الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.فائدة في التأكيد بمائة إلا واحدا: .القسم التاسع: وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التقرير: ولو أتى على وجهة لقال: (إذا الوحش ضمها). وإنما يسأل عن حكمته إذا وقع في الجملة الواحدة فإن كان في جملتين مستقلتين كالبيت سهل الأمر لكن الجملتين فيه كالجملة الواحدة لأن الرافع للوحش الأول فعل محذوف كما يقول البصريون والفعل المذكور ساد مسد الفعل المحذوف حتى كأنه هو ولهذا لا يجتمعان وإن قدر رفع الوحش بالابتداء فالكلام جملة واحدة. ويسهل عند اختلاف اللفظين كقوله: فاختلاف لفظين ظاهرين أشبها لفظي الظاهر والمضمر في اختلاف اللفظ وعليه قوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} ثم قال: {والذين يؤذون رسول الله} وَلَمْ يَقُلْ: يُؤْذُونَهُ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّعْظِيمِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «نَبِيُّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» وَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدير} الْآيَةَ فَإِنَّهُ قَدْ تَكَرَّرَ اسْمُ اللَّهِ ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يُضْمَرْ لِدَلَالَتِهِ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلِّ جُمْلَةٍ مِنْهَا وَأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ مُرْتَبِطَةً بِبَعْضِهَا ارْتِبَاطَ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِضْمَارٍ. وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان}. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الطَّاغُوتَ هُوَ الشَّيْطَانُ وَحَسُنَ ذَلِكَ هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى تَفْسِيرِهِ. وَقَالَ ابْنُ السَّيِّدِ: إِنْ كَانَ فِي جُمْلَتَيْنِ حَسُنَ الْإِظْهَارُ وَالْإِضْمَارُ لِأَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ تَقُومُ بِنَفْسِهَا كَقَوْلِكَ: جَاءَ زَيْدٌ وَزَيْدٌ رَجُلٌ فَاضِلٌ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: وَهُوَ رَجُلٌ فَاضِلٌ. وَقَوْلِهِ: {مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يجعل رسالته}. وَإِنْ كَانَ فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ قَبُحَ الْإِظْهَارُ وَلَمْ يَكَدْ يُوجَدُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ: قَالَ: وَإِذَا اقْتَرَنَ بِالِاسْمِ الثَّانِي حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّعَجُّبِ كَانَ الْمُنَاسِبُ الْإِظْهَارَ كَقَوْلِهِ: تَعَالَى: {الْحَاقَّةُ مَا الحاقة} و: {القارعة ما الْقَارِعَةِ} وَالْإِضْمَارُ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وما أدراك ما هيه}. .الخروج على خلاف الأصل وأسبابه: وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إنه لا يحب الظالمين}. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كان توابا}. وَلِلْخُرُوجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ أَسْبَابٌ: .أَحَدُهَا: قَصْدُ التَّعْظِيمِ: وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حزب الله هم المفلحون}. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بما تعملون}. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أشرك بربي أحدا} فَأَعَادَ ذِكْرَ الرَّبِّ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ ولهضم للخضم. وقوله تعالى: {الله أحد الله الصمد}. {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بالعباد}. {هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}. {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وما كان عطاء ربك محظورا}. {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سعيرا}. {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} وقوله تعالى: {الحاقة ما الحاقة} {القارعة ما الْقَارِعَةِ} كَانَ الْقِيَاسُ- لَوْلَا مَا أُرِيدَ بِهِ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ-: (الْحَاقَّةُ مَا هِيَ). وَمِثْلُهُ: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ما أصحاب المشأمة} تَفْخِيمًا لِمَا يَنَالُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ وأليم العقاب. .الثاني: قصد الإهانة والتحقير: وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حزب الشيطان}. وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كان للإنسان عدوا مبينا}. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وصد عن السبيل وما كيد فرعون}. وَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَسَمِعَ الْأَصْمَعِيُّ مَنْ يُنْشِدُ: فَقَالَ: لَوْ قُيِّضَ لِهَذَا الْبَيْتِ شَاةٌ لَأَتَتْ عَلَيْهِ. .الثَّالِثُ: الِاسْتِلْذَاذُ بِذِكْرِهِ: وَقَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حيث نشاء} وَلَمْ يَقُلْ: (مِنْهَا) وَلِهَذَا عَدَلَ عَنْ ذِكْرِ الْأَرْضِ إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَرْضِ الْجَنَّةَ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: وَقَوْلُهُ: .الرَّابِعُ: زِيَادَةُ التَّقْدِيرِ: وقوله: {الله الصمد} بعد قوله: {الله أحد} وَيَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ التَّقْدِيرِ سَبَبُ نُزُولِهَا وَهُوَ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي تدعوننا إليه فنزل: {الله أحد} مَعْنَاهُ: أَنَّ الَّذِي سَأَلْتُمُونِي وَصْفَهُ هُوَ اللَّهُ ثُمَّ لَمَّا أُرِيدَ تَقْدِيرُ كَوْنِهِ اللَّهَ أُعِيدَ بِلَفْظِ الظَّاهِرِ دُونَ ضَمِيرِهِ. وَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يشكرون}. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وما هو من عند الله}. {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هو من الكتاب}. .الْخَامِسُ: إِزَالَةُ اللَّبْسِ حَيْثُ يَكُونُ الضَّمِيرُ يُوهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ الْمُرَادِ: وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السوء عليهم دائرة السوء} كرر السوء. لأنه لو قال: (عليهم دائرته) لَالْتَبَسَ بِأَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الْوَزِيرُ الْمَغْرِبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَنَظِيرُهُ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا} وَتَبْيِينُهُ: الْأَوَّلُ النُّطْفَةُ أَوِ التُّرَابُ وَالثَّانِي الْوُجُودُ فِي الْجَنِينِ أَوِ الطِّفْلِ وَالثَّالِثُ الَّذِي بَعْدَ الشَّيْخُوخَةِ وَهُوَ أَرْذَلُ الْعُمُرِ وَالْقُوَّةُ الْأُولَى الَّتِي تَجْعَلُ لِلطِّفْلِ التَّحَرُّكَ وَالِاهْتِدَاءَ لِلثَّدْيِ وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ويؤيد الغيرية التنكير. ونحوه قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كان مشهودا} الْآيَةَ لَوْ قَالَ: (إِنَّهُ) لَأَوْهَمَ عَوْدَ الضَّمِيرِ إِلَى الْفَجْرِ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نفس تجادل عن نفسها} فَلَمْ يَقُلْ: (عَنْهَا) لِئَلَّا يَتَّحِدَ الضَّمِيرَانِ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا مَعَ أَنَّ الْمُظْهَرَ السَّابِقَ لَفْظُ النَّفْسِ فَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ ضَرَبَ زَيْدٌ نَفْسَهُ. وَكَقَوْلِهِ تعالى: {ثم استخرجها من وعاء أخيه} وَإِنَّمَا حَسُنَ إِظْهَارُ الْوِعَاءِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فَاسْتَخْرَجَهَا مِنْهُ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ ذَلِكَ لَأَوْهَمَ عَوْدَ الضَّمِيرِ عَلَى الْأَخِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْأَخَ مُبَاشِرٌ لَطَلَبِ خُرُوجِ الْوِعَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْمُبَاشِرِ مِنَ الْأَذَى الَّذِي تَأْبَاهُ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ فَأُعِيدَ لَفْظُ الظَّاهِرِ لِنَفْيِ هذا الله تبارك وتعالى الرب عز وجل وَإِنَّمَا لَمْ يُضْمَرِ الْأَخُ فَيُقَالُ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَائِهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ ضَمِيرَ الْفَاعِلِ فِي {اسْتَخْرَجَهَا} لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَوْ قَالَ مِنْ وِعَائِهِ لَتُوُهِّمَ أَنَّهُ يُوسُفُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مذكور فأظهر لذلك. والثاني أن لأخ مَذْكُورٌ مُضَافٌ إِلَيْهِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيمَا تَقَدَّمَ مَقْصُودًا بِالنِّسْبَةِ الْإِخْبَارِيَّةِ فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَى إِعَادَةِ مَا وَأُضِيفَ إِلَيْهِ أَظْهَرَهُ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى {يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال}. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ الله}.
|