينٍ يَأْتِي، أَوْ نَوَى بِأَعْزِمُ الْقَصْدَ دُونَ الْيَمِينِ (فَلَا يَمِينَ) أَيْ: فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ، لِاحْتِمَالِهِ، وَحَيْثُ كَانَ صَادِقًا فَلَا كَفَّارَةَ.
تَنْبِيهٌ:
وَإِنْ قَالَ أَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ، أَوْ أَعْتَصِمُ بِاَللَّهِ، أَوْ أَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ عَلِمَ اللَّهُ، أَوْ أَعَزَّ اللَّهُ، أَوْ تَبَارَكَ اللَّهُ وَنَحْوَهُ كَالْحَمْدِ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، وَلَوْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرْعَ وَلَا لُغَةَ وَلَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ. (وَالْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ- تَعَالَى- أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْهُ أَوْ آيَةٍ مِنْهُ يَمِينٌ)؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ- تَعَالَى-، فَمَنْ حَلَفَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَانَ حَالِفًا بِصِفَتِهِ- تَعَالَى-، وَالْمُصْحَفُ يَتَضَمَّنُ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ- تَعَالَى-، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فِي حَدِيثٍ: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا بَيْنَ دَفَّتِيِ الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ (فِيهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ)؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَالْكَلَامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ. (وَكَذَا) الْحَلِفُ (بِنَحْوِ تَوْرَاةٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ- تَعَالَى-) كَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ فَهِيَ يَمِينٌ فِيهَا كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ- تَعَالَى-، لَا الْمُغَيِّرِ وَالْمُبَدِّلِ، وَلَا تَسْقُطُ حُرْمَةُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ نُسِخَ الْحُكْمَ بِالْقُرْآنِ كَالْمَنْسُوخِ حُكْمُهُ فِي الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ- تَعَالَى-، وَإِذَا كَانَتْ كَلَامَهُ فَهِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ كَالْقُرْآنِ.

.فَصْلٌ: [حُرُوفُ الْقَسَمِ]:

(حُرُوفُ الْقَسَمِ) ثَلَاثَةٌ (بَاءٌ) وَهِيَ الْأَصْلُ، وَلِذَلِكَ بَدَأَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا حَرْفُ تَعْدِيَةٍ، وَ(يَلِيهَا) مُظْهَرٌ، نَحْوُ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ (وَ) يَلِيهَا (مُضْمَرٌ) نَحْوُ: اللَّهَ أُقْسِمُ بِهِ لَأَفْعَلَنَّ.
(وَ) الثَّانِي (وَاوٌ: يَلِيهَا مُظْهَرٌ) فَقَطْ، كَ: وَاَللَّهِ وَالنَّجْمِ، وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا.
(وَ) الثَّالِثُ (تَاءٌ) وَأَصْلُهَا الْوَاوُ (يَلِيهَا اسْمُ اللَّهِ- تَعَالَى- خَاصَّةً) نَحْوُ {تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} (فَلَوْ قَالَ تَالرَّحْمَنِ أَوْ تَالرَّحِيمِ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا)؛ لِأَنَّهُ شَاذٌّ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، فَإِنْ ادَّعَى مَنْ أَتَى بِأَحَدِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ فِي مَوْضِعِهِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْقَسَمَ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَقَوْلُهُ لَأَفْعَلَنَّ يَمِينٌ) وَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ أَنِّي أَفْعَلُ بِمَعُونَةِ اللَّهِ، وَلَمْ أُرِدْ الْقَسَمَ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ (وَقَوْلُهُ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ نِيَّتَهُ) فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ انْعَقَدَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ أَسْأَلُكَ، وَإِنْ نَوَى السُّؤَالَ دُونَ الْيَمِينِ، لَمْ تَنْعَقِدْ، (فَإِنْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا (لَمْ تَنْعَقِدْ)؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْيَمِينَ وَغَيْرَهُ، فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِنِيَّتِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ قَائِلٍ لِغَيْرِهِ أَسْأَلُكَ (بِاَللَّهِ لَتَأْكُلَنَّ) هَذَا الطَّعَامَ وَنَحْوَهُ كَ: لَتَرْكَبَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ (فِي مَقَامِ التَّوَدُّدِ أَوْ الْإِكْرَامِ)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ قَسَمٌ بِغَيْرِ حُرُوفِهِ نَحْوُ: اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ جَرًّا وَنَصَبًا لِلِاسْمِ الْكَرِيمِ لَهُ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ: اللَّهِ مَا أَرَدْتَ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً؟» وَقَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: «اللَّهِ إنَّكَ قَتَلْتَهُ؟ قَالَ اللَّهِ إنِّي قَتَلْتُهُ» (فَإِنْ نَصَبَهُ)، أَيْ: الِاسْمَ الْكَرِيمَ (بِوَاوٍ) أَيْ: مَعَ وَاوِ الْقَسَمِ (أَوْ رَفَعَهُ مَعَهَا أَوْ) رَفَعَهُ (دُونَهَا) فَذَلِكَ (يَمِينٌ)؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَرِّ وَغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِالْجَوَابِ إرَادَةُ الْيَمِينِ (إلَّا أَنْ لَا يَنْوِيَهَا)، أَيْ: الْيَمِينَ (عَرَبِيٌّ)، أَيْ: مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَلَا تَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ لَا يَكُونُ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُبْتَدَأٌ وَعُطِفَ عَلَى شَيْءٍ تَقَدَّمَ، وَلَا يَكُونُ مَنْصُوبًا مَعَ الْوَاوِ، إذْ لَا تَكُونُ هَاهُنَا إلَّا عَاطِفَةً، فَعُدُولُهُ عَنْ الْجَرِّ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ غَيْرِ الْيَمِينِ، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، لِأَنَّهُ لَاحِنٌ، وَاللَّحْنُ لَا يُقَاوِمُ النِّيَّةَ كَلَحْنِهِ فِي الْقُرْآنِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (الْأَحْكَامُ) مِنْ قَسَمٍ وَغَيْرِهِ (تَتَعَلَّقُ بِمَا أَرَادَهُ النَّاسُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَلْحُونَةِ كَ: بِاَللَّهِ رَفْعًا وَنَصْبًا. وَبِاَللَّهِ يَصُومُ وَيُصَلِّي، وَقَوْلِ الْكَافِرِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي، وَأَوْصَيْتُ لِزَيْدًا بِمِائَةٍ وَأَعْتَقْتُ سَالِمٍ (وَنَحْوِ ذَلِكَ)، وَقَالَ: مَنْ رَامَ جَعْلَ النَّاسِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَادَةِ قَوْمٍ بِعَيْنِهِمْ، فَقَدْ رَامَ مَا لَا يُمْكِنُ عَقْلًا، وَلَا يَصِحُّ شَرْعًا انْتَهَى.
(وَيُجَابُ قَسَمٌ فِي إثْبَاتٍ بِأَنْ خَفِيفَةً) كَقَوْلِهِ- تَعَالَى-: {إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} (وَبِأَنَّ ثَقِيلَةً) كَقَوْلِهِ- تَعَالَى-: {إنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} (وَبِلَامٍ) كَقَوْلِهِ- تَعَالَى-: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (وَنُونَيْ تَوْكِيدٍ) أَيْ: الثَّقِيلَةِ وَالْخَفِيفَةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنً} (وَقَدْ) نَحْوُ قَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (وَ بِ: بَلْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ) كَقَوْلِهِ- تَعَالَى-: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ جَوَابُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ، وَبَيْنَهُمْ فِي تَقْدِيرِهِ خِلَافٌ.
(وَ) يُجَابُ الْقَسَمُ (فِي نَفْيٍ بِمَا) النَّافِيَةِ كَقَوْلِهِ- تَعَالَى-: {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (وَإِنْ بِمَعْنَاهَا)، أَيْ: النَّافِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلَّا الْحُسْنَى} (وَبِلَا) النَّافِيَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَآلَيْتُ لَا أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ وَلَا مِنْ حَفْيٍ حَتَّى تُلَاقِيَ مُحَمَّدَا (وَبِحَذْفِ لَا) مِنْ جَوَابِ قَسَمٍ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مُضَارِعًا (لَفْظًا نَحْوُ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ أَفْعَلُ بِغَيْرِ حَرْفٍ، فَالْمَحْذُوفُ هَاهُنَا لَا وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ لَهُ بِالْآيَةِ وَغَيْرِهَا. (وَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ) حَلِفٌ بِالْأَمَانَةِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِي جَعْلِهِ الْحَلِفَ بِالْأَمَانَةِ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى.
وَفِي الْمُنْتَهَى (وَ) يُكْرَهُ (حَلِفٌ بِالْأَمَانَةِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاه أَبُو دَاوُد. كَمَا يُكْرَهُ الْحَلِفُ (بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ، وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ» رَوَاه النَّسَائِيُّ. (وَيَحْرُمُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ)- تَعَالَى- وَغَيْرِ صِفَتِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَهُوَ عَلَى التَّغْلِيظِ، كَذَا فَسَّرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ (سَوَاءٌ أَضَافَهُ)، أَيْ: الْمَحْلُوفُ بِهِ (إلَيْهِ- تَعَالَى- كَقَوْلِهِ)، أَيْ: الْحَالِفِ (وَمَخْلُوقِ اللَّهِ وَمَقْدُورِهِ وَمَعْلُومِهِ وَكَعْبَتِهِ، وَرَسُولِهِ أَوْ لَا كَقَوْلِهِ وَالْكَعْبَةِ: وَالرَّسُولِ وَأَبِي) وَلَا كَفَّارَةَ لِاشْتِرَاكِهِمَا بِالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ- تَعَالَى-.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّ حَسَنَةَ التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِنْ حَسَنَةِ الصِّدْقِ، وَسَيِّئَةُ الْكَذِبِ أَسْهَلُ مِنْ سَيِّئَةِ الشِّرْكِ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَتَابَ (وَلَا كَفَّارَةَ) فِي الْحَلِفِ بِذَلِكَ وَلَوْ حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ صِيَانَةً لِأَسْمَائِهِ- تَعَالَى- وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ فِي ذَلِكَ (وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ أَصْحَابِنَا (إلَّا) فِي حَلِفٍ (بـِ) نَبِيِّنَا (مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهِ إذَا حَلَفَ وَحَنِثَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَصِيرُ بِهَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ كَهُوَ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْأَحَادِيثِ. وَيَنْقَسِمُ حُكْمُ الْيَمِينِ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَمُبَاحٍ وَمَكْرُوهٍ وَحَرَامٍ، أُشِيرَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ الْحَلِفُ لِإِنْجَاءِ مَعْصُومٍ) مِنْ مَهْلَكَةٍ وَلَوْ نَفْسِهِ كَأَيْمَانِ قَسَامَةٍ، تَوَجَّهَتْ عَلَى (بَرِيءٍ مِنْ دَعْوَى قَتْلٍ). وَأُشِيرَ إلَى الثَّانِي مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُنْدَبُ) الْحَلِفُ (لِمَصْلَحَةٍ) كَإِزَالَةِ حِقْدٍ وَإِصْلَاحٍ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ (وَدَفْعِ شَرٍّ) وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ. وَأُشِيرَ إلَى الثَّالِثِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُبَاحُ) الْحَلِفُ (عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِهِ) كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمَكًا مَثَلًا أَوْ لَيَأْكُلَنَّهُ، وَكَالْحَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ بِشَيْءٍ هُوَ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ يُظَنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ. وَأُشِيرَ إلَى الرَّابِعِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلٍ مَكْرُوهٍ) كَمَنْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ وَهُوَ حَاقِنٌ، أَوْ لَيَأْكُلَنَّ بَصَلًا نِيئًا، وَنَحْوَهُ، وَمِنْهُ الْحَلِفُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَلِفُ مُنْفِقٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقٌ لِلْبَرَكَةِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ (أَوْ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ) كَحَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ صَلَاةِ الضُّحَى. وَأُشِيرَ إلَى الْخَامِسِ بِقَوْلِهِ: (وَيَحْرُمُ) الْحَلِفُ (عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ) كَشُرْبِ خَمْرٍ (أَوْ) عَلَى تَرْكِ (وَاجِبٍ) كَمَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ رَمَضَانَ (أَوْ) يَحْلِفُ (كَاذِبًا) عَالِمًا بِكَذِبِهِ. (فَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ أَوْ) حَلَفَ عَلَى (تَرْكِ مَنْدُوبٍ، سُنَّ حِنْثُهُ وَكُرِهَ بِرُّهُ) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بِرِّهِ مِنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبِ قَادِرًا (وَ) مَنْ حَلَفَ (عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ، كُرِهَ حِنْثُهُ، وَسُنَّ بِرُّهُ) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بِرِّهِ مِنْ الثَّوَابِ بِفِعْلِ الْمَنْدُوبِ، وَتَرْكِ الْمَكْرُوهِ امْتِثَالًا.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ عَلَى تَرْكِ مُحَرَّمٍ، حَرُمَ حِنْثُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، (وَوَجَبَ بِرُّهُ) لِمَا مَرَّ (وَ) مَنْ حَلَفَ (عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، وَجَبَ حِنْثُهُ) لِئَلَّا يَأْثَمُ بِفِعْلِ الْمُحَرَّمِ أَوْ تَرْكِ الْوَاجِبِ (وَحَرُمَ بِرُّهُ لِمَا سَبَقَ). (وَيُخَيَّرُ) مَنْ حَلَفَ (فِي مُبَاحٍ) لَيَفْعَلَنَّهُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ بَيْنَ حِنْثِهِ وَبِرِّهِ (وَحِفْظُهَا فِيهِ أَوْلَى) مِنْ حِنْثِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} (كَافْتِدَاءِ مُحِقٍّ) فِي دَعْوَى عَلَيْهِ (لِ) يَمِينٍ (وَاجِبَةٍ)، أَيْ: وُجِّهَتْ (عَلَيْهِ عِنْدَ حَاكِمٍ) فَافْتِدَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ حَلِفِهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ وَالْمِقْدَادَ تَحَاكَمَا إلَى عُمَرَ فِي مَالٍ اسْتَقْرَضَهُ الْمِقْدَادُ، فَجَعَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ عَلَى الْمِقْدَادِ، فَرَدَّهَا الْمِقْدَادُ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَنْصَفَك، فَأَخَذَ عُثْمَانُ مَا أَعْطَاهُ الْمِقْدَادُ، وَلَمْ يَحْلِفْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرَ بَلَاءٍ، فَيُقَالَ يَمِينُ عُثْمَانَ. (وَيُبَاحُ الْحَلِفُ) عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عُمَرَ وَأُبَيًّا احْتَكَمَا إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي نَخْلٍ ادَّعَاهُ أُبَيٌّ، فَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَعْفِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ لِمَ يُعْفَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ إنْ عَرَفْتُ شَيْئًا اسْتَحْقَقْتُهُ بِيَمِينِي، وَإِلَّا تَرَكْتُهُ، فَوَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنَّ النَّخْلَ لَنَخْلِي وَمَا لِأُبَيٍّ فِيهِ حَقٌّ، فَلَمَّا خَرَجَ وَهَبَ النَّخْلَ لِأُبَيٍّ، فَقِيلَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَّا كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ، فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ لَا أَحْلِفَ فَلَا يَحْلِفَ النَّاسُ عَلَى حُقُوقِهِمْ بَعْدِي، فَيَكُونَ سُنَّةً، وَلِأَنَّهُ حَلِفُ صِدْقٍ عَلَى حَقٍّ فَأَشْبَهَ الْحَلِفُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ: يُسْتَحَبُّ لِمَصْلَحَةٍ كَزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ «قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ: وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا تَطْيِيبًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ» (بَلْ) ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي) كِتَابِ (الْهَدْيِ) مِنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ: فِيهَا جَوَازُ الْحَلِفِ ثُمَّ قَالَ: بَلْ (اسْتِحْبَابُهُ عَلَى الْخَبَرِ الدِّينِيِّ الَّذِي يُرَادُ تَأْكِيدُهُ وَقَدْ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَلِفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا) انْتَهَى.
(وَلَا يَلْزَمُ) مَحْلُوفًا عَلَيْهِ (إبْرَارُ قَسَمِ حَالِفٍ كَمَا لَا تَلْزَمُ إجَابَةُ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ- تَعَالَى-)؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، وَلَا تَوْقِيفَ فِيهِ. (وَيُسَنُّ) إبْرَارُ قَسَمٍ كَإِجَابَةِ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ- تَعَالَى- لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، (قَالَ) «وَأُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ؟ قُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الَّذِي يُسْأَلُ بِاَللَّهِ، وَلَا يُعْطِي بِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَ(لَا) يُسَنُّ (تَكْرَارُ حَلِفٍ فَإِنْ أَفْرَطَ) فِي التَّكْرَارِ (كُرِهَ) ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} وَهُوَ ذَمٌّ لَهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الْإِكْثَارِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ لَا تُكْثِرْ الْحَلِفَ، فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ.

.فَصْلٌ: [شُرُوطُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ]:

(وَلِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) بِالْيَمِينِ (أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ):
(أَحَدُهَا قَصْدُ عَقْدِ الْيَمِينِ)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ} (فَلَا تَنْعَقِدُ) الْيَمِينُ لَغْوًا (بِأَنْ سَبَقَتْ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ)، أَيْ: الْحَالِفِ (بِلَا قَصْدٍ، كَقَوْلِهِ لَا وَاَللَّهِ، بَلَى وَاَللَّهِ فِي عُرْضِ حَدِيثِهِ) فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا، لِحَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مَوْقُوفًا. وَالْعُرْضُ بِالضَّمِّ الْجَانِبُ، وَبِالْفَتْحِ خِلَافُ الطُّولِ. (وَلَا) تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ (مِنْ نَحْوِ نَائِمٍ) كَمُغْمَى عَلَيْهِ (وَمَجْنُونٍ وَصَغِيرٍ) وَمَعْتُوهٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا قَصْدَ لَهُمْ (وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ) أَيْ: الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ. الشَّرْطُ (الثَّانِي كَوْنُهَا)، أَيْ: الْيَمِينِ (عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ) لِيَتَأَتَّى بِرُّهُ وَحِنْثُهُ، بِخِلَافِ الْمَاضِي وَغَيْرِ الْمُمْكِنِ (فَلَا تَنْعَقِدُ) الْيَمِينُ بِحَلِفٍ (عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا جَاهِلًا) صِدْقَ نَفْسِهِ (أَوْ ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ) فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا (أَوْ كَاذِبًا عَالِمًا بِكَذِبِهِ، وَهِيَ) الْيَمِينُ عَلَى مَاضٍ (الْغَمُوسُ) سُمِّيَتْ غَمُوسًا (لِغَمْسِهِ)، أَيْ: الْحَالِفِ بِهَا (فِي الْإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّارِ)، أَيْ: لِتَرَتُّبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا (وَعَنْ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (أَوْ حَلَفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ) فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ (وَكَحَلِفٍ عَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى غَيْرِهِ (يَظُنُّ أَنَّهُ يُطِيعُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ) فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَغْوٌ.
قَالَ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ فُلَانٌ كَذَا، أَوْ لَا يَفْعَلَنَّ، أَوْ حَلَفَ عَلَى حَاضِرٍ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَا تَفْعَلْنَ كَذَا، فَلَمْ يُطِعْهُ، حَنِثَ الْحَالِفُ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَنْ أَحْنَثَهُ، انْتَهَى.
(أَوْ) حَلَفَ (نَافِيًا لِفِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ لِذَاتِهِ) كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ (لَا شَرِبْتُ مَاءَ الْكُوزِ)، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ، أَيْ: الْكُوزِ، وَكَذَا لَا جَمَعْتُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ (أَوْ) لَا رَدَدْتُ أَمْسِ، أَوْ حَلَفَ عَلَى وُجُودِ فِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ (لِغَيْرِهِ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَحِيلًا عَادَةً (كـَ) قَوْلِهِ وَاَللَّهِ (لَا قَتَلْتُ الْمَيِّتَ أَوْ لَا أَحْيَيْتُهُ) أَوْ لَا طِرْتُ أَوْ لَا صَعِدْتُ السَّمَاءَ أَوْ لَا قَلَبْتُ الْحَجَرَ ذَهَبًا، فَلَا تَنْعَقِدُ فِي هَذِهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا لَغْوٌ، (وَ) لَوْ حَلَفَ (مُثْبِتًا لَهُ)، أَيْ: لِفِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ لِذَاتِهِ أَوْ مُسْتَحِيلٍ عَادَةً كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ (أَوْ لَيَقْتُلَنَّهُ)، أَيْ: الْمَيِّتَ (أَوْ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ تَنْعَقِدُ)، يَمِينُهُ (وَيَحْنَثُ) بِهَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (فِي الْحَالِ) لِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَحِيلِ. (وَظِهَارٌ وَنَذْرٌ) وَكُلُّ مَقَالَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْكَفَّارَةِ كَقَوْلِهِ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِ (كَيَمِينٍ بِاَللَّهِ) فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ قَوْلِنَا: إنَّ الظِّهَارَ وَالنَّذْرَ كَالْيَمِينِ (فَلَا يَنْعَقِدُ ظِهَارٌ وَلَا نَذْرٌ عَلَى مَاضٍ مُطْلَقًا)، أَيْ: سَوَاءٌ قِيلَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ عَلَى مَاضٍ أَوْ لَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْأَيْمَانِ (وَتَقَدَّمَ الطَّلَاقُ) وَالْعَتَاقُ أَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ، وَيَحْنَثُ بِهِمَا مُطْلَقًا. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: كَوْنُ حَالِفٍ مُخْتَارًا) لِلْيَمِينِ (فَلَا تَنْعَقِدُ مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهَا) لِحَدِيثِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». الشَّرْطُ (الرَّابِعُ:) الْحِنْثُ بِفِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ بِتَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ فَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حُرْمَةَ الْقَسَمِ، (وَلَوْ) كَانَ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَتَرَكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ (مُحَرَّمَيْنِ،) كَمَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْخَمْرِ فَشَرِبَهَا، أَوْ صَلَاةِ فَرْضٍ فَتَرَكَهَا، فَيُكَفِّرُ لِوُجُودِ الْحِنْثِ.
وَ(لَا) حِنْثَ إنْ خَالَفَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (مُكْرَهًا) فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَحُمِلَ مُكْرَهًا فَأُدْخِلَهَا، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، لِلْخَبَرِ (أَوْ) خَالَفَ (جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا) كَمَا لَوْ دَخَلَ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ أَوْ جَاهِلًا أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا، فَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ لِلْخَبَرِ، وَكَذَا إنْ فَعَلَهُ مَجْنُونًا. (وَمَنْ اسْتَثْنَى فِيمَا يُكَفِّرُ مِنْ حَلِفٍ بِاَللَّهِ وَنَذْرٍ وَظِهَارٍ، وَنَحْو هُوَ يَهُودِيٌّ) كَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ (إنْ فَعَلَ كَذَا بـِ) قَوْلِهِ:- مُتَعَلِّقٌ بِاسْتَثْنَى- (إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِقَوْلِهِ إنْ أَرَادَ اللَّهُ، أَوْ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَقَصَدَ ذَلِكَ)، أَيْ تَعْلِيقَ الْفِعْلِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ، بِخِلَافِ مَنْ قَالَهُ تَبَرُّكًا أَوْ سَبَقَ بِهِ لِسَانُهُ بِلَا قَصْدٍ (وَاتَّصَلَ) اسْتِثْنَاؤُهُ بِيَمِينِهِ (لَفْظًا)، بِأَنْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِسُكُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ، (أَوْ) اتَّصَلَ (حُكْمًا كَقَطْعِهِ بِنَحْوِ تَنَفُّسٍ وَسُعَالٍ) (لَمْ يَحْنَثْ، فَعَلَ) مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ (أَوْ تَرَكَ) مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
(وَقَالَ:) فَلَهُ ثُنْيَاهُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد، وَلِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ- تَعَالَى-، فَمَنْ قَالَ: لَا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفَعَلَ عَلِمَ أَنَّهُ- تَعَالَى- لَمْ يَشَأْ تَرْكَهُ، وَإِذَا قَالَ لَأَفْعَلَنَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْ عَلِمَ أَنَّهُ- تَعَالَى- لَمْ يَشَأْ فِعْلَهُ وَهُوَ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَشِيئَةِ، وَلَمْ تُوجَد. وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ» وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَكَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا. (وَيُعْتَبَرُ نُطْقُ غَيْرِ مَظْلُومٍ وَخَائِفٍ) بِأَنْ يَلْفِظَ بِالِاسْتِثْنَاءِ نَصًّا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالَ وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ، وَأَمَّا الْمَظْلُومُ الْخَائِفُ فَتَكْفِيهِ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ، أَوْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَأَوَّلِ.
(وَ)يُعْتَبَرُ (قَصْدُ اسْتِثْنَاءٍ قَبْلَ تَمَامِ مُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ بَعْدَهُ)، أَيْ: بَعْدَ تَمَامِ مُسْتَثْنَى مِنْهُ (قَبْلَ فَرَاغِهِ) مِنْ كَلَامِهِ، لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (فَلَوْ) حَلَفَ غَيْرَ قَاصِدٍ الِاسْتِثْنَاءَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فَ (اسْتَثْنَى بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْيَمِينِ) لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ لِعَدَمِ قَصْدِهِ لَهُ أَوَّلًا (أَوْ أَرَادَ الْجَزْمَ) بِيَمِينِهِ (فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ) بِلَا قَصْدٍ (أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ جَارِيَةً بِهِ)، أَيْ: الِاسْتِثْنَاءِ (فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ، لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ) لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». (وَمَنْ شَكَّ فِيهِ)، أَيْ: الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ أَتَى بِهِ أَوْ لَا (فَكَمَنْ لَمْ يَسْتَثْنِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَعَيَّنَ وَقْتًا) لِفِعْلِهِ كَلَأُعْطِيَنَّ زَيْدًا دِرْهَمًا يَوْمَ كَذَا أَوْ سَنَةَ كَذَا (تَعَيَّنَ) ذَلِكَ الْوَقْتُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ، فَإِنْ فَعَلَهُ فِيهِ بَرَّ، وَإِلَّا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى يَمِينِهِ، (وَإِلَّا) يُعَيِّنْ لِلْفِعْلِ وَقْتًا بِأَنْ قَالَ لَأُعْطِيَنَّ زَيْدًا دِرْهَمًا (لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ فِعْلِهِ) الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ (بِتَلَفِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ أَوْ مَوْتِ حَالِفٍ) «لِقَوْلِ عُمَرَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تُخْبِرْنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ». وَلِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَى فِعْلِهِ لَمْ يَتَوَقَّفْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَفِعْلُهُ مُمْكِنٌ، فَلَمْ تَحْصُلْ مُخَالَفَةُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَدَمَ الْحِنْثِ.
(وَ) يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ (عِتْقِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ حَلَفَ لَيَبِيعَنهُ) لِاسْتِحَالَةِ بَيْعِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (وَ) كَذَلِكَ يَحْنَثُ (بِلِعَانِ زَوْجَةٍ حَلَفَ لَيُطَلِّقَهَا) لِبَيْنُونَتِهَا مِنْهُ بِاللِّعَانِ.

.فَصْلٌ: [فيمَنْ حَرَّمَ حَلَالًا]:

(مَنْ حَرَّمَ حَلَالًا سِوَى زَوْجَتِهِ مِنْ طَعَامٍ) كَثَوْبٍ وَفِرَاشٍ (كَقَوْلِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَلَا زَوْجَةَ لَهُ) كَقَوْلِهِ: كَسْبُهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ (أَوْ طَعَامُهُ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ) أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَمْ يَحْرُمْ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ زَوْجَتِهِ فَظِهَارٌ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ (أَوْ عَلَّقَ)، أَيْ: تَحْرِيمَ حَلَالٍ سِوَى زَوْجَتِهِ (بِشَرْطٍ) كَقَوْلِهِ عِنْدَ طَعَامٍ (إنْ أَكَلْتُهُ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ لَمْ يَحْرُمْ)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وَالْيَمِينُ عَلَى الشَّيْءِ لَا تُحَرِّمُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَرَّمَ بِذَلِكَ لَتَقَدَّمَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ كَالظِّهَارِ، وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِعْلِهِ وَسَمَّاهُ خَيْرًا (وَعَلَيْهِ إنْ فَعَلَهُ كَفَّارَةٌ) نَصًّا لِلْآيَةِ (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ كَالشَّافِعِيَّةِ) الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِذَلِكَ قَصْدَ تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ، فَلَغَا مَا قَصَدَهُ. وَهَذَا صَرِيحُ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَرُدُّهُ، إذْ سَبَبُ نُزُولِهَا «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: لَنْ أَعُودَ إلَى شُرْبِ الْعَسَلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو وَابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينًا» فَإِنْ تَرَكَ مَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ، فَهُوَ ظِهَارٌ وَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ لِتَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ وَالْمَالِ) بِذَلِكَ. (وَمَنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ) إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ لَيَفْعَلَنَّهُ (أَوْ هُوَ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ أَوْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقُرْآنِ) لَيَفْعَلَنَّ كَذَا، (أَوْ) إنْ فَعَلَهُ أَوْ قَالَ: هُوَ (يَكْفُرُ بِاَللَّهِ أَوْ لَا يَرَاهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا) لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ إنْ فَعَلَ كَذَا (أَوْ قَالَ هُوَ يَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ الْخَمْرَ أَوْ أَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الزَّكَاةِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الطَّهَارَةِ مُنَجِّزًا كَلَيَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ مُعَلِّقًا كَإِنْ فَعَلَ كَذَا، فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا) لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ الضَّحَّاكِ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا» رَوَاه أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ خَالَفَ) فَفَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ تَرَكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ حَيْثُ يَحْنَثُ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ بِهَا فَيَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَقَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاه أَبُو بَكْرٍ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ، فَكَانَ يَمِينًا كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ- تَعَالَى-، بِخِلَافِ هُوَ فَاسِقٌ وَنَحْوُهُ إنْ فَعَلَ كَذَا، وَهَلْ يَصِيرُ كَافِرًا بِتَرْكِهِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ، وَفِعْلُهُ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْحَلِفَ لَمْ يَكْفُرْ. (وَإِنْ قَصَدَ أَنَّهُ يَكْفُرُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَعْطَيْتُمُونِي أَلْفًا فَأَنَا أَسْتَحِلُّ الزِّنَا وَنَحْوَهُ، وَنِيَّتُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِلُّ إذَا أَعْطَوْهُ (كَفَرَ مُنَجِّزًا)، أَيْ: يُتَنَجَّزُ كُفْرُهُ (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ بِمَعْنَاهُ فِي كِتَابِهِ قَاعِدَةِ الْعُقُودِ. (وَإِنْ قَالَ: عَصَيْتُ اللَّهَ أَوْ أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ، وَمَحَوْتُ الْمُصْحَفَ، أَوْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ) أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ (أَوْ قَطَعَ) اللَّهُ (يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، أَوْ لَعَمْرُهُ) أَوْ لَعَمْرُ أَبِيهِ وَنَحْوَهُ (لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا) فَلَغْوٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ، فَلَمْ تَكُنْ يَمِينًا، فَبَقِيَ الْحَالِفُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ (أَوْ قَالَ إنْ فَعَلَهُ)، أَيْ: كَذَا (فَعَبْدُ زَيْدٍ حُرٌّ أَوْ مَالُهُ)، أَيْ: زَيْدٍ (صَدَقَةٌ وَنَحْوَهُ) كَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَعَلَى زَيْدٍ الْحَجُّ أَوْ فَزَيْدٌ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، (فـَ) هُوَ لَغْوٌ لِمَا مَرَّ. (وَيَلْزَمُ بِحَلِفٍ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ ظِهَارٌ وَطَلَاقٌ وَعَتَاقٌ وَنَذْرٌ وَيَمِينٌ بِاَللَّهِ)- تَعَالَى- (مَعَ النِّيَّةِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ بِكُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ. (وَيَتَّجِهُ) لَوْ حَلَفَ إنْسَانٌ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ (مَعَ نِيَّةِ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ) حَلِفُهُ (بِهِ)، أَيْ: بِذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَنْوِيِّ وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِهَا (مَعَ الْإِطْلَاقِ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ بِحَلِفِهِ ذَلِكَ كُلَّهَا وَلَا بَعْضَهَا (لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَلَمْ تَكُنْ يَمِينًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يَلْزَمُ بِحَلِفٍ (بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ)، أَيْ: مُبَايَعَةِ الْإِسْلَامِ (وَهِيَ يَمِينٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ) بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ وَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ قِتَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَحَاصَرَهُ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ، فَوَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحِجَازَ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ وَلَّاهُ الْعِرَاقَ، فَوَلِيَهَا عِشْرِينَ (تَتَضَمَّنُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ- تَعَالَى- وَالطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَصَدَقَةَ الْمَالِ مَا فِيهَا) فَاعِلُ يَلْزَمُ، أَيْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ (إنْ عَرَفَهَا) أَيْ أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ (وَنَوَاهَا) لِانْعِقَادِ الْأَيْمَانِ بِالْكِتَابَةِ الْمَنْوِيَّةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَكَمَا لَوْ لَفَظَ بِيَمِينٍ وَحَدَّهَا (وَإِلَّا) يَعْرِفْ مَعْنَاهَا أَوْ عَرَفَهَا وَلَمْ يَنْوِهَا، أَوْ نَوَاهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا (فـَ) كَلَامُهُ ذَلِكَ (لَغْوٌ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ هَذِهِ الْأَيْمَانِ فَتُعْتَبَرُ فِيهَا النِّيَّةُ، وَالنِّيَّةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَنْوِيِّ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْمَعْرِفَةُ أَوْ النِّيَّةُ لَمْ تَنْعَقِدْ. (وَلَوْ حَلَفَ بِإِحْدَاهَا)، أَيْ: الْأَيْمَانِ الْمَذْكُورَةِ (فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَمِينِي فِي يَمِينِكَ، أَوْ) قَالَ لَهُ آخَرُ (أَنَا عَلَى مِثْلِ يَمِينِكَ أَوْ) قَالَ لَهُ (أَنَا مَعَكَ فِي يَمِينِكَ يُرِيدُ الْآخَرُ الْتِزَامَ مِثْلِهَا) أَيْ: يَمِينِ الْحَالِفِ (لَزِمَهُ) أَيْ: الْآخَرَ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِمَا حَلَفَ بِهِ وَقَدْ نَوَاهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ (إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ- تَعَالَى-)؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا لِمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ اسْمِ اللَّهِ- تَعَالَى- الْمُعَظَّمِ الْمُحْتَرَمِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الْكِنَايَةِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ- تَعَالَى- فِيهَا بِالْكِنَايَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ عُثْمَانُ: وَقَدْ يُفَرَّقُ أَنَّهَا إنَّمَا انْعَقَدَتْ الْكِنَايَةُ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ تَبَعًا لِغَيْرِهَا مِمَّا يَنْعَقِدُ بِهَا كَالطَّلَاقِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الِاسْتِقْلَالِ، وَرُبَّ شَيْءٍ جَازَ تَبَعًا وَلَمْ يَجُزْ اسْتِقْلَالًا. (وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ) إنْ فَعَلْت كَذَا، وَفَعَلَهُ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (أَوْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُهُ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَفَعَلَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَمَنْ قَالَ مَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِحَلِفٍ بِاَللَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ، فَكِذْبَةٌ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا نَصًّا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ (وَتُجْمَعُ تَخْيِيرًا ثُمَّ تَرْتِيبًا) تَكُونُ تَخْيِيرًا تَارَةً وَتَرْتِيبًا أُخْرَى، فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالْعِتْقِ، وَالتَّرْتِيبُ فِيهَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الصِّيَامِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الْآيَةَ: (فَيُخَيَّرُ مَنْ لَزِمَتْهُ) كَفَّارَةُ يَمِينٍ (بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) مُسْلِمِينَ أَحْرَارٍ وَلَوْ صِغَارًا كَالزَّكَاةِ (مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يُجْزِئُ مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَأَقِطٍ) بِأَنْ أَطْعَمَ بَعْضَهُمْ بُرًّا وَبَعْضَهُمْ تَمْرًا مَثَلًا (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) وَهِيَ (لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ) الْفَرْضَ (فِيهِ، وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ) أَيْ: قَمِيصٌ (وَخِمَارٌ كَذَلِكَ)، أَيْ: تُجْزِئُهَا صَلَاتُهَا فِيهِمَا (أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ) مُسْلِمَةٍ سَلِيمَةٍ مِمَّا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضِرَارٍ بَيِّنًا، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الظِّهَارِ. وَتُجْزِئُ الْكِسْوَةُ مِنْ كَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ، وَلِلنِّسَاءِ مِنْ حَرِيرٍ؛ لِأَنَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَطْلَقَ كِسْوَتَهُمْ، فَأَيَّ جِنْسٍ كَسَاهُمْ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ (وَيُجْزِئُ) جَدِيدٌ وَ(لَبِيسٌ)، أَيْ: عَتِيقٌ (مَا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ) لِعُمُومِ الْآيَةِ، فَإِنْ ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ لَمْ يُجْزِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعِيبًا كَالْمُسَوِّسِ فِي الْإِطْعَامِ (فَإِنْ عَجَزَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (كَعَجْزِهِ عَنْ فِطْرَةٍ) وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ وُجُوبًا) لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ وَكَصَوْمِ الْمُظَاهِرِ بِجَامِعِ أَنَّهُ صَوْمٌ فِي كَفَّارَةٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْعِتْقِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمُكَفِّرِ (عُذْرٌ) فِي تَرْكِ التَّتَابُعِ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ. (وَيُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ أَنْ يُطْعِمَ بَعْضًا) مِنْ الْمَسَاكِينِ (وَ) أَنْ (يَكْسُوَ بَعْضًا) كَأَنْ أَطْعَمَ خَمْسًا وَكَسَا خَمْسًا؛ لِأَنَّهُ- تَعَالَى- خَيَّرَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَكَانَ مَرْجِعُهُمَا إلَى اخْتِيَارِهِ فِي الْعَشَرَةِ وَفِي بَعْضِهِمْ.
وَ(لَا) يُجْزِئُهُ (تَكْمِيلُ عِتْقٍ بِإِطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ) بِأَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ أَوْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا خَمْسَةَ مَسَاكِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ رَقَبَةً، وَلَمْ يُطْعِمْ أَوْ يَكْسُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ (وَ) كَذَا (لَا) يُجْزِئُهُ تَكْمِيلُ (إطْعَامٍ) أَوْ كِسْوَةٍ (بِصَوْمٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَكْسُ أَوْ يُطْعِمْ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ (كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ) فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا تَكْمِيلُ عِتْقٍ بِصَوْمٍ أَوْ إطْعَامٍ، وَلَا تَكْمِيلِ إطْعَامٍ بِصَوْمٍ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ هُنَا أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ بَعْضَ الطَّعَامِ وَيَكْسُوَهُ بَعْضَ الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْعِمْهُ وَلَمْ يَكْسُهُ. (وَمَنْ مَالُهُ غَائِبٌ عَنْهُ يَسْتَدِينُ) وَيُكَفِّرُ (إنْ قَدَرَ) عَلَى الِاسْتِدَانَةِ، (وَإِلَّا) يَقْدِرْ عَلَيْهَا (صَامَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ. (وَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَنَذْرٌ)، أَيْ: إخْرَاجُهُمَا (فَوْرًا بِحِنْثٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ (وَإِخْرَاجُهَا)، أَيْ: الْكَفَّارَةِ (قَبْلَهُ)، أَيْ: الْحِنْثِ (وَبَعْدَهُ) فِي الْفَضِيلَةِ (حَيْثُ حَلَفَ سَوَاءٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ: «وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّهُ كَفَّرَ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ كَفَّرَ فِي الْقَتْلِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الزُّهُوقِ وَالسَّبَبُ هُوَ الْيَمِينُ، لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ، وَتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِهِ، وَالْحِنْثُ شَرْطٌ (فـَ) الْكَفَّارَةُ (قَبْلَهُ)، أَيْ الْحِنْثِ (مُحَلِّلَةٌ لِيَمِينِهِ، وَبَعْدَهُ مُكَفِّرَةٌ لَهَا، لَكِنْ لَوْ كَفَّرَ بِصَوْمٍ) قَبْلَ الْحِنْثِ (لِفَقْرِهِ) حِينَئِذٍ (ثُمَّ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ، لَمْ يُجْزِهِ) الصَّوْمُ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْكَفَّارَةِ وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ هُنَا وَقْتُ الْحِنْثِ، وَقَدْ صَارَ مُوسِرًا فَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، كَمَا لَوْ صَامَ إذَنْ. (وَلَا تُجْزِئُ) كَفَّارَةٌ أُخْرِجَتْ (قَبْلَ حَلِفٍ) إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِلْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ كَتَقَدُّمِ الزَّكَاةِ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ. (وَمَنْ لَزِمَتْهُ أَيْمَانٌ مُوجِبِهَا وَاحِدٌ وَلَوْ عَلَى أَفْعَالٍ) نَحْوُ: وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ، وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتُ كَذَا، وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت كَذَا، وَحَنِثَ فِي الْكُلِّ (قَبْلَ تَكْفِيرٍ)، (فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ مِنْ جِنْسٍ، فَتَدَاخَلَتْ كُلُّهَا كَالْحُدُودِ مِنْ جِنْسٍ- وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَحَالُّهَا- كَمَا لَوْ زَنَا بِنِسَاءٍ أَوْ سَرَقَ مِنْ جَمَاعَةٍ (وَكَذَا حَلَفَ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ) أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا وَفَعَلَهُ، أَجْزَأَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِلزَّجْرِ وَالتَّطْهِيرِ، فَهِيَ كَالْحُدُودِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. (وَإِنْ حَنِثَ فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ وَكَفَّرَ عَنْهَا، ثُمَّ حَلَفَ) يَمِينًا (أُخْرَى، لَزِمَتْهُ) كَفَّارَةٌ (ثَانِيَةٌ) وَكَذَا لَوْ كَفَّرَ عَنْ الثَّانِيَةِ ثُمَّ حَلَفَ يَمِينًا أُخْرَى، لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ثَالِثَةٌ (وَهَلُمَّ جَرًّا) لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ عَنْ الَّتِي قَبْلَهَا، كَمَا لَوْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَكَفَّرَ، ثُمَّ وَطِئَ فِيهِ أُخْرَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَنِثَ فِي الْكُلِّ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ مُوجِبُ الْكَفَّارَةِ كَظِهَارٍ وَيَمِينٍ بِاَللَّهِ- تَعَالَى-، لَزِمَتَاهُ)، أَيْ: الْكَفَّارَتَانِ (وَلَمْ تَتَدَاخَلَا) لِاخْتِلَافِ جِنْسِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ الْيَمِينُ) بِاَللَّهِ- تَعَالَى- (وَالنَّذْرُ وَاحِدٌ) فَلَوْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَفَّارَةُ نَذْرٍ، وَأَخْرَجَ عَنْهُمَا كَفَّارَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَتْهُ عَنْهُمَا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ، فَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى أَجْنَاسٍ) مُخْتَلِفَةٍ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتُ وَلَا شَرِبْتُ وَلَا لَبِسْتُ (فـَ) عَلَيْهِ (كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، سَوَاءٌ حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِي وَاحِدٍ، وَتَنْحَلُّ) الْيَمِينُ (فِي الْبَقِيَّةِ)؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَحِنْثُهَا وَاحِدٌ. (وَلَيْسَ لِقِنٍّ أَنْ يُكَفِّرَ بِغَيْرِ صَوْمٍ)؛ لِأَنَّهُ (لَا) مَالَ لَهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ (وَلَا لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ (وَلَوْ أَضَرَّ) الصَّوْمُ (بِهِ) كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ (أَوْ كَانَ حَلِفُهُ وَحِنْثُهُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّوْمِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ صَوْمِ نَذْرٍ، لِوُجُوبِهِ لِحَقِّ اللَّهِ- تَعَالَى- (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) إذَا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ (كَحُرٍّ) كَامِلِ الْحُرِّيَّةِ مَعَ قُدْرَةٍ أَوْ عَجْزٍ. (وَيُكَفِّرُ كَافِرٌ) لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ (وَلَوْ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ صَوْمٍ)؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ، وَيُتَصَوَّرُ عِتْقُهُ لِلْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدِي عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَيَفْعَلُ، أَوْ يَكُونُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِنَحْوِ إرْثٍ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ بَعْضُ أَحْكَامِ الْكَفَّارَةِ فَلْيُعَاوَدْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ.