فصل: (خَاتِمَةُ) الْكِتَابِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [الإقرارُ بمِلك عبدٍ لرجلٍ دون آخر]:

(وَمَنْ، قَالَ غَصَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ زَيْدٍ لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو) فَهُوَ لِزَيْدٍ؛ لِإِقْرَارِهِ بِهِ لَهُ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو (أَوْ قَالَ غَصَبْتُهُ مِنْهُ)؛ أَيْ: مِنْ زَيْدٍ (وَغَصَبَهُ هُوَ مِنْ عَمْرٍو) فَهُوَ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْغَصْبِ مِنْهُ تَضَمَّنَ كَوْنَهُ لَهُ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو، أَوْ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ (لِزَيْدٍ، لَا بَلْ لِعَمْرٍو) فَهُوَ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمِلْكِ لَهُ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو، لِإِقْرَارِهِ بِهِ لَهُ، وَتَفْوِيتِ عَيْنِهِ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لِزَيْدٍ أَوَّلًا (أَوْ قَالَ مِلْكُهُ لِعَمْرٍو، وَغَصَبْته مِنْ زَيْدٍ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ، فَهُوَ لِزَيْدٍ) لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْيَدِ (وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ) لِعَمْرٍو؛ لِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لَهُ، وَلِوُجُودِ الْحَيْلُولَةِ بِالْإِقْرَارِ بِالْيَدِ لِزَيْدٍ، وَإِنْ قَالَ (غَصَبْتُهُ مِنْ زَيْدٍ وَمِلْكُهُ لِعَمْرٍو، فَهُوَ لِزَيْدٍ) لِإِقْرَارِهِ بِالْيَدِ لَهُ (وَلَا يَغْرَمُ لِعَمْرٍو شَيْئًا) لِأَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَهِدَ بِمَالٍ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ (غَصَبْتُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا) أَوْ هُوَ لِأَحَدِهِمَا، صَحَّ الْإِقْرَارُ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ (وَلَزِمَهُ)؛ أَيْ: الْمُقِرَّ (تَعْيِينُهُ)؛ أَيْ: الْمَالِكَ مِنْهُمَا لِيَدْفَعَ إلَيْهِ (وَيَحْلِفُ لِلْآخِرِ) إنْ (طَلَبَ) لِتَكُونَ الْيَمِينُ سَبَبًا لِرَدِّ الْعَبْدِ أَوْ بَدَلِهِ، وَلَا يَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خِلَافًا لَهُ، وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ النَّاسِخِ. (وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ)؛ أَيْ: الْمَالِكَ مِنْهُمَا (فَصَدَّقَاهُ) أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ (اُنْتُزِعَ) الْمَغْصُوبُ (مِنْ يَدِهِ) لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ (وَكَانَا فِيهِ خَصْمَيْنِ) لِادِّعَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إيَّاهُ (فَإِنَّ كَذَّبَاهُ) بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لِي، وَلَمْ تُبَيِّنْ ذَلِكَ (حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً) أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَإِلَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ حَلَفَ وَأَخَذَهُ، ثُمَّ إنْ عَيَّنَ الْغَاصِبُ أَحَدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، قُبِلَ مِنْهُ، وَكَانَ لِمَنْ عَيَّنَهُ لَهُ، كَمَا لَوْ بَيَّنَهُ، قَبْلُ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَنْ هُوَ لَهُ مِنْهُمَا، سَلَّمَ إلَى أَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ، وَغَرِمَ قِيمَتَهُ لِلْآخَرِ. وَمَنْ بِيَدِهِ عَبْدَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ، فَادَّعَى عَلَيْهِ زَيْدٌ بِمُوجِبِ إقْرَارِهِ، طُولِبَ بِالْبَيَانِ؛ فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا فَصَدَقَهُ زَيْدٌ؛ أَخَذَهُ، وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ هَذَا لِي وَالْعَبْدُ الْآخَرُ كَذَلِكَ، فَعَلَى الْمُقِرِّ فِي الَّذِي يُنْكِرُهُ الْيَمِينُ وَإِنْ ادَّعَى زَيْدٌ الْعَبْدَ الْآخَرَ وَحْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِيَمِينِهِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَنْكَرَهُ؛ وَلَا يَدْفَعُ إلَى زَيْدٍ الْعَبْدَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى إقْرَارِهِ. وَإِنْ أَبَى التَّعْيِينَ فَعَيَّنَهُ الْمُقِرُّ لَهُ، وَقَالَ هَذَا عَبْدِي؛ طُولِبَ الْمُقِرُّ بِالْجَوَابِ، فَإِنْ أَنْكَرَ حُلِّفَ، وَكَانَ كَمَا لَوْ عَيَّنَ الْعَبْدَ الْآخَرَ؛ وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ فَهُوَ كَتَعْيِينِهِ. وَمَنْ بِيَدِهِ نَحْوُ عَبْدٍ فَقَالَ (أَخَذْتُهُ مِنْ زَيْدٍ) فَطَلَبَهُ زَيْدٌ (لَزِمَ رَدُّهُ لَهُ لِاعْتِرَافِهِ) لَهُ (بِالْيَدِ، وَإِنْ قَالَ مَلَكْتُهُ) عَلَى يَدِ زَيْدٍ (أَوْ قَالَ قَبَضْته) عَلَى يَدِ زَيْدٍ أَوْ قَالَ وَصَلَ إلَيَّ عَلَى (يَدِهِ)؛ أَيْ: زَيْدٍ (لَمْ يُعْتَبَرْ لِزَيْدٍ قَوْلٌ) مِنْ تَصْدِيقٍ أَوْ ضِدِّهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِيَدٍ، بَلْ كَانَ سَفِيرًا. (وَمَنْ قَالَ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا يَكُنْ) لِزَيْدٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَلِعَمْرٍو عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (أَوْ) قَالَ (لِزَيْدٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَإِلَّا يَكُنْ) لِزَيْدٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (فَلِعَمْرٍو عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ؛ فَهِيَ)؛ أَيْ: الْمِائَةُ دِرْهَمٍ (لِزَيْدٍ) لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِهَا (وَلَا شَيْءَ لِعَمْرٍو) لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُعَلَّقٌ؛ فَلَا يَصِحُّ (وَمَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِأَلْفٍ فِي وَقْتَيْنِ، فَإِنْ ذَكَرَ) فِي إقْرَارِهِ (مَا)؛ أَيْ: شَيْئًا (يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ كَسَبَبَيْنِ) كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ قَرْضٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، (أَوْ أَجَلَيْنِ)، كَقَوْلِهِ: أَلْفٌ مَحِلُّهُ رَجَبٌ، وَقَوْلِهِ: أَلْفٌ مَحِلُّهُ شَهْرُ رَمَضَانَ، (أَوْ سَكَنَيْنِ) كَقَوْلِهِ لَهُ أَلْفٌ ضَرْبُ مِصْرَ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ضَرْبُ إسلامبول (لَزِمَهُ أَلْفَانِ) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا غَيْرُ الْآخِرِ فَهُوَ مُقِرٌّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صِفَةٍ فَوَجَبَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً (وَإِلَّا) يَذْكُرْ مَا يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ؛ لَزِمَهُ أَلْفٌ وَاحِدٌ (وَلَوْ تَكَرَّرَ الْإِشْهَادُ) لَهُ عَلَيْهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَ الْخَبَرَ عَنْ الْأَوَّلِ، كَإِخْبَارِهِ تَعَالَى عَنْ إرْسَالِ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ الْمَذْكُورُ مِنْهُمْ فِي قِصَّةٍ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْأُخْرَى، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ (وَإِنْ قَيَّدَ أَحَدَهُمَا)؛ أَيْ: الْأَلْفَيْنِ (بِشَيْءٍ) كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ قَرْضٍ؛ ثُمَّ يَقُولُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، وَيُطْلِقُ (حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ)، أَيْ: الْمُقَيَّدِ، وَيَلْزَمُهُ أَلْفٌ فَقَطْ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ قَالَ الْأَزَجِيُّ: وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنْ الْمُقَرَّ لَهُ أَقَرَّ فِي شَعْبَانَ بِقَبْضِ خَمْسِمِائَةٍ، وَبَيِّنَةً أَنَّهُ أَقَرَّ فِي رَمَضَانَ بِقَبْضِ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَبَيِّنَةً أَنَّهُ أَقَرَّ فِي شَوَّالٍ بِقَبْضِ مِائَتَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا قَبْضُ خَمْسِمِائَةٍ، وَالْبَاقِي تَكْرَارٌ، وَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَاتُ بِالْقَبْضِ فِي شَعْبَانَ وَفِي شَوَّالٍ؛ ثَبَتَ الْكُلُّ، لِأَنَّ هَذِهِ تَوَارِيخُ الْمَقْبُوضِ؛ وَالْأَوَّلُ تَوَارِيخُ الْإِقْرَارِ. (وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ نَحْوَ دَارٍ) كَحَائِطٍ أَوْ حَانُوتٍ (بِيَدِ غَيْرِهِمَا شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، فَأَقَرَّ) مَنْ هِيَ بِيَدِهِ (لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا؛ فَالنِّصْفُ الْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا) لِاعْتِرَافِهِ أَنَّ الدَّارَ لَهُمَا عَلَى الشُّيُوعِ، فَمَا غَصَبَهُ الْغَاصِبُ فَهُوَ مِنْهُمَا، وَالْبَاقِي لَهُمَا.

.فَصْلٌ: [الإقرارُ في مَرَضِ الْمَوْتِ]:

(وَمَنْ قَالَ بِمَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (هَذَا الْأَلْفُ لُقْطَةٌ؛ فَتَصَدَّقُوا بِهِ- وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ لَزِمَ الْوَرَثَةَ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ)؛ أَيْ: الْأَلْفِ (وَلَوْ كَذَّبُوهُ)؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالصَّدَقَةِ بِهِ دَلَّ عَلَى تَعَدِّيه بِهِ فِيهِ، وَنَحْوه مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَهُوَ إقْرَارٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَوَجَبَ امْتِثَالُهُ كَإِقْرَارِهِ فِي الصِّحَّةِ. (وَمَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ، وَهُوَ جَمِيعُ تَرِكَتِهِ فَصَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ، ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَصَدَقُوهُ فِي مَجْلِسٍ) وَاحِدٍ؛ فَالتَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كُلَّهَا كَحَالَةٍ وَاحِدَةٍ، بِدَلِيلِ الْقَبْضِ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَالْخِيَارِ وَلُحُوقِ الزِّيَادَةِ بِالْعَقْدِ، وَإِلَّا يَكُنْ تَصْدِيقُ الْوَرَثَةِ لِلْمُدَّعِي ثَابِتًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؛ فَالتَّرِكَةُ كُلُّهَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُمْ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِحَقٍّ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي مُشَارَكَةَ الْأَوَّلِ فِي التَّرِكَةِ، وَيُنْقِصُ حَقَّهُ مِنْهَا (وَإِنْ أَقَرُّوا)؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (بِهَا)؛ أَيْ: التَّرِكَةِ وَلَا دَيْنَ (لِزَيْدٍ ثُمَّ) أَقَرُّوا بِهَا (لِعَمْرٍو؛ فَهِيَ لِزَيْدٍ) سَوَاءٌ أَقَرُّوا فِي مَجْلِسٍ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِزَيْدٍ بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِهَا؛ فَإِقْرَارُهُمْ لِعَمْرٍو إقْرَارٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ (وَيَغْرَمُونَهَا)؛ أَيْ: يَغْرَمُ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ؛ أَيْ: بَدَلَهَا (لِعَمْرٍو) لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِمْ بِهَا لِزَيْدٍ (وَإِنْ أَقَرُّوا)؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ بِالتَّرِكَةِ (لَهُمَا)؛ أَيْ: لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو (مَعًا) أَيْ: بِلَفْظٍ وَاحِدٍ؛ فَالتَّرِكَةُ (بَيْنَهُمَا) سَوِيَّةٌ؛ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ (فَهِيَ لَهُ) لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ بِإِقْرَارِهِمْ (يَحْلِفُونَ لِلْآخَرِ) إنْ ادَّعَاهَا- وَلَا بَيِّنَةَ- لِإِنْكَارِهِمْ. (وَمَنْ خَلَفَ ابْنَيْنِ) أَوْ شَقِيقَيْنِ مِنْ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ وَنَحْوَهَا (وَمِائَتَيْنِ، وَادَّعَى شَخْصٌ مِائَةَ دِينَارٍ عَلَى الْمَيِّتِ، فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الْوَارِثَيْنِ، وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ (الْآخَرُ؛ لَزِمَ الْوَارِثَ الْمُقِرَّ نِصْفُهَا)؛ أَيْ: الْمِائَةِ لِإِقْرَارِهِ بِهَا عَلَى أَبِيهِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ دَيْنِهِ، وَلِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ وَأَخِيهِ؛ فَقُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ أَخِيهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمُقِرُّ بِالْمِائَةِ (عَدْلًا، وَيَشْهَدُ) بِهَا لِمُدَّعِيهَا (وَيَحْلِفُ مُدَّعِيهَا مَعَهُ؛ فَيَأْخُذُهَا) كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهَا غَيْرُهُ وَحَلَفَ (وَتَكُونُ الْمِائَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ) أَوْ الْأَخَوَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنْ كَانَ ضَامِنًا لِمُورِثِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَخِيهِ؛ لِدَفْعِهِ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا (وَإِنْ خَلَفَ مَيِّتٌ ابْنَيْنِ) أَوْ نَحْوَهُمَا (وَقِنَّيْنِ) عَبْدَيْنِ أَوْ أَمَتَيْنِ أَوْ عَبْدًا وَأَمَةً (مُتَسَاوِيَيْ الْقِيمَةِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا، فَقَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ) عَنْ أَحَدِ الْقِنَّيْنِ (أَبِي أَعْتَقَ هَذَا بِمَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ، وَقَالَ الِابْنُ الْآخَرُ عَنْ الْقِنِّ الْآخَرِ بَلْ أَعْتَقَ (هَذَا) (عَتَقَ مِنْ كُلٍّ) مِنْ الْقِنَّيْنِ (ثُلُثُهُ، وَصَارَ لِكُلِّ ابْنٍ) مِنْ الِابْنَيْنِ سُدُسُ (مَنْ أَقَرَّ بِعِتْقِهِ) مِنْ الْقِنَّيْنِ (وَنِصْفُ الْقِنِّ الْآخَرِ) الْمُنْكَرِ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْ الِابْنَيْنِ نِصْفُ الْقِنَّيْنِ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عِتْقِ حَقِّهِ مِمَّنْ عَيَّنَهُ، وَهُوَ ثُلُثُ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ لَهُ، وَهُوَ ثُلُثُ جَمِيعِهِ، وَلِأَنَّهُ يَعْتَرِفُ بِحُرِّيَّةِ ثُلُثَيْهِ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّهِ مِنْهُمَا، وَهُوَ الثُّلُثُ وَيَبْقَى الرِّقُّ فِي ثُلُثِ النِّصْفِ، وَهُوَ سُدُسٌ وَنِصْفٌ الَّذِي يُنْكِرُ عِتْقَهُ. (وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الِابْنَيْنِ عَنْ قِنٍّ مِنْ الْقِنَّيْنِ (أَبِي أَعْتَقَ هَذَا، وَقَالَ الِابْنُ الْآخَرُ أَبِي أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا وَأَجْهَلُهُ؛ أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا)؛ أَيْ: الْقِنَّيْنِ؛ لِتَعَيُّنِ مَنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ (فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الِابْنَيْنِ مِنْ الْقِنَّيْنِ (عَتَقَ ثُلُثَاهُ) كَمَا لَوْ عَيَّنَاهُ بِقَوْلِهَا (إنْ لَمْ يُجِيزَا) عَتَقَ بَاقِيه، فَإِذَا أَجَازَاهُ؛ عَتَقَ كُلُّهُ (وَإِنْ وَقَعَتْ) الْقُرْعَةُ (عَلَى الْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يُعَيِّنْهُ أَحَدُ الِابْنَيْنِ فَكَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ أَيْ: كَمَا لَوْ عَيَّنَ الِابْنُ الْآخَرُ الثَّانِيَ؛ فَلِكُلٍّ مِنْ الِابْنَيْنِ سُدُسُ الْقِنِّ الَّذِي عَيَّنَهُ وَنِصْفُ الْآخَرِ، وَيُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثَهُ، وَإِنْ قَالَا: أَعْتَقَ أَبُونَا أَحَدَهُمَا، وَلَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ، أَقْرَعَ بَيْنَ الْقِنَّيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ عَتَقَ ثُلُثَاهُ إنْ لَمْ يُجِيزَا بَاقِيَهُ، وَرَقَّ الْآخَرُ. وَمَنْ رَجَعَ مِنْ الِابْنَيْنِ وَقَالَ: عَرَفْتُ الْمُعْتَقَ مِنْهُمَا؛ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ فَكَمَا لَوْ عَيَّنَهُ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَوَافَقَ تَعْيِينَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ، وَإِنْ خَالَفَهَا عَتَقَ مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ ثُلُثُهُ بِتَعْيِينِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخُوهُ، عَتَقَ ثُلُثَاهُ، وَإِنْ عَيَّنَ الْآخَرَ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُهُ، وَلَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الَّذِي عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ إنْ كَانَتْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ بِحَاكِمٍ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ قُرْعَتَهُ حُكْمٌ، وَحُكْمَهُ لَا يُنْقَضُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الِابْنِ إنَّهُ ظَهَرَ لَهُ خِلَافُهُ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْتُ: إلَّا أَنْ يُثْبِتَ بَيِّنَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ.

.بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ:

(وَهُوَ مَا احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ) وَقِيلَ مَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ (ضِدُّ الْمُفَسَّرِ)؛ أَيْ: الْمُبَيَّنِ (مَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا (أَوْ كَرَّرَهَا بِوَاوٍ) فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، (أَوْ كَرَّرَ ذَلِكَ بِدُونِهَا)؛ أَيْ: الْوَاوِ بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا كَذَا؛ صَحَّ إقْرَارُهُ (وَقِيلَ لَهُ فَسِّرْ) وَيَلْزَمُهُ تَفْسِيرُهُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَيُفَارِقُ الْإِقْرَارُ الدَّعْوَى حَيْثُ لَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهَا لِلْمُدَّعِي، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْمُقِرِّ؛ فَلَزِمَ تَبْيِينُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْجَهَالَةِ دُونَ الَّذِي لَهُ، وَأَيْضًا الْمُدَّعِي إذَا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ لَهُ دَاعٍ مِنْ تَحْرِيرِهَا، وَالْمُقِرُّ لَا دَاعِيَ لَهُ، إلَى تَحْرِيرِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَا يُؤْمَنُ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ، فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ. وَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ (فَإِذَا فَسَّرَهُ بِشَيْءٍ) وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ (ثَبَتَ وَإِنْ أَبَى) تَبْيِينَهُ حُبِسَ (حَتَّى يُفَسِّرَ) لِامْتِنَاعِهِ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ؛ فَحُبِسَ بِهِ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ، وَإِنْ عَيَّنَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَادَّعَاهُ، وَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ؛ ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيَانِ، حُبِسَ حَتَّى يُفَسِّرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ خِلَافًا لِلْقَاضِي. (وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ صَحِيحٌ، وَلِذَلِكَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ (وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِحَدِّ قَذْفٍ) عَلَيْهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ؛ فَيُحَدُّ لِقَذْفِهِ بِطَلَبِهِ، وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِحَقِّ شُفْعَةٍ) لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ يَئُولَ إلَى الْمَالِ، وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا (بِمَا يَجِبُ رَدُّهُ كَكَلْبٍ مُبَاحٍ) نَفْعُهُ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَجِبُ رَدُّهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْإِيجَابُ تَنَاوَلَهُ؛ فَقُبِلَ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ رَدُّ (جِلْدِ) مَيْتَةٍ مَأْكُولَةٍ لَوْ ذُكِّيَتْ (وَلَوْ لَمْ يُدْبَغْ) لِأَنَّهُ يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ دَبْغِهِ فِي الْيَابِسَاتِ، وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا (بِأَقَلِّ مَالٍ) لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ الشَّيْءُ (لَا بِمَيْتَةٍ نَجِسَةٍ وَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) لِأَنَّهَا حَقًّا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ طَاهِرَةً كَسَمَكٍ وَجَرَادٍ يُتَمَوَّلُ، قُبِلَ. وَلَا بِرَدِّ (سَلَامٍ، وَتَشْمِيتِ عَاطِسٍ، وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَإِجَابَةِ دَعْوَةٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ؛ وَإِقْرَارُهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِغَيْرِ مُتَمَوِّلٍ عَادَةً كَقِشْرِ جَوْزَةٍ، وَحَبَّةِ بُرٍّ، أَوْ حَبَّةِ شَعِيرٍ) أَوْ نَوَاةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ اعْتِرَافٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ ثَبَتَ مِثْلُهُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ هَذِهِ (فَإِنْ مَاتَ) الْمُقِرُّ بِمُجْمَلٍ (قَبْلَ تَفْسِيرِهِ، لَمْ يُؤْخَذْ وَارِثُهُ بِشَيْءٍ)، وَ(إنْ) أَبَى وَلَوْ (خَلَفَ الْمُقِرُّ تَرِكَةً) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَدَّ قَذْفٍ، أَوْ لَمْ يَمُتْ مُقِرٌّ، وَلَمْ يُنْكِرْ، بَلْ (قَالَ مُقِرٌّ لَا أَعْلَمُ لِي بِمَا أَقْرَرْت بِهِ) مِنْ قَوْلِي لَهُ شَيْءٌ أَوْ كَذَا وَنَحْوُهُ؛ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ إنْ طَلَبَهُ مُقَرٌّ لَهُ (وَلَزِمَهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ) فَتُعْطَى الْوَرَثَةُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَقَوْلُهُ (غَصَبْتُ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ غَصَبْتُهُ شَيْئًا؛ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِخَمْرٍ وَنَحْوِهِ) كَكَلْبٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ نَجِسَةٍ، لِوُقُوعِ اسْمِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِيلَاءِ. وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِنَفْسِهِ)؛ أَيْ: الْمُقَرَّ لَهُ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا بِغَصْبِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ قَالَ (غَصَبْته فَقَطْ) وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِحَبْسِهِ وَسَجْنِهِ) لِأَنَّ غَصْبَ الْحُرِّ هُوَ ذَلِكَ. (وَلَهُ عَلَيَّ مَالٌ) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَالِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (مَالٌ عَظِيمٌ، أَوْ مَالٌ خَطِيرٌ، أَوْ مَالٌ جَلِيلٌ، أَوْ مَالٌ نَفِيسٌ، أَوْ) مَالٌ (عَزِيزٌ، أَوْ زَادَ عِنْدَ اللَّهِ) بِأَنْ قَالَ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ، أَوْ خَطِيرٌ عِنْدَ اللَّهِ، أَوْ قَالَ عَظِيمٌ، أَوْ خَطِيرٌ، أَوْ جَلِيلٌ وَنَحْوَهُ (عِنْدِي؛ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ ذَلِكَ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ) لِأَنَّ الْعَظِيمَ وَالْخَطِيرَ وَالْكَثِيرَ وَالْجَلِيلَ وَالنَّفِيسَ وَالْعَزِيزَ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا، وَلَا لُغَةً، وَلَا عُرْفًا، وَيَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، فَقَدْ يَكُونُ عَظِيمًا عِنْدَ بَعْضٍ حَقِيرًا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَمَا مِنْ مَالٍ إلَّا وَهُوَ عَظِيمٌ، كَثِيرٌ خَطِيرٌ نَفِيسٌ جَلِيلٌ- وَلَوْ عِنْدَ بَعْضٍ- يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِأُمِّ وَلَدٍ) لِأَنَّهَا مَالٌ؛ لِغُرْمِ قَاتِلِهَا قِيمَتَهَا. (وَلَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ أَوْ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ؛ قُبِلَ) تَفْسِيرُهُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَأَكْثَرَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ دَرَاهِمُ عَظِيمَةٌ أَوْ وَافِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَةَ وَالْعَظِيمَةَ وَالْوَافِرَةَ لَا حَدَّ لَهَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِضَافَاتِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ، وَالثَّلَاثَةُ أَكْثَرُ مِمَّا دُونَهَا وَأَقَلُّ مِمَّا فَوْقَهَا، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْتَعْظِمُ الْيَسِيرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَقِرُ الْكَثِيرَ، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ وَهِيَ الْيَقِينُ؛ فَلَا يَجِبُ مَا زَادَ عَلَيْهَا بِالِاحْتِمَالِ. وَلَا يُقْبَلُ (تَفْسِيرُهُ بِمَا يُوزَنُ بِالدَّرَاهِمِ عَادَةً كَإِبْرَيْسَم وَنَحْوِهِ) كَزَعْفَرَانٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ (وَقَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ حَبَّةٌ أَوْ لَهُ عَلَيَّ جَوْزَةٌ يَنْصَرِفُ) إطْلَاقُهُ (إلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ) ذَلِكَ (بِنَحْوِ حَبَّةِ بُرٍّ) كَحَبَّةِ شَعِيرٍ أَوْ أَرْزٍ أَوْ بَاقِلَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُتَمَوَّلُ عَادَةً، وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِشَيْءٍ) مِنْ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ (قَدْرَ جَوْزَةٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقَةِ الْجَوْزَةِ. (وَلَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا، أَوْ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَوْ كَذَا وَكَذَا بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ لِدِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، أَمَّا فِي الرَّفْعِ؛ فَلِأَنَّ تَقْدِيرَهُ مَعَ عَدَمِ التَّكْرَارِ شَيْءٌ هُوَ دِرْهَمٌ، فَالدِّرْهَمُ بَدَلٌ مِنْ كَذَا، وَالتَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ لَا يَقْتَضِي زِيَادَةً، كَأَنَّهُ قَالَ: شَيْءٌ شَيْءٌ هُوَ دِرْهَمٌ، التَّكْرَارُ مَعَ الْوَاوِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ شَيْئَانِ هُمَا دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ، وَأَبْدَلَ مِنْهُمَا دِرْهَمًا أَوْ النَّصْبِ فَالدِّرْهَمُ مُمَيِّزٌ لِمَا قَبْلَهُ، فَهُوَ مُفَسِّرٌ، وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْقَطْعِ كَأَنَّهُ قَطَعَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَأَقَرَّ بِدِرْهَمٍ. (وَإِنْ قَالَ الْكُلُّ)؛ أَيْ: الصُّوَرُ الثَّلَاثُ (بِالْجَرِّ)؛ أَيْ: جَرِّ دِرْهَمٍ؛ لَزِمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ مَخْفُوضٌ بِالْإِضَاقَةِ؛ فَالْمَعْنَى لَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت نِصْفَ دِرْهَمٍ أَوْ رُبْعَهُ أَوْ ثُمُنَهُ وَنَحْوَهُ؛ قُبِلَ، وَإِذَا كَرَّرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَضَافَ جُزْءًا إلَى جُزْءٍ، ثُمَّ أَضَافَ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ إلَى الدِّرْهَمِ (أَوْ وَقَفَ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ كَذَا دِرْهَم أَوْ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم أَوْ كَذَا كَذَا دِرْهَم، وَلَمْ يَرْفَعُ الدِّرْهَمَ، وَلَمْ يَنْصِبْهُ؛ وَلَمْ يَخْفِضْهُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (لَزِمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَجْرُورٌ، وَسَقَطَتْ حَرَكَتُهُ لِلْوَقْفِ (وَيُفَسِّرُهُ بِمَا شَاءَ) كَمَا لَوْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ بَعْضُ الْعَشَرَةِ) فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا شَاءَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ يَصْدُقُ بِكُلِّ جُزْءٍ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (شَطْرُهَا)؛ أَيْ: الْعَشَرَةَ، فَهُوَ نِصْفُهَا، فَيَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ الْعَشَرَةِ. (وَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَفَسَّرَهُ بِجِنْسِ) وَاحِدٍ كَدَرَاهِمَ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ تُفَّاحٍ أَوْ رُمَّانٍ وَنَحْوِهِ؛ قُبِلَ. أَوْ فَسَّرَهُ بِأَجْنَاسٍ كَقَوْلِهِ مِائَةٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَمِائَةٌ مِنْ الثِّيَابِ وَمِائَةٌ مِنْ الْأَوَانِي، وَهَكَذَا، لَا إنْ كَانَ فَسَّرَ الْأَلْفَ (بِنَحْوِ كِلَابٍ؛ قُبِلَ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَأَمَّا الْكِلَابُ وَالسِّبَاعُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ اعْتِرَافٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ يَثْبُتُ نَحْوُهُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ هَذِهِ. وَإِنْ قَالَ لَهُ (عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ قَالَ): لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِينَارٌ، أَوْ قَالَ: (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ) وَثَوْبٌ أَوْ وَفَرَسٌ، أَوْ وَعَبْدٌ، أَوْ قَالَ: لَهُ (عَلَيَّ أَلْفٌ وَمُدَبَّرٌ) أَوْ أَلْفٌ وَتُفَّاحَةٌ، وَنَحْوُهُ (أَوْ أَخَّرَ الْأَلْفَ) فَقَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ، أَوْ دِينَارٌ وَأَلْفٌ أَوْ ثَوْبٌ وَأَلْفٌ أَوْ مُدَبَّرٌ وَأَلْفٌ وَنَحْوُهُ، أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا) أَوْ أَلْفٌ وَعِشْرُونَ فَرَسًا (أَوْ لَمْ يَعْطِفْ) بِأَنْ قَالَ: لَهُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا (أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَلْفٌ، أَوْ لَهُ خَمْسُونَ دِينَارًا وَأَلْفٌ (فَالْمُهِمُّ) فِي هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَنَحْوِهَا (مِنْ جِنْسِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ) لِأَنَّ الْعَرَبَ تَكْتَفِي بِتَفْسِيرِ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ عَنْ الْأُخْرَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ تِسْعَ سِنِينَ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِهَا فِي الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ مُبْهَمًا مَعَ مُفَسَّرٍ، وَلَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا، فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (وَمِثْلُهُ)، أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ) فَالنِّصْفُ مِنْ دِرْهَمٍ (أَوْ) لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا) فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ، (أَوْ) لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ إلَّا دِينَارًا) فَالْكُلُّ دَنَانِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَسْتَثْنِي فِي الْإِثْبَاتِ إلَّا مِنْ الْجِنْسِ، فَمَتَى عُلِمَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ عُلِمَ الْآخَرُ، كَمَا لَوْ عُلِمَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيُقَالُ الِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ. (وَلَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ بِدِينَارٍ؛ لَزِمَهُ دَرَاهِمُ بِسِعْرِهِ)؛ أَيْ: الدِّينَارِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِ. (وَلَهُ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا بِنَصْبِ دِينَارٍ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، (فَيَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ سِتَّةٌ) وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ بِرَفْعِهِ؛ أَيْ: الدِّينَارِ (تَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ) الِاثْنَا عَشَرَ وَدِينَارٌ وَاحِدٌ، ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ فِي فَتَاوِيهِ. (وَلَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ) أَوْ الثَّوْبِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ هَذِهِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا (شِرْكٌ أَوْ قَالَ: هُوَ شَرِيكِي فِيهِ. أَوْ قَالَ: هُوَ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا أَوْ قَالَ: هُوَ لِي وَلَهُ أَوْ قَالَ لَهُ فِيهِ سَهْمٌ؛ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ قَدْرَ حَقِّ الشَّرِيكِ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَارَةً تَقَعُ عَلَى النِّصْفِ، وَتَارَةً تَقَعُ عَلَى مَا دُونَهُ، وَتَارَةً تَقَعُ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَمَتَى تَرَدَّدَ اللَّفْظَانِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ، رَجَعَ فِي تَفْسِيرِهِ إلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَيْسَ إطْلَاقُ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا دُونَ النِّصْفِ مَجَازًا، وَلَا مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ، وَلِأَنَّ السَّهْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْمَلُ السَّهْمُ عَلَى السُّدُسِ، كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِيهَا.
(وَ) إنْ قَالَ مَنْ بِيَدِهِ نَحْوُ عَبْدٍ (لَهُ)؛ أَيْ: لِفُلَانٍ (عَلَيَّ فِيهِ) أَلْفٌ، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (مِنْهُ أَلْفٌ) صَحَّ إقْرَارُهُ (وَقِيلَ لَهُ فَسِّرْ) سَبَبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِجِنَايَةِ) الْعَبْدِ عَلَى الْمُقِرِّ لَهُ؛ وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِقَوْلِهِ نَقَدَهُ)؛ أَيْ: الْأَلْفَ (فِي ثَمَنِهِ)؛ أَيْ: الْعَبْدَ وَنَحْوَهُ (أَوْ)؛ أَيْ: وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِقَوْلِهِ نَقْدُهُ (اشْتَرَى) الْمُقَرُّ لَهُ (رُبْعَهُ)؛ أَيْ: الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ (بِهِ)؛ أَيْ: الْأَلْفَ أَوْ بِقَوْلِهِ (لَهُ فِيهِ شِرْكٌ) أَوْ بِقَوْلِهِ: إنَّ مُورِثِي أَوْصَى لَهُ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِهِ، (وَلَا) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِأَنَّهُ رَهَنَهُ عِنْدَهُ بِهِ)؛ أَيْ: الْأَلْفَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الذِّمَّةِ. وَفِي الْإِقْنَاعِ قَبْلَ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ بِثَلَاثَةِ فُصُولٍ: وَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ بِأَلْفٍ؛ قُبِلَ. انْتَهَى.
وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَلَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لِفُلَانٍ) عَلَيَّ، فَفَسَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ قَدْرًا؛ قُبِلَ، (وَإِنْ قَلَّ الزَّائِدُ، وَإِنْ فَسَّرَهُ بِدُونِهِ) وَقَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي أَكْثَرُ مِمَّا لِفُلَانٍ (لِكَثْرَةِ نَفْعِهِ لِحِلِّهِ وَنَحْوِهِ) كَبَرَكَتِهِ؛ إذْ الْحَلَالُ أَنْفَعُ مِنْ الْحَرَامِ (قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ؛ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُقِرُّ بِمَا لِفُلَانٍ، أَوْ جَهِلَهُ، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي لِفُلَانٍ كَذَا، أَوْ لَمْ تَقُمْ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ إقْرَارَهُ بِمَا يُحْتَمَلُ؛ فَوَجَبَ قَبُولُهُ (وَلَهُ عَلَيَّ مَا فِي يَدِ زَيْدٍ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِ. وَلَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِآخَرَ (لِي عَلَيْك أَلْفِ دِرْهَمٍ) فَقَالَ فِي جَوَابِهِ (أَكْثَرُ؛ لَزِمَهُ) أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ (وَيُفَسِّرُهُ)؛ أَيْ: الْأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا أَرَادَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى شَخْصٍ (مَبْلَغًا، فَقَالَ فِي جَوَابِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَك عَلَيَّ، وَقَالَ أَرَدْت التَّهَزُّؤَ؛ لَزِمَهُ حَقٌّ لَهُمَا)؛ أَيْ: لِلْمُدَّعِي وَلِفُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِحَقٍّ مَوْصُوفٍ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا لِلْمُدَّعِي؛ فَلَزِمَهُ، وَيَجِبُ لِلْمُدَّعِي حَقُّهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ، وَإِرَادَةُ التَّهَزُّؤَ دَعْوَى تَتَضَمَّنُ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ؛ فَلَا تُقْبَلُ (وَيُفَسِّرُهُ)؛ أَيْ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ لَهُ: لَك عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرُ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَلَا أَكْثَرُ مِنْهَا، بَلْ تَرْجِعُ فِي مَعْنَى الْأَكْثَرِ. وَفِي نَوْعِ الذَّهَبِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَك عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرُ فَقَدْ عَيَّنَ شَيْئَيْنِ الْعَدَدَ وَأَنَّهُ ذَهَبٌ، وَأَبْهَمَ شَيْئَيْنِ قَوْلَهُ: أَكْثَرُ وَنَوْعَ الذَّهَبِ، فَرَجَعَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: أَكْثَرَ إلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: أَكْثَرُ عَدَدًا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ الْأَكْثَرِ أَيْضًا، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ نَوْعِ الذَّهَبِ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ أَوْ مَضْرُوبٍ أَوْ غَيْرِ مَضْرُوبٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ أَنْوَاعٌ؛ فَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ إلَيْهِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

.فَصْلٌ: [مَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ]:

(مَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ لَزِمَهُ لَهُ ثَمَانِيَةُ) دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهَا مَا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إنْ عَرَّفَهُمَا، فَقَالَ: مَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْعَشَرَةِ. وَمَنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ) لَزِمَهُ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَشَرَةَ غَايَةً، وَهِيَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ. وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} بِخِلَافِ ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ؛ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَاهَا، أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ)؛ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَإِنْ أَرَادَ) الْمُقِرُّ بِذَلِكَ (مَجْمُوعَ الْأَعْدَادِ)؛ أَيْ: الْوَاحِدَ وَالْعَشَرَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا (لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَاخْتِصَارُ حِسَابِهِ أَنْ تَزِيدَ أَوَّلَ الْعَدَدِ وَهُوَ وَاحِدٌ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيَصِيرُ أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي نِصْفِ الْعَشَرَةِ؛ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ الْجَوَابُ. (وَإِنْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ (مِنْ عَشَرَةٍ إلَى عِشْرِينَ) أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (مَا بَيْنَ عَشَرَةٍ إلَى عِشْرِينَ؛ لَزِمَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ) لِأَنَّهُ مَا قَبْلَ الْعِشْرِينَ وَإِلَى انْتِهَاءِ الْغَايَةِ؛ فَلَا يَدْخُلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا. وَمَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ (لَهُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطِينَ؛ لَمْ يَدْخُلَا)؛ أَيْ: الْحَائِطَانِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِمَا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَدَدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ابْتِدَاءٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَلَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ حِنْطَةٍ إلَى كُرِّ شَعِيرٍ؛ لَزِمَهُ كُرَّانِ إلَّا قَفِيزَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ (وَ) مَنْ قَالَ لَهُ (إمَّا دِرْهَمٌ وَإِمَّا دِينَارٌ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ دُونَ الدِّينَارِ) لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَمَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ) أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (تَحْتَ دِرْهَمٍ أَوْ) لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (فَوْقَهُ) دِرْهَمٌ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (قَبْلَهُ) دِرْهَمٌ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (بَعْدَهُ) دِرْهَمٌ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (مَعَهُ دِرْهَمٌ) يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَجْرِي مَجْرَى الْعَطْفِ، لِأَنَّ مَعْنَاهَا الضَّمُّ، فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ، وَضَمَّ إلَيْهِ آخَرَ، كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، وَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيَّ فِي ذِمَّتِي، وَلَيْسَ لِلْمُقِرِّ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمِ الْمُقِرِّ لَهُ، وَلَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ؛ إذْ لَا يَثْبُتُ لِلْإِنْسَانِ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ شَيْءٌ (أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ) يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِدُخُولِ مَا أَضْرَبَ عَنْهُ فِيمَا أَثْبَتَهُ بَعْدُ، أَوْ قَالَ لَهُ (عَلَيَّ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ) أَوْ لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ لَكِنْ دِرْهَمٌ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ، يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ) حَمْلًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى فَائِدَةٍ، وَمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ لَا يَسْقُطُ بِإِضْرَابِهِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ. (وَكَذَا) لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ) أَوْ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ (فَلَوْ كَرَّرَهُ)؛ أَيْ؛ الدِّرْهَمَ (ثَلَاثًا بِالْوَاوِ) كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا (بِالْفَاءِ) كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ، أَوْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا (بِثُمَّ) كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ وَنَوَى) بِالدِّرْهَمِ (الثَّالِثِ) تَأْكِيدَ الدِّرْهَمِ (الثَّانِي؛ لَمْ يُقْبَلْ) فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمَذْكُورَةِ فِيهَا حَرْفُ الْعَطْفِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَكَذَلِكَ لَا يُعْطَفُ الْمُؤَكِّدُ، وَقُبِلَ مِنْهُ قَصْدُ التَّأْكِيدِ فِي الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ)؛ أَيْ: الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْعَاطِفُ؛ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَكَذَا إنْ أَكَّدَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَأْكِيدَ أَوَّلٍ بِثَالِثٍ لِلْفَصْلِ. وَإِنْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ وَبَعْدَهُ دِرْهَمٌ) أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (هَذَا الدِّرْهَمُ بَلْ هَذَا الدِّرْهَمَانِ؛ لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ) لِأَنَّ الْإِضْرَابَ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِآدَمِيٍّ، وَلَا يَصِحُّ؛ فَيَلْزَمُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا. وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (قَفِيزُ حِنْطَةٍ بَلْ قَفِيزُ شَعِيرٍ) لَزِمَاهُ، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ بَلْ دِينَارٌ، لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِيَ، وَلَا بَعْضَهُ؛ فَلَزِمَاهُ، وَكَذَا نَظَائِرُهُ حَيْثُ كَانَ الْمَضْرُوبُ عَنْهُ لَيْسَ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ وَلَا بَعْضَهُ؛ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ، بِخِلَافِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ بَلْ ثَلَاثَةٌ. وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ وَأَرَادَ الْعَطْفَ)؛ أَيْ: دِرْهَمٌ وَدِينَارٌ وَنَحْوُهُ (أَوْ) كَدِرْهَمٍ مَعَ دِينَارٍ (لَزِمَاهُ) كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ أَوْ بِمَعَ، وَإِلَّا يُرِدْ مَعْنَى الْعَطْفِ وَلَا مَعَ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُقَرُّ بِهِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: فِي دِينَارٍ لَا يَحْتَمِلُ الْحِسَابَ (وَإِنْ فَسَّرَهُ الْمُقِرُّ)؛ أَيْ قَوْلَهُ دِرْهَمٌ (فِي دِينَارٍ بِرَأْسِ مَالٍ سَلَّمَ بَاقٍ عِنْدَهُ) بِأَنْ قَالَ عَقَدْت مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى إسْلَامِ دِرْهَمٍ بَاقٍ عِنْدَهُ (فِي دِينَارٍ، وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ؛ حَلَفَ) الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ (وَأَخَذَ الدِّرْهَمَ) مِنْ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ إقْرَارَهُ بِمَا يُبْطِلُهُ؛ فَهُوَ كَرُجُوعِهِ عَنْهُ؛ فَلَا يُقْبَلُ (وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى أَنْ الدِّرْهَمَ رَأْسُ مَالِ سَلَمٍ فِي دِينَارٍ)؛ بَطَل إقْرَارُهُ لِأَنَّ سَلَمَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ لَا يَصِحُّ (وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِتَصْدِيقِهِ عَلَى بَرَاءَتِهِ.
(وَ) إنْ قَالَ (لَهُ) عَلَيَّ دِرْهَمٌ (فِي ثَوْبٍ، وَأَرَادَ الْعَطْفَ، أَوْ) أَرَادَ (مَعْنَى مَعَ) كَمَا سَبَقَ (لَزِمَاهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ فَسَّرَهُ)؛ أَيْ: إقْرَارَهُ الْمَذْكُورَ (بِرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ) عَقَدَهُ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ بَاقٍ عِنْدَ الْمُقِرِّ فِي ثَوْبٍ (فَكَمَا مَرَّ)؛ أَيْ: فَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَيَأْخُذُ الدِّرْهَمَ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ وَصَلَ إقْرَارُهُ بِمَا يَسْقُطُ؛ فَلَزِمَهُ الدِّرْهَمُ، وَبَطَل مَا وَصَلَ بِهِ إقْرَارُهُ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ) وَأَطْلَقَ (يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ) لِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَجَعْلِهِ الْعَشَرَةَ مَحِلًّا لَهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ سِوَاهُ (مَا لَمْ يُخَالِفْهُ عُرْفُ) بَلَدِ الْمُقِرِّ (فَيَلْزَمُهُ مُقْتَضَاهُ)؛ أَيْ: عُرْفَ تِلْكَ الْبَلَدِ (أَوْ مَا لَمْ يُرِدْ الْحِسَابَ؛ وَلَوْ جَاهِلًا) بِهِ؛ أَيْ: الْحِسَابَ (فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ)، لِأَنَّهَا حَاصِلُ الضَّرْبِ عِنْدَهُمْ (أَوْ مَا لَمْ يُرِدْ الْجَمِيعَ) بِأَنْ أَرَادَهُمَا مَعَ عَشَرَةٍ (فَيَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ) وَلَوْ حَاسِبًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْأَغْلَظِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ يُرِيدُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ هَذَا الْمَعْنَى. وَلَهُ عِنْدِي (تَمْرٌ فِي جِرَابٍ) أَوْ لَهُ عِنْدِي (سِكِّينٌ فِي قِرَابٍ، أَوْ لَهُ) عِنْدِي (ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، أَوْ لَهُ عِنْدِي (عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ) أَوْ لَهُ عِنْدِي (دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ، أَوْ لَهُ) عِنْدِي فَصٌّ (فِي خَاتَمٍ، أَوْ لَهُ جِرَابٌ فِيهِ تَمْرٌ، أَوْ لَهُ قِرَابٌ فِيهِ سَيْفٌ، وَلَهُ مِنْدِيلٌ فِيهِ ثَوْبٌ) أَوْ لَهُ عِنْدِي (دَابَّةٌ مُسْرَجَةٌ) فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْأَوَّلِ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَمَا فِي الْإِقْنَاعِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فَرَسٌ مُسْرَجٌ إلَى قَوْلِهِ لَزِمَهُ مَا ذَكَرَهُ مَرْجُوحٌ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ، أَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي (سَرْجٌ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ لَهُ عِنْدِي عِمَامَةٌ عَلَى عَبْدٍ، أَوْ لَهُ عِنْدِي دَارٌ مَفْرُوشَةٌ أَوْ) لَهُ عِنْدِي (زَيْتٌ فِي زِقٍّ وَنَحْوِهِ) كَتِكَّةٍ فِي سَرَاوِيلَ؛ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْأَوَّلِ وَلَيْسَ إقْرَارًا بِالثَّانِي وَكَذَا كُلُّ مُقِرٍّ بِشَيْءٍ جَعَلَهُ ظَرْفًا أَوْ مَظْرُوفًا؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا الثَّانِيَ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ وَالْمَظْرُوفُ لِوَاحِدٍ، وَالْإِقْرَارُ إنَّمَا يَثْبُتُ مَعَ التَّحْقِيقِ، لَا مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَكَقَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي (جَنِينٌ فِي جَارِيَةٍ، أَوْ لَهُ) عِنْدِي جَنِينٌ فِي دَابَّةٍ، وَكَقَوْلِهِ: لَهُ عِنْدِي (دَابَّةٌ فِي بَيْتٍ) فَلَيْسَ إقْرَارًا بِالثَّانِي؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَكَقَوْلِهِ؛ لَهُ عِنْدِي الْمِائَةُ (الدِّرْهَمُ الَّتِي فِي هَذَا الْكِيسِ) لَيْسَ إقْرَارًا بِالْكِيسِ (وَيَلْزَمَانِهِ)؛ أَيْ: الدَّابَّةُ وَالْمِائَةُ دِرْهَمٍ (إنْ لَمْ يَكُونَا) أَيْ: الدَّابَّةُ فِي الْبَيْتِ وَالْمِائَةُ دِرْهَمٍ (فِيهِ)؛ أَيْ: الْكِيسِ (وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُقِرُّ الْمِائَةَ) بِأَنْ قَالَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فِي هَذَا الْكِيسِ (لَزِمَتْهُ مِائَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِيسِ شَيْءٌ) أَوْ كَانَ فِي الْكِيسِ شَيْءٌ لَكِنَّهُ دُونَ الْمِائَةِ، لَزِمَهُ (تَتِمَّتُهَا) كَمَا لَوْ عَرَّفَهَا. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي (خَاتَمٌ فِيهِ فَصٌّ أَوْ) قَالَ: لَهُ عِنْدِي (سَيْفٌ بِقِرَابِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ، أَوْ سَيْفٌ بِقِرَابٍ فَهُوَ (إقْرَارٌ بِهِمَا) لِأَنَّ الْفَصَّ جُزْءٌ مِنْ الْخَاتَمِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي ثَوْبٌ فِيهِ عَلَمٌ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِقِرَابِهِ بَاءُ الْمُصَاحَبَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ سَيْفٌ بِقِرَابٍ، بِخِلَافِ تَمْرٍ فِي جِرَابٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الظَّرْفَ غَيْرُ الْمَظْرُوفِ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِخَاتَمٍ، وَأَطْلَقَ ثُمَّ جَاءَهُ بِخَاتَمٍ فِيهِ فَصٌّ، وَقَالَ مَا أَرَدْت الْفَصَّ لَمْ يُقْبَلْ، قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخَاتَمَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ. (وَإِقْرَارُهُ)؛ أَيْ: الشَّخْصَ (بِشَجَرٍ أَوْ شَجَرَةٍ) يَشْمَلُ الْأَغْصَانَ (وَلَيْسَ إقْرَارًا) بِأَرْضِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يَتْبَعُ الْفَرْعَ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالْأَرْضِ؛ فَيَشْمَلُ غَرْسَهَا وَبِنَاءَهَا (فَلَا يَمْلِكُ) مُقِرٌّ لَهُ بِشَجَرَةٍ (غَرْسَ) أُخْرَى (مَكَانَهَا لَوْ ذَهَبَتْ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْأَرْضِ (وَلَا أُجْرَةَ) عَلَى مُقِرٍّ لَهُ بِشَجَرٍ أَوْ شَجَرَةٍ (مَا بَقِيَتْ) وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهَا وَثَمَرَتُهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَبِيعَ مِثْلُهُ، وَتَقَدَّمَ. وَإِقْرَارُهُ (بِأَمَةٍ حَامِلٍ لَيْسَ إقْرَارًا بِحَمْلِهَا) لِأَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَمُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ، وَدُخُولُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَقَرَّ بِفَرَسٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ نَاقَةٍ حَامِلٍ (وَ) إنْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ) أَوْ لَهُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، أَوْ لَهُ عِنْدِي إمَّا عَبْدٌ وَإِمَّا ثَوْبٌ (يَلْزَمُهُ أَحَدُهُمَا) لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ لِأَشْيَاءَ وَإِمَّا بِمَعْنَاهَا (وَيُعَيِّنُهُ) أَيْ: يَلْزَمُهُ تَعْيِينُهُ، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فِيهِ كَسَائِرِ الْمُجْمَلَاتِ. (وَلَوْ أَقَرَّ بِبُسْتَانٍ شَمِلَ الْأَشْجَارَ) وَالْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ كَكَوْنِ الْأَرْضِ أَرْضَ غَيْرِهِ.

.(خَاتِمَةُ) الْكِتَابِ:

وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ (تُقْبَلُ تَوْبَةُ) الْعَبْدِ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، أَوْ مَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَلَكَ أَوْ مَادَامَ مُكَلَّفًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ) سَلَفًا وَخَلَفًا. (فَحُجَّةُ) الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ: ( «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ»)؛ أَيْ: يَقْرَبُ مِنْ الزَّهُوقِ، وَيُقَالُ غَرْغَرَ إذَا جَادَ بِنَفْسِهِ. (وَحُجَّةُ) الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ (الثَّانِي حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُوسَى) الْأَشْعَرِيِّ: «سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى تَنْقَطِعُ مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ مِنْ النَّاسِ، قَالَ: إذَا عَايَنَ»، يُعَيِّنُ إذَا عَايَنَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِقَبْضِ رُوحِهِ (وَحُجَّةُ الْقَائِلِينَ) بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ (حَدِيثُ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عَلِيٍّ): «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي مُهْلَةٍ مِنْ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يَأْتِهِ مَلَكُ الْمَوْتِ بِقَبْضِ رُوحِهِ، فَإِذَا نَزَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَلَا تَوْبَةَ حِينَئِذٍ». وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ نُزُولِ الْمَلَكِ يَنْسَدُّ عَلَى الْمَنْزُولِ بِهِ بَابُ التَّوْبَةِ، سَوَاءٌ عَايَنَهُ أَوْ لَمْ يُعَايِنْهُ. (وَأَمَّا التَّكْلِيفُ فَوَاضِحٌ، وَهُوَ قَوِيٌّ) جِدًّا؛ إذْ الْمَدَارُ عَلَيْهِ (قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَالصَّوَابُ قَبُولُهَا)؛ أَيْ: التَّوْبَةَ (مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى). وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّوْبَةَ هِيَ الْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ، وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْمَاضِي، وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يُعَاوِدَ الذَّنْبَ (وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ رَابِعٍ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ مِنْهُ)، وَلَهَا تَفَاصِيلُ أُخَرُ يَضِيقُ عَنْهَا هَذَا الْمَحَلُّ، فَهِيَ حَقِيقَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالدِّينُ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّاهَا. وَبِهَذَا اسْتَحَقَّ التَّائِبُ أَنْ يُسَمَّى حَبِيبَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَلَوْلَا أَنَّ التَّوْبَةَ اسْمٌ جَامِعٌ لِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ لَمْ يَكُنْ الرَّبُّ يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ ذَلِكَ الْفَرَحَ الْعَظِيمَ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ عِلْمَ مَا مَرَّ) مِنْ الْأَحَادِيثِ (لَا يَنْضَبِطُ لَنَا) لِقِصَرِ عُقُولِنَا عَنْ إدْرَاكِ حَقَائِقِهِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ تَابَ وَأَسْلَمَ- وَالرُّوحُ) بَاقِيَةٌ فِي بَدَنِهِ تَتَرَدَّدُ (فِيهِ- فَهُوَ مَقْبُولٌ شَرْعًا) فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِنَا (وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ هَذَا الْإِسْلَامُ بَاطِنًا) لِتَقْصِيرِهِ بِالتَّأْخِيرِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ لَا يَنْفَعُهُ) نُطْقُهُ بِالتَّوْبَةِ، وَنَدَمُهُ عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْهُ (بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا)؛ لِقَوْلِهِمْ أَيْ: الْأَصْحَابِ (هُوَ كَمَيِّتٍ؛ فَلَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ، وَرُبَّمَا يُجْزَمُ بِعَدَمِ عَقْلِهِ فِي الْأُولَى) وَهِيَ فِيمَا إذَا ذُبِحَ (وَلَوْلَا إخْبَارُ الصَّادِقِ الْعَلِيمِ أَنَّ إيمَانَ فِرْعَوْنَ إنَّمَا كَانَ وَقْتَ إدْرَاكِ الْغَرَقِ وَنُزُولِ الْمَوْتِ بِهِ لَحُكِمَ شَرْعًا بِإِسْلَامِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا- أَيْ: الْعُلَمَاءَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَرَبَتْ؛ أَيْ: دَنَتْ نَفْسُهُ مِنْ الزَّهُوقِ، فَمَاتَ لَهُ مَيِّتٌ أَنَّهُ يَرِثُهُ وَإِنْ قَدَرَ الْكَافِرُ عَلَى النُّطْقِ فَأَسْلَمَ؛ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنَّهُ مَتَى شَخَصَ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ إلَّا نَفَسٌ وَاحِدٌ فَمَاتَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ؛ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّهَا، وَمَنْ قَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ أُقِيدَ بِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ قَتَلَ رَجُلًا قَدْ ذَهَبَ الرُّوحُ مِنْ بَعْضِ جَسَدِهِ قَالَ: هُوَ يَضْمَنُهُ انْتَهَى) كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ (فَعَلَى هَذَا لَا يَسَعُنَا إلَّا الْحُكْمُ شَرْعًا بِإِسْلَامِ مَنْ أَقَرَّ عِنْدَ مَوْتِهِ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) غَيْرَ مُكْرَهٍ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا) وَإِخْوَانَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (مِمَّنْ أَقَرَّ بِهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (مُخْلِصًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ) عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (وَاجْعَلْ الْمَوْتَ لَنَا دَائِمًا عَلَى بَالٍ) لِنَكُونَ مُتَيَقِّظِينَ لِلتَّوْبَةِ (وَتُوَفَّنَا مُسْلِمِينَ أَحْسَنَ حَالٍ) غَيْرَ مَفْتُونِينَ (وَأَسْمِعْنَا مِنْك، وَفَهِّمْنَا الْوَارِدَ عَنْك، وَعَلِّمْنَا مِنْ عِلْمِك) فَإِنَّهُ {لَا عِلْمَ لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إنَّك أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (وَحَقِّقْنَا بِنُورِ تَوْحِيدِك) الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الدِّينِ وَآخِرُهُ، وَظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ، وَإِخْلَاصِ الدِّينِ كُلِّهِ لِلَّهِ، وَتَحْقِيقِ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِي الْإِقْرَارِ بِهَا فَإِنَّهُمْ مُتَفَاضِلُونَ فِي تَحْقِيقِهَا تَفَاضُلًا لَا يَنْضَبِطُ حَتَّى إنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ التَّوْحِيدَ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْإِقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِهِ الرُّبُوبِيَّةَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، وَبَيْنَ تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ الَّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ التَّوْحِيدِ الْقَوْلِيِّ وَالْعَمَلِيِّ؛ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَا كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ الْعَالَمَ خَلَقَهُ اثْنَانِ، وَلَا إنَّ مَعَ اللَّهِ رَبًّا يَنْفَرِدُ دُونَهُ بِخَلْقِ شَيْءِ، بَلْ كَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وَكَانُوا مَعَ إقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ وَحْدَهُ يَجْعَلُونَ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى يَجْعَلُونَهُمْ شُفَعَاءَ لَهُمْ إلَيْهِ، وَيَقُولُونَ إنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَالتَّوْحِيدُ وَالْإِشْرَاكُ يَكُونُ فِي الْقَلْبِ، وَيَكُونُ فِي أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَلِهَذَا قَالَ الْجُنَيْدُ: التَّوْحِيدُ قَوْلُ الْقَلْبِ، وَالتَّوْكِيلُ عَمَلُ الْقَلْبِ. أَرَادَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَرَنَهُ بِالتَّوْكِيلِ جَعَلَهُ أَصْلَهُ، وَإِذَا أُفْرِدَ لَفْظُ التَّوْحِيدِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ قَوْلَ الْقَلْبِ وَعَمَلَهُ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ تَمَامِ التَّوْحِيدِ (وَأَيِّدْنَا بِرُوحِ تَأْيِيدِك وَاسْلُكْ بِنَا طَرِيقَ السُّنَّةِ، وَجَنِّبْنَا طَرِيقَ الْبِدْعَةِ) إذْ الْعَمَلُ الْقَلِيلُ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فِي بِدْعَةٍ (وَهَبْ لَنَا فُرْقَانًا نُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ) لِنَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي اتِّبَاعِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي (وَهَبْ لَنَا الْإِخْلَاصَ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُك، وَقَدِّسْنَا مِنْ أَوْصَافِ بَشَرِيَّاتِنَا، وَعَافِنَا مِنْ عِلَّةٍ) ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ (وَطَهِّرْنَا مِنْ كُلِّ دَنَسٍ، وَأَخْرِجْ حُبَّ الرِّئَاسَةِ مِنْ قُلُوبِنَا) فَإِنَّهُ الدَّاءُ الْعُضَالُ (وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا) بِذُنُوبِنَا (آمِينَ).
قَالَ مُؤَلَّفُهُ الشَّيْخُ مَرِعِي سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَفَا عَنْهُ (قَدْ أَفْرَغْت فِي هَذَا الْجَمْعِ طَاقَتِي وَجُهْدِي، وَبَذَلْت فِيهِ فِكْرَتِي وَقَصْدِي، وَلَمْ يَكُنْ فِي ظَنِّي أَنْ أَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ لِعِلْمِي) مِنْ نَفْسِي (بِالْعَجْزِ عَنْ الْخَوْضِ فِي تِلْكَ الْمَسَالِكِ) وَقَدْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْقَوْلَ هَضْمًا لِنَفْسِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ فَضَائِلُهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ (وَقَدْ أَكْثَرْتُ فِيهِ مِنْ التَّوْجِيهِ لِنَفْعِ الطَّالِبِ الْوَجِيهِ، فَمَا كَانَ) فِي اتِّجَاهَاتِي (مِنْ صَوَابٍ فَمِنْ اللَّهِ) تَعَالَى (أَوْ خَطَأٍ، وَأَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ الْعَفْوَ عَنِّي، وَهَذَا أَقْوَى مَا قَدَرَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ، فَمَنْ أَتَى بِخَيْرٍ مِنْهُ فَلِيَرْجِعْ إلَيْهِ. عَلَيَّ فِي الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُسْوَةٌ حَيْثُ قَالَ: هَذَا رَأْيِي فَمَنْ جَاءَنَا بِخَيْرٍ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ) انْتَهَى.
(وَقَدْ فَرَغْت مِنْ تَسْوِيدِهِ)؛ أَيْ: تَسْوِيدِ هَذَا الْجَمْعِ (بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ) مِنْ مِصْرَ الْقَاهِرَةِ خَلَّصَهَا اللَّهُ مِنْ أَيْدِي طَائِفَةِ الفرنساوية الْكَافِرَةِ، فَقَدْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا قَبْلَ هَذَا الْعَامِ، وَصَيَّرُوهَا دَارَ حَرْبٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تَفْتَخِرُ بِهَا سَائِرُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَابِعِ صَفَرِ الْخَيْرِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ بَعْدَ الْأَلْفِ لَا غَيْرَ، وَعَادَتْ مَأْوًى لِعَبَدَةِ الصَّلِيبِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَلْجَأً لِكُلِّ غَرِيبٍ، يَقْتَطِفُ مِنْهَا ثِمَارَ دَقَائِقِ الْعُلُومِ، وَيَنْسَلِخُ عَنْهَا وَقَدْ فَاقَ أَقْرَانَهُ كَالْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ، فَنَرْجُو مَنْ جَعَلَهَا مِنْ أَنْفَعْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْ أَيْدِي هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ اللِّئَامِ (عَقِبَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ثَانِيَ عَشَرَ شَعْبَانَ وَمِنْ تَبْيِيضِهِ عَقِبَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ثَانِيَ عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَأَلْفٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مُخْلِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ)، وَسَبَبًا لِلْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَرَزَقَ الطَّالِبَ بِهِ النَّفْعَ الْعَمِيمَ إنَّهُ رَءُوفٌ رَحِيمٌ جَوَادٌ كَرِيمٌ (نَصِيحَةٌ: عَلَيْك أَيّهَا الطَّالِبُ الْمُسْتَرْشِدُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ وَرِضَاهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ سِرًّا وَجَهْرًا مَعَ صَفَاءِ الْقَلْبِ مِنْ كُلِّ كَدَرٍ، وَتَرْكِ حُبِّ الْعُلُوِّ وَالرِّئَاسَةِ وَكُلِّ وَصْفٍ مَذْمُومٍ وَفِعْلٍ مَلُومٍ كَغِلٍّ وَحِقْدٍ وَحَسَدٍ وَغَضَبٍ وَعُجْبٍ وَنَكَدٍ وَكِبْرٍ وَتِيهٍ وَخُيَلَاءَ وَزَهْوٍ وَهَوًى وَرِيَاءٍ، وَغَرَضِ سُوءٍ، وَقَصْدٍ رَدِيءٍ وَمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ، وَمُجَانَبَةِ كُلِّ مَكْرُوهٍ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَعُدَّ نَفْسَك مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ، وَلَا تُهْمِلْ النَّظَرَ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَلَا تَفْخَرْ بِأَعْمَالِك فَلَيْسَ إلَيْك مِنْ فِعْلِك شَيْءٌ وَانْدَمْ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ عُمْرِك فِي الصِّبَا وَالْغَيِّ، وَإِذَا جَلَسْت مَجْلِسَ ذِكْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَاجْلِسْ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَتَلَقَّى النَّاسَ بِالْبِشْرِ وَالِاسْتِبْشَارِ، وَحَادِثْهُمْ بِمَا يَنْفَعُ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَلَا تُجَالِسْ غَيْرَ الْأُمَنَاءِ الْأَتْقِيَاءِ الْأَخْيَارِ، وَأَقْبِلْ عَلَى مَنْ يُقْبِلُ عَلَيْك، وَارْفَعْ مَنْزِلَةَ مَنْ عَظُمَ لَدَيْك، وَأَنْصِفْ حَيْثُ يَجِبُ الْإِنْصَافُ، وَاسْتَعْفِفْ حَيْثُ يَجِبُ الِاسْتِعْفَافُ، وَلَا تُسْرِفْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْإِسْرَافَ، وَإِنْ رَأَيْت نَفْسَك مُقْبِلَةً عَلَى الْخَيْرِ فَاشْكُرْ) اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ رَأَيْتهَا (مُدْبِرَةً عَنْهُ فَازْجُرْهَا) عَمَّا هُنَالِكَ (أَوْ ذُكِّرْتَ بِاَللَّهِ فَاذْكُرْ) تَكُنْ مَعَ الذَّاكِرِينَ (وَإِنْ بُلِيتَ فَاصْبِرْ) إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (أَوْ جَنَيْتَ فَتُبْ وَاسْتَغْفِرْ) إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُسْتَغْفِرِينَ (أَوْ هَفَوْتُ فَاعْتَذِرْ) إلَى رَبِّك تَكُنْ مِنْ الْفَائِزِينَ (وَإِذَا قُمْتَ مِنْ مَجْلِسِك فَقُلْ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك) لِمَا رُوِيَ: أَنَّ خَاتِمَةَ الْمَجْلِسِ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك، وَأَتُوبُ إلَيْك». فَإِنْ كَانَ مَجْلِسَ رَحْمَةٍ كَانَتْ كَالطَّابَعِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَجْلِسَ لَغْوٍ كَانَتْ كَفَّارَةً لَهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا أَنَّهَا تُقَالُ فِي آخِرِ الْوُضُوءِ بَعْدَ أَنْ يُقَالَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ». وَهَذَا الذِّكْرُ يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ وَالِاسْتِغْفَارَ فَإِنَّ صَدْرَهُ الشَّهَادَتَانِ اللَّتَانِ هُمَا أَصْلَا الدِّينِ وَجِمَاعُهُ، فَإِنَّ جَمِيعَ الدِّينِ دَاخِلٌ فِي الشَّهَادَتَيْنِ، إذْ مَضْمُونُهُمَا أَنْ لَا يَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ، وَأَنْ يُطَاعَ رَسُولُهُ، وَالدِّينُ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي هَذَا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ جَمْعَهُ مِنْ كَلَامِ عُلَمَائِنَا وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، فَإِنِّي مُعْتَرِفٌ مِنْ نَفْسِي بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَبِضَاعَتِي مُزْجَاةٌ فِي الْعِلْمِ وَالتَّحْرِيرِ، وَلَكِنَّ هَذَا حَسْبَ الطَّاقَةِ مَعَ تَشَتُّتِ الْخَاطِرِ بِالْفِتَنِ وَالْفَاقَةِ، فَإِنْ أَكُنْ مُحْسِنًا فَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْعَامِهِ عَلَيَّ، وَأَلْطَافِهِ الْوَاصِلَةِ إلَيَّ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى سُوءِ فَهْمِي، وَقِلَّةِ عِلْمِي، فَإِنِّي أَرْجُو مِنْ كَرْمِ مَنْ عَثَرَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ، وَاطَّلَعَ عَلَى مَا حَوَاهُ مِنْ خَطَأٍ وَصَوَابٍ التَّجَاوُزَ عَنْ الْخَطَأِ، وَالْعَفْوَ عَنْ الزَّلَلِ، وَإِصْلَاحَ مَا فِيهِ مِنْ الْخَلَلِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَأَلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ. وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ تَسْوِيدِ هَذَا الْكِتَابِ بِعَوْنِ اللَّهِ الْمِلْك الْوَهَّابِ فِي أَوَّلِ نَهَارِ يَوْمِ السَّبْتِ مِنْ شَهْرِ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ عَلَى يَدِ الْحَقِيرِ الْفَقِيرِ الْمُعْتَرِفِ بِالذَّنْبِ وَالتَّقْصِيرِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ بْنِ مُلَّا أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ أَفَنْدِي بْنِ الْحَاجِّ خَلِيلٍ الدَّاغِسْتَانِيِّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدِيهِ وَأَحْسَنَ إلَيْهِمَا وَإِلَيْهِ وَمَشَايِخِهِ وَشُرَكَائِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ آمِينَ.