فصل: (فَصْلٌ): (تُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِالاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [ما يَلْزَمُ الْجَيْشَ مِنَ الصَّبْرِ وَالنُّصْحِ وَالطَّاعَةِ]:

(وَيَلْزَمُ الْجَيْشُ الصَّبْرَ) مَعَ الْأَمِيرِ (وَالنُّصْحَ وَالطَّاعَةَ) لِلْأَمِيرِ فِي رَأْيِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وَلِحَدِيثِ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» رَوَاه النَّسَائِيّ (فَلَوْ أَمَرَهُمْ) الْأَمِيرُ (بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَقْتَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فَأَبَوْا، عَصُوا) قَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَوْ قَالَ: سِيرُوا وَقْتَ كَذَا دَفَعُوا مَعَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَ) نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: (لَا يُخَالِفُونَهُ يَتَشَعَّبُ أَمْرُهُمْ، فَلَا خَيْرَ مَعَ الْخِلَافِ، وَلَا شَرَّ مَعَ الِائْتِلَافِ) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْخِلَافُ شَرٌّ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، (وَيَرْضُوَن بِقِسْمَتِهِ الْغَنِيمَةَ وَ) ب (تَعْدِيلِهِ لَهَا) وُجُوبًا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ طَاعَتِهِ. (وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ صَوَابٌ عَرَفُوهُ وَنَصَحُوهُ)، لِحَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» (وَحَرُمَ) عَلَى الْجَيْشِ (بِلَا إذْنِهِ)، أَيْ: الْأَمِيرِ (حَدَثٌ) أَيْ: إحْدَاثُ (شَيْءٍ كَاعْتِلَافٍ وَاحْتِطَابٍ وَانْفِرَادٍ) عَنْ عَسْكَرٍ (وَتَعْجِيلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} وَلِأَنَّ الْأَمِيرَ أَعْرَفُ بِحَالِ النَّاسِ، وَحَالِ الْعَدُوِّ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِمَوْضِعِ عَلِمَهُ مَخُوفًا، لِأَنَّهُ خِيَانَةٌ لَهُمْ، فَإِنْ احْتَاجَ أَحَدُهُمْ إلَى الْخُرُوجِ بَعَثَ مَعَهُ مَنْ يَحْرُسُهُ. (وَكَذَا) لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ (بِرَازٌ) بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِفُرْسَانِهِ وَفُرْسَانِ عَدُوِّهِ، وَقَدْ يَبْرُزُ الْإِنْسَانُ لِمَنْ لَا يُطِيقُهُ، فَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ، فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ، (وَ) الْبِرَازُ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ الْإِمَامِ (هُوَ أَنْ يَبْرُزَ رَجُلٌ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَبْلَ الْتِحَامِ) الْحَرْبِ (يَدْعُو لِلْبِرَازِ)- بِكَسْرِ الْبَاءِ-: عِبَارَةٌ عَنْ مُبَارَزَةِ الْعَدُوِّ، وَبِفَتْحِهَا: اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ، بِخِلَافِ الِانْغِمَاسِ فِي الْكُفَّارِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الشَّهَادَةَ، وَلَا يُتَرَقَّبُ مِنْهُ ظَفَرٌ وَلَا مُقَاوَمَةٌ (وَسُنَّ لِمُسْلِمٍ شُجَاعٍ طَلَبُهُ)، أَيْ: الْبِرَازُ (ابْتِدَاءً)، أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهُ كَافِرٌ، قَالَهُ فِي الْبُلْغَةِ، فَقَطْ، وَأَمَّا عَامَّةُ أَصْحَابِنَا فَقَالُوا: إنَّهُ يُبَاحُ، (فَلَوْ طَلَبَهُ)، أَيْ: الْبِرَازَ (عَدُوٌّ، سُنَّ لِمَنْ يَعْلَمُ) مِنْ نَفْسِهِ (أَنَّهُ كُفْؤُهُ بِرَازُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ)، لِفِعْلِ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمْ وَبَارَزَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مَرْزُبَانَ الدَّارَةِ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ، فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْقُوَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَلَدِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ الْمُكَافَأَةَ لِطَالِبِ الْبِرَازِ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ، لِئَلَّا يُقْتَلَ فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ، (فَإِنْ شَرَطَ) كَافِرٌ طَلَبَ الْبِرَازِ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ خَصْمٍ، لَزِمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ) جَارِيَةً (أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ خَصْمِهِ، لَزِمَ) ذَلِكَ، لِجَرَيَانِهَا مَجْرَى الشَّرْطِ، (فَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ) الْمُجِيبُ لِطَالِبِ الْبِرَازِ أَوْ الدَّاعِي إلَيْهِ (أَوْ أُثْخِنَ) بِجِرَاحٍ، (فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ) عَنْهُ، (وَالرَّمْيُ) لِلْكَافِرِ الْمُبَارِزِ لِانْقِضَاءِ قِتَالِ الْمُسْلِمِ مَعَهُ، وَالْأَمَانُ إنَّمَا كَانَ حَالَ الْبِرَازِ، وَقَدْ زَالَ وَأَعَانَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ عَلَى قَتْلِ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ حِينَ أَثْخَنَ عُبَيْدَةَ، وَإِنْ أَعَانَ الْكُفَّارُ صَاحِبَهُمْ، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ عَوْنُ صَاحِبِهِمْ، وَقِتَالُ مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ دُونَ الْمُبَارِزِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ سَبَبٌ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِنْ اسْتَنْجَدَهُمْ، أَوْ عُلِمَ مِنْهُ الرِّضَى بِفِعْلِهِمْ انْتَقَضَ أَمَانُهُ، وَجَازَ قَتْلُهُ. (وَتَجُوزُ خُدَعَةٌ)، بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالدَّالِ، وَهِيَ: الِاسْمُ مِنْ الْخِدَاعِ، أَيْ: إرَادَةُ الْمَكْرِ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ كَالْخَدِيعَةِ (فِي الْحَرْبِ لِمُبَارِزٍ وَغَيْرِهِ)، لِحَدِيثِ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» وَرُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ لَمَّا بَارَزَ عَلِيًّا قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا بَرَزْت لِأُقَاتِلَ اثْنَيْنِ، فَالْتَفَتَ عَمْرٌو فَوَثَبَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ، فَضَرَبَهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: خَدَعْتنِي، فَقَالَ: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ.
(وَ) يَجُوزُ (قَتْلُهُ)، أَيْ: الْكَافِرِ (قَبْلَ مُبَارَزَةٍ)، لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا عَهْدَ لَهُ، وَلَا أَمَانَ فَأُبِيحَ قَتْلُهُ كَغَيْرِهِ، (إلَّا إنْ جَرَتْ عَادَةٌ) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ (أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِلْبِرَازِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ، فَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الشَّرْطِ)، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، (وَإِذَا قَتَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا أَوْ أَثْخَنَهُ)، فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ (فَلَهُ سَلَبُهُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ، وَيَأْتِي، سَوَاءٌ قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، أَوْ لَمْ يَقُلْ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ (وَلَوْ شَرَطَ) السَّلَبَ (لِغَيْرِهِ)، أَيْ: الْقَاتِلِ، لِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ، (وَكَذَا مَنْ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ قَدِمَ عَلَى مُبَارَزَةِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ذَفَفَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ، «وَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ»، لِأَنَّهُ أَثْبَتُهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: ذَفَفَ: أَجْهَزَ، وَمَعْنَاهُ: أَثْبَتَ قَتْلَهُ وَأَسْرَعَهُ وَتَمَّمَ عَلَيْهِ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُغَرِّرُ بِنَفْسِهِ (عَبْدًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ) كَانَ (امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا بِإِذْنِ) إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ، لِحَدِيثِ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ، لِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَلَمْ يُخَمِّسْ السَّلَبَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (لَا مُخْذِلًا وَمُرْجِفًا وَكُلَّ عَاصٍ) كَرَامٍ بَيْنَنَا بِفِتَنٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّونَ السَّلَبَ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ (بِشَرْطِ كَوْنِ كَافِرٍ مُمْتَنِعًا) أَيْ: مُتَيَقِّظًا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَهُ سَلَبُهُ (لَا) إنْ قَتَلَهُ (مُشْتَغِلًا بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ) كَنَائِمٍ (أَوْ مُنْهَزِمًا)، فَلَا يُسْتَحَقُّ سَلَبُهُ بَعْدَ التَّغْرِيرِ بِنَفْسِهِ، أَشْبَهَ قَتْلَ شَيْخٍ فَانٍ، وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ، هَذَا إذَا كَانَ مُنْهَزِمًا مَعَ الْكُفَّارِ فِي حَالِ انْهِزَامِهِمْ كُلِّهِمْ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً، فَانْهَزَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مُتَحَيِّزًا، فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (غَيْرَ مُتَحَيِّزٍ) إلَى فِئَةٍ (أَوْ مُتَحَرِّفٍ) لِقِتَالٍ، ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَالتَّرْغِيبِ (وَكَذَا لَوْ قَطَعَ) مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ جِهَادٍ (أَرْبَعَتَهُ)، أَيْ: يَدَيْ الْكَافِرِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَهُ سَلَبُهُ، وَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ لِقِصَّةِ أَبِي جَهْلٍ. (وَإِنْ قَطَعَ) مُسْلِمٌ (يَدَهُ)، أَيْ: الْكَافِرِ (وَرِجْلَهُ، وَقَتَلَهُ آخَرُ)، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ، لِعَدَمِ الِانْفِرَادِ بِقَتْلِهِ مُغَرِّرًا بِنَفْسِهِ، (أَوْ أَسَرَهُ) إنْسَانٌ (فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ)، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ، (أَوْ قَتَلَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ) اشْتَرَكُوا فِيهِ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ، (أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ مِنْ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ)، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَالسَّلَبُ: مَا عَلَيْهِ)، أَيْ: الْكَافِرِ الْمَقْتُولِ (مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَسِلَاحٍ، وَدَابَّتِهِ الَّتِي قَاتَلَ عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا) مِنْ آلَتِهَا، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا، وَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْحَرْبِ، فَأَشْبَهَ السِّلَاحَ، وَلَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَرَعَهُ عَنْهَا، وَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ، (فَدَخَلَ) فِي السَّلَبِ (دِرْعٌ وَمِغْفَرُ وَبَيْضَتُهُ وَتَاجُ وَمِنْطَقَةُ) وَلَوْ مُذَهَّبَةً، (وَأَسْوِرَةُ وران وَخُفُّ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِلْيَةٍ وَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَلَتٍّ وَقَوْسٍ وَنُشَّابٍ)، لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حَرْبِهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ مِنْ الثِّيَابِ، (فَأَمَّا نَفَقَتُهُ)، أَيْ: الْمَقْتُولِ، (وَرَحْلُهُ وَخَيْمَتُهُ وَجَنِيبُهُ) أَيْ: الدَّابَّةُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ رَاكِبَهَا حَالَ الْقِتَالِ، (ف) هُوَ (غَنِيمَةٌ)، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَلَبِهِ. (وَيَجُوزُ سَلَبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتِيلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: «لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ» (وَكُرِهَ تَلَثُّمٌ فِي قِتَالٍ عَلَى أَنْفٍ) نَصًّا، (لَا لِبْسُ عَلَامَةٍ) يُعْرَفُ بِهَا (كَرِيشِ نَعَامٍ)، بَلْ يُبَاحُ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ شُجَاعًا.

.(فَصْلٌ): [حُكمُ الْغَزْوِ بِدونِ إذْنِ الْأَمِيرِ]:

(وَيَحْرُمُ غَزْوٌ بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ)، لِرُجُوعِ أَمْرِ الْحَرْبِ إلَيْهِ، لِعِلْمِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِ وَمَكَامِنِهِ وَكَيْدِهِ، (إلَّا أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ) مِنْ الْكُفَّارِ (يَخَافُونَ طَلَبَهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ، أَيْ: شَرَّهُ وَأَذَاهُ، فَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِلَا إذْنِهِ، لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، وَلِذَلِكَ، «لَمَّا أَغَارَ الْكُفَّارُ عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَادَفَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ خَارِجًا عَنْ الْمَدِينَةِ تَبِعَهُمْ، فَقَاتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، فَمَدَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: خَيْرُ رِجَالِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَأَعْطَاهُ سَهْمَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ» (أَوْ) عَرَضَتْ لَهُمْ (فُرْصَةٌ يَخَافُونَ فَوْتَهَا) بِتَرْكِ الِاسْتِئْذَانِ، (فَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ) ذُو مَنَعَةٍ أَوَّلًا، (أَوْ دَخَلَ وَاحِدٌ وَلَوْ عَبْدًا دَارَ حَرْبٍ بِلَا إذْنِ) إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ، (فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ، لِعِصْيَانِهِمْ) بِالِافْتِئَاتِ عَلَى الْإِمَامِ، لِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ، فَنَاسَبَ حِرْمَانَهُمْ. (وَإِنْ بَعَثَ إمَامٌ جَيْشًا) أَوْ سَرِيَّةً (وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا، فَقُتِلَ) الْأَمِيرُ (أَوْ مَاتَ، فَلِلْجَيْشِ أَنْ يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) «كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشِ مُؤْتَةَ لَمَّا قُتِلَ أُمَرَاؤُهُمْ أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضِيَ أَمْرَهُمْ، وَصَوَّبَ رَأْيَهُمْ، وَسَمَّى خَالِدًا يَوْمَئِذٍ سَيْفَ اللَّهِ» (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْإِمَارَةُ دَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ)، وَأَظْهَرُوا التَّجَلُّدَ وُجُوبًا، لِئَلَّا يَطْمَعَ بِهِمْ الْعَدُوُّ. (وَلَا يُقِيمُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ بِلَا أَمِيرٍ وَلَا يُؤَخَّرُ جِهَادٌ، لِعَدَمِ إمَامٍ)، لِئَلَّا يَسْتَوْلِيَ الْعَدُوُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَتَظْهَرَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ. (فَإِنْ حَصَلَتْ غَنِيمَةٌ قَسَمُوهَا عَلَى مُوجِبِ الشَّرْعِ)، كَمَا يُقَسِّمُهَا الْإِمَامُ عَلَى مَا يَأْتِي (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (وَتُؤَخَّرُ قِسْمَةُ الْإِمَاءِ حَتَّى يَقُومَ إمَامٌ)، فَيُقَسِّمُهَا (احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ، وَمَنْ أَخَذَ) مِنْ الْجَيْشِ أَوْ أَتْبَاعِهِ (مِنْ دَارِ حَرْبٍ رِكَازًا أَوْ مُبَاحًا لَهُ قِيمَةٌ) فِي مَكَانِهِ (ف) هُوَ (غَنِيمَةٌ)، لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي جَوَيْرِيَةَ الْجَرْمِيِّ، قَالَ: «لَقِيت بِأَرْضِ الرُّومِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فِي إمْرَةِ مُعَاوِيَةَ، وَعَلَيْنَا مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطَى رَجُلًا مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا نَفَلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ، لَأَعْطَيْتُك، ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ عَلَيَّ مِنْ نَصِيبِهِ فَأَبَيْت» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَتُهُ هُنَاكَ كَالْأَقْلَامِ وَالْمِسَنِّ، فَلِآخِذِهِ، وَلَوْ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِنَقْلِهِ وَمُعَالَجَتِهِ.
(وَ) مَنْ أَخَذَ (طَعَامًا وَلَوْ سُكَّرًا وَنَحْوَهُ) كَحَلْوَى وَمَعَاجِينَ، (أَوْ) أَخَذَ (عَلَفًا وَلَوْ بِلَا إذْنِ) أَمِيرٍ، (وَ) لَا (حَاجَةَ، فَلَهُ أَكْلُهُ، وَلَهُ إطْعَامُ سَبِيٍّ اشْتَرَاهُ وَنَحْوُهُ) كَعَبْدِهِ وَغُلَامِهِ، (وَ) لَهُ (عَلَفُ دَابَّتِهِ وَلَوْ) كَانَتْ (لِتِجَارَةٍ)، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ» رَوَاه سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد وَلِسَعِيدٍ: أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ إنَّا أَصَبْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْغَلَّةِ، وَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ: دَعْ النَّاسَ يَعْلِفُونَ وَيَأْكُلُونَ، فَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِيهِ خُمُسُ اللَّهِ، وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ و(لَا) يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْلِفَ مِنْهُ دَابَّةً (لِصَيْدٍ كَفَهْدٍ وَجَارِحٍ)، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيَرُدُّ فَاضِلًا) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ، (وَلَوْ) كَانَ (يَسِيرًا)، لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، (وَ) يَرُدُّ (ثَمَنَ مَا بَاعَ) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ لِلْخَبَرِ، (وَيَجُوزُ قِتَالٌ بِسِلَاحٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَيَرُدُّهُ) مَعَ حَاجَةٍ وَعَدَمِهَا، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: انْتَهَيْت إلَى أَبِي جَهْلٍ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِعِظَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. و(لَا) يَجُوزُ الْقِتَالُ (عَلَى فَرَسٍ) أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ، (وَلَا لِبْسُ ثَوْبٍ مِنْهَا)، لِحَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ» رَوَاه سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ عُرْضَةٌ لِلْعَطَبِ غَالِبًا، وَقِيمَتُهَا كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ السِّلَاحِ (وَلَا) يَجُوزُ لِأَحَدٍ (أَخْذُ شَيْءٍ مُطْلَقًا) مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي دَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ (مِمَّا أُحْرِزَ) مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ الْأَخْذُ قَبْلَ جَمْعِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدُ، فَأَشْبَهَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ نَحْوِ حَشِيشٍ وَحَطَبٍ فَإِذَا جُمِعَ ثَبَتَ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُ شَيْءٍ (وَكَّلَ بِهِ إمَامٌ مَنْ يَحْفَظُهُ)، لِأَنَّهُ صَارَ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَمَّ مِلْكُهُمْ عَلَيْهِ بِحِيَازَةِ مَنْ وَكَّلَهُ الْإِمَامُ. (وَلَا) تَجُوزُ (التَّضْحِيَةُ بِشَيْءٍ) يَجِبُ (فِيهِ الْخُمْسُ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ، (أَوْ)، أَيْ: لَا يَجُوزُ (غَسْلُ ثَوْبٍ بِصَابُونٍ)، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ، فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ فِي الْمَغْنَمِ، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا يَجُوزُ (اتِّخَاذُ نَعْلٍ وَنَحْوِهِ) كَجِرَبِ (مِنْ جُلُودِ) الدَّوَابِّ الْمَغْنُومَةِ، وَلَا خُيُوطٍ وَحِبَالٍ بَلْ يُرَدُّ فِي الْمَغْنَمِ، (وَلَهُ)، أَيْ: الْمُسْلِمِ (لِحَاجَةِ دَهْنِ بَدَنِهِ وَدَابَّتِهِ) بِدُهْنٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ (وَ) لَهُ (شُرْبُ شَرَابٍ كَجُلَّابٍ وسكنجبيل) لِحَاجَةٍ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الطَّعَامِ. (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ) مِمَّا أَخَذَهُ (لَهُ)، لِأَنَّهُ أُعْطِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَنَةِ وَالنَّفَقَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ، كَمَا لَوْ وَصَّى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ بِأَلْفٍ، (وَإِلَّا) يَكُنْ أَخْذُهُ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ يُصْرَفُ (فِي الْغَزْوِ)، لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْجَمِيعَ لِيَصْرِفَهُ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ، فَلَزِمَ إنْفَاقُهُ فِيهَا، كَوَصِيَّةِ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ، وَلَا يَتْرُكُ لِأَهْلِهِ شَيْئًا مِمَّا أُعْطِيهِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْغَزْوِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى رَأْسِ مَغْزَاهُ، فَيَبْعَثَ إلَى عِيَالِهِ مِنْهُ. (وَإِنْ أَخَذَ دَابَّةً غَيْرَ عَارِيَّةٍ وَ) لَا (حَبِيسٍ لِغَزْوِهِ عَلَيْهَا مَلَكَهَا بِهِ)، أَيْ: بِالْغَزْوِ عَلَيْهَا، لِحَدِيثِ عُمَرَ: «حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مَا بَاعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذُهُ مِنْ عُمَرَ فَيُقِيمُهُ لِلْبَيْعِ، فِي الْحَالِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَقَامَهُ لِلْبَيْعِ بَعْدَ غَزْوِهِ عَلَيْهِ، أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، فَإِنْ لَمْ يَغْزُ رَدَّهَا وَمَعْنَى أَضَاعَهُ: أَهْزَلَهُ. (وَمِثْلُهَا): الدَّابَّةُ (سِلَاحٌ وَتُرْسٌ وَنَفَقَةٌ) أُعْطِيَ ذَلِكَ لِيَغْزُوَ بِهِ، (فَيَمْلِكُ أَخْذَهُ) بِالْغَزْوِ، فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْغَزْوِ لِغَيْرِ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ، فَلَا بَأْسَ. (وَلَا تُرْكَبُ دَوَابُّ السَّبِيلِ فِي حَاجَةِ) نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا لَمْ تُسْبَلْ لِذَلِكَ، (بَلْ) تُرْكَبُ وَتُسْتَعْمَلُ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) تَعَالَى لِأَنَّهَا سُبِّلَتْ لِذَلِكَ، أَوْ تُرْكَبُ لِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا؛ لِأَنَّهُ لِحَاجَتِهَا، (وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ) مُسْتَوْفَى وَسَهْمُ الْفَرَسِ الْحَبِيسِ كَمَنْ غَزَا عَلَيْهِ يُعْطِي مِنْهُ نَفَقَتَهُ وَالْبَاقِي لَهُ.

.(بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ):

يُقَالُ: غَنِمَ فُلَانٌ الْغَنِيمَةَ يَغْنَمُهَا، وَاشْتِقَاقُهُمَا مِنْ الْغُنْمِ، وَأَصْلُهُ: الرِّبْحُ وَالْفَضْلُ، وَالْمَغْنَمُ مُرَادِفٌ لِلْغَنِيمَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} وَقَدْ اُشْتُهِرَ وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ الْغَنَائِمَ وَكَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ} الْآيَةَ، ثُمَّ صَارَتْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ، وَخُمُسُهَا لِغَيْرِهِمْ، (وَخُصَّتْ بِهَا)، أَيْ: الْغَنِيمَةِ، (هَذِهِ الْأُمَّةُ) دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأُمَمِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ غَيْرَكُمْ، كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ تَأْكُلُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَهِيَ)، أَيْ: الْغَنِيمَةُ: (مَا أُخِذَ مِنْ مَالٍ حَرْبِيٍّ) خَرَجَ بِهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ وَنَحْوِهِ (قَهْرًا بِقِتَالٍ) خَرَجَ بِهِ مَا جَلَوْا، (وَتَرَكُوهُ) فَزَعًا وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ الْعُشْرِ إذَا اتَّجَرُوا إلَيْنَا وَنَحْوُهُ. (وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِمَّا أُخِذَ) مِنْ (فِدْيَةِ) أَسْرَى (أَوْ هَدِيَّةٍ لِلْأَمِيرِ أَوْ بَعْضِ قُوَّادِهِ بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ) الْغَانِمِينَ (بِدَارِ حَرْبٍ وَ)، أَمَّا الْحَاصِلُ لِلْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْهَدَايَا (بِدَارِنَا) فَهُوَ (لِمُهْدَى لَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَيَمْلِكُ أَهْلُ حَرْبِ مَا لَنَا بِقَهْرٍ) حَتَّى عَبْدَ مُسْلِمٍ، لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ مَالَ الْكَافِرِ، فَكَذَا عَكْسُهُ، كَالْبَيْعِ، وَكَمَا يَمْلِكُ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّوَابُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ (مِلْكًا مُقَيَّدًا لَا يُسَاوِي أَمْلَاك الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى) لِأَنَّ مَالَ الْمُسْلِمِ إذَا أَدْرَكَهُ يَأْخُذُهُ إمَّا مَجَّانًا أَوْ بِالثَّمَنِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي، فَيَمْلِكُ أَهْلُ حَرْبٍ مَا أَخَذُوهُ مِنَّا قَهْرًا، (وَلَوْ اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهُ)، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ (أَوْ)، أَيْ: وَيَمْلِكُونَ مَا (شَرَدَ) إلَيْهِمْ مِنْ دَوَابِّنَا (أَوْ أَبَقَ) إلَيْهِمْ مِنْ رَقِيقِنَا (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ الْآبِقُ (قِنًّا مُسْلِمًا)، فَيَمْلِكُونَهُ، لِأَنَّهُ مَالٌ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ أَلْقَتْهُ رِيحٌ إلَيْهِمْ) مِنْ سُفُنِنَا، (أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) لِمُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ، لِأَنَّهُمَا يُضَمَّنَانِ إلَيْهِمْ مِنْ سُفُنِنَا، (أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) لِمُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ، لِأَنَّهُمَا يُضَمَّنَانِ بِقِيمَتِهِمَا عَلَى مُتْلِفِهِمَا، فَمَلَكُوهُ كَالْقِنِّ، (وَ) مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكِهِمْ مَالَ الْمُسْلِمِ بِأَخْذِهِ أَنَّهُ (يَنْفَسِخُ بِهِ)، أَيْ: بِاسْتِيلَاءِ أَهْلِ حَرْبٍ (نِكَاحُ أَمَةٍ) مُزَوَّجَةٍ اسْتَوْلُوا عَلَيْهَا وَحْدَهَا لِمِلْكِهِمْ رَقَبَتَهَا وَمَنَافِعَهَا، وَكَنِكَاحِ كَافِرَةٍ سُبِيَتْ وَحْدَهَا.
(وَ) مِنْهُ (لَوْ بَقِيَ مَالُ مُسْلِمٍ مَعَهُمْ)، أَيْ: الْحَرْبِيِّينَ حَوْلًا (أَوْ أَحْوَالًا، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ)، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُسْلِمِ، (أَوْ كَانَ) مَا أَخَذُوهُ (عَبْدًا) أَوْ أَمَةً، (فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يُعْتَقْ)، لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لَا يَمْلِكُهُ، (أَوْ كَانَتْ) الْمَأْخُوذَةُ (أَمَةً) وَطِئَهَا سَيِّدُهَا، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ، (فَلَهُ)، أَيْ: سَيِّدِهَا (وَطْءُ) أُخْتٍ لَهَا (بَاقِيَةٍ) فِي مِلْكِهِ، لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَأْخُوذَةِ (أَوْ أَسْلَمَ مَنْ)، أَيْ: حَرْبِيٌّ (بِيَدِهِ) مَالٌ لِمُسْلِمٍ، فَهُوَ لَهُ نَصًّا، لِحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ»، قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَإِذَا أَسْلَمُوا وَفِي أَيْدِيهِمْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ لَهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: لَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ. (أَوْ جَاءَنَا) حَرْبِيٌّ (بِأَمَانٍ) وَفِي يَدِهِ مَالُ مُسْلِمٍ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ قَهْرًا، (فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بِسَبَبِهِ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ، (وَلَا يَمْلِكُونَ) حَبِيسًا وَلَا (وَقْفًا)، عَبْدًا كَانَ أَوْ دَابَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ. (وَلَا يَضْمَنُ) أَهْلُ حَرْبٍ (مَا) أَتْلَفُوهُ مِمَّا (اسْتَوْلُوا عَلَيْهِ) مِنْ أَمْوَالِنَا (مُطْلَقًا)، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ وَقْفًا أَوْ مِلْكًا بِالْإِجْمَاعِ، (وَيُعْمَلُ) بِوَسْمٍ عَلَى حَبِيسٍ، لِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، كَمَا يُعْمَلُ (بِقَوْلِ مَأْسُورٍ) اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْآنَ (هُوَ مِلْكُ فُلَانٍ وَيُرَدُّ لَهُ) إذَا عَرَفَهُ وَلَا يُقْسَمُ نَصًّا، وَكَذَا أُصِيبَ مَرْكَبٌ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فِيهَا نَوَاتِيَّةٌ، وَقَالُوا: هَذَا لِفُلَانٍ، وَهَذَا لِفُلَانٍ، قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا قَدْ عُرِفَ صَاحِبُهُ لَا يُقْسَمُ (وَلَا) يَمْلِكُونَ (حُرًّا وَلَوْ ذِمِّيًّا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ، وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ بِحَالٍ، فَإِذَا قَدَرَ الْمُسْلِمُونَ بَعْد ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَجَبَ رَدُّهُمْ إلَى ذِمَّتِهِمْ، وَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُمْ، لِأَنَّ ذِمَّتَهُمْ بَاقِيَةٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مَا يُوجِبُ نَقْضَهَا (وَيَلْزَمُ فِدَاؤُهُ)، أَيْ: الذِّمِّيِّ مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ اسْتَوْلُوا عَلَيْهِ، (ك) مَا يَلْزَمُ فِدَاءُ (مُسْلِمٍ وَلَا) يَجُوزُ (فِدَاءُ) أَسِيرٍ (بِخَيْلٍ وَلَا سِلَاحٍ)، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، (وَلَا) فِدَاءُ (بِمُكَاتَبٍ وَ) لَا (أُمِّ وَلَدٍ) وَلَوْ كَافِرَيْنِ، لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا. (وَلِمُشْتَرٍ أَسِيرًا) مِنْ كَافِرٍ (رُجُوعٌ) عَلَى الْأَسِيرِ (بِثَمَنِهِ بِنِيَّةٍ)، أَيْ: نِيَّةِ رُجُوعٍ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَصَابَ رَقِيقَهُ وَمَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَ مَا انْقَسَمَ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَأَيُّمَا حُرٍّ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ إلَيْهِمْ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُشْتَرَى، وَلِأَنَّ الْأَسِيرَ يَلْزَمُهُ فِدَاءُ نَفْسِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ حُكْمِ الْكُفَّارِ، فَإِذَا نَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ عَنْهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (فَيُقْبَلُ قَوْلُ أَسِيرٍ فِي قَدْرِهِ)، لِأَنَّهُ غَارِمٌ مُنْكِرٌ لِلزَّائِدِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ (وَإِنْ أُخِذَ مِنْهُمْ)، أَيْ: أَهْلِ حَرْبٍ (مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ) مَالُ (مُعَاهِدٍ) ذِمِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ اسْتَوْلُوا عَلَيْهِ (مَجَّانًا)، أَيْ: بِلَا عِوَضٍ، (وَلَوْ بِسَرِقَةٍ) وَعُرِفَ رَبُّهُ، (فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ) إنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ قِسْمَةٍ (مَجَّانًا)، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ عَبْدًا لَهُ أَبَقَ إلَى الْعَدُوِّ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ابْنِ عُمَرَ» وَعَنْهُ قَالَ: «ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَهَا الْعَدُوُّ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهمَا أَبُو دَاوُد وَلِقَوْلِ عُمَرَ: مَنْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ. (وَلَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَبِّهِ) وَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، لِأَنَّ قِسْمَتَهُ كَانَتْ بَاطِلَةً مِنْ أَصْلِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُقْسَمْ (وَ) إنْ أُخِذَ مِنْهُمْ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهِدٍ (بِشِرَاءٍ أَوْ) قِتَالٍ وَأَدْرَكَهُ رَبُّهُ (بَعْدَ قِسْمَتِهِ غَنِيمَةً فَهُوَ)، أَيْ: رَبُّهُ، (أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابُوهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ أَصَبْتَهُ قَبْلَ أَنْ نُقْسِمَهُ فَهُوَ لَك، وَإِنْ أَصَبْتَهُ بَعْدَ مَا قُسِمَ أَخَذْتَهُ بِالْقِيمَةِ» وَلِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى ضَيَاعِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَحِرْمَانِ أَخْذِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَحَقُّهَا يَنْجَبِرُ بِالثَّمَنِ، فَرُجُوعُ صَاحِبِ الْمَالِ فِي عَيْنِ مَالِهِ بِثَمَنِهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ كَأَخْذِ الشَّخْصِ بِالشُّفْعَةِ، (وَلَوْ بَاعَهُ)، أَيْ: مَالَ الْمُسْلِمِ أَوْ الْمُعَاهِدِ أَوْ أَخَذَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ، لَزِمَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ، لِصُدُورِهِ مِنْ مَالِكٍ فِي مِلْكِهِ، (وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ) مَجَّانًا إنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ كُفَّارٍ مَجَّانًا، وَبِثَمَنِهِ إنْ كَانَ أَخَذَ مِنْهُمْ بِشِرَاءٍ أَوْ بَعْدَ قِسْمَةٍ (مِنْ آخَرَ مُشْتَرٍ وَ) آخَرَ (مُتَّهِبٍ) كَأَوَّلٍ أَخْذٍ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَمْنَعُ الصَّرْفَ كَالشُّفْعَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ (مَا وُقِفَ أَوْ عَتَقَ) لِمَنْعِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهِ، وَقِيَاسُهُ: لَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَخَذَهَا. وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُمْ، أَيْ: مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً مُزَوَّجَةً أَوْ أَخَذَ مِنْهُمْ أُمَّ وَلَدٍ؛ رُدَّتْ الْحُرَّةُ الْمُزَوَّجَةُ لِزَوْجِهَا، وَرُدَّتْ أُمُّ الْوَلَدِ لِسَيِّدِهَا، (وَيَلْزَمُ سَيِّدًا أَخْذُهَا) قَبْلَ قِسْمَةٍ مَجَّانًا، وَبَعْدَ قِسْمَةٍ بِثَمَنِهَا، وَلَا يَدَعْهَا يَسْتَحِلُّ فَرْجَهَا مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ وَوَلَدُهُمَا، أَيْ: الْحُرَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مِنْهُمْ، أَيْ: الْحَرْبِيَّيْنِ، كَوَلَدِ زِنَا، وَوَلَدِ مُلَاعَنَةٍ، لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، وَإِنْ أَبَى وَلَدُهَا مِنْهُمْ الْإِسْلَامَ (ضُرِبَ وَحُبِسَ حَتَّى يُسْلِمَ وَيَتُوبَ مِنْ كُفْرِهِ)، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ كَمَفْقُودِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَلَا يُقْتَلُ، وَإِنْ هَذَا)، أَيْ: عُدِمَ قَتْلُهُ (إذَا كَانَتَا)، أَيْ: الْحُرَّةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ (كَافِرَتَيْنِ)، لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ كَافِرٍ وَكَافِرَةٍ، وَمَا دَامَا فِي الْحَيَاةِ فَهُوَ تَبَعٌ لَهُمَا، (إلَّا) بِأَنْ كَانَتَا مُسْلِمَتَيْنِ (فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ) تَبَعًا لِأُمِّهِ، فَلَا يُقِرُّ عَلَى الْكُفْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَصْلٌ): [تُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِالاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا]:

(وَتُمْلَكُ غَنِيمَةٌ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهَا) وَلَوْ (بِدَارِ حَرْبٍ) نَصًّا، لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ التَّامَّ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَقَدْ وُجِدَ لِثُبُوتِ أَيْدِينَا عَلَيْهَا حَقِيقَةً، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْكُفَّارِ قَدْ زَالَ عَنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُمْ فِي الْعَبِيدِ الَّذِينَ حَصَلُوا فِي الْغَنِيمَةِ، وَالْمِلْكُ لَا يَزُولُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ (كَعِتْقِ عَبْدٍ حَرْبِيٍّ) أَسْلَمَ و(لَحِقَ بِنَا)، يَعْنِي: وَيَدُلُّ عَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْحَرْبِيِّ بِالْقَهْرِ أَنَّ عَبْدَ الْحَرْبِيِّ لَمَّا قَهَرَهُ بِإِسْلَامِهِ وَلُحُوقِهِ بِنَا صَارَ حُرًّا، (وَفِي الْمُنْتَهَى هُنَا نَظَرٌ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَالَ هُنَا: كَعِتْقِ عَبْدٍ حَرْبِيٍّ، وَإِبَانَةِ زَوْجَةٍ أَسْلَمَا، وَلَحِقَا بِنَا فَقَيَّدَ الْعِتْقَ وَالْإِبَانَةَ عَلَى حُصُولِ أَمْرَيْنِ الْإِسْلَامِ وَاللُّحُوقِ بِنَا، مَعَ أَنَّهُ أَسْلَفَ قَبْلُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْحَبِيسَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ خَرَجَ عَبْدٌ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، أَوْ نَزَلَ مِنْ حِصْنٍ، فَهُوَ حُرٌّ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِإِسْلَامٍ بَلْ صَرَّحَ بِحُصُولِهِ بِالْأَمَانِ، وَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْكُفَّارِ أَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَبِينُ بِمُجَرَّدِ لُحُوقِهَا بِدَارِنَا، أَيْ: مَا لَمْ تُنْقَضْ عِدَّتُهَا قَبْلَ إسْلَامِ زَوْجِهَا، فَيَكُونُ مَا فِي الْمُنْتَهَى هُنَا مَخْرَجٌ عَلَى ضَعِيفٍ. (وَيَجُوزُ قِسْمَتُهَا)، أَيْ: الْغَنِيمَةِ (فِيهَا)، أَيْ: دَارِ الْحَرْبِ، لِمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ، إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَبِيعُونَ غَنَائِمَهُمْ، وَيُقَسِّمُونَهَا فِي أَرْضِ عَدُوِّهِمْ، «وَلَمْ يَقْفُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ قَطُّ أَصَابَ فِيهَا غَنِيمَةً إلَّا خَمَّسَهُ، وَقَسَمَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْفُلَ، مِنْ ذَلِكَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَحُنَيْنٍ».
(وَ) يَجُوزُ (بَيْعُهَا)، أَيْ: الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا، (فَلَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا)، أَيْ: الْغَنِيمَةِ، (عَدُوٌّ) بَعْدَ أَنْ تَبَايَعُوهَا (بِمَكَانِهَا)، فَأَخَذَهَا مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ، (ف) هِيَ (مِنْ) ضَمَانِ (مُشْتَرٍ)، سَوَاءٌ فَرَّطَ أَوْ لَا، لِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَهَذَا نَمَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي، فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَقْبُوضٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بِيعَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (وَشِرَاءُ الْأَمِيرِ مِنْهَا)، أَيْ: الْغَنِيمَةِ، (لِنَفْسِهِ إنْ وَكَّلَ مَنْ جُهِلَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ)، أَيْ: الْأَمِيرُ فِي الشِّرَاءِ مِنْهَا، (صَحَّ) شِرَاؤُهُ لَهُ، لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الْمُحَابَاةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ وَكَّلَهُ الْأَمِيرُ فِي بَيْعِ الْغَنِيمَةِ، وَفِي الشِّرَاءِ مِنْهَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَلَا لِلْأَمِيرِ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي نَصِّ الْأَمَامِ، قَالَ: لَا يَجُوزُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَغْنَمِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، لِأَنَّهُ يُحَابِي، وَلِأَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ وَكِيلِ نَفْسِهِ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ، (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ، (حَرُمَ) الشِّرَاءُ نَصًّا. (وَيَتَّجِهُ: وَلَمْ يَصِحَّ)، لِأَنَّ عُمَرَ رَدَّ مَا اشْتَرَاهُ ابْنُهُ فِي غَزْوَةِ جَلُولَاءَ، وَقَالَ: إنَّهُ يُحَابِي. احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ، وَأَنَّ ابْنَ الْأَمِيرِ مِثْلُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُضَمُّ غَنِيمَةُ سَرَايَا الْجَيْشِ إلَى غَنِيمَتِهِ) أَيْ: الْجَيْشِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَتُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعَدَتِهِمْ» وَ«فِي تَنْفِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُدَاءَةِ الرُّبْعُ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثُ» دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ نَفَّدَ الْإِمَامُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ جَيْشَيْنِ، أَوْ سَرِيَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ انْفَرَدَ كُلٌّ بِمَا غَنِمَهُ، لِانْفِرَادِهِ بِالْجِهَادِ، بِخِلَافِ الْمَبْعُوثِينَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ. (وَيَبْدَأُ فِي قَسْمٍ بِدَفْعِ سَلَبٍ) لِأَنَّ السَّلَبَ يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ غَيْرَ مَخْمُوسٍ، فَإِنْ كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، دُفِعَ إلَيْهِ إنْ عُرِفَ (ثُمَّ بِأُجْرَةِ جَمْعِ) غَنِيمَةٍ (وَحَمْلِهَا وَحِفْظِ) هَا، لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَتِهَا، كَعَلَفِ دَوَابِّهَا، (وَ) دَفْعِ (جُعْلِ مَنْ دَلَّ عَلَى مَصْلَحَةٍ) مِنْ مَاءٍ أَوْ قَلْعَةٍ أَوْ ثُغْرَةٍ يَدْخُلُ مِنْهَا إلَى حِصْنٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّلَبِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ، قُلْت: هَذَا مِنْ النَّفْلِ، فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْخُمُسِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَيَأْتِي. (ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِي) عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، (ثُمَّ) يُخَمِّسُ (خُمُسَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ)، مِنْهَا: (سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَصْرِفُهُ كَالْفَيْءِ) فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهَا. (وَكَانَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ خُصَّ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- (مِنْ الْمَغْنَمِ بِالصَّفِيِّ، وَهُوَ)، أَيْ: الصَّفِيُّ: (مَا يَخْتَارُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَبْلَ قِسْمَةِ) غَنِيمَةٍ مِنْهَا (كَجَارِيَةٍ وَثَوْبٍ وَسَيْفٍ)، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ قَيْسٍ: إنَّكُمْ إنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ، وَأَدَّيْتُمْ الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَسَهْمِ الصَّفِيِّ، إنَّكُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «وَأَنْ تُعْطُوا سَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفِيَّ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ، وَانْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَأْخُذُوهُ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَا يُجْمِعُونَ إلَّا عَلَى الْحَقِّ (وَسَهْمٍ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ) دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: «لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، أَتَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ، فَلَمْ نُنْكِرْ فَضْلَهُمْ، لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ، أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ: إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. (حَيْثُ كَانُوا)، أَيْ: بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْقَرَابَةِ، أَشْبَهَ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ، (غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ)، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِذِي الْقُرْبَى}, «وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي أَقَارِبَهُ كُلَّهُمْ، وَفِيهِمْ الْغَنِيُّ كَالْعَبَّاسِ» (وَلَا شَيْءَ لِمَوَالِيهِمْ)، لِأَنَّهُ لَيْسُوا مِنْهُمْ، (وَ) لَا (أَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ) مِنْ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْفَعْ لِأَقَارِبِ أُمِّهِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَلَا إلَى بَنِي عَمَّاتِهِ كَالزُّبَيْرِ، (وَلَا) شَيْءَ (لِبَاقِي قُرَيْشٍ)، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَسَهْمٍ لِفُقَرَاءِ الْيَتَامَى، وَهُمْ)، أَيْ: الْيَتَامَى: (مَنْ لَا أَبَ لَهُ)، أَيْ: مَاتَ أَبُوهُ، (وَلَمْ يَبْلُغْ)، لِحَدِيثِ: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» وَاعْتُبِرَ فَقْرُهُمْ، لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ لِحَاجَتِهِمْ، وَلِأَنَّ وُجُودَ الْمَالِ أَنْفَعُ مِنْ وُجُودِ الْأَبِ (وَلَوْ جَهِلَ بَقَاءَ أَبِيهِ)، فَلَا يُعْطَى لِصِفَةِ الْيُتْمِ، (إذْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ)، أَيْ: أَبِيهِ، (وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ)، أَيْ: أَهْلِ الْحَاجَةِ، (وَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْفُقَرَاءُ، فَهُمْ)، أَيْ: الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، (صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، إلَّا) فِي (الزَّكَاةِ)، فَهُمْ صِنْفَانِ، وَتَقَدَّمَ. (وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءٍ السَّبِيلِ، فَيُعْطَى الْجَمِيعُ) مِنْ الْخُمُسِ (كَزَكَاةٍ)، فَيُعْطَى الْمِسْكِينُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ مَعَ عَائِلَتِهِ سَنَةً، وَكَذَا الْيَتِيمُ، وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ مَا يُوصِلُهُ إلَى بَلَدِهِ (بِشَرْطِ إسْلَامِ الْكُلِّ)، لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ، فَلَا حَقَّ لِكَافِرٍ فِيهِ كَزَكَاةٍ، وَلَا لِقِنٍّ، (وَيَعُمُّ بِذَلِكَ مَنْ يَجْمَعُ الْبِلَادَ) مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ (حَسَبَ الطَّاقَةِ)، فَيَبْعَثُ الْإِمَامُ إلَى عُمَّالِهِ بِالْأَقَالِيمِ، وَيَنْظُرُ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ اسْتَوَتْ فَرَّقَ كُلَّ خُمُسٍ فِيمَا قَارَبَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَمَرَ بِحَمْلِ الْفَضْلِ، فَيُدْفَعُ لِمُسْتَحِقِّهِ كَمِيرَاثٍ. (فَإِنْ لَمْ تَأْخُذْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) سَهْمَهُمْ، (رُدَّ فِي كُرَاعٍ، وَهُوَ: الْخَيْلُ وَ) فِي (سِلَاحٍ) عِدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. (وَمَنْ فِيهِ) مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْخُمُسِ (سَبَبَانِ فَأَكْثَرُ، كَابْنِ سَبِيلٍ مِسْكِينٍ يَتِيمٍ أَخَذَ بِهَا)، لِأَنَّهَا أَسْبَابُ أَحْكَامٍ، فَوَجَبَ ثُبُوتُ أَحْكَامِهَا، كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ، (لَكِنْ لَوْ أَخَذَ لِيُتْمِهِ، فَزَالَ فَقْرُهُ) بِأَنْ اسْتَغْنَى بِمَا أُعْطِيهِ لِيُتْمِهِ، (لَمْ يُعْطَ لِفَقْرِهِ) شَيْئًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فَقِيرًا، (ثُمَّ يَبْدَأُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ الْبَاقِيَةِ) لِلْغَانِمِينَ (بِنَفَلٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ، (وَهُوَ)، أَيْ: النَّفَلُ: (الزَّائِدُ عَلَى السَّهْمِ لِمَصْلَحَةٍ)، لِانْفِرَادِ بَعْضِ الْغَانِمِينَ بِهِ، فَقُدِّمَ عَلَى الْقِسْمَةِ كَالسَّلَبِ (كَعَمَلِ مَا فِيهِ غَنَاءٌ) لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ تَنَفَّلَ السَّرَايَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، (أَوْ) قَوْلِ الْأَمِيرِ (مَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ وَنَحْوِهِ، فَلَهُ كَذَا) أَوْ مَنْ طَلَعَ حِصْنًا أَوْ نَقَبَهُ، أَوْ دَلَّ عَلَى قَلْعَةٍ أَوْ مَاءٍ، فَلَهُ كَذَا، (ثُمَّ يَرْضَخُ) الْإِمَامُ، (وَهُوَ)، أَيْ: الرَّضْخُ: (عَطَاءٌ دُونَ السَّهْمِ) لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَيَرْضَخُ (لِمُمَيِّزٍ وَقِنٍّ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٍ عَلَى مَا يَرَاهُ إمَامٌ) أَوْ نَائِبُهُ (عَلَى قَدْرِ نَفْعِهِمْ)، فَيُفَضِّلُ الْمُقَاتِلَ وَذَا الْبَأْسِ، وَمَنْ تَسْقِي الْمَاءَ وَتُدَاوِي الْجَرْحَى عَلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، (إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ)، أَيْ: الرَّضْخُ (لِرَاجِلٍ سَهْمُ رَاجِلٍ وَلَا لِفَارِسٍ سَهْمُ فَارِسٍ)، لِئَلَّا يُسَاوِي مَنْ يُسْهَمُ لَهُ، (وَلِمُبَعَّضٍ بِالْحِسَابِ مِنْ رَضْخٍ وَإِسْهَامٍ) كَحَدٍّ، وَدِيَةٍ، وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّفَلَ وَالرَّضْخَ يَكُونُ إخْرَاجُهُمَا بَعْدَ إخْرَاجِ خُمْسِ الْغَنِيمَةِ، فَيَكُونَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي. شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ أَنَّ الرَّضْخَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَمْ نَرَهُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ كَذَلِكَ. (وَإِنْ غَزَا قِنٌّ عَلَى فَرَسِ سَيِّدِهِ رَضَخَ لَهُ)، أَيْ: الْقِنُّ، (وَقَسَمَ لَهَا)، أَيْ: الْفَرَسِ تَحْتَهُ، لِأَنَّ سَهْمَهَا لِمَالِكِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ فَرَسٌ أُخْرَى كَمَا لَوْ كَانَتَا مَعَ السَّيِّدِ (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ)، لِأَنَّهُ لَا سَهْمَ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي.
تَنْبِيهٌ:
الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ، وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَالْمَرْأَةِ، فَإِنْ انْكَشَفَ حَالُهُ قَبْلَ أَنْ تُقْضَى الْحَرْبُ وَالْقِسْمَةُ، أَوْ بَعْدَهُمَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ أُتِمَّ لَهُ سَهْمُ رَجُلٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ (وَإِنْ كَانَ الْغَانِمُ مَنْ يَرْضَخُ لَهُ فَقَطْ) كَعَبِيدٍ وَصِبْيَانٍ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، فَغَنِمُوا، أَخَذَ الْإِمَامُ خُمُسَهُ، وَمَا بَقِيَ لَهُمْ، لِعُمُومِ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الْآيَةَ. (فَهَلْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ، لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ)، لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا كَالْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ، (أَوْ) يُقَسَّمُ (عَلَى مَا يَرَاهُ إمَامٌ) مِنْ مُفَاضَلَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمْ رِجَالٌ أَحْرَارٌ؟ (احْتِمَالَانِ) أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ غَزَا جَمَاعَةٌ مِنْ كُفَّارٍ وَحْدَهُمْ فَغَنِمُوا)، فَغَنِيمَتُهُمْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ، وَحَيْثُ كَانَتْ لَهُمْ، (فَهَلْ يُؤْخَذُ خُمُسُ غَنِيمَتِهِمْ؟ احْتِمَالَانِ) مُتَسَاوِيَانِ، (ثُمَّ يُقَسَّمُ الْبَاقِي) بَعْدَ مَا سَبَقَ (بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، لِقَصْدِ قِتَالٍ) قَاتَلَ، أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ حَتَّى تُجَّارِ الْعَسْكَرِ، وَأُجَرَائِهِمْ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْقِتَالِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَاتِلِ رِدْءٌ لِلْمُقَاتِلِ وَيُسَهَّمُ لِخَيَّاطٍ وَخَبَّازٍ وَبَيْطَارٍ وَنَحْوهمْ حَضَرُوا، نَصًّا، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْتَعِدَّ لِلْقِتَالِ مِنْ تُجَّارٍ وَغَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا نَفْعَ فِيهِمْ، (أَوْ بَعَثَ فِي سَرِيَّةٍ أَوْ) بَعَثَ (لِمَصْلَحَةٍ كَرَسُولٍ وَدَلِيلٍ وَجَاسُوسٍ، وَمَنْ خَلَّفَهُ الْأَمِيرُ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ، وَغَزَا وَلَمْ يَمُرَّ) الْأَمِيرُ بِهِ فَيَرْجِعُ، لِأَنَّهُ فِي مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْإِسْهَامِ مِمَّنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ وَلَمْ يُقَاتِلْ (وَلَوْ مَعَ مَنْعِ غَرِيمٍ لَهُ أَوْ) مَنْعِ (أَبٍ) لَهُ، لِتَعَيُّنِ الْجِهَادِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ، وَلَا يُسَهَّمُ لِمَنْ (لَا يُمْكِنُهُ قِتَالٌ) لِمَرَضٍ (وَلَا لِدَابَّةٍ لَا يُمْكِنُهُ) قِتَالٌ (عَلَيْهَا لِمَرَضٍ) كَزَمَانَةٍ وَشَلَلٍ، لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْجِهَادِ، بِخِلَافِ حُمَّى يَسِيرَةٍ وَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَنَحْوِهِ، فَيُسَهَّمُ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَهْلِيَّتِهِ. و(لَا) يُسَهَّمُ (لِمُخْذِلٍ وَمُرْجِفٍ وَنَحْوِهِمَا) كَرَامٍ بَيْنَنَا بِفِتَنٍ، وَمُكَاتِبٍ بِأَخْبَارِنَا، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الدُّخُولِ مَعَ الْجَيْشِ، أَشْبَهَ الْفَرَسَ الْعَجِيفَ (وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ)، أَيْ: التَّخْذِيلَ وَالْإِرْجَافَ وَنَحْوَهُ، (وَقَاتَلَ) لِعِصْيَانِهِ (وَلَا يُرْضَخُ لَهُ)، أَيْ: الْمُخْذِلِ وَالْمُرْجِفِ وَنَحْوِهِ، (وَلَا) يُسَهَّمُ، وَلَا يُرْضَخُ (لِمَنْ نَهَاهُ الْأَمِيرُ أَنْ يَحْضُرَ) فَلَمْ يَنْتَهِ لِمُخَالَفَتِهِ، (وَ) لَا (كَافِرٍ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ)، أَيْ: الْأَمِيرَ، (وَ) لَا (عَبْدٍ لَمْ يَأْذَنْ) لَهُ (سَيِّدُهُ) فِي غَزْوٍ لِعِصْيَانِهِمَا، (و) لَا (طِفْلٍ وَ) لَا (مَجْنُونٍ)، لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِمَا لِلْقِتَالِ، (وَ) لَا (مَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ) كَافِرَيْنِ لِعِصْيَانِهِ. فَيُقَسَّمُ (لِلرَّاجِلِ وَلَوْ) كَانَ (كَافِرًا سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ عَلَى فَرَسٍ عَرَبِيٍّ، وَيُسَمَّى: الْعَتِيقُ، ثَلَاثَةُ) أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: «لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْهَمَ هَكَذَا لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا»، (وَ) لِلْفَارِسِ (عَلَى فَرَسٍ هَجِينٍ، وَهُوَ مَا أَبُوهُ فَقَطْ عَرَبِيٌّ، أَوْ) عَلَى فَرَسٍ (مُقْرِفٍ عَكْسُ الْهَجِينِ)، وَهُوَ: مَا أُمُّهُ فَقَطْ عَرَبِيَّةٌ، (أَوْ) عَلَى فَرَسِ (بِرْذَوْنٍ، وَهُوَ: مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ، سَهْمَانِ): سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ، لِحَدِيثِ مَكْحُولٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْفَرَسَ الْعَرَبِيَّ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الْهَجِينَ سَهْمًا» رَوَاه أَبُو سَعِيدٍ، وَعَنْ عُمَرَ شَبَهُهُ. (وَإِنْ غَزَا اثْنَانِ عَلَى فَرَسِهِمَا، فَلَا بَأْسَ) بِهِ (وَسَهْمُهُ لَهُمَا) بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا فِيهِ كَسَائِرِ نَمَائِهِ، (وَسَهْمُ) فَرَسٍ (مَغْصُوبٍ) غَزَا عَلَيْهِ غَاصِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ (لِمَالِكِهِ) نَصًّا وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الرَّضْخِ، لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعَ مَالِكِهِ، وَلِأَنَّ سَهْمَهُ يُسْتَحَقُّ بِنَفْعِهِ، وَنَفْعُهُ لِمَالِكِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ لَهُ.
(وَ) سَهْمُ فَرَسٍ (مُعَارٍ وَمُسْتَأْجَرٍ وَحَبِيسٍ لِرَاكِبِهِ) إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْهَامِ، لِقِتَالِهِ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ لِنَفْعِ الْفَرَسِ، فَاسْتَحَقَّ سَهْمَهُ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَوْنُهُ حَبِيسًا لِأَنَّهُ حُبِسَ عَلَى مَنْ يَغْزُو عَلَيْهِ (وَيُعْطَى) رَاكِبُ حَبِيسٍ (نَفَقَةُ الْحَبِيسِ) مِنْ سَهْمِهِ، لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ (وَلَا يُسْهِمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ) مِنْ خَيْلِ الرَّجُلِ فَيُعْطَى صَاحِبُهُمَا خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمًا لَهُ، وَأَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ الْعَرَبِيِّينَ، لِحَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسْهِم لِلْخَيْلِ، وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِرَجُلٍ فَوْقَ فَرَسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَفْرَاسٍ» وَرَوَى مَعْنَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّ لِلْمُقَاتِلِ حَاجَةً إلَى الثَّانِي، لِأَنَّ إدَامَةَ رُكُوبِ فَرَسٍ وَاحِدٍ تُضْعِفُهُ، وَتَمْنَعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا زَادَ. (وَلَا شَيْءَ) مِنْ سَهْمٍ، وَلَا رَضْخٍ (لِغَيْرِ الْخَيْلِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِغَيْرِ الْخَيْلِ، وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعُونَ بَعِيرًا، وَلَمْ تَخْلُ غَزَاةٌ مِنْ غَزَوَاتِهِ مِنْ الْإِبِلِ، بَلْ هِيَ غَالِبُ دَوَابِّهِمْ، وَلَوْ أَسْهَمَ لَهَا لَنُقِلَ، وَكَذَا أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَلَيْهَا كَرٌّ وَلَا فَرٌّ.