فصل: جوين

مساءً 1 :8
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 جوهسته

قرية من قرى همذان‏.‏

بها قصر برام جور وبهرام من ملوك الفرس‏.‏

كان أرمى الناس لم ير رام مثله وهذا القصر عظيم جداً وكله حجر واحد منقورة بيوته ومجالسه وخزائنه وغرفه وشرفاته وسائر حيطانه وهو كثير المجالس والخزائن والدهاليز والغرف‏.‏

وفي مواضع منها كتابات بالعجمية تتضمن أخبار ملوكهم الماضين وحسن سيرتهم وفي كل ركن من أركانه صورة جارية عليها كتابة وبقربه ناووس الطيبة وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى‏.‏

 جوين

ناحية بين خراسان وقهستان كثيرة الخيرات وافرة الغلات‏.‏

وهي أربعمائة قرية على أربعمائة قناة‏.‏

والقنوات منشأها من مرتفع من الأرض والقرى على متسفل أحدهما بجانب الآخر‏.‏ينسب إليها أبو المعالي عبد الملك بن محمد إمام الحرمين الإمام العلامة ما رأت العيون قبله ولا بعده مثله في غزارة العلم وفصاحة اللسان وجودة الذهن‏.‏

من رآه من العلماء تحير فيه شاع ذكره في الآفاق فلما كان زمان أبي نصر الكندري وأمر بلعن المذاهب على رأس المنبر فارق الإمام خراسان وذهب إلى الحجاز ودرس بمكة‏.‏

فانقضت تلك المدة سريعاً بموت طغرلبك وقتل الكندري فعاد إمام الحرمين إلى خراسان وبنى له نظام الملك مدرسة بنيسابور فظهرت تلامذته وانتشرت تصانيفه‏.‏

وكان في حلقته ثلاثمائة فقيه من الفحول بلغوا مبلغ التدريس كأبي حامد الغزالي وصنف نهاية المطلب عشرين مجلداً‏.‏

توفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة‏.‏

 جيلان

غيضة بين قزوين وبحر الخزر صعبة المسلك لكثرة ما بها من الجبال والوهاد والأشجار والمياه في كل بقعة ملك مستقل لا يطيع غيره والحرب بينهم قائمة والمطر كثير جداً ربما يستمر أربعين يوماً لا ينقطع ليلا ولا نهاراً ويضجر الناس منه‏.‏

وبيوتهم من الأخشاب والاخصاص وسط الأشجار ولا حد لكثرة أشجارها الطوال لو كانت بأرض أخرى كان لها قيمة‏.‏

ونساؤها أحسن النساء صورة لا يستترن عن الرجال يخرجن مكشوفات الوجه والرأس وبها من الخيل الهماليج ما لا يوجد في غيرها من البلاد ولم ير أحسن منها صورة ومشياً‏.‏

ومن عجائبها ما سمعت ولا صدقت حتى جربت وهو ان المطر إذا دام عندهم ضجروا منه فإن سمعوا بالليل صوت ابن آوى وعقبه نباح كلب يبشر بعضهم بعضاً بصحو الغد وعندهم من بنات آوى والكلاب كثير وهذا شيء أشهر عندهم وجربت مراراً ما أخطأ شيء‏.‏

مأكولهم الرز الجيد المولاني والسمك ويؤدون زكاة الرز ولا يتركونه أصلاً‏.‏

ويقتنون دود الابريسم شغل رجالهم زراعة الرز وشغل نسائهم تربية دود القز والرزق الحلال في زماننا عندهم‏.‏

ونساؤهم ينسجن الميازر والمشدات الفرية الملاح وتحمل منها إلى سائر البلاد‏.‏

ومن عاداتهم أن فقهاءهم في كل سنة يستأذنون من الأمير الأمر بالمعروف فإذا أذن لهم أحضروا كل واحد كائناً من كان وضربوه مائة خشبة فربما يحلف الرجل أيماناً انه ما شرب ولا زنى فيقول الفقيه‏:‏ ايش صنعتك فيقول‏:‏ بقال أنا‏!‏ فيقول‏:‏ أما كان بيدك الميزان فيقول‏:‏ نعم‏.‏

فيأمر بضربه مائة‏!‏ ينسب إليها الشيخ محمد بن خالد الملقب بنور الدين‏.‏

كان شيخاً عظيم الشأن ظاهر الكرامات‏.‏

رأيته في صغر سني كان شيخاً مهيباً وضيء الوجه طويل القامة كث اللحية طويلها ما رآه أحد ولو كان ملكاً إلا أخذته هيبته‏.‏

له مصنفات في عجائب أحواله ومشاهدته الملائكة والجنة والنار وأحوال الأموات وخواص الأذكار والآيات‏.‏

حكى بعض من صحبه قال‏:‏ سرنا ذات يوم فرفع لنا خان فقصدناه فقال بعض السابلة‏:‏ لا تدخلوا الخان فإن يأوي إليه سبع‏!‏ فقال الشيخ‏:‏ نتكل على الله‏.‏

فدخلناها وفرش الشيخ مصلاءة يصلي فسمعت زئير الأسد فأنكرت في نفسي على الشيخ لدخول الخان فدخل الخان سبع هائل فلما رآنا جعل يأتينا إتياناً ليناً لا إتيان صائل وأنا أنظر إلى شكله فذهب عقلي فهربت إلى الشيخ وجعلته بيني وبين الأسد فجاء وافترش عند مصلى الشيخ فلما فرغ الشيخ من صلاته مسح رأسه وقال بالعجمية‏:‏ فارق هذا الموضع ولا ترجع تفزع الناس ههنا‏!‏ فقام السبع وخرج من الخان ولم يره أحد بعد ذلك هناك‏.‏

الحضر مدينة كانت بين تكريت وسنجار مبنية بالحجارة المهندمة كان على سورها ستون برجاً كباراً بين البرج والبرج تسعة أبراج صغار بإزاء كل برج قصر وإلى جانبه حمام‏.‏

وبجانب المدينة نهر الثرثار وكان نهراً عظيماً عليه جنان بناها الضيزن بن معاوية وكان من قضاعة من قبل شابور بن اردشير ملك الفرس وقد طلسمها أن لا يقدر على هدمها إلا بدم الحمامة الورقاء ودم حيض المرأة الزرقاء وإياها أراد عدي بن زيد‏:‏ وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة تجبى إليه والخابور شاده جندلاً وجلّله كلساً وللطّير في ذراه وكور فاتفق أنه ظهر لشابور خصم بخراسان فذهب إليه وطالت غيبته فعصى ضيزن عليه واستوى على بلاد الجزيرة وأغار على بلاد الفرس وخرب السواد وأسر ماه أخت شابور الملك‏.‏

فلما عاد شابور من خراسان وأخبر بما فعل ضيزن ذهب إليه بعساكره وحاصره سنين ولم يظفر بشيء فهم بالرجوع فصعدت النصيرة بنت الضيزن السطح ورأت شابور فعشقته فبعثت إليه أن ما لي عندك ان دللتك على فتح هذه المدينة فقال شابور‏:‏ آخذك لنفسي وأرفعك على نسائي‏.‏

فقالت‏:‏ خذ من دم حمامة ورقاء واخلطه بدم حيض امرأة زرقاء واكتب بهما واشدده في عنق ورشان وأرسله فإنه إذا وقع على السور تهدم‏!‏ ففعل كما قالت فدخل المدينة وقتل مائة ألف رجل وأسر البقية وقتل ضيزن وأنسابه فقال الحدس بن الدلهاث‏:‏ ألم يجزيك والأبناء تمنى بما لاقت سراة بني العبيد أتاهم بالفيول مجلّلاتٍ وبالأبطال شابور الجنود فهدّم من بروج الحضر صخراً كأنّ ثقاله زبر الحديد‏!‏ ثم سار شابور إلى عين التمر وعرس بالنصيرة هناك فلم تنم هي تلك الليلة تململاً على فراشها فقال لها شابور‏:‏ ما أصابك فقالت‏:‏ لم أنم قط على فراش أخشن من هذا‏!‏ فنظر فإذا في الفراش ورقة آس لصقت بين عكنتين من عكنها فقال لها شابور‏:‏ بم كان أبواك يغذوانك قالت‏:‏ بشهد الأبكار ولباب البر ومخ الثنيان‏!‏ فقال شابور‏:‏ أنت ما وفيت لأبويك مع حسن صنيعهما بك فكيف تفين لي ثم أمر أن تصعد بناء عالياً وقال‏:‏ ألم أرفعك فوق نسائي قالت‏:‏ بلى‏!‏ فأمر بفرسين جموحين وشدت ذوائبها في ذنبيهما ثم استحضرا فقطعاها قال عدي بن زيد‏:‏ والحضر صبّت عليه داهيةً شديدة أيدٍ مناكبها ربيبةٌ لم ترقّ والدها بحبّها إذ ضاع راقبها فكان حظّ العروس إذ جشر الصّبح دما يجري سبايبها حصن حصين بطبرستان كان في قديم الزمان خزانة ملوك الفرس وأول من اتخذه منوجهر بن ايرج بن فريدون وهو نقب في موضع عال في جبل صعب المسلك والنقب يشبه باباً صغيراً فإذا دخله الإنسان مشى نحو ميل في ظلمة شديدة ثم يخرج إلى موضع واسع شبيه بمدينة قد أحاطت به الجبال من جميع الجوانب‏.‏

وهي جبال لا يمكن صعودها لارتفاعها وفي هذه السعة مغارات وكهوف وفي وسطها عين غزيرة الماء ينبع من ثقبة ويغور في أخرى وبينهما عشرة أذرع‏.‏

وكان في أيام الفرس يحفظ هذا النقب رجلان معهما سلم يدلونه من الموضع إذا أراد أحدهما النزول في دهر طويل وعندهما ما يحتاجان إليه لسنين كثيرة‏.‏

ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن ملك العرب طبرستان فحاولوا الصعود عليه فتعذر عليهم ذلك إلى أن ولي المازيار طبرستان فقصد هذا الموضع وأقام عليه مدة حتى صعد رجل من أصحابه إليه فدلى حبالاً وأصعد قوماً فيهم المازيار فوقف على ما في تلك الكهوف من الأموال والسلاح والكنوز وكان بيده إلى أن مات‏.‏

وانقطع السبيل إليه إلى هذه الغاية‏.‏

ومن العجائب ما ذكره ابن الفقيه انه إلى جانب هذا الطاق شبيه بالدكان إذا لطخ بعذرة أو شيء من الأقذار ارتفعت في الحال سحابة فمطرت عليه حتى تغسله وتنظفه وان ذلك مشهور عندهم لا يتمارى فيه اثنان‏.‏مدينة بين همذان وبغداد‏.‏

كانت عامرة طيبة والآن خراب وتينها ورمانها في غاية الطيب لم يوجد في شيء من البلاد مثلهما‏.‏

وفي حواليها عدة عيون كبريتية ينتفع بها من عدة أدواء‏.‏

وكان بها نخلتان مشهورتان على طريق السابلة وصل إليهما مطيع بن اياس فقال‏:‏ أسعداني يا نخلتي حلوان وابكيا لي من ريب هذا الزّمان واعلما أنّ ريبه لم يزل يفرّق بين الألاّفي والجيران واسعداني وأيقنا أنّ نحساً سوف يأتيكما فتفترقان‏!‏ حكى المدائني أن المنصور اجتاز عليهما وكان إحداهما على الطريق ضيقت على الأحمال والثقال فأمر بقطعها فأنشد قول مطيع فقال‏:‏ والله لا كنت ذلك النحس‏!‏ ثم اجتاز المهدي بهما واستطاب الموضع ودعا لحسنه المغنية وقال لها‏:‏ أما ترين طيب هذا الموضع غنيني بحياتي‏!‏ فغنت‏:‏ أيا نخلتي وادي بوانة حبّذا إذا نام حرّاس النّخيل جناكما‏!‏ فقال لها‏:‏ أحسنت‏!‏ لقد هممت بقطع هاتين النخلتين فمنعتني‏.‏

فقالت‏:‏ أعيذك بالله أن تكون نحسهما‏!‏ وأنشدت قول مطيع ثم اجتاز بهما الرشيد عند خروجه إلى خراسان وقد هاج به الدم بحلوان فأشار عليه الطبيب بأكل الجمار فطلب ذلك من دهقان حلوان فقال‏:‏ ليست أرضنا أرض نخل لكن على العقبة نخلتان فاقطعوا إحداهما‏.‏

فقطعوا‏.‏

فلما اجتاز الرشيد بهما وجد إحداهما مقطوعة والأخرى قائمة وعليها مكتوب‏:‏ واعلما إن بقيتما أنّ نحساً سوف يأتيكما فتفترقان‏!‏ فاغتم الرشيد لذلك وقال‏:‏ لقد عز علي ان كنت نحسهما ولو كنت سمعت هذا الشعر ما قطعت هذه النخلة ولو قتلني الدم‏!‏ فاتفق انه لم يرجع من ذلك السفر‏.‏

 الحويزة

كورة بين واسط والبصرة وخوزستان في وسط البطائح في غاية الرداءة‏.‏

كتب وفادار بن خودكام إلى صديق له كتاباً من الحويزة‏:‏ وما أدراك ما الحويزة‏!‏ دار الهوان ومنزل الحرمان‏!‏ ثم ما أدراك ما الحويزة‏!‏ أرضها رغام وسماؤها قتام وسحابها جهام وسمومها سهام ومياهها سمام وطعامها حرام وأهلها لئام وخواصها عوام وعوامها طغام‏!‏ لا يروي ريعها ولا يرجى نفعها ولا يمري ضرعها ولا يرعى زرعها ولقد صدق الله قوله فيها‏:‏ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات‏!‏ وأنا منها بين هواء وبيء وماء رديء وشباب غمر وشيخ غوي يتخذون الغمر أدباً والزور إلى أرزاقهم سبباً يأكلون الدنيا سلباً إذا سقى الله أرضاً صوب غاديةٍ فلا سقاها سوى النّيران تضطرم ينسب إليها أبو العباس أحمد بن محمد الحويزي وكان من أعاجيب الزمان في الجمع بين الأمور المتضادة‏:‏ كان ذا فضل وتمييز وجور وظلم مع إظهار الزهد والتقشف والتسبيح الدائم والصلاة الكثيرة‏.‏

وإذا عزل اشتغل بمطالعة الكتب ويظهر انه أراد العزل وكره العمل وخدمة الظلمة فقال أبو الحكم الأندلسي‏:‏ رأيت الحويزيّ يهوى الخمول ويلزم زاوية المنزل لعمري لقد صار حلساً له كما كان في الزّمن الأوّل يدافع بالشّعر أوقاته وإن جاع طالع في المجمل‏!‏ وإذا خرج صار أظلم مما كان حتى انه في بعض ولاياته كان نائماً على سطح فصعدوا إليه ووجأوه بالسكين‏.‏

الحيرة مدينة كانت في قديم الزمان بأرض الكوفة على ساحل البحر فإن بحر فارس في قديم الزمان كان ممتداً إلى أرض الكوفة والآن لا أثر للمدينة ولا للبحر ومكان المدينة دجلة‏.‏ينسب إليها النعمان بن امريء القيس صاحب الحيرة من ملوك بني لخم‏.‏

بنى بالحيرة قصراً يقال له الخورنق في ستين سنة قصراً عجيباً ما كان لأحد من الملوك مثله‏.‏

فبينا هو ذات يوم جالس على الخورنق إذ رأى البساتين والنخل والأشجار والأنهار مما يلي المغرب والفرات مما يلي المشرق والخورنق مكانه فأعجبه ذلك وقال لوزيره‏:‏ أرأيت مثل هذا المنظر وحسنه فقال‏:‏ ما رأيت أيها الملك لا نظير له لو كان دائماً‏!‏ فقال له‏:‏ ما الذي يدوم فقال‏:‏ ما عند الله في الآخرة‏!‏ فقال‏:‏ بم ينال ذلك فقال‏:‏ بترك الدنيا وعبادة الله‏!‏ فترك النعمان الملك وليس المسح ورافقه وزيره ولم يعلم خبرهما إلى الآن قال عدي بن زيد‏:‏ وتبيّن ربّ الخورنق إذ أشرف يوماً وللهدى تفكير سرّه ما رأى وكثرة ما يم لك والبحر معرضاً والسّدير فارعوى قلبه وقال‏:‏ فما غب طة حيٍّ إلى الممات يصير ثمّ بعد الفلاح والملك والإ مّة وارتهم هناك القبور‏!‏ ثمّ صاروا كأنّهم ورقٌ جفّ فألوت به الصّبا والدّبور وينسب إليها أبو عثمان إسماعيل الحيري‏.‏

كان من عباد الله الصالحين‏.‏

حكي من كرم أخلاقه ان رجلاً دعاه إلى ضيافته فذهب إليه فلما انتهى إلى باب داره قال‏:‏ ما لي وجه الضيافة‏!‏ فرجع ثم طلبه بعد ذلك مرة أخرى فأجابه فلما انتهى إلى باب داره قال له مثل ذلك ثم دعاه مرة ثالثة وقال له مثل ذلك‏.‏

فعاد الشيخ فقال الداعي‏:‏ اني أردت أن أجربك وجعل يمدحه فقال الشيخ‏:‏ لا تمدحني على خلق يوجد في الكلاب إذا دعي الكلب أجاب وإن زجر انزجر‏!‏ توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين‏.‏

حيزان بليدة ذات بساتين كثيرة ومياه غزيرة من بلاد ديار بكر بقرب إسعرت‏.‏

بها الشاهبلوط وليس الشاهبلوط في شيء من بلاد الجزيرة والشام والعراق إلا بها‏.‏

والبندق أيضاً بها كثير‏.‏

 خاوران

ناحية ذات قرى بخراسان‏.‏

بها خيرات كثيرة وينسب إليها الوزير أبو علي شاذان كان وزيراً لملوك بني سامان وبقي في الوزارة مدة طويلة حتى يوزر الآباء والأبناء منهم ولطول مدة وزارته قيل فيه‏:‏ وقالوا العزل للعمّال حيضٌ نجاه الله من حيضٍ بغيض فإن يك هكذا فأبو عليٍّ من اللاّتي يئسن من المحيض وينسب إليها أسعد الميهني‏.‏

كان عالماً فاضلاً مشهوراً بالعلم والعمل مدرساً للمدرسة النظامية ببغداد‏.‏

وينسب إليها الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير‏.‏

وهو الذي وضع طريقة التصوف وبنى الخانقاه ورتب السفرة في اليوم مرتين وآداب الصوفية كلها منسوبة إليه وكذا الانقطاع عن الدنيا‏.‏

ذكر في مقاماته انه قال‏:‏ ان الله تعالى وكل بي أسود على عاتقه عصاً كلما فترت عن الذكر تعرض لي وقال لي‏:‏ قل الله‏!‏ وحكي انه كان لأبي سعيد رفيق أول أمره في طلب العلم فلما كان آخره قال له ذلك الرفيق‏:‏ بم وصلت فقال له أبو سعيد‏:‏ أتذكر وقتاً كنا نقرأ التفسير على أستاذنا فلان قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فلما انتهينا إلى قوله‏:‏ قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون‏.‏

عملت بهذه الآية‏!‏ وحكي انه كان في خدمته رجلان‏:‏ كان لأحدهما مئزران والآخر لا مئزر على رأسه فوقع في قلبه ان صاحب المئزرين يؤثر أحدهما له ثم منعه عن ذلك مانع حتى كان ذلك ثلاث مرات فقال للشيخ‏:‏ الخاطر الذي يخطر لنا من الله أو من أنفسنا فقال‏:‏ ان كان لخير فمن الله ولا يخاطب في مئزر أكثر من ثلاث مرات‏.‏

ومشايخ الصوفية كلهم تلامذة أبي سعيد وآدابهم مأخوذة من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏وينب إليها الأنوري الشاعر شعره في غاية الحسن ألطف من الماء شعره بالعجمية كشعر أبي العتاهية بالعربية‏.‏

 خراسان

بلاد مشهورة‏.‏ شرقيها ما وراء النهر وغربيها قهستان‏.‏

قصبتها مرو وهراة وبلخ ونيسابور‏.‏

وهي من أحسن أرض الله وأعمرها وأكثرها خيراً وأهلها أحسن الناس صورة وأكملهم عقلاً وأقومهم طبعاً وأكثرهم رغبة في الدين والعلم‏.‏

أخبرني بعض فقهاء خراسان أن بها موضعاً يقال له سفان به غار من دخله برأ من مرضه أي مرض كان‏.‏

وبها جبل كلستان‏.‏

حدثني بعض فقهاء خراسان أن في هذا الجبل كهفاً شبه ايوان وفيه شبه دهليز يمشي فيه الإنسان منحنياً مسافة ثم يظهر الضوء في آخره ويتبين محوط شبه حظيرة فيها عين ينبع الماء منها وينعقد حجراً على شبه القضبان‏.‏

وفي هذه الحظيرة ثقبة يخرج منها ريح شديدة لا يمكن دخولها من شدة الريح‏.‏

بها نهر الرزيق بمرو عليه سقي بساتينهم وزروعهم وعليه طواحينهم‏.‏

وانه نهر مبارك تبرك به المسلمون في الوقعة العظيمة التي كانت بين المسلمين والفرس‏.‏

قتل فيه يزدجرد بن شهريار آخر الأكاسرة في زمن عمر بن الخطاب‏.‏

وذاك أن المسلمين كشفوا الفرس كشفاً قبيحاً فمنعهم النهر عن الهرب ودخل كسرى طاحونة تدور على الرزيق لما فاته الهرب وكان عليه سلب نفيس طمع الطحان في سلبه فقتله وأخذ سلبه‏.‏

بها عين فراوور وفراوور اسم موضع بخراسان‏.‏

حدثني بعض فقهاء خراسان قال‏:‏ من المشهور عندنا أن من اغتسل بماء العين التي بفراوور أو غاص فيه يزول عنه حمى الربع‏.‏

وينسب إليها أبو عبد الرحمن حاتم بن يوسف الأصم من أكابر مشايخ خراسان وكان تلميذ شقيق البلخي لم يكن أصم لكن تصامم فسمي بذلك وسببه أن امرأة حضرت عنده تسأله مسألة فسبقت منها ريح فقال لها‏:‏ إني ثقيل السمع ما أسمع كلامك فارفعي صوتك‏!‏ وإنما قال ذلك لئلا تخجل المرأة ففرحت المرأة بذلك‏.‏

حكى عن نفسه انه كان في بعض الغزوات فغلبه رجل تركي وأضجعه يريد ذبحه‏.‏

قال‏:‏ ولم يشتغل قلبي به بل انتظر ماذا حكى الله تعالى قال‏:‏ فبينا هو يطلب السكين من جفنه إذ أصابه سهم عرب قتله وقمت أنا‏.‏

توفي سنة سبع وثلاثين ومائتين‏.‏

وينسب إليها الشيخ حبيب العجمي وكان من الابدال ظاهر الكرامات‏.‏

حكي ان حسناً البصري دخل عليه وقت صلاة المغرب فدخل مسجداً ليصلي فيه وكان حبيب العجمي يصلي فيه فكره أن يصلي خلفه لكونه عجمياً يقع في قراءته لحن فما صلى خلفه‏.‏

فرأى في نومه‏:‏ لو صليت خلفه لغفرنا ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏!‏ ورئي حبيب في النوم بعد وفاته فقيل له‏:‏ ما فعل الله بك فقال‏:‏ ذهبت العجمة وبقيت النعمة‏.‏

وبها الثعلب الطيار‏.‏

ذكر الأمير أبو المؤيد بن النعمان أن بخراسان شعباً يسمى بحراً ومن ناحية بروان بها صنف من الثعلب له جناحان يطير بهما فإذا ابتدأ بالطيران يطير مقدار غلوة سهم أو أكثر ثم يقع ويطير طيراناً دون الأول ثم يقع ويطير طيراناً دون الثاني‏.‏

وبها فارة المسك‏.‏

وهو حيوان شبيه بالخشف حين تضعه الظبية تقطع منه سرته فيصير مسكاً‏.‏

خرقان مدينة بقرب بسطام بينهما أربعة فراسخ ينسب إليها الشيخ أبو القاسم الخرقاني من المشايخ الكبار المذكور في طبقاتهم‏.‏

له بخرقان قبر ذكروا أن من حضر هناك يغلبه قبض شديد جداً‏.‏

 خوار

بلدة من بلاد قهستان بين الري ونيسابور‏.‏

بها قطن كثير يحمل منها إلى سائر البلاد‏.‏

ينسب إليها الجلال الخواري‏.‏

كان واعظاً عديم النظير في زمانه صاحب النظم والنثر والبديهة والقبول التام عند الخواص والعوام‏.‏

حكي أن السلطان طغرل بن أرسلان وصل إلى الري وعساكره أرسلوا خيلهم في مزدرعاتهم فذهب صدر الدين الوزان وأخذ معه الجلال الخواري حتى يذكر عند السلطان فصلاً ويعرفه حال المزارع‏.‏

فلما دخل صدر الدين على السلطان مع أصحابه تخلف الجلال منعه البواب فلما دخلوا أرادوا الجلال ليتكلم فقالوا‏:‏ منعه البواب‏.‏

فاستأذنوا له من السلطان فأذن فلما دخل شرع في الكلام‏.‏

قال له السلطان‏:‏ اجلس‏.‏

فجلس وقال‏:‏ داعي دولتت كه بفرمان نشسته است انجا بباي بوذ كي دربان نشسته است بروانه زشمع سلاطين بذو رسيد كفتاكي اندر آي كه سلطان نشسته است جون سجده كه بديذم بروانه سهو كفت كه اسكندر بجاي سليمان نشسته است دعوى همي كنم كه جوتو نيست درجهان واينك كواه عدل كه وزان نشسته است كردستور توكه جو مور اند وجون ملخ بر خوشهاء ودانه دهقان نشسته است باران عدل بار كه اين خاك بيالهاست تا براميد وعده باران نشسته است أنشد هذه الأبيات ارتجالاً فتعجب الحاضرون واستحسن السلطان ذلك وأمر بإزالة التعرض خواف مدينة بخراسان بقرب نسا كبيرة آهلة ذات قرى وبساتين ومياه كثيرة‏.‏

ينسب إليها الإمام أبو المظفر الخوافي مشهور بالفضل سيما في علم الجدل‏.‏

وكان من خيار تلامذة إمام الحرمين وكان إمام الحرمين تعجبه مناظرته ومطالبه الصحيحة وفنونه الدقيقة فاختاره لمصاحبته ومحادثته‏.‏

حكي أن بعض الفضلاء حضر حلقة إمام الحرمين واستدل استدلالاً جيداً وقام مشهوراً وكان الخوافي غير حاضر فلما حضر ذكر له ذلك فقال‏:‏ ان المقدمة الفلانية ممنوعة فكيف سلمتموها وذهب إلى المستدل وطلب منه إعادة الدليل وما قام من عنده حتى أفحمه‏.‏

 خوست

مدينة من بلاد الغور بقرب باميان حدثني أوحد المقري الغزنوي ان في بعض السنين أصاب أهل هذه المدينة قحط فوجدوا صنفاً من الحب زرعوه وأكلوا منه ضرورة فأصابهم مرض في أرجلهم فصاروا جميعاً عرجاً فكان يأتي كل واحد بعصاتين‏.‏

دامسيان من قرى قزوين بينهما عشرة فراسخ لأهل هذه القرية شبكة عظيمة جداً وهي مشتركة بين أهل القرية‏:‏ لأحدهم حبة ولآخر نصف حبة وعلى هذا يبيعونها ويشترونها ويرثونها‏.‏

وفي كل سنة أو مرتين ينصبون هذه الشبكة ويسوقون الصيد إليها فإذا دخلت فيها سدوا بابها ودخلوا فيها يرمونها بالنشاب والمقالع والعصي فيدخلها شيء كثير من الصيد فيقسمونها فيما بينهم على قدر ملكهم في الشبكة ويقددون لحومها‏.‏

دامغان بلد كبير بين الري ونيسابور كثير الفواكه والمياه والأشجار قال مسعر ابن مهلهل‏:‏ الرياح لا تنقطع بها ليلاً ونهاراً‏.‏

من عجائبها مقسم للماء كسروي يخرج ماؤه من مغارة ثم ينقسم إذا انحدر منه على مائة وعشرين قسماً لمائة وعشرين رستاقاً لا يزيد أحد الأقسام على الآخر ولا يمكن تأليفه إلا على هذه النسبة وإنه مستطرف جداً‏.‏

ومن عجائبها فلجة في جبل بين دامغان وسمنان تخرج منها في وقت من السنة ريح لا تصيب أحداً إلا أهلكته‏.‏

وهذه الفلجة طولها فرسخ وعرضها نحو أربعمائة ذراع وإلى فرسخين ينال المارة أذاها ليلاً ونهاراً من إنسان أو دابة أو حيوان وقل من يسلم منها إذا صادف زمانها‏.‏وبها جبل قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ هو جبل مشهور عليه عين ان ألقي فيها نجاسة يهب هواء قوي بحيث يخاف منه الهدم والخراب‏.‏

وبها عين يقال لها باذخاني قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ من أعمال دامغان قرية يقال لها كهن بها عين تسمى باذخاني إذا أراد أهل القرية هبوب الريح لتنقية الحب عند الدياس أخذوا خرقة الحيض ورموها في تلك العين فيتحرك الهواء ومن شرب من ذلك الماء ينتفخ بطنه ومن حمل معه شيئاً منه فإذا فارق منبعه يصير حجراً‏.‏

 داوردان

بلدة كانت من غربي واسط على فرسخ منها قال ابن عباس‏:‏ وقع فيها طاعون فهرب منها عامة أهلها ونزلوا ناحية منها فهلك بعض من أقام بها وسلم بعض‏.‏

فلما ارتفع الطاعون رجع الهاربون فقال من بقي من المقيمين‏:‏ أصحابنا الطاعنون احرم منا فلو وقع الطاعون مرة أخرى لنخرجن‏!‏ فوقع الطاعون في القابل فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفاً حتى نزلوا ذلك المكان وكان واد أفيح فناداهم ملك من أسفل الوادي وأعلاه أن موتوا فماتوا عن آخرهم‏.‏

فاجتاز عليهم حزقيل النبي عليه السلام فسأل الله تعالى أن يحييهم فأحياهم الله في ثيابم التي ماتوا فيها فرجعوا إلى قومهم أحياء ويعرفون أنهم كانوا موتى بوجوههم حتى حتى ماتوا بآجالهم المحتومة وذلك قوله تعالى‏:‏ ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا فماتوا ثم أحياهم‏!‏ وبنوا في الموضع الذي ذهبوا إليه ديراً يسمى دير حزقيل وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

 دور

قرية من قرى بغداد من أعمال دجيل‏.‏

ينسب إليها يحيى بن محمد بن هبيرة وزير المقتفي‏.‏

كان وزيراً ذا رأي وعلم ودين وثبات في الأمور‏.‏

حكى الوزير وقال‏:‏ تطاول علينا مسعود بن محمود السلجوقي فعزم المقتفي أن يحاربه فقلت‏:‏ هذا ليس بصواب‏!‏ ولا وجه لنا إلا الالتجاء إلى الله‏.‏

فاستصوب رأيي فخرجت من عنده يوم الجمعة لأربع وعشرين من جمادى الأولى وقلت‏:‏ ان النبي عليه السلام دعا شهراً فينبغي أن ندعو شهراً‏.‏

ثم لازمت الدعاء كل ليلة إلى أن كان يوم الرابع والعشرين من جمادى الآخرة فجاء الخبر بأن السلطان مات على سرير ملكه وتبدد شمل أصحابه وأورثنا الله أرضهم وديارهم‏.‏

حكي أنه قبل وزارته كان بينه وبين رجل بغدادي ساكن بالجانب الغربي صداقة فسلم الرجل إلى يحيى ثلاثمائة دينار وقال له‏:‏ إذا أنا مت جهزني منها وادفني بمقبرة معروف الكرخي وتصدق بالباقي على الفقراء‏.‏

فلما مات قام يحيى وجهزه ودفنه كما وصى والذهب في كمه عائداً إلى الجانب الشرقي قال‏:‏ فوقفت على الجسر فسقط الذهب من كمي في الماء وهو مربوط في منديل فضربت بيدي على الأخرى وحولقت فقال رجل‏:‏ ما لك فحكيت له فخلع ثيابه وغاص وطلع والمنديل في فمه فأخذت المنديل وأعطيته منها خمسة دنانير ففرح بذلك ولعن أباه فأنكرت عليه فقال‏:‏ انه مات وأزواني‏!‏ فسألته عن أبيه فإذا هو ابن الرجل الميت فقلت‏:‏ من يشهد لك بذلك فأتى بمن شهد له انه ابن ذلك الميت فسلمت إليه المال‏.‏

وكان كثيراً ما ينشد لنفسه‏:‏ يا أيّها النّاس إني ناصحٌ لكم فعوا كلامي فإني ذو تجاريب لا تلهينّكم الدّنيا بزخرفها فما يدوم على حسنٍ ولا طيب‏!‏ وحكى عبد الله بن زر قال‏:‏ كنت بالجزيرة فرأيت في نومي فوجاً من الملائكة يقولون‏:‏ مات الليلة ولي من أولياء الله‏!‏ فتحدثت بها وأرختها فلما رجعت إلى بغداد وسألت قالوا‏:‏ مات في تلك الليلة الوزير ابن هبيرة رحمة الله عليه‏!‏ وحكى عبد الله بن عبد الرحمن المقري قال‏:‏ رأيت الوزير ابن هبيرة في النوم فسألته عن حاله فأجاب‏:‏ فوجدنا مضاعفاً ما كسبنا ووجدنا محمّصاً ما اكتسبنا دوراق بلدة بخوزستان‏.‏

بها حمات كثيرة يقصدها أصحاب العاهات قال الشيخ عمر التسليمي‏:‏ إنها عيون كثيرة تنبع في جبل كلها حارة فربما يصعد منها دخان يلتهب فترى شعلته أحمر وأخضر وأصفر وأبيض ويجتمع في حوضين أحدهما للرجال والآخر للنساء فمن نزل فيه يسيراً يسيراً ينتفع به ومن طفر فيه يحترق بطنه ويتنفط‏.‏

 ديار بكر

ناحية ذات قرى ومدن كثيرة بين الشام والعراق قصبتها الموصل وحران وبها دجلة والفرات‏.‏

من عجائبها عين الهرماس وهي بقرب نصيبين على مرحلة منها وهي مسدودة بالحجارة والرصاص لئلا يخرج منها ماء كثير فتغرق المدينة‏.‏

حكي أن المتوكل على الله لما وصل إلى نصيبين سمع بأمر هذه العين وعجيب شأنها وكثرة مائها فأمر بفتح بعضها ففتح منها شيء يسير فغلب الماء غلبة عظيمة فأمر في الحال بسدها وردها إلى ما كانت فمن هذه العين تحصل عين الهرماس وتسقي نصيبين وفاضلها ينصب إلى الخابور ثم إلى الثرثار ثم إلى دجلة‏.‏دير بين الموصل وإربل يقصده الناس لدفع الصرع فيبرأ منهم كثير‏.‏

دير الجودي وهو دير مبني على قلة الجودي وهو جبل استوت عليه سفينة نوح عليه السلام قيل‏:‏ انه مبني منذ أيام نوح ولم تجدد عمارته إلى هذا الوقت زعموا أن سطحه يشبر فيكون عشرين شبراً مثلاً ثم يشبر فيكون اثنين وعشرين ثم يشبر فيكون ثمانية عشر فكلما شبر اختلف عدده‏.‏

 دير حزقيل

دير مشهور بين البصرة وعسكر مكرم وهو بالموضع الذي ذهب إليه أهل داوردان الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا فماتوا ثم أحياهم‏.‏

فبنوا ذلك الموضع ديراً وهو منسوب إلى حزقيل النبي عليه السلام حكى أبو العباس المبرد قال‏:‏ اجتزت به فقلت لأصحابي‏:‏ أريد أن أدخله‏.‏

فدخلناه فرأينا منظراً حسناً وإذا في بعض بيوته كهل مشدود حسن الصورة عليه آثار النعمة فسلمنا عليه فرد علينا السلام وقال‏:‏ من أين أنتم يا فتيان قلنا‏:‏ من البصرة‏.‏

فقال‏:‏ ما أقدمكم هذا البلد الغليظ هواؤه الثقيل ماؤه الجفاة أهله لمّا اناخوا قبيل الصّبح عيسهم وثوّروها فسارت بالهوى الإبل وأبرزت من خلال السّجف ناظرها ترنو إليّ ودمع العين منهمل وودّعت ببنانٍ خلته عنماً فقلت‏:‏ لا حملت رجلاك يا جمل‏!‏ إني على العهد لم أنقض مودّتهم يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا فقال له فتى من المجان كان معنا‏:‏ مات‏!‏ قال‏:‏ أفأموت أنا أيضاً قال له‏:‏ مت راشداً‏!‏ فتمطى وقضى نحبه‏.‏

 دير الخنافس

قال الخالدي‏:‏ هذا الدير بغربي دجلة بقرب الموصل على قلة جبل شامخ وهو دير صغير لا يسكنه أكثر من راهبين وهو نزه لعلوه على الضياع وإشرافه على أنهار نينوى‏.‏

وله عيد في كل عام مرة يقصده أهل تلك الضياع ثلاثة أيام تسود حيطانه وسقوفه وفرشه من الخنافس الصغار اللواتي كالنمل فإذا انقضت تلك الأيام لا يوجد في تلك الأرض من تلك الخنافس واحدة‏.‏

فإذا علم الرهبان بدنو تلك الأيام يخرج ما في الدير من القماش وهذا أمر مشهور هناك يعرفه أهل تلك الناحية‏.‏بغربي الموصل وهو دير حسن البناء واسع الفناء يكتسي أيام الربيع طرائف الأزهار وغرائب الأنوار‏.‏

ولتربتها خاصية عجيبة في دفع أذية لدغ العقارب حتى لو ذرت في بيتها ماتت‏.‏

دير العذارى بين الموصل وباجرمى وهو دير قديم به نساء عذارى قد ترهبن وأقمن به للعبادة‏.‏ حكى أبو الفرج الأصفهاني انه بلغ بعض الملوك ان فيهن نساء ذوات جمال فأمر بحملهن إليه ليختار منهن ما شاء فبلغهن ذلك فقمن ليلتهن يصلين ويستكفين شره‏.‏

فطرق ذلك الملك طارق أبلغه من ليلته فأصبحن صياماً فلذلك تصوم النصارى صوم العذارى إلى الآن‏.‏

وحكى الجاحظ أن فتياناً من ثعلبة أرادوا القطع على مال يمر بهم بقرب دير العذارى فجاءهم من أخبرهم أن السلطان قد علم بهم وبعث الخيل في طلبهم فاختفوا في دير العذارى إلى أن عرفوا أن الخيل رجعت من الطلب فأمنوا فقال بعضهم‏:‏ ما الذي يمنعكم أن تأخذوا هذا القس وتشدوه وثيقاً ثم يخلو كل واحد منكم بواحدة من هؤلاء الأبكار فإذا طلع الفجر تفرقتم في البلاد ففعلوا ما أجمعوا عليه فوجدوا كلهن ثيبات فرع القس منهن قبلهم فقال بعضهم‏:‏ ودير العذارى فضوحٌ لهنّ وعند القسوس حديثٌ عجيب إذا هنّ يزهرن زهر الظّراف وباب المدينة فجٌّ رحيب وقد بات بالدّير ليل التّمام فحولٌ صلابٌ وجمعٌ مهيب وللقسّ حزنٌ يهيض القلوب ووجدٌ يدلّ عليه النّحيب وقد كان عيراً لذي عانةٍ فصبّ على العير ليثٌ هبوب دير القيارة بقرب الموصل في الجانب الغربي مشرف على دجلة تحته عين تفور بماء حار يصب في دجلة ويخرج معه القار فما دام القار في مائة فهو لين فإذا فارق الماء وبرد جف‏.‏

ويحصل منها قير كثير يحمل إلى البلاد وأهل الموصل يقصدون هذا الموضع للنزه ويستحمون بهذا الماء فإنه يقلع البثور وينفع من أمراض كثيرة‏.‏

دير كردشير في وسط مفازة معطشة مهلكة بين الري والقم‏.‏

لولا هذا الدير لم يتيسر قطعها‏.‏

بناها أردشير بن بابك وهو حصن عظيم هائل البناء عالي السور مبني بآجر كبار وفيه أبنية وآزاج وعقود وصحنه قدر جريبين أو أكثر‏.‏

وحوله صهاريج منقورة في الحجارة واسعة تشرب السابلة منها طول السنة‏.‏

وعلى بعض أساطينه مكتوب‏:‏ كل آجرة من هذا الدير تقوم بدرهم وثلثين وثلاثة أرطال خبز ودانق توابل وقنينة خمر فمن صدق فبذلك وإلا فلينطح رأسه بأي أركانه شاء‏.‏

 دير متى

بشرقي الموصل على جبل شامخ من أشرفه ينظر إلى جميع رستاق نينوى‏.‏

وهو دير عجيب البناء أكثر بيوته منقورة في الصخر فيه نحو مائة راهب لا يأكلون إلا جمعاً في بيت الشتاء أو بيت الصيف وهما منقوران في صخر كل بيت منهما يسع جميع الرهبان وفي كل بيت عشرون مائدة منقورة من الصخر وفي ظهر كل واحدة منها بويت عليه باب مغلق فيه آلة المائدة من غضارة وظروفية وسكرجة لا تختلط آلة هذه بآلة هذه‏.‏

ولرأس الدير مائدة لطيفة على دكان في صدر البيت يجلس إليها وحده‏.‏

وكل ذلك منحوت من الحجر ملصق بالأرض‏.‏

 دير مر توما بميافارقين

على فرسخين منها في جبل عال‏.‏

له عيد يجتمع الناس إليه وينذر له النذور ومر توما شاهد فيه تزعم النصارى أن له ألف سنة وزيادة وانه ممن شاهد عيسى عليه السلام دير مر جرجيس على جبل عال بقرب جزيرة ابن عمر‏.‏

على بابه أشجار لا يدرى ما هي لها ثمرة شبيهة باللوز طيبة الطعام وبها زرازير لا تفارقه صيفاً ولا شتاء ولا يقدر أحد على صيد شيء منها البتة وبالليل يظهر حوله أفاع لا يستطيع أحد أن يسير في جبله ليلاً من كثرة الأفاعي كل ذلك عن الخالدي‏.‏

رأس العيس مدينة بين حران ونصيبين في فضاء من الأرض بها عيون كثيرة عجيبة صافية تجتمع كلها فيصير نهر الخابور وأشهرها عين الصرار فإنها لصفاء مائها تبين الحصاة في قعرها وعمقها أكثر من عشرة أذرع نثر المتوكل فيها عشرة آلاف درهم فأخرجها أهل المدينة جميعاً ما ضاع منها درهم ومنبع هذا الماء من صخر صلد يخرج منه ماء كثير بقوة‏.‏

رحبة الشام مدينة مشهورة ينسب إليها أبو جابر الرحبي كان من أصحاب الكرامات الظاهرة‏.‏

حكى أبو جابر قال‏:‏ رأيت أهل الرحبة ينكرون كرامات الأولياء فركبت سبعاً ذات يوم ودخلت المدينة روذبار بلاد بأرض الجبال كلها جبال ووهاد وأشجار ومياه وعماراتها قرى وقلاع حصينة وسكانها ديالم‏.‏

ينسب إليها أبو علي أحمد بن محمد الروذباري أصله من روذبار وسكن بغداد وسمع الحديث من إبراهيم الحربي وأخذ الفقه من أبي العباس بن شريح والأدب من ثعلب وصحب الجنيد‏.‏

حكى أبو منصور معمر الأصفهاني انه قال‏:‏ سمعت أبا علي الروذباري انه قال‏:‏ أنفقت على الفقراء كذا وكذا ألفاً وما جعلت يدي فوق يد فقير بل كانوا يأخذونه مني ويدهم فوق يدي‏.‏

توفي بمصر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة‏.‏

وينسب إليها أبو عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري‏.‏

كان ابن أخت أبي علي حكي انه كان راكباً على جمل فغاصت رجله في الرمل فقال‏:‏ جل الله‏!‏ فقال الجمل أيضاً‏:‏ جل الله‏!‏ وحكي أنه دعي يوماً هو وأصحابه إلى دعوة فإذا هم يمشون على الطريق فقال إنسان‏:‏ هؤلاء الصوفية مستحلون أموال الناس‏!‏ وبسط لسانه فيهم وقال‏:‏ ان واحداً منهم استقرض مني مائة درهم ولم يردها إلي ولست أدري أين أطلبه فقال أبو عبد الله لصاحب الدعوة وكان محباً له ولهذه الطائفة‏:‏ ائتني بمائة درهم‏!‏ فأتى بها فقال لبعض أصحابه‏:‏ احمل إلى ذلك الإنسان وقل له ان هذا الذي استقرض منك بعض أصحابنا وقد وقع لنا خبره عذر‏.‏

 روذراور

كورة بقرب همذان على ثلاثة فراسخ منها‏.‏

وهي ثلاث وتسعون قرية متصلة المزارع ملتفة الجنان مطردة الأنهار‏.‏

في أشجارها جميع أنواع الفواكه لطيب تربتها وعذوبة مائها ولطافة هوائها‏.‏

أرضها تنبت الزعفران وليس في جميع الأرض موضع ينبت به الزعفران إلا أرض روذراور منها يحمل إلى ميع البلاد‏.‏

 رويان

ناحية بين طبرستان وبحر الخزر من بلاد مازندران ينسب إليها الإمام فخر الإسلام أبو المحاسن الروياني وهو أول من أفتى بإلحاد الباطنية لأنهم كانوا يقولون‏:‏ لا بد من معلم يعلم الناس الطريق إلى الله وذلك المعلم يقول‏:‏ لا يجب عليكم إلا طاعتي وما سوى ذلك فإن شئتم فافعلوا وإن شئتم لا تفعلوا‏.‏

فالشيخ جاء إلى قزوين وأفتى بإلحادهم ووصى لأهل قزوين أن لا يكون بينهم وبين الباطنية اختلاط أصلاً وقال‏:‏ إن وقع بينكم اختلاط فهم قوم عندهم حيل يخدعون بعضكم وإذا خدعوا بعضكم وقع الخلاف والفتنة‏.‏

فالأمر كان على ما أشار إليه فخر الإسلام إن جاء من ذلك الجانب طائر قتلوه فلما عاد إلى رويان بعثوا إليه الفدائية وقتلوه‏.‏

عاش حميداً ومات شهيداً‏.‏

 الري

مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن كثيرة الخيرات وافرة الغلات والثمرات قديمة البناء قال ابن الكلبي‏:‏ بناها هوشنج بعد كيومرث‏.‏

وقال غيره‏:‏ بناها راز بن خراسان لأن النسبة إليها رازي‏.‏

وهي مدينة عجيبة في فضاء من الأرض وإلى جانبها جبل أقرع لا ينبت شيئاً يقال له طبرك‏.‏

قالوا‏:‏ انه معدن الذهب إلا ان نيله لا يفي بالنفقة عليه ولهذا تركوا معالجته‏.‏

ودور هذه المدينة كلها تحت الأرض ودورهم في غاية الظلمة وصعوبة المسلك وإنما فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر فإن كانوا مخالفين نهبوا دورهم وإن كانوا موافقين نزلوا في دورهم غصباً فاتخذوا مسالك الدور مظلمة ليسلموا من ذلك‏.‏

والناس يحفرون بها يجدون جواهر نفيسة وقطاع الذهب وبها كنوز في كل وقت يظهر منها شيء لأنها ما زالت موضع سرير الملك‏.‏

وفي سنة أربع عشرة وستمائة في زمن ايلقلمش ظهر بها حباب كان فيها دنانير عجيبة ولم يعرف انها ضرب أي ملك وذكر انها خربت مراراً بالسيف والخسف‏.‏

وقال جعفر بن محمد الرازي‏:‏ لما ورد المهدي في خلافة المنصور بنى المدينة التي بها الناس اليوم على يد عمار بن الخصيب وتمت عمارتها سنة ثمان وخمسين ومائة ومياه هذه المدينة جارية في نفس المدينة لكنها من أقذر المياه لأنهم يغسلون فيها جميع النجاسات وتمشي إليها مياه الحمامات وأهل المدينة لا يأخذون منها إلا نصف الليل لأنه في هذا الوقت يصفو عن النجاسات التي تلقى فيه‏.‏

وهواؤها في فصل الخريف سهام مسمومة قلما تخطيء سيما في حق الغرباء فإن الفواكه في هذا الوقت بها كثيرة رخيصة كالتين والخوخ والعنب فإن العنب لا يقدرون على تحصيله إلى الشتاء‏.‏

وبها نوع من العنب يسمونه الملاحي حباته كحبات البسر وعنقوده كعذق التمر ربما يكون مائة رطل‏.‏

هذا النوع يبقى إلى الشتاء ويحمل من الري إلى قزوين طول الشتاء ومع كبر حباته قشره رقيق وطعمه طيب‏.‏

وبها نوع آخر من العنب شبيه الرازقي إلا أن ثجيره ضعيف جداً إذا قطفوه تركوه في الظل حتى يتزبب ويكون زبيبه طيباً جداً يحمل إلى سائر البلاد‏.‏ويجلب من الري طين يغسل به الرأس في غاية النعومة يحمل هدية إلى سائر البلاد‏.‏

وصناع المشط بالري لهم صنعة دقيقة يعملون أمشاطاً في غاية الحسن تحمل هدية إلى البلاد‏.‏

والآلات والأثاث المتخذة من الخشب الخلنج خشبها بطبرستان يتخذون منها هناك وهي خشبة لا لطف فيها ويحملونها إلى الري فيتركها أهل الري في الخرط مرة أخرى ويلطفونها ثم يزوقونها بأنواع التزاويق من الري تحمل إلى جميع البلاد‏.‏

وأهل الري شافعية وحنفية‏.‏

وأصحاب الشافعي أقل عدداً من أصحاب أبي حنيفة والعصبية واقعة بينهم حتى أدت إلى الحروب وكان الظفر لأصحاب الشافعي في جميعها مع قلة عددهم‏.‏

والغالب على أهل الري القتل والسفك ومعهم شيء من الأريحية من ذلك حكي أن رجلاً من أرباب الثروة كان جاراً لبعض العيارين فجاء وقت وضع حمل زوجة صاحب الثروة ومن عادتهم أنهم يزينون الدار في هذا الوقت ويظهرون الأثاث والقماش فلما أمسوا وكان لهم داران اجتمعوا كلهم عند صاحبة الطلق وخلت الدار الأخرى فقال العيار‏:‏ ما منعكم أن تنزلوا وتجمعوا جميع ما في هذه الدار فنزلوا وأصعدوا جميع ما فيها إذ سمعوا ضجيج النساء يقلن‏:‏ وضعت غلاماً‏!‏ فقال العيار لأصحابه‏:‏ إن هؤلاء فرحوا بهذا المولود وإذا أحسوا بالقماش يتبدل فرحهم بالترح ويعدون الولد شؤماً‏.‏

ردوا القماش إليهم ليزداد فرحهم ويكون وينسب إليها الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي إمام الوقت ونادرة الدهر وأعجوبة الزمان‏:‏ لقد وجدت مكان القول ذا سعةٍ فإن وجدت لساناً قائلاً فقل ذكر أبو القاسم علي بن حسن بن عساكر عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال‏:‏ إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة في كل مائة سنة من يجدد لها دينها‏.‏

قال‏:‏ فكان على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز وعلى الثانية محمد بن ادريس الشافعي وعلى رأس المائة الثالثة أبو العباس أحمد ابن شريح وعلى رأس المائة الرابعة القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني وعلى رأس الخامسة أبو حامد محمد بن محمد الغزالي وعلى رأس المائة السادسة أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي‏.‏

حكي أن فخر الدين الرازي ورد بخارى وحضر حلقة رضى الدين النيسابوري وكان في حلقته أربعمائة فاضل مثل ركن الدين العميدي وركن الدين الطاووسي ومن كان من طبقاتهم ومن كان دونهم واستدل في ذلك المجلس فلم يبق من القوم إلا من أورد عليه سؤالاً أو سؤالين فأعادها كلها فلما قال‏:‏ والاعتداد عن هذه الفوائد قال رضى الدين‏:‏ لا حاجة إلى الجواب فإنه لا مزيد على هذا‏.‏

وتعجب القوم ضبطه وإعادته وترتيبه‏.‏

وحكي انه قبل اشتهاره ذهب إلى خوارزم مع رسول فقال أهل خوارزم للرسول‏:‏ سمعنا ان معك رجلاً فاضلاً نريد أن نسمع منه فائدة وكانوا في الجامع يوم الجمعة بعد الصلاة فأشار الرسول إلى فخر الدين بذلك فقال فخر الدين‏:‏ افعل ذلك بشرط أن لا يبحثوا إلا موجهاً‏.‏

فالتزموا ذلك‏.‏

فقال‏:‏ من أي علم تريدون قالوا‏:‏ من علم الكلام فإنه دأبنا‏.‏

قال‏:‏ أي مسألة تريدون اختاروا مسألة شرع فيها وقررها بأدنى زمان وكان هناك من العوام خلق كثير وعوام خوارزم متكلمة كلهم عرفوا أن فخر الدين قرر الدليل وغلبهم كلهم‏.‏

فاراد مرتب القوم أن يخفي ذلك محافظة لمحفل الرئيس فقال‏:‏ قد طال الوقت وكثرت الفوائد‏.‏

اليوم نقتصر على هذا وتمامه في مجلس آخر في حضرة مولانا فقال فخر الدين‏:‏ أيها الخوارزمي إن مولانا لا يقوم من هذا المجلس إلا كافراً أو فاسقاً لأني ألزمته الحكم بالحجة فإن لم يعتقد فهو كافر على زعمه وان اعتقد ولم يعترف به فهو فاسق على زعمه‏.‏

وحكي انه ورد بخارى وسمع أن أحداً من أهل بخارى ذكر اشكالات على إشارات أبي علي فلما ورد فخر الدين بخارى أوصى لأصحابه أن لا يعرضوا ذلك على فخر الدين فقال فخر الدين لأحد من أصحاب الرجل‏:‏ اغزني ليلة واحدة‏.‏

ففعل فضبطها كلها في ليلة واحدة وقام وذهب إليه أول النهار وقال له‏:‏ سمعت أنك أوردت الاشكالات على أبي علي فمعنى كلام أبي علي هذا كيف تورد عليه الاشكال حتى أتى على جميعها ثم قال له‏:‏ أما تتقي الله فهو كلام الرجل ما تعرف وتفسرها من عندك تفسيراً فاسداً وتورد عليه الاشكال فقال الرجل‏:‏ أظن انك الفخر الرازي‏!‏ فقال‏:‏ ما أخطأت في هذا الظن‏!‏ وقام وخرج‏.‏

وحكي انه كان يعظ على المنبر بخوارزم وعوام خورازم كلهم متكلمة يبحثون بحثاً صحيحاً وكان يأتي بمسألة مختلفة بين المعتزلة والأشاعرة ثم يقررها تقريراً تاماً ويقول‏:‏ أئمة المعتزلة لا يقدرون على مثل هذا التقرير‏.‏

ويقول لهم‏:‏ أما هذا تقرير حسن يقولون‏:‏ نعم‏.‏

فيقول‏:‏ اسمعوا إبطاله‏!‏ فيبطله بأدلة أقوى منها فالمعتزلة عزموا على ترك الاعتزال لأن الواجب عليهم اتباع الدليل فقال لهم مشايخهم‏:‏ لا تخالفوا مذهبكم فإن هذا رجل أعطاه الله في التقرير قوة عجيبة فإن هذا لقوته‏.‏

لا لضعف مذهبكم‏.‏

وحكي انه كان على المنبر فنقل شيئاً من التوراة فقالوا له‏:‏ كيف عرفت انه في التوراة فقال‏:‏ أي سفر شئتم عينوا حتى أقرأه عليكم‏!‏ وجاءته حمامة خلفها باشق يريد صيدها فدخلت الحمامة خلف ظهر الشيخ فقال بعض الحاضرين‏:‏ جاءت سليمان الزّمان بشجوها والموت يلمع من جناح الخاطف من عرّف الورقاء أنّ جنابكم حرمٌ وأنّك مأمنٌ للخائف وينسب إليها أبو إسحق إبراهيم بن أحمد الخواص‏.‏

كان من أقران الجنيد والنوري‏.‏

كان إبراهيم متوكلاً يمشي في أسفاره بلا زاد وحكى منصور ابن عبد الله الهروي قال‏:‏ كنت مع قوم في مسجد رسول الله‏.‏

صلى الله عليه وسلم نتحدث في كرامات الأنبياء ومعنا رجل مكفوف يسمع حديثنا فلما فرغنا قال‏:‏ آنسكم الله فإني أنست بحديثكم فاسمعوا عني أيضاً حديثاً عجيباً‏.‏

قال‏:‏ كنت رأيت قبل عماي رجلاً غريباً يخرج من المدينة يمشي مسرعاً فمشيت خلفه حتى أدركته قلت له‏:‏ اخلع ثيابك‏!‏ فقال لي‏:‏ اذهب حتى لا يصيبك ضرر‏!‏ فشددت عليه وكلفته خلع ثيابه فدفعني مراراً بالكلام فأبيت إلا خلع الثياب‏.‏

فلما علم اني لست أندفع عنه أشار إلي عيني فعميتا وذهب عني فبت تلك الليلة فرأيته في النوم فقلت‏:‏ يا عبد الله وحق من أكرمك هذه الكرامة من أنت قال‏:‏ إبراهيم الخواص‏!‏ وحكى الخواص رحمة الله عليه‏:‏ انتهيت إلى رجل صرعه الشيطان فجعلت أؤذن في أذنه فناداني الشيطان من خوفه يقول‏:‏ دعني أقتله فإنه يقول‏:‏ القرآن مخلوق‏!‏ وحكى بعضهم قال‏:‏ صحب الخواص مع اثنين فانتهينا إلى مسجد في المفازة فأوينا إليه وكان الوقت شاتياً والمسجد لا باب له فلما أصبحنا وجدنا إبراهيم واقفاً على باب المسجد يستر الباب ببدنه قال‏:‏ خشيت أن تجدوا البرد فسترت الباب ببدني‏.‏وحكى الخواص رحمه الله قال‏:‏ رافقني في بعض أسفاري راهب فمضينا أسبوعاً ما أكلنا‏.‏

فقال لي الراهب‏:‏ يا راهب احنفية هات إن كان عندك انبساط فقد بلغنا في الجوع‏!‏ فقلت‏:‏ اللهم لا تفضحني عند هذا الكافر‏!‏ فرأيت طبقاً فيه خبز وشواء ورطب وماء فأكلنا ومشينا أسبوعاً آخر فقلت‏:‏ يا راهب النصارى هات إن كان عندك انبساط فالنوبة لك‏!‏ فدعا فرأيت طبقاً فيه أكثر مما كان على طبقي فتحيرت وأبيت أن آكل منها فقال لي الراهب‏:‏ كل فإني أبشرك ببشريين‏:‏ أحدهما أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والثاني اني قلت يا رب ان كان لهذا الرجل خطر فافتح علي فتحاً‏!‏ فأكلنا ومشينا إلى مكة فأقام بها مدة ثم توفي بها ودفن في البطحاء‏.‏

وحكى إبراهيم قال‏:‏ في بعض أسفاري انتهيت إلى شجرة قعدت تحتها فإذا سبع هائل يأتي نحوي فلما دنا مني رأيته يعرج فإذا يده منتفخة وفيها فنخ فهمهم وتركها في حجري وعرفت انه يقول‏:‏ عالج هذه‏!‏ فأخذت خشبة فتحت بها الفنخ ثم شددته بخرقة خرقتها من ثوبي فغاب ثم جاءني ومعه شبلان يبصبصان ورغيف تركه عندي ومشى‏.‏

وحكى إبراهيم رحمه الله قال‏:‏ ركبت البحر مرة فجاءنا ريح عاصف يمشي بالمركب على غير اختيارنا فالركاب كانوا يدعون الله تعالى وكل واحد ينذر نذراً وأنا قلت‏:‏ ان نجاني الله تعالى من هذه لا آكل لحم الفيل‏!‏ هكذا جرى على لساني فالريح رمتنا إلى جزيرة فرأينا في الجزيرة ولد فيل فالقوم أخذوه وذبحوه وجعلوا يأكلونه فأشاروا إلي بأكله فأبيت أن آكل لأجل النذر‏.‏

فأكل القوم كلهم من لحم ولد الفيل فلما كان الليل جاء الفيل فما وجد الولد فرأى القوم فجعل يشم واحداً واحداً ويحطمه بخفه حتى فرغ عن الكل فأنا وقعت على وجهي حتى لا أراه وأيقنت بالهلاك‏.‏

فلما شمتني لف خرطومه علي وحملني على ظهره وجعل يمشي طول الليل بي فلما أصبحت وصل إلى بيش فتركني هناك ومضى‏.‏

وحكى أبو حامد الأسود قال‏:‏ سافرت مع الخواص ذات مرة فانتهينا إلى ظل شجرة فأقبل إلينا سبع هائل فصعدت الشجرة خوفاً وإبراهيم نام تحت الشجرة فجاء السبع فشمه من رأسه إلى قدمه وذهب فلما كانت الليلة أوينا إلى مسجد فوقعت بقة على إبراهيم فأن أنيناً فقلت له‏:‏ هذا عجب‏!‏ البارحة ما كنت تئن من أسد والآن تئن من بقة فقال‏:‏ هذه الحالة غير تلك الحالة البارحة كنت بالله والليلة أنا بنفسي‏!‏ وحكي أن الخواص رحمة الله عليه لما دنت وفاته طلب الماء وتوضأ وتوفي سنة إحدى وتسعين ومائتين فرئي بعد وفاته في النوم فقيل له‏:‏ ما فعل الله بك فقال‏:‏ أثابني على كل عم عملته ثم أنزلني منزلاً فوق منازل أهل الجنة وقال‏:‏ يا إبراهيم هذا المنزل بسبب انك قدمت إلينا بالطهارة‏!‏ وينسب إليها يحيى بن معاذ الرازي‏.‏

كان شيخ الوقت وصاحب اللسان في الوعظ والقبول عند الناس إلى أن اتصل بزين العارفين أبي يزيد البسطامي فرأى من حالاته ما تحير فيها فعلم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فلازم خدمته وذكر عنه حكايات عجيبة‏.‏

وحكي انه رأى بايزيد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر مستوفزاً على صدور قدميه رافعاً أخمصيه ضارباً بدفيه على صدره شاخصاً بعينيه لا يطرف ثم سجد عند الفجر فأطال ثم قعد وقال‏:‏ اللهم إن قوماً طلبوك فأعطيتهم المشي على الماء والمشي على الهواء فرضوا منك بذلك وإني أوذ بك من ذلك وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم كنوز الأرض ورضوا بذلك وإني أعوذ بك من ذلك وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم طي الأرض فإنهم رضوا بذلك واني أعوذ بك من ذلك حتى عد نيفاً وعشرين مقاماً من مقامات الأولياء ثم التفت إلي فرآني فقال‏:‏ يحيى‏!‏ قلت‏:‏ نعم يا سيدي‏!‏ فقال‏:‏ منذ متى أنت هنا قلت‏:‏ منذ حين‏.‏

فسكت فقلت‏:‏ يا سيدي حدثني بشيء‏.‏

فقال‏:‏ أحدثك بما يصلح لك ادخلني في الفلك الأسفل فدورني في الملكوت السفلي وأراني الأرض وما تحتها إلى الثرى ثم أدخلني في الفلك العلوي فطوف في السموات وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش ثم أوقفني بين يديه وقال‏:‏ سلني أي شيء رأيت حتى أهبه لك‏!‏ فقلت‏:‏ يا سيدي ما رأيت شيئاً استحسنته فأسالك إياه‏.‏

فقال‏:‏ أنت عبدي حقاً بعبدي لأجلي صدقاً لأفعلن بك ولأفعلن‏!‏ وذكر أشياء قال يحيى‏:‏ فهالني ذلك وامتلأت به وعجبت منه فقلت‏:‏ يا سيدي لم ما سألته المعرفة به وقد قال لك سلني ما شئت قال‏:‏ فصاح في صيحة وقال لي‏:‏ اسكت‏!‏ ويلك غرت عليه مني لا أحب أن يعرفه سواه‏.‏

وحكي أن من لطف الله تعالى في حق يحيى انه تكلم ببلخ وفضل الغنى على الفقر فأعطي ثلاثين ألف درهم فسمع بعض المشايخ ذلك فقال‏:‏ ما أعجبه لا بارك الله له في هذا المال‏!‏ فخرج من بلخ يريد نيسابور فوقع عليه اللصوص وأخذوا منه المال‏.‏

وحكى يحيى انه دخل المسجد فوقعت جنية على باب المسجد فقلت‏:‏ ان ذلك لذنب مني حتى تذكرت اني قدمت رجلي اليسرى فقلت‏:‏ تبت لا أعود إلى مثله‏!‏ فنوديت‏:‏ يا يحيى أدركت سوء الأدب بحسن المعذرة فأدركناك بالفضل والمغفرة‏.‏

توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين‏.‏