فصل: (فَصْلٌ): (لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [انتهاء مدة الأمان]:

(مَنْ أَمِنَ)، أَيْ: أَمَّنَّاهُ عَلَى أَنْ يُقِيمَ (فِي دَارِنَا مُدَّةً) مَعْلُومَةً، (وَبَلَغَهَا)، أَيْ: الْمُدَّةَ (وَاخْتَارَ الْبَقَاءَ بِدَارِنَا، أَدَّى الْجِزْيَةَ) كَسَائِرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، (وَإِلَّا) يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ (فَهُوَ عَلَى مَأْمَنِهِ حَتَّى يَخْرُجَ) إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي أَمَّنَّاهُ فِيهِ.

.(فَصْلٌ): [الأسير المسلم بأرض الكفار]:

(وَإِنْ أُسِرَ مُسْلِمٌ)، أَيْ: أَسَرَهُ الْكُفَّارُ، (فَأُطْلِقَ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً) مُعَيَّنَةً، أَيْ: أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ وَرَضِيَ بِالشَّرْطِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ نَصًّا، لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (أَوْ) أُطْلِقَ (أَبَدًا، أَوْ) بِشَرْطِ (أَنْ يَأْتِيَ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (وَيَرْجِعَ) إلَيْهِمْ (أَوْ أَنْ يَبْعَثَ) إلَيْهِمْ (مَالًا وَإِنْ عَجَزَ عَادَ إلَيْهِمْ) وَرَضِيَ، (لَزِمَهُ الْوَفَاءُ)، لِحَدِيثِ: «إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ» وَلِأَنَّ الْوَفَاءَ مَصْلَحَةٌ لِلْأَسَارَى، وَفِي الْغَدْرِ مَفْسَدَةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَمَّنُونَ بَعْدَهُ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَإِنْ أَكْرَهُوهُ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ، وَلَوْ حَلَفَ لَهُمْ مُكْرَهًا، (إلَّا الْمَرْأَةَ)، إذَا أُسِرَتْ ثُمَّ أُطْلِقَتْ، بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِمْ، (فَلَا) يَحِلُّ لَهَا أَنْ (تَرْجِعَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ} وَلِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى وَطْئِهَا حَرَامًا (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ: (لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ فِي الْتِزَامِ الْإِقَامَةِ أَبَدًا، لِأَنَّ الْهِجْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ) انْتَهَى (وَيَتَّجِهُ: مُرَادُهُمْ)، أَيْ: الْأَصْحَابُ، مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِقَامَةِ أَبَدًا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ الْتَزَمَهُ (قَادِرٌ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ، وَإِلَّا) بِأَنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ (فَكَمَا قَالَ الشَّيْخُ) فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُهَاجِرَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ أُطْلِقَ بِلَا شَرْطٍ، أَوْ) بِشَرْطِ (كَوْنِهِ رَقِيقًا، فَإِنْ ائْتَمَنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ فَقَطْ)، لِعَدَمِ شَرْطِهِ الْمُقَامَ عِنْدَهُمْ، وَشَرْطُ الرِّقِّ بَاطِلٌ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ، (وَإِلَّا) يَأْتَمِنُوهُ (فَيَقْتُلُ وَيَسْرِقُ أَيْضًا)، أَيْ: كَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَهُ الْهَرَبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَمِّنْهُمْ وَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ، (وَ) إذَا هَرَبَ جَازَ لَهُ أَنْ (يُقَاتِلَهُمْ لَوْ لَحِقُوهُ) دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَاسْتِبْقَاءً لَهَا (وَلَوْ جَاءَ عِلْجٌ) مِنْ كُفَّارٍ (بِأَسِيرٍ) مُسْلِمٍ (عَلَى أَنْ يُفَادِيَ) الْمُسْلِمَ (بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجِدْ) قَالَ أَحْمَدُ: (لَمْ يُرَدَّ، وَيَفْدِيهِ الْمُسْلِمُونَ إنْ لَمْ يُفْدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ)، فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ أَحْمَدُ: وَالْخَيْلُ أَهْوَنُ مِنْ السِّلَاحِ، وَلَا يَبْعَثُ بِالسِّلَاحِ. (وَلَوْ جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مُسْلِمَةٌ لَمْ تُرَدَّ مَعَهُ وَيَرْضَى) لِيَتْرُكَهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ، (وَيُرَدُّ الرَّجُلُ) إنْ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِهِ (وَلَوْ سُبِيَتْ كَافِرَةٌ، فَجَاءَ ابْنُهَا يَطْلُبُ إطْلَاقَهَا لِيُحْضِرَ أَسِيرَنَا)، فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ: أَحْضِرْهُ (فَأَحْضَرَهُ، لَزِمَ إطْلَاقُهَا)، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا إجَابَتُهُ إلَى مَا سَأَلَ، فَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: لَمْ أُرِدْ إجَابَتَهُ، لَمْ يُجْبَرْ الْكَافِرُ عَلَى تَرْكِ أَسَيْرِهِ، وَرُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ، لِأَنَّ هَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ الشَّرْطُ، فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ فَهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَبَنَى عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَهِمَ الْأَمَانَ مِنْ الْإِشَارَةِ (وَإِنْ أَمِنَتْ حَرْبِيَّةٌ) بِأَنْ دَخَلَتْ دَارَنَا بِأَمَانٍ، (وَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا بِدَارِنَا، ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ) إلَى دَارِ الْحَرْبِ (لَمْ تُمْنَعْ إذَا رَضِيَ) زَوْجُهَا، أَوْ فَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْعِدَدِ.

.(بَابُ الْهُدْنَةِ):

(الْهُدْنَةُ)، وَهِيَ لُغَةً: السُّكُونُ وَالدَّعَةُ، وَشَرْعًا: (عَقْدُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ) مَعَ الْكُفَّارِ (مُدَّةً مَعْلُومَةً)، وَهِيَ (لَازِمَةٌ) وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ} وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ» وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ، فَيُهَادِنَهُمْ حَتَّى يَقْوَوْا (بِعِوَضٍ) مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، (وَغَيْرُهُ) بِحَسْب الْمَصْلَحَةِ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتُسَمَّى مُهَادَنَةٌ وَمُوَادَعَةٌ) مِنْ الدَّعَةِ، (وَمُعَاهَدَةً) مِنْ الْعَهْدِ بِمَعْنَى الْأَمَانِ، (وَمُسَالَمَةً) مِنْ السِّلْمِ بِمَعْنَى الصُّلْحِ، لِحُصُولِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْكُفَّارِ (وَمَتَى زَالَ مَنْ عَقَدَهَا)، أَيْ: الْهُدْنَةَ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ، (لَزِمَ) الْإِمَامَ (الثَّانِي الْوَفَاءُ) بِمَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ، كَمَا لَا يَنْقُضُ حَاكِمٌ حُكْمَ غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِهِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ، لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَعَ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ، وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْطِيلَ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ الْمُهَادَنِ أَهْلُهَا وَفِيهِ افْتِئَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ (وَلَا تَصِحُّ) الْهُدْنَةُ (إلَّا حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُ جِهَادٍ) لِمَصْلَحَةٍ، (فَمَتَى رَأَى) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (مَصْلَحَةً كَضَعْفِنَا) عَنْ الْقِتَالِ، أَوْ كَانَ فِي الْغَزْوِ مَشَقَّةٌ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ، (أَوْ طَمَعٌ فِي إسْلَامِهِمْ) نَصًّا، قَطَعَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ، (وَلَوْ بِمَالٍ مِنَّا ضَرُورَةً) مِثْلُ أَنْ يَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْهَلَاكَ أَوْ الْأَسْرَ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ، فَكَذَا هُنَا وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ صَغَارٌ فَهُوَ دُونَ صَغَارِ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ الْمُفْضِي إلَى كُفْرِهِمْ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمَغَازِي عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحْزَابِ: أَرَأَيْت إنْ جَعَلْتُ لَك ثُلُثَ ثَمَرِ الْأَنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ، أَوْ تَخْذُلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عُيَيْنَةُ: إنْ جَعَلْتَ الشَّطْرَ فَعَلْتُ» وَلَوْ لَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَمَا بَذَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُدَّةً مَعْلُومَةً)، لِأَنَّ مَا وَجَبَ: تَقْدِيرُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا (جَازَ، وَإِنْ طَالَتْ) الْمُدَّةُ (كَفَوْقِ عَشْرِ سِنِينَ)، لِأَنَّهَا تَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ، فَجَازَتْ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا كَمُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ عَقْدُهَا لِلْمَصْلَحَةِ، فَحَيْثُ وُجِدَتْ جَازَ تَحْصِيلًا لَهَا. (وَإِنْ زَادَ) الْإِمَامُ فِي الْهُدْنَةِ (عَلَى) مُدَّةِ (الْحَاجَةِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ) فَقَطْ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا، (وَإِنْ أُطْلِقَتْ مُدَّةٌ)، فَلَمْ تُقَيَّدْ، لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ، (أَوْ عُلِّقَتْ) الْهُدْنَةُ أَوْ الْمُدَّةُ (بِمَشِيئَتِهِ كَإِنْ شِئْنَا أَوْ شِئْتُمْ) أَوْ شَاءَ فُلَانٌ، أَوْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ، (لَمْ تَصِحَّ) الْهُدْنَةُ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقَةُ كَالْإِجَارَةِ (وَمَتَى جَاءُوا) أَيْ: الْمَعْقُودُ مَعَهُمْ الْهُدْنَةَ (فِي) هُدْنَةٍ (فَاسِدَةٍ، مُعْتَقِدِينَ الْأَمَانَ، رُدُّوا) إلَى مَأْمَنِهِمْ (آمَنِينَ)، وَلَمْ يُقِرُّوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِفَسَادِ الْأَمَانِ، (وَإِنْ شُرِطَ)، بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: شَرَطَ عَاقِدٌ (فِيهَا)، أَيْ: الْهُدْنَةُ، شَرْطًا فَاسِدًا، (أَوْ) شُرِطَ (فِي عَقْدِ ذِمَّةٍ شَرْطٌ فَاسِدٌ، كَرَدِّ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ، أَوْ) رَدِّ (صَدَاقِهَا، أَوْ) رَدِّ (صَبِيٍّ أَسْلَمَ، أَوْ) رَدِّ (سِلَاحٍ أَوْ) شُرِطَ (إدْخَالُهُمْ الْحَرَمَ، بَطَلَ) الشَّرْطُ (دُونَ عَقْدٍ) كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، وَبُطْلَانُهُ فِي رَدِّ الْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ} وَحَدِيثُ: «إنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ» وَفِي رَدِّ صَدَاقِهَا، لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بُضْعِهَا، فَلَا يَصِحُّ شَرْطًا لِغَيْرِهَا، وَفِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَضْعُفُ عَنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُمْ، أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ، وَفِي السِّلَاحِ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَيْنَا، وَفِي إدْخَالِهِمْ الْحَرَمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}، (كـَ) مَا يُبْطِلُ الشَّرْطَ دُونَ الْعَقْدِ فِي (شَرْطِ نَقْضِهَا مَتَى شَاءَ)، لِأَنَّ الْكُفَّارَ يَبْنُونَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَيَفُوتُ مَعْنَى الْهُدْنَةِ. (وَيَصِحُّ شَرْطُ رَدِّ طِفْلٍ) مِنْهُمْ (لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ) كَكَوْنِهِ دُونَ التَّمْيِيزِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ شَرْعًا، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِسْلَامُ لَوْ أَتَى بِهِ، لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ، (كَشَرْطِ رَدِّ رَجُلٍ جَاءَ) مِنْهُمْ (مُسْلِمًا لِلْحَاجَةِ)، لِشَرْطِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ (وَيُؤْمَرُ)، أَيْ: يَأْمُرُ الْإِمَامُ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا وَقْتَ رَدِّهِ إلَيْهِمْ (سِرًّا بِقِتَالِهِمْ وَالْفِرَارِ) مِنْهُمْ، (وَلَا يُمْنَعُونَ أَخْذَهُ، وَلَا يُجْبَرُ هُوَ)، أَيْ: الْمُسْلِمُ، (عَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى الْعَوْدِ مَعَهُمْ، (لَا سِيَّمَا مَعَ خَوْفٍ) مِنْهُمْ لِأَنَّ أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ الْكُفَّارُ فِي طَلَبِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ عَلِمْت مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا»، فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ الرَّجُلَيْنِ قَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي طَرِيقِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَفَّى اللَّهُ ذِمَّتَك، رَدَدْتَنِي إلَيْهِمْ وَأَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلُمْهُ، بَلْ قَالَ: وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو بَصِيرٍ، لَحِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ، وَانْحَازَ إلَيْهِ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، فَجَعَلُوا لَا يَمُرُّ عَلَيْهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إلَّا عَرَضُوا لَهَا وَأَخَذُوهَا وَقَتَلُوا مَنْ مَعَهَا، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ يَضُمَّهُمْ إلَيْهِ وَلَا يَرُدَّ إلَيْهِمْ أَحَدًا جَاءَهُ، «فَفَعَلَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا فَإِنْ تَحَيَّزَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، وَقَتَلُوا مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، جَازَ، وَلَا يَدْخُلُونَ فِي الصُّلْحِ حَتَّى يَضُمَّهُمْ الْإِمَامُ إلَيْهِ بِإِذْنِ الْكُفَّارِ لِلْخَبَرِ. (وَلَوْ هَرَبَ مِنْهُمْ قِنٌّ فَأَسْلَمَ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ)، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصُّلْحِ (وَهُوَ حُرٌّ) لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ بِإِسْلَامِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}، (وَ) لَوْ عُقِدَتْ الْهُدْنَةُ (مَعَ عَدَمِ شَرْطِ) رَدٍّ (لَا) يَجُوزُ (رَدُّ) مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا، أَوْ بِأَمَانٍ (مُطْلَقًا)، أَيْ: حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، لِأَنَّهُ رَدٌّ إلَى بَاطِلٍ. (وَإِنْ طَلَبَتْ امْرَأَةٌ) مُسْلِمَةٌ، أَوْ صَبِيَّةٌ مُسْلِمَةٌ (الْخُرُوجَ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ إخْرَاجُهَا) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَقَفَتْ ابْنَةُ حَمْزَةَ عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَمَّا مَرَّ بِهَا عَلِيٌّ قَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ إلَى مَنْ تَدْعُنِي؟ فَتَنَاوَلَهَا فَدَفَعَهَا إلَى فَاطِمَةَ حَتَّى صَوَّبَهَا الْمَدِينَةَ».

.(فَصْلٌ): [ما يؤخذُ به الْمُهَادِنُ زَمَنَ الْهُدْنَةِ]:

(وَيُؤْخَذُونَ)، أَيْ: الْمُهَادِنُونَ زَمَنَ هُدْنَةٍ (بِجِنَايَتِهِمْ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ مَالٍ وَقَوَدٍ وَحْدِ قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ)، لِأَنَّ الْهُدْنَةَ تَقْتَضِي أَمَانَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وَأَمَانَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ، وَ(لَا) يُؤْخَذُونَ بِحَدٍّ (لِلَّهِ تَعَالَى كَزِنًا)، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَنَا، (لَكِنْ يُقْتَلُ) مُهَادِنٌ (بِزِنًا بِمُسْلِمَةٍ)، وَمِثْلُهُ لِوَاطٌ بِمُسْلِمٍ، (لِنَقْضِ الْعَهْدِ) وَيَأْتِي. (وَيَجُوزُ قَتْلُ رَهَائِنِهِمْ إنْ قَتَلُوا رَهَائِنَنَا) جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ بِقِتَالِنَا، أَوْ بِمُظَاهَرَةٍ عَلَيْنَا، أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ، أَوْ أَخْذُ مَالَهُ (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ حِمَايَتُهُمْ) مِمَّنْ تَحْتَ قَبْضَتِهِ، لِأَنَّهُ أَمَّنَهُمْ مِنْهُمْ وَ(لَا) يَلْزَمُهُ حِمَايَتُهُمْ (مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ)، لِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تَقْتَضِيهِ (وَإِنْ سُبِيَ حُرٌّ كَافِرٌ وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (مِنْهُمْ، لَمْ يَصِحَّ لَنَا شِرَاؤُهُمْ)، لِأَنَّهُمْ فِي عَهْدِنَا، وَلَيْسَ عَلَيْنَا اسْتِنْقَاذُهُمْ، لِكَوْنِ السَّابِي لَهُمْ لَيْسَ فِي قَبْضَتِنَا (وَإِنْ سَبَى بَعْضُهُمْ وَلَدَ بَعْضٍ وَبَاعَهُ)، صَحَّ، (أَوْ) بَاعَ (وَلَدَ نَفْسِهِ) صَحَّ، (أَوْ) بَاعَ (أَهْلَهُ صَحَّ) الْبَيْعُ وَلَنَا شِرَاءُ وَلَدِهِمْ وَأَهْلِهِمْ (كَحَرْبِيٍّ بَاعَ وَلَدَهُ وَأَهْلَهُ)، فَيَصِحُّ لَنَا شِرَاءُ ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَاشِيَةِ الْفُرُوعِ: إذَا جَازَ لَهُمْ بَيْعُ وَلَدِهِمْ وَأَهْلِهِمْ، فَالظَّاهِرُ: جَوَازُ هِبَتِهِمْ أَيْضًا، وَهَلْ لِلْحَرْبِيِّ هِبَةُ نَفْسِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ؟ يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ، فَلَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ حَرْبِيَّةٌ نَفْسَهَا لِمُسْلِمٍ، مَلَكَهَا، وَجَازَ لَهُ بَيْعُهَا وَوَطْؤُهَا بِنَاءً عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ بَيْعُ وَلَدِهِ وَهِبَتُهُ، فَهِبَةُ نَفْسِهِ أَوْلَى ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي بَيْعِ الْوَلَدِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ لَيْسَ شِرَاءً حَقِيقِيًّا، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعُ كَسْبٍ مِنْ الْكُفَّارِ بِبَذْلِ عِوَضٍ، فَلَا يَثْبُتُ الرِّقُّ فِيهِمْ إلَّا بَعْدَ أَخْذِهِمْ بِالْعِوَضِ أَوْ مَجَّانًا مِنْ بَائِعِهِمْ، أَوْ وَاهِبِهِمْ لِسَبْيِهِمْ، وَإِنَّهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا رِقَّ عَلَيْهِمْ بَلْ هُمْ أَحْرَارٌ انْتَهَى وَإِنْ بَاعَ ذِمِّيٌّ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ غَيْرِهِ أَوْ أَهْلَهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، فَكَانَ آكُدَ مِنْ الْهُدْنَةِ (وَإِنْ خِيفَ) مِنْ مُهَادَنِينَ (نَقْضُ عَهْدِهِمْ بِقِتَالٍ لَنَا أَوْ مُظَاهَرَةٍ) عَلَيْنَا، (أَوْ أَمَارَةٍ تَدُلُّ) عَلَى النَّقْضِ، (نُبِذَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: جَازَ نَبْذُ الْإِمَامِ (إلَيْهِمْ) عَهْدَهُمْ بِأَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنْ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}، وَلَا يَصِحُّ نَقْضُهُ إلَّا مِنْ إمَامٍ (بِخِلَافِ ذِمَّةٍ فَلَا) تُنْبَذُ (بِمُجَرَّدِ خَوْفِ) خِيَانَةٍ مِنْ أَهْلِهَا، لِأَنَّ الذِّمَّةَ مُؤَبَّدَةٌ وَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَى عَقْدِهَا بِطَلَبِهِمْ، وَفِيهَا نَوْعُ مُعَاوَضَةٍ، وَلِهَذَا لَوْ نَقَضَهُ بَعْضُهُمْ لَمْ يُنْقَضْ عَهْدُ الْبَاقِينَ وَأَيْضًا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَلَا يُخْشَى مِنْهُمْ كَثِيرُ ضَرَرٍ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ، (وَيَجِبُ إعْلَامُهُمْ)، أَيْ: أَهْلِ الْهُدْنَةِ نَبْذَ الْعَهْدِ (قَبْلَ الْإِغَارَةِ عَلَيْهِمْ)، لِلْآيَةِ.
(وَ) يَجِبُ (رَدُّ مَنْ بِدَارِنَا مِنْهُمْ إلَى مَأْمَنِهِ، وَيُسْتَوْفَى مَا عَلَيْهِمْ مِنْ حَقٍّ) كَغَيْرِهِمْ لِلْعُمُومَاتِ، (وَيُنْقَضُ عَهْدُ نِسَاءٍ) أَهْلِ هُدْنَةٍ (وَذُرِّيَتْ) هُمْ بِنَقْضِ رِجَالِهِمْ تَبَعًا لَهُمْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَتَلَ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ» وَلَمَّا نَقَضَ قُرَيْشٌ عَهْدَهُ بَعْدَ الْهُدْنَةِ لَهُمْ حَلَّ لَهُ مِنْهُمْ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ مُؤَقَّتٌ يَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، فَيَزُولُ بِنَقْضِهِ وَفَسْخِهِ كَالْإِجَارَةِ، بِخِلَافِ الذِّمَّةِ (وَإِنْ نَقَضَهَا)، أَيْ: الْهُدْنَةَ (بَعْضُهُمْ)، أَيْ: الْمُهَادَنِينَ، (فَأَنْكَرَ الْبَاقُونَ عَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى مَنْ نَقَضَ (بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) إنْكَارًا (ظَاهِرًا أَوْ كَاتَبُونَا)، أَيْ: الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا (بِنَقْضِهِمْ)، أَيْ: بِنَقْضِ الْآخَرِينَ، (أُقِرُّوا)، أَيْ: الْبَاقُونَ عَلَى الْعَهْدِ (بِتَسْلِيمِ مَنْ نَقَضَ) الْهُدْنَةَ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِمْ (أَوْ) بِـ (تَمْيِيزِهِ)، أَيْ: النَّاقِضُ (عَنْهُمْ) لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِتَالِهِمْ، (فَإِنْ أَبَوْا) التَّسْلِيمَ أَوْ التَّمْيِيزَ (مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَى أَحَدِهِمَا، (انْتَقَضَ عَهْدُ الْكُلِّ) بِذَلِكَ قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّمْيِيزِ أَوْ إسْلَامِ النَّاقِضِ صَارَ نَاقِضًا، لِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ أَخْذِ النَّاقِضِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّمْيِيزُ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ، لِأَنَّهُ كَالْأَسِيرِ وَفِي الْإِنْصَافِ فِي آخِرِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ: وَكَذَا، أَيْ: فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، مَنْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ يَعْتَزِلْهُمْ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ الْإِمَامُ وَفِي الْمُنْتَهَى كَالْمُصَنِّفِ خِلَافًا لَهُ، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ، لِقَوْلِهِ: فَإِنْ امْتَنَعَ التَّمْيِيزُ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ.

.(بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ):

وَهِيَ لُغَةً: الْعَهْدُ وَالضَّمَانُ وَالْأَمَانُ، لِحَدِيثِ: يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، مِنْ أَذَمَّهُ، يَذُمُّهُ: إذَا جَعَلَ لَهُ عَهْدًا وَمَعْنَى عَقْدِ الذِّمَّةِ إقْرَارُ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِشَرْطِ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، أَوْ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الْآيَةَ وَحَدِيثُ «الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ لِجُنْدِ كِسْرَى يَوْمَ نَهَاوَنْدَ: أَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ فَعَلَيْهِ، يَكُونُ عَقْدُ الذِّمَّةِ (وَاجِبًا لِكِتَابِيٍّ وَنَحْوِهِ) كَمَجُوسِيٍّ، (إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطٌ)، وَيَكُونُ اجْتِمَاعُهَا (بِبَذْلِ جِزْيَةٍ) مَأْخُوذَةٍ مِنْ الْجَزَاءِ، وَتَأْتِي (كُلَّ عَامٍ) هِلَالِيٍّ، (وَالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا)، وَهُوَ: قَبُولُ مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، (مَا لَمْ تُخَفْ غَائِلَتُهُمْ)، أَيْ: غَدْرُهُمْ بِتَمْكِينِهِمْ مِنْ الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْنَا (وَلَا يَصِحُّ) عَقْدُهَا (إلَّا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) لِتَعَلُّقِ نَظَرِ الْإِمَامِ بِهِ، دِرَايَتُهُ بِجِهَةِ الْمَصْلَحَةِ، وَلِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ فَعَقْدُهُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ (وَصِفَتُهُ) أَيْ: عَقْدِ الذِّمَّةِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ: (أَقْرَرْتُكُمْ بِجِزْيَةٍ وَاسْتِسْلَامٍ)، أَيْ: انْقِيَادٍ لِأَحْكَامِنَا (أَوْ يَبْذُلُونَ ذَلِكَ) مِنْ أَنْفُسِهِمْ، (فَيَقُولُ) إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ: (أَقْرَرْتُكُمْ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوُهُمَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَقْدِهَا)، أَيْ: الْجِزْيَةِ، كَقَوْلِهِ: عَاهَدْتُكُمْ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدَارِنَا بِجِزْيَةٍ، (وَلَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ قَدْرِ جِزْيَةٍ) فِي الْعَقْدِ (وَالْجِزْيَةُ مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ)، أَيْ: الْكُفَّارِ (عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ)، بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، (وَ) هُوَ: (الذِّلَّةُ) وَالِامْتِهَانُ (كُلَّ عَامٍ) فِي آخِرِهِ (بَدَلًا عَنْ قَتْلِهِمْ وَ) عَنْ (إقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا)، فَإِنْ لَمْ يَبْذُلُوهَا لَمْ يَكُفَّ عَنْهُمْ، (وَفِي الْفُنُونِ) لِابْنِ عَقِيلٍ: (بَقَاءُ النَّفْسِ مَعَ الذُّلِّ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ)، بَلْ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (وَمَنْ عَدَّ الْحَيَاةَ مَعَ الذُّلِّ نِعْمَةً فَقَدْ أَخْطَأَ طَرِيقَ الْإِصَابَةِ)، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ اللَّطَافَةِ وَحُسْنِ الِانْسِجَامِ (وَلَا تُعْقَدُ) الذِّمَّةُ (إلَّا لِأَهْلِ كِتَابٍ) مِنْ تَوْرَاةٍ وَأَنْجِيلٍ (هُمْ يَهُودٌ وَنَصَارَى وَمَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ كَسَامِرَةَ) قَبِيلَةٌ مِنْ بَنْيِ إسْرَائِيلَ نُسِبَ إلَيْهِمْ السَّامِرِيُّ، وَيُقَالُ لَهُمْ فِي زَمَانِنَا سَمَرَةٌ، عَلَى وَزْنِ شَجَرَةٍ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ يَتَشَدَّدُونَ بِدِينِهِمْ وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ، (أَوْ تَدَيَّنَ بِالْأَنْجِيلِ كفرنج) وَهُمْ الرُّومُ، وَيُقَالُ لَهُمْ: بَنُو الْأَصْفَرِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا مُوَلَّدَةٌ، نِسْبَةٌ إلَى فَرَنْجَةَ: بِفَتْحِ أَوَّله وَثَانِيه، وَبِسُكُونِ ثَالِثِهِ، وَهِيَ جَزِيرَةٌ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا فِرِنْجِيٌّ، ثُمَّ حَذَفَ الْيَاءَ، (وَصَابِئِينَ)، وَهُمْ جِنْسٌ مِنْ النَّصَارَى نَصًّا وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْفُلْكَ حَيٌّ نَاطِقٌ، وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ، فَحِينَئِذٍ فَهُمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ بَيْنَ النَّصَارَى وَالْمَجُوس، وَأَصْلُ دِينِهِمْ دِينُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ: هُمْ عَبَدَةُ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ مِنْ: صَبَأَ إذَا خَرَجَ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ، أَوْ مِنْ صَبَأَ إذَا مَالَ، لِأَنَّهُمْ مَالُوا عَنْ سَائِرِ الْأَدْيَانِ إلَى مَا هُمْ فِيهِ، أَوْ مِنْ الْحَقِّ إلَى الْبَاطِلِ وَقِيلَ لَيْسُوا يَهُودًا وَلَا نَصَارَى، وَلَا دِينَ لَهُمْ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ مَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَمَجُوسِيٍّ «لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» رَوَاه الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا قِيلَ: لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ، لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ، فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ أَوْجَبَتْ حَقْنَ دِمَائِهِمْ، وَأَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَلَمْ تَنْهَضْ فِي إبَاحَةِ نِسَائِهِمْ وَحِلِّ ذَبَائِحِهِمْ (وَغَيْرُهُمْ)- أَيْ: غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي التَّدَيُّنِ بِالْكِتَابَيْنِ، وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَالْمَجُوسِ- (لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الْقَتْلُ)، لِحَدِيثِ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» خَصَّ مِنْهُمْ أَهْلَ الْكِتَابِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ، وَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُمْ عَلَى الْأَصْلِ، فَأَمَّا أَهْلُ صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد، فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ أُولَئِكَ، وَلِأَنَّ هَذِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَرَائِعُ، إنَّمَا هِيَ مَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ، كَذَلِكَ وَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحُفَ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورَ دَاوُد. (وَإِذَا اخْتَارَ كَافِرٌ لَا تُعْقَدُ لَهُ) الذِّمَّةُ كَوَثَنِيٍّ دِينًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَدْيَانِ، بِأَنْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ، وَلَوْ بَعْدَ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقِرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَعُقِدَتْ لَهُ الذِّمَّةُ كَالْأَصْلِيِّ، وَلَوْ كَانَ اخْتِيَارُهُ ذَلِكَ الدِّينَ (بَعْدَ التَّبْدِيلِ، أَوْ) كَانَ اخْتِيَارُهُ (الْآنَ وَلَهُ حُكْمُ الدِّينِ) الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ فِي جِزْيَةٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْبَلُهَا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَسَأَلَ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ، وَ(لَا) يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ فِي (غَيْرِهَا)، أَيْ: الْجِزْيَةِ (مِنْ حِلِّ ذَبِيحَةٍ وَمُنَاكَحَةٍ) إذَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَاهُ كِتَابِيَّانِ، وَحُكْمُهُ (كَمَنْ جُهِلَ حَالُهُ) وَلَمْ يَعْلَمْ عَلَى أَيْ دِينٍ هُوَ كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ، (وَادَّعَى أَنَّهُ كِتَابِيٌّ)، فَيُقِرُّ فِي الْجِزْيَةِ فَقَطْ، (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ (هُنَا)، أَيْ: فِي هَذَا الْمَحَلِّ، فَإِنَّهُ جُعِلَ لَهُ حُكْمُ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ إقْرَارِهِ بِالْجِزْيَةِ وَغَيْرِهِ (تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ)، وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَلَوْ عُقِدَتْ) الذِّمَّةُ (لِ) لِكُفَّارٍ، (زَاعِمِ) ينَ أَنَّهُمْ أَهْلُ (كِتَابٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ) أَوْ نَحْوُهُمْ، (فـَ) هُوَ (عَقْدٌ بَاطِلٌ)، لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَمَنْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْجِزْيَةُ قُبِلَتْ مِنْهُ، لِعُمُومِ النَّصِّ، وَلِأَنَّهُ اخْتَارَ أَفْضَلَ الدِّينَيْنِ وَأَقَلَّهُمَا كُفْرًا (وَنَصَارَى الْعَرَبِ وَيُهَوِّدهُمْ وَمَجُوسِهِمْ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ)، بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَظَاهِرُهُ: حَتَّى حَرْبِيٌّ مِنْهُمْ، لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْحِ عُمَرَ، خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى ذَلِكَ (وَغَيْرُهُمْ كَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخ)، قَبِيلَةٌ سُمُّوا بِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا فَأَقَامُوا فِي مَوَاضِعِهِمْ، يُقَالُ: تَنَخَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ، (وَبَهْرَاءَ)، بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، بَعْدَهَا أَلْفٌ، وَزَانَ حَمْرَاءَ: قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ، (أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ)، بِكَسْرِ الْكَافِ، (وَحِمْيَرَ)، بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، (أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمُضَرَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ بَذَلُوهَا)، لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ مَعَهُمْ هَكَذَا (وَيُؤْخَذُ عِوَضُهَا)، أَيْ: الْجِزْيَةُ (زَكَاتَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا فِيهِ زَكَاةٌ) لِأَنَّ عُمَرَ ضَعَّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاتَانِ، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعَانِ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَمِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَفِيمَا سَقَتْ الْمَاءُ الْخُمُسُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ غَرْبٍ أَوْ دُولَابٍ الْعُشْرُ (حَتَّى مِمَّنْ لَمْ تَلْزَمْهُ جِزْيَةٌ) كَالصَّغِيرِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَجَانِينِ وَالزَّمْنَى وَالْعُمْيِ وَالشُّيُوخِ وَنَحْوِهِمْ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالْأَنْفُسِ سَقَطَ وَانْتَقَلَ إلَى الْأَمْوَالِ بِتَقْرِيرِهِمْ، فَتُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالٍ زَكَوِيٍّ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ نِسَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ صِينُوا عَنْ السَّبِيِّ بِهَذَا الصُّلْحِ وَدَخَلُوا فِي حُكْمِهِ فَجَازَ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْوَاجِبِ بِهِ كَالرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ، وَلِهَذَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ فَقِيرِهِمْ وَلَوْ مُعْتَمَلًا، وَلَا مِمَّنْ لَهُ مَالٌ دُونَ نِصَابٍ، أَوْ غَيْرِ زَكَوِيٍّ كَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَمَصْرِفُهَا)، أَيْ: الزَّكَاةُ الْمُضَعَّفَةُ (كـَ) مَصْرِفِ (جِزْيَةٍ)، لِأَنَّهَا عِوَضُهَا، (لَا كَ) مَصْرِفِ (زَكَاةٍ)، لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُشْرِكٍ، فَكَانَ جِزْيَةً، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ جِزْيَةٌ مُسَمَّاةٌ بِالصَّدَقَةِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ: هَؤُلَاءِ حَمْقَى رَضُوا بِالْمَعْنَى وَأَبَوْا الِاسْمَ (وَحَرُمَ تَجْدِيدُ جِزْيَةٍ عَلَيْهِمْ)، أَيْ: الْمَذْكُورِينَ، (لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَكَذَا، فَلَا يُغَيَّرُ) عَقْدُهُ، وَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ (وَلِلْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (مُصَالَحَةُ مِثْلِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ بِذَلِكَ)، بِأَنْ لَا يَضْرِبَ عَلَيْهِمْ جِزْيَةً، بَلْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الزَّكَوِيَّةِ زَكَاتَيْنِ، وَمَحَلُّ جَوَازِ ذَلِكَ (خَشْيَةَ ضَرَرِهِمْ)، فَإِنْ أُمِنَ ضَرَرُهُمْ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَيَفْسُدُ عَقْدُ ذِمَّةٍ إنْ شُرِطَ فِيهِ) شَرْطٌ فَاسِدٌ، مِثْلُ أَنْ يَشْرِطَ (أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، أَوْ) شُرِطَ فِيهِ (إظْهَارُ مُنْكَرٍ، أَوْ سُكْنَاهُمْ الْحِجَازَ وَنَحْوِهِ)، لِفَسَادِ الشَّرْطِ، فَيَعُودُ عَلَى الْعَقْدِ بِالْبُطْلَانِ.

.(فَصْلٌ): [لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ]:

(لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ)، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَهِيَ بَدَلُ الْقَتْلِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ: «لَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ (وَ) لَا عَلَى (مَجْنُونٍ، وَ) لَا (قِنٍّ وَ) لَا (زَمِنٍ وَ) لَا (أَعَمًى وَ) لَا (شَيْخٍ فَانٍ، وَ) لَا (امْرَأَةٍ) لِلْخَبَرِ، (وَلَوْ بَذَلَتْهَا)، أَيْ: بَذَلَتْ الْمَرْأَةُ الْجِزْيَةَ (لِدُخُولِ دَارِنَا)، فَلَا تُؤْخَذْ مِنْهَا، (وَتُمَكَّنُ) مِنْ دُخُولِهَا (مَجَّانًا)، وَيُرَدُّ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْهُ لِفَسَادِ الْقَبْضِ (وَإِنْ تَبَرَّعَتْ) وَأَعْطَتْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا، (قُبِلَتْ) مِنْهَا، وَتَكُونُ (هِبَةً لَا جِزْيَةً)، فَإِنْ شَرَطَتْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ، (وَكَهِيَ)، أَيْ: كَالْمَرْأَةِ (كُلُّ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ) جِزْيَةٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وَيَأْتِي إذَا دَفَعَهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا لِفَسَادِ الْقَبْضِ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ دَائِمًا)، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ، (وَيُؤْخَذُ مِنْهُ)، أَيْ: الرَّاهِبِ بِصَوْمَعَةٍ، (مَا زَادَ عَلَى بُلْغَتِهِ)، بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، فَلَا يَبْقَى بِيَدِهِ إلَّا بُلْغَتُهُ فَقَطْ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَالُنَا كَالرِّزْقِ الَّذِي لِلدُّيُورَةِ وَالْمَزَارِعِ إجْمَاعًا، قَالَ: وَيَجِبُ ذَلِكَ قَالَ: وَمَنْ لَهُ زِرَاعَةٌ أَوْ تِجَارَةٌ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهُمْ أَوْ مُعَاوِنُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، كَمَنْ يَدْعُو إلَيْهِمْ مِنْ رَاهِبٍ وَغَيْرِهِ، تَلْزَمُهُ إجْمَاعًا، وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ بِلَا نِزَاعٍ وَقَوْلُهُ: دَائِمًا، يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ إلَى النَّاسِ وَيُخَالِطُهُمْ كَأَحَدِهِمْ، وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَكْتَسِبُ، أَنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي رُهْبَانٍ بِالْقُدْسِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى خُنْثَى) مُشْكِلٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا، (فَإِنْ بَانَ) الْخُنْثَى (رَجُلًا أُخِذَ لِلْمُسْتَقْبَلِ) مِنْ اتِّضَاحِ ذُكُورِيَّتِهِ (فَقَطْ) دُونَ الْمَاضِي، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ إذْ ذَاكَ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ)، أَيْ: مُكْتَسِبٍ، (يَعْجِزُ عَنْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} وَلِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ جَعَلَ أَدْنَاهَا عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَمَرَّ) فِي أَوَائِلِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ أَنَّهُ (يَرْجِعُ فِي) قَدْرِ (جِزْيَةٍ) وَخَرَاجٍ، (لِتَقْدِيرِ إمَامٍ لَا لِمَا قَدَّرَهُ عُمَرُ) فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ، (وَوَضَعَ) الْإِمَامُ عُمَرُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَ) عَلَى (الْمُتَوَسِّطِ نِصْفًا) أَرْبَعَةٌ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، (وَ) عَلَى (الْأَدْنَى اثْنَيْ عَشْرَ) دِرْهَمًا، وَضَعَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، فَيَرْجِعُ إلَيْهِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» بِأَنَّ الْفَقْرَ كَانَ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ أَغْلَبُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمُجَاهِدٍ: مَا بَالُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ، وَبِأَنَّ الْجِزْيَةَ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ التَّقْدِيرُ وَاجِبًا، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صَغَارًا وَعُقُوبَةً، فَاخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِهِمْ، (وَيَجُوزُ) أَنْ يُؤْخَذَ فِي الْجِزْيَةِ (عَنْ الِاثْنَيْ عَشْرَ) دِرْهَمًا (دِينَارٌ)، لِأَنَّهُ يَعْدِلُهَا قِيمَةً بِحَسَبِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ (وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا) عُرْفًا، لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَا تَوْقِيفَ هُنَا، فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ. (وَتَجِبُ) الْجِزْيَةُ (عَلَى مُعْتَقٍ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ)، لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يُقَرَّ بِدَارِنَا بِلَا جِزْيَةٍ كَحُرٍّ أَصْلِيٍّ، (وَ) تَجِبُ عَلَى (مُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ) بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَالْإِرْثِ. (وَمَنْ صَارَ أَهْلًا) لِجِزْيَةٍ، بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ عَتَقَ قِنٌّ، أَوْ اسْتَغْنَى فَقِيرٌ (بِأَثْنَاءِ حَوْلٍ، أُخِذَ مِنْهُ) إذَا تَمَّ الْحَوْلُ (بِقِسْطِهِ)، وَلَمْ يُتْرَكْ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلَهُ، لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى إفْرَادِهِ بِحَوْلٍ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى أَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَوْلٌ (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ)، لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِهِ لَهُمْ (وَيُلَفَّقُ مِنْ إفَاقَةِ مَجْنُونٍ حَوْلٌ ثُمَّ يُؤْخَذُ) مِنْهُ جِزْيَةٌ، لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَخْذٌ لَهَا قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا، (وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ) الْجِزْيَةُ (عَنْهُ) نَصًّا وَقَالَ: يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ، لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا أُجْرَةُ إقَامَةٍ بِدَارِنَا. «رُوِيَ أَنَّ ذِمِّيًّا أَسْلَمَ فَطُولِبَ بِالْجِزْيَةِ، وَقِيلَ: إنَّمَا أَسْلَمَ تَعَوُّذًا. قَالَ: إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ فِي الْإِسْلَام مَعَاذًا، وَكَتَبَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُ الْجِزْيَةُ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَعْنَاهُ.
وَ(لَا) تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ (إنْ مَاتَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (أَوْ جُنَّ أَوْ عَمِيَ وَنَحْوِهِ) كَأَنْ افْتَقَرَ بَعْدَ الْحَوْلِ كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَسُقُوطِ الْحَدِّ بِالْمَوْتِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ، وَمَالِ حَيٍّ) جُنَّ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ، (وَ) إنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ (فِي أَثْنَائِهِ)، أَيْ: الْحَوْلُ، فَإِنَّهَا (تَسْقُطُ)، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا، (وَمَتَى بَذَلُوا مَا) وَجَبَ (عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ، (لَزِمَ قَبُولُهُ) وَدَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ بِأَذًى إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِ حَرْبٍ، وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ وَلَوْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ، وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. (وَلَا تَتَعَيَّنُ) الْجِزْيَةُ، أَيْ: أَخْذُهَا (مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، بَلْ) يُؤْخَذُ مِنْ (كُلِّ الْأَمْتِعَةِ بِالْقِيمَةِ)، لِحَدِيثِ «مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ، ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) عَنْ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ إذَا (تَوَلَّوْا بَيْعَهُمَا وَقَبَضُوهُ)، أَيْ: الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهَا كَثِيَابِهِمْ، وَلَوْ بَذَلُوهَا فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ بَدَلِ مُتْلَفٍ، جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهَا، وَطَابَتْ لَهُ. (وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ) هِلَالِيَّةٍ كَالزَّكَاةِ، لِتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ، (فَإِنْ انْقَضَتْ سُنُونَ) وَلَمْ تُؤْخَذْ، (اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا مُفَرَّقَةً)، أَيْ: كُلُّ سَنَةٍ عَلَى حِدَةٍ، لِئَلَّا يَفُوتَ صَغَارُ سَنَةٍ مِنْ السِّنِينَ وَلَا تَتَدَاخَلُ، لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي كُلِّ حَوْلٍ، أَشْبَهَ الزَّكَاةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَلَا يَتَدَاخَلُ صَغَارٌ)، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ أَخْذِ كُلِّ سَنَةٍ. (وَيُمْتَهَنُونَ)، أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ وُجُوبًا (عِنْدَ أَخْذِهَا)، أَيْ: الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ): لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (وَ) يَقْبِضُهَا (الْآخِذُ) مِنْهُمْ وَهُوَ (جَالِسٌ)، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُسْتَحَقَّةٌ، (وَلَا يُقْبَلُ) مِمَّنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ (إرْسَالُهَا)، لِفَوَاتِ الصَّغَارِ. (وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ تَوْكِيلٌ)، أَيْ: أَنْ يَتَوَكَّلَ عَنْهُمْ (فِي أَدَائِهَا وَلَا) فِي (ضَمَانِهَا، وَلَا أَنْ يُحِيلَ مَنْ)، أَيْ: ذِمِّيًّا وَجَبَتْ، (هِيَ)، أَيْ: الْجِزْيَةُ (عَلَيْهِ بِهَا)، لِفَوَاتِ الصَّغَارِ، (وَلَا يُعَذَّبُونَ)، أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (فِي أَخْذِهَا)، أَيْ: الْجِزْيَةِ. (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهَا، وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ)، لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ مَنْ نَقْضِ أَمَانِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِوَضِ، وَلَا يَشُطُّ عَلَيْهِمْ. رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ الْجِزْيَةَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَظُنُّكُمْ قَدْ أَهْلَكْتُمْ النَّاسَ، قَالُوا: لَا وَاَللَّهِ مَا أَخَذْنَا إلَّا عَفْوًا صَفْوًا، قَالَ: بِلَا سَوْطٍ وَلَا نَوْطٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَى يَدِي، وَلَا فِي سُلْطَانِي. (وَيَصِحُّ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ)، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ، (ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَ) عَلْفَ (دَوَابِّهِمْ)، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّ عُمَرَ شَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَنْ يُصْلِحُوا الْقَنَاطِرَ، وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِهِمْ، فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ، وَلِأَنَّهُمْ رُبَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ إضْرَارًا بِهِمْ (وَ) يَصِحُّ (أَنْ يُكْتَفَى بِهَا)، أَيْ: الضِّيَافَةِ، (عَنْ الْجِزْيَةِ)، لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا، وَلِفِعْلِ عُمَرَ، (وَيُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِهَا)، أَيْ: الضِّيَافَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَ) قَدْرُ (أَيَّامِهَا، وَعَدَدُ مَنْ يُضِيفُ مِنْ رِجَالٍ وَفُرْسَانٍ كَ) أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: تُضَيِّفُونَ (فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةُ يَوْمٍ، كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خُبْزِ كَذَا، وَلِلْفَرَسِ مِنْ الشَّعِيرِ كَذَا، وَمِنْ التِّبْنِ كَذَا)، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْجِزْيَةِ، فَاعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِهِ كَالنُّقُودِ، قَالَهُ الْقَاضِي (وَيُبَيِّنُ) لَهُمْ (الْمَنْزِلَ)، أَيْ: مَنْزِلَ الضِّيفَانِ، (وَمَا عَلَى غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ) مِنْ الضِّيَافَةِ كَمَا فِي الْجِزْيَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ نَفْسٍ، وَأَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَعَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَفَ دَوَابِّهِمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ. (وَلَا تَجِبُ) ضِيَافَةٌ عَلَيْهِمْ (بِلَا شَرْطٍ)، لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَلَا يُكَلَّفُونَهَا مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَلَا يُكَلَّفُونَ الذَّبِيحَةَ، وَلَا أَنْ يُضَيِّفُوا بِأَرْفَعَ مِنْ طَعَامِهِمْ، لِقَوْلِ عُمَرَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ (وَإِنْ شُرِطَتْ) الضِّيَافَةُ (مُطْلَقَةً) مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، (فَفِي الشَّرْحِ) الْكَبِيرِ (وَالْفُرُوعِ صَحَّ وَتَكُونُ مُدَّتُهَا)، أَيْ: الضِّيَافَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا: (يَوْمًا وَلَيْلَةً)، لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَالْمَذْهَبُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهَا، (وَلِلْمُسْلِمِينَ نُزُولٌ بِكَنَائِسَ وَبَيْعٍ)، فَإِنَّ عُمَرَ صَالَحَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَنْ يُوَسِّعُوا أَبْوَابَ بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ لِمَنْ يُجْتَازُ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَدْخُلُوهَا رُكْبَانًا، (فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا)، أَيْ: الْمُسْلِمُونَ مَكَانًا (فـَ) لَهُمْ النُّزُولُ (فِي الْأَفْنِيَةِ وَفُضُولِ الْمَنَازِلِ)، وَ(لَا) يَجُوزُ لَهُمْ (تَحْوِيلُ صَاحِبِ مَنْزِلٍ) مِنْهُ، لِأَنَّهُ إضْرَارٌ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»
وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ الضِّيَافَةَ فَامْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِهَا، لَمْ يَعْقِدْ لَهُمْ الذِّمَّةَ (وَمَنْ امْتَنَعَ) مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ قَبِلَ (مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْبِرَ) عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أُجْبِرُوا عَلَى الْقِيَامِ بِهِ (وَلَوْ بِقِتَالٍ) عِنْدَ تَعَذُّرِ أَدَائِهِمْ بِدُونِهِ، (فَإِنْ قَاتَلُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ) بِالْقِتَالِ، (وَإِذَا تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ) قَدْرَ (مَا عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ، (أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، أَوْ ظَهَرَ) مَا عَلَيْهِمْ، (أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ) بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ، لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَقَرُّوا عَقْدَ عُمَرُ، وَلَمْ يُجَدِّدُوهُ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا رَدَّهُ إلَى الصِّحَّةِ، (وَإِلَّا) يَعْرِفْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ، (رَجَعَ لِقَوْلِهِمْ)، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ (إنْ سَاغَ)، أَيْ: صَلُحَ مَا ادَّعُوهُ جِزْيَةً، لِأَنَّهُمْ غَارِمُونَ، (وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ مَعَ تُهْمَةٍ) يَذْكُرُونَ، لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِمْ، (فَإِنْ بَانَ) لِإِمَامٍ بَعْدَ ذَلِكَ (نَقْصٌ)، أَيْ: أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِنَقْصٍ عَمَّا كَانُوا يَدْفَعُونَ لِمَنْ قَبْلَهُ، (أَخَذَهُ)، أَيْ: النَّقْصَ مِنْهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: كُنَّا نُؤَدِّي كَذَا جِزْيَةً، وَكَذَا هَدِيَّةً حَلَّفَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ كُلَّهُ جِزْيَةٌ (وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ): الْمَضْرُوبُ عَلَيْنَا (دِينَارٌ، وَبَعْضٌ) مِنْهُمْ قَالَ: (دِينَارَانِ، أَخَذَ كُلٌّ بِمَا يُقِرُّ بِهِ) وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، لِأَنَّ أَقْوَالَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. (وَإِذَا عَقَدَ إمَامٌ الذِّمَّةَ كَتَبَ أَسْمَاءَ أَهْلِهَا وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ)، فَكَتَبَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، (وَ) كَتَبَ (حِلَاهُمْ) جَمْعُ: حِلْيَةٍ، بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، (فَيَكْتُبُ: طَوِيلٌ)، أَوْ: قَصِيرٌ أَوْ رَبَعَةٌ، أَسْمَرُ أَوْ أَخْضَرُ أَوْ أَبْيَضُ، مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ مَفْرُوقُهُمَا، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ ضِدُّهُمَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِهِ، وَكَتَبَ دِينَهُمْ، فَيَقُولُ: يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ، (وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِّيفًا) وَهُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ، لِحَدِيثِ: «الْعِرَافَةُ حَقٌّ» (مُسْلِمًا) لِيَقْبَلَ خَبَرَهُ، يَجْمَعُهُمْ عِنْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَ(يَكْشِفُ حَالَ مَنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ بِبُلُوغٍ وَنَحْوِهِ) كَإِسْلَامٍ وَاسْتِغْنَاءٍ وَإِفَاقَةٍ مِنْ جُنُونٍ، لِيَتَعَرَّفَ أَمْرَ الْجِزْيَةِ، (أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ)، لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ. (وَمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةٌ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ، لِتَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ، بَلْ هُنَا أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِلَا بَيِّنَةٍ.