الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ثم كرر الإنذار وذكر المنذر لخصوصه وحذف المنذر به، وهو البأس الشديد، لتقدّم ذكره فقال: {وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} وهم: اليهود والنصارى وبعض كفار قريش، القائلون بأن الملائكة بنات الله، فذكر سبحانه أوّلًا قضية كلية، وهي إنذار عموم الكفار، ثم عطف عليها قضية خاصة هي بعض جزئيات تلك الكلية، تنبيهًا على كونها أعظم جزئيات تلك الكلية. فأفاد ذلك أن نسبة الولد إلى الله سبحانه أقبح أنواع الكفر. {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي: بالولد، أو اتخاذ الله إياه، و{من} مزيدة لتأكيد النفي، والجملة في محل نصب على الحال أو هي مستأنفة، والمعنى: ما لهم بذلك علم أصلًا {وَلاَ لآبَائِهِمْ} علم، بل كانوا في زعمهم هذا على ضلالة، وقلدهم أبناؤهم فضلوا جميعًا {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} انتصاب {كلمة} على التمييز، وقرئ بالرفع على الفاعلية. قال الفراء: كبرت تلك الكلمة كلمة. وقال الزجاج: كبرت مقالتهم كلمة، والمراد بهذه الكلمة هي: قولهم اتخذ الله ولدًا. ثم وصف الكلمة بقوله: {تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} وفائدة هذا الوصف استعظام اجترائهم على التفوّه بها، والخارج من الفم وإن كان هو مجرد الهوى، لكن لما كانت الحروف والأصوات كيفيات قائمة بالهوى أسند إلى الحال ما هو من شأن المحل. ثم زاد في تقبيح ما وقع منهم فقال: {إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} أي: ما يقولون إلا كذبًا لا مجال للصدق فيه بحال. ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ على ءاثارهم} قال الأخفش والفراء: البخع: الجهد. وقال الكسائي: بخعت الأرض بالزراعة: إذا جعلتها ضعيفة بسبب متابعة الحراثة، وبخع الرجل نفسه إذا نهكها. وقال أبو عبيدة: معناه: مهلك نفسك، ومنه قول ذي الرمة: فيكون المعنى على هذه الأقوال: لعلك مجهد نفسك أو مضعفها أو مهلكها {على ءاثارهم} على فراقهم ومن بعد توليهم وإعراضهم {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث} أي: القرآن وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله. وقرئ بفتح {أن}. أي: لأن لم يؤمنوا {أَسَفًا} أي: غيظًا وحزنًا وهو مفعول له أو مصدر في موضع الحال، كذا قال الزجاج. {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا} هذه الجملة استئناف. والمعنى: إنا جعلنا ما على الأرض مما يصلح أن يكون زينة لها من الحيوانات والنبات والجماد، كقوله سبحانه: {هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض جَمِيعًا} [البقرة: 29]، وانتصاب {زينة} على أنها مفعول ثانٍ لـ: {جعل}، واللام في {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا} متعلقة ب {جعلنا}، وهي إما للغرض أو للعاقبة، والمراد بالابتلاء: أنه سبحانه يعاملهم معاملة لو كانت تلك المعاملة من غيره لكانت من قبيل الابتلاء والامتحان. وقال الزجاج: {أيهم} رفع بالابتداء إلا أن لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى: لنمتحن أهذا أحسن عملًا أم ذاك؟ قال الحسن: أيهم أزهد، وقال مقاتل: أيهم أصلح فيما أوتي من المال. ثم أعلم سبحانه أنه مبيد لذلك كله ومفنيه فقال: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} أي: لجاعلون ما عليها من هذه الزينة عند تناهي عمر الدنيا {صعيدًا}: ترابًا. قال أبو عبيدة: الصعيد: المستوي من الأرض. وقال الزجاج: هو الطريق الذي لا نبات فيه. قال الفراء: الجرز: الأرض التي لا نبات فيها، ومن قولهم: امرأة جرزًا: إذا كانت أكولًا. وسيفًا جرازًا: إذا كان مستأصلًا، وجرز الجراد والشاة والإبل: الأرض إذا أكلت ما عليها. قال ذو الرمة: ومعنى النظم: لا تحزن يا محمد مما وقع من هؤلاء من التكذيب، فإنا قد جعلنا ما على الأرض زينة لاختبار أعمالهم، وإنا لمذهبون ذلك عند انقضاء عمر الدنيا فمجازوهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} الآية قال: أنزل الكتاب عدلًا قيمًا {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} ملتبسًا. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {قَيِّمًا} قال: مستقيمًا. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {مِن لَّدُنْهُ} أي: من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي {حَسَنًا} يعني: الجنة {وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} قال: هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبوجهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزنًا شديدًا، فأنزل الله سبحانه: {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه {باخع نَّفْسَكَ} يقول: قاتل نفسك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {أَسَفًا} قال: جزعًا. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {أَسَفًا} قال: حزنًا. وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا} قال: الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال: العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: هم الرجال العباد العمال لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ، وابن مردويه عن ابن عمر قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا} فقلت: ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: «ليبلوكم أيكم أحسن عقلًا وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله» وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: ليختبرهم {أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا} قال: أيهم أتمّ عقلًا. وأخرج عن الحسن {أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا} قال: أشدهم للدنيا تركًا، وأخرج أيضًا عن الثوري قال: أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} قال: يهلك كل شيء ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: الصعيد: التراب والجبال التي ليس فيها زرع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: يعني بالجرز: الخراب. اهـ. .التفسير المأثور: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)}. أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي، عن ابن عباس في قوله: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا قيمًا} قال: أنزل الكتاب عدلًا قيمًا ولم يجعل له عوجًا ملتبسًا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا} قال: هذا من التقديم والتأخير، أنزل على عبده الكتاب قيمًا ولم يجعل له عوجًا. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله: {قيمًا} قال: مستقيمًا. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لينذر بأسًا شديدًا} قال: عذابًا شديدًا. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {من لدنه} أي من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنًا} يعني، الجنة. وفي قوله: {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدًا} قال: هم اليهود والنصارى. {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}. أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأبو البختري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزنًا شديدًا... فأنزل الله {فلعلك باخع نفسك} الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {فلعلك باخع نفسك} قال: قاتل نفسك. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فلعلك باخع نفسك} قال: قاتل نفسك. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فلعلك باخع نفسك} قال: قاتل نفسك {إن لم يؤمنوا بهذا الحديث} قال: القرآن: {أسفًا} قال: حزنًا إن لم يؤمنوا. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {أسفًا} قال: جزعا. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا} قال: حزنًا عليهم، نهى الله نبيه أن يأسف على الناس في ذنوبهم. وأخرج ابن الأنباري في الوقف، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {فلعلك باخع نفسك} ما الباخع؟ فقال: يقول: قاتل نفسك. قال فيه لبيد بن ربيعة: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)} أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} قال: ما عليها من شيء. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} قال: الرجال. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} قال: الرجال. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة، عن ابن عباس في قوله: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} قال: العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} قال: هم الرجال العباد العمال لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في التاريخ، عن ابن عمر قال: تلا رسول الله صلى الله علية وسلم هذه الآية {لنبلوهم أيهم أحسن عملًا} فقلت: ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: «ليبلوكم أيكم أحسن عقلًا وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله». وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {لنبلوهم} قال: لنختبرهم {أيهم أحسن عملًا} قال: أيهم أتم عقلًا. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {لنبلوهم أيهم أحسن عملًا} قال: أشدهم للدنيا تركا. وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله: {لنبلوهم أيهم أحسن عملًا} قال: أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وإنا لجاعلون ما عليها صعيدًا جرزًا} قال: يهلك كل شيء عليها ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {صعيدًا جرزًا} قال: الصعيد، التراب. والجزر، التي ليس فيها فروع. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {جرزًا} قال: يعني بالجرز، الخراب. والله أعلم. اهـ. .فوائد لغوية وإعرابية: قوله: {مَّا لَهُمْ بِهِ}: أي: بالولدِ، أو باتخاذه، أو بالقولِ المدلولِ عليه ب {اتَّخذ} وب {قالوا}، أو بالله. وهذه الجملةُ المنفيةُ فيها ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنها مستأنفةٌ سِيقَتْ للإِخبارِ بذلك. والثاني: أنها صفةٌ للولدِ، قال المهدويُّ. وردَّه ابنُ عطيةَ: بأنه لا يَصِفُه بذلك إلا القائلون، وهم لم يَقْصِدوا وَصْفَه بذلك. الثالث: أنها حالٌ مِنْ فاعلِ {قالوا}، أي: قالوه جاهلين. و{مِنْ عِلْمٍ} يجوز أَنْ يكونَ فاعلًا، وأن يكون مبتدأ. والجارُّ هو الرافع، أو الخبر. و{مِنْ} مزيدةٌ على كِلا القولين.
|