فصل: (فَصْلٌ): (خروجُ مُعْتَكَفٍ لضرورةٍ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(كِتَابُ الِاعْتِكَافِ):

الِاعْتِكَافُ، لُغَةً: لُزُومُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْمَاضِي، وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ. وَشَرْعًا: (لُزُومُ مُسْلِمٍ، لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، عَاقِلٍ وَلَوْ كَانَ مُمَيَّزًا، مَسْجِدًا) مَفْعُولٌ: لُزُومِ. (وَلَوْ) كَانَ وَقْتُ اللُّزُومِ (سَاعَةً) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ (لِطَاعَةٍ)، مُتَعَلِّقٌ بِلُزُومٍ، (عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) يَأْتِي بَيَانُهَا. فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ، وَلَا مُحْدِثٍ حَدَثًا أَكْبَرَ، وَلَا غَيْرِ، عَاقِلٍ، وَلَا مِمَّنْ دُونَ تِسْعٍ، وَلَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، أَوْ بِغَيْرِ لَبْثٍ وَلَا بِلُزُومِ مَسْجِدٍ لِنَحْوِ صِنَاعَةٍ. وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي أَنَّهُ مَسْنُونٌ، (فَمَنْ نَذَرَ) اعْتِكَافًا (وَأَطْلَقَ)، فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمُدَّةٍ، (أَجْزَأَتْهُ سَاعَةٌ)، و(لَا) يَكْفِي (عُبُورُهُ) الْمَسْجِدَ مِنْ غَيْرِ لَبْثٍ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعْتَكِفًا. (وَسُنَّ أَنْ لَا يَنْقُصَ) الِاعْتِكَافُ (عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ يَقُولُ: أَقَلُّهُ ذَلِكَ، (وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهُ)، أَيْ: الِاعْتِكَافِ، (جِوَارًا)، لِقَوْلِ عَائِشَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهُ)، أَيْ: الِاعْتِكَافِ، (خَلْوَةً وَحَرَّمَهُ)، أَيْ: حَرَّمَ (ابْنُ هُبَيْرَةَ) أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ، فَقَالَ: هَذَا الِاعْتِكَافُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُسَمَّى خَلْوَةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إذَا مَا خَلَوْت الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ خَلَوْت وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ أَوْلَى، أَيْ: مِنْ التَّحْرِيمِ. (وَسُنَّ) الِاعْتِكَافُ (كُلَّ وَقْتٍ) إجْمَاعًا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ، وَاعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مَعَهُ وَبَعْدَهُ.
(وَ) هُوَ (بِرَمَضَانَ آكَدُ)، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَآكَدُهُ)، أَيْ: آكَدُ رَمَضَانَ (عَشْرُهُ الْأَخِيرُ)، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «كُنْت أُجَاوِرُ هَذَا الْعَشْرَ- يَعْنِي الْأَوْسَطَ- ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذَا الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَلْبَثْ فِي مُعْتَكَفِهِ» وَلِمَا فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. (وَيَجِبُ) اعْتِكَافٌ (بِنَذْرٍ)، لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ، فَلْيُطِعْهُ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. (وَإِنْ عَلَّقَ) نَذْرَ اعْتِكَافٍ (أَوْ غَيْرِهِ)، كَنَذْرِ صَوْمٍ أَوْ عِتْقٍ، (بِشَرْطِ، تَقَيُّدٍ بِهِ)، فَلَا يَلْزَمُ حَتَّى يُوجَدَ شَرْطُهُ، (ك) قَوْلِهِ: (لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ رَمَضَانَ إنْ كُنْت مُقِيمًا مَثَلًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) النَّاذِرُ (مُقِيمًا لَمْ يَلْزَمْهُ) الِاعْتِكَافُ، لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ. (وَيُجْزِئُ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ (بِلَا صَوْمٍ)، لِحَدِيثِ عُمَرَ، قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْفِ بِنَذْرِك» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا، لَمَا صَحَّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ لَا صَوْمَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَصِحُّ فِي اللَّيْلِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الصِّيَامُ كَالصَّلَاةِ وَكَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلِأَنَّ إيجَابَ الصَّوْمِ حُكْمٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ»، فَمَوْقُوفٌ عَلَيْهَا، وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ وَهِمَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ لَوْ صَحَّ، فَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِحْبَابُ، (إلَّا أَنْ يَقُولَ فِي نَذْرِهِ): لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ (بِصَوْمٍ)، فَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، (فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا)، لَزِمَهُ، (أَوْ) نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ (بِصَوْمٍ)، لَزِمَهُ الْجَمْعُ، (أَوْ) نَذَرَ (أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا)، لَزِمَهُ الْجَمْعُ، (أَوْ) نَذَرَ أَنْ يَصُومَ (بِاعْتِكَافٍ)، لَزِمَهُ الْجَمْعُ، (أَوْ) نَذَرَ أَنْ (يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا)، لَزِمَهُ الْجَمْعُ، (أَوْ) نَذَرَ أَنْ (يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا، لَزِمَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا)، أَيْ: بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصِّيَامِ أَوْ الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ: «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» وَقِسْ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ، فَلَزِمَتْهُ بِالنَّذْرِ كَالتَّتَابُعِ وَالْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ، و(كَنَذْرِ صَلَاةٍ بِسُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الْقُرْآنِ، فَلَوْ فَرَّقَ النَّذْرَ وَالصَّلَاةَ مَثَلًا، بِأَنْ صَلَّى فِي وَقْتٍ، وَاعْتَكَفَ فِي وَقْتٍ آخَرَ، لَمْ يُجْزِئْهُ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا مَثَلًا مُصَلِّيًا (صَلَاةَ جَمِيعِ زَمَنِ نَذْرِ) اعْتِكَافِهِ، (فَيُجْزِئُهُ رَكْعَتَانِ) فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) تُجْزِئُهُ (رَكْعَةٌ) وَاحِدَةٌ (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ يَكْفِيه رَكْعَةٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي بَابِ النَّذْرِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، فَقَالَ: وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً، فَرَكْعَتَانِ قَائِمًا لِقَادِرٍ، لَانَ الرَّكْعَةَ لَا تُجْزِئُ فِي الْفَرْضِ انْتَهَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُجْزِئُهُ)، أَيْ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ بِصَوْمٍ (اعْتِكَافٌ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ)، كَاعْتِكَافِهِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةٍ، إذْ لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ عَنْ وَاجِبَيْنِ. (وَيَتَّجِهُ): لَوْ نَذَرَ صَوْمًا (فِي اعْتِكَافٍ)، وَكَانَ نَذْرُهُ أَنْ يَصُومَ (بَعْضَ يَوْمٍ)، فَنَوَى الصِّيَامَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، ثُمَّ اعْتَكَفَ، (صِحَّةُ) فَاعِلُ يَتَّجِهُ (نِيَّةِ صَوْمٍ إذَنْ)، أَيْ: وَقْتَ إرَادَتِهِ الِاعْتِكَافِ، وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَتَى بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ يَأْبَى صِحَّةَ هَذِهِ النِّيَّةِ، لِاشْتِرَاطِهِمْ تَبْيِيتَهَا لِكُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ إنْ أَفْطَرَ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ (أَثْنَاءَ أَيَّامٍ) مَنْذُورٍ تَتَابُعُهَا، (اعْتَكَفَهَا) حَالَ كَوْنِهِ (صَائِمًا)، فَإِنَّهُ (يَسْتَأْنِفُ) اعْتِكَافَهَا صَائِمًا، لِقَطْعِهِ التَّتَابُعَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إيصَالُهُ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ الْأَخِيرُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ بِصَوْمٍ، فَأَفْطَرَ يَوْمًا، أَفْسَدَ تَتَابُعَهُ، وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ لِإِخْلَالِهِ بِالْإِتْيَانِ بِمَا نَذَرَهُ عَلَى صِفَتِهِ انْتَهَى.
(وَحَرُمَ اعْتِكَافُ زَوْجَةٍ وَقِنٍّ) وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ (بِلَا إذْنِ زَوْجٍ) لِزَوْجَتِهِ، (وَسَيِّدٍ) لِرَقِيقِهِ، لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لَهُمَا وَتَفُوتُ بِالِاعْتِكَافِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الشَّرْعِ، فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ، (وَلَهُمَا)، أَيْ: الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ (تَحْلِيلُهُمَا)، أَيْ: الزَّوْجَةِ وَالْقِنِّ (مِمَّا شَرَعَا فِيهِ) مِنْ اعْتِكَافٍ وَلَوْ مَنْذُورًا (بِلَا إذْنِ) زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، لِحَدِيثِ: «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا بِإِذْنِهِ» رَوَاه الْخَمْسَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ غَيْرِهِمَا إذَنْ، فَكَانَ لِرَبِّ الْحَقِّ الْمَنْعُ، (أَوْ) كَانَا شَرَعَا فِيهِ (بِهِ)، أَيْ: بِإِذْنِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ، (وَهُوَ)، أَيْ: مَا شَرَعَا فِيهِ (تَطَوُّعٌ)، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي الِاعْتِكَافِ، ثُمَّ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلْنَ» وَيُخَالِفُ الْحَجَّ، فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا مِنْ مَنْذُورٍ شَرَعَا فِيهِ بِالْإِذْنِ، (وَالْإِذْنُ) لِلزَّوْجَةِ وَالْقِنِّ (فِي عَقْدِ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ)، كَمَا لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ لَهُمَا فِي نَذْرِ اعْتِكَافِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، (إذَنْ) لَهُمَا (فِي فِعْلِهِ)، وَإِنْ أَذِنَا لَهُمَا فِي عَقْدٍ نَذْرٍ زَمَنًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَلَا يَكُونُ الْإِذْنُ فِي النَّذْرِ إذْنًا فِي الْفِعْلِ، لِأَنَّ زَمَنَ الشُّرُوعِ لَمْ يَقْتَضِهِ الْإِذْنُ السَّابِقُ. (وَإِنْ لَمْ يُحَلِّلَاهُمَا مِنْ نَذْرٍ) غَيْرِ مُعَيَّنٍ (خَالَفَا)، وَشَرَعَا (فِيهِ) بِغَيْرِ إذْنٍ، (صَحَّ وَأَجْزَأَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (مَعَ أَنَّهُ)، أَيْ: اعْتِكَافَهُمَا بِغَيْرِ إذْنٍ، (حَرَامٌ، فَلَعَلَّ الْحُرْمَةَ عَارِضَةٌ) لِحَقِّ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ، (وَلِمُكَاتَبٍ، لَا نَحْوُ أُمِّ وَلَدٍ) كَمُدَبَّرٍ، (اعْتِكَافٌ بِلَا إذْنِ) سَيِّدِهِ نَصًّا، لِمِلْكِهِ مَنَافِعَ نَفْسِهِ.
(وَ) لِمُكَاتَبٍ أَيْضًا (حَجٌّ) بِلَا إذْنٍ نَصًّا، كَاعْتِكَافٍ وَأَوْلَى، لِإِمْكَانِ التَّكَسُّبِ مَعَهُ، لَكِنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ، وَيَأْتِي، (مَا لَمْ يَحِلَّ) عَلَيْهِ (نَجْمٌ) فِي غَيْبَتِهِ مِنْ كِتَابَةٍ، فَإِنْ حَلَّ لَمْ يَحُجَّ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، (وَمُبَعَّضٌ كَقِنٍّ) كُلِّهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا فِي مَنَافِعِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، (إلَّا مَعَ مُهَايَأَةٍ) فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ (فِي نَوْبَتِهِ) بِلَا إذْنِ مَالِكِ بَعْضِهِ، (ف) إنَّهُ فِي نَوْبَتِهِ (كَحُرٍّ)، لِمِلْكِهِ اكْتِسَابَهُ وَمَنَافِعَهُ. (وَسُنَّ لِامْرَأَةٍ اسْتِتَارٌ بِخِبَاءٍ، وَنَحْوِهِ)، لِفِعْلِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (بِمَكَانٍ لَا يُصَلِّي بِهِ الرِّجَالُ)، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي التَّحَفُّظِ لَهَا، نَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيُضْرَبُ لَهُنَّ فِيهَا الْخِيَمُ. (وَلَا بَأْسَ بِهِ)، أَيْ: الْخِبَاءِ (لِرَجُلٍ)، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَخْفَى لِعَمَلِهِمْ.

.(فَصْلٌ): [شَرطُ النِّيَّةِ في الِاعْتِكَافِ]:

(وَشُرِطَ مَعَ مَا مَرَّ نِيَّةٌ)، لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». (وَيَجِبُ أَنْ يُعَيَّنَ نَذْرٌ بِهَا)، أَيْ: النِّيَّةِ، لِيَتَمَيَّزَ الْمَنْذُورُ عَنْ التَّطَوُّعِ.
(وَ) يَجِبُ (كَوْنُهُ)، أَيْ: الِاعْتِكَافِ (بِمَسْجِدٍ تُقَامُ بِهِ الْجَمَاعَةُ)، فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ بِلَا خِلَافٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فَلَوْ صَحَّ بِغَيْرِهَا لَمْ تَخْتَصَّ بِتَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ، إذْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُدْخِلُ رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَتُرَجِّلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةٍ، وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِمَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ، حِذَارًا مِنْ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ تَكَرُّرِ الْخُرُوجِ الْمُنَافِي لَهُ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، (وَلَوْ) كَانَتْ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ (مِنْ مُعْتَكِفِينَ)، لِانْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ بِهِمَا، فَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ (إنْ لَزِمَتْهُ) الْجَمَاعَةُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَعْذُورُ وَالصَّبِيُّ، وَمَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ لَا يُصَلِّي فِيهَا غَيْرُهُ، لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهِيَ مُنْقَضِيَةٌ هُنَا. (وَأَتَى عَلَيْهِ فِعْلُ صَلَاةٍ) زَمَنَ اعْتِكَافِهِ، (وَإِلَّا) تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ، (صَحَّ) اعْتِكَافُهُ (بِكُلِّ مَسْجِدٍ)، لِعُمُومِ الْآيَةِ، (ك) مَا يَصِحُّ اعْتِكَافٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ (مِنْ أُنْثَى)، لِمَا تَقَدَّمَ، (لَا بِمَسْجِدِ) بَيْتِهَا، (وَهُوَ مَا تَتَّخِذُهُ لِصَلَاتِهَا)، فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، (لِعَدَمِ صَوْنِهِ عَمَّا حَرُمَ) مِنْ نَجَاسَتِهِ، وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَجُنُبٍ، (وَتَسْمِيَتُهُ مَسْجِدًا مَجَازٌ)، وَمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، فَقَالَ: بِدْعَةٌ، وَأَبْغَضُ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْبِدَعُ.
تَنْبِيهٌ:
إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ تُقَامُ فِي مَسْجِدٍ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ دُونَ بَعْضٍ، جَازَ الِاعْتِكَافُ فِيهِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ فَقَطْ، دُونَ الزَّمَانِ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ: لَوْ نَذَرَ) مُكَلَّفٌ (أَنْ يَعْتَكِفَ بِبَيْتِهِ بِصَوْمٍ، لَزِمَهُ الصَّوْمُ لَا الِاعْتِكَافُ، لِفَقْدِ شَرْطِهِ)، أَيْ: الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ: كَوْنُهُ بِمَسْجِدٍ، (وَعَكْسِهِ) فِي لُزُومِ الِاعْتِكَافِ بِلَا صَوْمٍ: لَوْ نَذَرَ (أَنْ يَعْتَكِفَ) يَوْمَ (الْعِيدِ)، أَوْ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (صَائِمًا)، فَيَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ دُونَ الصَّوْمِ، لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا إلَّا عَنْ النُّسُكِ لِحَدِيثِ: «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، فَلَا يَعْصِهِ» (لَكِنْ يَقْضِي صَوْمَهُ)، أَيْ: الْيَوْمَ الْمَنْذُورَ، (وَيُكَفِّرُ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ، لِفَقْدِ الشَّرْطِ فِي الْأُولَى، وَفَوَاتِ الزَّمَنِ فِيهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمِنْ الْمَسْجِدِ ظَهْرُهُ)، أَيْ: سَطْحُهُ، (وَمِنْهُ رَحْبَتُهُ الْمَحُوطَةُ) قَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ وَبَابٌ، كَرَحْبَةِ جَامِعِ الْمَهْدِيِّ بِالرُّصَافَةِ، فَهِيَ كَالْمَسْجِدِ، لِأَنَّهَا مَعَهُ، وَتَابِعَةٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحُوطَةً، كَرَحْبَةِ جَامِعِ الْمَنْصُورِ، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ، (وَمِنْهُ مَنَارَتُهُ الَّتِي هِيَ، أَوْ بَابُهَا، بِهِ)، أَيْ: الْمَسْجِدِ، لِمَنْعِ الْجُنُبِ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَوْ بَابُهَا خَارِجَةً، وَلَوْ قَرِيبَةً، وَخَرَجَ الْمُعْتَكِفُ إلَيْهَا لِلْأَذَانِ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّهُ مَشَى حَيْثُ يَمْشِي جُنُبٌ لِأَمْرٍ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، كَخُرُوجِهِ إلَيْهَا لِغَيْرِهِ. (وَمِنْهُ)، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (مَا زِيدَ فِيهِ حَتَّى فِي الثَّوَابِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، لِعُمُومِ الْخَبَرِ، (وَعِنْدَ جَمْعٍ) مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ رَجَبٍ، (وَحُكِيَ عَنْ السَّلَفِ. وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ أَيْضًا) زِيَادَتُهُ كَهُوَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْ بُنِيَ هَذَا الْمَسْجِدُ إلَى صَنْعَاءَ، كَانَ مَسْجِدِي» وَقَالَ عُمَرُ لِمَا زَادَ فِي الْمَسْجِدِ: «لَوْ زِدْنَا فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَبَّانَةَ، كَانَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَعْلَمُ عَنْ السَّلَفِ خِلَافًا فِي الْمُضَاعَفَةِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا، أَيْ: الْمُشَارُ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: (خِلَافًا لِجَمْعٍ، كَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ)، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا. (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: هَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ تَخْتَصُّ الْمَسْجِدَ غَيْرَ الزِّيَادَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ، مِنْ أَصْحَابُنَا وَغَيْرَهُمْ،- أَيْ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فِي مَسْجِدِي- هَذَا لِأَجْلِ الْإِشَارَةِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ حُكْمَ الزَّائِدِ حُكْمُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. (وَالْأَفْضَلُ لِرَجُلٍ تَخَلَّلَ اعْتِكَافَهُ جُمُعَةٌ) أَنْ يَعْتَكِفَ فِي (جَامِعٍ)، أَيْ: مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ لِلْخُرُوجِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَيْهَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، كَالْخُرُوجِ لِحَاجَتِهِ، وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا مُعْتَادٌ، فَكَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى. (وَيَتَعَيَّنُ) مَسْجِدٌ جَامِعٌ لِاعْتِكَافٍ (إنْ عُيِّنَ بِنَذْرٍ)، فَلَا يُجْزِئُهُ مَسْجِدٌ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، حَيْثُ عَيَّنَ الْجَامِعَ بِنَذْرِهِ، (وَلَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْهُ)، أَيْ: اعْتِكَافَهُ، (جُمُعَةٌ)، لِأَنَّهُ تَرَكَ لَبْثًا مُسْتَحَقًّا الْتَزَمَهُ بِنَذْرِهِ، (وَلِمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ) كَامْرَأَةٍ، وَمَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ مَعْذُورٍ بِسَفَرِهِ، وَمَنْ فِي قَرْيَةٍ لَا يُصَلِّي فِيهَا غَيْرُهُ، (أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِهِ)، أَيْ: الْجَامِعِ مَعَ الْمَسَاجِدِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، (وَيَبْطُلُ) اعْتِكَافُهُ (بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ، لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدًّا، (مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ)، أَيْ: الْخُرُوجَ إلَى الْجُمُعَةِ، كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ. (وَمَنْ عَيَّنَ) بِنَذْرِهِ لِاعْتِكَافِهِ أَوْ صَلَاتِهِ (مَسْجِدًا غَيْرَ) الْمَسَاجِدِ (الثَّلَاثَةِ)، أَيْ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، (لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَيُخَيَّرُ) مَنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ (بَيْنَ اعْتِكَافٍ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَوْضِعًا، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالنَّذْرِ، وَلَوْ تَعَيَّنَ غَيْرُهَا بِالتَّعْيِينِ، لَزِمَ الْمُضِيُّ إلَيْهِ، وَاحْتَاجَ إلَى شَدِّ الرَّحْلِ، لِقَضَاءِ نَذْرِهِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُشَدُّ الرَّحَّالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنْ أَرَادَ النَّاذِرُ الِاعْتِكَافَ فِيمَا عَيَّنَهُ غَيْرَهَا، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا، فَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَإِلَّا، بِأَنْ احْتَاجَ لِشَدِّ الرَّحْلِ، خُيِّرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ قُبَاءَ، فَإِنَّهُ «كَان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيه كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحُمِلَ النَّهْيُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَيُكَفِّرُ) إنْ اعْتَكَفَ بِغَيْرِ مَا عَيَّنَهُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي وَجْهٍ قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُكَفِّرُ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّارِحُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ الْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ وَأَمَّا إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا يُجْزِئُهُ فِي غَيْرِهَا، لِفِعْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا، فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَلَهُ شَدُّ الرَّحْلِ إلَيْهَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ. (وَأَفْضَلُهَا)، أَيْ: الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: (الْحَرَامُ)، وَهُوَ: مَسْجِدُ مَكَّةَ، (ف) الْمَسْجِدُ (النَّبَوِيِّ، ف) الْمَسْجِدُ (الْأَقْصَى)، وَهُوَ: مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد. وَلِأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلُهُ. (فَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا، أَوْ) نَذَرَ (صَلَاةً فِي أَحَدِهَا)، أَيْ: الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، (لَمْ يُجْزِئْهُ) اعْتِكَافٌ وَلَا صَلَاةٌ (فِي غَيْرِهِ)، أَيْ: غَيْرُ مَا عَيَّنَهُ لِتَعَيُّنِهِ لِذَلِكَ، (إلَّا) أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ فِيهِ (أَفْضَلَ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ، فَيُجْزِئُهُ، فَمَنْ نَذَرَ فِي الْحَرَمِ، لَمْ يُجْزِئْهُ، فِي غَيْرِهِ، وَفِي الْأَقْصَى، أَجْزَأَهُ فِي الثَّلَاثَةِ، وَفِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَجُزْأَهُ فِيهِ، وَفِي الْحَرَمِ لَا الْأَقْصَى، لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْت إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْك مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: صَلِّ هَا هُنَا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: صَلِّ هَا هُنَا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: شَأْنُك إذَنْ» رَوَاه أَحْمَدُ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَلَا يُكَفِّرُ) مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا أَوْ صَلَاةً فِي مَسْجِدٍ، ثُمَّ فَعَلَ مَا نَذَرَهُ فِي مَسْجِدٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، (لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، لِأَنَّهُ) عَدَلَ عَمَّا عَيَّنَهُ (لِغَرَضٍ) صَحِيحٍ (وَهُوَ الْأَفْضَلِيَّةُ)، وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً (فِي سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ (يُجْزِئُهُ فِعْلُ) الصَّلَاةِ (الْمَنْذُورَةِ فِي) سُورَةٍ (أَفْضَلَ مِنْهَا)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ نَذَرَ) اعْتِكَافًا وَنَحْوَهُ (زَمَنًا مُعَيَّنًا كَيَوْمٍ وَشَهْرٍ) مَثَلًا، (شَرَعَ) فِيهِ (قَبْلَ دُخُولِهِ)، أَيْ: الْمُعَيَّنِ، فَيَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْعِشْرِينَ، لِأَنَّ أَوَّلَهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ، كَحُلُولِ دُيُونٍ، وَوُقُوعِ عِتْقٍ، وَطَلَاقِ مُعَلَّقَةٍ بِهِ، (وَتَأَخَّرَ) عَنْ الْخُرُوجِ (حَتَّى يَنْقَضِيَ)، بِأَنْ تَغْرُبَ شَمْسُ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ نَصًّا، لِيَسْتَوْفِيَ جَمِيعَهُ.
(وَ) مَنْ نَذَرَ زَمَنًا مُعَيَّنًا صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا وَنَحْوَهُ، (تَابَعَ وُجُوبًا وَلَوْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يُقَيِّدْ بِالتَّتَابُعِ لَا بِلَفْظِهِ وَلَا بِنِيَّتِهِ، (فَلَا يُفَرِّقُ يَوْمًا) نَذَرَ اعْتِكَافَهُ (بِسَاعَاتٍ) مِنْ أَيَّامٍ، لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّتَابُعُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَيَّدَهُ بِهِ.
(وَ) لَا يُفَرِّقُ (شَهْرًا) نَذَرَ اعْتِكَافَهُ (بِأَيَّامٍ) مِنْ أَشْهُرٍ (إلَّا إنْ قَالَ): لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ (أَيَّامَ شَهْرٍ)، فَإِنَّ لَهُ تَفْرِيقَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ أَشْهُرٍ، (وَ) مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَوْ يَعْتَكِفَ (عَدَدًا) مِنْ أَيَّامٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، (وَلَوْ) كَانَ الْعَدَدُ (ثَلَاثِينَ) يَوْمًا، (فَلَهُ)، أَيْ: النَّاذِرُ (تَفْرِيقُهُ)، أَيْ: الْعَدَدِ، لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَالْأَيَّامُ الْمُطْلَقَةُ تُوجَدُ بِدُونِ تَتَابُعٍ (مَا لَمْ يَنْوِ) فِي الْعَدَدِ (تَتَابُعًا، فَيَجِبُ)، كَمَا لَوْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا، (وَلَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ يَوْمَ نَذَرَ) اعْتِكَافَهُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ، قَالَ الْخَلِيلُ: الْيَوْمُ: اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ، (ك) مَا لَا يَدْخُلُ (يَوْمٌ لَيْلَةً) نَذَرَ اعْتِكَافَهَا فِيهَا، لِأَنَّ الْيَوْمَ لَيْسَ مِنْ اللَّيْلَةِ، (لَكِنْ لَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ، أَوْ) أَثْنَاءَ (لَيْلَةٍ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أَعْتَكِفَ يَوْمًا، أَوْ لَيْلَةً مِنْ الْآنِ أَوْ مِنْ وَقْتِهِ هَذَا، لَزِمَهُ) الِاعْتِكَاف (مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ) مِنْ الَّذِي يَلِيه، لِيَتَحَقَّقَ مُضِيُّ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاللَّيْلُ يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَطْعًا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا. (وَمَنْ نَذَرَ) أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ (يَوْمَيْنِ) فَأَكْثَرَ مُتَتَابِعَيْنِ، (أَوْ) نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ (لَيْلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ)، كَثَلَاثٍ أَوْ عَشْرٍ (مُتَتَابِعَةٍ، لَزِمَهُ) اسْتِغْرَاقُ (مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ)، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَاللَّيْلُ اسْمٌ لِسَوَادِ اللَّيْلِ، وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تَكْرَارُ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مَا تَخَلَّلَ لِلُزُومِ التَّتَابُعِ ضِمْنًا، وَهُوَ حَاصِلٌ بِمَا بَيْنَهَا خَاصَّةً، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَتَابِعَةً، لَمْ يَلْزَمْهُ مَا تَخَلَّلَهَا مِنْ ذَلِكَ، (وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ، فَقَدِمَ) فُلَانٌ (بِأَثْنَائِهِ)، أَيْ: بِأَثْنَاءِ يَوْمٍ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَمْ يَكُنْ أُخْبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَنَّهُ)، أَيْ: فُلَانًا (يَقْدَمَ يَوْمُ كَذَا)، إذْ لَوْ أُخْبِرَ أَنَّهُ يَقْدَمُ يَوْمَ كَذَا، لَلَزِمَهُ دُخُولُ مُعْتَكَفِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، لِيَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ اعْتَكَفَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (اعْتَكَفَ الْبَاقِي) مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، (وَلَمْ يَقْضِ الْمَاضِي) مِنْ الْيَوْمِ قَبْلَ قُدُومِهِ، لِفَوَاتِهِ قَبْلَ شَرْطِ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَجِبْ، (كَنَذْرِ اعْتِكَافٍ زَمَنٍ مَاضٍ) لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ، (وَإِنْ كَانَ لَهُ)، أَيْ: النَّاذِرِ، (عُذْرٌ) مِنْ حَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ الِاعْتِكَافَ، (حَالَ قُدُومِهِ)، أَيْ: فُلَانٍ، (قَضَى وَكَفَّرَ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ، لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَيَقْضِي بَقِيَّةَ الْيَوْمِ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ فُلَانٌ فَقَطْ دُونَ مَا مَضَى مِنْهُ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ تَابِعٌ لِلْأَدَاءِ، (وَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَذَرَ يَوْمَ يَقْدَمُ لَا لَيْلَةَ يَقْدَمُ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَقَدِمَ لَيْلًا، يَحْنَثُ، لِأَنَّ الْيَوْمَ بِمَعْنَى الْوَقْتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا الِاحْتِيَاطُ لِلْفُرُوجِ، قَالَهُ فِي حَاشِيَةِ الْإِقْنَاعِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ)، أَيْ: وَلَا شَيْءَ عَلَى النَّاذِرِ: لَوْ جِيءَ بِفُلَانٍ (نَهَارًا مُكْرَهًا أَوْ) جِيءَ بِهِ (مَيِّتًا)، إذْ هُوَ لَمْ يَجِئْ وَإِنَّمَا جِيءَ بِهِ، فَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ قُدُومٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بِسَبَبِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشَرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ مَثَلًا فَنَقَصَ) الْعَشَرُ، (أَجُزْأَهُ) صِيَامُ تِسْعَةٍ مِنْ آخِرِهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، و(لَا) يُجْزِئُهُ صِيَامُ هَذِهِ التِّسْعَةِ أَيَّامٍ (إنْ) كَانَ (نَذَرَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ)، وَصَامَ تِسْعَةً، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّهْرَ نَاقِصٌ، (فَيَقْضِي يَوْمًا) وُجُوبًا، وَيُكَفِّرُ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ. (وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا، كَفَاهُ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ) بِلَيَالِيِهِ، أَوْ ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا، لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ نَاقِصًا كَانَ أَوْ تَامًّا، وَلِثَلَاثِينَ يَوْمًا، (وَمَنْ اعْتَكَفَ رَمَضَانَ أَوْ عَشَرَهُ) الْأَخِيرَ، (سُنَّ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي مُعْتَكَفِهِ) لِإِحْيَائِهَا، (وَيَخْرُجَ مِنْهُ لِلْمُصَلَّى) نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُحِبُّونَ لِمَنْ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْمَسْجِدِ. انْتَهَى.
وَيَكُونُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ.

.(فَصْلٌ): [ما يحرم على الْمُعْتَكَفِ]:

(يَحْرُمُ خُرُوجٌ مِنْ)، أَيْ: مُعْتَكَفٍ (لَزِمَهُ تَتَابُعٌ)، لِأَنَّهُ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِالتَّتَابُعِ أَوْ نِيَّةٍ لَهُ، أَوْ إتْيَانِهِ بِمَا يَقْتَضِيه كَشَهْرٍ (مُخْتَارًا ذَاكِرًا) لِاعْتِكَافِهِ، فَلَا يَحْرُمُ خُرُوجُهُ مُكْرَهًا بِلَا حَقٍّ أَوْ نَاسِيًا (إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، كَإِتْيَانِهِ بِمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ، لِعَدَمِ) مَنْ يَأْتِيه بِهِ نَصًّا، (وَلَا يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ بِبَيْتِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا. يَأْكُلُ فِي (سُوقٍ)، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، لِإِبَاحَةِ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا نَقْصَ فِيهِ.
(وَ) لَهُ الْخُرُوجُ (لِبَوْلٍ وَغَائِطٍ) إجْمَاعًا. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَطَلَ الِاعْتِكَافُ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَحَدٍ اعْتِكَافٌ.
(وَ) لَهُ الْخُرُوجُ ل (قَيْءٍ) بَغَتَهُ، (وَغَسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ)، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، (وَ) لَهُ الْخُرُوجُ ل (طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ) كَوُضُوءٍ وَغُسْلٍ لِحَدَثٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْجُنُبَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمُحْدِثُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِدُونِ وُضُوءٍ (وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ)، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْمُحْدِثِ، وَإِنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَهِيَ كَوْنُهُ عَلَى وُضُوءٍ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ (مَعَ أَنَّهُ)، أَيْ: فِعْلَ الطَّهَارَةِ، (يُبَاحُ بِمَسْجِدٍ، وَلَهُ)، أَيْ: الْمُعْتَكِفِ (مِنْهُ)، أَيْ: الْخُرُوجِ (بُدٌّ)، أَيْ: مَنْدُوحَةٌ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَذِيَّةٍ بِهِمَا، فَإِنْ آذَى بِهِمَا الْمَسْجِدَ، حَرُمَ عَلَيْهِ. (وَلَهُ)، أَيْ: الْمُعْتَكِفِ (الْمَشْيُ إذَا خَرَجَ) لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ (عَلَى عَادَتِهِ)، فَلَا يَلْزَمُهُ مُخَالَفَتُهَا فِي سُرْعَةٍ، (وَ) لَهُ (قَصْدُ بَيْتِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَلِيقُ بِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا مِنَّةٍ)، كَسِقَايَةٍ لَا يَحْتَشِمُ مِثْلُهُ مِنْهَا، وَلَا نَقْصٍ عَلَيْهِ. (وَيَلْزَمُ قَصْدُ أَقْرَبِ مَنْزِلَيْهِ) لِدَفْعِ حَاجَتِهِ بِهِ، بِخِلَافِ مَنْ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَبْعَدِ مِنْهُ، لِعَدَمِ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ دُخُولِهِ لِلِاعْتِكَافِ. و(لَا) يَلْزَمُهُ قَبُولُ (مَا)، أَيْ: مَنْزِلٍ (بُذِلَ لَهُ) لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ بِهِ، (لِلْمِنَّةِ) وَالْمَشَقَّةِ بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ وَالِاحْتِشَامِ مِنْهُ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يَغْسِلَ يَدَهُ بِمَسْجِدٍ فِي إنَاءٍ مِنْ نَحْوِ وَسَخٍ وَزَفَرٍ وَ) قِيَامٍ مِنْ (نَوْمِ لَيْلٍ)، وَيُفْرِغُ الْإِنَاءَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُصَلِّينَ بِهِ، وَلَا يَخْرُجُ لِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدًّا. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ مَا بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ (مِنْ نَجَاسَةٍ بِإِنَاءٍ فِيهِ)، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (أَوْ فِي هَوَائِهِ)، مُعْتَكِفًا كَانَ الْغَاسِلُ أَوْ لَا، (كَبَوْلٍ وَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ)، لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ، فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ عَنْهُ، وَهَوَاؤُهُ كَقَرَارِهِ. (وَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ لَهُمَا)، أَيْ: لِلْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، (جَازَ خُرُوجُهُ) لِذَلِكَ، (ك) خُرُوجِهِ لِصَلَاةِ (جُمُعَةٍ وَشَهَادَةٍ) تَحَمُّلًا وَأَدَاءً (لَزِمَتَاهُ)، لِوُجُوبِهَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَيَخْرُجُ لَهُمَا، (وَ) ك (مَرِيضٍ وَجِنَازَةٍ تَعَيَّنَ خُرُوجُهُ لَهَا)، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ تَعَيَّنَتْ صَلَاةُ جِنَازَةٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، أَوْ دَفْنُ مَيِّتٍ أَوْ تَغْسِيلُهُ، فَكَشَهَادَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ عَلَى مَا سَبَقَ، وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ مَرِيضٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَمْرِيضُهُ. (وَلَا يَلْزَمُهُ) إذَا خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ (سُلُوكُ طَرِيقٍ أَقْرَبَ)، بَلْ لَهُ سُلُوكُ الْأَبْعَدِ، (وَلَا) يَلْزَمُهُ (رُجُوعُهُ بَعْدَ) صَلَاةِ (جُمُعَةٍ فَوْرًا، بَلْ يُسَنُّ) رُجُوعُهُ إلَى مُعْتَكَفِهِ فَوْرًا لِيُتِمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ، (ك) مَا يُسَنُّ (عَدَمُ تَبْكِيرٍ لَهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ، اقْتِصَارًا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، (وَلَهُ)، أَيْ: الْمُعْتَكِفِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ نَذْرِ اعْتِكَافِهِ (شَرْطُ الْخُرُوجِ إلَى مَا لَا يَلْزَمُهُ) خُرُوجُهُ إلَيْهِ (مِنْ ذَلِكَ)، أَيْ: الْجُمُعَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمَرِيضِ وَالْجِنَازَةِ، (وَلِكُلِّ قِرْبَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ) عَلَيْهِ (كَزِيَارَةِ) صَدِيقٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ (وَغُسْلِ مَيِّتٍ، أَوْ مَا لَهُ عَنْهُ غِنًى، وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ ك) شَرْطِ (عَشَاءٍ وَمَبِيتٍ بِمَنْزِلِهِ)، لِأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَالْوَقْفِ، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ نَذَرَ الزَّمَنَ الَّذِي أَقَامَهُ فَقَطْ، وَلِتَأَكُّدِ الْحَاجَةِ إلَى الْعَشَاءِ وَالْمَبِيتِ، وَامْتِنَاعِ النِّيَابَةِ فِيهَا. و(لَا) يَصِحُّ (شَرْطُ خُرُوجٍ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِمَا شَاءَ، أَوْ) شَرْطُ (تَكَسُّبٍ فِيهِ)، أَيْ: الْمَسْجِدِ (بِصَنْعَةٍ)، لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي الِاعْتِكَافَ صُورَةً وَمَعْنًى، كَشَرْطِ تَرْكِ الْإِقَامَةِ بِالْمَسْجِدِ، وَكَالْوَقْفِ، لَا يَصِحُّ فِيهِ شَرْطُ مَا يُنَافِيه، (وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ) إذَا تَكَسَّبَ (بِهَا)، أَيْ: صَنْعَتِهِ (فِيهِ)، أَيْ: الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ قَبْلَ اعْتِكَافِهِ، (لِأَنَّهُ عَاصٍ) بِتَكَسُّبِهِ (فِيهِ)، أَيْ: الْمَسْجِدِ، (لَا) عَاصٍ (بِهِ)، أَيْ: الِاعْتِكَافِ، قِيَاسًا لَهُ عَلَى مَسْحِ الْمُسَافِرِ وَقَصْرِهِ، (وَلِأَنَّهُ)، أَيْ: التَّكَسُّبَ بِالصَّنْعَةِ (إنَّمَا يُنَافِي حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ) وَفِي التَّكَسُّبِ فِي الصِّنَاعَاتِ نَوْعُ انْتِهَاك، لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ وَالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ، وَنَحْوِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْمُعْتَكِفُ الْمَسْجِدَ فِي غَيْرِ مَا بُنِيَ لَهُ، مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الِاعْتِكَافِ، لَمْ يَبْطُلْ، وَيَكُونُ آثِمًا عَاصِيًا فِيهِ، وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ، فَهُوَ عَاصٍ بِهِ، وَلَا اعْتِكَافَ لَهُ. (وَإِنَّ قَالَ: مَتَى مَرِضْت أَوْ عَرَضَ لِي عَارِضٌ خَرَجْت، جَازَ كَشَرْطِ إحْرَامٍ) فَيَسْتَفِيدُ جَوَازَ التَّحَلُّلِ إذَا حَدَثَ عَائِقٌ عَنْ الْمُضِيِّ. (وَيَتَّجِهُ: مِثْلُهُ)، أَيْ: مِثْلُ شَرْطٍ فِي نَذْرِ اعْتِكَافٍ (خُرُوجٌ مِنْ صَلَاةٍ نَذَرَهَا) وَشَرْطُ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا، (إنْ عَرَضَ) لِي (عَارِضٌ) مِنْ فَوَاتِ رُفْقَةٍ، أَوْ تَخْلِيصِ مَعْصُومٍ مِنْ هَلَكَةٍ، أَوْ إطْفَاءِ حَرِيقٍ، خَرَجْتُ، فَلَهُ شَرْطُهُ، (أَوْ) شَرَطَ خُرُوجًا (مِنْ صَوْمٍ إنْ جَاعَ) جُوعًا مُفْرِطًا، فَلَهُ شَرْطُهُ اسْتِبْقَاءً لِنَفْسِهِ، (أَوْ) شَرَطَ إنْ (ضُيِّفَ)- بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ، أَيْ: دُعِيَ إلَى ضِيَافَةٍ- وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا يَنَالُهُ مِنْ رَبِّهَا ضَرَرٌ، فَلَهُ شَرْطُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ (تَعَيُّنُ نَفِيرٍ) اُحْتِيجَ إلَيْهِ، (وَإِطْفَاءُ حَرِيقٍ وَإِنْقَاذُ نَحْوِ غَرِيقٍ) كَمَنْ تَحْتَ هَدْمٍ، (وَمَرَضٍ شَدِيدٍ) يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْمَقَامُ، كَالْقِيَامِ الْمُتَدَارَكِ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ الْمَقَامُ مَعَهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى خِدْمَةٍ أَوْ فِرَاشٍ، (وَخَوْفٍ مِنْ فِتْنَةٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ وَنَحْوِهِ)، جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ، لِأَنَّهُ عُذِرَ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِمَرَضٍ خَفِيفٍ، كَصُدَاعٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ، وَوَجَعِ ضِرْسٍ، لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، (وَ) كَذَا (عِدَّةُ وَفَاةٍ) إذَا مَاتَ زَوْجُ مُعْتَكِفَةٍ، فَلَهَا الْخُرُوجُ لِتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا، لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَكَوْنِهِ حَقَّ اللَّهِ، وَحَقَّ آدَمِيٍّ يَفُوتُ إذَا تُرِكَ لَا إلَى بَدَلٍ، بِخِلَافِ النَّذْرِ. (وَتُتَحَيَّضُ نَدْبًا) مُعْتَكِفَةٌ حَاضَتْ (بِخِبَاءٍ فِي رَحْبَتِهِ)، أَيْ: الْمَسْجِدِ (غَيْرِ الْمَحُوطَةِ إنْ كَانَتْ) لَهُ رَحْبَةٌ (وَأَمْكَنَ) تَحَيُّضُهَا فِيهَا (بِلَا ضَرَرٍ) فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كُنَّ الْمُعْتَكِفَاتِ إذَا حِضْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَضْرِبْنَ الْأَخْبِيَةَ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَطْهُرْنَ» رَوَاه أَبُو حَفْصٍ. (إلَّا) يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ رَحْبَةٌ، أَوْ كَانَتْ، وَفِيهِ ضَرَرٌ، تَحَيَّضَتْ (بِبَيْتِهَا)، لِأَنَّهُ أَوْلَى فِي حَقِّهَا إلَى أَنْ تَطْهُرَ فَتَعُودَ، وَتُتَمِّمَ اعْتِكَافَهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا الْقَضَاءُ أَيَّامَ حَيْضِهَا. (وَتَقْضِي أَيَّامَ نَحْوِ حَيْضِهَا) كَإِخْرَاجِهَا وَحَبْسِهَا لِحَقٍّ وَاجِبٍ. (وَكَحَيْضٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ (نِفَاسٌ)، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ (لَا اسْتِحَاضَةٌ)، لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الصَّلَاةَ (فَتَتَلَجَّمُ وَتَسْتَمِرُّ)، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، وَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا، وَهِيَ تُصَلِّي» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. (وَيَجِبُ) عَلَى مُعْتَكِفٍ (فِي) اعْتِكَافٍ (وَاجِبٍ) خَرَجَ لِعُذْرٍ يُبِيحُهُ (رُجُوعٌ) إلَى مُعْتَكَفِهِ (بِزَوَالِ عُذْرٍ)، لِأَنَّهُ الْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ، (فَإِنْ أَخَّرَ) رُجُوعَهُ إلَى مُعْتَكَفِهِ (عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ)، أَيْ: إمْكَانِ الرُّجُوعِ، وَلَوْ يَسِيرًا (بِلَا عُذْرٍ، بَطَلَ) مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ، (وَلَا يَضُرُّ تَطَاوُلُ خُرُوجٍ مُعْتَادٍ، ك) خُرُوجٍ (لِحَاجَةِ بَوْلٍ) أَوْ غَائِطٍ، (وَطَهَارَةٍ) مِنْ حَدَثٍ (وَطَعَامٍ وَشَرَابٍ وَجُمُعَةٍ، ف) لَا يَنْقُصُ تَطَاوُلُهُ مُدَّةَ الِاعْتِكَافِ، و(لَا يَقْضِي مُدَّةَ خُرُوجِهِ)، لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْمُعْتَادِ كَالْمُسْتَثْنَى لِكَوْنِهِ مُعْتَادًا، وَلَا كَفَّارَةَ، (ك) مَا لَا يَضُرُّ (يَسِيرُ) خُرُوجٍ لِعُذْرٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ، كَنَفِيرٍ وَشَهَادَةٍ وَاجِبَةٍ، وَخَوْفٍ مِنْ فِتْنَةٍ، وَمَرَضٍ وَقَيْءٍ بَغَتَهُ، وَغَسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ، وَإِطْفَاءِ حَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَقْضِي الْوَقْتَ الْفَائِتَ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، أَشْبَهَ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ، (لَا تَطَاوُلَهُ)، أَيْ: الْخُرُوجَ، لِعُذْرٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ، (فَإِنْ تَطَاوَلَ) غَيْرُ الْمُعْتَادِ (عُرْفًا)، فَإِنْ كَانَ (فِي تَطَوُّعٍ، خُيِّرَ بَيْنَ رُجُوعٍ وَعَدَمِهِ)، لِعَدَمِ وُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ (وَ) إنْ كَانَ (فِي) اعْتِكَافٍ (وَاجِبٍ)، فَإِنَّهُ (يَجِبُ رُجُوعُهُ لِمُعْتَكَفِهِ) لِأَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. (وَلَهُ)، أَيْ: النَّاذِرِ (ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ) بِالِاسْتِقْرَاءِ: الْحَالُ الْأُولَى، أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَفِي نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ) كَشَهْرٍ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ)، اعْتَكَفَ بَعْضَهُ، (ثُمَّ خَرَجَ لِعُذْرٍ) غَيْرِ مُعْتَادٍ، وَطَالَ خُرُوجُهُ، (يُخَيَّرُ بَيْنَ بِنَاءٍ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ، وَقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، فَيَبْتَدِئُ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ، فَيَكُونُ مُتَتَابِعًا، (وَيُكَفِّرُ كَكَفَّارَةِ يَمِينٍ)، لِأَنَّ النَّذْرَ حَلْفَةٌ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ عَلَى وَجْهِهِ، (وَبَيْنَ اسْتِئْنَافِ الِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ، لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ)، فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ أَتَى بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَهُ الِاعْتِكَافُ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ. وَأُشِيرَ إلَى الْحَالِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (وَفِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ) كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي سَنَةِ كَذَا مَثَلًا، (يَقْضِي) مَا فَاتَهُ مِنْهُ زَمَنَ خُرُوجِهِ، (وَيُكَفِّرُ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ، (لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ). وَأُشِيرَ إلَى الْحَالِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: (وَفِي نَذْرِ أَيَّامٍ مُطْلَقَةٍ كَخَمْسٍ)، وَلَمْ يَقُلْ مُتَتَابِعَةٌ، وَلَمْ يَنْوِهِ، (يُتَمِّمُ)، أَيْ: يُتَمِّمُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا (بِلَا كَفَّارَةٍ)، لِأَنَّهُ أَتَى بِالنَّذْرِ عَلَى وَجْهِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ، (لَكِنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ الْيَوْمِ) الَّذِي خَرَجَ فِيهِ، بَلْ يَسْتَأْنِفُ بَدَلَهُ يَوْمًا كَامِلًا لِئَلَّا يُفَرِّقَهُ.

.(فَصْلٌ): [خروجُ مُعْتَكَفٍ لضرورةٍ]:

(وَإِنْ خَرَجَ) مُعْتَكِفٌ (لِمَا)، أَيْ: أَمْرٍ (لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِمَّا مَرَّ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى) وَلَمْ يُعَرِّجْ أَوْ يَقِفْ لِذَلِكَ، جَازَ، (أَوْ سَأَلَ عَنْ مَرِيضٍ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ)، أَيْ: الْمَرِيضِ (وَلَمْ يُعَرِّجْ)، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: عَرَّجَ تَعْرِيجًا: مَيَّلَ وَأَقَامَ، وَحَبَسَ الْمَطِيَّةَ عَلَى الْمَنْزِلِ. (أَوْ يَقِفْ لِذَلِكَ)، جَازَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَائِشَةَ: «إنِّي كُنْت لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ وَالْمَرِيضُ فِيهِ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ اللَّبْثِ الْمُسْتَحَقِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ، أَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي مُرُورِهِ، (أَوْ) خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ثُمَّ (دَخَلَ مَسْجِدًا يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ بِهِ أَقْرَبَ لِمَحَلِّ حَاجَتِهِ مِنْ) الْمَسْجِدِ (الْأَوَّلِ) الَّذِي كَانَ فِيهِ، جَازَ، (أَوْ انْهَدَمَ مُعْتَكَفُهُ فَخَرَجَ) لِمَسْجِدٍ (غَيْرِهِ، جَازَ)، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْأَوَّلَ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِصَرِيحِ النَّذْرِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ بِشُرُوعِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ بِذَلِكَ لَبْثًا مُسْتَحَقًّا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ سُلْطَانٌ، فَخَرَجَ إلَى الْآخَرِ، وَأَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ، (وَإِنْ وَقَفَ) فِي طَرِيقِهِ، (أَوْ كَانَ) الْمَسْجِدُ الَّذِي دَخَلَهُ (أَبْعَدَ) مِنْ مَحَلِّ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ، بَطَلَ، (أَوْ خَرَجَ لَهُ ابْتِدَاءً) بِلَا عُذْرٍ، بَطَلَ، (أَوْ تَلَاصَقَا)، أَيْ: الْمَسْجِدَانِ، (وَمَشَى فِي انْتِقَالِهِ) بَيْنَهُمَا خَارِجًا عَنْهُمَا (بِلَا عُذْرٍ)، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِتَرْكِهِ لَبْثًا مُسْتَحَقًّا، فَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَارِجًا عَنْهُمَا فِي انْتِقَالِهِ لِلثَّانِي، لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ. (أَوْ أَخْرَجَ) مُعْتَكَفٌ (لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَهُ وَفَاؤُهُ) بِلَا خُرُوجٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّ لَهُ بُدًّا مِنْ أَنْ لَا يَخْرُجَ (أَوْ سَكِرَ) مُعْتَكِفٌ. (وَيَتَّجِهُ) حَيْثُ كَانَ (آثِمًا) بِسُكْرِهِ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَلَوْ كَانَ سُكْرُهُ لَيْلًا، لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، كَالْمَرْأَةِ تَحِيضُ، لَكِنَّ الْمَرْأَةَ مَعْذُورَةٌ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْذُورٍ، أَمَّا لَوْ شَرِبَ جَاهِلًا أَنَّهُ خَمْرٌ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الشُّرْبِ فَسَكِرَ، لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ، كَمَا لَوْ نَامَ وَيَبْنِي بَعْدَ إفَاقَتِهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ ارْتَدَّ) مُعْتَكِفٌ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك} وَلِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ فَأَشْبَهَ رِدَّتَهُ فِي الصَّوْمِ. (أَوْ خَرَجَ) الْمُعْتَكِفُ (كُلُّهُ) لِمَا لَهُ، مِنْهُ بُدٌّ (بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ قَلَّ زَمَنُ خُرُوجِهِ)، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِتَرْكِهِ اللَّبْثَ بِلَا حَاجَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ طَالَ، فَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ جَسَدِهِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ نَصًّا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي رَأْسَهُ إلَيَّ فَأُرَجِّلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ نَوَاهُ)، أَيْ: الْخُرُوجَ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ إنْ كَانَ) حِينَ فَعَلَهُ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (ذَاكِرًا عَامِدًا مُخْتَارًا، أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا بِحَقٍّ) كَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ، فَأَخْرَجَ لِاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَوَاهُ، فِيهِ نَظَرٌ، وَتَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي صَنِيعِهِمْ مُسَاعِدٌ، لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، بَلْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، كَمَا إذَا نَوَى مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ فِيهَا، فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَنْوِيَ قَطْعَهَا. (وَلَزِمَ) مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ (اسْتِئْنَافُ اعْتِكَافٍ) عَلَى صِفَةِ مَا بَطَلَ (مُتَتَابِعٍ بِشَرْطِ) كُلِّهِ عَلَى إنْ اعْتَكَفَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً، أَوْ شَهْرًا (أَوْ) مُتَتَابِعًا ب (نِيَّةِ)، كَأَنْ نَذَرَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَنَوَاهَا مُتَتَابِعَةً، ثُمَّ شَرَعَ، وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ عَلَى صِفَتِهِ، فَلَزِمَهُ كَحَالِ الِابْتِدَاءِ (وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا نَذَرَهُ عَلَى صِفَتِهِ، (وَ) لَزِمَ (اسْتِئْنَافُ) نَذْرٍ (مُعَيَّنٍ قُيِّدَ بِتَتَابُعٍ) كُلُّهُ عَلَى إنْ اعْتَكَفَ شَهْرَ الْمُحَرَّمِ مُتَتَابِعًا (أَوْ لَا)، أَيْ: لَمْ يُقَيِّدْ بِتَتَابُعٍ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْمُحَرَّمَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لِدَلَالَتِهِ التَّعْيِينَ عَلَيْهِ، (وَيُكَفِّرُ) فِي الصُّورَتَيْنِ، لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، (وَيَكُونُ قَضَاءُ كُلٍّ) مِنْ التَّتَابُعِ بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّةٍ، وَالْمُعَيَّنِ، (وَ) يَكُونُ (اسْتِئْنَافُهُ)، أَيْ: كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاعْتِكَافِ الْمَقْضِيِّ وَالْمُسْتَأْنَفِ (عَلَى صِفَةِ أَدَائِهِ فِيمَا يُمْكِنُ)، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَشْرُوطًا فِيهِ الصَّوْمُ أَوْ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَقْضِيَّ أَوْ الْمُسْتَأْنَفَ يَكُونُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ زَمَنًا وَمَضَى، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ، لَزِمَهُ شَهْرٌ غَيْرُهُ بِلَا صَوْمٍ)، لِأَنَّ الْفَائِتَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي اعْتِكَافِهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، لِأَنَّ فِي هَذَا الزَّمَنِ فَضِيلَةً لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، فَلَا يُجْزِئُ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ. (وَيَبْطُلُ اعْتِكَافٌ بِوَطْءِ) مُعْتَكِفٍ فِيهِ (وَلَوْ) وَطِئَ (نَاسِيًا) نَصًّا. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) وَطِئَ (مُكْرَهًا) إذْ الْمُكْرَهُ كَالنَّاسِي، وَأَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَفِي فَرْجٍ)، لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَاسْتَأْنَفَ الِاعْتِكَافَ» وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ تَفْسُدُ بِالْوَطْءِ عَمْدًا فَكَذَلِكَ سَهْوًا كَالْحَجِّ، (أَوْ دُونَهُ)، أَيْ: الْفَرْجِ (وَأَنْزَلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ، كَاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ، (ف) إنْ وَطِئَ مُعْتَكِفٌ (فِي نَفْلٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَلَمْ يَجِبْ بِإِفْسَادِهَا كَفَّارَةٌ كَالصَّوْمِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِإِيجَابِهَا، فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ.
(وَ) إنْ وَطِئَ (فِي نَذْرٍ، فَكَمَا مَرَّ) مُفَصَّلًا، (قَالَ الْمُنَقِّحُ: فَهُوَ كَمَا لَوْ أَفْسَدَهُ بِالْخُرُوجِ)، وَتَقَدَّمَ آنِفًا، (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ)، أَيْ: الْأَصْحَابِ: (لَا يَبْطُلُ) الِاعْتِكَافُ (بِإِنْزَالٍ بِنَحْوِ لَمْسٍ وَتَقْبِيلٍ) وَاسْتِمْنَاءٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ، وَلَا كَفَّارَةَ لِهَذَا الْإِنْزَالِ بَلْ لِإِفْسَادِ نَذْرِهِ. (وَجَازَ) لِلْمُعْتَكِفِ تَقْبِيلٌ و(مُبَاشَرَةٌ) دُونَ فَرْجٍ (بِغَيْرِ شَهْوَةٍ) كَغُسْلِ رَأْسِهِ، وَتَرْجِيلِ شَعْرِهِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ. (وَلَا يَبْطُلُ) الِاعْتِكَافُ (بِإِغْمَاءٍ)، لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ لَهُ كَالنَّوْمِ وَأَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ وَ) لَا يَبْطُلُ ب (جُنُونٍ)، لِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَا يَقْضِي) مُعْتَكِفٌ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ (زَمَنَ إغْمَاءِ) هـ إذْ هُوَ (كَنَائِمٍ) وَالنَّائِمُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (وَلَا) يَقْضِي (زَمَنَ جُنُونِهِ) أَيْضًا (لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ) إذَنْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.