الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (2- 4): {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}{إنما} لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع، ويصلح مع ذلك للحصر، فإذا دخل في قصة وساعد معناها على الانحصار صح ذلك وترتب كقوله: {إنما إلهكم اله واحد} [الأنبياء: 108، فصلت: 6] وغير ذلك من الأمثلة، وإذا كانت القصة لا تتأتى للانحصار بقيت إنما للمبالغة والتأكيد فقط، كقوله عليه السلام «إنما الربا في النسيئة»، وكقوله «إنما الشجاع عنترة» وأما من قال إنما، هي لبيان الموصوف فهي عبارة فاترة إذ بيان الموصوف يكون في مجرد الإخبار دون إنما، وقوله هاهنا {إنما المؤمنون} ظاهرها أنها للمبالغة والتأكيد فقط أي الكاملون، {وجلت} معناه فزعت ورقت وخافت وبهذه المعاني فسرت العلماء، وقرأ ابن مسعود {فرقت}، وقرأ أبي بن كعب {فزعت}، يقال وجل يؤجل وياجل وييجل وهي شاذة وييجل بكسر الياء الأولى ووجه هذه أنهم لما أبدلوا الواو ياء لم يكن لذلك وجه قياس، فكسروا الياء الأولى ليجيء بدل الواو ياء لعلة، حكى هذه اللغات الأربع سيبويه رحمه الله، و{تليت} معناه سردت وقرئت، والآيات هنا القرآن المتلو، وزيادة الإيمان على وجوه كلها خارج عن نفس التصديق، منها أن المؤمن إذا كان لم يسمع حكماً من أحكام الله في القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعه فآمن به، زاد إيماناً إلى سائر ما قد آمن به، إذ لكل حكم تصديق خاص، وهذا يترتب فيمن بلغه ما لم يكن عنده من الشرع إلى يوم القيامة، وتترتب زيادة الإيمان بزيادة الدلائل، ولهذا قال مالك الإيمان يزيد ولا ينقص وتترتب بزيادة الأعمال البرة على قول من يرى لفظة الإيمان واقعة على التصديق والطاعات.وهؤلاء يقولون يزيد وينقص، وقوله: {وعلى ربهم يتوكلون} عبارة جامعة لمصالح الدنيا والآخرة إذا اعتبرت وعمل بحسبها في أن يمتثل الإنسان ما أمر به ويبلغ في ذلك أقصى جهده دون عجز، وينتظر بعد ما تكفل له به من نصر أو رزق أو غيره، وهذه أوصاف جميلة وصف الله بها فضلاء المؤمنين فجعلها غاية للأمة يستبق إليها الأفاضل، ثم أتبع ذلك وعدهم ووسمهم بإقامة الصلاة ومدحهم بها حضاً على ذلك، وقوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال جماعة من المفسرين: هي الزكاة.قال القاضي أبو محمد: وإنما حملهم على ذلك اقتران الكلام بإقامة الصلاة وإلا فهو لفظ عام في الزكاة ونوافل الخير وصلاة المستحقين، ولفظ ابن عباس في هذا المعنى محتمل، وقوله: {أولئك هم المؤمنين حقاً} يريد كل المؤمنين، و{حقاً} مصدر مؤكد كذا نص عليه سيبويه، وهو المصدر غير المتنقل، والعامل فيه أحق ذلك حقاً، وقوله: {درجات} ظاهره، وهو قول الجمهور، أن المراد مراتب الجنة ومنازلها ودرجتها على قدر أعمالهم، وحكى الطبري عن مجاهد أنها درجات أعمال الدنيا، وقوله: {ورزق كريم} يريد به مآكل الجنة ومشاربها، و{كريم} صفة تقتضي رفع المذام كقولك ثوب كريم وحسب كريم..تفسير الآيات (5- 7): {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)}اختلف الناس في الشيء الذي تتعلق به الكاف من قوله: {كما} حسبما نبين من الأقوال التي أنا ذاكرها بعد بحول الله، والذي يلتئم به المعنى ويحسن سرد الألفاظ قولان، وأنا أبدأ بهما، قال الفراء: التقدير امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا كما أخرجك ربك، هذا نص قوله في هداية مكي رحمه الله، والعبارة بقوله: امض لأمرك ونفل من شئت غير محررة، وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال إن هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال، كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج الله ذلك عنهم، فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه الله من بيته فكانت في ذلك الخيرة، فتشاجرهم في النفل بمثابة كراهيتهم هاهنا للخروج، وحكم الله في النفل بأنه لله وللرسول دونهم هو بمثابة إخراجه نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته، ثم كانت الخيرة في القصتين فيما صنع الله، وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله: {يجادلونك} كلاماً مستأنفاً يراد به الكفار، أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق فيها كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان.قال القاضي أبو محمد: وهذا الذي ذكرت من أن {يجادلونك} في الكفار منصوص والقول الثاني قال مجاهد والكسائي وغيرهما: المعنى في هذه الآية كما أخرجك ربك من بيتك على كراهية من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ويودون غير ذات الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لا ما يريدون هم.قال القاضي أبو محمد: والتقدير على هذا التأويل يجادلونك في الحق مجادلة ككراهتهم إخراج ربك إياك من بيتك، فالمجادلة على هذا التأويل بمثابة الكراهية وكذلك وقع التشبيه في المعنى، وقائل هذه المقالة يقول إن المجادلين هم المؤمنون، وقائل المقالة الأولى يقول إن المجادلين هم المشركون، فهذان قولان مطردان يتم بهما المعنى ويحسن رصف اللفظ وقال الأخفش: الكاف نعت ل {حقاً} [الأنفال: 4]، والتقدير هم المؤمنون حقاً كما أخرجك.قال القاضي أبو محمد: والمعنى على هذا التأويل كما تراه لا يتناسق وقيل الكاف في موضع رفع والتقدير: كما أخرجك ربك فاتقوا الله كأنه ابتداء وخبر.قال القاضي أبو محمد: وهذا المعنى وضعه هذا المفسر وليس من ألفاظ الآية في ورد ولا صدر، وقال أبو عبيدة: هو قسم أي لهم درجات ومغفرة ورزق كريم كما أخرجك بتقدير والذي أخرجك، فالكاف في معنى الواو وما بمعنى الذي، وقال الزجّاج: الكاف في موضع نصب والتقدير الأنفال ثابتة لك ثباتاً كما أخرجك ربك، وقيل: الكاف في موضع التقدير لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم هذا وعد حق كما أخرجك، وقيل المعنى: وأصحلوا ذات بينكم ذلك خير لكم كما أخرجك، والكاف نعت لخبر ابتداء محذوف، وقيل التقدير: قل الأنفال لله والرسول كما أخرجك، وهذا نحو أول قول ذكرته، وقال عكرمة: التقدير وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين كما أخرجك ربك أي الطاعة خير لكم كما كان إخراجك خيراً لكم، وقوله: {من بيتك} يريد من المدينة يثرب، قاله جمهور المفسرين وقال ابن بكير: المعنى كما أخرجك من مكة وقت الهجرة، وقرأ عبد الله بن مسعود: {في الحق بعدما بُين} بضم الباء من غير تاء، والضمير في قوله: {يجادلونك} قيل: هو للؤمنين وقيل: للمشركين، فمن قال للمؤمنين جعل {الحق} قتال مشركي قريش، ومن قال للمشركين جعل {الحق} شريعة الإسلام، وقوله: {إلى الموت} أي في سوقهم على أن المجادلين المؤمنون في دعائهم إلى الشرع على أنهم المشركون، وقوله: {وهم ينظرون} حال تزيد في فزع السوق وتقتضي شدة حاله.وقوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} الآية، في هذه الآية قصص حسن أنا اختصره إذ هو مستوعب في كتاب سيرَة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن هشام، واختصاره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه وقيل أوحي إليه أن أبا سفيان بن حرب قد أقبل من الشام بالعير التي فيها تجارة قريش وأموالها، قال لأصحابه إن عير قريش قد عنت لكم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها، قال فانبعث من معه من خف، وثقل قوم وكرهوا الخروج وأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلوي على من تعذر ولا ينتظر من غاب ظهره، فسار في ثلاثمائة وثلاثة عشر من أصحابه بين مهاجري وأنصاري، وقد ظن الناس بأجمعهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلقى حرباً فلم يكثر استعدادهم، وكان أبو سفيان في خلال ذلك يستقصي ويحذر، فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستفز أهلها، ففعل ضمضم، فخرج أهل مكة في ألف رجل أو نحو ذلك، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروجهم، أوحى الله إليه وحياً غير متلو يعده إحدى الطائفتين، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فسروا وودوا أن تكون لهم العير التي لا قتال معها، فلما علم أبو سفيان بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ طريق الساحل وأبعد وفات ولم يبق إلا لقاء أهل مكة، وأشار بعض الكفار على بعض بالانصراف وقالوا عيرنا قد نجب فلننصرف، فحرش أبو جهل ولج حتى كان أمر الوقعة، وقال بعض المؤمنين: نحن لم نخرج لقتال ولم نستعد له، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو بواد يسمى ذفران، وقال أشيروا علي أيها الناس، فقام أبو بكر فتكلم فأحسن وحرض على لقاء العدو، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة فقام عمر بمثل ذلك، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة فتكلم المقداد الكندي فقال: لا نقول لك يا رسول الله اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول إنا معكما مقاتلون.والله لو أردت بنا برك الغماد.قال القاضي أبو محمد: وهي مدنية الحبشة لقاتلنا معك من دونها، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلامه ودعا له بخير، ثم قال أشيروا علي أيها الناس فكلمه سعد بن معاذ وقيل سعد بن عبادة.قال القاضي أبو محمد: ويمكن أنهما جميعاً تكلما في ذلك اليوم، فقال يا رسول الله كأنك تريدنا معشر الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجل، فقال إنا آمنا بك واتبعناك فامض لأمر الله، فوالله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: امضوا على بركة الله فكأني أنظر إلى مصارع القوم، فالتقوا وكانت وقعة بدر، وقرأ مسلمة بن محارب {وإذ يعدْكم} بجزم الدال، قال أبو الفتح ذلك لتوالي الحركات، وقرأ ابن محيصن {وإذا يعدكم الله احدى الطائفتين} بوصل الألف من {إحدى} وصلة الهاء بالحاء، و{الشوكة} عبارة عن السلاح والحدة، ومنه قول الأعور: [الرجز]***إن العرفج قد أدبى ** وقرأ أبو عمرو فيما حكى أبو حاتم {الشوكة تكون} بإدغام التاء في التاء، ومعنى الآية وتودون العير وتأبون قتال الكفار، وقوله: {ويريد الله} الآية، المعنى ويريد الله أن يظهر الإسلام ويعلي دعوة الشرع، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنهم {بكلمته} على الإفراد الذي يراد به الجمع، والمعنى في قوله: {بكلماته} إما أن يريد بأوامره وأمره للملائكة والنصر لجميع ما يظهر الإسلام أن يكون، وإما أن يريد بكلماته التي سبقت في الأزل والمعنى قريب، والدابر الذي يدبر القوم أي يأتي في آخرهم، فإذا قطع فقد أتى على آخرهم بشرط أن يبدأ الإهلاك من أولهم، وهي عبارة في كل من أتى الهلاك عليه..تفسير الآيات (8- 10): {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)}{ليحق الحق} أي ليظهر ما يجب إظهاره وهو الإسلام {ويبطل الباطل} أي الكفر، {ولو كره} أي وكراهتهم واقعة فهي جملة في موضع الحال، وقوله: {إذ تستغيثون ربكم} الآية، {إذ} متعلقة بفعل، تقديره واذكر إذ وهو الفعل الأول الذي عمل في قوله: {وإذ يعدكم} [الأنفال الآية: 7] وقال الطبري: هي متعلقة ب {يحق.. ويبطل}.قال القاضي أبو محمد: ويصح أن يعمل فيها {يعدكم} [الأنفال: 7] فإن الوعد كان في وقت الاستغاثة، وقرأ أبو عمرو بإدغام الذال في التاء واستحسنها أبو حاتم، و{تستغيثون} معناه تطلبون، وليس يبين من ألفاظ هذه الآية أن المؤمنين علموا قبل القتال بكون الملائكة معهم، فإن استجاب يمكن أن يقع في غيبه تعالى، وقد روي أنهم علموا ذلك قبل القتال، ومعنى التأنيس وتقوية القلوب يقتضي ذلك، وقرأ جمهور الناس أني بفتح الألف، وقرأ أبو عمرو في بعض ما روي عنه وعيسى بن عمر بخلاف عنه إني بكسر الألف أي قال إني، و{ممدكم} أي مكثركم ومقويكم من أمددت. وقرأ جمهور الناس {بألف} وقرأ عاصم الجحدري {بئألف} على مثل فلس وأفلس فهي جمع ألف، والإشارة بها إلى الآلاف المذكورة في آل عمران، وقرأ عاصم الجحدري أيضاً {بآلاف} و{مردفين} معناه متبعين، ويحتمل أن يراد المردفين المؤمنين أي أردفوا بالملائكة ف {مردفين} على هذا حال من الضمير في قوله: {ممدكم} ويحتمل أن يراد به الملائكة أي أردف بعضهم بعض غير نافع {مردِفين} بكسر الدال وهي قراءة الحسن ومجاهد والمعنى فيها تابع بعضهم بعضاً وروي عن ابن عباس خلف كل ملك ملك، وهذا معنى التتابع يقال ردف وأردف إذا أتبع وجاء بعد الشيء، ويحتمل أن يراد مردفين المؤمنين.ويحتمل أن يراد مردفين بعضهم بعضاً، ومن قال: {مردفين} بمعنى أن كل ملك أردف ملكاً وراءه فقول ضعيف لم يأت بمقتضاه رواية، وقرأ رجل من أهل مكة رواه عنه الخليل {مرَدِّفين} بفتح الراء وكسر الدال وشدها.وروي عن الخليل أنها بضم الراء كالتي قبلها وفي غير ذلك، وقرأ بعض الناس بكسر الراء مثلهما في غير ذلك، حكى ذلك أبو عمرو عن سيبويه، وحكاه أبو حاتم قال: كأنه أراد مرتدفين فأدغم وأتبع الحركة ويحسن مع هذه القر اءة كسر الميم ولا أحفظه قراءة، وأنشد الطبري شاهداً على أن أردف بمعنى جاء تابعاً قول الشاعر [خزيمة بن مالك]: [الوافر]والثريا تطلع قبل الجوزاء وروي في الأشهر أن الملائكة قاتلت يوم بدر، واختلف في غيره من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: لم تقاتل يوم بدر وإنما وقفت وحضرت وهذا ضعيف، وحكى الطبري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: نزل جبريل في ألف ملك على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل في ألف ملك في المسيرة وأنا فيها، وقال ابن عباس: كانا في خمسمائة خمسمائة، وقال الزجّاج: قال بعضهم: إن الملائكة خمسة آلاف، وقال بعضهم: تسعة آلاف، وفي هذا المعنى أحاديث هي مستوعبة في كتاب السير، وقوله تعالى: {وما جعله الله} الآية، الضمير في {جعله} عائد على الوعد.قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي أمكن الأقوال من جهة المعنى، وقال الزجّاج: الضمير عائد على المدد، ويحتمل أن يعود على الإمداد، وهذا يحسن مع قول من يقول إن الملائكة لم تقاتل وإنما أنست بحضورها مع المسلمين.قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي ضعيف ترده الأحاديث الواردة بقتال الملائكة وما رأى من ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كابن مسعود وغيره، ويحتمل أن يعود على الإرداف وهو قول الطبري، وهذا أيضاً يجري مجرى القول الذي قبله ويحتمل أن يعود على الألف وهذا أيضاً كذلك، لأن البشرى بالشيء إنما هي ما لم يقع بعد، والبشرى مصدر من بشرت، والطمأنينة السكون والاستقرار وقوله: {وما النصر إلا من عند الله} توقيف على أن الأمر كله لله وأن تكسب المرء لا يغني إذا لم يساعده القدر وإن كان مطلوباً بالجد كما ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، وهذه القصة كلها من قصة الكفار وغلبة المؤمنين لهم تليق بها من صفات الله عز وجل العزة والحكمة إذا تؤمل ذلك.
|