فصل: تفسير الآيات (1- 4):

مساءً 4 :16
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير سورة لإيلاف قريش:

وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 4):

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
قريشٌ، ولدُ النَّضْرِ بن كنانةَ، والتَّقَرُّشُ: التَّكسُّبُ، والمعنى أن اللَّهَ تَعالى جَعَلَ قريشاً يألَفُونَ رِحْلَتَيْنِ في العامِ، واحدةً في الشتاءِ وأخْرَى في الصيفِ، قال ابن عباس: كانوا يَرْحلُونَ في الصيفِ إلى الطائفِ؛ حيثُ الماءُ والظلُّ ويرحلونَ في الشِّتاءِ إلَى مكةَ، قال الخليل: معنى الآيةِ؛ لأنْ فَعَلَ اللَّهُ بقريشٍ هَذا ومكنَهم من إلْفِهِم هذه النعمةَ فَلْيَعْبُدُوا ربَّ هَذَا البيتِ.
وقولُهُ تعالى: {مِّن جُوعٍ} معناه أنَّ أهْلَ مكةَ قَاطِنُون بوادٍ غَيْرِ ذي زرعٍ عُرْضَةٍ للجوعِ والجَدْبِ؛ لولا فضلُ اللَّه عليهم.

.تفسير سورة أرأيت الذي:

وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 7):

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}
قوله سبحانه: {أَرَءَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين} الآية، توقيفٌ وتنبيهٌ لِتَتَذكَّرَ نَفْسُ السامعِ كلَّ من تعرفُه بهذه الصفةِ، والدينُ: الجزاءُ.
ودعُّ اليتيِمِ: دَفْعُه بعُنْفٍ؛ إمَّا عن إطعامهِ والإحْسَانِ إليه، وإما عن حقِّه ومالِه، وهو أشد، ويُرْوَى أَن هذهِ الآيةَ نزلتْ في بعضِ المُضْطَرِبِينَ في الإسلام بمكةَ، لم يُحَقِّقُوا فيه، وفُتِنُوا فَافْتَتَنُوا، وربَّمَا كَانَ يصلى بعضُهم أحياناً مع المسلمينَ مدافعَةً وحَيْرَةً، فقال تعالى فيهم: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} الآية، ونقل الثعلبي عن ابن عباس وغيره؛ أنَّ الآيةَ نزلتْ في العاصِ بن وائلٍ، انتهى، وقال السهيليّ: قال أهل التفسير: نَزَلَ أولُ السورةِ بمكةَ في أبي جهلٍ، وهو الذي يكذِّبُ بالدينِ، ونزل آخرُها بالمدينةِ في عبد اللَّه بن أُبَيِّ بن سلولٍ وأصحابه، وهم الذين يُرَاؤُونَ ويَمْنَعُونَ الماعون، انتهى، قال سعد بن أبي وقاصٍ: سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن {الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ}، فَقَالَ: «همُ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقْتِها»، يريدُ واللَّه أعلم تَأْخِيرَ تَرْكٍ وإهْمَالٍ، وإلى هذَا نَحَا مجاهدٌ، وقَالَ عطاء بن يَسَارٍ: الحمدُ للَّهِ الَّذِي قَال: {عَن صلاتهم} وَلَمْ يَقُلْ: في صَلاَتِهِمْ.
وقوله تعالى: {الذين هُمْ يُرَاءُونَ} بيانُ أنَّ صلاةَ هؤلاءِ لَيْسَتْ للَّهِ تعالى بإيمانٍ، وإنَّمَا هي رياءٌ للبشر، فلاَ قَبُولَ لها.
وقوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الماعون} وصفٌ لهم بِقِلَّةِ النفعِ لعبادِ اللَّهِ، وتلكَ شَرُّ خِصْلَةٍ، وقال عليٌّ وابن عمر: {الماعون}: الزكاة، وقَالَ ابنُ مسعودٍ وابن عباس وجماعة: هُو مَا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ كَالفَأْسِ، والدَّلْوِ، والآنِيَةِ، والمقَصِّ؛ ونحوه، وسُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ فَقَالَ: المَاءُ وَالنَّارُ، والمِلْحُ»، ورَوَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وفي بَعْضِ الطُّرُقِ زيادَة الإبْرَةِ، والخَمِيرِ، قال البخاريُّ: المَاعُونُ: المعروفُ كلُّه، وقال بعضُ العربِ: الماعونُ: الماءُ، وقال عكرمةُ: أعلاه الزكاةُ المفروضةُ، وأدناه عَارِيَّة المَتَاعِ، انتهى.

.تفسير سورة إنا أعطيناك الكوثر:

وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
قال جماعة من الصحابة والتابعين: {الكوثر} نَهْرٌ في الجنةِ حافَّتَاه قِبَابٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ مجوَّفٍ، وطينُه مِسْكٌ وحَصْبَاؤه يَاقُوتٌ، ونحوُ هذا مِنْ صفاتِه، وإنِ اختلفتْ ألْفَاظُ رُوَاتِه، وقال ابن عباس: الكَوثَرُ: الخَيْرُ الكَثِيرُ قال ابن جُبَيْرٍ: النَّهْرُ الذي في الجنةِ هُو من الخيرِ الذي أعْطَاه اللَّهُ إياه * ت *: وخَرَّجَ مسلمٌ عَنْ أنسٍ قَال: بينَما رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يومٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؛ إذْ أغفى إغْفَاءَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّماً، فَقَالَ: «نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفاً سُورَةٌ، فَقَرَأَ: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} إلى آخِرِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الكَوْثَرُ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُو حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ» الحديثُ، انتهى، وخَرَّج ابنُ ماجه من حديثِ ثَوْبَانَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوَّلَ مَنْ يَرِدُ عَلى الحَوْضِ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ الدُّنْسُ ثِياباً الشُّعْثُ رُؤوساً، الَّذِينَ لاَ يَنْكِحُونَ المُتَنَعِّمَاتِ، وَلاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السُّدَدِ»، قال الراوي: فبكى عمرُ بن عبدِ العزيزِ حتى اخضل لِحْيَتُهُ، حِينَ بلغهُ الحديثُ، وقال: لاَ جَرَمَ، إنِّي لاَ أَغْسِلُ ثَوْبِي الَّذِي يَلِي جَسَدِي حتى يَتَّسِخَ، وَلاَ أَدْهِنُ رَأْسِي حتى يَشْعَثَ، وخَرَّجَه أبو عيسى الترمذيُّ عن ثَوْبَانَ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بمعناه، ونَقَلَ صاحبُ التذكرة عن أنس بن مالك قال: أَوَّلُ مَنْ يَرِدُ الحَوْضَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذَّابِلُونَ النَّاحِلُونَ السَّائِحُونَ الَّذِينَ إذَا أَجَنَّهُمُ اللَّيْلُ استقبلوه بِالحُزْنِ، انتهى من التذكرة، ورَوَى أبو داودَ في سننِه عن أبي حمزةَ عن زيد بن أرقم قال: كنا مع رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً، فَقَالَ: «مَا أَنْتُمْ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّنْ يُرِدُ عَلَي الحَوْضِ، قَال: قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ يَومَئِذٍ؟ قَالَ: سَبْعُمِائَةٍ، أَوْ ثَمَانِمِائَةٍ»، انتهى.
وقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر} أمْرٌ بالصلاةِ على العمومِ، والنَّحْرُ نَحْرُ الهَدْيِ، والنُّسُكِ، والضَّحَايَا عَلى قول الجمهور.
وقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر} ردٌّ على مقالةِ بَعْضِ سفهاءِ قريشٍ كأبي جهل وغيرِه، قال عكرمةُ وغيرُه: مَاتَ وَلَدٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أَبُو جَهْلٍ: بُتِرَ مُحَمَّدٌ، فنزلت السُّورةُ، وقال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر} أي: المَقْطُوعُ المَبْتُورُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، والشَّانئ المُبْغِضُ، قال الداووديُّ: كل شَانِئ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فهو أبْتَرُ، لَيْسَ له يَوْمَ القيامة شَفِيعٌ ولا حَمِيمٌ يطاعُ، انتهى.

.تفسير سورة قل يا أيها الكافرون:

وهي مكية إجماعا.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 6):

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
رُوِيَ في سَبَبِ نزولِ هذه السورةِ؛ عن ابن عباس وغيرِه أن جماعةً من صناديدِ قريشٍ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا أَنْتَ فيه ونَحْنُ نُمَوِّلُكَ، ونُمَلِّكُكَ عَلَيْنَا، وإن لم تفعلْ هذا فلتعبدْ آلهتَنا، ونَعْبُدُ إلهك، حتى نشتركَ؛ فَحَيْثُ كَانَ الخيرُ نِلْنَاه جميعاً، وَرُوِيَ: أنَّ هذه الجماعةَ المذكورةُ هم: الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، وأمية بن خلف، وأُبيُّ بن خلف، وأبو جهل، وأبناءُ الحجاج، ونظراؤهم ممن لم يُكْتَبْ له الإسلام، وحُتِّمَ بشقاوَتِه، فأخبرَهم صلى الله عليه وسلم عن أمْرِ اللَّه عز وجل أنه لا يعبدُ ما يعبدونَ وأنهم غيرُ عابدِي ما يَعْبُدُ، ولما كان قوله: {لاَ أَعْبُدُ} محتملاً أَن يُرَادَ بهِ الآنَ وَيَبْقَى المستأنَفُ منتظَراً، ما يكونُ فيه من عبادتهِ، جاء البيانُ بقوله: {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} أي: أبداً، ثمَّ جاء قوله: {وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ} الثاني حَتْماً عليهمْ أنَّهم لاَ يؤمِنُونَ به أبداً، كالَّذِي كَشَفَ الغيبَ، ثم زَادَ الأمْرَ بياناً وتَبَرِّياً منهم قولهُ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ} وقَالَ بعضُ العلماءِ: في هذِه الألْفَاظِ مُهَادَنَةٌ ما؛ وهِيَ مَنْسُوخَةٌ.

.تفسير سورة النصر:

وهي مدنية بإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}
رَوَتْ عائشةُ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَتَحَ مَكةَ وأسْلَمَتِ العَرَبُ، جَعَلَ يُكْثِرُ أنْ يقولَ: «سبحانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ اسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إلَيْكَ» يَتَأَوَّلُ القرآن في هذه السورةِ، وقال لها مرة: ما أراه إلا حضورَ أجَلي، وتَأَوَّلَه عمرُ والعباسُ بِحَضْرَةِ النبي صلى الله عليه وسلم فصدَّقَهُما، ونَزَع هذا المنزَعَ ابنُ عباسٍ وغيره، {والفتح} هُو فتحُ مكةَ؛ كَذَا فسَّره صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلمٍ، والأفْواجُ: الجَماعَةُ إثْرَ الجماعةِ، * ص *: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي مُتَلَبِّساً، فالباءُ للحالِ، انتهى.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا} بِعَقِبِ {واستغفره} تَرْجِيَةٌ عَظِيمَةٌ للمُسْتَغْفِرِينَ، قال ابن عمر: نَزَلَتْ هذهِ السورةُ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم بِمِنى في أوْسَطِ أيام التَّشْرِيق في حِجَّة الوَدَاعِ وعَاشَ بَعْدَها ثَمَانِينَ يَوْماً، أو نحوَها.

.تفسير سورة تبت يدا أبي لهب:

وهي مكية بإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 5):

{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
في صحيح البخاري وغيرِه عن ابن عباس: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 214] ورهطك منهم المخلصين «خَرَجَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهُ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فاجتمعوا إلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هذا الجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؛ قَالُوا: نَعَمْ؛ مَا جَرَّيْنَا عَلَيْكَ كَذِباً، قَالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبّاً لَكَ، مَا جَمَعْتَنَا إلاَّ لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ} إلى آخرها»، و{تَبَّتْ} معناه: خَسِرَتْ والتَّبابُ الخُسْرَانُ، والدَّمَارُ، وأسْنَدَ ذلك إلى اليدينِ من حيثُ إنَّ اليَدَ مَوضِعُ الكَسْبِ والرِّبْحِ، وضَمِّ مَا يُمْلَكُ، ثم أوْجَبَ عليه أنه قَدْ تَبَّ، أي: حُتِّمَ ذَلِكَ عَلَيْه، وفي قراءة ابن مسعود: {وقَدْ تَبَّ}، وأبو لَهَبٍ هو عَبْدُ العُزَّى بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وهو عمُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولكن سَبَقَتْ له الشقاوةُ، قال السهيليّ: كَنَّاهُ اللَّه بأبي لهبٍ لَمَّا خَلَقَهُ سبحانَه لِلَّهَبِ وإليه مصيرُه ألا تَرَاهُ تعالى، قال: {سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} فَكَانَتْ كُنْيَتُه بأبي لَهَبٍ تَقَدَّمَتْ لِمَا يصيرُ إليه من اللهبِ، انتهى.
وقوله سبحانه: {مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ} يحتملُ أن تَكُونَ ما نافيةً عَلَى معنى الخبرِ، ويحتملُ أنْ تكون ما استفهاميةً عَلَى وَجْهِ التقريرِ أي: أينَ الغَنَاءُ الذي لِمَالِه وَكَسْبهِ، {وَمَا كَسَبَ} يُرَادُ به عَرَضُ الدنيا، من عَقَارٍ، ونحوه، وقيل: كَسْبُه بَنُوه.
وقوله سبحانه: {سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} حَتْمٌ عَلَيْهِ بِالنارِ وإعْلاَمٌ بأنه يَتَوَفَّى على كفرِه، نعوذُ باللَّهِ من سوءِ القَضَاءِ ودَرْكِ الشقاءِ.
وقوله تعالى: {وامرأته حَمَّالَةَ الحطب} هي أمَّ جميلٍ أخْتُ أبي سفيانَ بن حرب، وكانت مؤْذِيةً للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنينَ بلسانِها وغايةِ قُدْرَتِها، وكانَتْ تَطْرَحُ الشّوْكَ في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه لِيَعْقِرَهم؛ فلذلكَ سُمِّيتْ حَمَّالَةَ الحَطَبِ؛ قاله ابن عباس، وقيل هو استعارةٌ لذنوبِها، قال عياض: وذكر عَبْدُ بن حُمَيْدٍ قال: كَانَتْ حمالَة الحطبِ تَضَعُ العِضَاهَ، وَهِي جَمْرٌ على طَرِيقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فكأنَّما يَطَؤُهَا كَثِيباً أَهْيَلَ، انتهى، * ص *: وقُرِئ شاذًّا: {وَمُرَيْئَتُهُ} بالتصغيرِ، والجيدُ هُو العُنُقُ، انتهى.
وقوله تعالى: {فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} قال ابنُ عباس وجماعة: الإشَارَةُ إلى الحبلِ حَقِيقَةٌ، الذي رَبَطَتْ به الشوكَ، والمَسَدُ: الليفُ، وقِيلَ ليفُ المُقْلِ، وفي صحيحِ البخاري: يُقَالُ مِنْ مسد لِيف المُقْلِ وهي السلسلةُ الَّتِي في النارِ، انتهى، ورُوِي في الحديثِ أنَّ هذهِ السورةَ لما نزلتْ وقُرِئَتْ؛ بَلَغَتْ أُمَّ جميلٍ فَجَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ جَالسٌ معَ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجدِ وَبِيَدِهَا فِهْرُ حَجَرٍ، فأخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا وقَالَتْ: يا أبا بكرٍ؛ بَلَغَنِي أنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي، وَلَوْ وَجَدْتُه لَضَرَبْتُه بِهَذَا الفِهْرِ، وإنّي لَشَاعِرَة وَقْد قلت فيه منهوك الرجز.
مُذَمَّماً قَلَيْنَا ** وَدِينَهُ أَبَيْنَا

فَسَكَتَ أبو بكرٍ، ومضتْ هي، فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ حَجَبَتْنِي عَنْهَا مَلاَئِكَةٌ فَمَا رَأَتْنِي وَكَفَانِيَ اللَّهُ شَرَّهَا.

.تفسير سورة الإخلاص:

قيل: مكية.
وقال ابن عباس: مدنية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 4):

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}
رُوِيَ أنَّ اليهودَ دَخَلُوا عَلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا مُحَمَّدُ؛ صِفْ لَنَا رَبَّك وانْسِبْه، فإنَّه وَصَفَ نَفْسَه في التوراةِ وَنَسَبها، فارْتَعَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قولِهِم حَتَّى خَرَّ مغشياً عليه، ونَزَلَ جبريلُ بهذهِ السورةِ.
و{أَحَدٌ} مَعناه: وَاحدٌ فَرْدٌ مِنْ جميعِ جِهَاتِ الوَحْدَانِيَّة، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ و{هُوَ} ابتداءٌ، و{الله} ابتداءٌ ثانٍ، و{أَحَدٌ} خَبَرُه والجملةُ خَبَرُ الأوَّلِ، وقيلَ هو ابتداءُ و{الله} خبرُه و{أَحَدٌ} بَدَلٌ منه، وَقَرَأَ عمر بن الخطابِ وغَيْرُهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ الواحِدُ الصَّمَدُ} و{الصمد} في كلامِ العربِ السيدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الأُمُورِ وَيَسْتَقِلُّ بها وأنْشَدُوا: [الطويل]
لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدِ ** بِعَمْرِو بْنِ مَسْعَودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ

وبهذا تَتَفَسَّرُ هذه الآيةُ لأَنَّ اللَّهَ تعالى جلت قدرته هُوَ مُوجِدُ المَوْجُودَاتِ وإليهِ تَصْمُدُ وبه قِوَامُها سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} رَدٌّ عَلى إشارَةِ الكفارِ في النَّسَبِ الذي سأَلُوه، وقال ابن عباس: تَفَكَّروا في كلّ شَيْءٍ ولا تتفكروا في ذاتِ اللَّه، قال * ع *: لأَنَّ الأفْهَامَ تَقِفُ دونَ ذلكَ حَسِيرَةً.
وقوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} معناه ليسَ له ضِدٌّ، وَلاَ نِدٌّ ولا شبيهٌ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11]، والكُفُؤُ النَّظِيرُ و{كفواً} خبر كان واسمها {أَحَدٌ}. قال * ص *: وحَسُنَ تأخيرُ اسمها لِوُقُوعِه فاصلةً، وله مُتَعَلِّقٌ ب {كفؤًا} أي: لَمْ يَكُنْ أحَدٌ كُفُؤاً لَهُ، وقُدَّمَ اهتماماً بِه لاِشْتِمالِهِ على ضميرِ البَارِي سبحَانه، انتهى، وفي الحديثِ الصحيحِ عنه صلى الله عليه وسلم «إنَّ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن»، قال * ع *: لِمَا فِيهَا مِنَ التوحيدِ، ورَوَى أبو محمدٍ الدارميّ في مسندهِ قال: حدثنا عبد اللَّه بن مزيد حدثنا حيوة قال: أخبرنا أبو عقيل، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَرَأَ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} إحْدَى عَشَرَةَ مَرَّةً بُنِيَ لهُ قصرٌ في الجنةِ، ومَنْ قَرَأَها عِشْرينَ مرةً، بُنِيَ له قَصْرَانِ في الجنةِ، ومَنْ قرأَها ثَلاثِينَ مرةً؛ بُنِيَ له ثلاثةُ قصورٍ في الجنة. فقال عمر بن الخطاب: إذَنْ تَكْثُرُ قصورُنَا يا رسولَ اللَّهِ؛ فقَال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أوْسَعُ من ذلك» أي: فَضْلُ اللَّهِ أوْسَعُ مِنْ ذَلك. قال الدارمي: أبو عقيل هو زهرة بن معبد، وزعموا أنه من الأبْدَالِ، انتهى من التذكرة.