الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: اختلاف الحديث ***
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ}. قَالَ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ {أَنَّ عُوَيْمِرٌ بْنَ أَشْقَرَ ذَبَحَ أُضْحِيَّةً قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ يَوْمَ الْأَضْحَى وَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى} قَالَ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ {أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَضْحَى فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى، قَالَ أَبُو بُرْدَةَ لاَ أَجِدُ إلَّا جَذَعًا، فَقَالَ النَّبِيُّ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إلَّا جَذَعًا فَاذْبَحْهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ وَاجِبَةٌ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ إنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ قَبْلَ الْوَقْتِ لَيْسَتْ بِضَحِيَّةٍ تُجْزِيهِ فَيَكُونُ فِي عِدَادِ مَنْ ضَحَّى، قَالَ وَوَجَدْنَا الدَّلاَلَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ الضَّحِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا وَهِيَ سُنَّةٌ يَجِبُ لُزُومُهَا وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لاَ عَلَى إيجَابِهَا فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ السُّنَّةُ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؟ قِيلَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَمَسُّ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ بَشَرِهِ شَيْئًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الضَّحِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ وَلَوْ كَانَتْ الضَّحِيَّةُ وَاجِبَةً أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ فَلاَ يَمَسُّ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ وَنَأْمُرُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لاَ يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ اتِّبَاعًا وَاخْتِيَارًا} فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لاَ وَاجِبٌ؟ قِيلَ لَهُ رَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ {عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَنَا فَتَلْت قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أُبَيٍّ فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْمَرْءَ لاَ يُحْرِمُ بِالْبَعْثَةِ بِهَدْيِهِ يَقُولُ الْبَعْثَةُ بِالْهَدْيِ أَكْبَرُ مِنْ إرَادَةِ الضَّحِيَّةِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: نَحْنُ نَقْرَأُ آيَةَ الْوُضُوءِ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ} بِنَصْبِ أَرْجُلِكُمْ عَلَى مَعْنَى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَعَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا دَلاَلَةُ السُّنَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ: وَالْكَعْبَانِ اللَّذَانِ أَمَرَ بِغُسْلِهِمَا مَا أَشْرَفَ مِنْ مَجْمَعِ مِفْصَلِ السَّاقِ، وَالْقَدَمِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَا أَشْرَفَ وَاجْتَمَعَ كَعْبًا حَتَّى تَقُولَ كَعْبٌ سَمِنَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَذَهَبَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ {وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ} كَقَوْلِهِ {وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ} وَأَنَّ الْمَرَافِقَ وَالْكَعْبَيْنِ مِمَّا يُغْسَلُ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ سَالِمٍ سبلان مَوْلَى النَّضْرِيِّينَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ إلَى مَكَّةَ فَكَانَتْ تَخْرُجُ بِأَبِي حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا قَالَ فَأَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِوُضُوءٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ {وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ {وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلاَ يُجْزِئُ مُتَوَضِّئًا إلَّا أَنْ يَغْسِلَ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ وَبُطُونَهُمَا وَأَعْقَابَهُمَا وَكَعْبَيْهِ مَعًا. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَسَحَ عَلَى ظُهُورِ قَدَمَيْهِ} وَرُوِيَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَشَّ عَلَى ظُهُورِهِمَا} وَأَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ وَجْهٍ صَالِحُ الْإِسْنَادِ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ لاَ يُجْزِئُ مَسْحُ ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ أَوْ رَشُّهُمَا وَلاَ يَكُونُ مُضَادًّا لِحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ كَمَا أَجْزَأَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَكُنْ مُضَادًّا لِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ؟ قِيلَ لَهُ الْخُفَّانِ حَائِلاَنِ دُونَ الْقَدَمَيْنِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا يُضَادُّ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ وَهُوَ غَيْرُهُمَا وَاَلَّذِي قَالَ مَسَحَ أَوْ رَشَّ ظُهُورَ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ زَعَمَ أَنْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ غَسْلُ بَطْنِ الْقَدَمَيْنِ وَلاَ تَخْلِيلٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا وَلاَ غَسْلُ أَصَابِعِهِمَا وَلاَ غَسْلُ عَقِبَيْهِ وَلاَ كَعْبَيْهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ}، وَقَالَ {وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّارِ} وَلاَ يُقَالُ وَيْلٌ لَهُمَا مِنْ النَّارِ إلَّا وَغَسْلُهُمَا وَاجِبٌ لِأَنَّ الْعَذَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، {وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِأَعْمَى يَتَوَضَّأُ بَطْنَ الْقَدَمِ بَطْنَ الْقَدَمِ} فَجَعَلَ الْأَعْمَى يَغْسِلُ بَطْنَ الْقَدَمِ وَلاَ يَسْمَعُ النَّبِيَّ فَسُمِّيَ الْبَصِيرَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا جَعَلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ مَسْحِ ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ وَرَشِّهِمَا؟ قِيلَ: أَمَّا أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ فَلَيْسَ مِمَّا يُثْبِتُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَوْ انْفَرَدَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَحَسَنُ الْإِسْنَادِ وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا ثَبَتَ وَاَلَّذِي يُخَالِفُهُ أَكْثَرُ وَأَثْبَتُ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا كَانَ أَوْلَى وَمَعَ الَّذِي خَالَفَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ كَمَا وَصَفْت وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْعَامَّةِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {أَسْفِرُوا بِالصُّبْحِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ} أَوْ قَالَ لِلْأَجْرِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ يُصَلِّينَ مَعَ النَّبِيِّ وَهُنَّ مُتَلَفِّعَاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى أَهْلِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ قَالَ وَرَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ مَا يُوَافِقُ هَذَا وَرَوَى مِثْلَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْنَا إذَا انْقَطَعَ الشَّكُّ فِي الْفَجْرِ الْآخَرِ وَبَانَ مُعْتَرِضًا فَالتَّغْلِيسُ بِالصُّبْحِ أَحَبُّ إلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ أَحَبُّ إلَيْنَا قَالَ وَرُوِيَ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذْنَا بِأَحَدِهِمَا وَذَكَرَ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَقَالَ أَخَذْنَا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ قَالَ وَقَالَ لِي أَرَأَيْت إنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ فَلِمَ صِرْت إلَى التَّغْلِيسِ؟ قُلْت: لِأَنَّ التَّغْلِيسَ أَوْلاَهُمَا بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَأَثْبَتُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَشْبَهُهُمَا بِحَمْلِ سُنَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْرَفُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ فَاذْكُرْ ذَلِكَ قُلْت قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى} فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ وَكَانَ أَقَلُّ مَا فِي الصُّبْحِ إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ أَنْ تَكُونَ مِمَّا أُمِرْنَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ فَلِمَا دَلَّتْ السُّنَّةُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ أَنَّ الْفَجْرَ إذَا بَانَ مُعْتَرِضًا فَقَدْ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ عَلِمْنَا أَنَّ مُؤَدِّيَ الصَّلاَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا مِنْ مُؤَخِّرِهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ {أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ} {وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ الصَّلاَةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا} وَرَسُولُ اللَّهِ لاَ يُؤْثِرُ عَلَى رِضْوَانِ اللَّهِ وَلاَ عَلَى أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ شَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي امْرِئٍ أَرَادَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ يَتَعَجَّلُهُ مُبَادَرَةً مَا لاَ يَخْلُو مِنْهُ الْآدَمِيُّونَ مِنْ النِّسْيَانِ وَالشُّغْلِ وَمُقَدَّمُ الصَّلاَةِ أَشَدُّ فِيهَا تَمَكُّنًا مِنْ مُؤَخَّرِهَا وَكَانَتْ الصَّلاَةُ الْمُقَدَّمَةُ مِنْ أَعْلَى أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ وَأُمِرْنَا بِالتَّغْلِيسِ بِهَا لِمَا وَصَفْنَا قَالَ فَأَبِنْ أَنَّ حَدِيثَك الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ أَثْبَتُهُمَا قُلْت حَدِيثُ عَائِشَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَثَالِثٍ مَعَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالتَّغْلِيسِ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَحْدَهُ فِي أَمْرِهِ بِالْإِسْفَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لاَ يَأْمُرُ بِأَنْ تُصَلَّى صَلاَةٌ فِي وَقْتٍ وَيُصَلِّيَهَا فِي غَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَثْبَتُ الْحُجَجِ وَأَوْلاَهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ ثُمَّ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ {أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ} وَقَوْلِهِ إذْ {سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ الصَّلاَةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا} قَالَ فَقَالَ فَيُخَالِفُ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ حَدِيثَكُمْ فِي التَّغْلِيسِ قُلْت إنْ خَالَفَهُ فَالْحُجَّةُ فِي أَخْذِنَا بِحَدِيثِنَا مَا وَصَفْت وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يُخَالِفَهُ بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَمَرَنَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلاَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَإِنَّهُ رِضْوَانُ اللَّهِ} فَلَعَلَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ سَمِعَهُ فَقَدَّمَ الصَّلاَةَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ الْفَجْرَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُسْفِرُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ الْآخَرُ فَلاَ يَكُونُ مَعْنَى حَدِيثِ رَافِعٍ مَا أَرَدْت مِنْ الْإِسْفَارِ وَلاَ يَكُونُ حَدِيثُهُ مُخَالِفًا حَدِيثَنَا قَالَ فَمَا ظَاهِرُ حَدِيثِ رَافِعٍ؟ قُلْت الْأَمْرُ بِالْإِسْفَارِ لاَ بِالتَّغْلِيسِ وَإِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْأَحَادِيثِ كَانَ أَوْلَى بِنَا أَنْ لاَ نَنْسُبَهُ إلَى الِاخْتِلاَفِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فَالْحُجَّةُ فِي تَرْكِنَا إيَّاهُ بِحَدِيثِنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِمَا وَصَفْت مِنْ الدَّلاَئِلِ مَعَهُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: {رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلاَ يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ قَالَ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ حَدَّثَنِي وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ قَالَ {رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ} قَالَ وَائِلٌ ثُمَّ أَتَيْتهمْ فِي الشِّتَاءِ فَرَأَيْتهمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الْبَرَانِسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَدَّقُوهُ مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَبِهَذَا نَقُولُ فَنَقُولُ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلاَةِ غَيْرَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَرَكْنَا مَا خَالَفَهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّهَا أَثْبَتُ إسْنَادًا مِنْهُ وَأَنَّهَا عَدَدٌ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّا نَرَاهُ رَأَى الْمُصَلِّيَ يُرْخِي يَدَيْهِ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ رَفْعَهُمَا فَلَوْ كَانَ رَفَعَهُمَا مَدًّا احْتَمَلَ مَدًّا حَتَّى الْمَنْكِبَيْنِ وَاحْتَمَلَ مَا يُجَاوِزُهُ وَيُجَاوِزُ الرَّأْسَ وَرَفَعَهُمَا وَلاَ يُجَاوِزُ الْمَنْكِبَيْنِ وَهَذَا حَذْوٌ حَتَّى يُحَازِيَ مَنْكِبَيْهِ وَحَدِيثُنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَثْبَتُ إسْنَادًا وَمَعَهُ عَدَدٌ يُوَافِقُونَهُ وَيُحَدِّدُونَهُ تَحْدِيدًا لاَ يُشْبِهُ الْغَلَطَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ أَفَيَجُوزُ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَنْكِبَيْنِ؟ قِيلَ لاَ يُنْقِصُ الصَّلاَةَ وَلاَ يُوجِبُ سَهْوًا وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لاَ يُجَاوِزَ الْمَنْكِبَيْنِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ الْمُصَلِّي رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ لاَ يَعُودُ يَرْفَعُهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلاَةِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: {رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ} قَالَ سُفْيَانُ ثُمَّ قَدِمْت الْكُوفَةَ فَلَقِيت يَزِيدَ بِهَا فَسَمِعْته يُحَدِّثُ بِهَذَا وَزَادَ فِيهِ ثُمَّ لاَ يَعُودُ فَظَنَنْت أَنَّهُمْ لَقَّنُوهُ قَالَ سُفْيَانُ هَكَذَا سَمِعْت يَزِيدَ يُحَدِّثُهُ هَكَذَا وَيَزِيدُ فِيهِ ثُمَّ لاَ يَعُودُ قَالَ: وَذَهَبَ سُفْيَانُ إلَى أَنْ يُغَلِّطَ يَزِيدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَيَقُولَ كَأَنَّهُ لُقِّنَ هَذَا الْحَرْفَ الْآخَرَ فَلَقَّنَهُ وَلَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ يَرَى يَزِيدَ بِالْحَافِظِ لِذَلِكَ قَالَ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَمْ حَدِيثُ يَزِيدَ؟ قَالَ بَلْ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ قُلْت فَمَعَ الزُّهْرِيِّ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْهُمْ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ وَحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ كُلُّهَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَا وَصَفْت وَثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا أَوْلَى أَنْ تُثْبَتَ مِنْ حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَمِنْ أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِك إنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَمَعَك حَدِيثٌ يُكَافِئُهُ فِي الصِّحَّةِ فَكَانَ فِي حَدِيثِك أَنْ لاَ يَعُودَ لِرَفْعِ الْيَدَيْنِ وَفِي حَدِيثِنَا يَعُودُ لِرَفْعِ الْيَدَيْنِ كَانَ حَدِيثُنَا أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ حِفْظٍ مَا لَمْ يَحْفَظْ صَاحِبُ حَدِيثَك فَكَيْفَ صِرْت إلَى حَدِيثِك وَتَرَكْت حَدِيثَنَا وَالْحُجَّةُ لَنَا فِيهِ عَلَيْك بِهَذَا وَبِأَنَّ إسْنَادَ حَدِيثِك لَيْسَ كَإِسْنَادِ حَدِيثِنَا بِأَنَّ أَهْلَ الْحِفْظِ يَرَوْنَ أَنَّ يَزِيدَ لَقَّنَ ثُمَّ لاَ يَعُودُ قَالَ فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنْكَرَ حَدِيثَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَقَالَ أَتَرَى وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ أَعْلَمَ مِنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ؟ قُلْت: وَرَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا رَوَيَا عَنْ النَّبِيِّ خِلاَفَ مَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: لاَ وَلَكِنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ رَوَيَاهُ أَوْ فَعَلاَهُ؟ قُلْت: أَفَرَوَى هَذَا إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ نَصًّا؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَخَفِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ شَيْءٌ رَوَاهُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ أَوْ فَعَلاَهُ؟ قَالَ مَا أَشُكُّ فِي ذَلِكَ قُلْت فَتَدْرِي لَعَلَّهُمَا قَدْ فَعَلاَهُ فَخَفِيَ عَنْهُ أَوْ رَوَيَاهُ فَلَمْ يَسْمَعْهُ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَيُمْكِنُ قُلْت أَفَرَأَيْت جَمِيعَ مَا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ فَأَخَذَ بِهِ فَأَحَلَّ بِهِ وَحَرَّمَ؟ أَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَلِمَ احْتَجَجْت بِأَنَّهُ ذَكَرَ عَلِيًّا وَعَبْدَ اللَّهِ وَقَدْ يَأْخُذُ هُوَ وَغَيْرُهُ عَنْ غَيْرِهِمَا مَا لَمْ يَأْتِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمِنْ قَوْلِنَا وَقَوْلِك: إنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ إذْ كَانَ ثَمَّةَ لَوْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ شَيْئًا فَقَالَ عَدَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ لَمْ يَكُنْ مَا رَوَى كَانَ الَّذِي قَالَ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِهِ مِنْ الَّذِي قَالَ لَمْ يَكُنْ وَأَصْلُ قَوْلِنَا أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَوْ رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فَيَكُونُ ثِقَةً لَلَقِيَهُمَا ثُمَّ أَرَدْت إبْطَالَ مَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ عَنْ النَّبِيِّ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ إبْرَاهِيمُ فِيهِ قَوْلَ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فَلَعَلَّهُ عَلِمَهُ قُلْت وَلَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَك فِيهِ حُجَّةٌ بِأَنْ رَوَاهُ فَإِنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ تُوهِمَ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ رَوَاهُ بِلاَ أَنْ يَقُولَ هُوَ رَوَيْته جَازَ لَنَا أَنْ نَتَوَهَّمَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يَرْوِ أَنَّهُ عَلِمَ فِيهِ مَا لَمْ يَقُلْ لَنَا عَلِمْنَا وَلَوْ رَوَى عَنْهُمَا خِلاَفَهُ لِمَ عِنْدَك فِيهِ حُجَّةٌ، فَقَالَ وَائِلٌ أَعْرَابِيٌّ فَقُلْت: أَفَرَأَيْت فرثعا الضَّبَّيَّ وَقَزْعَةَ وَسَهْمَ بْنَ مِنْجَابٍ حِينَ رَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْهُمْ وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ أَهُمْ أَوْلَى أَنْ يُرْوَى عَنْهُمْ أَمْ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَكُمْ بِالصَّحَابَةِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ فِيمَا زَعَمْتُمْ مَعْرُوفًا عِنْدَكُمْ بِحَدِيثٍ وَلاَ شَيْءَ؟ قَالَ: بَلْ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ قُلْت فَكَيْفَ تَرُدُّ حَدِيثَ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَتَرْوِي عَمَّنْ دُونَهُ وَنَحْنُ إنَّمَا قُلْنَا بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ عَدَدٍ لَعَلَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْهُمْ غَيْرُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَوَائِلٌ أَهْلٌ أَنْ يَقْبَلَ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقِيلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا إنَّهُ لَمَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الِافْتِتَاحِ وَعِنْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمَا هُوَ بِالْمَعْمُولِ بِهِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ النَّاسَ كَانُوا إذَا نَامُوا مِنْ اللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَمْ يَأْكُلُوا وَلَمْ يُجَامِعُوا حَتَّى نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَجَامَعُوا إلَى الْفَجْرِ فَأَمَّا قَوْلُهُ: لَيْسَ بِالْمَعْمُولِ بِهِ فَقَدْ أَعْيَانَا أَنْ نَجِدَ عِنْدَ أَحَدٍ عِلْمَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ إذَا عَلِمُوا بِالْحَدِيثِ ثَبَتَ عِنْدَهُ فَإِذَا تَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ سَقَطَ عِنْدَهُ، وَهُوَ يَرْوِي أَنَّ النَّبِيَّ فَعَلَهُ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ وَلاَ يُرْوَى عَنْ أَحَدٍ يُسَمِّيهِ أَنَّهُ تَرَكَهُ فَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ لَمْ أَعْلَمْهُمْ خَلَقُوا ثُمَّ يُحْتَجُّ بِتَرْكِهِمْ الْعَمَلَ وَغَفْلَتِهِمْ، فَأَمَّا قَوْلُهُ فِي النَّاسِ: كَانُوا لاَ يَأْكُلُونَ بَعْدَ النَّوْمِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى أُرْخِصَ لَهُمْ أَنَّ أَشْيَاءَ قَدْ كَانَتْ ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ فَذَلِكَ كَمَا قَالَ وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ مَا نَسَخَهَا وَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَفَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ هُوَ مَنْسُوخٌ بِلاَ خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؟ فَإِنْ قَالَ: لاَ، قِيلَ: فَأَيْنَ الْخَبَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَفَعَ الْيَدَ فِي الصَّلاَةِ؟ فَإِنْ قَالَ: فَلَعَلَّهُ كَانَ وَلَمْ يُحْفَظْ قِيلَ أَفَيَجُوزُ فِي كُلِّ خَبَرٍ رَوَيْته عَنْ النَّبِيِّ أَنْ يُقَالَ قَدْ كَانَ هَذَا وَلَعَلَّهُ مَنْسُوخٌ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا أَهْلُ الْجَهَالَةِ السُّنَنَ بِ لَعَلَّهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ تَرْكُك أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ بِمِثْلِ مَا وَصَفْت مِنْ هَذَا الْمَذْهَبِ الضَّعِيفِ فَكَيْفَ لَنَا وَلاَمُوا مَنْ تَرَكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ شَيْئًا مِنْ أَهْلِ الْكَلاَمِ الَّذِينَ يَعْتَلُّونَ فِي تَرْكِهَا بِأَحْسَنَ وَأَقْوَى مِنْ هَذَا الْمَذْهَبِ الضَّعِيفِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُصَيْنٍ أَظُنُّهُ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ سَمِعَ ابْنَ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ أَخَذَ بِيَدَيَّ زِيَادُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ فَوَقَفَ بِي عَلَى شَيْخٍ بِالرَّقَّةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لَهُ: وَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي هَذَا الشَّيْخُ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَدِّثِينَ يُدْخِلُ بَيْنَ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ وَوَابِصَةَ فِيهِ رَجُلاً وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ هِلاَلٍ عَنْ وَابِصَةَ سَمِعَهُ مِنْهُ وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ يُوهِنُهُ بِمَا وَصَفْت وَسَمِعْت مَنْ يَرْوِي بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ {أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ أَنَّهُ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، فَقَالَ لَهُ: النَّبِيُّ زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ} فَكَأَنَّهُ أَحَبَّ لَهُ الدُّخُولَ فِي الصَّفِّ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ الْعَجَلَةَ بِالرُّكُوعِ حَتَّى يَلْحَقَ بِالصَّفِّ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ بَلْ فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ رَأَى رُكُوعَهُ مُنْفَرِدًا مُجْزِئًا عَنْهُ، وَمِنْ حَدِيثِنَا حَدِيثُ ثَابِتٍ أَنَّ صَلاَةَ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الْإِمَامِ تُجْزِئُهُ فَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ وَابِصَةَ كَانَ حَدِيثُنَا أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِأَنَّ مَعَهُ الْقِيَاسَ، وَقَوْلَ الْعَامَّةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الْقِيَاسُ وَقَوْلُ الْعَامَّةِ؟ قِيلَ أَرَأَيْت صَلاَةَ الرَّجُلِ مُنْفَرِدًا أَتُجْزِئُ عَنْهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَصَلاَةُ الْإِمَامِ أَمَامَ الصَّفِّ وَهُوَ فِي صَلاَةِ جَمَاعَةٍ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ فَهَلْ يَعْدُو الْمُنْفَرِدُ خَلْفَ الْمُصَلِّي أَنْ يَكُونَ كَالْإِمَامِ الْمُنْفَرِدِ أَمَامَهُ أَوْ يَكُونَ كَرَجُلٍ مُنْفَرِدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا؟ فَإِنْ قِيلَ فَهَكَذَا سُنَّةُ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ قِيلَ فَسُنَّةُ مَوْقِفِهِمَا تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي الِانْفِرَادِ شَيْءٌ يُفْسِدُ الصَّلاَةَ فَإِنْ قَالَ بِالْحَدِيثِ فِيهِ قِيلَ فِي الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ فَاذْكُرْ حَدِيثَك قِيلَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ {عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ النَّبِيَّ إلَى طَعَامٍ صَنَعَتْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلاَُصَلِّيَ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِالْمَاءِ فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ وَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ}. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ صَلَّيْت أَنَا وَيَتِيمٌ لَنَا خَلْفَ النَّبِيِّ فِي بَيْتِنَا وَأُمُّ سَلَمَةَ خَلْفَنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَنَسٌ يَحْكِي أَنَّ امْرَأَةً صَلَّتْ مُنْفَرِدَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ فَإِذَا أَجْزَأَتْ الْمَرْأَةَ صَلاَتُهَا مَعَ الْإِمَامِ مُنْفَرِدَةً أَجْزَأَ الرَّجُلَ صَلاَتُهُ مَعَ الْإِمَامِ مُنْفَرِدًا كَمَا تُجْزِئُهَا هِيَ صَلاَتُهَا.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ {وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاَةَ} الآيَةَ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَ الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ {عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلاَةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَصَفَّتْ طَائِفَةٌ وَجَاهَ الْعَدُوِّ وَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وَجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ}. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ عَنْ حَفْصٍ يَذْكُرُ عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلَ مَعْنَاهُ لاَ يُخَالِفُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخَذْنَا بِهَذَا فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ جِهَتَهَا غَيْرَ مَأْمُونِينَ لِثُبُوتِهِ عَنْ النَّبِيِّ وَمُوَافَقَتِهِ لِلْقُرْآنِ قَالَ: وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ شَيْئًا يُخَالِفُ فِيهِ هَذِهِ الصَّلاَةَ رَوَى {أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَ النَّبِيِّ وَطَائِفَةً وَجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ اسْتَأْخَرُوا وَلَمْ يُتِمُّوا الصَّلاَةَ فَوَقَفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَصَلُّوا مَعَهُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفَتْ وَقَامَتْ الطَّائِفَتَانِ مَعًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ أَخَذْت بِحَدِيثِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ دُونَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ؟ قِيلَ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مُوَافَقَةُ الْقُرْآنِ وَأَنَّ مَعْقُولاً فِيهِ أَنَّهُ عَدَلَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَأَحْرَى أَنْ لاَ يُصِيبَ الْمُشْرِكُونَ غِرَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قَالَ فَأَيْنَ مُوَافَقَةُ الْقُرْآنِ؟ قُلْت: قَالَ اللَّهُ: {وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} إلَى وَأَسْلِحَتَهُمْ الْآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَذَكَرَ اللَّهُ صَلاَةَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى مَعَهُ قَالَ فَإِذَا سَجَدُوا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إذَا سَجَدُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ السُّجُودِ كُلِّهِ كَانُوا مِنْ وَرَائِهِمْ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى مَا احْتَمَلَ الْقُرْآنُ مِنْ هَذَا فَكَانَ أَوْلَى مَعَانِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ اللَّهُ خُرُوجَ الْإِمَامِ بِالطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الصَّلاَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَلاَ عَلَى الْإِمَامِ قَضَاءً وَهَكَذَا حَدِيثُ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: وَلَمَّا كَانَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى مَأْمُورَةً بِالْوُقُوفِ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْوَاقِفَ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَرَى مِنْ حَرَكَةِ الْعَدُوِّ وَإِرَادَتِهِ وَمَدَدًا إذَا جَاءَهُ فَيَفْهَمُهُ عَنْهُ الْإِمَامُ وَالْمُصَلُّونَ فَيُخَفِّفُ أَوْ يَقْطَعُ أَوْ يُعْلِمُونَهُ أَنَّ حَرَكَتَهُمْ حَرَكَةٌ لاَ خَوْفَ فِيهَا عَلَيْهِمْ فَيُقِيمُ عَلَى صَلاَتِهِ مُطِيلاً لاَ مُعَجِّلاً وَتُخَالِفُهُمْ الطَّائِفَةُ الَّتِي بِإِزَائِهِمْ أَوْ بَعْضُهَا وَهِيَ غَيْرُ صَلاَةٍ وَالْحَارِسُ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ أَقْوَى مِنْ الْحَارِسِ مُصَلِّيًا فَكَانَ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى إذَا حَرَسَتْ الْأُولَى إذْ صَارَتْ مُصَلِّيَةً وَالْحَارِسَةُ غَيْرُ مُصَلِّيَةٍ أَشْبَهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْأُولَى قَدْ أَخَذَتْ مِنْ الْآخِرَةِ مَا لَمْ تُعْطِهَا وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُخَالِفُ حَدِيثَ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ تَكُونُ فِيهِ الطَّائِفَتَانِ مَعًا فِي بَعْضِ الصَّلاَةِ لَيْسَ لَهُمَا حَارِسٌ إلَّا الْإِمَامُ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ بِحِرَاسَةِ الْأُخْرَى وَالطَّائِفَةُ الْجَمَاعَةُ لاَ الْإِمَامُ الْوَاحِدُ قَالَ وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لاَ يُصِيبَ الْمُشْرِكُونَ غِرَّةً مِنْ أَهْلِ دِينِهِ، وَحَدِيثُ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ كَمَا وَصَفْنَا أَقْوَى مِنْ الْمَكِيدَةِ، وَأَحْسَنُ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي يُخَالِفُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذِهِ الدَّلاَئِلِ قُلْنَا بِحَدِيثِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ لاَ يُثْبِتُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِثْلَهُ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِذِي قَرَدٍ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا وَبِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا} فَكَانَتْ لِلْإِمَامِ رَكْعَتَانِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ رَكْعَةٌ وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَحَادِيثِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ عَدَدِ الصَّلاَةِ مِثْلَ مَا عَلَى الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ أَصْلُ الْفَرْضِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى النَّاسِ وَاحِدٌ فِي الْعَدَدِ وَلِأَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ عِنْدَنَا مِثْلُهُ لِشَيْءٍ فِي بَعْضِ إسْنَادِهِ قَالَ وَرُوِيَ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ أَحَادِيثُ لاَ تُضَادُّ حَدِيثَ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ وَذَلِكَ أَنَّ جَابِرًا رَوَى {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى بِبَطْنِ نَخْلٍ صَلاَةَ الْخَوْفِ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَهَاتَانِ الطَّائِفَتَانِ مَحْرُوسَتَانِ} فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ هَكَذَا أَجْزَأَ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رَوَى أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ {أَنَّ الْعَدُوَّ كَانَ فِي الْقِبْلَةِ فَصَلَّى النَّبِيُّ بِالطَّائِفَتَيْنِ مَعًا بِعُسْفَانَ فَرَكَعَ وَرَكَعُوا ثُمَّ سَجَدَ فَسَجَدَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ وَقَامَتْ طَائِفَةٌ تَحْرُسُهُ فَلَمَّا قَامَ سَجَدَ الَّذِينَ يَحْرُسُونَهُ} وَهَكَذَا نَقُولُ لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ كَانُوا كَثِيرًا وَالْعَدُوَّ قَلِيلٌ لاَ حَائِلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ يَخَافُ حَمْلَتَهُمْ فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا صَلَّيْت صَلاَةَ الْخَوْفِ هَكَذَا وَلَيْسَ هَذَا مُضَادًّا لِلْحَدِيثِ الَّذِي أَخَذْنَا بِهِ وَلَكِنَّ الْحَالَيْنِ مُخْتَلِفَانِ.
قَالَ الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ {خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ فَحَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ صَلاَتَهُ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ ثُمَّ خَطَبَهُمْ، فَقَالَ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: {خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى النَّبِيُّ فَحَكَتْ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ}. أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ {انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَإِلَى الصَّلاَةِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذَا نَقُولُ إذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُسُوفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ صَلَّى الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ كَذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَنَا فِي ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ فَقَالَ يُصَلِّي فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي النَّاسُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْسَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَذَكَرْت لَهُ بَعْضَ حَدِيثِنَا فَقَالَ هَذَا ثَابِتٌ وَإِنَّمَا أَخَذْنَا بِحَدِيثٍ لَنَا غَيْرِهِ فَذَكَرَ حَدِيثًا عَنْ أَبِي بَكْرَةَ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى فِي الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ صَلاَتِكُمْ هَذِهِ} وَذَكَرَ حَدِيثًا عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فِي مَعْنَاهُ فَقُلْت لَهُ أَلَسْت تَزْعُمُ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا جَاءَ مِنْ وَجْهَيْنِ فَاخْتَلَفَا وَكَانَ فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ كَانَ الْجَائِي بِالزِّيَادَةِ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مَا لَمْ يُثْبِتْ الَّذِي نَقَصَ الْحَدِيثَ؟ قَالَ: بَلَى فَقُلْت فَفِي حَدِيثِنَا الزِّيَادَةُ الَّتِي تُسْمَعُ فَقَالَ أَصْحَابُهُ عَلَيْك أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ وَقَالَ فَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ يَقُولُ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ يَذْكُرُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ فَقُلْت فَالنُّعْمَانُ يَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَظَرَ فَلَمْ تَنْجَلِ الشَّمْسُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ أَفَتَأْخُذُ بِهِ؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَأَنْتَ إذًا تُخَالِفُ حَدِيثَ النُّعْمَانِ وَحَدِيثَنَا وَلَيْسَ لَك فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ إلَّا مَالِكٌ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَسَمُرَةَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ إسْنَادَنَا فِي حَدِيثِنَا مِنْ أَثْبَتِ إسْنَادِ النَّاسِ، فَقَالَ رَوَى بَعْضُهُمْ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى ثَلاَثَ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ} قَالَ فَقُلْت لَهُ: فَتَقُولُ بِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنْ لِمَ لَمْ تَقُلْ بِهِ أَنْتَ وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى حَدِيثِكُمْ؟ قُلْت لَمْ نُثْبِتْهُ قَالَ: وَلِمَ لاَ نُثْبِتُهُ؟ قُلْت هُوَ مِنْ وَجْهٍ مُنْقَطِعٍ وَنَحْنُ لاَ نُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ وَوَجْهٍ نَرَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ غَلَطًا قَالَ: وَهَلْ تَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَلاَةَ ثَلاَثِ رُكُوعَاتٍ؟ قُلْت: نَعَمْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ يَقُولُ سَمِعْت طَاوُسًا يَقُولُ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى بِنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ زَمْزَمَ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا وَمَعَ الْمَحْفُوظِ عِنْدَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَكَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ مُوَافِقَةٌ كُلُّهَا {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ} قَالَ فَمَا جُعِلَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَثْبَتَ مِنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْت الدَّلاَلَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافَقَةُ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْهُ قَالَ: فَأَيْنَ الدَّلاَلَةُ؟ قِيلَ رَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُمَرَ وَصَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ زَمْزَمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ قَالَ وَابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يُصَلِّي فِي الْخُسُوفِ خِلاَفَ صَلاَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَعُمَرُ وَصَفْوَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَرْوُونَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفَ مَا رَوَى سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ كَانَتْ رِوَايَةُ ثَلاَثَةٍ أَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَكْثَرُ حَدِيثًا وَأَشْبَهُ بِالْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْ سُلَيْمَانَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي زَلْزَلَةٍ ثَلاَثَ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قُلْت لَوْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَّقَ بَيْنَ خُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالزَّلْزَلَةِ وَإِنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَأَحَادِيثُنَا أَكْثَرُ وَأَثْبَتُ مِمَّا رُوِيَتْ فَأَخَذْنَا بِالْأَكْثَرِ الْأَثْبَتِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ نَحْنُ، وَأَنْتَ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِكُمْ مَنْ قَالَ لاَ يُصَلِّي فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ صَلاَةَ جَمَاعَةٍ كَمَا يُصَلِّي فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ قُلْت فَقَدْ خَالَفْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ فَلاَ عَلَيْك أَنْ لاَ تَذْكُرَ قَوْلَهُ قَالَ فَمَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ قُلْت حَدِيثُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: {إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ثُمَّ كَانَ ذِكْرُ اللَّهِ الَّذِي فَزِعَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ الصَّلاَةَ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ وَأَمْرُهُ مِثْلُ فِعْلِهِ وَقَدْ أَمَرَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ بِالْفَزَعِ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ كَمَا أَمَرَ بِهِ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ إلَّا هَذَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَهُمْ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَنْ يَفْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَإِلَى الصَّلاَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ كَمَا صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ فَمِنْ أَيْنَ تَرَاهُ أَنْتَ؟ قُلْت مَا يَعْلَمُ كُلُّ النَّاسِ كُلَّ شَيْءٍ وَمَا يُؤْمَنُ فِي الْعِلْمِ أَنْ يَجْهَلَهُ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعْمَرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ {أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَنَا أَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ} حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَقَالَ مَرْوَانُ أَقْسَمْت عَلَيْك يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَتَذْهَبَنَّ إلَى أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَتَسْأَلُهُمَا عَنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَذَهَبْت مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنَّا كُنَّا عِنْدَ مَرْوَانَ فَذُكِرَ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَتَرْغَبُ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ وَاَللَّهِ {قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ} قَالَ ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا قَالَتَا فَأَخْبَرَهُ قَالَ مَرْوَانُ أَقْسَمْت عَلَيْك يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَتَرْكَبَنَّ دَابَّتِي بِالْبَابِ فَلَتَأْتِيَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ فَلْتُخْبِرْهُ بِذَلِكَ قَالَ فَرَكِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَرَكِبْت مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَاعَةً ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لاَ عِلْمَ لِي بِذَلِكَ إنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ مُخْبِرٌ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ {كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُدْرِكُهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ يَوْمَهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَأَخَذْنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِمَعَانٍ: مِنْهَا: أَنَّهُمَا زَوْجَتَاهُ وَزَوْجَتَاهُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنْ رَجُلٍ إنَّمَا يَعْرِفُهُ سَمَاعًا أَوْ خَبَرًا. وَمِنْهَا: أَنَّ عَائِشَةَ مُقَدَّمَةٌ فِي الْحِفْظِ، وَأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَافِظَةٌ وَرِوَايَةٌ اثْنَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ. وَمِنْهَا: أَنَّ الَّذِي رَوَتَا عَنْ النَّبِيِّ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَعْقُولِ وَالْأَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا يُعْرَفُ مِنْهُ فِي الْمَعْقُولِ؟ قِيلَ إذَا كَانَ الْجِمَاعُ وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ مُبَاحًا فِي اللَّيْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَمْنُوعًا بَعْدَ الْفَجْرِ إلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ فَكَانَ الْجِمَاعُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَمَا كَانَ فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مُبَاحًا؟ فَإِذَا قِيلَ: بَلَى، قِيلَ: أَفَرَأَيْت الْغُسْلَ أَهُوَ الْجِمَاعُ أَمْ هُوَ شَيْءٌ وَجَبَ بِالْجِمَاعِ؟ فَإِنْ قَالَ هُوَ شَيْءٌ وَجَبَ بِالْجِمَاعِ قِيلَ وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ عَلَى صَائِمٍ فِي لَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ: فَإِنْ قَالَ: لاَ قِيلَ فَبِذَلِكَ زَعَمْنَا أَنَّ الرَّجُلَ يُتِمُّ صَوْمَهُ لِأَنَّهُ يَحْتَلِمُ بِالنَّهَارِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَيُتِمُّ صَوْمَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْ فِي نَهَارٍ وَأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لاَ يُوجِبُ إفْطَارًا فَإِنْ قَالَ فَهَلْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُنَّةٌ تُشْبِهُ هَذَا؟ قِيلَ: نَعَمْ الدَّلاَلَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَالنَّهْيُ عَنْ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ، وَقَدْ كَانَ تَطَيَّبَ حَلاَلاً قَبْلَ يَحْرُمُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ لَوْنُهُ وَرَائِحَتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ نَفْسَ التَّطَيُّبِ كَانَ وَهُوَ مُبَاحٌ وَهَذَا فِي أَكْثَرِ مَعْنَى مَا يَجِبُ بِهِ الْغُسْلُ مِنْ جِمَاعٍ مُتَقَدِّمٍ قَبْلَ يَحْرُمُ الْجِمَاعُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَنَّى تَرَى الَّذِي رَوَى خِلاَفَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ؟ قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَدْ يَسْمَعُ الرَّجُلُ سَائِلاً يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ جَامَعَ أَهْلَهُ بِلَيْلٍ وَأَقَامَ مُجَامِعًا بَعْدَ الْفَجْرِ شَيْئًا فَأُمِرَ بِأَنْ يَقْضِيَ لِأَنَّ بَعْضَ الْجِمَاعِ قَدْ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ إذَا أَمْكَنَ هَذَا عَلَى مُحَدِّثٍ ثِقَةٍ ثَبَتَ حَدِيثُهُ وَلَزِمَتْ بِهِ حُجَّةٌ؟ قِيلَ كَمَا يَلْزَمُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ وَالدَّمِ مَا لَمْ يُخَالِفْهُمَا غَيْرُهُمَا وَقَدْ يُمْكِنُ عَلَيْهِمَا الْغَلَطُ وَالْكَذِبُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكْ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِمَا إنْ كَانَا عَدْلَيْنِ فِي الظَّاهِرِ وَلَوْ شَهِدَ غَيْرُهُمَا بِضِدِّ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ شَهَادَتَهُمَا كَمَا يَسْتَعْمِلُهَا إذَا انْفَرَدَا فَحُكْمُ الْمُحَدِّثِ لاَ يُخَالِفُهُ غَيْرُهُ كَحُكْمِ الشَّاهِدَيْنِ لاَ يُخَالِفُهُمَا غَيْرُهُمَا وَيُحَوَّلُ حُكْمُهُ إذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ بِمَا وَصَفْت وَيُؤْخَذُ مِنْ الدَّلاَئِلِ عَلَى الْأَحْفَظِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ بِمَا وَصَفْت بِمَا لاَ يُؤْخَذُ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ بِحَالٍ إنْ كَانَ إلَّا قَلِيلاً.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ خَالِدٍ الْحِدَاء عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ {عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كُنْت مَعَ النَّبِيِّ زَمَانَ الْفَتْحِ فَرَأَى رَجُلاً يَحْتَجِمُ لِثَمَانِ عَشَرَةٍ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ احْتَجَمَ مُحْرِمًا صَائِمًا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمَاعُ ابْنِ أَوْسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَامَ الْفَتْحِ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا وَلَمْ يَصْحَبْهُ مُحْرِمٌ قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِجَامَةَ النَّبِيِّ عَامَ حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ سَنَةَ عَشْرٍ وَحَدِيثُ {أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ} فِي الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ بِسَنَتَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَا ثَابِتَيْنِ فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخٌ وَحَدِيثُ {أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ} مَنْسُوخٌ. قَالَ وَإِسْنَادُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا مُشْتَبِهٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَمْثَلُهُمَا إسْنَادًا فَإِنْ تَوَقَّى رَجُلٌ الْحِجَامَةَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ احْتِيَاطًا وَلِئَلَّا يُعَرِّضَ صَوْمَهُ أَنْ يَضْعُفَ فَيُفْطِرَ وَإِنْ احْتَجَمَ فَلاَ تُفْطِرُهُ الْحِجَامَةُ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ بَعْدَهَا مَا يُفْطِرُهُ مِمَّا لَوْ لَمْ يَحْتَجِمْ فَفَعَلَهُ فَطَّرَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَعَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقِيَاسُ أَنْ لَيْسَ الْفِطْرُ مِنْ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْ جَسَدٍ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ الصَّائِمُ مِنْ جَوْفِهِ مُتَقَيِّئًا وَأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُنْزِلُ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ فَلاَ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَيَعْرَقُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْخَلاَءُ وَالرِّيحُ وَالْبَوْلُ وَيَغْتَسِلُ وَيَتَنَوَّرُ فَلاَ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَإِنَّمَا الْفِطْرُ مِنْ إدْخَالِ الْبَدَنِ أَوْ التَّلَذُّذِ بِالْجِمَاعِ أَوْ التَّقَيُّؤِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ جَوْفِهِ كَمَا عَمَدَ إدْخَالَهُ فِيهِ، قَالَ وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُ لاَ يُفْطِرُ أَحَدٌ بِالْحِجَامَةِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلاَلٌ} قَالَ عَمْرٌو: قُلْت لِابْنِ شِهَابٍ أَتَجْعَلُ يَزِيدَ الْأَصَمَّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؟ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {الْمُحْرِمُ لاَ يَنْكِحُ وَلاَ يَخْطُبُ}. أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَحَدِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكِحُ وَلاَ يَخْطُبُ} أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاَهُ وَرَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِيُّ بِالْمَدِينَةِ}: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: وَهَلْ فُلاَنٌ مَا نَكَحَ رَسُولُ اللَّهِ مَيْمُونَةَ إلَّا وَهُوَ حَلاَلٌ. قَالَ وَقَدْ رَوَى بَعْضُ قَرَابَةِ مَيْمُونَةَ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ مَيْمُونَةَ مُحْرِمًا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ أَشْبَهَ الْأَحَادِيثِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَكَحَ مَيْمُونَةَ حَلاَلاً} فَإِنْ قِيلَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَثْبَتُهَا؟ قِيلَ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكِحُ وَعُثْمَانُ مُتَقَدِّمُ الصُّحْبَةِ وَمَنْ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ نَكَحَهَا مُحْرِمًا لَمْ يَصْحَبْهُ إلَّا بَعْدَ السَّفَرِ الَّذِي نَكَحَ فِيهِ مَيْمُونَةَ وَإِنَّمَا نَكَحَهَا قَبْلَ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وَقِيلَ لَهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْحَدِيثَانِ فَالْمُتَّصِلُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ أَوْلَى عِنْدَنَا إنْ ثَبَتَ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْحُجَّةُ إلَّا فِيهِ نَفْسُهُ وَمَعَ حَدِيثِ عُثْمَانَ مَا يُوَافِقُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلاً اتِّصَالَهُ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّ مَنْ رَوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَكَحَهَا مُحْرِمًا قَرَابَةٌ يَعْرِفُ نِكَاحَهَا قِيلَ وَلِابْنِ أَخِيهَا يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ ذَلِكَ الْمَكَانُ مِنْهَا وَلِسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِنْهَا مَكَانُ الْوِلاَيَةِ يُشَابِهُ أَنْ يَعْرِفَ نِكَاحَهَا فَإِذَا كَانَ يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مَعَ مَكَانِهِمَا مِنْهَا يَقُولاَنِ نَكَحَهَا حَلاَلاً وَكَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ نَكَحَهَا حَلاَلاً ذَهَبَتْ الْعِلَّةُ فِي أَنْ يُثْبِتَ مَنْ قَالَ نَكَحَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ وَبِأَنَّ حَدِيثَ عُثْمَانَ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ لاَ شَكَّ فِي اتِّصَالِهِ أَوْلَى أَنْ يُثْبِتَ مَعَ مُوَافَقَةِ مَا وَصَفْت فَأَيُّ مُحْرِمٍ نَكَحَ أَوْ أَنْكَحَ فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ بِمَا وَصَفْت مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ يَقُولُ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَوَى مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ هَذَا مَا يُوَافِقُهُ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَرَى فِي دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ وَلاَ فِي دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ بَأْسًا وَيَرَاهُ فِي النَّسِيئَةِ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَكَانَ يَرْوِي مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَأْيًا مِنْهُمَا لاَ أَنَّهُ يُحْفَظُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ الْمَكِّيِّينَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلاَ الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلاَ الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلاَ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلاَ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلاَ الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ} وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا الْمِلْحَ أَوْ التَّمْرَ وَزَادَ أَحَدُهُمَا {مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى} حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا} أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلاَ تَبِيعُوا غَائِبًا مِنْهَا بِنَاجِزٍ} حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَدِّهِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ {لاَ تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلاَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَخَذْنَا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تُوَافِقُ حَدِيثَ عُبَادَةَ وَكَانَتْ حُجَّتُنَا فِي أَخْذِنَا بِهَا وَتَرَكْنَا حَدِيثَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إذَا كَانَ ظَاهِرُهُ يُخَالِفُهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ النَّفْسَ عَلَى حَدِيثِ الْأَكْثَرِ أَطْيَبُ لِأَنَّهُمْ أَشْبَهُ أَنْ يَحْفَظُوا مِنْ الْأَقَلِّ وَكَانَ عُثْمَانُ وَعُبَادَةُ أَسَنَّ وَأَشَدَّ تَقَدُّمَ صُحْبَةٍ مِنْ أُسَامَةَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ أَكْثَرَ حِفْظًا عَنْ النَّبِيِّ فِيمَا عَلِمْنَا مِنْ أُسَامَةَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ يُخَالِفُ حَدِيثُ أُسَامَةَ أَحَادِيثَهُمْ؟ قِيلَ إنْ كَانَ يُخَالِفُهَا فَالْحُجَّةُ فِيهَا دُونَهُ لِمَا وَصَفْنَا فَإِنْ قَالَ فَأَنَّى تَرَى هَذَا؟ قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ الرِّبَا فِي صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، وَتَمْرٍ بِحِنْطَةٍ، فَقَالَ {إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ} فَحَفِظَهُ فَأَدَّى قَوْلُ النَّبِيِّ وَلَمْ يُؤَدِّ مَسْأَلَةَ السَّائِلِ فَكَانَ مَا أَدَّى مِنْهُ عِنْدَ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ لاَ رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَذَكَرَ فَاجْلِدُوهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَضْلٌ وَعِنْدَهُ أَحَادِيثُ حِسَانٌ وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ إلَّا ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ وَلاَ أَدْرِي هَلْ كَانَ يَحْفَظُ الْحَدِيثَ أَوْ لاَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ {مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي شَيْءٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَ الرَّبِيعُ أَنَا شَكَكْت ثُمَّ أَتَى بِهِ الرَّابِعَةَ أَوْ الْخَامِسَةَ قُتِلَ أَوْ خُلِعَ}. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ {مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَتَى بِهِ الْخَامِسَةَ قُتِلَ} ثُمَّ {أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَتَى بِهِ الْخَامِسَةَ فَحَدَّهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ نَسْخُهُ بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلُهَا وَنَسَخَهُ مُرْسَلاً. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ} فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِي هَذَا حُجَّةٌ غَيْرُ مَا وَصَفْت؟ قِيلَ نَعَمْ. أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {لاَ يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إلَّا مِنْ إحْدَى ثَلاَثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَهَذَا حَدِيثٌ لاَ يَشُكُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي ثُبُوتِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى خَاصٍّ وَيَكُونُ مَنْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ فَنَقْتُلُهُ بِنَصِّ أَمْرِهِ فَلاَ يَكُونَانِ مُتَضَادَّيْنِ وَلاَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ إلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ قِيلَ لَهُ فَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْفُتْيَا يُخَالِفُ فِي أَنَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي شَيْءٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ خَامِسَةٌ أَوْ سَادِسَةٌ أُقِيمَ ذَلِكَ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقْتَلْ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ إنْ كَانَ ثَابِتًا فَهُوَ مَنْسُوخٌ مَعَ أَنَّ دَلاَلَةَ الْقُرْآنِ بِمَا وَصَفْت بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ وَأَيْنَ دَلاَلَةُ الْقُرْآنِ؟ قِيلَ إذَا كَانَ اللَّهُ وَضَعَ الْقَتْلَ مَوْضِعًا وَالْجَلْدَ مَوْضِعًا فَلاَ يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُوضَعَ الْقَتْلُ مَوْضِعَ الْجَلْدِ إلَّا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ لاَ مُخَالِفَ لَهُ وَلاَ نَاسِخَ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا}. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَمْرَةَ فَقَالَتْ صَدَقَ سَمِعْت عَائِشَةَ تَقُولُ دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ {ادَّخِرُوا لِثَلاَثٍ وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ يُجْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذَاكَ؟ أَوْ كَمَا قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَهَيْت عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا}. قَالَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ إذْ كَانَ الدَّافَّةُ عَلَى مَعْنَى الِاخْتِيَارِ لاَ عَلَى مَعْنَى الْفَرْضِ وَإِنَّمَا قُلْت يُشْبِهُ الِاخْتِيَارَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْبُدْنِ {فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْبُدْنِ الَّتِي يَتَطَوَّعُ بِهَا أَصْحَابُهَا لاَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِهَا وَإِنَّمَا أَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَدْيِهِ أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا فَأَمَّا مَا وَجَبَ مِنْ الْهَدْيِ كُلِّهِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا كَمَا لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ زَكَاتِهِ وَلاَ مِنْ كَفَّارَتِهِ شَيْئًا وَكَذَلِكَ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ وَأُحِبُّ لِمَنْ أَهْدَى نَافِلَةً أَنْ يُطْعِمَ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ لِقَوْلِ اللَّهِ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} وَقَوْلِهِ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} الْقَانِعُ هُوَ السَّائِلُ وَالْمُعْتَرُّ الزَّائِرُ وَالْمَارُّ بِلاَ وَقْتٍ فَإِذَا أَطْعَمَ مِنْ هَؤُلاَءِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ مِنْ الْمُطْعِمِينَ فَأَحَبُّ إلَيَّ مَا أَكْثَرَ أَنْ يُطْعِمَ ثُلُثًا وَيُهْدِيَ ثُلُثًا وَيَدَّخِرَ ثُلُثًا وَيَهْبِطَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ وَالضَّحَايَا مِنْ هَذِهِ السَّبِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأُحِبُّ إنْ كَانَتْ فِي النَّاسِ مَخْمَصَةٌ أَنْ لاَ يَدَّخِرَ أَحَدٌ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَلاَ مِنْ هَدْيِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّافَّةِ فَإِنْ تَرَكَ رَجُلٌ أَنْ يُطْعِمَ مِنْ هَدْيِ تَطَوُّعٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِلضَّحِيَّةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ إذَا جَاءَ قَانِعٌ أَوْ مُعْتَرٌّ أَوْ بَائِسٌ فَقِيرٌ شَيْئًا لِيَكُونَ عِوَضًا مِمَّا مُنِعَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْأَضْحَى. قَالَ وَمَنْ ضَحَّى قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِمَامُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَتَكَلَّمَ فَيَفْرُغَ فَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَعَادَ وَلاَ أَنْظُرُ إلَى انْصِرَافِ الْإِمَامِ الْيَوْمَ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُؤَخِّرُ وَيُقَدِّمُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ فَصَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَضَحَّى رَجُلٌ أَعَادَ إنَّمَا الْوَقْتُ فِي قَدْرِ صَلاَةِ النَّبِيِّ الَّتِي كَانَ يَضَعُهَا مَوْضِعَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ فِي الْمَعَاصِي قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْحَدُّ ثُمَّ نَزَلَتْ الْحُدُودُ وَنُسِخَتْ الْعُقُوبَاتُ فِيمَا فِيهِ الْحُدُودُ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُرَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {مَا تَقُولُونَ فِي الشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي؟} وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ فَقَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ {هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَاتٌ وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ الَّذِي يَسْرِقُ صَلاَتَهُ} ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ قَالَ وَمِثْلُ مَعْنَى هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ} إلَى آخِرِ الآيَةِ فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ الْعُقُوبَةِ لِلزَّانِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ نُسِخَ هَذَا عَنْ الزُّنَاةِ كُلِّهِمْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَحَدَّ اللَّهُ الْبِكْرَيْنِ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، فَقَالَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أَحْصَنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ قَوْلُ عُمَرَ إيَّاكُمْ أَنْ تَهْلَكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لاَ أَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَرَجَمْنَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَزَادَ سُفْيَانُ وَسُئِلَ {أَنَّ رَجُلاً ذَكَرَ أَنَّ ابْنَهُ زَنَى بِامْرَأَةِ رَجُلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لاََقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةِ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله كَانَ ابْنُهُ بِكْرًا وَامْرَأَةُ الْآخَرِ ثَيِّبًا قَالَ فَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ اللَّهِ حَدَّ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي الزِّنَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا قَالَ عُمَرُ مِنْ حَدِّ الثَّيِّبِ فِي الزِّنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- فِي الْإِمَاءِ {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ} فَعَقَلْنَا عَنْ اللَّهِ أَنَّ عَلَى الْإِمَاءِ ضَرْبُ خَمْسِينَ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ النِّصْفُ إلَّا لِمَا يَتَجَزَّأُ فَأَمَّا الرَّجْمُ فَلاَ نِصْفَ لَهُ لِأَنَّ الْمَرْجُومَ قَدْ يَمُوتُ بِأَوَّلِ حَجَرٍ وَقَدْ لاَ يَمُوتُ إلَّا بَعْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْحِجَارَةِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَقَدْ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُبَادَةَ حِطَّانُ الرَّقَاشِيُّ وَلاَ أَدْرِي أَدَخَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بَيْنَهُمَا فَزَالَ مِنْ كِتَابِي حِينَ حَوَّلْته مِنْ الْأَصْلِ أَمْ لاَ وَالْأَصْلُ يَوْمَ كَتَبْت هَذَا الْكِتَابَ غَائِبٌ عَنِّي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَا نُسِخَ مِنْ حَبْسِ الزَّانِيَيْنِ وَأَذَاهُمَا وَأَوَّلُ حَدٍّ نَزَلَ فِيهِمَا وَكَانَ فِيهِ مَا وَصَفْت فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ حَدَّ الزِّنَا لِلْبِكْرَيْنِ وَالثَّيِّبَيْنِ وَأَنَّ مِنْ حَدِّ الْبِكْرَيْنِ النَّفْيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ ضَرْبِ مِائَةٍ وَنُسِخَ الْجَلْدُ عَنْ الثَّيِّبَيْنِ وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا الرَّجْمَ فَرَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةَ الرَّجُلِ وَرَجَمَ مَاعِزَ بْنَ مَاعِزٍ وَلَمْ يَجْلِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ أَمْرَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَمَاعِزٍ بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ} قِيلَ إذَا كَانَ النَّبِيُّ يَقُولُ خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ كَانَ هَذَا لاَ يَكُونُ إلَّا أَوَّلَ حَدٍّ حُدَّ بِهِ الزَّانِيَانِ فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ فَكُلُّ شَيْءٍ جَدَّ بَعْدُ يُخَالِفُهُ فَالْعِلْمُ يُحِيطُ بِأَنَّهُ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي بَعْدُ يَنْسَخُ مَا قَبْلَهُ إذَا كَانَ يُخَالِفُهُ وَقَدْ أَثْبَتْنَا هَذَا، وَاَلَّذِي نَسَخَهُ فِي حَدِيثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَجَمَهَا أُنَيْسٌ مَعَ حَدِيثِ مَاعِزٍ وَغَيْرِهِ فَكَانَتْ الْحُدُودُ ثَابِتَةً عَلَى الْمَحْدُودِينَ مَا أَتَوْا الْحُدُودَ وَإِنْ كَثُرَ إتْيَانُهُمْ لَهَا لِأَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْوَالِ جَانُونَ مَا حُدُّوا فِيهِ وَهُمْ زُنَاةٌ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَبَعْدَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ وَكَذَلِكَ الْقَذَفَةُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ أَنْ يُجْلَدُوا ثَمَانِينَ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْحُدُودِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا ثُمَّ قَالَ فَلْيَبِعْهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ فِي الشَّارِبِ يُجْلَدُ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا ثُمَّ يُقْتَلُ ثُمَّ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ جَلَدَ الشَّارِبَ الْعَدَدَ الَّذِي قَالَ يُقْتَلُ بَعْدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ وَوَضَعَ الْقَتْلَ وَصَارَتْ رُخْصَةً وَالْقَتْلُ عَمَّنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي شَيْءٍ أَرْبَعًا فَأُتِيَ بِهِ الْخَامِسَةَ مَنْسُوخٌ بِمَا وَصَفْت، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَمَةِ بَعْدَ زِنَاهَا ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ وَكَانَ الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ {إنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ}. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْت {ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ فَأَرَدْنَا أَنْ نَخْتَصِيَ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ إلَى أَجَلٍ بِالشَّيْءِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْإِرْخَاصَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَلَمْ يُوَقِّتْ شَيْئًا يَدُلُّ أَهُوَ قَبْلَ خَيْبَرَ أَمْ بَعْدَهَا فَأَشْبَهَ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي نَهْيِ النَّبِيِّ عَنْ الْمُتْعَةِ أَنْ يَكُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَاسِخًا فَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ يَثْبُتُ فَهُوَ يُبَيِّنُ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَحَلَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ ثُمَّ قَالَ هِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} قَالَ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ بَيَانُ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا رَوَى إحْلاَلَ الْمُتْعَةِ سَقَطَ تَحْلِيلُهَا بِدَلاَئِلِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ حَيْثُ سَأَلْنَا عَنْهُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَنَا مُخَالِفُونَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ عَامَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَمْتَعُوا مِنْ يَهُودِيَّاتٍ فِي دَارِ الشِّرْكِ فَكُرِهَ ذَلِكَ لَهُمْ لاَ عَلَى تَحْرِيمِهِ لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَمْتَعُوا عَامَ الْفَتْحِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ الْحَدِيثُ عَامَ الْفَتْحِ فِي النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ عَلَى الْأَبَدِ، أَبْيَنُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ بِالْإِرْخَاصِ فِي الْمُتْعَةِ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا كَمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالنَّهْيُ عِنْدَنَا تَحْرِيمٌ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لاَ تَحْرِيمٌ، قَالَ: أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَكُنْ فِي النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ دَلاَلَةٌ عَلَى نَاسِخٍ وَلاَ مَنْسُوخٍ الْإِرْخَاصُ فِيهَا أَوْلَى أَمْ النَّهْيُ عَنْهَا؟ قُلْنَا بَلْ النَّهْيُ عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْلَى قَالَ فَمَا الدَّلاَلَةُ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قُلْت: قَالَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فَحَرَّمَ النِّسَاءَ إلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ وَقَالَ فِي الْمَنْكُوحَاتِ {إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} فَأَحَلَّهُنَّ بَعْدَ التَّحْرِيمِ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُنَّ إلَّا بِالطَّلاَقِ، وَقَالَ فِي الطَّلاَقِ {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَالَ {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} فَجَعَلَ إلَى الْأَزْوَاجِ فُرْقَةَ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ فَكَانَ بَيِّنًا أَنَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ مَنْسُوخًا بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي النَّهْيِ عَنْهُ لِمَا وَصَفْت لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً مُدَّةً ثُمَّ يَنْفَسِخَ نِكَاحُهَا بِلاَ إحْدَاثِ طَلاَقٍ مِنْهُ وَفِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إبْطَالُ مَا وَصَفْت مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ إلَى الْأَزْوَاجِ مِنْ الْإِمْسَاكِ وَالطَّلاَقِ وَإِبْطَالِ الْمَوَارِيثِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَأَحْكَامِ النِّكَاحِ الَّتِي حَكَمَ اللَّهُ بِهَا فِي الظِّهَارِ، وَالْإِيلاَءِ وَاللِّعَانِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ إحْدَاثِ الطَّلاَقِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ {إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَوَوْا شَبِيهًا بِمَا يُوَافِقُهُ وَهَذَا لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا وَأَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ قَامَ لَهَا لِعِلَّةٍ قَدْ رَوَاهَا بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ أَنَّ جِنَازَةَ يَهُودِيٍّ مُرَّ بِهَا عَلَى النَّبِيِّ فَقَامَ لَهَا كَرَاهِيَةَ أَنْ تَطُولَهُ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ تَرْكُهُ بَعْدَ فِعْلِهِ وَالْحُجَّةُ فِي الْآخِرِ مِنْ أَمْرِهِ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَاجِبًا فَالْآخِرُ مِنْ أَمْرِهِ نَاسِخٌ وَإِنْ كَانَ اسْتِحْبَابًا فَالْآخِرُ هُوَ الِاسْتِحْبَابُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلاَ بَأْسَ بِالْقِيَامِ، وَالْقُعُودُ أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّهُ الْآخِرُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَعَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَقُومُ فِي الْجَنَائِزِ ثُمَّ جَلَسَ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ}. أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ لاَ يُخَالِفُهُ وَبِهِ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَنَقُولُ لاَ شُفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَعَلِمْنَا أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ مُشَاعَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ إلَّا وَلِصَاحِبِهِ نِصْفُهُ فَإِذَا دَخَلَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشَّرِيكِ لِلْبَائِعِ هَذَا الْمَدْخَلَ كَانَ الشَّرِيكُ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا قَسَمَ الشَّرِيكَانِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بَاعَ نَصِيبًا لاَ حَظَّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ لِجَارِهِ وَإِنْ كَانَتْ طَرِيقُهُمَا وَاحِدَةً لِأَنَّ الطَّرِيقَ غَيْرُ الْمَبِيعِ كَمَا لَمْ يَكُونَا بِشَرِكَتِهِمَا فِي الطَّرِيقِ شَرِيكَيْنِ فِي الدَّارِ الْمَقْسُومَةِ فَكَذَلِكَ لاَ يُؤْخَذُ بِالشِّرْكِ فِي الطَّرِيقِ شُفْعَةٌ فِي دَارٍ لَيْسَا بِشِرْكَيْنِ فِيهَا وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثَانِ ذَهَبَ إلَيْهِمَا صِنْفَانِ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى خِلاَفِ مَذْهَبِنَا أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: {الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَزَادَ فِي حَدِيثِ بَعْضِ مَنْ خَالَفَنَا أَنَّهُ كَانَ لِأَبِي رَافِعٍ بَيْتٌ فِي دَارِ رَجُلٍ فَعُرِضَ الْبَيْتُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَقَالَ قَدْ أُعْطِيتُ بِهِ ثَمَانَمِائَةٍ وَلَكِنْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ {الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ الَّذِي خَالَفَنَا أَتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثَ فَأَقُولُ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ شُفْعَةٌ وَلِلْجَارِ الْمُقَاسِمِ شُفْعَةٌ كَانَ لاَصِقًا أَوْ غَيْرَ لاَصِقٍ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ الَّتِي بِيعَتْ طَرِيقٌ نَافِذَةٌ وَإِنْ بَعُدَ مَا بَيْنَهُمَا وَاحْتَجَّ بِأَنْ قَالَ أَبُو رَافِعٍ يَرَى الشُّفْعَةَ لِلَّذِي بَيْتُهُ فِي دَارِهِ وَالْبَيْتُ مَقْسُومٌ لِأَنَّهُ مُلاَصِقٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ أَبُو رَافِعٍ فِيمَا رَوَيْت عَنْهُ مُتَطَوِّعٌ بِمَا صَنَعَ قَالَ: وَكَيْفَ؟ قُلْت هَلْ كَانَ عَلَى أَبِي رَافِعٍ أَنْ يُعْطِيَهُ الْبَيْتَ بِشَيْءٍ قَبْلَ بَيْعِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ الشُّفْعَةُ حَتَّى يَبِيعَهُ؟ قَالَ: بَلْ لَيْسَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ حَتَّى يَبِيعَهُ أَبُو رَافِعٍ قُلْت فَإِنْ بَاعَهُ أَبُو رَافِعٍ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَ نَعَمْ قُلْت وَبِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ لاَ يُنْقِصُهُ الْبَائِعُ وَلاَ أَنَّ عَلَى أَبِي رَافِعٍ أَنْ يَضَعَ مِنْ ثَمَنِهِ عَنْهُ شَيْئًا؟ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت أَتَعْلَمُ أَنَّ مَا وَصَفْت عَنْ أَبِي رَافِعٍ كُلُّهُ تَطَوُّعٌ؟ قَالَ: فَقَدْ رَأَى لَهُ الشُّفْعَةَ فِي بَيْتٍ لَهُ فَقُلْت وَإِنْ رَأَى الشُّفْعَةَ فِي بَيْتٍ لَهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَارَضَ حَدِيثَنَا بَلْ حَدِيثُ النَّبِيِّ إنَّمَا يُعَارَضُ بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ فَأَمَّا رَأْيُ رَجُلٍ فَلاَ يُعَارَضُ بِهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ، قَالَ: فَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قُلْت أَلَسْت تَسْمَعُهُ حِينَ حَكَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ {الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ لاَ مَا أَعْطَى مِنْ نَفْسِهِ} قَالَ: بَلْ هَكَذَا حِكَايَتُهُ عَنْ النَّبِيِّ قُلْت وَلَعَلَّهُ لاَ يَرَى لَهُ الشُّفْعَةَ فَتَطَوَّعَ لَهُ بِمَا لاَ يَرَى كَمَا يَتَطَوَّعُ لَهُ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَإِنْ حَمَلْته عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ مَا يَرَاهُ عَلَيْهِ قِيلَ فَقَدْ رَأَى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ بَيْتًا لَمْ يَبِعْهُ بِنِصْفِ مَا أَعْطَى بِهِ قَالَ: لاَ أَرَاهُ يَرَى هَذَا قُلْت وَلاَ أَرَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ شُفْعَةً فِيمَا نَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَكِنْ أَحْسَنُ أَنْ يَفْعَلَ، وَقُلْت لَهُ نَحْنُ نَعْلَمُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ {الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ} لاَ يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنَيَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا. قَالَ فَمَا هُمَا؟ قُلْت: أَنْ يَكُونَ أَجَابَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَخْلُ أَكْثَرُهَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّ الشُّفْعَةَ لِكُلِّ جَارٍ أَوْ أَرَادَ بَعْضَ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ خَرَجَ عَامًّا أَرَادَ بِهِ خَاصًّا إلَّا بِدَلاَلَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ إجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ {لاَ شُفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ دُونَ الْجَارِ الْمُقَاسِمِ، وَقُلْت لَهُ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ جُمْلَةً وَقُلْنَا عَنْ النَّبِيِّ مَنْصُوصٌ لاَ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلاً. قَالَ: فَمَا الْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي يَحْتَمِلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ؟ قُلْت: أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ لِكُلِّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ جِوَارٍ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْجِوَارَ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَأَنْتَ لاَ تَقُولُ بِحَدِيثِنَا وَلاَ بِمَا تَأَوَّلْت مِنْ حَدِيثِك وَلاَ بِهَذِهِ الْمَعَانِي. قَالَ: وَلاَ يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ قُلْت: أَجَلْ لاَ يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ وَذَلِكَ يَدُلُّك عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرَادَ أَنَّ الشُّفْعَةَ لِبَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّهَا لاَ تَكُونُ إلَّا لِجَارٍ لَمْ يُقَاسِمْ. قَالَ أَفَيَقَعُ اسْمُ الْجِوَارِ عَلَى الشَّرِيكِ؟ قُلْت: نَعَمْ، وَعَلَى الْمُلاَصِقِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُلاَصِقِ قَالَ فَالشَّرِيكُ يَنْفَرِدُ بِاسْمِ الشَّرِيكِ؟ قُلْت أَجَلْ وَالْمُلاَصِقُ يَنْفَرِدُ بِاسْمِ الْمُلاَصَقَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ وَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ جِوَارٍ، قَالَ: أَفَتُوجِدُنِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْجِوَارِ يَقَعُ عَلَى الشَّرِيكِ؟ قُلْت زَوْجَتُك الَّتِي هِيَ قَرِينَتُك يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْجِوَارِ. قَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ: كُنْت بَيْنَ جَارَتَيْنِ لِي يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ، وَقَالَ الْأَعْشَى: أَجَارَتُنَا بِينِي فَإِنَّك طَالِقَهْ وَمَوْمُوقَةٌ مَا كُنْت فِينَا وَوَامِقَهْ أَجَارَتُنَا بِينِي فَإِنَّك طَالِقَهْ كَذَاك أُمُورُ النَّاسِ تَغْدُو وَطَارِقَهْ وَبِينِي فَإِنَّ الْبَيْنَ خَيْرٌ مِنْ الْعَصَا وَأَنْ لاَ تَزَالِي فَوْقَ رَأْسِك بَارِقَهْ حَبَسْتُك حَتَّى لاَمَنِي كُلُّ صَاحِبٍ وَخِفْت بِأَنْ تَأْتِي لَدَيَّ بِبَائِقَهْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَوَى غَيْرُنَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ وَاحِدَةً} وَذَهَبَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ إلَى أَنْ قَالَ الشُّفْعَةُ لاَ تَكُونُ إلَّا لَلشَّرِيكِ وَهُمَا إذَا اشْتَرَكَا فِي طَرِيقٍ دُونَ الدَّارِ، وَإِنْ اقْتَسَمَا الدَّارَ شَرِيكَانِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَيُقَالُ لَهُ الشَّرِيكَانِ فِي الدَّارِ أَوْ الطَّرِيقِ دُونَ الدَّارِ فَإِنْ قَالَ فِي الطَّرِيقِ دُونَ الدَّارِ قِيلَ لَهُ فَلِمَ جَعَلْت الشُّفْعَةَ فِي الدَّارِ الَّتِي لَيْسَا فِيهَا بِشَرِيكَيْنِ بِالشِّرْكِ فِي الطَّرِيقِ وَالطَّرِيقُ غَيْرُ الدَّارِ أَرَأَيْت لَوْ بَاعَ دَارَاهُمَا فِيهَا شَرِيكَانِ وَضَمَّ فِي الشِّرَاءِ مَعَهَا دَارًا أُخْرَى غَيْرَهَا لاَ شِرْكَ فِيهَا وَلاَ طَرِيقَهَا أَتَكُونُ الشُّفْعَةُ فِي الدَّارِ أَوْ فِي الشِّرْكِ؟ قَالَ: بَلْ فِي الشِّرْكِ دُونَ الدَّارِ الَّتِي ضُمَّتْ مَعَ الشِّرْكِ قُلْت وَلاَ تُجْعَلُ فِيهَا شُفْعَةٌ إذَا جَمَعَتْهُمَا الصَّفْقَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا شُفْعَةٌ؟ قَالَ: لاَ، قُلْت فَكَذَلِكَ يَلْزَمُك أَنْ تَقُولَ إنْ بِيعَتْ الطَّرِيقُ وَهِيَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَسْمُهُ فَفِيهَا شُفْعَةٌ وَلاَ شُفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ مِنْ الدَّارِ قَالَ: فَإِنْ قَالَ فَإِنَّمَا ذَهَبْت فِيهِ إلَى الْحَدِيثِ نَفْسِهِ قِيلَ سَمِعْنَا بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَقُولُ نَخَافُ أَنْ لاَ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظًا قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت: إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ مُفَسَّرًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ} وَأَبُو سَلَمَةَ مِنْ الْحُفَّاظِ. وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ وَهُوَ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ جَابِرٍ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي سَلَمَةَ وَيُخَالِفُ مَا رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِيهِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَبَيْنَ الْمُقَاسِمِ مَا وَصَفْت جُمْلَتَهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَكَانَ أَوْلَى الْأَحَادِيثِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ أَثْبَتُهَا إسْنَادًا وَأَبْيَنُهَا لَفْظًا عَنْ النَّبِيِّ وَأَعْرَفُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُقَاسِمِ وَغَيْرِ الْمُقَاسِمِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا سَمِعْت عَائِشَةَ وَذَكَرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ نَسِيَ إنَّمَا {مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى يَهُودِيَّةٍ وَهِيَ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا، فَقَالَ: إنَّهُمْ لَيَبْكُونَ وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا}. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ بِمَكَّةَ فَجِئْنَا نَشْهَدُهَا وَحَضَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ فَقَالَ: إنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا جَلَسْت إلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إلَيَّ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلاَ تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: {إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟} فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ ثُمَّ حَدَّثَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: صَدَرْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إذَا بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلاَءِ الرَّكْبُ؟ فَذَهَبْت فَإِذَا صُهَيْبٌ قَالَ اُدْعُهُ فَرَجَعْت إلَى صُهَيْبٍ فَقُلْت: ارْتَحِلْ فَالْحَقْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ سَمِعْت صُهَيْبًا يَبْكِي وَيَقُولُ: وَا أَخِيَاه وَا صَاحِبَاهُ فَقَالَ عُمَرُ يَا صُهَيْبُ تَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ {إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ}؟ قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ ذَكَرْت ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ لاَ وَاَللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ} وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ فَوَاَللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ شَيْءٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِدَلاَلَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ دَلاَلَةُ الْكِتَابِ؟ قِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى} وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وَقَوْلُهُ: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَعَمْرَةُ أَحْفَظُ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَحَدِيثُهَا أَشْبَهَ الْحَدِيثَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ عَلَى غَيْرِ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ: {إنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا} فَهُوَ وَاضِحٌ لاَ يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرٍ لِأَنَّهَا تُعَذَّبُ بِالْكُفْرِ وَهَؤُلاَءِ يَبْكُونَ وَلاَ يَدْرُونَ مَا هِيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ عَلَى الْكَافِرِ عَذَابًا أَعْلَى فَإِنْ عُذِّبَ بِدُونِهِ فَزِيدَ فِي عَذَابِهِ فِيمَا اسْتَوْجَبَ وَمَا نِيلَ مِنْ كَافِرٍ مِنْ عَذَابٍ أَدْنَى مِنْ أَعْلَى مِنْهُ وَمَا زِيدَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَذَابِ فَبِاسْتِيجَابِهِ لاَ بِذَنْبِ غَيْرِهِ فِي بُكَائِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ يَزِيدُهُ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، قِيلَ يَزِيدُهُ بِمَا اسْتَوْجَبَ بِعَمَلِهِ وَيَكُونُ بُكَاؤُهُ سَبَبًا لاَ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِبُكَائِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ أَيْنَ دَلاَلَةُ السُّنَّةِ؟ قِيلَ: {قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِرَجُلٍ ابْنُك هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ أَمَا إنَّهُ لاَ يَجْنِي عَلَيْك وَلاَ تَجْنِي عَلَيْهِ} فَأَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ مِثْلَ مَا أَعْلَمَ اللَّهُ مِنْ أَنَّ جِنَايَةَ كُلِّ امْرِئٍ عَلَيْهِ كَمَا عَمَلُهُ لَهُ لاَ لِغَيْرِهِ وَلاَ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ {أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا} قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ مِنْ قَبْلِ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إذَا قَعَدْت عَلَى حَاجَتِك فَلاَ تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلاَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَقَدْ ارْتَقَيْت عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ يُعَدُّ هَذَا اخْتِلاَفًا وَلَكِنَّهُ مِنْ الْجُمَلِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْمُعَدِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ الْقَوْمُ عَرَبًا إنَّمَا عَامَّةُ مَذَاهِبِهِمْ فِي الصَّحَارِي وَكَثِيرٌ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ لاَ حَشَّ فِيهَا يَسْتُرُهُمْ فَكَانَ الذَّاهِبُ لِحَاجَتِهِ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَوْ اسْتَدْبَرَهَا اسْتَقْبَلَ الْمُصَلَّى بِفَرْجِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ ضَرُورَةٌ فِي أَنْ يُشَرِّقُوا أَوْ يُغَرِّبُوا فَأُمِرُوا بِذَلِكَ وَكَانَتْ الْبُيُوتُ مُخَالِفَةً لِلصَّحْرَاءِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهَا كَانَ مَنْ فِيهِ مُسْتَتِرًا لاَ يَرَاهُ إلَّا مَنْ دَخَلَ أَوْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ الْمَذَاهِبُ بَيْنَ الْمَنَازِلِ مُتَضَايِقَةً لاَ يُمْكِنُ مِنْ التَّحَرُّفِ فِيهَا مَا يُمْكِنُ فِي الصَّحْرَاءِ فَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ مَا رَأَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ اسْتِقْبَالِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَدْبَرُ الْكَعْبَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الصَّحْرَاءِ دُونَ الْمَنَازِلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمِعَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ النَّهْيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا عَلِمَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ اسْتِقْبَالِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ فَخَافَ الْمَأْثَمَ فِي أَنْ يَجْلِسَ عَلَى مِرْحَاضٍ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ وَتَحَرَّفَ لِئَلَّا يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ النَّبِيَّ فِي مَنْزِلِهِ مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ فَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِحَاجَتِهِ وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ أَوْ لَمْ يَرْوِ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ خِلاَفَهُ وَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمْ فَرَآهُ رَأْيًا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْزُوهُ إلَى النَّبِيِّ، وَمَنْ عَلِمَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَرَآهُمَا مُحْتَمِلَيْنِ أَنْ يُسْتَعْمَلاَ اسْتَعْمَلَهُمَا مَعًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْحَالَ تَفْتَرِقُ فِيهِمَا بِمَا قُلْنَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَاصَّ الْعِلْمِ لاَ يُوجَدُ إلَّا عِنْدَ الْقَلِيلِ وَقَلَّمَا يَعُمُّ عِلْمُ الْخَاصِّ، وَهَذَا مِثْلُ حَدِيثِ النَّبِيِّ فِي الصَّلاَةِ جَالِسًا وَالْقَوْمُ خَلْفَهُ قِيَامٌ وَجُلُوسٌ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رَوَى سَلَمَةُ بْنُ وَهْرَام عَنْ طَاوُسٍ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُكْرِمَ قِبْلَةَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ قِيلَ لَهُ هَذَا مُرْسَلٌ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ لاَ يُثْبِتُونَهُ وَلَوْ ثَبَتَ كَانَ كَحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ مُسْنَدٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ مِنْهُ لَوْ خَالَفَهُ فَإِنْ كَانَ قَالَ طَاوُسٌ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُكْرِمَ قِبْلَةَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا فَإِنَّمَا سَمِعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ فَأَنْزَلَ ذَلِكَ عَلَى إكْرَامِ الْقِبْلَةِ، وَهِيَ أَهْلٌ أَنْ تُكْرَمَ وَالْحَالُ فِي الصَّحَارِي كَمَا حَدَّثَ أَبُو أَيُّوبَ وَفِي الْبُيُوتِ كَمَا حَدَّثَ ابْنُ عُمَرَ لاَ أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ النَّاسَ كَانُوا يَبْنُونَ مَسَاجِدَ بِحَطِّ حِجَارَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَنَهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ لِلْغَائِطِ أَوْ الْبَوْلِ فَيَكُونَ نَهْيُهُ فِي الْمَسَاجِدِ أَوْ مُسْتَدْبِرًا فَيَكُونَ الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ بِعَيْنِ الْمُصَلِّي إلَيْهَا وَيَتَأَذَّى بِرِيحِهِ وَهَذَا فِي الصَّحَارِي مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِغَيْرِهِ بِأَنْ يُقَالَ {اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ} وَذَلِكَ أَنْ يَتَغَوَّطَ فِي مَمَرِّ النَّاسِ فِي طَرِيقٍ مِنْ ظِلاَلِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْبُيُوتِ وَالشَّجَرِ وَالْحِجَارَةِ وَعَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ وَمَوَاضِعِ حَاجَةِ النَّاسِ فِي الْمَمَرِّ وَالْمَنْزِلِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَوَى بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ جَابِرٍ {أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ الرَّجُلَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ أَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ فِي الصَّلاَةِ فَإِنْ ضَاقَ اتَّزَرَ بِهِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا إجَازَةُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ يَقْدِرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى ثَوْبِ امْرَأَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَالشَّيْءِ يَطْرَحُهُ عَلَى عَاتِقِهِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ {عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي فِي مِرْطٍ بَعْضُهُ عَلَيَّ وَبَعْضُهُ عَلَيْهِ وَأَنَا حَائِضٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مُخَالِفًا لِلْآخَرِ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتِيَارٌ لاَ فَرْضٌ بِالدَّلاَلَةِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَأَنَّهُ صَلَّى فِي مِرْطِ مَيْمُونَةَ بَعْضُهُ عَلَيْهِ وَبَعْضُهُ عَلَى مَيْمُونَةَ لِأَنَّ بَعْضَ مِرْطِهَا إذَا كَانَ عَلَيْهَا فَأَقَلُّ مَا عَلَيْهَا مِنْهُ مَا يَسْتُرُهَا مُضْطَجِعَةً وَيُصَلِّي النَّبِيُّ عليه السلام فِي بَعْضِهِ قَائِمًا وَيَتَعَطَّلُ بَعْضُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَوْ يَسْتُرُهَا قَاعِدَةً فَيَكُونُ يُحِيطُ بِهَا جَالِسَةً وَيَتَعَطَّلُ بَعْضُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتُرَهُ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَأْتَزِرَ بِهِ ائتزارا وَلَيْسَ عَلَى عَاتِقِ المؤتزرين فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ الْإِزَارِ شَيْءٌ وَلاَ يُمْكِنُ فِي ثَوْبِ دَهْرِنَا أَنْ يَأْتَزِرَ بِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ عَلَى عَاتِقَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ يَسْتُرَهَا وَقَلَّمَا يُمْكِنُ هَذَا فِي ثَوْبٍ فِي الدُّنْيَا الْيَوْمَ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ {إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَلْيَتَوَشَّحْ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ فليأتزر بِهِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صَلَّى الرَّجُلُ فِيمَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ وَعَوْرَتُهُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَلَيْسَتْ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ {كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ أَتَيْته لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ فَجَلَسْت حَتَّى إذَا قَضَى صَلاَتَهُ أَتَيْته فَقَالَ إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ أَنْ لاَ تَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلاَةِ} حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ}. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: {صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْعَصْرِ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلاَةِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ}. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ {سَلَّمَ النَّبِيُّ فِي ثَلاَثِ رَكَعَاتٍ مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ فَقَامَ الْخِرْبَاقُ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ فَنَادَى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ مُغْضَبًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ فَصَلَّى تِلْكَ الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ إنَّ حَتْمًا أَنْ لاَ يَعْمِدَ أَحَدٌ الْكَلاَمَ فِي الصَّلاَةِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِأَنَّهُ فِيهَا فَإِنْ فَعَلَ انْتَقَضَتْ صَلاَتُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ صَلاَةً غَيْرَهَا لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ ثُمَّ مَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَهَا أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي صَلاَةٍ فَتَكَلَّمَ فِيهَا بَنَى عَلَى صَلاَتِهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَأَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَإِنَّمَا تَكَلَّمَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ وَالْكَلاَمُ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ مُبَاحٌ وَلَيْسَ يُخَالِفُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْكَلاَمِ جُمْلَةٌ وَدَلَّ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ، عَلَى {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَ كَلاَمِ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي} لِأَنَّهُ فِي صَلاَةٍ أَوْ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ الصَّلاَةَ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ وَجَمَعَ عَلَيْنَا فِيهَا حُجَجًا مَا جَمَعَهَا عَلَيْنَا فِي شَيْءٍ غَيْرِهِ إلَّا فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَمَسْأَلَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَسَمِعْته يَقُولُ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرْوَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ شَيْءٌ قَطُّ أَشْهَرُ مِنْهُ، وَمِنْ حَدِيثِ: الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَلَكِنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ فَقُلْت مَا نَسَخَهُ؟ فَقَالَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي بَدَأْت بِهِ الَّذِي فِيهِ {إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ أَنْ لاَ تَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلاَةِ} فَقُلْت لَهُ وَالنَّاسِخُ إذَا اخْتَلَفَ الْحَدِيثَانِ الْآخَرُ مِنْهُمَا فَقَالَ نَعَمْ قُلْت لَهُ أَوْ لَسْتَ تَحْفَظُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ بِمَكَّةَ قَالَ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فِي فِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَ: بَلَى فَقُلْت لَهُ: فَإِذَا كَانَ مَقْدِمُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ ثُمَّ كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ يَرْوِي أَنَّ النَّبِيَّ أَتَى جِذْعًا فِي مُؤَخَّرِ مَسْجِدِهِ أَلَيْسَ تَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يُصَلِّ فِي مَسْجِدِهِ إلَّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ مِنْ مَكَّةَ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْت فَحَدِيثُ عِمْرَانَ يَدُلُّك عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ بِنَاسِخٍ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَلاَ أَدْرِي مَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْت قَدْ بَدَأْنَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ الَّذِي لاَ يُشْكِلُ عَلَيْك وَأَبُو هُرَيْرَةَ إنَّمَا صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ صَحِبْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ ثَلاَثَ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعًا قَالَ الرَّبِيعُ أَنَا شَكَكْت وَقَدْ أَقَامَ النَّبِيُّ بِالْمَدِينَةِ سِنِينَ سِوَى مَا أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَقْدِمِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَبْلُ يَصْحَبُهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ نَاسِخًا لِمَا بَعْدَهُ قَالَ: لاَ قُلْت لَهُ لَوْ كَانَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مُخَالِفًا حَدِيثَ عِمْرَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا قُلْت، وَكَانَ عَمَدَ الْكَلاَمَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّك فِي صَلاَةٍ كَهُوَ إذَا تَكَلَّمْت، وَأَنْتَ تَرَى أَنَّك أَكْمَلْت الصَّلاَةَ أَوْ نَسِيت الصَّلاَةَ كَانَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخًا وَكَانَ الْكَلاَمُ فِي الصَّلاَةِ مُبَاحًا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِنَاسِخٍ وَلاَ مَنْسُوخٍ وَلَكِنْ وَجْهُهُ مَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْكَلاَمُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الذِّكْرِ، وَأَنَّ التَّكَلُّمَ فِي الصَّلاَةِ إذَا كَانَ هَكَذَا يُفْسِدُ الصَّلاَةَ وَإِذَا كَانَ النِّسْيَانُ وَالسَّهْوُ وَتَكَلَّمَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْكَلاَمَ مُبَاحٌ بِأَنْ يَرَى أَنْ قَدْ قَضَى الصَّلاَةَ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِيهَا لَمْ تَفْسُدْ الصَّلاَةُ قَالَ: فَأَنْتُمْ تَرْوُونَ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ قُلْت فَاجْعَلْ هَذَا كَيْفَ شِئْت أَلَيْسَتْ صَلاَةُ النَّبِيِّ بِالْمَدِينَةِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالْمَدِينَةُ إنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت: وَلَيْسَتْ لَك إذَا كَانَ كَمَا أَرَدْت فِيهِ حُجَّةً لِمَا وَصَفْت، وَقَدْ كَانَتْ بَدْرٌ بَعْدَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، قَالَ أَفَذُو الْيَدَيْنِ الَّذِي رَوَيْتُمْ عَنْهُ الْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ؟ قُلْت: لاَ عِمْرَانُ يُسَمِّيهِ الْخِرْبَاقُ وَيَقُولُ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ أَوْ مَدِيدُ الْيَدَيْنِ وَالْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَلَوْ كَانَ كِلاَهُمَا ذَا الْيَدَيْنِ كَانَ اسْمًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وَافَقَ اسْمًا كَمَا تَتَّفِقُ الْأَسْمَاءُ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ: فَلَنَا حُجَّةٌ أُخْرَى قُلْنَا وَمَا هِيَ؟ قَالَ إنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحَكَمِ حَكَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ {إنَّ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ بَنِي آدَمَ} فَقُلْت لَهُ فَهَذَا عَلَيْك وَلاَ لَك إنَّمَا يُرْوَى مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءٌ وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا ذَكَرْت قَالَ فَإِنْ قُلْت هُوَ خِلاَفُهُ قُلْت فَلَيْسَ ذَلِكَ لَك وَنُكَلِّمُك عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ أَمْرِ ذِي الْيَدَيْنِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ وَيَلْزَمُك فِي قَوْلِك أَنْ يَصْلُحَ الْكَلاَمُ فِي الصَّلاَةِ كَمَا يَصْلُحُ فِي غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا فِيمَا حَكَيْت وَهُوَ جَاهِلٌ بِأَنَّ الْكَلاَمَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ فِي الصَّلاَةِ وَلَمْ يُحْكَ أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ فَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ عَامِدًا لِلْكَلاَمِ فِي حَدِيثِهِ إلَّا أَنَّهُ حَكَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ وَهُوَ جَاهِلٌ أَنَّ الْكَلاَمَ لاَ يَكُونُ مُحَرَّمًا فِي الصَّلاَةِ قَالَ هَذَا فِي حَدِيثِهِ كَمَا ذَكَرْت قُلْت فَهُوَ عَلَيْك إنْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْته وَلَيْسَ لَك إنْ كَانَ كَمَا قُلْنَا قَالَ فَمَا تَقُولُ؟ قُلْت أَقُولُ إنَّهُ مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ غَيْرُ مُخَالِفٍ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ فَقَالَ فَإِنَّكُمْ خَالَفْتُمْ حِينَ فَرَّعْتُمْ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ قُلْت فَخَالَفْنَاهُ فِي الْأَصْلِ قَالَ لاَ وَلَكِنْ فِي الْفَرْعِ قُلْت فَأَنْتَ خَالَفْته فِي نَصِّهِ، وَمَنْ خَالَفَ النَّصَّ عِنْدَك أَسْوَأُ حَالاً مِمَّنْ ضَعُفَ نَظَرُهُ فَأَخْطَأَ التَّفْرِيعَ قَالَ: نَعَمْ وَكُلٌّ غَيْرُ مَعْذُورٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ: فَأَنْتَ خَالَفْت أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَلَمْ نُخَالِفْ نَحْنُ مِنْ أَصْلِهِ وَلاَ مِنْ فَرْعِهِ حَرْفًا وَاحِدًا فَعَلَيْك مَا عَلَيْك فِي خِلاَفِهِ وَفِيمَا قُلْت مِنْ أَنَّا خَالَفْنَا مِنْهُ مَا لَمْ نُخَالِفْهُ قَالَ فَأَسْأَلُك حَتَّى أَعْلَمَ أَخَالَفْته أَمْ لاَ؟ قُلْت فَسَلْ قَالَ مَا تَقُولُ فِي إمَامٍ انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ صَلَّى مَعَهُ قَدْ انْصَرَفْت مِنْ اثْنَتَيْنِ فَسَأَلَ آخَرِينَ، فَقَالُوا صَدَقَ؟ قُلْت أَمَّا الْمَأْمُومُ الَّذِي أَخْبَرَهُ وَاَلَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّهُ صَدَقَ وَهُمْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ صَلاَتَهُ فَصَلاَتُهُمْ فَاسِدَةٌ قَالَ فَأَنْتَ تَرْوِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى وَتَقُولُ قَدْ قَضَى مَعَهُ مَنْ حَضَرَ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْهُ فِي الْحَدِيثِ قُلْت أَجَلْ قَالَ فَقَدْ خَالَفْته قُلْت لاَ وَلَكِنْ حَالُ إمَامِنَا مُفَارِقَةٌ حَالَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَأَيْنَ افْتِرَاقُ حَالَيْهِمَا فِي الصَّلاَةِ وَالْإِمَامَةِ؟ قَالَ فَقُلْت لَهُ إنَّ اللَّهَ كَانَ يُنْزِلُ فَرَائِضَهُ عَلَى رَسُولِهِ فَرْضًا بَعْدَ فَرْضٍ فَيَفْرِضُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ وَيُخَفِّفُ عَنْهُ بَعْضَ فَرْضِهِ قَالَ: أَجَلْ؟ قُلْت: وَلاَ نَشُكُّ نَحْنُ وَلاَ أَنْتَ وَلاَ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَّا وَهُوَ يَرَى أَنْ قَدْ أَكْمَلَ الصَّلاَةَ قَالَ: أَجَلْ، قُلْت: فَلَمَّا فَعَلَ لَمْ يَدْرِ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ بِحَادِثٍ مِنْ اللَّهِ أَمْ نَسِيَ النَّبِيُّ وَكَانَ ذَلِكَ بَيِّنًا فِي مَسْأَلَتِهِ إذْ قَالَ أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ؟ قَالَ: أَجَلْ، قُلْت وَلَمْ يَقْبَلْ النَّبِيُّ مِنْ ذِي الْيَدَيْنِ إذْ سَأَلَ غَيْرَهُ، قَالَ: أَجَلْ، قُلْت: وَلَمَّا سَأَلَ غَيْرَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ كَلاَمَهُ فَيَكُونُ مِثْلَهُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ مَنْ سَمِعَ كَلاَمَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ النَّبِيُّ رَدَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَسْمَعْ النَّبِيُّ رَدَّ عَلَيْهِ كَانَ فِي مَعْنَى ذِي الْيَدَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَدِلَّ النَّبِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَدْرِ أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيَ النَّبِيُّ فَأَجَابَهُ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى ذِي الْيَدَيْنِ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِمْ جَوَابُهُ أَلاَ تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا أَخْبَرُوهُ فَقَبِلَ قَوْلَهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا حَتَّى بَنَوْا عَلَى صَلاَتِهِمْ، قَالَ فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ تَنَاهَتْ فَرَائِضُهُ فَلاَ يُزَادُ فِيهَا وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهَا أَبَدًا قَالَ: نَعَمْ فَقُلْت هَذَا فَرْقٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَقَالَ مَنْ حَضَرَهُ هَذَا فَرْقٌ بَيِّنٌ لاَ يَرُدُّهُ عَالِمٌ لِبَيَانِهِ وَوُضُوحِهِ فَقَالَ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِكُمْ مَنْ قَالَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّجُلُ فِي أَمْرِ الصَّلاَةِ لَمْ يُفْسِدْ صَلاَتَهُ، قَالَ فَقُلْت لَهُ: إنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا لاَ مَا قَالَ غَيْرُنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ قَدْ كَلَّمْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِك فَمَا احْتَجَّ بِهَذَا وَلَقَدْ قَالَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا فَقُلْت لَهُ قَدْ أَعْلَمْتُك أَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى وَلاَ حُجَّةَ لَك عَلَيْنَا بِقَوْلِ غَيْرِنَا قَالَ: أَجَلْ، قُلْت فَدَعْ مَا لاَ حُجَّةَ لَك فِيهِ وَقُلْت لَهُ: قَدْ أَخْطَأْت فِي خِلاَفِكَ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ ثُبُوتِهِ وَظَلَمْت نَفْسَك بِأَنَّك زَعَمْت أَنَّا وَمَنْ قَالَ بِهِ نَحَلَ الْكَلاَمَ وَالْجِمَاعَ وَالْغِنَاءَ فِي الصَّلاَةِ وَمَا أَحْلَلْنَا وَلاَ هُمْ مِنْ هَذَا شَيْئًا قَطُّ وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الصَّلاَةَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهَا فَسَدَتْ صَلاَتُهُ لِأَنَّ السَّلاَمَ زَعَمْت فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَلاَمٌ، وَإِنْ سَلَّمَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ بَنَى فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هَذَا كَفَى بِهَا عَلَيْك حُجَّةٌ وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عَيْبِكُمْ خِلاَفَ الْحَدِيثِ وَكَثْرَةِ خِلاَفِكُمْ لَهُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ {لَمَّا انْتَهَى إلَى النَّبِيِّ قَتْلُ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ أَقَامَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً كُلَّمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الصُّبْحِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ اللَّهُمَّ افْعَلْ فَذَكَرَ دُعَاءً طَوِيلاً ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ} قَالَ وَحُفِظَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ النَّبِيِّ الْقُنُوتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا عِنْدَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَحُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ عِنْدَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى أَنَسٌ {عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَنَتَ وَتَرَكَ الْقُنُوتَ جُمْلَةً} وَمَنْ رَوَى مِثْلَ حَدِيثِهِ رَوَى أَنَّهُ قَنَتَ عِنْدَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَبَعْدَهُ ثُمَّ تَرَكَ الْقُنُوتَ فَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ فَمَحْفُوظٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَبَعْدَهُ وَلَمْ يَحْفَظْ عَنْهُ أَحَدٌ تَرَكَهُ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّبْحِ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَنْ مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ تَرْكِ الْقُنُوتِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَرَادَ فَأَمَّا الَّذِي أَرَى بِالدَّلاَلَةِ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ دُونَ الصُّبْحِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ فُرِضَتْ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ فَأَقَرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ تَعْنِي ثَلاَثَ صَلَوَاتٍ دُونَ الْمَغْرِب، وَتَرْكُ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَاتِ سِوَى الصُّبْحِ لاَ يُقَالُ لَهُ نَاسِخٌ إنَّمَا يُقَالُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ مَا اخْتَلَفَ فَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ فَمُبَاحٌ أَنْ يَقْنُتَ وَأَنْ يَدَعَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَقْنُتْ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ قَبْلَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَلَمْ يَقْنُتْ بَعْدَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ دُعَاءٌ مُبَاحٌ كَالدُّعَاءِ الْمُبَاحِ فِي الصَّلاَةِ لاَ نَاسِخَ وَلاَ مَنْسُوخَ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ {عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ {سَمِعْت عَائِشَةَ وَبَسَطَتْ يَدَهَا تَقُولُ: أَنَا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ لِإِحْرَامِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ {سَمِعْت عَائِشَةَ تَقُولُ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ لِحَرَمِهِ وَلِحِلِّهِ فَقُلْت لَهَا بِأَيِّ الطِّيبِ؟ فَقَالَتْ بِأَطْيَبِ الطِّيبِ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ {عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ لِحِلِّهِ وَلِحَرَمِهِ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ {عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَأَيْت وَبِيصَ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَطَاءٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ {كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ بِالْجِعْرَانَةِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَةٌ يَعْنِي جُبَّةً وَهُوَ مُضَمَّخٌ بِالْخَلُوقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَحْرَمْت بِالْعُمْرَةِ وَهَذِهِ عَلَيَّ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ مَا كُنْت صَانِعًا فِي حَجِّك فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِك}. أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَنَرَى جَائِزًا لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَتَطَيَّبَا بِالْغَالِيَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَبْقَى رِيحُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ إذَا كَانَ تَطَيَّبَ بِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَنَرَى إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ وَحَلَقَ وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ أَنَّ الطِّيبَ حَلاَلٌ لَهُ وَنَنْهَى الرَّجُلَ حَلاَلاً بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَزَعْفَرَ وَنَأْمُرُهُ إذَا تَزَعْفَرَ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَنْ يَغْسِلَ الزَّعْفَرَانَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ نَأْمُرُهُ إذَا تَزَعْفَرَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَبِهِ أَثَرُ الزَّعْفَرَانِ أَنْ يَغْسِلَ الزَّعْفَرَانَ نَفْسَهُ لِلْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ الدَّلاَلَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ تُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِغُسْلِ الصُّفْرَةِ إلَّا أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَنْ يَغْسِلَ الصُّفْرَةَ عَنْهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ لِكَرَاهِيَةِ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ إذَا كَانَ التَّطَيُّبُ وَهُوَ حَلاَلٌ لِأَنَّهُ تَطَيَّبَ حَلاَلاً بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ رِيحًا مُحَرَّمًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَنَأْمُرُ الْمُحْرِمَ إذَا هُوَ حَلَقَ أَنْ يَتَطَيَّبَ كَمَا نَأْمُرُهُ أَنْ يَلْبَسَ عَلَى مَعْنًى إنْ شَاءَ إبَاحَةً لَهُ لاَ إيجَابًا عَلَيْهِ وَنُبِيحُ لَهُ الصَّيْدَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فِي الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَبَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحِلاَقِ وَقَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَقَالَ: لاَ يَتَطَيَّبُ بِمَا يَبْقَى رِيحُهُ عَلَيْهِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدَّهِنَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَا لاَ يَبْقَى رِيحُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ بَقِيَ لِينُهُ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَإِذْهَابُهُ الشَّعَثَ قَالَ وَكَانَ الَّذِي ذَكَرَ وَاحْتَجَّ بِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ مُعَاوِيَةَ وَأَحْرَمَ مَعَهُ فَوَجَدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبًا فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ الطِّيبَ، وَأَنَّهُ قَالَ مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ وَحَلَقَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَفْقَهُ وَأَحْمَدُ مَذْهَبًا مِنْ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرُبَّمَا قَالَ عَنْ أَبِيهِ وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ وَذَبَحْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ قَالَ سَالِمٌ {وَقَالَتْ عَائِشَةُ أَنَا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ بَعْدَ أَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ، وَقَبْلَ أَنْ يَزُورَ} قَالَ سَالِمٌ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا دَرَيْت إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ مَنْ خَالَفَنَا فِي تَطْيِيبِ الْمُحْرِمِ اتَّهَمَ الرِّوَايَةَ عَنْ النَّبِيِّ فَهِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَثْبَتُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ يَرْوِيهَا عَطَاءٌ وَعُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ وَإِنَّمَا تِلْكَ الرِّوَايَةُ مِنْ حَدِيثِ رَجُلَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَإِنْ جَازَ أَنْ تُتَّهَمَ رِوَايَةُ هَؤُلاَءِ الرِّجَالِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ جَازَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَلَيْسَ يَشُكُّ عَالِمٌ إلَّا مُخْطِئٌ أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ وَقَائِلُ هَذَا يُخَالِفُ بَعْضَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي هَذَا عُمَرُ يُبِيحُ مَا حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ إذَا رَمَى وَحَلَقَ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَهُوَ يُحَرِّمُ الصَّيْدَ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ وَهُوَ مِمَّا أَبَاحَ عُمَرُ فَيُخَالِفُ عُمَرَ لِرَأْيِ نَفْسِهِ وَيَتَّبِعُهُ وَيُخَالِفُ بِهِ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ كَثْرَةِ خِلاَفِ عُمَرَ لِرَأْيِ نَفْسِهِ وَرَأْيِ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ قَالَ: وَلَمْ أَعْلَمْ لَهُ مَذْهَبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ شُبِّهَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِي أَنْ يَغْسِلَ الْمُحْرِمُ أَثَرَ الصُّفْرَةِ عَنْهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ يُخَالِفُ حَدِيثُ يَعْلَى حَدِيثَ عَائِشَةَ؟ قِيلَ: لاَ إنَّمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ بِالْغُسْلِ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِلصُّفْرَةِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ أَنْ يَغْسِلَ الصُّفْرَةَ إلَّا لِمَا وَصَفْت لِأَنَّهُ لاَ يَنْهَى عَنْ الطِّيبِ فِي حَالٍ يَتَطَيَّبُ فِيهَا صلى الله عليه وسلم وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ بِغَسْلِ الصُّفْرَةِ لِأَنَّهَا طِيبٌ كَانَ أَمْرُهُ إيَّاهُ بِغَسْلِ الصُّفْرَةِ عَامَ الْجِعْرَانَةِ وَهِيَ سَنَةُ ثَمَانٍ وَكَانَ تَطَيُّبُهُ فِي حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ وَهِيَ سَنَةُ عَشْرٍ فَكَانَ تَطَيُّبُهُ لِإِحْرَامِهِ وَلِحِلِّهِ نَاسِخًا لِأَمْرِهِ الْأَعْرَابِيَّ بِغَسْلِ الصُّفْرَةِ وَاَلَّذِي خَالَفَنَا يَرْوِي أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ طَيَّبَتْ مُعَاوِيَةَ وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ التَّطَيُّبَ لِلْإِحْرَامِ وَالْحِلِّ وَنَرْوِيهِ عَنْ غَيْرِهِمَا وَهُوَ يَقُولُ مَعَنَا فِي الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ يُصْبِحُ جُنُبًا إنَّ صَوْمَهُ تَامٌّ لِأَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ وَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَالتَّطَيُّبُ كَانَ وَهُوَ مُبَاحٌ لِلرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ لاَ شَكَّ وَقَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَوْ كَانَ يَنْظُرُ إلَى حَالِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ إذَا كَانَ الطِّيبُ قَبْلَهُ كَانَ تَرْكُ قَوْلِهِ لِأَمْرِهِ بِالدُّهْنِ الَّذِي لاَ يَبْقَى طِيبُهُ وَإِنْ بَقِيَ الدُّهْنُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لاَ يُجِيزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ دَهْنَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِدَهْنِ غَيْرِ طِيبٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَلاَ أَعْلَمُهُ اسْتَقَامَ عَلَى أَصْلٍ ذَهَبَ إلَيْهِ فِي هَذَا الْقَوْلِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ {عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ مَا فِي وَجْهِي قَالَ إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ}. أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ {عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَ رُمْحَهُ فَشَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَلَمَّا أَدْرَكُوا النَّبِيَّ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ}. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ إلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ يُخَالِفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ حَدِيثَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ وَكَذَلِكَ لاَ يُخَالِفُهُمَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَبَيَانُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُخْتَلِفَةً فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ الْمُطَّلِبِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: {لَحْمُ الصَّيْدِ لَكُمْ فِي الْإِحْرَامِ حَلاَلٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ}. أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ بِلاَلٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ النَّبِيِّ هَكَذَا. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي يَحْيَى أَحْفَظُ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانَ مَعَ ابْنِ أَبِي يَحْيَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ الصَّعْبُ أَهْدَى الْحِمَارَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيًّا فَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ حَيٍّ وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ لَحْمًا فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ صَيْدٌ لَهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَمِنْ سُنَّتِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ يَحِلَّ لِلْمُحْرِمِ مَا صِيدَ لَهُ وَهُوَ لاَ يَحْتَمِلُ إلَّا أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ صِيدَ لَهُ كَانَ لَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لاَ يَقُولُ حِينَئِذٍ لَهُ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ وَبِهَذَا قُلْنَا لاَ يَحْتَمِلُ إلَّا الْوَجْهَيْنِ قَبْلَهُ قَالَ وَأَمَرَ أَصْحَابَ أَبِي قَتَادَةَ أَنْ يَأْكُلُوا مَا صَادَهُ رَفِيقُهُمْ بِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَصِدْهُ لَهُمْ وَلاَ بِأَمْرِهِمْ فَحَلَّ لَهُمْ أَكْلُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِيضَاحُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ حِمَارًا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ حَدَّثَ أَنَّهُ أَهْدَى لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ عَرَضَ فِي نَفْسِ امْرِئٍ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} قِيلَ لَهُ: إنَّ اللَّهَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- مَنَعَ الْمُحْرِمَ قَتْلَ الصَّيْدِ فَقَالَ {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الآيَةَ، وَقَالَ فِي الآيَةِ الْأُخْرَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} فَاحْتَمَلَ أَنْ يَصِيدُوا صَيْدَ الْبَحْرِ، وَأَنْ يَأْكُلُوهُ إنْ لَمْ يَصِيدُوهُ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ طَعَامَهُ ثُمَّ لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصِيدَ صَيْدَ الْبَحْرِ وَيَأْكُلَ طَعَامَهُ وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} فَاحْتَمَلَ أَنْ لاَ تَقْتُلُوا صَيْدَ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَأَشْبَهَ ذَلِكَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ اللَّهِ صَيْدَ الْبَرِّ فِي حَالَيْنِ أَنْ يَقْتُلَهُ رَجُلٌ وَأُمِرَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِأَنْ يَفْدِيَهُ وَأَنْ لاَ يَأْكُلَهُ إذَا أُمِرَ بِصَيْدِهِ فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِكِتَابِ اللَّهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ وَأَوْلَى الْمَعَانِي بِنَا أَنْ لاَ تَكُونَ الْأَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةً لِأَنَّ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ تَصْدِيقَ خَبَرِ أَهْلِ الصِّدْقِ مَا أَمْكَنَ تَصْدِيقُهُ وَخَاصُّ السُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ خَبَرُ خَاصَّةٍ لاَ عَامَّةٍ.
|