.فَائِدَةٌ:
مِنَ الْأَسْئِلَةِ الْحَسَنَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عليهم قاموا} أَنَّهُ يُقَالُ: لِمَ أُتِيَ قَبْلَ أَضَاءَ بِـ: (كُلَّمَا)؟وَقَبْلَ أَظْلَمَ بِـ: (إِذَا) وَمَا وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي ذَلِكَ؟وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ تَكْرَارَ الْإِضَاءَةِ يَسْتَلْزِمُ تَكْرَارَ الْإِظْلَامِ فَكَانَ تَنْوِيعُ الكلام أعذب.الثَّانِي: أَنَّ مَرَاتِبَ الْإِضَاءَةِ مُخْتَلِفَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ فَذَكَرَ كُلَّمَا تَنْبِيهًا عَلَى ظُهُورِ التَّعَدُّدِ وَقُوَّتِهِ لِوُجُودِهِ بِالصُّورَةِ وَالنَّوْعِيَّةِ وَالْإِظْلَامُ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يُؤْتَ بِصِيغَةِ التَّكْرَارِ لِضَعْفِ التَّعَدُّدِ فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِهِ بِالنَّوْعِيَّةِ وَإِنْ حَصَلَ بِالصُّورَةِ.الثَّالِثُ: قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ أَنَّهُمْ لَمَّا اشْتَدَّ حِرْصُهُمْ عَلَى الضَّوْءِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ النُّورِ كَانُوا كُلَّمَا حَدَثَ لَهُمْ نُورٌ تَجَدَّدَ لَهُمْ بَاعِثُ الضَّوْءِ فِيهِ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ تَقَدُّمُ فَقْدِهِ وَاخْتِفَاؤُهُ مِنْهُمْ وَأَمَّا التَّوَقُّفُ بِالظَّلَامِ فَهُوَ نَوْعٌ وَاحِدٌ.وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الْجَوَابِ الثَّانِي لَكِنَّهُ بِمَادَّةٍ أُخْرَى وَيَفْتَرِقَانِ بِأَنَّ جَوَابَ الزَّمَخْشَرِيِّ يَرْجِعُ التَّكْرَارُ فِيهِ إِلَى جَوَابِ كُلَّمَا لَا إِلَى مَشْرُوطِهَا الَّذِي يَلِيهَا وَيُبَاشِرُهَا فَطَلَبَ تَكْرَارَهُ وَهُوَ الْأَوْلَى فِي مَدْلُولِ التَّكْرَارِ وَالْجَوَابُ الْمُتَقَدِّمُ يَرْجِعُ إِلَى تكرار مشروطها يَتْبَعُهُ الْجَوَابُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْزُومُهُ وَتَكَرُّرُهُ فَرْعُ تَكَرُّرِ الْأَوَّلِ.الرَّابِعُ: أَنَّ إِضَاءَةَ الْبَرْقِ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهِ وَإِظْلَامَهُ لَيْسَ مَنْسُوبًا إِلَيْهِ لِأَنَّ إِضَاءَتَهُ هِيَ لَمَعَانُهُ وَالظَّلَامُ أَمْرٌ يَحْدُثُ عَنِ اخْتِفَائِهِ فَتُظْلِمُ الْأَمَاكِنُ كَظَلَامِ الْأَجْرَامِ الْكَثَائِفِ فَأَتَى بِأَدَاةِ التَّكْرَارِ عِنْدَ الْفِعْلِ الْمُتَكَرِّرِ مِنَ الْبَرْقِ وَبِالْأَدَاةِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ عِنْدَ الْفِعْلِ الَّذِي لَيْسَ مُتَكَرِّرًا مِنْهُ وَلَا صَادِرًا عَنْهُ.الْخَامِسُ: ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِضَاءَةِ الْبَرْقِ الْحَيَاةُ وَبِالظَّلَامِ الْمَوْتُ فَالْمُنَافِقُ تَمُرُّ حَالَةٌ فِي حَيَاتِهِ بِصُورَةِ الْإِيمَانِ لِأَنَّهَا دَارٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ فَإِذَا صَارَ إِلَى الْمَوْتِ رُفِعَتْ لَهُ أَعْمَالُهُ وَتَحَقَّقَ مَقَامُهُ فَتَسْتَقِيمُ كُلَّمَا فِي الحياة وإذا فِي الْمَمَاتِ وَهَكَذَا كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا دَامَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَأَمِتْنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» فَاسْتَعْمَلَ مَعَ الْحَيَاةِ لَفْظَ التَّكْرَارِ وَالدَّوَامِ وَاسْتَعْمَلَ مَعَ لَفْظِ الْوَفَاةِ لَفْظَ الِاخْتِصَارِ وَالتَّقْيِيدِ.وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ إِمَّا لِأَنَّ الْحَيَاةَ مَأْثُورَةٌ لِازْدِيَادِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي الْهِمَمُ الْعَالِيَةُ مَعْقُودَةٌ بِهِ فَعَرَّضَ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَالدَّوَامِ عَلَيْهِ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ لَا يُتَمَنَّى ولكن إذا نزل وَقْتِهِ رُضِيَ بِهِ وَإِمَّا لِأَنَّ الْحَيَاةَ يَتَكَرَّرُ زَمَانُهَا وَأَمَّا الْمَوْتُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ.وَجَوَابٌ آخَرُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَنْوَارِ هُوَ الْأَصْلُ الْمُسْتَمِرُّ وَأَمَّا خَفَقَانُ الْبَرْقِ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ فَعَوَارِضُ تتصل بالحدوث والتكرار فناسب الإتيان فيها بكلما وَفِي تِلْكَ بِـ: (إِذَا) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.(إِذْ):
ظَرْفٌ لِمَاضِي الزَّمَانِ يُضَافُ لِلْجُمْلَتَيْنِ كَقَوْلِهِ تعالى:
{واذكروا إذ أنتم قليل} وَتَقُولُ أَيَّدَكَ اللَّهُ إِذْ فَعَلْتَ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} فَـ: (تَرَى) مُسْتَقْبَلٌ وَإِذْ ظَرْفٌ لِلْمَاضِي وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْءَ كَائِنٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ وَذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْ كَانَ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِهِ سَابِقٌ وَقَضَاءَهُ بِهِ نَافِذٌ فَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ.وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَلَوْ تَرَى نَدَمَهُمْ وَخِزْيَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَعْدَ وقوفهم على النار فـ: (إذ) ظرف ماضي لَكِنْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى نَدَمِهِمُ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْمُعَايَنَةِ فَقَدْ صَارَ وَقْتَ التَّوَقُّفِ مَاضِيًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا بَعْدَهُ وَالَّذِي بَعْدَهُ هُوَ مَفْعُولُ تَرَى.وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ مَجِيئَهَا مَفْعُولًا بِهِ كَقَوْلِهِ:
{وَاذْكُرُوا إذ أنتم قليل} ومنعه آخرون وجعلوا المفعول محذوفا وإذ ظَرْفٌ عَامِلُهُ ذَلِكَ الْمَحْذُوفُ وَالتَّقْدِيرُ:
{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عليكم} إِذًا وَاذْكُرُوا حَالَكُمْ.وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ:
{إِذْ قَالَ الله يا عيسى} قِيلَ: قَالَ: لَهُ ذَلِكَ لَمَّا رَفَعَهُ إِلَيْهِ.وَتَكُونُ بِمَعْنَى حِينَ كَقَوْلِهِ:
{وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فيه} أَيْ حِينَ تُفِيضُونَ فِيهِ.وَحَرْفَ تَعْلِيلٍ نَحْوُ:
{ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم} {وإذ لم يهتدوا به}.وَقِيلَ: تَأْتِي ظَرْفًا لِمَا يُسْتَقْبَلُ بِمَعْنَى إِذَا وَخُرِّجَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا سَبَقَ.وَكَذَا قَوْلُهُ:
{فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم} وَأَنْكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ لِأَنَّ إِذَا لَا يَجِيءُ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ مَعَ النَّفْيِ.وَقَدْ تَجِيءُ بَعْدَ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِ:
{وَاللَّيْلِ إِذَا يسر} لِانْعِدَامِ مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ فِيهِ.وَقِيلَ تَجِيءُ زَائِدَةً نحو:
{وإذ قال ربك للملائكة} وَقِيلَ هِيَ فِيهِ بِمَعْنَى قَدْ.وَقَدْ تَجِيءُ بِمَعْنَى أَنْ حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ عَنْ نَصِّ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ قَالَ وَيَشْهَدُ لَهُ قوله تعالى:
{بعد إذ أنتم مسلمون}.وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} قَالَ وَغَفَلَ الْفَارِسِيُّ عَمَّا فِي الْكِتَابِ مِنْ هَذَا وَجَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسْتَقْبَلَ الَّذِي بَعْدَ لَنْ عَامِلًا فِي الظَّرْفِ الْمَاضِي فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ سَآتِيكَ الْيَوْمَ أَمْسِ.قَالَ: وَلَيْتَ شِعْرِي مَا تَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَإِذْ لَمْ يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم} فَإِنْ جَوَّزَ وُقُوعَ الْفِعْلِ فِي الظَّرْفِ الْمَاضِي عَلَى أَصْلِهِ فَكَيْفَ يَعْمَلُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ فيما قبلها لاسيما مَعَ السِّينِ وَهُوَ قَبِيحٌ أَنْ تَقُولَ غَدًا سَآتِيكَ فَكَيْفَ إِنْ قُلْتَ غَدًا فَسَآتِيكَ فَكَيْفَ إِنْ زِدْتَ عَلَى هَذَا وَقُلْتَ أَمْسِ فَسَآتِيكَ وإذا على أصله بمعنى أمس.
.تنبيه في وقوع (إذ) بعد (واذكر):
حَيْثُ وَقَعَتْ إِذْ بَعْدَ وَاذْكُرْ فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الزَّمَانُ لِغَرَابَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُنْظَرَ فِيهِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مريم إذ انتبذت}.وَقَوْلِهِ:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صديقا نبيا إذ قال لأبيه} ونظائره.
.(أَوْ):
تَقَعُ فِي الْخَبَرِ وَالطَّلَبِ فَأَمَّا فِي الْخَبَرِ فَلَهَا فِيهِ مَعَانٍ:الْأَوَّلُ: الشَّكُّ نَحْوُ قام زيد أو عمرو.الثاني: الْإِبْهَامُ وَهُوَ إِخْفَاءُ الْأَمْرِ عَلَى السَّامِعِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هدى}.وقوله:
{أتاها أمرنا ليلا أو نهارا}، يُرِيدُ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَأَخَذَ أَهْلُهَا الْأَمْنَ أَتَاهَا أَمْرُنَا وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ فَجْأَةً فَهَذَا إِبْهَامٌ لِأَنَّ الشَّكَّ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.وَقَوْلِهِ:
{إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يزيدون}.فَإِنْ قُلْتَ: يَزِيدُونَ فِعْلٌ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى الْمَجْرُورِ بِـ: (إِلَى) فَإِنَّ حَرْفَ الْجَرِّ لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ عَلَى الْفِعْلِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ مَرَرْتُ بِقَائِمٍ وَيَقْعُدُ عَلَى تَأْوِيلِ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ.قُلْتُ: يَزِيدُونَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ فِي محل رفع والتقدير أوهم يَزِيدُونَ قَالَهُ ابْنُ جِنِّي فِي الْمُحْتَسِبِ.وَجَازَ عَطْفُ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ بِـ: (أَوْ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مُطْلَقِ الْجُمْلَةِ.فَإِنْ قُلْتَ: فَكَيْفَ تَكُونُ أَوْ هُنَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَالزِّيَادَةُ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ؟قُلْتُ: الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا قَدَّرُوا فِي الْمُبْتَدَأِ ضَمِيرَ الْمِائَةِ أَلْفٍ وَالتَّقْدِيرُ وَأَرْسَلْنَاكَ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ مَعَهَا زِيَادَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا لِلشَّكِّ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِ أَيْ لَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ لَعَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ.الثَّالِثُ: التَّنْوِيعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أو أشد قسوة} أَيْ أَنَّ قُلُوبَهُمْ تَارَةً تَزْدَادُ قَسْوَةً وَتَارَةً تُرَدُّ إِلَى قَسْوَتِهَا الْأُولَى فَجِيءَ بِـ: (أَوْ) لاختلاف أحوال قلوبهم.الرابع: التفصيل كقوله:
{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هودا أو نصارى}، أَيْ قَالَتِ الْيَهُودُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا وَقَالَتِ النَّصَارَى لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ نَصَارَى وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
{كونوا هودا أو نصارى}.الخامس: للإضراب كـ: (بل) كقوله:
{كلمح البصر أو هو أقرب} و:
{مائة ألف أو يزيدون} عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ:
{قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}.السَّادِسُ: بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ:
{فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا عُذْرًا أو نذرا}.
{لعله يتذكر أو يخشى}.
{لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا}.وَأَمَّا فِي الطَّلَبِ فَلَهَا مَعَانٍ:الْأَوَّلُ: الْإِبَاحَةُ نَحْوُ تَعَلَّمْ فِقْهًا أَوْ نَحْوًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أو بيوت آبائكم} الْآيَةَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
{كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} يَعْنِي إِنْ شُبِّهَتْ قُلُوبُهُمْ بِالْحِجَارَةِ فَصَوَابٌ أَوْ بِمَا هُوَ أَشَدُّ فَصَوَابٌ.وقوله:
{كمثل الذي استوقد نارا} {أو كصيب}.وَالْمَعْنَى أَنَّ التَّمْثِيلَ مُبَاحٌ فِي الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَبَّهْتُمُوهُمْ بِأَيِّ النَّوْعَيْنِ.قَوْلُهُ:
{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} إِبَاحَةٌ لِإِيقَاعِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ.الثَّانِي: التَّخْيِيرُ نَحْوُ خُذْ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ ذَاكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأرض أو سلما في السماء} الْآيَةَ فَتَقْدِيرُهُ فَافْعَلْ كَأَنَّهُ خَيَّرَ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ.وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّخْيِيرَ فِيمَا أَصْلُهُ الْمَنْعُ ثُمَّ يَرِدُ الْأَمْرُ بِأَحَدِهِمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبَاحًا وَيَطْلُبَ الْإِتْيَانَ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَذْكُرُ بِـ: (أَوْ) لِئَلَّا يُوهِمَ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا هُوَ الْوَاجِبُ لَوْ ذُكِرَتِ الْوَاوُ وَلِهَذَا مَثَّلَ النُّحَاةُ الْإِبَاحَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَكَفَّارَتُهُ إطعام عشرة مساكين} وَقَوْلِهِ:
{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نسك} لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ بِأَحَدِهِمَا رِفْقًا بِالْمُكَلَّفِ فَلَوْ أَتَى بِالْجَمْعِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ بَلْ يَكُونُ أَفْضَلَ.وَأَمَّا تَمْثِيلُ الْأُصُولِيِّينَ بِآيَتَيِ الْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ لِلتَّخْيِيرِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَسِيطِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَحْظُورِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ وَالْآخَرَ يَبْقَى مَحْظُورًا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ وَلَا يَمْتَنِعُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِمَا عَدَا الْوَاجِبَ تَبَرُّعًا وَلَا يُمْنَعُ مِنَ التَّبَرُّعِ.وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْإِبَاحَةِ جَازَ صَرْفُهُ إِلَى مَجْمُوعِهِمَا وَهُوَ مَا كَانَ يَجُوزُ فِعْلُهُ أَوْ إِلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَا تَقْتَضِيهِ (أَوْ).وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ إِطَاعَةِ أَحَدِهِمَا دون الآخر بل النَّهْيُ عَنْ طَاعَتِهِمَا مُفْرَدَيْنِ أَوَ مُجْتَمِعَيْنِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ أَوْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ طَاعَةِ مَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْوَصْفَانِ.وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: اسْتَشْكَلَ قَوْمٌ وُقُوعَ أَوْ فِي النَّهْيِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ لَوِ انْتَهَى عَنْ أحدهما لم يتمثل ولا يعد يمتثل إِلَّا بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُمَا جَمِيعًا.فَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَالْأَوْلَى أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا وَإِنَّمَا جَاءَ التَّعْيِينُ فِيهَا مِنَ الْقَرِينَةِ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَ وُجُودِ النَّهْيِ تُطِيعُ آثِمًا أَوْ كَفُورًا أَيْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِذَا جَاءَ النَّهْيُ وَرَدَ عَلَى مَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْمَعْنَى فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَلَا تُطِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَيَجِيءُ التَّعْمِيمُ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ النَّهْيِ الدَّاخِلِ وَهِيَ عَلَى بَابِهَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِانْتِهَاءُ عَنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَنْتَهِيَ عَنْهُمَا بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ قَالَ فَهَذَا مَعْنًى دَقِيقٌ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ عَلَى بَابِهَا وَأَنَّ التَّعْمِيمَ لَمْ يَجِئْ مِنْهَا وَإِنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْمَضْمُومِ إِلَيْهَا انْتَهَى.وَمِنْ هَذَا وَإِنْ كَانَ خَبَرًا قَوْلُهُ تَعَالَى:
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دين} لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ إِنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ وُجِدَ أَحَدُهُمَا أَوْ وُجِدَا مَعًا.وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي اللُّبَابِ: إِنِ اتَّصَلَتْ بِالنَّهْيِ وَجَبَ اجْتِنَابُ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} وَلَوْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا لَفُعِلَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا.وَقَالَ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ أَوْ فِي النَّهْيِ نَقِيضِيَّةٌ أَوْ فِي الْإِبَاحَةِ.فَقَوْلُكَ: جَالِسِ الْحَسَنَ أَوِ ابْنَ سِيرِينَ إِذَنْ فِي مُجَالَسَتِهِمَا وَمُجَالَسَةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَضِدُّهُ في النهي لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا أَيْ لَا تُطِعْ هَذَا وَلَا هَذَا وَالْمَعْنَى لَا تُطِعْ أحدهما ومن أطاع منهما كان أحدهما فمن ها هنا كَانَ نَهْيًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ جَاءَ بِالْوَاوِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لَأَوْهَمَ الْجَمْعَ.وَقِيلَ: أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّهُ لَوِ انْتَهَى عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَعُدْ مُمْتَثِلًا بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُمَا جَمِيعًا.قَالَ الْخَطِيبِيُّ: وَالْأَوْلَى أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا وَإِنَّمَا جَاءَ التَّعْمِيمُ فِيهَا مِنَ النَّهْيِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَ وُجُودِ النَّهْيِ تُطِيعُ آثِمًا أَوْ كَفُورًا أَيْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَالتَّعْمِيمُ فِيهِمَا فَإِذَا جَاءَ النَّهْيُ وَرَدَ عَلَى مَا كَانَ ثَابِتًا فَالْمَعْنَى لَا تُطِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَسَمَّى التَّعْمِيمَ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ النَّهْيِ وَهِيَ عَلَى بَابِهَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِانْتِهَاءُ عَنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَنْتَهِيَ عَنْهُمَا بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ قَدْ يَنْتَهِي عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ.