فصل: فَصْلٌ: (وَمَنْ حَلَفَ على ماءٍ فَتَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [وَمَنْ حَلَفَ على ماءٍ فَتَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ]:

(وَمَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ هَذَا الْمَاءَ غَدًا) أَوْ فِي غَدٍ (أَوْ) حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ (فَتَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ)، أَيْ: الْمَاءُ بِأَنْ أُرِيقَ وَنَحْوِهِ، أَوْ الْغُلَامُ بِأَنْ مَاتَ (قَبْلَ الْغَدِ أَوْ فِيهِ)، أَيْ: الْغَدِ (قَبْلَ الشُّرْبِ أَوْ الضَّرْبِ- حَنِثَ حَالَ تَلَفِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ فِي وَقْتِهِ بِلَا إكْرَاهٍ وَلَا نِسْيَانَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحِنْثِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِاخْتِيَارٍ، (وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَحُجَّنَّ الْعَامَ فَلَمْ يَقْدِرْ لِمَرَضٍ أَوْ عَدَمِ نَفَقَةٍ) فَيَحْنَثُ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) لَوْ حَلَفَ (لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا، فَأَعْسَرَ) قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ أَوْ فِيهِ، أَوْ مَاتَ الْحَالِفُ، فَيَحْنَثُ لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَ(لَا) يَحْنَثُ (إنْ جُنَّ حَالِفٌ) لَيَفْعَلَنَّ كَذَا غَدًا أَوْ فِي غَدٍ (قَبْلَ الْغَدِ حَتَّى خَرَجَ الْغَدُ)، أَيْ: الْمَجْنُونُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلٌ وَلَا تَرْكٌ يُعْتَدُّ بِهِ، (وَإِنْ أَفَاقَ) مِنْ جُنُونِهِ (قَبْلَ خُرُوجِهِ، أَيْ: الْغَدِ حَنِثَ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ) بِأَنْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الْغَدِ يَسَعُهُ (أَوْ لَا)؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا يَصِحُّ أَنْ يَنْسُبَ إلَيْهِ الْحِنْثَ، وَيَحْكُمَ بِحِنْثِهِ (مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ) كَمَا لَوْ أَفَاقَ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ وَلَوْ لَمْ يَتَّسِعْ لِلْعَقْلِ ثُمَّ جُنَّ بَقِيَّتَهُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ مَا لَمْ يَتْلَفْ) مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ (حَالَ جُنُونِهِ)، أَيْ: الْحَالِفِ، فَإِنْ أَفَاقَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْغَدِ وَوُجِدَ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ تَالِفًا، فَلَا يَحْنَثُ، لِتَعَذُّرِ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ إغْمَاءً وَنَوْمًا) طَرَأَ عَلَى الْحَالِفِ (كَجُنُونٍ) لِفَقْدِهِ شُعُورَهُ بِطُرُوءِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ لِسُقُوطِ اخْتِيَارِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) لَا يَحْنَثُ (إنْ مَاتَ حَالِفٌ قَبْلَ الْغَدِ أَوْ أُكْرِهَ) عَلَى تَرْكِ شُرْبِهِ أَوْ ضَرَبِهِ حَتَّى خَرَجَ الْغَدُ (وَإِنْ قَالَ:) وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ هَذَا الْمَاءَ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ غُلَامِي وَنَحْوَهُ (الْيَوْمَ، وَيَتَّجِهُ أَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى (فَأَمْكَنَهُ) فِعْلُ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ بِأَنْ مَضَى بَعْدَ يَمِينِهِ مَا (يَتَّسِعُ لِفِعْلِهِ) فَتَلِفَ (مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ قَبْلَهُ) (حَنِثَ عَقِبَهُ) لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهِ بِتَلَفِهِ، وَقَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا، أَيْ: لِلْمُنْتَهَى مِنْ وَجْهٍ وَلِلْإِقْنَاعِ مِنْ وَجْهَيْنِ، فَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِطْلَاقِ هُنَا، وَعِبَارَتُهُ: وَإِنْ قَالَ الْيَوْمَ فَأَمْكَنَهُ، فَتَلِفَ- حَنِثَ عَقِبَهُ. وَصَاحِبُ الْإِقْنَاعِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِطْلَاقِ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِتَلَفِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَكُّنُهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَعِبَارَتُهُ: وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ هَذَا الْغُلَامَ أَوْ لِيَأْكُلْنَ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ، وَمَاتَ الْحَالِفُ حَنِثَ وَنُصُوصُهُمْ تَأْبَى مَا قَالَاهُ مِنْ عَدَمِ الْإِطْلَاقِ، وَلَكِنَّهَا صَرِيحَةٌ بِظَاهِرِ الْإِقْنَاعِ مِنْ أَنَّهُ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِتَلَفِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا وَعَيَّنَ وَقْتًا أَوْ أَطْلَقَ، فَمَاتَ الْحَالِفُ، وَتَلِفَ، الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتٌ يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِيهِ حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ كَإِمْكَانِهِ (وَلَا يَبَرُّ) مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ أَوْ يَوْمِ كَذَا (بِضَرْبِهِ قَبْلَ وَقْتٍ عَيَّنَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ الْجُمُعَةَ فَصَامَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَمَحَلُّ هَذَا مَا لَمْ يَقْصِدْ عَدَمَ مُجَاوَزَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ (وَ) لَا يَبَرُّ بِضَرْبِهِ (مَيِّتًا)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْصَرِفُ لِضَرْبِهِ حَيًّا تَأْلِيمًا لَهُ (وَلِهَذَا لَا يَبَرُّ بِضَرْبٍ لَا يُؤْلِمُ) الْمَضْرُوبَ، (وَيَبَرُّ) الْحَالِفُ (بِضَرْبِهِ مَجْنُونًا) حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّمُ مِنْ الضَّرْبِ كَالْعَاقِلِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ ضَرَبَ الْحَالِفُ كَذَلِكَ)، أَيْ: لَوْ جُنَّ الْحَالِفُ وَضَرَبَ مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ، فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِيَمِينِهِ، إذْ الْمَقْصُودُ تَأْلِيمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَقَدْ حَصَلَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ حَلَفَ لِرَبِّ حَقٍّ (لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا فَأَبْرَأَهُ) رَبُّ الْحَقِّ (الْيَوْمَ)، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ بِإِبْرَائِهِ مِنْ قَضَائِهِ أَشْبَهَ الْمُكْرَهَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَ الْيَمِينِ الْبَرَاءَةُ إلَيْهِ فِي الْغُدُوِّ، (وَقَدْ حَصَلَتْ) أَوْ أَخَذَ رَبُّ الْحَقِّ (عَنْهُ عَرَضًا) لِحُصُولِ الْإِيفَاءِ كَحُصُولِهِ بِجِنْسِ الْحَقِّ (أَوْ مُنِعَ الْحَالِفُ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ قَضَاءِ الْحَقِّ (كُرْهًا) بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ، فَلَا حِنْثَ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ فِعْلٍ فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، (أَوْ مَاتَ) رَبُّ الْحَقِّ (فَقَضَاهُ) الْحَالِفُ (لِوَرَثَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ) لِقِيَامِ وَارِثِهِ فِي الْقَضَاءِ مَقَامَهُ كَوَكِيلِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا لَوْ غَابَ) مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ (فَدَفَعَهُ)، أَيْ: الْحَقَّ (لِوَكِيلِهِ) أَيْ: وَكِيلِ رَبِّ الْحَقِّ (لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا) يَدْفَعْهُ لِوَكِيلِهِ، بِأَنْ أَبْقَاهُ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ جَعَلَهُ أَمَانَةً عِنْدَ مَنْ لَمْ يَسْتَأْمِنْهُ رَبُّ الْحَقِّ (حَنِثَ) الْحَالِفُ، لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَقْضِيَنَّهُ) حَقَّهُ (عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ أَوْ مَعَ) رَأْسِهِ (أَوْ إلَى رَأْسِهِ أَوْ) إلَى اسْتِهْلَالِهِ (أَوْ عِنْدَ) رَأْسِ الشَّهْرِ (أَوْ مَعَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَمَحَلُّهُ) أَيْ الْقَضَاءُ الَّذِي يُبَرِّئُهُ (عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخَرِ الشَّهْرِ) فَيَبَرُّ بِقَضَائِهِ فِيهِ (وَيَحْنَثُ) بِقَضَائِهِ (بَعْدَهُ) أَيْ: غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ، لِفَوَاتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (وَلَا يَضُرُّ تَأَخُّرُ فَرَاغِ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَعَدِّهِ وَذَرْعِهِ) لِكَثْرَتِهِ حَيْثُ شَرَعَ مِنْ الْغُرُوبِ، (وَ) لَا يَضُرُّ تَأَخُّرُ فَرَاغِ (أَكْلِهِ) إذَا حَلَفَ لَيَأْكُلْنَهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ وَنَحْوِهِ، وَشَرَعَ فِيهِ إذَا تَأَخَّرَ لِكَثْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَعَمَلًا بِالْعُرْفِ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى غَرِيمِهِ (لَا أَخَذْتَ حَقَّكَ الْحَالَّ مِنِّي، فَأُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهِ، أَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ حَاكِمٌ فَدَفَعَهُ لِغَرِيمِهِ فَأَخَذَهُ غَرِيمُهُ حَنِثَ) الْحَالِفُ نَصًّا لِحَلِفِهِ (لَا تَأْخُذُ حَقَّكَ عَلَيَّ) فَأَخَذَهُ لِوُجُودِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ اخْتِيَارًا، وَهُوَ الْأَخْذُ (لَا إنْ أُكْرِهَ قَابِضٌ) عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلُ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ بِلَا حَقٍّ (وَلَا إنْ وَضَعَهُ) حَالِفٌ (بَيْنَ يَدَيْهِ)، أَيْ: الْغَرِيمِ، أَوْ وَضَعَهُ (فِي حِجْرِهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَلَمْ يَأْخُذْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمَحْلُوفُ عَلَى تَرْكِهِ، وَهُوَ الْأَخْذُ (إلَّا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا أُعْطِيكَهُ) فَيَحْنَثُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ فِي حِجْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ (لِبَرَاءَتِهِ)، أَيْ: مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ (بِمِثْلِ هَذَا) الْفِعْلِ، أَيْ: الْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ فِي حِجْرِهِ (مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَأُجْرَةٍ وَزَكَاةٍ) وَنَحْوِهَا. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَدِينِهِ لَا فَارَقَتْنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك، فَفَارَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ طَوْعًا لَا كَرْهًا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَالِفٍ حَقَّهُ (حَنِثَ)؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا حَصَلَ هُنَا فِرْقَةً وَقَدْ حَصَلَتْ طَوْعًا، وَإِنْ حَلَفَ لَافْتَرَقْنَا أَوْ لَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك، فَهَرَبَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْهُ حَنِثَ نَصًّا، لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بِذَلِكَ (أَوْ فَلَّسَهُ حَاكِمٌ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ)، أَيْ: الْحَالِفِ (بِفِرَاقِهِ) فَفَارَقَهُ حَنِثَ لِمَا تَقَدَّمَ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِغَرَامَةٍ فَفَارَقَهُ لِعِلْمِهِ، بِوُجُوبِ فِرَاقِهِ لِعُسْرَتِهِ حَنِثَ لِمَا سَبَقَ. وَكَذَا إنْ أَبْرَأَهُ الْحَالِفُ مِنْ حَقِّهِ، فَفَارَقَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ، فَفَارَقَهُ، أَوْ فَارَقَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ لَهُ فِي الْفِرْقَةِ، فَيَحْنَثُ، لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قَضَاهُ الدَّيْنَ قَدْرَ حَقِّهِ، فَفَارَقَهُ ظَنًّا أَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُ، فَخَرَجَ رَدِيئًا أَوْ مُسْتَحَقًّا فَكَنَاسٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، فَيَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ لَا فِي يَمِينٍ بِاَللَّهِ وَنَذْرٍ، وَلَا يَحْنَثُ (إذَا أُكْرِهَا) أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى فِرَاقِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يُنْسَبُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ قَضَاهُ بِحَقِّهِ عَرَضًا) قَبْلَ فُرْقَتِهِ، لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ بِأَخْذِ الْعَرَضِ كَحُصُولِهِ بِجِنْسِ الْحَقِّ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) أَعْطَاهُ الْعَرَضَ الْمَقْضِيَّ (بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ بِذِمَّتِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقَضَاهُ عَنْهَا عَرَضًا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً، وَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا حَنِثَ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ وَهُوَ الْقَضَاءُ، لَا إنْ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ، إذْ الْحِيلَةُ لَا تُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ حُكْمِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَفِعْلُ وَكِيلِهِ)، أَيْ: الْحَالِفِ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ وَنَظَائِرُهُ كَفِعْلِهِ (هُوَ، فَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا، فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ فَفَعَلَهُ) الْوَكِيلُ (حَنِثَ) الْحَالِفُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ كَفِعْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، (وَ) كَذَا (لَوْ) حَلَفَ (لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ) بَرَّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُضَافُ إلَى الْمُوَكِّلِ فِيهِ وَالْآمِرِ بِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فَأَمَرَ مَنْ حَلَقَهُ، (وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ زَيْدًا فَبَاعَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لَهُ) فَيَحْنَثُ، لِقِيَامِ وَكِيلِ زَيْدٍ مَقَامَهُ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْحَالِفُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَاهُ لِزَيْدٍ (فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ حَتَّى فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ تَوَكَّلَ حَالِفٌ لَا يَبِيعُ وَنَحْوَهُ) كَلَا يَسْتَأْجِرَ فِي (بَيْعٍ) أَوْ فِي إجَارَةٍ، وَبَاعَ أَوْ اسْتَأْجَرَ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُضَافٌ إلَى مُوَكِّلِهِ دُونَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا إذَا (أَضَافَهُ لِمُوَكِّلِهِ) بِأَنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي بِعْتُكَ هَذَا عَنْ مُوَكِّلِي فُلَانٍ وَنَحْوَهُ أَوْ لَا بِأَنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُضَافًا لِمُوَكَّلِهِ دُونَهُ.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نِيَّةُ أَوْ سَبَبُ الْيَمِينِ الِامْتِنَاعَ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، فَيَحْنَثُ إذَنْ بِذَلِكَ. وَإِنْ حَلَفَ مَدِينٌ (لَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أُوَفِّيك حَقَّكَ فَأُبْرِئَ) مَدِينُهُ مِنْهُ، لَمْ يَحْنَثْ بِفِرَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ يُوَفِّيهِ لَهُ (أَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِرَاقِهِ) فَفَارَقَهُ (لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، (وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا) كَعَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ (فَوُهِبَتْ لَهُ)، أَيْ: الْغَرِيمِ الْحَالِفِ (وَقَبِلَ الْهِبَةَ- حَنِثَ) بِفِرَاقِهِ؛ لِتَرْكِهِ الْوَفَاءَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يَحْنَثُ (إنْ أَقْبَضَهَا حَالِفٌ) لِرَبِّهَا قَبْلَ الْهِبَةِ ثُمَّ وَهَبَهُ إيَّاهَا ثُمَّ فَارَقَهُ لِحُصُولِ الْوَفَاءِ. وَإِنْ كَانَ حَلَفَ مَنْ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ الْحَقُّ لَا أُفَارِقُكَ وَلَك فِي قِبَلِي حَقٌّ فَأُبْرِئَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ وُهِبَ لَهُ الدَّيْنُ أَوْ الْعَيْنُ لَمْ يَحْنَثْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَقْبَضَهُ الْعَيْنَ قَبْلَ الْهِبَةِ أَوْ لَا، إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَالَ الْفُرْقَةِ قِبَلَهُ حَقٌّ. وَقَدْرُ الْفِرَاقِ مَا عُدَّ فِرَاقًا كَفِرَاقٍ فِي بَيْعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَدَّ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا فَرَجَعَ فِيهِ لِلْعُرْفِ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَكْفُلُ مَالًا فَكَفَلَ بَدَنًا، وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَالِ إنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْفُلْ مَالًا، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الْبَرَاءَةَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ.

.بَابُ النَّذْرِ:

مَصْدَرُ نَذَرْتُ أَنْذِرُ بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا، يُقَالُ نَذَرَ دَمَ فُلَانٍ؛ أَيْ: أَوْجَبَ قَتْلَهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}، وَقَوْلُهُ {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَيَتَعَيَّنُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ التَّبَرُّرِ. (وَالنَّذْرُ) فِي الشَّرْعِ (إلْزَامُ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا بِعِبَادَةٍ) لِحَدِيثِ عُمَرَ: «إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ». وَلِأَنَّ نَذْرَ الْعِبَادَةِ لَيْسَ عِبَادَةَ (نَفْسَهُ) مَفْعُولُ إلْزَامٍ (لِلَّهِ تَعَالَى) مُتَعَلِّقٌ بِإِلْزَامٍ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (وَبِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ: الْإِلْزَامِ؛ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ، لِلَّهِ عَلَيَّ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ (شَيْئًا) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِإِلْزَامٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ (الشَّيْءُ لَازِمًا بِأَصْلِ الشَّرْعِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَأْتِي؛ وَفِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى غَيْرُ لَازِمٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُمَا هُنَا غَيْرُ مُحَالٍ كَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّى انْعِقَادُهُ وَلَا الْوَفَاءُ بِهِ؛ أَشْبَهَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ؛ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَيَأْتِي (فَلَا تَكْفِي نِيَّتُهُ)؛ أَيْ: النَّاذِرِ النَّذْرَ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ كَالْيَمِينِ، لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِغَيْرِ الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ انْعِقَادُهُ) أَيْ: النَّذْرِ (بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ) إذَا فُهِمَتْ مِنْهُ كَيَمِينِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَهُوَ) أَيْ: النَّذْرُ عَقْدُهُ وَالِالْتِزَامُ بِهِ (مَكْرُوهٌ، وَلَوْ عِبَادَةً) لِحَدِيثِ: «النَّذْرُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: لَا يَرُدُّ قَضَاءً وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مُحْدَثًا، قَالَ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} (بَلْ حَرَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ) وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيُصَلِّي النَّفَلَ كَمَا هُوَ أَيْ: لَا يَنْذُرُهُ ثُمَّ يُصَلِّيهِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْحَدِيثُ: (إيجَابُ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ، أَيْ: إذَا أَوْجَبَ الْمُؤْمِنُ عَلَى نَفْسِهِ، إيجَابًا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ بِنَذْرِهِ إيَّاهُ وَعَهْدِهِ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَطَلَبُ) حُصُولِ أَمْرٍ غَيْرِ حَاصِلٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ (وَسَوَاءٌ ذَلِكَ جَهْلٌ مِنْهُ أَوْ ظُلْمٌ) مَنْهِيٌّ عَنْهُ، إذْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَقَوْلُهُ: لَوْ ابْتَلَانِي اللَّهُ لَصَبَرْت وَنَحْوُ ذَلِكَ إنْ كَانَ وَعْدًا أَوْ الْتِزَامًا، فَنَذْرٌ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ الْحَالِ فَفِيهِ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ، وَجَهْلٌ بِحَقِيقَةِ حَالِهَا انْتَهَى.
(وَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ كَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَمَضَانَ) وَنَحْوِهِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إنَّهُ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِكَفَّارَةِ يَمِينٍ إنْ تَرَكَهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ فَفَعَلَهُ؛ فَإِنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ إذَا نَذَرَهُ الْعَبْدُ، أَوْ عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ، أَوْ بَايَعَ عَلَيْهِ الرَّسُولَ أَوْ الْإِمَامَ، أَوْ تَحَالَفَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ تَقْتَضِي لَهُ وُجُوبًا ثَانِيًا غَيْرَ الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ وَاجِبًا مِنْ وَجْهَيْنِ، وَيَكُونُ تَرْكُهُ مُوجِبًا لِتَرْكِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ وَالْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ. هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ (فَيُكَفِّرُ نَاذِرٌ إنْ لَمْ يَصُمْهُ)؛ أَيْ: مَا نَذَرَهُ مِنْ الْوَاجِبِ (كَحَلِفِهِ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ رَمَضَانَ ثُمَّ لَمْ يَصُمْهُ؛ فَيُكَفِّرُ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا التَّغْلِبِيُّ، وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ فِي وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامُ، (مَا) هُوَ لَازِمٌ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ: (لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُحَالِ) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَتَقَدَّمَ. (وَأَنْوَاعُ النَّذْرِ الْمُنْعَقِدَةُ سِتَّةٌ): (أَحَدُهَا): النَّذْرُ (الْمُطْلَقُ) كَقَوْلِهِ (لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ)، أَوْ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ تُخَصَّصُ بِمَحَلٍّ أَوْ زَمَنٍ، وَفِعْلِهِ؛ أَيْ: مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ نَذْرَهُ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةَ يَمِينٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. النَّوْعُ (الثَّانِي نَذْرُ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ، وَهُوَ تَعْلِيقُهُ)؛ أَيْ: النَّذْرِ بِهِ (بِشَرْطِ قَصْدِ الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ) أَوْ بِقَصْدِ الْحَمْلِ؛ أَيْ: الْحَثِّ عَلَيْهِ، وَالتَّصْدِيقِ إذَا كَانَ خَبَرًا. فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ: (إنْ كَلَّمْتُك فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الصَّوْمُ سَنَةً، أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ) أَوْ، أَيْ: وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ (إنْ لَمْ أُخْبِرْكَ بِكَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْعِتْقُ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْفِعْلِ، أَيْ: فِعْلِ مَا الْتَزَمَهُ أَوْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاه سَعِيدٌ. وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى (وَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ) فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ (عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُلْزِمُ بِذَلِكَ) الْمَنْذُورِ كَمَالِكٍ (أَوْ قَوْلِهِ لَا أُقَلِّدُ وَمَنْ يَرَى الْكَفَّارَةَ وَنَحْوَهُ) لِأَنَّهُ تَوْكِيدٌ وَالشَّرْعُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ (وَمَنْ عَلَّقَ صَدَقَةَ شَيْءٍ بِبَيْعِهِ، وَعَلَّقَهَا آخَرُ بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ، كَفَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ) نَصًّا، كَمَا لَوْ حَلَفَا عَلَيْهِ، وَحَنِثَ قَالَ فِي: شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْتُ: إنْ تَصَدَّقَ بِهِ الْمُشْتَرِي خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ انْتَهَى.
(وَمَنْ حَلَفَ فَقَالَ: عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ) إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَنَحْوُهُ (فَحَنِثَ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) إنْ لَمْ يَعْتِقْ رَقَبَةً. (النَّوْعُ الثَّالِثُ: نَذْرُ فِعْلٍ مُبَاحٍ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبِي، وَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَرْكَبَ دَابَّتِي، فَيُخَيَّرُ أَيْضًا) بَيْنَ فِعْلِهِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ، كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ، فَقَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ». النَّوْعُ (الرَّابِعُ نَذْرُ فِعْلِ مَكْرُوهٍ كَنَذْرِ طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ، وَيَتَّجِهُ كَإِفْرَادِ صَوْمِ شَهْرِ رَجَبٍ أَوْ إفْرَادِ جُمُعَةٍ أَوْ إفْرَادِ سَبْتٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِمَنْ يُعَظِّمُ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ نَذْرُ أَكْلِ بَصَلٍ نِيءٍ وَثُومٍ وَفُجْلٍ وَكُرَّاثٍ، لِلنَّهْيِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَيُسَنُّ أَنْ يُكَفِّرَ) لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ (وَلَا يَفْعَلُهُ) لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى، فَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ وَفَّى بِنَذْرِهِ. النَّوْعُ (الْخَامِسُ: نَذْرُ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَصَوْمِ يَوْمِ عِيدٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ أَيَّامِ تَشْرِيقٍ) أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ (فَيَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ) لِحَدِيثِ: «وَمَنْ نَذَرَ؛ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ». وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُبَاحُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ (وَيُكَفِّرُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ)؛ أَيْ: نَذْرَ الْمَعْصِيَةِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لِيَفْعَلَنَّهُ. وَلَمْ يَفْعَلْهُ. (وَيَقْضِي صَوْمَ مَا نَذَرَهُ غَيْرَ يَوْمِ حَيْضٍ) لِانْعِقَادِ نَذْرِهِ؛ فَتَصِحُّ مِنْهُ الْقُرْبَةُ، وَيَلْغُو تَعْيِينُهُ؛ لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً كَنَذْرِ مَرِيضٍ صَوْمًا يُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ، يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ (مَعَ الْكَفَّارَةِ)؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاه الْخَمْسَةُ. وَلِأَنَّ النَّذْرَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ.
تَنْبِيهٌ:
لَوْ نَذَرَ صَوْمَ لَيْلَةٍ أَوْ يَوْمٍ أَكَلَ فِيهِ، وَيَوْمَ حَيْضٍ بِمُفْرَدِهِ؛ فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْسَتْ بِزَمَنِ صَوْمٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنَّ الْحَيْضَ وَالْأَكْلَ مُنَافِيَانِ لِلصَّوْمِ لِمَعْنًى فِيهِمَا، وَالْعِيدُ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ لَيْسَ مُنَافِيَيْنِ لِلصَّوْمِ لِمَعْنًى فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ فِي ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّة. (وَمَنْ نَذَرَ ذَبْحَ مَعْصُومٍ حَتَّى نَفْسِهِ) فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِحَدِيثِ «النَّذْرُ حَلِفَةٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ». (وَتَتَعَدَّدُ) كَفَّارَةٌ عَلَى مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ بِتَعَدُّدِ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، مَا لَمْ يَنْوِ بِنَذْرِهِ وَلَدًا مُعَيَّنًا يَذْبَحُهُ؛ فَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَكَذَا فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ خِصَالًا كَثِيرَةً أَجْزَأَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَاحِدٌ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ.
(وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: النَّذْرُ لِلْقُبُورِ أَوْ لِأَهْلِ الْقُبُورِ كَالنَّذْرِ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَالشَّيْخِ فُلَانٍ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ: بِمَا نَذَرَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ فَهُوَ (خَيْرٌ لَهُ) عِنْدَ اللَّهِ وَأَنْفَعُ، وَقَالَ: مَنْ نَذَرَ إسْرَاجَ بِئْرٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ نَذَرَ لَهُ أَوْ لِسُكَّانِهِ أَوْ الْمُضَافِينَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ (وَكَذَا النَّذْرُ لِلْمُقِيمِ عِنْدَ الْقَبْرِ لِتَنْوِيرِهِ وَتَبْخِيرِهِ) لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ إجْمَاعًا، وَيُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ مَا لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ، وَمِنْ الْحَسَنِ صَرْفُهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمَشْرُوعِ، وَقَالَ فِيمَنْ نَذَرَ قِنْدِيلَ نَقْدٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَصْرِفُ لِجِيرَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيمَتَهُ. وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْخِتْمَةِ.
(وَقَالَ: وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ لِلْمَسَاجِدِ لِمَصَالِحِهَا) مِنْ تَعْمِيرٍ وَتَنْوِيرٍ فَهَذَا نَذْرُ (بِرٍّ يَلْزَمُ وَفَاؤُهُ) بِهِ، لِأَنَّ تَعْمِيرَهَا وَتَنْوِيرَهَا مَطْلُوبٌ. النَّوْعُ (السَّادِسُ) (نَذْرُ تَبَرُّرٍ كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ) وَصَدَقَةٍ بِمَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا عِيَالَهُ وَلَا غَرِيمَهُ (وَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ) وَزِيَارَةِ أَخٍ فِي اللَّهِ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَشُهُودِ جِنَازَةٍ (يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ بِلَا شَرْطٍ أَوْ عَلَّقَ بِشَرْطِ وُجُودِ نِعْمَةٍ) يَرْجُوهَا (أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ) يَخَافُهَا (كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ سَلَّمَ مَالِي) لَأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا، أَوْ حَلَفَ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ كَ: وَاَللَّهِ لَئِنْ سَلِمَ مَالِي لَأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا (فَوَجَدَ شَرْطَهُ، لَزِمَهُ) الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ نَصًّا، وَكَذَا إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَذَمَّ تَعَالَى الَّذِينَ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَدَّقَنَّ} الْآيَاتِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ نَذْرَ التَّبَرُّرِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ. أَحَدُهَا مَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ اسْتَجْلَبَهَا أَوْ نِقْمَةٍ اسْتَدْفَعَهَا، وَكَذَا إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ وَنَحْوُهُ فَعَلْتُ كَذَا. الثَّانِي: الْتِزَامُ طَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ وَنَحْوُهُ. الثَّالِثُ نَذْرُ طَاعَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْوُجُوبِ كَالِاعْتِكَافِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ.
تَتِمَّةٌ:
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَعْلِيقُ النَّذْرِ بِالْمِلْكِ نَحْوُ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} الْآيَةَ. (وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ)؛ أَيْ: النَّذْرِ (قَبْلَهُ)؛ أَيْ: قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ كَإِخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ (وَقَالَ الشَّيْخُ فِيمَنْ قَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَصُومُ كَذَا: هَذَا نَذْرٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا) وَمَنْ قَالَ لَيْسَ بِنَذْرٍ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَقَالَ: قَوْلُ الْقَائِلِ: لَئِنْ ابْتَلَانِي اللَّهُ لَأَصْبِرَنَّ وَلَئِنْ لَقِيتُ الْعَدُوَّ لَأُجَاهِدَنَّ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَيَّ الْعَمَلِ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ لَعَمِلْتُهُ نَذْرٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، كَقَوْلِ الْآخَرِ: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} الْآيَةَ. وَنَظِيرُ ابْتِدَاءِ الْإِيجَابِ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَيُشْبِهُهُ سُؤَالُ الْإِمَارَةِ (وَنَصَّ. الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَيْهِ فِي إنْ قَدِمَ فُلَانٌ تَصَدَّقْتُ بِكَذَا) أَنَّهُ نَذْرٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِذِكْرِ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ النَّذْرِ. (وَمَنْ نَذَرَ فِعْلَ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ، لَزِمَهُ فِعْلُ الطَّاعَةِ، وَكَفَّرَ لِلْمَعْصِيَةِ)، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ (وَلَوْ) (نَذَرَ الصَّدَقَةَ مَنْ تُسَنُّ لَهُ) بِأَنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِذَلِكَ نَفْسَهُ أَوْ عِيَالَهُ أَوْ غَرِيمَهُ (بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِأَلْفٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَعْدَادِ (وَهُوَ) أَيْ: الْأَلْفُ وَنَحْوُهُ (كُلُّ مَالِهِ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِنَذْرٍ؛ أَجْزَأَ ثُلُثُهُ يَوْمَ نَذْرِهِ يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ نَصًّا؛ «لِقَوْلِ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ هُوَ خَيْرٌ لَكَ». وَفِي قِصَّةِ تَوْبَةِ أَبِي لُبَابَةَ: وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِالْجَمِيعِ مَكْرُوهَةٌ.
قَالَ فِي الرَّوْضَة: لَيْسَ لَنَا فِي نَذْرِ الطَّاعَةِ مَا يُجْزِئُ بَعْضُهُ إلَّا هَذَا الْمَوْضِعَ، وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ مَنْ تُسَنُّ لَهُ بِقَصْدِ التَّوْبَةِ (بِبَعْضٍ مِنْ مَالٍ مُسَمًّى) كَنِصْفٍ أَوْ أَلْفٍ، وَهُوَ بَعْضُ مَالِهِ؛ لَزِمَهُ مَا سَمَّاهُ، وَلَوْ كَانَ مَا سَمَّاهُ (أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا لَا يَمْنَعُ مِنْهُ شَيْءٌ كَسَائِرِ النُّذُورِ (وَإِنْ نَوَى) بِنَذْرِهِ الصَّدَقَةَ شَيْئًا (ثَمِينًا مِنْ مَالِهِ، أَوْ نَوَى مَالًا دُونَ مَالٍ؛ أُخِذَ بِنِيَّتِهِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تُسَنَّ لَهُ الصَّدَقَةُ بِأَنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ أَوْ غَرِيمِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذُكِرَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْبَةَ؛ بِأَنْ كَانَ فِي لِجَاحِّ، أَجْزَأَتْهُ الْكَفَّارَةُ. (وَإِنْ نَذَرَهَا بِمَالٍ وَنِيَّتُهُ أَلْفٌ يُخْرِجُ مَا شَاءَ) مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَمَا نَوَاهُ زِيَادَةٌ عَمَّا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ، وَالنَّذْرُ لَا يَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ (وَيَصْرِفُهُ لِلْمَسَاكِينِ) وَيُجْزِئُ لِوَاحِدٍ كَنَذْرِ (صَدَقَةٍ مُطْلَقَةٍ) فَإِنْ عُيِّنَتْ لِزَيْدٍ مَثَلًا لَزِمَ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ مِنْ نَذْرِ الصَّدَقَةِ بِمَالِهِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ بِمَالٍ (إسْقَاطُ دَيْنٍ) عَنْ مَدِينِهِ، وَلَوْ فَقِيرًا.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ؛ أَيْ: لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَمْلِيكٌ، وَهَذَا إسْقَاطٌ كَالزَّكَاةِ. (وَمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ)، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِمَّا يَمْلِكُهُ أَجْزَأَهُ إخْرَاجٌ ثُلُثِهِ يَوْمَ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ.
قَالَ فِي الْهَدْي: يُخْرِجُ قَدْرَ الثُّلُثِ يَوْمَ نَذْرِهِ، وَلَا يُدْخِلُ (مَا طَرَأَ) أَيْ: تَجَدَّدَ لَهُ مِنْ الْمَالِ (بَعْدَ نَذْرِهِ، وَمَنْ حَلَفَ) لَا رَدَدْتُ سَائِلًا أَوْ (نَذَرَ لَا رَدَدْت سَائِلًا، فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ) عَلَى الصَّدَقَةِ بِمَالِهِ (أَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، فَيُجْزِئُهُ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ (فَإِنْ لَمْ يَتَحَصَّلْ لَهُ) أَيْ: الْحَالِفِ أَوْ النَّاذِرُ مِنْ نَحْوِ كَسْبِهِ (إلَّا مَا يَحْتَاجُهُ) لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ (يَمِينٍ) لِتَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ نَذَرَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَحَصَّلَ لَهُ فَوْقَ مَا يَحْتَاجُهُ (تَصَدَّقَ بِثُلُثِ الزَّائِدِ عَنْ حَاجَتِهِ وَنَحْوِ حَبَّةِ بُرٍّ) كَأَرْزَةٍ وَشَعِيرَةٍ (لَيْسَتْ سُؤَالَ السَّائِلِ) اعْتِبَارًا بِالْمَقَاصِدِ، وَحَدِيثِ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» يَدُلُّ عَلَى إجْزَاءِ نِصْفِ التَّمْرَةِ وَنَحْوِهَا فَأَكْثَرَ لَا أَقَلَّ. وَمَنْ قَالَ: (إنْ مَلَكْت مَالَ فُلَانٍ فَعَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِهِ، فَمَلَكَهُ؛ فَهُوَ كَمَالِهِ) يُجْزِئُهُ التَّصَدُّقُ بِثُلُثِهِ، وَلَوْ قَالَ: إنَّ مَلَكَتْ عَبْدَ زَيْدٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ (أَعْتِقَهُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ الْتَزَمَ بِعِتْقِهِ) إذَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ تَبَرُّرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي لَجَاجٍ وَغَضَبٍ؛ خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَمَاتَ قَبْلَ عِتْقِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ النَّذْرِ، وَيُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ فَالْكَفَّارَةُ فَقَطْ، وَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُ غَيْرِهِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقٌّ لِلْمَنْذُورِ عِتْقُهُ، وَقَدْ فَاتَ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ غَيْرُ سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِ إلَى سَيِّدِهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ. وَلَهُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا فِي الْعِتْقِ.

.فَصْلٌ: [مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ]:

(وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَيَوْمَا الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يَقْبَلُ صَوْمَ غَيْرِهِ، وَأَيَّامُ النَّهْيِ لَا تَقْبَلُ صَوْمَ النَّذْرِ كَاللَّيْلِ؛ فَلَا كَفَّارَةَ بِفِطْرِهَا وَلَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ) كَالْمُحَرَّمِ (فَلَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِوُجُوبِهِ بِالنَّذْرِ (كَرَمَضَانَ مُتَتَابِعًا) لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ بِالشَّهْرِ؛ إذْ الْقَضَاءُ يَكُونُ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ فِيمَا يُمْكِنُ، وَعَلَيْهِ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ) أَيْ: الشَّهْرَ الْمُعَيَّنَ (لَمْ يُجْزِئْهُ) كَصَوْمِ شَعْبَانَ عَنْ رَمَضَانَ الَّذِي بَعْدَهُ (وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهُ) يَوْمًا فَأَكْثَرَ (لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ شَهْرًا مِنْ يَوْمِ فِطْرِهِ) لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ، وَلَوْ بَنَى عَلَى مَا مَضَى لَبَطَلَ التَّتَابُعُ، (وَكَفَّرَ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ فِيمَا يَصُومُهُ بَعْدَ الشَّهْرِ.
(وَ) إنْ أَفْطَرَ مِنْهُ يَوْمًا فَأَكْثَرَ (لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَحَيْضٍ بَنَى عَلَى مَا صَامَهُ (وَقَضَى مَا أَفْطَرَهُ مُتَتَابِعًا مُتَّصِلًا بِتَمَامِهِ، وَكَفَّرَ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ جَنَّهُ) أَيْ: الشَّهْرُ الَّذِي نَذَرَ (صَوْمِهِ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ) وَلَا كَفَّارَةَ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ فِيهِ كَرَمَضَانَ (وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَهُ فَيَقْضِي بَعْضَهُ فَقَطْ، وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ، وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يُعَيِّنْهُ (لَزِمَ التَّتَابُعُ) لِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّهْرِ يَقْتَضِيهِ؛ سَوَاءٌ صَامَ شَهْرًا هِلَالِيًّا أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِالْعَدِّ (فَإِنْ قَطَعَهُ) أَيْ: الصَّوْمَ (بِلَا عُذْرٍ اسْتَأْنَفَهُ)، لِئَلَّا يَفُوتَ التَّتَابُعُ (وَ) إنْ قَطَعَهُ (لِعُذْرٍ يُخَيَّرُ بَيْنَهُ) أَيْ: الِاسْتِئْنَافِ (بِلَا كَفَّارَةٍ، لِفِعْلِهِ الْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ، وَبَيْنَ الْبِنَاءِ) عَلَى مَا مَضَى (وَيُتِمُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَيُكَفِّرُ لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ (وَكَذَا) لَوْ نَذَرَ صَوْمَ (سَنَةٍ فِي لُزُومِ التَّتَابُعِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَصُومُ) مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ (اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا سِوَى رَمَضَانَ) وَسِوَى (أَيَّامِ النَّهْيِ) أَيْ: يَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِانْصِرَافِ نَذْرِهِ إلَى صَوْمِ سَنَةٍ كَامِلَةٍ بِالنَّذْرِ. (وَلَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَيَقْضِي) عَلَى مَا شَرَطَ مَا عَدَا رَمَضَانَ وَأَيَّامَ النَّهْيِ.
(وَ) إنْ نَذَرَ صَوْمَ (سَنَةٍ مِنْ الْآنِ، أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ (مِنْ وَقْتِ كَذَا) فَكَنَذْرِ صَوْمِ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَا يَدْخُلُ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانُ وَأَيَّامُ النَّهْيِ فَلَا يَقْضِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ أَوَّلِهَا تَعْيِينٌ لَهَا.
قَالَ تَعَالَى: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} فَإِذَا عَيَّنَ أَوَّلَهَا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا انْتِهَاءَ الثَّانِيَ عَشَرَ. (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ لَزِمَهُ) كَسَائِرِ النَّذْرِ، إذْ جِنْسُ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَشْرُوعٌ (فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ فَقَطْ) أَيْ: بِلَا قَضَاءٍ (بِغَيْرِ صَوْمٍ) لِأَنَّ الزَّمَنَ مُسْتَغْرَقٌ لِلصَّوْمِ الْمَنْدُوبِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهِ إلَّا بِتَرْكِ الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ، وَتَرْكُهُ يُوجِبُ كَفَّارَةً؛ فَيُفْضِي إلَى التَّسَلْسُلِ وَتَرْكِهِ الْمَنْذُورَ بِالْكُلِّيَّةِ (وَلَا يَدْخُلُ) فِي نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ (رَمَضَانَ وَلَا يَوْمَ نَهْيِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَقْضِي فِطْرَهُ بِهِ)؛ أَيْ: بِرَمَضَانَ لِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى النَّذْرِ كَتَقْدِيمِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْذُورَةِ وَيُكَفِّرُ إنْ أَفْطَرَ بِرَمَضَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، وَإِنْ أَفْطَرَ بِهِ أَيْ: بِرَمَضَانَ لِعُذْرٍ (فَلَا) كَفَّارَةَ (وَيُصَامُ لِظِهَارٍ) إذَا عَدِمَ الْمُظَاهِرُ الرَّقَبَةَ (وَنَحْوِهِ) كَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْقَتْلِ (مِنْهُ)؛ أَيْ: الدَّهْرِ الْمَنْذُورِ صَوْمُهُ كَقَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ (وَيُكَفِّرُ مَعَ صَوْمِ ظِهَارٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّهُ سَبَبُهُ. (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَنَحْوِهِ) كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَوَافَقَ يَوْمُ نَذْرِهِ عِيدًا أَوْ حَيْضًا أَوْ نِفَاسًا أَوْ أَيَّامَ تَشْرِيقٍ؛ أَفْطَرَ وُجُوبًا؛ لِتَحْرِيمِ صَوْمِهَا (وَقَضَى) لِانْعِقَادِ نَذْرِهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ (وَكَفَّرَ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَصُمْهُ لِمَرَضٍ. وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ يَوْمًا مُعَيَّنًا (وَجَهِلَ الْمَنْذُورَ تَحَرَّى) وَصَامَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ (قَالَهُ الشَّيْخُ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ مَعَ) ذَلِكَ إخْرَاجَ (كَفَّارَةٍ) لِفَوَاتِ (التَّعْيِينِ) وَعَمَلًا بِالْأَحْوَطِ. (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: النَّاذِرِ؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّ نَذْرَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ (وَيُنْدَبُ) وَإِنْ قَدِمَ (نَهَارًا وَهُوَ صَائِمٌ وَقَدْ بَيَّتَ النِّيَّةَ بِخَبَرٍ سَمِعَهُ؛ صَحَّ صَوْمُهُ وَأَجْزَأَهُ) لِوَفَائِهِ بِنَذْرِهِ، وَإِلَّا يَكُنْ بَيَّتَ النِّيَّةَ بِخَبَرٍ سَمِعَهُ (أَوْ كَانَ مُفْطِرًا أَوْ وَافَقَ قُدُومُهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ) وَافَقَ قُدُومُهُ (يَوْمَ عِيدٍ) أَوْ وَافَقَ (يَوْمَ حَيْضِ) نَاذِرَةٍ (قَضَى وَكَفَّرَ) لِأَنَّهُ نَذْرٌ مُنْعَقِدٌ لَمْ يَفِ بِهِ كَسَائِرِ النُّذُورِ. (وَإِنْ وَافَقَ قُدُومُهُ)؛ أَيْ: فُلَانٍ (وَهُوَ)؛ أَيْ: النَّاذِرُ (صَائِمٌ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أَتَمَّهُ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ (وَلَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ، وَيَقْضِي نَذْرُ الْقُدُومِ) كَمَا لَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَالنَّاذِرُ (صَائِمٌ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ) فَيُتِمُّهُ، وَيَقْضِي نَذْرَ الْقُدُومِ (وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ نَذْرِهِ)؛ أَيْ: يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ (وَهُوَ)؛ أَيْ: النَّاذِرُ (مَجْنُونٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ فِيهِ، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَجَنَّهُ. (وَنَذْرُ اعْتِكَافِهِ) فِيمَا تَقَدَّمَ كَنَذْرِ (صَوْمِهِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَلَوْ كَانَتْ ثَلَاثِينَ لَمْ يَلْزَمْ تَتَابُعُ) صَوْمِهَا نَصًّا، لِأَنَّ الْأَيَّامَ لَا دَلَالَةَ لَهَا مِنْ التَّتَابُعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (إلَّا بِشَرْطٍ) بِأَنْ يَقُولَ مُتَتَابِعَةً؛ فَيَلْزَمُهُ وَفَاءٌ بِنَذْرِهِ (أَوْ) إلَّا (بِنِيَّةِ) التَّتَابُعِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ التَّلَفُّظِ بِهِ. وَإِنْ شَرَطَ تَفَرُّقَهَا لَزِمَهُ فِي الْأَقْيَسِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَمَنْ نَذَرَ مُتَتَابِعًا غَيْرَ، مُعَيَّنٍ) كَشَهْرٍ (فَأَفْطَرَ فِيهِ لِمَرَضٍ يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ) كَخَوْفِهِ تَلَفًا بِصَوْمِهِ، أَوْ أَفْطَرَتْ فِيهِ امْرَأَةٌ (لِحَيْضٍ، خُيِّرَ) نَاذِرٌ (بَيْنَ اسْتِئْنَافِهِ)؛ أَيْ: الصَّوْمِ، بِأَنْ يَبْتَدِئَهُ مِنْ أَوَّلِهِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ (وَبَيْنَ الْبِنَاءِ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَوْمِهِ (وَيُكَفِّرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ (وَلِسَفَرٍ أَوْ مَا)، أَيْ: شَيْءٍ (يُبِيحُ الْفِطْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ) كَمَرَضٍ يَجُوزُ مَعَهُ الْفِطْرُ (لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ) فِي وَجْهٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ) وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا قَبْلَهُ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيقِهِمْ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَقَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ آخِرًا لَا يَعْدِلُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِكَوْنِ الْمَرَضِ الَّذِي يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَالْفِطْرُ فِي السَّفَرِ لَا يَقْطَعُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ أَفْطَرَ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا مُتَتَابِعًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ (لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ) تَدَارُكًا لِمَا تَرَكَهُ مِنْ التَّتَابُعِ الْمَنْذُورِ بِلَا عُذْرٍ (بِلَا كَفَّارَةٍ) لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ. (وَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا فَعَجَزَ عَنْهُ كَثِيرًا أَوْ مَرِضَ مَرَضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، حَمْلًا لِلْمَنْذُورِ عَلَى الْمَشْرُوعِ، وَسَبَبُ الْكَفَّارَةِ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ، وَسَبَبُ الْإِطْعَامِ الْعَجْزُ عَنْ وَاجِبِ الصَّوْمِ، فَاخْتَلَفَ السَّبَبَانِ وَاجْتَمَعَا، فَلَمْ يَسْقُطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ (أَوْ نَذَرَهُ)؛ أَيْ: الصَّوْمَ (لِحَالِ عَجْزِهِ) عَنْهُ لِمَا سَبَقَ (أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) وَعُلِمَ مِنْهُ انْعِقَادُ نَذْرِهِ إذَنْ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ؛ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ». وَلِأَنَّ الْعَجْزَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ حَالَ عَقْدِ النَّذْرِ وَيَسْتَمِرُّ أَوْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَحْوَهَا كَجِهَادٍ وَعَجَزَ عَنْهُ؛ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ، وَإِنْ عَجَزَ لِعَارِضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ كَمَرَضٍ؛ انْتَظَرَ، وَلَا كَفَّارَةٌ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَجْزُهُ حَتَّى صَارَ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، فَكَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) إنْ نَذَرَ (حَجًّا لَزِمَهُ) مَعَ قُدْرَتِهِ كَبَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ (فَإِنْ لَمْ يُطِقْهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ؛ حَجَّ عَنْهُ) كَمَنْ عَجَزَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِلَّا بِأَنْ أَطَاقَ بَعْضَ مَا نَذَرَهُ كَأَنْ نَذَرَ حَجَّاتٍ وَقَدَرَ عَلَى بَعْضِهَا (أَتَى بِمَا يُطِيقُهُ مِنْ الْحَجَّاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَكَفَّرَ لِلْبَاقِي) الَّذِي لَمْ يُطِقْهُ (وَمَعَ عَجْزِهِ عَنْ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ حَالَ نَذْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ (ثُمَّ إنْ وَجَدَهُمَا)؛ أَيْ: الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ (لَزِمَهُ) بِالنَّذْرِ السَّابِقِ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِالْعَجْزِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ نَذَرَ مُكَلَّفٌ صَوْمًا) أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ نَذَرَ (صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ) كَنِصْفِهِ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ تَامٍّ (بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ الصَّوْمِ.
(وَ) مَنْ نَذَرَ (صَوْمَ لَيْلَةٍ لَا يَنْعَقِدُ كَمُسْتَحِيلٍ، وَلَا كَفَّارَةَ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا (لِلصَّوْمِ) وَكَذَا (نَذْرُ صَوْمِ يَوْمٍ أَتَى فِيهِ بِمُنَافٍ) لِلصَّوْمِ نَحْوَ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ. (وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً) وَأَطْلَقَ؛ فَعَلَيْهِ رَكْعَتَانِ (قَائِمًا لِقَادِرٍ) عَلَى قِيَامٍ (لِأَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تُجْزِئُ فِي فَرْضٍ) وَلَوْ حَلَفَ لِيُوتِرَن اللَّيْلَةَ أَجْزَأَتْهُ رَكْعَةٌ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّهُ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ (أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ، أَوْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يَقُلْ بِتَسْلِيمَةٍ وَلَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ (تُجْزِئُ) صَلَاتُهُ أَرْبَعًا (بِتَسْلِيمَةٍ كَعَكْسِهِ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَصَلَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ. (وَلِمَنْ نَذَرَ صَلَاةً جَالِسًا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا) لِإِتْيَانِهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا نَذَرَهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَا كَفَّارَةَ (وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ مَكَّةَ) كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ (أَوْ إلَى حَرَمِهَا وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يَقُلْ فِي حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (أَوْ قَالَ غَيْرَ حَاجٍّ وَلَا مُعْتَمِرٍ؛ لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ) أَوْ فِي عُمْرَةٍ؛ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ وَإِلْغَاءً لِإِرَادَتِهِ غَيْرَهُ (مِنْ مَكَانِهِ)؛ أَيْ: النَّذْرِ، أَيْ: رُؤْيَةِ أَهْلِهِ كَمَا فِي حَجِّ الْفَرْضِ إلَى أَنْ يَتَحَلَّلَ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ (لِأَنَّ الْمَشْيَ إلَى الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ. وَلَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ قَبْلَ مِيقَاتِهِ) كَحَجِّ الْفَرْضِ (مَا لَمْ يَنْوِ مَكَانًا بِعَيْنِهِ) لِلْمَشْيِ مِنْهُ وَالْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُهُ، لِعُمُومِ حَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» أَوْ يَنْوِ بِنَذْرِهِ، الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (إتْيَانَهُ لَا حَقِيقَةَ الْمَشْيِ) فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ، وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ، لِحُصُولِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَوْضِعٍ خَارِجِ الْحَرَمِ كَعَرَفَةَ وَمَوَاقِيتِ إحْرَامٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالْكَفَّارَةِ (وَإِنْ رَكِبَ) وَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ) فَكَفَّارَةُ (يَمِينٍ) لِحَدِيثِ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ». وَالْمَشْيُ وَالرُّكُوبُ لَا يُوجِبُهُ الْإِحْرَامُ لِيَجِبَ بِهِ دَمٌ. (وَلَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ مَاشِيًا) أَوْ رَاكِبًا (لَزِمَ الْقَضَاءُ مَاشِيًا) أَوْ رَاكِبًا لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى صِفَةِ الْأَدَاءِ، وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِ حَجٍّ نَذَرَهُ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُ بِالتَّحْلِيلَيْنِ، كَمَا فِي الْحَجِّ الصَّحِيحِ، وَإِنْ طَلَعَ عَلَيْهِ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ سَقَطَ عَنْهُ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ مِنْ مَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَرَمْيٍ وَتَحَلُّلٍ بِعُمْرَةٍ إنْ لَمْ يَخْتَرْ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ. (وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ أَوْ) إلَى الْمَسْجِدِ (الْأَقْصَى لَزِمَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَشْيُ إلَيْهِ (وَالصَّلَاةُ فِيهِ) رَكْعَتَيْنِ؛ إذْ الْقَصْدُ بِالنَّذْرِ الْقُرْبَةُ وَالطَّاعَةُ؛ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ نَذْرَهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى أَعْلَى مِنْهُ كَنَذْرِهِ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ حَيْثُ وَجَبَ بِهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لَمْ تُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ، وَإِنْ نَذَرَهَا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَجْزَأَتْهُ فِيهِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَإِنْ نَذَرَهَا فِي الْأَقْصَى أَجْزَأَتْهُ فِيهِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. (وَإِنْ عَيَّنَ) بِنَذْرِهِ أَنْ يَأْتِيَ (مَسْجِدًا فِي غَيْرِ حَرَمٍ)؛ أَيْ: غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ (لَمْ يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ) فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ؛ لِحَدِيثِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» (وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِ)؛ أَيْ: فِيمَا سِوَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ؛ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ». (وَصَلَّاهَا بِأَيِّ مَكَان شَاءَ) وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (فَإِنْ جَاءَهُ لَزِمَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ رَكْعَتَانِ) لِمَا سَبَقَ. (وَإِنْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ فَعَلَيْهِ مَا يُجْزِئُ عَنْ وَاجِبٍ) فِي نَحْوِ ظِهَارٍ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَةِ (إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهَا)؛ أَيْ: الرَّقَبَةَ كَهَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةِ (فَيُجْزِئُهُ مَا عَيَّنَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ سِوَاهُ (لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ أَوْ أَتْلَفَهُ نَاذِرٌ قَبْلَ عِتْقِهِ؛ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِلَا عِتْقٍ) نَصًّا، لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَعَلَى مُتْلِفِ) مَنْذُورٍ عِتْقُهُ قَبْلَهُ (غَيْرِهِ؛ أَيْ: النَّاذِرِ قِيمَتُهُ لَهُ) أَيْ: النَّاذِرِ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا فِي الْعِتْقِ (وَيُكَفِّرُ لِفَوَاتِ نَذْرِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ نَذَرَ طَوَافًا أَوْ نَذَرَ سَعْيًا) وَأَطْلَقَ (فَأَقَلُّهُ أُسْبُوعٌ) لِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ، وَمَنْ نَذَرَ طَوَافًا أَوْ سَعْيًا (عَلَى أَرْبَعٍ؛ فَعَلَيْهِ طَوَافَانِ أَوْ سَعْيَانِ) أَحَدُهُمَا عَنْ يَدَيْهِ وَالْآخَرُ عَنْ رِجْلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الطَّوَافِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِكَبْشَةَ بِنْتِ مَعْدِي كَرِبَ حَيْثُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: آلَيْتَ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَبْوًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «طُوفِي عَلَى رِجْلَيْكِ سَبْعَيْنِ، سَبْعًا عَنْ يَدَيْكِ وَسَبْعًا عَنْ رِجْلَيْكِ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعٍ مِثْلُهُ وَقِيسَ عَلَيْهِ السَّعْيُ. (وَمَنْ نَذَرَ طَاعَةً عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ كَالصَّلَاةِ عُرْيَانًا أَوْ الْحَجِّ حَافِيًا حَاسِرًا وَنَحْوِهِ) كَالصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ أَوْ حَرِيرٍ (وَفَّى بِهَا)؛ أَيْ: الطَّاعَةِ الْمَنْذُورَةِ (عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ،) كَمَا لَوْ أَطْلَقَ (وَتُلْغَى تِلْكَ الصِّفَةُ) لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَحَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا، قَالَ: فَمُرُوهَا فَلْتَخْتَمِرْ وَمَرَّ بِرَجُلَيْنِ مَقْرُونَيْنِ فَقَالَ: أَطْلِقَا قَرْنَيْكُمَا». وَيُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ عَلَى وَجْهِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُ النَّذْرِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (لَوْ أَتَى النَّاذِرُ بِالصِّفَةِ الْمَنْذُورَةِ) عَلَى وَجْهِهَا (لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا فِي نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ عِيدٍ وَأَيَّامِ تَشْرِيقٍ) لِعَدَمِ إخْلَالِهِ بِنَذْرِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.