فصل: (الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ):

صباحاً 2 :33
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
22
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(الْبَابُ السَّادِسُ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ):

وَلَوْ رَدَّ الْعَارِيَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِ مُشَاهَرَةٍ أَوْ مُسَانَهَةٍ لَا مُيَاوَمَةٍ أَوْ مَعَ عَبْدِ الْمُعِيرِ أَوْ أَجِيرٍ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
وَإِنْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَإِنْ رَدَّهَا إلَى عَبْدِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَتَعَاهَدُهَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَأَرَادَ بِهِ ضَمَانَ الرَّدِّ لَا ضَمَانَ الْعَيْنِ، وَلَوْ هَلَكَتْ الدَّابَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْعَبْدِ لَا يَضْمَنُ ضَمَانَ الْعَيْنِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَمْ يَفْصِلْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ بَيْنَ عَبْدِهِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّابَّةِ وَاَلَّذِي لَا يَقُومُ عَلَيْهَا وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهَا، وَقَالَ: بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا رَدَّ إلَى عَبْدِهِ الَّذِي لَا يَقُومُ عَلَيْهَا وَجَبَ أَنْ لَا يَبْرَأَ عَنْ الضَّمَانِ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَقُومُ عَلَى الدَّابَّةِ قَدْ يَأْخُذُهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
فَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ غُلَامِهِ فَعَقَرَهَا الْغُلَامُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهَا يُبَاعُ فِي ذَلِكَ أَوْ يُؤَدِّي عَنْهُ مَوْلَاهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ رَدَّهَا إلَى مَنْزِلِ الْمُعِيرِ أَوْ مَرْبِطِهِ فَضَاعَتْ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا، قِيلَ: هَذَا فِي عَادَتِهِمْ وَعَلَى هَذَا الْبَرَاءَةُ عَنْ ضَمَانِ الرَّدِّ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَرْبِطُ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ هُنَاكَ بِلَا حَافِظٍ، وَلَوْ رَدَّهَا إلَى أَرْضِهِ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ لَا يَحْفَظُهَا بِأَرْضِهِ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
وَلَوْ كَانَتْ عِقْدَ جَوْهَرٍ أَوْ شَيْئًا نَفِيسًا فَرَدَّهُ إلَى عَبْدِ الْمُعِيرِ أَوْ أَجِيرِهِ يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَفِي الْيَتِيمَةِ سُئِلَ وَالِدِي عَمَّنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا ثُمَّ جَاءَ بِهِ إلَى بَيْتِ الْمُعِيرِ، فَقَالَ لِلْمُسْتَعِيرِ: ضَعْهُ فِي هَذَا الْجَانِبِ فَوَقَعَ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْهُ، فَقَالَ: لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ رَدَّ الثَّوْبَ الْمُسْتَعَارِ فَلَمْ يَجِدْ الْمُعِيرُ وَلَا مَنْ فِي عِيَالِهِ فَأَمْسَكَهُ اللَّيْلَ وَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ وَجَدَ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ السَّابِعُ فِي اسْتِرْدَادِ الْعَارِيَّةِ وَمَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا):

وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا أَطْلَقَ أَوْ وَقَّتَ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَلَوْ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ اسْتِحْسَانًا وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
فَإِذَا اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ، ذُكِرَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَأْخُذُ الْأَرْضَ مَعَ الْأَجْرِ وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ إنَّمَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إذَا أَجَّرَ الْأَرْضَ مِنْهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَوْ الْقَاضِي، فَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ، فَإِنْ أَبَى الْمُزَارِعُ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ فِي يَدِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَكَرِهَ قَلْعَ الزَّرْعِ أَيْضًا وَأَرَادَ أَنْ يَضْمَنَ رَبُّ الْأَرْضِ قِيمَةَ الزَّرْعِ، وَقَالَ: زَرْعِي مُتَّصِلٌ بِأَرْضِكَ فَأَشْبَهَ الصِّبْغَ الْمُتَّصِلَ بِثَوْبِكَ فَلِي أَنْ أُضَمِّنَكَ قِيمَتَهُ، لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى فِي مَوْضِعٍ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرْضَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَتْرُكَ الزَّرْعَ فِي أَرْضِهِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ وَذَلِكَ مِنْهُ وَفَاءٌ بِالشَّرْطِ الَّذِي شُرِطَ فِي عَقْدِ الْعَارِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَيْسَ لِلْمُزَارِعِ أَنْ يُضَمِّنَ رَبَّ الْأَرْضِ قِيمَةَ الزَّرْعِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ بَذْرَهُ وَنَفَقَتَهُ وَيَأْخُذَ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ مِنْهُ وَرَضِيَ الْمُسْتَعِيرُ بِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِ الزَّرْعِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَجُوزُ هُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ.
إذَا اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ فِيهَا ثُمَّ بَدَا لِلْمَالِكِ أَنْ يُخْرِجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَوْ مُوَقَّتَةً غَيْرَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَهُ أَنْ يُجْبِرَ الْمُسْتَعِيرَ عَلَى قَلْعِ الْغَرْسِ وَنَقْضِ الْبِنَاءِ، وَإِذَا قَلَعَ وَنَقَضَ لَا يَضْمَنُ الْمُعِيرُ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ تَنْقُصُ بِذَلِكَ إنْ رَضِيَ الْمُعِيرُ بِالنَّقْصِ قَلَعَهُمَا، وَإِنْ طَلَبَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُعِيرُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَيُكَلِّفُهُ الْقَلْعَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْأَرْضَ نَاقِصَةً ضَمِنَ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا غَيْرَ ثَابِتٍ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُسْتَعِيرِ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
وَإِنْ كَانَتْ مُوَقَّتَةً فَأَخْرَجَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى النَّقْضِ وَالْقَلْعِ، وَالْمُسْتَعِيرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ صَاحِبَ الْأَرْضِ قِيمَةَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ قَائِمًا مَبْنِيًّا وَتَرَكَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَمْلِكُ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ خِيَارُ النَّقْضِ وَالْقَلْعِ لِلْمُسْتَعِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ النَّقْضُ وَالْقَلْعُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِهَا فَالْخِيَارُ لِلْمَالِكِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ إنْ شَاءَ انْتَظَرَ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيُجْبِرُهُ عَلَى الْقَلْعِ أَوْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ كَمَا هُوَ مَبْنِيٌّ وَقِيمَةَ الْغَرْسِ ثَابِتًا فَيَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
هَذَا إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ إخْرَاجَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَإِنْ مَضَى فَصَاحِبُ الْأَرْضِ يَقْلَعُ عَلَيْهِ الْأَشْجَارَ وَالْبِنَاءَ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَضُرَّ الْقَلْعُ بِالْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ صَاحِبُ الْأَرْضِ يَمْتَلِكُ الْبِنَاءَ وَالْأَغْرَاسَ بِالضَّمَانِ وَيُعْتَبَرُ فِي الضَّمَانِ قِيمَتُهُ مَقْلُوعًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا أَعَارَ مِنْ آخَرَ أَرْضًا وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا بِنَاءً فَفَعَلَ ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّ الْأَرْضَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَنَقَضَ بِنَاءَ الْمُسْتَعِيرِ فَلَيْسَ عَلَى الْمُعِيرِ قِيمَةُ الْبِنَاءِ لِلْمُسْتَعِيرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُوَقَّتَةً أَوْ مُطْلَقَةً، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شُرُوطِهِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُوَقَّتَةً فَاسْتَحَقَّ الْأَرْضَ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يَضْمَنُ الْمُعِيرُ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ فَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ سَوَّيَا فِي الْعَارِيَّةِ الْمُوَقَّتَةِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ نَقْضُ الْبِنَاءِ مِنْ الْمُعِيرِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ نَقْضُ الْبِنَاءِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَأَوْجَبَ الْقِيمَةَ عَلَى الْمُعِيرِ إذَا كَانَ النَّقْضُ مِنْهُ وَلَمْ يُوجِبْ الْقِيمَةَ عَلَى الْمُعِيرِ إذَا كَانَ النَّقْضُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
فِي النَّوَازِلِ: اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ دَارًا وَبَنَى فِيهَا حَائِطًا بِالتُّرَابِ، وَيُقَالُ بِالْفَارِسِيَّةِ (باخسه) وَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَكَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الدَّارِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَسْتَرِدُّ الدَّارَ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْحَائِطَ؟ إنْ كَانَ قَدْ بَنَاهُ مِنْ تُرَابِ صَاحِبِ الدَّارِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: ابْنِ فِي أَرْضِي هَذِهِ لِنَفْسِكَ عَلَى أَنْ أَتْرُكَهَا فِي يَدِكَ أَبَدًا، أَوْ قَالَ: إلَى وَقْتِ كَذَا، فَإِنْ لَمْ أَتْرُكْهَا فَأَنَا ضَامِنٌ لَكَ مَا تُنْفِقُ فِي بِنَائِكَ وَيَكُونُ الْبِنَاءُ لِي، فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْأَرْضِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
اسْتَعَارَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ وَيَسْكُنَ، وَإِذَا خَرَجَ فَالْبِنَاءُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِهَا مِقْدَارُ السُّكْنَى وَالْبِنَاءُ لِلْمُسْتَعِيرِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا طَلَبَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ فَمَنَعَهَا الْمُسْتَعِيرُ عَنْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا وَلَكِنْ قَالَ لِصَاحِبِهَا: دَعْهَا عِنْدِي إلَى غَدٍ ثُمَّ أَرُدُّهَا عَلَيْكَ فَرَضِيَ بِذَلِكَ ثُمَّ ضَاعَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
طَلَبَهَا فَقَالَ: نَعَمْ أَدْفَعُ وَمَضَى شَهْرٌ حَتَّى هَلَكَتْ إنْ كَانَ عَاجِزًا وَقْتَ الطَّلَبِ عَنْ الرَّدِّ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا: إنْ صَرَّحَ الْمُعِيرُ بِالْكَرَاهَةِ وَالسَّخَطِ فِي الْإِمْسَاكِ وَأَمْسَكَ يَضْمَنُ، وَكَذَا إنْ سَكَتَ، وَإِنْ صَرَّحَ بِالرِّضَا، قَالَ: لَا بَأْسَ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ، وَهُوَ لَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى ضَاعَتْ: إنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ وَمَضَى الْوَقْتُ وَلَمْ يَرُدَّهَا ضَمِنَ.
اسْتَعَارَ كِتَابًا فَضَاعَ فَجَاءَ مَالِكُهُ فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالضَّيَاعِ وَوَعَدَهُ بِالرَّدِّ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِالضَّيَاعِ إنْ لَمْ يَكُنْ آيِسًا مِنْ وُجُودِهِ لَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ آيِسًا مِنْ وُجُودِهِ يَضْمَنُ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: هَذَا التَّفْصِيلُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَعَدَهُ الرَّدَّ ثُمَّ ادَّعَى الضَّيَاعَ يَضْمَنُ لِلتَّنَاقُضِ إذَا كَانَ دَعْوَى الضَّيَاعِ قَبْلَ الْوَعْدِ وَبِهِ يُفْتَى، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ أَمَةً لِتُرْضِعَ ابْنًا لَهُ فَلَمَّا صَارَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ إلَّا مِنْهَا، قَالَ لَهُ الْمُعِيرُ: اُرْدُدْ عَلَيَّ أَمَتِي، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ أَمَتِهِ إلَى أَنْ يُفْطَمَ الصَّبِيُّ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَإِذَا اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ زِقَاقًا وَجَعَلَ فِيهَا زَيْتًا فَأَخَذَهُ فِي الصَّحْرَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الزِّقَاقَ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهَا إلَى مَوْضِعٍ يَجِدُ فِيهِ زِقَاقًا فَيُحَوِّلُ زَيْتَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ فَأَعَارَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ أَخْذَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَقِيَهُ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكِرَاءِ وَالشِّرَاءِ كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَجْرُ مِثْلِ الْفَرَسِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي طَلَبَ صَاحِبُهُ إلَى أَدْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِدُ فِيهِ الرُّكُوبَ بِكِرَاءٍ أَوْ شِرَاءِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الثَّامِنُ فِي الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ):

قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَصْلِ: اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى حَمَّامِ أَعْيَنَ فَجَاوَزَ بِهَا حَمَّامَ أَعْيَنَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَمَّامِ أَعْيَنَ أَوْ إلَى الْكُوفَةِ وَالدَّابَّةُ عَلَى حَالِهَا ثُمَّ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ، فَقَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ: قَدْ خَالَفْتَ وَلَمْ تَرُدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنْتُ لَكَ، فَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: قَدْ خَالَفْتُ فِيهِمَا ثُمَّ رَجَعْتُ بِهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنْتَ لِي، فَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ وَالْمُسْتَعِيرُ ضَامِنٌ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّهَا إلَى الْكُوفَةِ أَوْ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهَا إلَيْهِ ثُمَّ نَفَقَتْ بَعْدَمَا رَدَّهَا، قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ لَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَى صَاحِبِهَا، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ اسْتَعَارَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ ذَاهِبًا لَا جَائِيًا وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ كَانَ ضَامِنًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ ذَاهِبًا وَجَائِيًا فَإِنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ، وَالْعَقْدُ قَائِمٌ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَإِنْ أَقَامَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا عَطِبَتْ تَحْتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَجَاوَزَ وَتَعَدَّى فِيهِ وَأَقَامَ الْمُسْتَعِيرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّهَا إلَى يَدِ صَاحِبِهَا أُخِذَ بِبَيِّنَةِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
إذَا نَفَقَتْ الدَّابَّةُ تَحْتَ الْمُسْتَعِيرِ ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَابَّتُهُ يَقْضِي الْقَاضِي لَهُ بِالْمِلْكِ، وَلَا يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ وَلَمْ يَهَبْ، فَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَهُ، أَوْ قَالَ: أَذِنَ لِي فِي عَارِيَّتِهَا يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ كَانَ نُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ فَلَا يُضَمِّنُ الْمُسْتَحِقُّ أَحَدًا، وَإِنْ حَلَفَ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُعِيرَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُعِيرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِفِعْلٍ بَاشَرَهُ لِنَفْسِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
إذَا قَالَ: أَعَرْتَنِي دَابَّتَكَ وَهَلَكَتْ، وَقَالَ الْمَالِكُ: غَصَبْتَهَا مِنِّي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ رَكِبَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتَنِي، وَقَالَ الْمَالِكُ: أَجَرْتُكَهَا وَقَدْ رَكِبَهَا وَهَلَكَتْ مِنْ رُكُوبِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي الْأَيَّامِ أَوْ فِي الْمَكَانِ أَوْ فِيمَا يُحْمَلُ عَلَى الْعَارِيَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُسْتَعِيرُ وَادَّعَى أَنَّ الْمُعِيرَ أَذِنَ لَهُ وَجَحَدَ الْمُعِيرُ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ إلَّا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْإِذْنِ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَإِذَا قَالَ الْمُسْتَعِيرُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ: قَدْ هَلَكَتْ مِنِّي الْعَارِيَّةُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَعَرْتَنِي هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ الْأَرْضَ لِأَبْنِيَهَا أَوْ أَغْرِسَ فِيهَا مَا بَدَا مِنْ النَّخْلِ أَوْ الشَّجَرِ فَغَرَسْتُهَا هَذَا النَّخِيلَ وَبَنَيْتُهَا هَذَا الْبِنَاءَ، وَقَالَ الْمُعِيرُ: أَعَرْتُكَ الدَّارَ وَالْأَرْضَ وَفِيهَا هَذَا الْبِنَاءُ وَالْأَغْرَاسُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعِيرِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُعِيرِ أَيْضًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْمُسْتَعِيرِ، فَقَالَ: إنِّي اسْتَعَرْتُ الدَّابَّةَ الَّتِي عِنْدَكَ مِنْ فُلَانٍ مَالِكِهَا وَأَمَرَنِي أَنْ أَقْبِضَهَا مِنْكَ فَصَدَّقَهُ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُعِيرُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَالْمُسْتَعِيرُ ضَامِنٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْ وَلَمْ يُكَذِّبْ أَوْ صَدَّقَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي جَاءَ بِقَبْضِ الْعَارِيَّةِ مِنْهُ خَادِمُ الْمُعِيرِ وَأَنْكَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
رَجُلَانِ يَسْكُنَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ كُلُّ وَاحِدٍ فِي زَاوِيَةٍ فَاسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا فَطَلَبَ الْمُعِيرُ بِالرَّدِّ، فَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: وَضَعْتُهُ فِي الطَّاقِ الَّذِي فِي زَاوِيَتِكَ وَأَنْكَرَ الْمُعِيرُ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ فِي أَيْدِيهِمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ):

وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ وَالْمُسْتَأْجَرِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَالْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ وَالْمَرْهُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، كَذَا فِي الْكَافِي.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ: نَفَقَةُ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ حَاكِيًا عَنْ أُسْتَاذِهِ: إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا لُزُومَ فِي الْعَارِيَّةِ وَلَكِنْ يُقَالُ لِلْمُسْتَعِيرِ: أَنْتَ أَحَقُّ بِالْمَنَافِعِ فَإِنْ شِئْتَ فَأَنْفِقْ لِيَحْصُلَ لَكَ الْمَنْفَعَةُ وَإِنْ شِئْتُ فَخَلِّ يَدَكَ عَنْهُ، أَمَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فَلَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
عَلَفُ الدَّابَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ كَذَلِكَ، أَمَّا كِسْوَتُهُ فَعَلَى الْمُعِيرِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى.
قَالَ لِآخَرَ: خُذْ عَبْدِي وَاسْتَعْمِلْهُ وَاسْتَخْدِمْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَنَفَقَةُ هَذَا الْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَصَحَّ التَّكْفِيلُ بِرَدِّ الْعَارِيَّةِ وَالْمَغْصُوبِ، وَلَوْ تَوَكَّلَ بِالرَّدِّ لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَى النَّقْلِ إلَى مَنْزِلِهِ بَلْ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ حَيْثُ يَجِدُهُ، كَذَا فِي الْكَافِي.
رَجُلٌ دَخَلَ كَرْمَ صَدِيقٍ لَهُ وَتَنَاوَلَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِ: إنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْكَرْمِ لَوْ عَلِمَ لَا يُبَالِي بِهَذَا أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
إذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ الْمُسْتَعِيرُ: إنَّكَ أَطْعَمْتَنِي أَرْضَكَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا: يَكْتُبُ: إنَّكَ أَعَرْتَنِي، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي الثَّوْبِ وَالدَّارِ يَكْتُبُ: قَدْ أَعَرْتَنِي إجْمَاعًا وَلَا يَكْتُبُ أَلْبَسْتَنِي وَأَسْكَنْتَنِي، هَكَذَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَرْضٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَذِنَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِلْبَاقِينَ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ قُصُورًا فَبَنَوْا ثُمَّ أَرَادَ الْآذِنُ أَنْ يَهْدِمَ بِنَاءَ قَصْرٍ مِنْهَا كَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِرَفْعِ قُصُورِهِمْ، إذْ الْعَارِيَّةُ لَا تَكُونُ لَازِمَةً، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْأَبَ يُعِيرُ وَلَدَهُ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُعِيرَ مَالَ وَلَدِهِ؟ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَهُ ذَلِكَ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ إذَا أَعَارَ مَالَهُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي شَرْحِ بُيُوعِ الطَّحَاوِيِّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعِيرَ مَالَ الْيَتِيمِ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
اسْتَعَارَ الْوَصِيُّ دَابَّةً لِعَمَلِ الصَّبِيِّ وَلَمْ يَرُدَّهَا بِاللَّيْلِ حَتَّى هَلَكَتْ فَالضَّمَانُ عَلَى الصَّبِيِّ دُونَ الْوَصِيِّ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِنَّهَا عَجِيبَةٌ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
سُئِلَ بُرْهَانُ الدِّينِ (طشت عَارَيْت خواست تاطشت را آب دارد باجامه شويد مُقَيَّد شويد بهمين آب داشتن وبهمين جامه شستن يالى)، قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّتَ وَبِهِ أَفْتَى الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ، وَمَعْنَاهُ (يكيار) وَفَتْوَى الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ بِخِلَافِهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
إعَارَةُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ تَصِحُّ كَيْفَمَا كَانَ فِي الَّتِي تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا تَحْتَمِلُهَا مِنْ شَرِيكٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا إعَارَةُ الشَّيْءِ مِنْ اثْنَيْنِ أُجْمِلَ أَوْ فُصِّلَ بِالتَّنْصِيفِ أَوْ بِالْأَثْلَاثِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
مَاتَ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ تُرَدُّ الْعَارِيَّةُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
اسْتَعَارَ سَهْمًا إنْ اسْتَعَارَ لِيَغْزُوَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ اسْتَعَارَ لِرَمْيِ الْهَدَفِ صَحَّ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
أَرَادَ أَنْ يَسْتَمِدَّ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ إنْ اسْتَأْذَنَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْهَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا انْبِسَاطٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُحِبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاتَمًا، وَقَالَ لِلْمُرْتَهِنِ: تَخَتَّمْ فَتَخَتَّمَ فَهَلَكَ الْخَاتَمُ لَا يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ وَيَكُونُ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَارِيَّةً، وَلَوْ تَخَتَّمَ ثُمَّ أَخْرَجَ الْخَاتَمَ مِنْ أُصْبُعِهِ ثُمَّ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ رَهْنًا، قَالُوا: هَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَتَخَتَّمَ فِي خِنْصَرِهِ، فَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَخَتَّمَ بِهِ فِي السَّبَّابَةِ فَهَلَكَ حَالَةَ التَّخَتُّمِ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَخَتَّمَ بِهِ فِي الْخِنْصَرِ وَيَجْعَلَ الْفَصَّ مِنْ جَانِبِ الْكَفِّ فَجَعَلَ الْفَصَّ مِنْ الْخَارِجِ عَلَى ظَهْرِ الْأُصْبُعِ كَانَ إعَارَةً، وَهُوَ وَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَخَتَّمَ بِهِ فِي الْخِنْصَرِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَجْعَلَ الْفَصَّ فِي جَانِبِ الْكَفِّ سَوَاءٌ، وَيَكُونُ إعَارَةً، هُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي رَهْنِ الْأَصْلِ لَوْ رَهَنَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ ثُمَّ اسْتَعَارَ الرَّاهِنُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَهَلَكَ يَهْلِكُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانُهُ غُصِبَ فَعَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ حِينَ غُصِبَ ثَانِيًا، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
اسْتِعَارَةُ الشَّيْءِ لِلرَّهْنِ مِنْ غَيْرِهِ جَائِزَةٌ وَإِنَّهُ مَعْرُوفٌ وَالِاسْتِعَارَةُ لِيُؤَاجِرَ غَيْرَهُ جَائِزَةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الْفَتَاوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ اسْتَقْرَضَ مِنْ آخَرَ حِنْطَةً عَفِنَةً وَاسْتَهْلَكَهَا الْمُسْتَقْرِضُ ثُمَّ قَضَاهُ جَيِّدًا، قَالَ: إنْ قَالَ الْمُقْرِضُ كَانَتْ حِنْطَتِي جَيِّدَةً، فَصَدَّقَهُ الْمُسْتَقْرِضُ وَرَدَّ عَلَيْهِ جَيِّدًا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهَا كَانَتْ عَفِنَةً فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا قَضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَكِنْ قَضَاهُ جَيِّدًا جَازَ، وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ دَيْنٌ فَاشْتَرَى مِنْهُ أَيْضًا قَفِيزَ حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ غِرَارَتَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا كِلَا الْقَفِيزَيْنِ فَفَعَلَ فَهَلَكَتْ الْغِرَارَةُ بِمَا فِيهَا: إنْ صَبَّ فِيهَا الْمُسْتَقْرِضُ الْحِنْطَةَ الْمَبِيعَةَ أَوَّلًا ثُمَّ الْقَرْضِيَّةَ فَالْهَلَاكُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ صَبَّ الْحِنْطَةَ الْقَرْضِيَّةَ أَوَّلًا فَهِيَ عَلَى مِلْكِ الْمَأْمُورِ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
رَجُلٌ وَضَعَ الْجُذُوعَ عَلَى حَائِطِ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ أَوْ حَفَرَ سِرْدَابًا تَحْتَ دَارِهِ بِإِذْنِهِ ثُمَّ بَاعَ صَاحِبُ الدَّارِ دَارِهِ ثُمَّ طَلَبَ الْمُشْتَرِي رَفْعَ الْجُذُوعِ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا السِّرْدَابُ إلَّا إذَا شَرَطَ الْبَائِعُ فِي الْبَيْعِ بَقَاءَ الْجُذُوعِ وَالسِّرْدَابِ تَحْتَ الدَّارِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِرَفْعِ ذَلِكَ، وَالْوَارِثُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ وَالسِّرْدَابِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ مَسَائِلِ الْحِيطَان.
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ اسْتَقْرَضَ مِنْ آخَرَ غَطَارِفَةً بِبُخَارَى فَالْتَقَيَا فِي بَلْدَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا فِيهَا، قَالَ: يُؤَجِّلُهُ قَدْرَ الْمَسَافَةِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا حَتَّى يُعْطِيَهُ مِثْلَهَا وَيَسْتَوْثِقُ مِنْهُ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
اسْتَعَارَ مِنْشَارًا فَانْكَسَرَ فِي النَّشْرِ نِصْفَيْنِ فَدَفَعَهُ إلَى الْحَدَّادِ فَوَصَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ يَنْقَطِعُ حَقُّهُ وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ قِيمَتُهُ مُنْكَسِرًا، وَكَذَا الْغَاصِبُ إذَا غَصَبَهُ مُنْكَسِرًا، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.
نَامَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا وَالْمُسْتَعَارُ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ مَوْضُوعًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَبِحَوَالَيْهِ يُعَدُّ حَافِظًا، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ الْهِبَةِ):

وَفِيهِ اثْنَا عَشَرَ بَابًا:

.(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْهِبَةِ وَرُكْنِهَا وَشَرَائِطِهَا وَأَنْوَاعِهَا وَحُكْمِهَا وَفِيمَا يَكُونُ هِبَةً مِنْ الْأَلْفَاظِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَمَا لَا يَكُونُ):

أَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا فَهِيَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ، كَذَا فِي الْكَنْزِ.
وَأَمَّا رُكْنُهَا فَقَوْلُ الْوَاهِبِ: وَهَبْتُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ بِالْمَالِكِ وَحْدَهُ، وَالْقَبُولُ شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ حَنِثَ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَأَنْوَاعٌ يَرْجِعُ بَعْضُهَا إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْوَاهِبِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَوْهُوبِ، أَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ فَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُعَلَّقًا بِمَا لَهُ خَطَرُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ مِنْ دُخُولِ زَيْدٍ وَقُدُومِ خَالِدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا مُضَافًا إلَى وَقْتٍ بِأَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُ هَذَا الشَّيْءَ مِنْكَ غَدًا أَوْ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَالرُّقْبَى بَاطِلَةٌ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: دَارِي لَكَ رُقْبَى، وَمَعْنَاهُ: إنْ مِتَّ فَهِيَ لِي، وَإِنْ مِتُّ فَهِيَ لَكَ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرَاقِبُ مَوْتَ الْآخَرِ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ.
وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْوَاهِبِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ مِنْ أَهْلِ الْهِبَةِ، وَكَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهَا أَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مَالِكًا لِلْمَوْهُوبِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مَنْ فِي رَقَبَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ أَوْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَوْهُوبِ لَا يَصِحُّ، هَكَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَوْهُوبِ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْهِبَةِ فَلَا يَجُوزُ هِبَةُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَقْتَ الْعَقْدِ بِأَنْ وَهَبَ مَا تُثْمِرُ نَخِيلُهُ الْعَامَ وَمَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ السَّنَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ أَوْ مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ مَا فِي ضَرْعِهَا، وَإِنْ سَلَّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَالْحَلْبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ زُبْدًا فِي لَبَنٍ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ أَوْ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَ حُدُوثِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ لِلْحَالِ فَلَمْ يُوجَدَ مَحِلُّ حُكْمِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، هَكَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
إذَا وَهَبَ صُوفًا عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ وَجَزَّهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَلَا تَجُوزُ هِبَةُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا كَالْحُرِّ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَصَيْدِ الْحَرَمِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا هِبَةُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مُطْلَقٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ وَالْمُكَاتَبِ وَلَا هِبَةُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مَقْبُوضًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مَقْسُومًا إذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَأَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ وَلَا يَكُونُ مُتَّصِلًا وَلَا مَشْغُولًا بِغَيْرِ الْمَوْهُوبِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لِلْوَاهِبِ دُونَ الزَّرْعِ، أَوْ عَكْسُهُ أَوْ نَخْلًا فِيهَا ثَمَرَةٌ لِلْوَاهِبِ مُعَلَّقَةٌ بِهِ دُونَ الثَّمَرَةِ، أَوْ عَكْسُهُ لَا تَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ دَارًا أَوْ ظَرْفًا فِيهَا مَتَاعٌ لِلْوَاهِبِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا فَلَا تَجُوزُ هِبَةُ الْمُبَاحَاتِ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مُحَالٌ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاهِبِ فَلَا تَجُوزُ هِبَةُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلْوَاهِبِ.
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَهِيَ نَوْعَانِ: تَمْلِيكٌ وَإِسْقَاطٌ وَعَلَيْهِمَا الْإِجْمَاعُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَأَمَّا حُكْمُهَا فَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى يَصِحَّ الرُّجُوعُ وَالْفَسْخُ وَعَدَمُ صِحَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهَا فَلَوْ وَهَبَهُ عَلَى أَنَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّتْ الْهِبَةُ إنْ اخْتَارَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَقَعُ بِهَا الْهِبَةُ فَأَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ تَقَعُ بِهِ الْهِبَةُ وَضْعًا، وَنَوْعٌ تَقَعُ بِهِ الْهِبَةُ كِنَايَةً وَعُرْفًا، وَنَوْعٌ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَالْعَارِيَّةَ مُسْتَوِيًا.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَقَوْلِهِ: وَهَبْتُ هَذَا الشَّيْءَ لَكَ، أَوْ مَلَّكْتُهُ لَكَ، أَوْ جَعَلْتُهُ لَكَ، أَوْ هَذَا لَكَ، أَوْ أَعْطَيْتُكَ، أَوْ نَحَلْتُكَ هَذَا، فَهَذَا كُلُّهُ هِبَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَقَوْلِهِ: كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ فَهُوَ هِبَةٌ، كَذَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ عُمُرِي، أَوْ عُمُرَكَ، أَوْ حَيَاتِي أَوْ حَيَاتَكَ، فَإِذَا مِتَّ فَهُوَ رَدٌّ عَلَيَّ، جَازَتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَكَقَوْلِهِ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ رُقْبَى أَوْ لَكَ حَبْسٌ، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هِيَ هِبَةٌ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ قَالَ: أَطْعَمْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ، فَإِنْ قَالَ: فَاقْبِضْهُ، فَهُوَ هِبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَاقْبِضْهُ يَكُونُ هِبَةً أَوْ عَارِيَّةً فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي شُرُوحِهِمْ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ قَالَ: حَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ يَكُونُ عَارِيَّةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْهِبَةَ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ السُّلْطَانِ هِبَةٌ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِلَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ يَكُونُ هِبَةً، وَإِذَا كَانَ مُنْبِئًا عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ عَارِيَّةً، وَإِذَا احْتَمَلَ هَذَا وَذَاكَ يُنَوَّى فِي ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى شَرْحِ النَّافِعِ.
وَلَوْ قَالَ: دَارِي لَكَ هِبَةٌ تَسْكُنُهَا، أَوْ هَذَا الطَّعَامُ لَكَ تَأْكُلُهُ، أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لَكَ تَلْبَسُهُ فَهِبَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَحِجُّوا فُلَانًا، وَلَمْ يَقُلْ: عَنِّي، فَإِنَّهُ يُعْطَى قَدْرَ مَا يُحِجُّهُ وَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُدْفَعَ لِفُلَانٍ أَلْفٌ لِيَحُجَّ أَوْ يُعْطَى بِحَجِّهِ أَلْفًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
رَجُلٌ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ لِغَيْرِهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ: اصْرِفْهَا فِي حَوَائِجِكَ كَانَ قَرْضًا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ حِنْطَةٌ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ: كُلْهَا، يَكُونُ هِبَةً، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
لَوْ قَالَ: نَحَلْتُكَ دَارِي، أَوْ أَعْطَيْتُكَ، أَوْ وَهَبْتُ مِنْكَ، كَانَتْ هِبَةً، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُ لَكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ هَذِهِ الدَّارُ لَكَ فَاقْبِضْهَا، فَهُوَ هِبَةٌ، هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَوْلُهُ هَذِهِ الدَّارُ لَكَ أَوْ هَذِهِ الْأَرْضُ لَكَ هِبَةٌ لَا إقْرَارٌ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ هِبَةٌ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ فَهُوَ هِبَةٌ، وَذِكْرُ الْعَقِبِ لَغْوٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ، قَالَ لِغَيْرِهِ: هَذِهِ الْأَمَةُ لَكَ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: هَذِهِ هِبَةٌ جَائِزَةٌ يَمْلِكُهَا إذَا قَبَضَهَا، وَلَوْ قَالَ: هِيَ لَكَ حَلَالٌ، لَا تَكُونُ هِبَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ، وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُ لَكَ فَرْجَهَا، فَهِيَ هِبَةٌ يَمْلِكُهَا إذَا قَبَضَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي هِبَةِ الْأَصْلِ إذَا قَالَ: هِيَ لَكَ فَاقْبِضْهَا فَهِيَ هِبَةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
عَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ وَصِيَّةً، وَلَا كَانَ فِي ذِكْرِهَا وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي كَانَتْ هِبَةً قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَإِنْ قَالَ: وَهَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ لَكَ حَيَاتَكَ وَحَيَاتَهُ فَقَبَضَهُ فَهَذِهِ هِبَةٌ جَائِزَةٌ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، قَالَ لِآخَرَ (اين جيزترا) فَهُوَ هِبَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ، وَلَوْ قَالَ: (تراست) فَإِقْرَارٌ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
رَجُلٌ قَالَ لِخَتَنِهِ (أَيْنَ زُمَيْن ترا) فَاذْهَبْ فَازْرَعْهَا، فَإِنْ قَالَ الْخَتَنُ عِنْدَمَا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: قَبِلْتُ، صَارَتْ الْأَرْضُ لَهُ فَيَتِمُّ بِالْقَبُولِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْخَتَنُ ذَلِكَ لَا تَصِيرُ الْأَرْضُ لَهُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا قَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَذَا الْمَالُ لَكُمْ يَكُونُ هِبَةً، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاغْزُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَعَلَا، فَهُوَ قَرْضٌ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُ لَكَ هَذِهِ الْغِرَارَةَ الْحِنْطَةَ، وَهَذَا الزِّقَّ السَّمْنَ دَخَلَ تَحْتَ هَذِهِ الْحِنْطَةُ دُونَ الْغِرَارَةِ وَالسَّمْنُ دُونَ الزِّقِّ، وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُ لَكَ غِرَارَةَ الْحِنْطَةِ وَزِقَّ السَّمْنِ دَخَلَ تَحْتَهَا الْغِرَارَةُ وَالزِّقُّ دُونَ الْحِنْطَةِ وَالسَّمْنِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَالِي أَوْ كُلُّ شَيْءٍ أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ فَهُوَ هِبَةٌ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
وَلَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ هِبَةً حَتَّى لَا تَجُوزَ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَلَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَا يُعْرَفُ بِي أَوْ يُنْسَبُ إلَيَّ لِفُلَانٍ فَهُوَ إقْرَارٌ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
أَبُو الصَّغِيرِ غَرَسَ شَجَرًا أَوْ كَرْمًا، ثُمَّ قَالَ: جَعَلْتُهُ لِابْنِي، فَهُوَ هِبَةٌ، وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُهُ بِاسْمِ ابْنِي، فَكَذَلِكَ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا، كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ.
وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْهِبَةَ يُصَدَّقْ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَلَوْ قَالَ: أَغْرِسهُ بِاسْمِ ابْنِي لَا يَكُونُ هِبَةً، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ الْأَبُ: جَمِيعُ مَا هُوَ حَقِّي وَمِلْكِي فَهُوَ مِلْكٌ لِوَلَدِي هَذَا الصَّغِيرِ فَهَذَا كَرَامَةٌ لَا تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَيَّنَهُ، فَقَالَ: حَانُوتِي الَّذِي أَمْلِكُهُ أَوْ دَارِي لِابْنِي الصَّغِيرِ فَهُوَ هِبَةٌ وَتَتِمُّ بِكَوْنِهَا فِي يَدِ الْأَبِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
رَجُلٌ قَالَ: جَعَلْتُ هَذَا لِوَلَدِي فُلَانٍ كَانَتْ هِبَةً، وَلَوْ قَالَ: هَذَا الشَّيْءُ لِوَلَدِي الصَّغِيرِ فُلَانٍ جَازَ وَتَتِمُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
قَالَ لِابْنِهِ (اين مَالْ ترا كردم) أَوْ قَالَ (بِنَامِّ بوكردم) أَوْ (آن بوكردم) أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَجْرِي مَجْرَاهُ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ الِابْنِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ: قَدْ مَتَّعْتُكَ بِهَذَا الثَّوْبِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَبَضَهَا فَهِيَ هِبَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِامْرَأَةٍ قَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ مُسَمًّى قَدْ مَتَّعْتُكَ بِهَذِهِ الثِّيَابِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَهِيَ هِبَةٌ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَ فِي يَدَيْ رَجُلٍ ثَوْبٌ وَدِيعَةً لِرَجُلٍ، فَقَالَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ: أَعْطِنِيهِ، فَقَالَ: أَعْطَيْتُكَ يَكُونُ هِبَةً، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَهُوَ وَدِيعَةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ قَالَ: مَنَحْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ.
فَهِيَ إعَارَةٌ إلَّا إذَا نَوَى الْهِبَةَ، وَلَوْ قَالَ: مَنَحْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ، وَكُلُّ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ يَكُونُ هِبَةً، فَإِنْ أَضَافَهَا إلَى مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ قِيَامِهِ حَمَلْنَاهَا عَلَى الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَدْنَى، وَإِنْ أَضَافَهَا إلَى مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِالِاسْتِهْلَاكِ حَمَلْنَاهَا عَلَى الْهِبَةِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَفِي فَتَاوَى آهُو سُئِلَ عَنْ دَابَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا، قَالَ أَحَدُهُمَا (مِنْ حِصَّة خودرابتوار زاني داشتم) قَالَ: لَا يَكُونُ هِبَةً، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ قَالَ فِي الدَّارِ: هِيَ لَكَ هِبَةُ إجَارَةٍ كُلُّ شَهْرٍ بِدَرَاهِمَ أَوْ قَالَ: إجَارَةُ هِبَةٍ فَهِيَ إجَارَةٌ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: هَبْ مِنِّي هَذَا الشَّيْءَ، فَقَالَ: (فداى توباد)، أَوْ قَالَ: (ازتود ربغ نيست) لَمْ يَكُنْ هِبَةً، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (اين كَنَيْزَكِ خويش مرابخش)، فَقَالَ: (فداي توباد) لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلزَّوْجِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (مى بايدكه أَيْنَ غُلَام مرابيخش تاآزاد كنمش)، فَقَالَتْ (از تُودَ ريغ نيست) لَا يَكُونُ هِبَةً، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.
ذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُنْتَقَى: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ، قَالَ الْمُودَعُ لِمَوْلَى الْعَبْدِ: هَبْهُ لِي، فَقَالَ: هُوَ لَكَ، فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ فَهُوَ هِبَةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
امْرَأَةٌ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابْنَيْنِ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ قَبْرِهَا: وَهَبْتُ لِزَوْجِ أُمِّي الْمَهْرَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ لِأُمِّي فَقِيلَ لِابْنٍ آخَرَ مَا تَقُولُ أَنْتَ، فَقَالَ: (وى جنان بابك نبودكه ويرابيا زارم) لَا يَكُونُ هَذَا هِبَةً لِلْمَهْرِ وَلَا إبْرَاءً، فَإِنْ طَلَبَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إيذَاءً، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.
قَالَ لِمُتَفَقِّهٍ: اصْرِفْ هَذِهِ الْخَشَبَةَ إلَى كُتُبِكَ فَهُوَ هِبَةٌ وَالصَّرْفُ إلَى الْكُتُبِ مَشُورَةٌ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ رَجُلٌ قَالَ لِقَوْمٍ: قَدْ وَهَبْتُ جَارِيَتِي فَلْيَأْخُذْ مَنْ شَاءَ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ تَكُونُ لَهُ رَجُلٌ دَفَعَ ثَوْبَيْنِ إلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: أَيَّهُمَا شِئْتَ فَلَكَ وَالْآخَرُ لِابْنِكَ فُلَانٍ، فَإِنْ بَيَّنَ الَّذِي لَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يَجُزْ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.