فصل: باب الاستحقاق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شفاء الغليل في حل مقفل خليل



.باب الغصب:

الْغَصْبُ: أَخْذُ مَالٍ، قَهْراً، تَعَدِّياً، بِلا حِرَابَةٍ. وأُدِّبَ مُمَيِّزٌ كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ، وفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ قَوْلانِ. وضَمِنَ بِالاسْتِيلاءِ.
الشرح:
قوله: (وضَمِنَ بِالاسْتِيلاءِ) أي: وضمن الغاصب المميز ما غصب بسبب استيلائه عَلَيْهِ إِذَا تغير فِي بدنه وإِن بسماوي أو جناية غير، وظاهره أنّه لا فرق فِي ذلك بين العقار وغيره خلاف قول ابن الحَاجِب، ويكون أي الضمان بالتفويت بالمباشرة أو بإثبات اليد العادية، فالمباشرة كالقتل والأكل والإحراق وإثبات اليد العادية فِي المنقول بالنقل، وفِي العقار بالاستيلاء وإِن لَمْ يسكن، عَلَى أنّه قبله فِي "التوضيح" كابن عبد السلام، وأما ابن عَرَفَة فقال: مجرد حصول المغصوب فِي حوز الغاصب يوجب ضمانه بسماوي أو جناية غيره عَلَيْهِ.
ثم قَالَ: وحاصل كلام ابن الحَاجِب وشارحيه: أن غير العقار لا يتقرر فيه الضمان بمجرد الاستيلاء، وليس المذهب كذلك بل مجرد الاستيلاء و هو مجرد حقيقة الغصب يوجب الضمان، لو غصب أمة كائنةً ببقعة أو غيرها من المتملكات فاستولى عَلَيْهَا بالتمكن من التصرف فيها دون ربها ضمنها، وروايات المذهب واضحة بهذا لمن تأملها. انتهى.
وابن الحَاجِب تابع لابن شاس وعبارتهما منسوجة عَلَى منوال " وجيز " الغزالي فِي هذا المحل، وكلام المصنف هنا سالم من ذلك، وإن كَانَ قوله بعد هذا: (أو ركب) يحتمل أن يشير إليه فتأمله.

متن الخليل:
وإِلا فَتَرَدُّدٌ.
الشرح:
قوله: (وإِلا فَتَرَدُّدٌ) أي: وإن لَمْ يكن الغاصب مميزاً بل كَانَ غير مميز فقد تَرَدُّدٌ المتأخرون: هل الخلاف فِي ضمانه كما نقل ابن الحَاجِب؟ أم فِي السن المخرج له إِلَى التمييز؟ كما ذكر ابن عبد السلام؛ وذلك أن ابن الحَاجِب قَالَ: وأما غير المميز فقيل المال فِي ماله والدم عَلَى عاقلته. وقيل: المال هدر كالمجنون. وقيل: كلاهما هدر.
فقال ابن عبد السلام: جعل مورد الخلاف فِي هذه المسألة عدم التمييز وهو حسن فِي الفقه؛ غير أن الروايات لا تساعده، وإنما تعرّضوا للتحديد فِي هذه المسألة بالسنين، فقيل: ابن سنتين. وقيل ابن سنة ونصف. وقيل غير ذلك فقبله فِي "التوضيح" كما أشار إليه هنا.
وأما ابن عَرَفَة فقال: قوله: والروايات لا تساعده. يردّ بنقل ابن رشد فِي ثاني مسألة من رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الجنايات إذ قَالَ: لا اختلاف فِي أن حكم الصبي الذي لا يعقل ابن سنة ونصف ونحوها فِي جناياته عَلَى الأموال والدماء حكم المجنون الذي لا يعقل سواء، وقد اختلف فِي ذلك عَلَى ثلاثة أَقْوَال:
أحدها: أن جنايتهم عَلَى الأموال فِي أموالهم، وعَلَى الدماء عَلَى عواقلهم إِلا أن يكون أقلّ من الثلث ففي أموالهم.
والثاني: أن ذلك هدر فِي الأموال والدماء.
والثالث: تفرقته فِي هذه الرواية بين الأموال والدماء، وأما إِن كَانَ الصبي يعقل فلا اختلاف فِي أنّه ضامن لما جنى عَلَيْهِ من الأموال فِي العمد والخطأ وأن عمده فِي ما جناه من الدماء خطأ يكون عَلَيْهِ من ذلك فِي ماله ما كَانَ أدنى من الثلث، وعَلَى عاقلته ما بلغ الثلث فأكثر. وأما الكبير المولى عَلَيْهِ فحكمه فِي جنايته فِي الأموال والدماء حكم المالك لأمر نفسه يضمن ما استهلكه من الأموال ويقتصّ منه فيما جناه عمداً من الدماء.
تنبيه:
قد علمت من كلام ابن رشد هذا أن الأَقْوَال الثلاثة، فِي الصبي الذي لا يعقل وفِي المجنون - عَلَى حد السواء، وكذلك صرّح بالأَقْوَال الثلاثة فِي المجنون فِي أول رسم من سماع أشهب من الجنايات، وفِي رسم مرض من سماع ابن القاسم من طلاق السنة، وذلك خلاف ما قبله ابن عبد السلام وغيره كالمصنف فِي "التوضيح" من قول ابن الحَاجِب: وقيل المال هدر كالمجنون، حيث اقتضى أن الأَقْوَال الثلاثة لا تجري فِي المجنون، ولَمْ يتنازل ابن عَرَفَة لهذا البحث وإنّه لمن وظيفه، ولا مرية أن ابن الحَاجِب اختصر هنا كلام ابن شاس، وابن شاس اختصر كلام الشيخ أبي الوليد فِي "المقدمات"، ونص "المقدمات": "واختلف إِن كَانَ صغيراً لا يعقل فقيل: إِن ما أصاب من الأموال والديات هدر كالبهيمة العجماء التي جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرحها جبارا وقيل إِن ما أصابه من الأموال فِي ماله، وما أصابه من الدماء جملته عَلَى العاقلة إذ كَانَ الثلث فصاعداً كالخطأ سواء وقيل إِن ما أصابه من الأموال هدر، وما أصابه من الدماء جملته العاقلة إِن بلغ الثلث، وحكم هذا حكم المجنون المغلوب عَلَى عقله". انتهى.
وهو راجع لما فِي البيان؛ لأن المعنى وحكم هذا الصبي الذي لا يعقل حكم المجنون فِي جريان الأَقْوَال الثلاثة، واختصار ابن شاس لا يأبى هذا التأويل؛ لأنه نقل عن الشيخ أبي الوليد ما فِي "المقدمات" عَلَى ترتيبه وختمه بأن قَالَ: كالمجنون. فلا يمتنع انطباق هذا التشبيه عَلَى المسألة كلها حتى يرجع لما فِي " البيان"، ولما فهم ابن الحَاجِب أن التشبيه قاصر عَلَى القول الذي يليه وقدّم وأخر كما تقدم من نصّه تحول المعنى. فليتأمله من فتح له فِي الإنصاف والتحقيق. وبالله تعالى التوفيق.

متن الخليل:
كَأَنْ مَاتَ، أَوْ قُتِلَ عَبْدٌ قِصَاصاً، أَوْ رَكِبَ، أَوْ ذَبَحَ، أَوْ جَحَدَ وَدِيعَةً.
الشرح:
قوله: (كَأَنْ مَاتَ.. إِلَى آخره) مشتمل عَلَى تمثيل لمفيتات المغصوب بعد الاستيلاء، وتشبيه بنظائر تشارك المفتيات فِي الضمان وإِن لَمْ ينطلق عَلَيْهَا اسم المغصوب حقيقة، فكأنه يقول: كما يضمن الغاصب فِي كذا بعد الاستيلاء، وكما يضمن شبيه الغاصب فِي كذا، فأما الموت والقصاص فمفيتان، وأما الركوب فهو هنا دخيل، إذ ليس بمفيت فلا يصلح للتمثيل ولا بمشارك فلا يصلح للتشبيه، فإن كَانَ أشار بِهِ لقول ابن الحَاجِب: ويكفي الركوب فِي الدابة. فقد وضعه فِي غير محله مَعَ مناقضته لقوله: (وضمن بالاستيلاء).
وقد قَالَ ابن عبد السلام: مسألة الركوب ظاهرة باعتبار الغصب، فإنّ وضع اليد وحده كاف فِي تعلق الضمان فكيف إِذَا صحبه الركوب؟ فقال ابن عَرَفَة: ما علل بِهِ ظهور مسألة الركوب غصباً موجب إشكالها فِي كلام ابن الحَاجِب؛ لأن ظاهر قوله: يكفي الركوب فِي الضمان يقتضي نفيه بنفيه، والعلة المذكورة تناقضه وهي الحق، وقول ابن عبد السلام بها يناقض ظاهر ما تقدم له فِي تفسير قول ابن الحَاجِب وإثبات اليد العادية فِي المنقول بالنقل فتأمله منصفاً". انتهى.
وأما الذبح فجعله مفيتاً وقد قَالَ ابن الجلاب: ومن غصب شاة فذبحها ضمن لربها قيمتها، و كَانَ له أكلها، وقَالَ محمد بن مسلمة: "لربها أخذها، ويضمن الغاصب ما بين قيمتها حيّة ومذبوحة". انتهى.
واختصره ابن الحَاجِب فقال: وإِذَا ذبح الشاة ضمن قيمتها.
وقال محمد: إِذَا لَمْ يشوها فلربها أخذها مَعَ أرشها.
ابن عبد السلام: ظاهره أن ليس لربها فِي القول الأول إِلا قيمتها، وذبحها إفاتة، وهو ظاهر ما حكاه غيره، وقبله فِي "التوضيح".
وقال ابن عَرَفَة: ما حكاه من: أن ذبحها فوت يوجب قيمتها لا أعرفه فِي الذبح نصاً بل تخريجاً مما حكى المازري فِي طحن القمح.
وفِي رسم الصبرة من سماع يحيي من كتاب " الدعوى والصلح": من ذبح لرجلٍ شاة فلزمه غرم قيمتها لَمْ يجز لربها أن يأخذ فيها حيواناً من جنسها؛ لأنّ رب الشاة إِذَا لَمْ يفت لحمها مخيّر فِي أخذها مذبوحة وفي أخذ قيمتها حيّة، فيدخله بيع اللحم بالحيوان، فإن فات لحمها فلا بأس بذلك.
ابن عَرَفَة: فقبلها ابن رشد ولم يرد فيها شيئاً، ولا ذكر أن لربها أخذها مذبوحة خلافاً. انتهى.
وباقي النظائر تشبيه.

متن الخليل:
أَوْ أَكَلَ بِلا عِلْمٍ، أَوْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ، أَوْ حَفَرَ بِئْراً تَعَدِّياً.
الشرح:
قوله: (أَوْ أَكَلَ بِلا عِلْمٍ) لا يريد بِهِ أنّه لا يضمنه إلا الأكل بل هي مسألة هبة الغاصب يهب الشيء المغصوب، وقد قَالَ فيها بعد هذا: (ووارثه وموهوبه إِن علما كهو وإِلا بُديء بالغاصب)، بهذا تأول فِي "توضيحه"كلام ابن الحَاجِب تبعا لابن عبد السلام.
وقال ابن عَرَفَة: ظاهره أنّه مبدأ فِي ضمانه عَلَى الغاصب، ومقتضى المذهب أنّه كمن وهب غاصباً ما غصبه، ولا أعلم نفس هذه لغير ابن شاس من أهل المذهب". انتهى، ونصّها فِي " وجيز " الغزالي: "ولَو قدم إليه ضيافة ففيه قَوْلانِ؛ لمعارضة الغرور والمباشرة.

متن الخليل:
وقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي.
الشرح:
قوله: (وقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي) كذا قَالَ ابن شاس وابن الحَاجِب تقديماً للمباشر زاد ابن عَرَفَة: وكذا نقله الطرطوشي فِي مسألة حل القفص الآتية.

متن الخليل:
إِلا لِمُعَيَّنٍ فَسِيَّانِ.
الشرح:
قوله: (إِلا لِمُعَيَّنٍ فَسِيَّانِ) قاله ابن راشد القفصي وابن عبد السلام، ولهما عزاه فِي "التوضيح".

متن الخليل:
أَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ لِئَلا يَأْبَقَ أَوْ عَلَى غَيْرِ عَاقِلٍ، إِلا بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ، أَوْ حِرْزاً لِمِثْلِيٍّ، ولَوْ بِغَلاءٍ بِمِثْلِهِ وصَبَرَ لِوُجُودِهِ، ولِبَلَدِهِ ولَوْ صَاحَبَهُ.
الشرح:
قوله: (أَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ لِئَلا يَأْبَقَ) لام التعليل من قوله: (لئلا) متعلقة (بقيد) نبه، بذلك عَلَى قول ابن عبد السلام: شرط فِي "المدونة" فِي مسألة العبد أن يكون قيد خوف الإباق وهو شرط ظاهر، ولَو قيّد لقصد النكال بالعبد لَمْ يجب عَلَى من حلّه منه ضمان وقبله فِي "التوضيح".

متن الخليل:
ومُنِعَ مِنْهُ لِلتَّوَثُّقِ، ولا رَدَّ لَهُ كَإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ مَعِيباً زَالَ، وقَالَ أَجَزْتُ لِظَنِّ بَقَائِهِ كَنُقْرَةٍ صِيغَتْ، وطِينٍ لُبِنَ، وقَمْحٍ طُحِنَ وبَذْرٍ زُرِعَ، وبَيْضٍ أُفْرِخَ، إِلا مَا بَاضَ، إِنْ حَضَنَ، وعَصِيرٍ تَخَمَّرَ، وإِنْ تَخَلَّلَ، خُيِّرَ كَتَخَلُّلِهَا لِذِمِّيٍّ، وتَعَيَّنَ لِغَيْرِهِ.
الشرح:
قوله: (ولا رَدَّ لَهُ) هذا معروف المذهب، أن ليس لربه جبر الغاصب عَلَى ردّه لبلد الغصب خلافاً للمغيرة، وهنا ذكر هذا الفرع فِي "التوضيح" كابن عبد السلام وابن عَرَفَة.

متن الخليل:
وإِنْ صَنَعَ كَغَزْلٍ وحَلْيٍ وغَيْرِ مِثْلِيٍّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ، وإِنْ جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ.
الشرح:
قوله: (وإِنْ صَنَعَ كَغَزْلٍ وحَلْيٍ وغَيْرُ مِثْلِيٍّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) كذا فِي النسخ التي وقفنا عَلَيْهَا (صنع) بالصاد المهملة والنون، مبنياً للفاعل أو للنائب، فينبغي أن ينصب لفظ (غَيْرُ) عَلَى الأول أو يرفع عَلَى الثاني عَلَى حسب محل الكاف، وكأنه من باب:
عَلَفْتهَا تِبْنًا ومَاءً بَارِدًا

أي: وفوت غير مثلي، وإنما خصّ الصنعة أولا نظراً إِلَى الغالب، وفرّ بعضهم من هذا التخصيص فضبطه ضيّع بالضاد المعجمة والياء المشددة المثناة من أسفل مبنيّاً للفاعل أو للنائب أَيْضاً، وزعم بعضهم أن قوله: (وإِن صنع) إغياء لمسألة تحليل الخمر أي وإِن خلل وهذا معروف الأَقْوَال عند ابن عَرَفَة إذ قَالَ:
ففي كونها بتخليلها عند الغاصب له أو لربها. ثالثها إِن تسبب فِي تخليلها لتخريج عبد المنعم، والمعروف ومفهوم تعليل أبي محمد؛ وعَلَيْهِ فصنع بالصاد المهملة والنون مبني للنائب ليس إِلا، و(غير) مجرور عطفاً عَلَى ما بعد الكاف، و(بقيمته) بباء الجر مكان فاء الجواب، والمشبه بِهِ هو قوله: (المثلي ولو بغلاء بمثله) وكأنه قَالَ: وضمن المثلي بمثله كضمان غزل وحلي وغير مثلي بقيمته.

متن الخليل:
أَوْ كَلْباً ولَوْ قَتَلَهُ تَعَدِّياً، وخُيِّرَ فِي الأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ تَبِعَهُ تَبِعَ هُوَالْجَانِيَ، فَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ أَقَلَّ فَلَهُ الزَّائِدُ مِنَ الْغَاصِبِ فَقَطْ، ولَهُ هَدْمُ بِنَاءٍ عَلَيْهِ، وغَلَّةُ مُشْتَغَلٍ، وصَيْدُ عَبْدٍ، وجَارِحٍ.
الشرح:
قوله: (ولَوْ قَتَلَهُ تَعَدِّياً) راجع لقوله: (بقيمته يوم غصبه) ورده لـ(الكلب) كما فِي "الشامل" ليس بشيء.

متن الخليل:
وكِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ، كَمَرْكَبٍ خربٍ، وأَخَذَ مَا لا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ، ولِلْغَاصِبِ صَيْدُ شَبَكَةٍ ومَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ، وهَلْ إِنْ أَعْطَاهُ فِيهِ مُتَعَدِّدٌ عَطَاءً فَبِهِ؟ أَوْ بِالأَكْثَرِ مِنْهُ ومِنَ الْقِيمَةِ تَرَدُّدٌ وإِنْ وَجَدَ غَاصِبَهُ بِغَيْرِهِ وغَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَهُ تَضْمِينُهُ، ومَعَهُ أَخْذَهُ إِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِكَبِيرِ حَمْلٍ.
الشرح:
قوله: (وَكِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ، كَمَرْكَبٍ خربٍ) أما إِذَا غصب ساحةًًًًً لا بناء فيها فبناها فقال اللخمي: لا أعلمهم اختلفوا فيمن غصب أرضاً فبناها ثم سكن أو اغتلّ أنّه لا يغرم سوى غلة القاعة، وحكى الخلاف فِي غاصب البناء الخرب وهو الذي اختصر ابن الحَاجِب فِي قوله: وإِذَا غصب داراً خراباً أو مركباً خراباً فأصلحه فاغتل فقال أشهب: ما زاد فللغاصب كساحةٍ يعمرها.
وقال محمد الجميع للمالك، ووافق أشهب أصبغ. اللخمي: وهو أبين، فيقوم الأصل قبل إصلاحه فينظر ما كَانَ يؤاجر بِهِ ممن يصلحه فيغرمه، وما زاد عَلَى ذلك فللغاصب.
ورأى محمد أن جميع الغلة للمغصوب منه، وله أخذ الدار مصلحة ولا شيء عَلَيْهِ إِلا قيمة ما لَو نزعه لكانت له قيمة، ورأى المالك يستحق البناء بقيمته منقوضاً فتكون غلته له.

متن الخليل:
لا إِنْ هَزِلَتْ جَارِيَةٌ، أَوْ نَسِيَ عَبْدٌ صَنْعَةً ثُمَّ عَادَ.
الشرح:
قوله: (لا إِنْ هَزِلَتْ جَارِيَةٌ، أَوْ نَسِيَ عَبْدٌ صَنْعَةً ثُمَّ عَادَ) هذا مقابل قوله: (كَأنَ مات) قَالَ ابن عَرَفَة: وقول ابن الحَاجِب وابن شاس: لَو هزلت الجارية ثم سمنت أو نسي العبد الصنعة ثم تذكرها حصل الجبر: هو كقوله فِي "المدونة": من اطلع عَلَى عيبٍ قديم فيما ابتاعه فلم يردّه حتى زال فلا ردّ له، والهزال والنسيان زوالهما فِي المغصوب كذلك، ولا أعرفها نصاً فِي المذهب لغيرهما، بل للغزالي قَالَ فِي " وجيزه": ولَو هزلت الجارية ثم سمنت أو نسي العبد الصنعة ثم تذكر أو أبطل صنعة الإناء ثم أعاد مثله ففي حصول الجبر وجهان.
ابن عَرَفَة: الأَظهَر أن الإناء لا ينجبر بذلك، ومسألة الغصب عندي تجري عَلَى ما تقدم من الخلاف فِي المودع يتعدى عَلَى الوديعة ثم يعيدها لحالها فِي المثلي منها، ومقتضى قوليهما أن الهزال فِي الجارية يوجب عَلَى الغاصب ضمانها ولم أقف عَلَيْهِ لغيرهما، ومفهوم قوله فِي المدونة: من غصب شابة فهرمت فهو فوت. مَعَ قوله فِي السلم الثاني: منها أن الهزال فِي الجارية لغو، بِخِلاف الدابّة، خلاف ذلك.

متن الخليل:
أَوْ خَصَاهُ فَلَمْ يَنْقُصْ.
الشرح:
قوله: (أَوْ خَصَاهُ فَلَمْ يَنْقُصْ) بهذا جزم ابن شاس وابن الحَاجِب، والذي فِي رسم العرية من سماع عيسى من كتاب " العيوب " قَالَ ابن القاسم: من عدا على غلامٍ فخصاه فزاد فِي ثمنه فإنه يقوم عَلَى قدر ما نقص منه الخصاء.
قَالَ ابن رشد: يريد إِذَا لَمْ يرد تضمينه، واختار حبسه، ومعنى قوله: يقوم عَلَى قدر ما نقص الخصاء أي ما نقص منه عند غير أهل الطول من الأعراب وشبههم الذين لا رغبة لهم فِي الخصيان، وقَالَ سحنون: معناه أن ينظر إِلَى عبدٍ دني ينقص من مثله الخصاء، فما نقص منه كَانَ عَلَى الجاني فِي هذا المجني عَلَيْهِ ذلك الجزء من قيمته، وقد تأول بعض الناس ما وقع لمالك فِي رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب: الجراحات أن المعنى فِي ذلك أن ينظر ما تقع الزيادة من قيمته فيجعل ذلك نقصاناً منها يكون عَلَيْهِ غرمه، وذلك بعيد لا وجه له فِي النظر، والذي يوجبه النظر أن يكون عَلَيْهِ إِن خصاه فقطع أنثييه أو ذكره جميع قيمته، وإِن قطعهما جميعاً فقيمته مرتين، كما يكون عَلَيْهِ فِي الحر إِذَا قطع ذكره وأنثييه ديتان قياساً عَلَى قول مالك فِي المأمومة والجائفة والمنقلة والموضحة أن يكون عَلَيْهِ فِي ذلك من قيمته بحساب الجزء من ديته، وابن عبدوس يقول: إِذَا زاده الخصاء فلا غرم عَلَى الجاني، ولا يصح ذلك فِي المذهب، وإنما يأتي عَلَى قياس قول من يقول: أنّه لا شيء عَلَيْهِ فِي المأمومة والجائفة وشبههما مما لا نقصان فيه بعد البرء.
قال ابن عبد السلام: كلام ابن رشد فِي هذا الفصل حسن، وقول ابن عبدوس: هذا هو الذي حكاه ابن الحَاجِب، زاد فِي التوضيح تبعاً لابن شاس ومع هذا اقتصر عَلَيْهِ ههنا، ولابن رشد عَلَيْهَا كلام أطول من هذا فِي رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات.

متن الخليل:
أَوْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ غَيْرِهِ فِي صَلاةٍ، أَوْ دَلَّ لِصَّاً، أَوْ أَعَادَ مَصُوغاً عَلَى حَالِهِ، وعَلَى غَيْرِهَا فَقِيمَتُهُ كَكَسْرِهِ.
الشرح:
قوله: (أَوْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ غَيْرِهِ فِي صَلاةٍ) كذا لابن يونس عن ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، زاد ابن عَرَفَة: و أخذ من قوله فِي "المدونة" ضمان موت فرس أحد المصطدمين فِي مال الآخر وحده ضمان الجالس عَلَى الثوب وحده، وقاله بعض الموثقين من عند نفسه لا بالأخذ منها، والأَظْهَر كونه منهما كمحرم حبس الصيد المحرم قتله.

متن الخليل:
أَوْ غَصَبَ مَنْفَعَةً فَتَلِفَتِ الذَّاتُ.
الشرح:
قوله: (أَوْ غَصَبَ مَنْفَعَةً فَتَلِفَتِ الذَّاتُ) فرض ابن الحَاجِب هذا فِي سكنى الدار فقال: فلو غصبه السكنى فانهدمت الدار لَمْ يضمن إِلا قيمة السكنى.
فقال ابن عبد السلام: معناه أنّه غير غاصبٍ للذات؛ لأنه لَمْ يقصد ملك رقبتها فهو متعدٍ، وقد علم الفرق فِي المذهب بين المتعدي والغاصب، وهو حسن لَو طردوه، ولكنهم جعلوا المتعدي عَلَى الدابّة فِي الكراء والعارية ضامناً للرقبة.
فإن قيل: المتعدي عَلَى الدابّة ناقل لها، وفِي الدار غير ناقل لها؟
قيل: أسقط أهل المذهب وصف النقل فِي المغصوب عن درجة الاعتبار فِي ضمان الغاصب، وكذا ينبغي فِي المتعدي.
قال ابن عَرَفَة: ظاهر لفظ ابن الحَاجِب وشارحه: أنّه لا يضمن الدار ولا شيئاً منها سكن جميعها أو بعضها، وهو خلاف نقل ابن شاس عن المذهب قَالَ: فأمّا لَو غصب السكنى فقط فانهدمت الدار إِلا موضع سكناه لَمْ يضمن، ولَو انهدم مسكنه لغرم قيمته.
والتحقيق فِي ذلك: إجراء المسألة عَلَى حكم تلف المتعدي فيه فِي مدة التعدي بأمرٍ سماوي لا تسبب فيه للمتعدي، وتقدم تحصيله فِي العارية، فنقل ابن الحَاجِب بناء عَلَى لغو ضمانه بذلك، ونقل ابن شاس بناء عَلَى ضمانه بذلك فتأمله، وبهذا يتبين لك ضعف مناقضة ابن عبد السلام بين مسألة التعدي بالسكنى ومسألة التعدي بالركوب؛ لأن الهلاك فِي زمن التعدي بالركوب لا يعلم كونه بغير سبب المتعدي بحال، والهدم يعلم كونه لا بسببه، وقياسه فِي آخر كلامه التعدي عَلَى الغصب واضح ردّه بما فرّق بِهِ أهل المذهب بين التعدي والغصب من ذلك اعتبار لازمي ذاتيهما لازم ذات الغصب قصد تملك الرقبة فلم يغتفر معه فِي الضمان إِلَى نقل، ولازم ذات التعدي البراءة من قصد تملك الذات، فناسب وقف ضمانها عَلَى التصرف فيها بالنقل.

متن الخليل:
أَوْ أَكَلَهُ مَالِكُهُ ضِيَافَةً، أَوْ نَقَصَتْ لِلسُّوقِ، أَوْ رَجَعَ بِهَا مِنْ سَفَرٍ ولَوْ بَعُدَ كَسَارِقٍ، ولَهُ فِي تَعَدِّي كَمُسْتَأْجِرٍ كِرَاءُ الزَّائِدِ، إِنْ سَلِمَتْ، وإِلا خُيِّرَ فِيهِ، وفِي قِيمَتِهَا وَقْتَهُ وإِنْ تَعَيَّبَ، وإِنْ قَلَّ كَكَسْرِ نَهْدَيْهَا، أَوْ جَنَى هُوَأَوْ أَجْنَبِيٌّ. خُيِّرَ فِيهِ كَصِبْغِهِ فِي قِيمَتِهِ وأَخْذِ ثَوْبِهِ، ودَفْعِ قِيمَةِ الصَّبْغِ، وفِي بِنَائِهِ فِي أَخْذِهِ، ودَفْعِ قِيمَةِ نُقْضِهِ بَعْدَ سُقُوطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا.
الشرح:
قوله: (أَوْ أَكَلَهُ مَالِكُهُ ضِيَافَةً) أصل هذا قول ابن شاس: لَو قدم الغاصب الطعام إِلَى المالك فأكله مَعَ الجهل بحاله فإن الغاصب يبرأ من الضمان، وتبعه ابن الحَاجِب، ولم يعرفه ابن عرفه لغير من ذكر، وقَالَ: الجاري عَلَى المذهب أن لا يحاسب المغصوب من ذلك إِلا بما يقضى عَلَيْهِ أن لَو أطعمه من ماله مما ليس بسرف فِي حقّ الأكل". انتهى.
وكذا استشكله ابن عبد السلام بأن هذا الطعام قد لا يملكه ربه لأن يأكله؛ لأنه ذو ثمن معتبر، وشأن ربه أكل ما هو دونه لضيق حاله، أو لأنها عادة أمثاله، فينبغي فِي مثل هذه الصورة أن يضمنه الغاصب لربه، ويسقط عنه من قيمته القدر الذي انتفع بِهِ ربه أن لَو كَانَ من الطعام الذي شأنه أكله، وبنحوه قيد فِي "التوضيح"كلام ابن الحَاجِب فيه بقيد كلامه هنا.
تنبيه:
زاد ابن شاس: بل لَو أكرهه عَلَى أكله فأكله كرهاً لبريء الغاصب، فتبعه ابن الحَاجِب، ولَمْ يتبعه المصنف هنا، وكأنه رأى أن الصواب إجراؤه عَلَى حكم الإكراه المتقدم فِي قوله: أو أكره غيره عَلَى التلف. حسبما قبله فِي "التوضيح" من كلام ابن عبد السلام ونحوه لابن عَرَفَة.
وقد ذكر الغزالي فِي "الوجيز" الخلاف فيما لَو غرّ الغاصب المالك فقدم إليه الطعام فأكله قَالَ وهاهنا أولى بأن يبرأ الغاصب، ولم يذكر أكل المالك كرها.

متن الخليل:
ومَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، والْحُرِّ بِالتَّفْوِيتِ.
الشرح:
قوله: (ومَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، والْحُرِّ بِالتَّفْوِيتِ) بنصب منفعة عطفاً عَلَى المثلي، ولفظ التفويت عبارة "الوجيز" و"الجواهر"، وعبّر عنه ابن الحَاجِب بالاستيفاء إذ قَالَ: وأما البضع فلا يضمن إِلا باستيفائه لا بفواته، ففي الحرة صداق مثلها، وفِي الأمة ما نقصها، وكذلك منفعة الحر.
ابن عَرَفَة: قول ابن شاس: لا يضمن إِلا بالتفويت هو مقتضى قوله فِي كتاب السرقة من "المدونة" مَعَ سائر الروايات: إِن رجع شاهدا الطلاق بعد البناء فلا غرم عَلَيْهِمَا، وكذا فِي متعمدة إرضاع من يوجب رضاعها فسخ نكاحها.
قال ابن عبد السلام: فمن منع حرة أو أمة التزويج لَمْ يضمن صداقاً، لا أعلم فيه خلافاً، وتقدم فِي كتاب النكاح ما قد يتخرج منه خلاف لبعض الشيوخ.
ابن عَرَفَة: لا أعرف ما يناسب هذا الأصل وهو: منع متعة النكاح تعدياً إِلا قول اللخمي فِي النكاح الثاني.
قال فِي "الموازية": إِن قتل السيّد أمته قبل البناء فله الصداق، وعَلَيْهِ إِن قتلت الحرة نفسها فله الصداق، وهذا كقوله فِي "المدونة": إِن باع السيد أمته بموضعٍ لا يقدر الزوج عَلَى جماعها فله الصداق ولا أرى للزوجة فِي جميع ذلك شيئاً إِذَا كَانَ الامتناع منها أو من السيّد إِن كانت أمته، وإشارة ابن عبد السلام إِلَى تخريجها عَلَى ما اختار اللخمي غير تامٍ؛ لأن اللخمي لَمْ يقل بعدم قيمة المنفعة بالعضو من حيث ذاتها، إنما اختار سقوط عوضها المالي بعد تقرره عوضاً فيها لطالبه بتعمده إتلافها، ولا يلزم من سقوط المال بالتعدي ثبوت المال عن مجرد منفعة العضو؛ لأنه غير مالي ولَمْ يحصل له عوض مالي.
وقَالَ ابن هارون: خرج بعضهم أن عَلَيْهِ قيمة ما عطله من المنافع كالدار يغلقها، والعبد يمنع منه سيده، ذكره المازري.
قال ابن عَرَفَة: وهذا لا أعرفه للمازري؛ إنما قَالَ إِذَا غاب غاصب عَلَى رائعة شك فِي وطئه إياها، فِي ضمانه إياها قولا الأخوين وابن القاسم، وله فِي كتاب الشهادات لَمْ يختلف المذهب أن شهيدي الطلاق بعد البناء إِذَا رجعا لا غرامة عَلَيْهِمَا، وأوجب الشافعي غرامتهما؛ لإتلافهما منافع البضع وهي مما يقوم كالحقوق المالية.
واعتمد أصحابنا عَلَى أن من له زوجتين أرضعت كبراهما صغراهما فحرمتا عَلَيْهِ أنّه لا غرم عَلَيْهَا فيما حرمت بِهِ فرجها عَلَيْهِ، وعَلَى أن من قتل زوجة رجل لا يغرم له ما أتلف عَلَيْهِ من متعة.
وقول ابن شاس وابن الحَاجِب: وفِي الأمة ما نقصها. هو نصّ "المدونة" فِي الاستبراء، والأمة كالسلعة عَلَى واطئها غصباً ما نقصها الوطء كانت ثيباً أو بكراً، ومثله فِي القذف، وقَالَ فِي الرهون منها: إِن وطأ الأمة مرتهنها فعَلَيْهِ ما نقصها وطؤه بكراً كانت أو ثيباً إِن أكرهها، وكذا إِن طاوعته وهي بكر، فإن كانت ثيباً فلا شيء عَلَيْهِ، والمرتهن وغيره فِي ذلك سواء.
ابن عَرَفَة: "وفِي تفرقته فِي الثيب بين وطئه إياها طائعة أو مكرهة نظر، والصواب عكس تفرقته؛ لأنه بوطئه إياها طائعة أحدث فيها عيباً وهو زناها، وليس هو كذلك فِي وطئه إياها مكرهة؛ لأنها غير زانية، وتقدم فِي الرد بالعيب أن زناها عيب". انتهى.
وفِي النظر، نظر؛ فإن الغالب أنها لا تزني طائعة إِلا وقد ألفت ذلك قبل.

متن الخليل:
كَحُرٍّ بَاعَهُ وتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ.
الشرح:
قوله: (كَحُرٍّ بَاعَهُ وتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ) أي: كما يضمن دية حر ولَمْ يصرح بالدية لتضمن الحرية لها.
قال ابن رشد فِي رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الغصب: وقد روى عن مالك فيمن غصب حراً فباعه أنّه يكلف طلبه، فإن أيس منه أدى ديته إِلَى أهله، ونزلت بطليطلة، فكتب القاضي بها إِلَى محمد بن بشير بقرطبة، فجمع القاضي ابن بشير أهل العلم بها، فأفتوه بذلك، فكتب إليه أن أغرمه ديته كاملة، فقضى عَلَيْهِ بذلك.

متن الخليل:
وغَيْرِهِمَا بِالْفَوَاتِ.
الشرح:
قوله: (وغَيْرِهِمَا بِالْفَوَاتِ) أي: وضمن منفعة غير البضع والحر بمجرد الفوات فهو مناقض لمفهوم قوله: (وغلة مستعمل) فكأنه اعتمد المشهور أولا، والمصوب ثانياً.

متن الخليل:
وَهَلْ يَضْمَنُ شَاكِيهِ لِمُغَرِّمٍ زَائِداً عَلَى قَدْرِ الرَّسُولِ إِنْ ظَلَمَ.
الشرح:
قوله: (وَهَلْ يَضْمَنُ شَاكِيهِ لِمُغَرِّمٍ زَائِداً عَلَى قَدْرِ الرَّسُولِ إِنْ ظَلَمَ) (زائداً) مفعول يضمن، وفاعل (ظلم) للشاكي ومفهوم الشرط أنّه إِن لَمْ يظلم لَمْ يغرم الزائد عَلَى قدر أجرة الرسول، بل يغرم قدر أجرة الرسول فقط.

متن الخليل:
أَوِ الجَّمِيعَ.
الشرح:
قوله: (أَوِ الجَّمِيعَ) أي: أو يضمن الجميع إِن ظلم جميع المغرم من قدر أجرة الرسول والزائد، ومفهوم الشرط أنّه إِن لَمْ يظلم لَمْ يغرم القدر ولا الزائد، وبهذا يتّضح الفرق بين القولين.

متن الخليل:
أَوْ لا؟ أَقْوَالٌ.
الشرح:
قوله: (أَوْ لا؟) أي أو لا يضمن الشاكي الظالم شيئاً، فأحرى إِن لَمْ يظلم فهذا مفهوم موافقة، واللذان قبله مفهوما مخالفة، فقد اشتمل كلامه نصاً ومفهوماً عَلَى أَقْوَال ابن يونس الثلاثة، وأما ابن عَرَفَة فكأنه اقتصر عَلَى طريقة المازري فقال: قَالَ المازري فِي ضمان المتسبب فِي إتلاف بقول كصيرفي يقول فيما علمه زائفاً: طيب، وكمخبر من أراد صبّ زيت فِي إناء علمه مكسوراً بأنه صحيح، وكدالّ ظالماً عَلَى ما أخفاه ربه عنه عَلَيْهِ قَوْلانِ، وعزاهما أبو محمد للمتأخرين، المازري كقول أشهب وابن القاسم فِي لزوم الجزاء عَلَى من دلّ محرماً عَلَى صيدٍ فقتله بدلالته.
ولَو شكى رجل رجلاً لظالم يعلم أنّه يتجاوز الحق فِي المشكو ويغرمه مالاً والمظلوم لاتباعه للشاكي عَلَيْهِ ففي ضمان الشاكي ما غرمه المشكو قَوْلانِ، وثالثها قول بعض أصحابنا لا ضمان عَلَيْهِ إِن كَانَ مظلوماً.

متن الخليل:
ومَلَكَهُ إِنِ اشْتَرَاهُ، ولَوْ غَابَ أَوْ غَرِمَ قِيمَتَهُ إِنْ لَمْ يُمَوِّهْ.
الشرح:
قوله: (ومَلَكَهُ إِنِ اشْتَرَاهُ، ولَوْ غَابَ) أشار بِهِ إِلَى قوله فِي كتاب الصرف من "المدونة" ولَو غصبك جارية جَازَ أن تبيعها منه وهي غائبة ببلد آخر، وينقدك إِذَا وصفها؛ لأنها فِي ضمانه، والدنانير فِي ذلك أبين. وأشار بالإغياء إِلَى خلاف أشهب القائل: إنما يجوز أن تبيعها منه وهي غائبة بشرط أن تعرف القيمة، ويبذل ما يجوز فيها، والقَوْلانِ مبنيان عَلَى أصلي السلامة ووجوب القيمة.
قال ابن عبد السلام: ودلت هذه المسألة عَلَى أن ليس من شرط بيع المغصوب من الغاصب أن يخرج من يد الغاصب، ويبقى بيد ربه ستة أشهر، فأكثر كما شرطه بعضهم، وقبله فِي "التوضيح" مَعَ أنّه قَالَ أول البيوع: (وَمَغْصُوبٌ إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ، وهَلْ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةً تَرَدُّدٌ).

متن الخليل:
ورَجَعَ عَلَيْهِ بِفَضْلَةٍ أَخْفَاهَا، والْقَوْلُ لَهُ فِي تَلَفِهِ ونَعْتِهِ وقَدْرِهِ، وحَلَفَ.
الشرح:
قوله: (وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِفَضْلَةٍ أَخْفَاهَا) أشار بِهِ لقول ابن القاسم فِي "المدونة": إِلا أن يظهر أفضل من تلك القيمة بأمر بيّن فلربها الرجوع بتمام القيمة، وكَانَ الغاصب لزمته القيمة فجحد بعضها. عياض: وفِي بعض رواياتها: لرب الجارية أخذها وردّ ما أخذه، وإِن شاء تركها وحبس ما أخذ من القيمة. وحصّل ابن عَرَفَة فيها ثلاثة أَقْوَال الأول: انحصار حقه فِي تمام قيمتها، للمدونة. الثاني: تخييره فيه وفِي أخذها بردّ ما أخذ، وهو الذي أنكره أشهب. والثالث: تخييره فِي أخذها وفِي التمسك بما أخذ فقط لبعض رواياتها.
قال: وعبّر المازري عن الأول بالمشهور، ولم يفسّر مقابله، فيحتمل كلاًً من الأخيرين، وكَانَ يمضي لنا إجراء القولين عَلَى القول: بعدم التكفير بنفي الصفات بناءً عَلَى أن نفي الصفة الثابتة للموصوف لا يستلزم القول بنفيه، وعَلَى القول بالتكفير بِهِ بناءً عَلَى أن نفي الصفة الثابتة للموصوف يستلزم القول بنفيه.

متن الخليل:
كَمُشْتَرٍ مِنْهُ، ثُمَّ غَرِمَ لآخِرِ رُؤْيَةٍ، ولِرَبِّهِ إُمْضَاءُ بَيْعِهِ، ونَقْضُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي، وإِجَازَتُهُ وضَمِنَ مُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْ فِي عَمْدٍ، لا سَمَاوِيٍّ، وغَلَّةٍ، وهَلِ الْخَطَأُ كَالْعَمْدِ؟ تَأْوِيلانِ، وإِرْثُهُ، ومَوْهُوبُهُ إِنْ عَلِمَا كَهُوَ، وإِلا بُدِئَ بِالْغَاصِبِ، ورَجَعَ عَلَيْهِ بِغَلَّةِ مَوْهُوبِهِ، فَإِنْ أَعْسَرَ فَعَلَى الْمَوْهُوبِ.
الشرح:
قوله: (كَمُشْتَرٍ مِنْهُ، ثُمَّ غَرِمَ لآخِرِ رُؤْيَةٍ) أي كما يحلف عَلَى التلف مشترٍ من الغاصب لَمْ يعلم بالغصب، ثم يغرم القيمة لآخر رؤية وهذا مبسوط فِي رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الغصب، وفِي كتاب ابن يونس.

متن الخليل:
ولُفِّقَ شَاهِدٌ بِالْغَصْبِ لآخَرَ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ كَشَاهِدٍ بِمِلْكِكَ لآخَرَ بِغَصْبِكَ. وجُعِلْتَ حَائِزاً، لا مَالِكاً، إِلا أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ، ويَمِينَ الْقَضَاءِ.
الشرح:
قوله: (وَلُفِّقَ شَاهِدٌ بِالْغَصْبِ لآخَرَ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ كَشَاهِدٍ بِمِلْكِكَ لآخَرَ بِغَصْبِكَ. وجُعِلْتَ حَائِزاً، لا مَالِكاً، إِلا أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ، ويَمِينَ الْقَضَاءِ) هاتان مسألتان، أما الأولى: فقال فيها فِي "المدونة": وإِن أقمت شاهداً أن فلاناً غصبك هذه الأمة، وشاهداً آخر عَلَى إقرار الغاصب أنّه غصبكها تمت الشهادة.
قال أبو الحسن الصغير: أي تمت الشهادة بالغصب ويقضى لك بها من غير يمين القضاء ولم تتم بالملك، إذ قد تكون بيده وديعة أو عارية أو رهنا أو بإجارة.
وأما الثانية: فقال فيها فِي "المدونة": ولَو شهد أَحَدهمَا أنها لك، وشهد آخر أنّه غصبكها فقد اجتمعا عَلَى إيجاب ملكك لها، فيقضى لك بها ولم يجتمعا عَلَى إيجاب الغصب، فإن دخل الجارية نقص كَانَ لك أن تحلف مَعَ الشاهد بالغصب ويضمن الغاصب القيمة، هكذا اختصرها أبو سعيد وأكثرهم تبعاً لأبي محمد، والذي فِي الأمهات: لَو أني أقمت شاهداً عَلَى أنّه غصبنيها، وأقمت آخر عَلَى أنها جاريتي قَالَ: لا أراها شهادة واحدة، فإن دخل الجارية نقص حلف مَعَ الذي شهد له أنّه غصبها وأخذ قيمتها إِن شاء.
قال عياض: لَمْ يجعلها شهادة واحدة فِي الفوات إذ لَمْ يتفقا عَلَى الغصب فيضمنه ولا عَلَى الملك فِي القيام فيأخذها بعد يمين القضاء أنّه لَمْ يفوت، وأنها ملكه إذ لَمْ يشهد شاهد الغصب بالملك التام، وإذ لَو شهد شاهدان بالملك ما حكم له بها حتى يحلف يمين القضاء أنها ما خرجت عن ملكه، ولَو تمت الشهادة عَلَى الغصب رُدت إليه ولم يحلف؛ ولأن الشهادة عَلَى الغصب ليست بشهادة عَلَى الملك إذ يقول: لا أدري أنها ملكه، ولعلها عنده وديعة أو عارية أو رهن أو بإجارة، وإنما رأيته أخذها من يده.
وقد ذكر أبو عمران عن أصبغ أن ابن القاسم رجع عما فِي كتاب الغصب وقَالَ: أراها شهادة واحدة إِن لَمْ تفت الأمة.
قال عياض: وهذا كله عندي غير اختلاف، وإنما لَمْ يرها فِي كتاب الغصب شهادة واحدة لما قلناه، وجعلها فِي الرواية الأخرى شهادة واحدة، ولم يقل: تامة؛ لأنها توجب فِي قيامها تقدم يدي القائم عَلَيْهَا دون الحكم له بملكها حتى يحلف مَعَ شاهد الملك ويمين القضاء، وحتى لَو جاء آخر بشاهدين عَلَى الملك أو شاهد عَلَيْهِ، وأراد أن يحلف معه كَانَ أحق بِهِ إِلا أن يحلف هذا مَعَ شاهد الملك.
واختلف: هل يمينه مَعَ شاهد الملك معارض لشاهدين بملك غيره أو يرجح عَلَيْهِ الشاهدان، وعَلَى هذه الرواية الأخرة فِي المسألة اختصرها أبو محمد وقَالَ: فقد اجتمعا عَلَى إيجاب الملك، ولم يجتمعا عَلَى إيجاب الغصب، واتبعه أكثر المختصرين، وقد قَالَ بعد هذا: إِذَا شهدوا أنّه غصبها منه فقد شهدوا أنها له، وإِن قالوا: لا ندري هي للمغصوب أم لا؟ ثم قَالَ أما كنت ترده عَلَيْهِ، وهذا إنما يريد ردها إليه بتقديم يده عَلَيْهَا عَلَى ما قدمناه". انتهى.
وقد ظهر لك أن قول المصنف: (وجعلت ذا يد لا مالكا) راجع للمسألتين، وأن قوله: (إلاَّ أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ) خاص بالثانية إذ لا شاهد ملك فِي الأولى. والله تعالى أعلم.

متن الخليل:
وإِنِ ادَّعَتِ اسْتِكْرَاهاً عَلَى غَيْرِ لائِقٍ بِلا تَعَلُّقٍ، حُدَّتْ لَهُ.
الشرح:
قوله: (وَإِنِ ادَّعَتِ اسْتِكْرَاهاً عَلَى غَيْرِ لائِقٍ بِلا تَعَلُّقٍ، حُدَّتْ لَهُ) قَالَ ابن رشد فِي كتاب: الغصب من "المقدمات": إِن ادعت الاستكراه عَلَى رجلٍ صالحٍ لا يليق بِهِ ذلك، وهي غير متعلقة بِهِ، فلا اختلاف أنّه لا شيء عَلَى الرجل، وأنها تحدّ له حدّ القذف وحد الزنا إِن ظهر بها حمل، وأما إِن لَمْ يظهر بها حمل فيتخرج عَلَى وجوب حدّ الزنا عَلَيْهَا عَلَى الاختلاف فيمن أقرّ بوطءِ أمة رجلٍ، و ادعى أنّه اشتراها منه. أو بوطءِ امرأة وادعى أنّه تزوجها، فتحدّ عَلَى مذهب ابن القاسم إِلا أن ترجع عن قولها، ولا تحدّ عَلَى مذهب أشهب، وهو نصّ قول ابن حبيب فِي الواضحة"، وقد أشبع القول فيها، فقف عَلَيْهِ.

متن الخليل:
والْمُتَعَدِّي جَانٍ عَلَى بَعْضٍ غَالِباً، فَإِنْ أَفَاتَ الْمَقْصُودَ كَقَطْعِ ذَنَبِ دَابَّةٍ ذِي هَيْئَةٍ، أَوْ أُذُنِهَا، أَوْ طَيْلَسَانِهِ، أَوْ لَبَنِ شَاةٍ هُوَالْمَقْصُودُ، أَوْ قَلْعِ عَيْنَيْ عَبْدٍ أَوْ يَدَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُ ونَقْصُهُ، أَوْ قِيمَتُهُ، وإِنْ لَمْ يُفِتْهُ فَنَقْصُهُ كَلَبَنِ بَقَرَةٍ ويَدِ عَبْدٍ أَوْ عَيْنِهِ، وعَتَقَ عَلَيْهِ، إِنْ قُوِّمَ، ولا مَنْعَ لِصَاحِبِهِ فِي الْفَاحِشِ عَلَى الأَرْجَحِ، ورَفَا الثَّوْبَ مُطْلَقاً، وفِي أُجْرَةِ الطَّبِيبِ قَوْلانِ.
الشرح:
قوله: (وَالْمُتَعَدِّي جَانٍ عَلَى بَعْضٍ غَالِباً) اختصر هنا قول ابن الحَاجِب: وفيها والمتعدي يفارق الغاصب؛ لأن المتعدي جنى عَلَى بعض السلعة، والغاصب أخذها ككسر الصحفة وتحريق الثوب. وزاد غالباً، لقول ابن عبد السلام: أنّه لا يعمّ صور التعدي ألا ترى أنّ المكتري والمستعير إِذَا زاد فِي المساقة يكون حكمهما حكم المتعدي لا حكم الغاصب، وكذلك من أودعت عنده دابّة أو ثوب فاستعملهما، فهذا الفرق الذي ذكره عن "المدونة" لا يكفي فِي هذا الموضع. وقبله فِي "التوضيح".
وقَالَ ابن عَرَفَة: قول ابن عبد السلام لا يعمّ صور التعدي بناءً منه عَلَى أن جناية المكتري والمستعير عَلَى الدابة، ويردّ بأن من أجزائها من حيث كونها مأخوذة ملكها وجنايتهما لَمْ تتعلق بِهِ؛ ولذا فرق فِي "المدونة" وغيرها بين هبة العبد وبين هبة خدمته لرجل حياته، ورقبته بعده لآخر فِي زكاة الفطر والجناية، قَالَ: ومقتضى الروايات أن التعدي هو التصرف فِي شيء بغير إذن ربه دون قصد تملّكه. وبالله تعالى التوفيق.

.باب الاستحقاق:

وإِنْ زَرَعَ فَاسْتُحِقَّتْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ أُخِذَ بِلا شَيْءٍ، وإِلا فَلَهُ قَلْعُهُ، إِنْ لََمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ.
الشرح:
قوله: (وإِلا فَلَهُ قَلْعُهُ، إِنْ لََمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ) شمل ما تراد له الزرع والمقاثي والبقل وغيرها من جنس ما زرع فيها الغاصب ومن غير جنسه، وهذا خلاف ما لأصبغ فِي " نوازله " من كتاب: كراء الأرضين، وخلاف ما حمل عَلَيْهِ عبد الحقّ وغيره لفظ "المدونة" من أن المراد بالإبان إبان ما زرع فيها الغاصب خصوصاً؛ مَعَ أنّه اقتصر عَلَى ذلك فِي "التوضيح"، ولعله اعتمد هنا عَلَى قول ابن رشد فِي " نوازل " أصبغ المشار إليها: القياس أن يكون له قلعه بعد خروج إبان الزرع إِذَا كانت الأرض مما تصلح للمقاثي والبقل، وتبين أن رب الأرض لَمْ يقصد الإضرار بالغاصب بقلع زرعه، وإنما رغب فِي الانتفاع بأرضه للمقاتي أو البقل، إذ قد تكون المنفعة بذلك أكثر من المنفعة بالزرع.
وقد يدلّ عَلَى ذلك قول ابن الماجشون فِي "المجموعة " عن مالك، وقول المغيرة: إِذَا أسبل الزرع فلا يقلع؛ لأنه من الفساد العامّ للناس، ويمنع من قلعه ذلك كما يمنع من ذبح الفتايا مما فيه الحمولة من الإبل والحرث من البقر وذوات الدر من الغنم؛ لأن الزرع إِذَا كَانَ يقلع عندهما ما لَمْ يسبل، ولا شكّ فِي أن إبان حرث الزرع ينقضي قبل أن يسبل الزرع بكثير فقد أوجبا قلع الزرع بعد خروج الإبان، وذلك لا يكون إِلا لمنفعة تكون لصاحب الأرض فِي أرضه بقية العام من مقثاة يضعها فيها أو بقل... وما أشبه ذلك.
وقد روى ابن عبد الحكم عن مالك: أن له أن يقلع الزرع، سواءً قدر أن يزرع أم لا، والأول أحبّ إلينا، وظاهر قوله: أن له أن يقلع الزرع وإِن لَمْ يقدر أن يزرع فِي الأرض شيئاً أصلاً، ومعنى ذلك عندي إِذَا كَانَ ينتفع بذلك بحمام أرضه أو لوجهٍ من وجوه المنافع غير الزرع؛ لأنه إِذَا لَمْ يكن له بذلك منفعة بحال فهو بقلعه قاصد للإضرار، وقد قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا ضرر ولا ضرار».

متن الخليل:
ولَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وإِلا فَكِرَاءُ السَّنَةِ كَذِي شُبْهَةٍ.
الشرح:
قوله: (كَذِي شُبْهَةٍ) يريد إِن لَمْ يفت الإبَّان، وأشار بِهِ لقول ابن القاسم فِي "المدونة": وإن كانت الأرض تزرع فِي السنة مرة، فاستحقها وهي مزروعة قبل فوات إبان الزرع، فكراء تلك السنة للمستحق، وليس له قلع الزرع؛ لأن المكتري زرع بوجه شبهة.

متن الخليل:
أَوْ جُهِلَ حَالُهُ.
الشرح:
قوله: (أَوْ جُهِلَ حَالُهُ) قَالَ فِي "المدونة": وإِذَا كَانَ مكري الأرض لا يعلم أغاصب هو أم مبتاع، فزرعها مكتريها منه، ثم استحقت فمكريها كالمشتري حتى يعلم أنّه غاصب.

متن الخليل:
وفَاتَتْ بِحَرْثِهَا فِيمَا بَيْنَ مُكْرٍ ومُكْتَرٍ، ولِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذُهَا، ودَفْعُ كِرَاءِ الْحَرْثِ فَإِنْ أَبَى قِيلَ لَهُ أَعْطِ كِرَاءَ سَنَةٍ، وإِلا أَسْلِمْهَا بِلا شَيْءٍ، وفِي سِنِينَ يُفْسَخُ أَوْ يُمْضِي، إِنْ عَرَفَ النِّسْبَةَ، ولا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي لِلْعُهْدَةِ، وانْتَقَدَ إِنِ انْتَقَدَ الأَوَّلُ، وأَمِنَ هُو والْغَلَّةُ لِذِي الشُّبْهَةِ أَوِ الْمَجْهُولِ لِلْحُكْمِ كَوَارِثٍ ومَوْهُوبٍ.
الشرح:
قوله: (وفَاتَتْ بِحَرْثِهَا فِيمَا بَيْنَ مُكْرٍ ومُكْتَرٍ) السياق يعطي أن هذا فِي استحقاق الأرض، كالذي قبله والذي بعده؛ وإنما فرضه فِي "المدونة" فِي استحقاق ما أكريت بِهِ فقال: ومن اكترى أرضاً بعبدٍ أو بثوب، ثم استحق أو بما يوزن من نحاس أو حديد بعينه يعرفان وزنه، ثم استحق ذلك، فإن كَانَ استحق قبل أن يزرع أو يحرث انفسخ الكراء، وإِن كَانَ بعد ما زرع أو أحرث فيها عملاً فعَلَيْهِ قيمة كراء الأرض.
عياض: هو بين أن نفس الحراثة وإن لَمْ يزرع فوت، وللمكري كراء المثل كما لَو زرعت، ولا يختلف أن ذلك كله فوت بين المكري والمكتري، فأنت ترى المصنف قد استعمل هنا عبارة عياض بعينها.

متن الخليل:
ومُشْتَرٍ مِنْهُ، إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِخِلافِ ذِي دَيْنٍ عَلَى وَارِثٍ كَوَارِثٍ طَرَأَ عَلَى مِثْلِهِ، إِلا أَنْ يَنْتَفِعَ. وإِنْ غَرَسَ، أَوْ بَنَى قِيلَ لِلْمَالِكِ أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِماً، فَإِنْ أَبَى فَلَهُ دَفْعُ قِيمَةِ الأَرْضِ، فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ، إِلا الْمُحَبَّسَةَ فَالنَّقْضُ.
الشرح:
قوله: (بِخِلافِ ذِي دَيْنٍ عَلَى وَارِثٍ كَوَارِثٍ طَرَأَ عَلَى مِثْلِهِ) لَو قدم طرأ فقال: بِخِلاف ذي دين طرأ عَلَى وارث كوارثٍ عَلَى مثله؛ لاتّضح مراده وظهر تصوّره.

متن الخليل:
وضَمِنَ قِيمَةَ الْمُسْتَحِقَّةِ، ووَلَدَهَا يَوْمَ الْحُكْمِ، وإلا أقَلَّ، إِن أَخَذَ دِيَّةً لا صَدَاقَ حُرَّةٍ أَوْ غَلَّتَهَا، وإِنْ هَدَمَ مُكْتَرٍ تَعَدِّياً فَلِلْمُسْتَحِقِّ النَّقْضُ وقِيمَةُ الْهَدْمِ، وإِنْ أَبْرَأَهُ مُكْرٍيهِ كَسَارِقِ عَبْدٍ، ثُمَّ اسْتُحِقَّ.
الشرح:
قوله: (وضَمِنَ قِيمَةَ الْمُسْتَحِقَّةِ، ووَلَدَهَا يَوْمَ الْحُكْمِ) لا يخفى أن هذه مستحقة بملك لا بحرية.
قال ابن الحَاجِب: وكَانَ مالك يقول لمستحقها أخذها إِن شاء مَعَ قيمة ولدها، ثم رجع فقال قيمتها يوم استحقاقها، ثم رجع فقال: قيمتها وحدها يوم وطئها.
قال أشهب: ثم رجع إِلَى القول الأول.
قال ابن عبد السلام: والقول الثالث هو الذي أفتى بِهِ مالك لما استحقت أم ولده إبراهيم قال فِي " التوضيح": كذا سماه اللخمي والمازري، والذي نقله ابن رشد وعياض أم ولده محمد، قيل: وهو الصواب " انتهى؛ إنما صوّب؛ لأنه لا يعرف له ولد اسمه إبراهيم، وإنما قَالَ فِي " المدارك": كان لمالك ابنان يحيي ومحمد؛ ولهذا قَالَ أبو الحسن الصغير: لعلّ إبراهيم تصحيف؛ وعَلَى هذا فلا يصحّ قول الشارح فِي " الكبير": لعلها أمهما معاً.

متن الخليل:
بِخِلافِ مُسْتَحِقِّ مُدَّعِي حُرِّيَّةٍ، إِلا الْقَلِيلَ، ولَهُ هَدْمُ مَسْجِدٍ.
الشرح:
قوله: (بِخِلافِ مُسْتَحِقِّ مُدَّعِي حُرِّيَّةٍ، إِلا الْقَلِيلَ) هذا فِي مقابلة قوله: (لا صداق حرة أو غلتها) فلو وصله بِهِ لكان أولى.

متن الخليل:
وإِنِ اسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ.
الشرح:
قوله: (وَإِنِ اسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ) كذا فِي بعض النسخ، وفِي بعضها فكالبيع، والأول أنصّ عَلَى المقصود.

متن الخليل:
ورُجِعَ لِلتَّقْوِيمِ.
الشرح:
قوله: (ورُجِعَ لِلتَّقْوِيمِ) أي لا للتسمية، وكذا فِي "المدونة".

متن الخليل:
ولَهُ رَدُّ أَحَدِ عَبْدَيْنِ اسْتُحِقَّ أَفْضَلُهُمَا بِحُرِّيَّةٍ.
الشرح:
قوله: (وَلَهُ رَدُّ أَحَدِ عَبْدَيْنِ اسْتُحِقَّ أَفْضَلُهُمَا بِحُرِّيَّةٍ) كذا فرض الاستحقاق فِي "المدونة": بحرية.
قال أبو الحسن الصغير: ولم يره من باب صفقة جمعت حلالاً وحراماً؛ لأنهما لَمْ يدخلا عَلَى ذلك، فجعل ذلك من قبيل العيوب، وكذلك من اشترى شاتين مذبوحتين، فوجد إحداهما غير ذكية أو قلّتا خل فوجد إحداهما خمراً أو داراً فوجد بعضها حبساً مقبرة أو غيرها". انتهى.
فكأنه قصد الوجه المشكل.

متن الخليل:
كَأَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ بِآخَرَ، وهَلْ يُقَوَّمُ الأَوَّلُ يَوْمَ الصُّلْحِ أَوْ يَوْمَ الْبَيْعِ؟ تَأْوِيلانِ.
الشرح:
قوله: (كَأَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ بِآخَرَ) هذا هو الصواب بكاف التشبيه، فلا يخالف ما فِي "المدونة".

متن الخليل:
وإِنْ صَالَحَ فَاسْتُحِقَّ مَا بِيَدِ مُدَّعِيهِ رَجَعَ فِي مُقِرٍّ بِهِ لَمْ يِفُتْ، وإِلا فَفِي عِوَضِهِ كَإِنْكَارٍ عَلَى الأَرْجَحِ، لا إِلَى الْخُصُومَةِ.
الشرح:
قوله: (وإِنْ صَالَحَ فَاسْتُحِقَّ مَا بِيَدِ مُدَّعِيهِ رَجَعَ فِي مُقِرٍّ بِهِ لَمْ يِفُتْ، وإِلا فَفِي عِوَضِهِ كَإِنْكَارٍ عَلَى الأَرْجَحِ) لا يخلو هذا الكلام من نظر؛ لأنه إن أراد بعوضه قيمة المقرّ بِهِ الفائت إِن كَانَ من ذوات القيم، ومثله إِن كَانَ من ذوات الأمثال فهذا صحيح فِي نفسه، ولكن لا يصحّ تشبيه مسألة الإنكار بِهِ، وإِن أراد بعوضه عوض المستحق فليس بصحيح فِي نفسه، ولكن تشبيه مسألة الإنكار بِهِ صحيح.

متن الخليل:
ومَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَفِي الإِنْكَارِ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ إن لم يفت، وإِلا فَبِقِيمَتِهِ، وفِي الإِقْرَارِ لا يَرْجِعُ كَعِلْمِهِ صِحَّةَ مِلْكِ بَائِعِهِ، لا إِنْ قَالَ دَارُهُ، وفِي عَرْضٍ بِعَرْضٍ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ، إِلا نِكَاحاً وخُلْعاً، وصُلْحَ عَمْدٍ، ومُقَاطَعاً بِهِ عَنْ عَبْدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ عُمْرَى، وإِنْ أُنْفِذَتْ وَصِيَّةُ مُسْتَحِقٍّ بِرِقٍّ لَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ وحَاجٌّ إِنْ عُرِفَ بِالْحُرِّيَّةِ، وأَخَذَ السَّيِّدُ مَا بِيعَ، ولَمْ يَفُتْ بِالثَّمَنِ كَمَشْهُودٍ بِمَوْتِهِ، إِنْ عُذِرَتْ بَيِّنَتُهُ، وإِلا فَكَالْغَاصِبِ.
الشرح:
قوله: (وَمَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَفِي الإِنْكَارِ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ إن لم يفت) كذا ثبت هذا الشرط فِي بعض النسخ، وهو صواب؛ ولذا قَالَ بعده: (وَإِلا فقيمته).

متن الخليل:
ومَا فَاتَ، فَالثَّمَنُ كَمَا لَو دَبَّرَ، أَوْ كَبِرَ صَغِيرٌ.
الشرح:
قوله: (ومَا فَاتَ، فَالثَّمَنُ) هذا مقابل قوله: (ولَمْ يفت) أي: وما فات رجع المستحق بثمنه عَلَى من باعه.