فصل: فصل: أيهما أفضل المسح أم الغسل؟

مساءً 2 :56
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
11
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


باب المسح على الخفين

المسح على الخفين جائز عند عامة أهل العلم حكى ابن المنذر عن ابن المبارك قال‏:‏ ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز وعن الحسن قال‏:‏ حدثني سبعون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين‏)‏ وروى البخاري عن سعد بن مالك‏,‏ والمغيرة وعمرو بن أمية ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين‏)‏ وروى أبو داود ‏(‏عن جرير بن عبد الله‏,‏ أنه توضأ ومسح على الخفين فقيل له‏:‏ أتفعل هذا‏؟‏ قال‏:‏ ما يمنعني أن أمسح‏,‏ وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح فقيل له‏:‏ قبل نزول المائدة أو بعده‏؟‏ فقال‏:‏ ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة وفي رواية أنه قال‏:‏ إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بال‏,‏ ثم توضأ ومسح على خفيه‏)‏ قال إبراهيم‏:‏ فكان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة متفق عليه ورواه حذيفة والمغيرة‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- متفق عليهما قال أحمد‏:‏ ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رفعوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وما وقفوا‏.‏

فصل‏:‏

وروي عن أحمد أنه قال‏:‏ المسح أفضل يعني من الغسل لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إنما طلبوا الفضل وهذا مذهب الشافعي والحكم‏,‏ وإسحاق لأنه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله يحب أن يؤخذ برخصه‏)‏ ‏(‏وما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما‏)‏ ولأن فيه مخالفة أهل البدع وقد روي عن سفيان الثوري أنه قال لشعيب بن حرب‏:‏ لا ينفعك ما كتبت‏,‏ حتى ترى المسح على الخفين أفضل من الغسل وروى حنبل عن أحمد أنه قال‏:‏ كله جائز‏,‏ المسح والغسل ما في قلبي من المسح شيء ولا من الغسل وهذا قول ابن المنذر وروي عن ابن عمر‏,‏ أنه أمرهم أن يمسحوا على خفافهم وخلع خفيه وتوضأ‏,‏ وقال‏:‏ حبب إلي الوضوء وقال ابن عمر‏:‏ إني لمولع بغسل قدمي فلا تقتدوا بي وقيل‏:‏ الغسل أفضل لأنه المفروض في كتاب الله تعالى والمسح رخصة وقد ذكرنا من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إن الله يحب أن تقبل رخصه‏)‏‏.‏

مسألة‏:‏

قال أبو القاسم‏,‏ -رحمه الله-‏:‏ ‏[‏ ومن لبس خفيه وهو كامل الطهارة ثم أحدث‏,‏ مسح عليهما‏]‏ لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح خلافا ووجهه‏:‏ ما روى المغيرة قال‏:‏ ‏(‏كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأهويت لأنزع خفيه‏,‏ فقال‏:‏ دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما‏)‏ متفق عليه فأما إن غسل إحدى رجليه فأدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف‏,‏ لم يجز المسح أيضا وهو قول الشافعي وإسحاق ونحوه عن مالك وحكى بعض أصحابنا رواية أخرى عن أحمد أنه يجوز المسح رواها أبو طالب عنه‏,‏ وهو قول يحيى بن آدم وأبي ثور وأصحاب الرأي لأنه أحدث بعد كمال الطهارة واللبس فجاز المسح‏,‏ كما لو نزع الخف الأول ثم عاد فلبسه وقيل أيضا فيمن غسل رجليه‏,‏ ولبس خفيه ثم غسل بقية أعضائه‏:‏ يجوز له المسح وذلك مبني على أن الترتيب غير واجب في الوضوء وقد سبق ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏دعهما‏,‏ فإني أدخلتهما طاهرتين‏)‏ وفي لفظ لأبي داود‏:‏ ‏(‏دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان‏)‏ فجعل العلة وجود الطهارة فيهما جميعا وقت إدخالهما ولم توجد طهارتهما وقت لبس الأول ولأن ما اعتبرت له الطهارة اعتبر له كمالها كالصلاة ومس المصحف ولأن الأول خف ملبوس قبل رفع الحدث‏,‏ فلم يجز المسح عليه كما لو لبسه قبل غسل قدميه ودليل بقاء الحدث أنه لا يجوز له مس المصحف بالعضو المغسول‏,‏ فأما إذا نزع الخف الأول ثم لبسه فقد لبسه بعد كمال الطهارة وقول الخرقي‏:‏ ‏"‏ ثم أحدث ‏"‏ يعني الحدث الأصغر فإن جواز المسح مختص به‏,‏ ولا يجزئ المسح في جنابة ولا غسل واجب ولا مستحب‏,‏ لا نعلم في هذا خلافا وقد روى صفوان بن عسال المرادي قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرا‏,‏ أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم‏)‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث صحيح ولأن وجوب الغسل يندر‏,‏ فلا يشق إيجاب غسل القدم بخلاف الطهارة الصغرى ولذلك وجب غسل ما تحت الشعور الكثيفة‏,‏ وهكذا الحكم في العمامة وسائر الحوائل إلا الجبيرة وما في معناها‏.‏

فصل‏:‏

فإن تطهر‏,‏ ثم لبس الخف فأحدث قبل بلوغ الرجل قدم الخف لم يجز له المسح لأن الرجل حصلت في مقرها وهو محدث فصار كما لو بدأ اللبس وهو محدث

فصل‏:‏

فإن تيمم‏,‏ ثم لبس الخف لم يكن له المسح لأنه لبسه على طهارة غير كاملة ولأنها طهارة ضرورة بطلت من أصلها‏,‏ فصار كاللابس له على غير طهارة ولأن التيمم لا يرفع الحدث فقد لبسه وهو محدث وإن تطهرت المستحاضة ومن به سلس البول‏,‏ وشبههما ولبسوا خفافا فلهم المسح عليها نص عليه أحمد لأن طهارتهم كاملة في حقهم قال ابن عقيل‏:‏ لأنها مضطرة إلى الترخص‏,‏ وأحق من يترخص المضطر فإن انقطع الدم وزالت الضرورة بطلت الطهارة من أصلها‏,‏ ولم يكن لها المسح كالمتيمم إذا وجد الماء‏.‏

فصل‏:‏

إذا لبس خفين ثم أحدث‏,‏ ثم لبس فوقهما خفين أو جرموقين لم يجز المسح عليهما بغير خلاف لأنه لبسهما على حدث وإن مسح على الأولين‏,‏ ثم لبس الجرموقين لم يجز المسح عليهما أيضا ولأصحاب الشافعي وجه في تجويزه لأن المسح قائم مقام غسل القدم ولنا أن المسح على الخف لم يزل الحدث عن الرجل فكأنه لبسه على حدث ولأن الخف الممسوح عليه بدل والبدل لا يكون له بدل ولأنه لبسه على طهارة غير كاملة‏,‏ فأشبه المتيمم وإن لبس الفوقاني قبل أن يحدث جاز المسح عليه بكل حال سواء كان الذي تحته صحيحا أو مخرقا وهو قول الحسن بن صالح‏,‏ والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي‏,‏ ومنع منه مالك في إحدى روايتيه والشافعي في أحد قوليه لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه في الغالب فلا يتعلق به رخصة عامة‏,‏ كالجبيرة ولنا أنه خف ساتر يمكن متابعة المشي فيه أشبه المفرد وكما لو كان الذي تحته مخرقا‏,‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ الحاجة لا تدعو إليه ‏"‏ ممنوع فإن البلاد الباردة لا يكفي فيها خف واحد غالبا ولو سلمنا ذلك ولكن الحاجة معتبرة بدليلها‏,‏ وهو الإقدام على اللبس لا بنفسها فهو كالخف الواحد إذا ثبت هذا فمتى نزع الفوقاني قبل مسحه لم يؤثر ذلك‏,‏ وكان لبسه كعدمه وإن نزعه بعد مسحه بطلت الطهارة‏,‏ ووجب نزع الخفين وغسل الرجلين لزوال محل المسح ونزع أحد الخفين كنزعهما لأن الرخصة تعلقت بهما فصار كانكشاف القدم ولو أدخل يده من تحت الفوقاني‏,‏ ومسح الذي تحته جاز لأن كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح على ما شاء منهما كما يجوز غسل قدمه في الخف‏,‏ مع أن له المسح عليه ولو لبس أحد الجرموقين في إحدى الرجلين دون الأخرى جاز المسح عليه وعلى الخف الذي في الرجل الأخرى لأن الحكم تعلق به وبالخف في الرجل الأخرى‏,‏ فهو كما لو لم يكن تحته شيء

فصل‏:‏

فإن لبس خفا مخرقا فوق صحيح فعن أحمد جواز المسح قال في رواية حرب‏:‏ الخف المخرق إذا كان في رجليه جورب مسح وإن كان الخف منخرقا‏,‏ وأما إن كان تحته لفائف أو خرق فلا يجوز المسح نص عليه أحمد في مواضع ووجهه أن القدم مستور بما يجوز المسح عليه فجاز المسح كما لو كان السفلاني مكشوفا‏,‏ بخلاف ما إذا كان تحته لفافة وقال القاضي وأصحابه‏:‏ لا يجوز المسح إلا على التحتاني لأن الفوقاني لا يجوز المسح عليه مفردا فلم يجز المسح عليه مع غيره‏,‏ كالذي تحته لفافة وإن لبس مخرقا على مخرق فاستتر القدم بهما‏,‏ احتمل أن يكون كالتي قبلها لأن القدم مستور بالخفين فأشبه المستور بالصحيحين أو صحيح ومخرق‏,‏ واحتمل أن لا يجوز لأن القدم لم يستتر بخف صحيح بخلاف التي قبلها

فصل‏:‏

وإن لبس الخف بعد طهارة مسح فيها على العمامة أو العمامة بعد طهارة مسح فيها على الخف‏,‏ فقال بعض أصحابنا‏:‏ ظاهر كلام أحمد‏:‏ أنه لا يجوز المسح لأنه لبس على طهارة ممسوح فيها على بدل فلم يستبح المسح باللبس فيها كما لو لبس خفا على طهارة مسح فيها على خف وقال القاضي‏:‏ يحتمل جواز المسح لأنها طهارة كاملة‏,‏ وكل واحد منهما ليس ببدل عن الآخر بخلاف الخف الملبوس على خف ممسوح عليه‏.‏

فصل‏:‏

وإن لبس الجبيرة على طهارة مسح فيها على خف أو عمامة وقلنا ليس من شرطها الطهارة‏,‏ جاز المسح بكل حال وإن اشترطنا لها الطهارة احتمل أن يكون كالعمامة الملبوسة على طهارة مسح فيها على الخف‏,‏ واحتمل جواز المسح بكل حال لأن مسحها عزيمة وإن لبس الخف على طهارة مسح فيها على الجبيرة جاز المسح عليه لأنها عزيمة ولأنها كانت ناقصة فهو لنقص لم يزل‏,‏ فلم يمنع جواز المسح كنقص طهارة المستحاضة قبل زوال عذرها وإن لبس الجبيرة على طهارة مسح فيها على الجبيرة جاز المسح‏,‏ لما ذكرناه

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر‏]‏ قال أحمد‏:‏ التوقيت ما أثبته في المسح على الخفين قيل له‏:‏ تذهب إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم وهو من وجوه وبهذا قال عمر‏,‏ وعلى وابن مسعود وابن عباس‏,‏ وأبو زيد وشريح وعطاء‏,‏ والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي‏,‏ وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال الليث‏:‏ يمسح ما بدا له وكذلك قال مالك في المسافر وله في المقيم روايتان إحداهما يمسح من غير توقيت والثانية لا يمسح لما روى أبي بن عمارة ‏(‏قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله أتمسح على الخفين‏؟‏ قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ يوما‏؟‏ قال‏:‏ ويومين قلت‏:‏ وثلاثة‏؟‏ قال‏:‏ وما شئت‏)‏ رواه أبو داود ولأنه مسح في طهارة فلم يتوقت‏,‏ كمسح الرأس والجبيرة ولنا‏:‏ ما روى علي رضي الله عنه ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم‏)‏ رواه مسلم وحديث صفوان بن عسال‏,‏ وقد ذكرناه وعن عوف بن مالك الأشجعي ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر‏,‏ ويوما وليلة للمقيم‏)‏ رواه الإمام أحمد وقال‏:‏ هو أجود حديث في المسح على الخفين لأنه في غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخر فعله‏,‏ وحديثهم ليس بالقوي قال أبو داود وفي إسناده مجاهيل منهم‏:‏ عبد الرحمن بن رزين وأيوب بن قطن ومحمد بن زيد ويحتمل أنه يمسح ما شاء‏,‏ إذا نزعهما عند انتهاء مدته ثم لبسهما ويحتمل أنه قال‏:‏ ‏"‏ وما شئت ‏"‏ من اليوم واليومين والثلاثة ويحتمل أنه منسوخ بأحاديثنا لأنها متأخرة لكون حديث عوف في غزوة تبوك وليس بينها وبين وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا شيء يسير‏,‏ وقياسهم ينتقض بالتيمم

فصل‏:‏

إذا انقضت المدة بطل الوضوء وليس له المسح إلا أن ينزعهما ثم يلبسهما على طهارة كاملة وفيه رواية أخرى أنه يجزئه غسل قدميه‏,‏ كما لو خلعهما وسنذكر ذلك والخلاف فيه -إن شاء الله تعالى- وقال الحسن‏:‏ لا يبطل الوضوء‏,‏ ويصلي حتى يحدث ثم لا يمسح بعد حتى ينزعهما وقال داود‏:‏ ينزع خفيه ولا يصلي فيهما فإذا نزعهما صلى حتى يحدث لأن الطهارة لا تبطل إلا بحدث ونزع الخف ليس بحدث‏,‏ وكذلك انقضاء المدة ولنا أن غسل الرجلين شرط للصلاة وإنما قام المسح مقامه في المدة فإذا انقضت لم يجز أن يقوم مقامه إلا بدليل ولأنها طهارة لا يجوز ابتداؤها‏,‏ فيمنع من استدامتها كالمتيمم عند رؤية الماء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ فإن خلع قبل ذلك أعاد الوضوء‏]‏ يعني قبل انقضاء المدة إذا خلع خفيه بعد المسح عليهما بطل وضوءه وبه قال النخعي‏,‏ والزهري ومكحول والأوزاعي‏,‏ وإسحاق وهو أحد قولي الشافعي وعن أحمد رواية أخرى‏,‏ أنه يجزئه غسل قدميه وهو مذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي لأن مسح الخفين ناب عن غسل الرجلين خاصة فطهورهما يبطل ما ناب عنه‏,‏ كالتيمم إذا بطل برؤية الماء وجب ما ناب عنه وهذا الاختلاف مبني على وجوب الموالاة في الوضوء فمن أجاز التفريق جوز غسل القدمين لأن سائر أعضائه مغسولة ولم يبق إلا غسل قدميه‏,‏ فإذا غسلهما كمل وضوءه ومن منع التفريق أبطل وضوءه لفوات الموالاة فعلى هذا لو خلع الخفين قبل جفاف الماء عن يديه‏,‏ أجزأه غسل قدميه وصار كأنه خلعهما قبل مسحه عليهما وقال الحسن وقتادة‏,‏ وسليمان بن حرب‏:‏ لا يتوضأ ولا يغسل قدميه لأنه أزال الممسوح عليه بعد كمال الطهارة فأشبه ما لو حلق رأسه بعد المسح عليه أو قلم أظفاره بعد غسلها ولأن النزع ليس بحدث‏,‏ والطهارة لا تبطل إلا بالحدث ولنا أن الوضوء بطل في بعض الأعضاء فبطل في جميعها كما لو أحدث‏,‏ وما ذكروه يبطل بنزع أحد الخفين فإنه يبطل الطهارة في القدمين جميعا وإنما ناب مسحه عن إحداهما وأما التيمم عن بعض الأعضاء إذا بطل‏,‏ فقد سبق القول فيه في موضعه وحكي عن مالك أنه إذا خلع خفيه غسل قدميه مكانه وصحت طهارته وإن أخره‏,‏ استأنف الطهارة لأن الطهارة كانت صحيحة في جميع الأعضاء إلى حين نزع الخفين أو انقضاء المدة وإنما بطلت في القدمين خاصة‏,‏ فإذا غسلهما عقيب النزع لم تفت الموالاة لقرب غسلهما من الطهارة الصحيحة في بقية الأعضاء بخلاف ما إذا تراخى غسلهما ولا يصح لأن المسح قد بطل حكمه‏,‏ وصار إلى أن نضيف الغسل إلى الغسل فلم يبق للمسح حكم ولأن الاعتبار في الموالاة إنما هو لقرب الغسل من الغسل لا من حكمه‏,‏ فإنه متى زال حكم الغسل بطلت الطهارة ولم ينفع قرب الغسل شيئا لكون الحكم لا يعود بعد زواله إلا بسبب جديد‏.‏

فصل‏:‏

وإن نزع العمامة بعد مسحها بطلت طهارته أيضا وعلى الرواية الأخرى‏,‏ يلزمه مسح رأسه وغسل قدميه ليحصل الترتيب ولو نزع الجبيرة بعد مسحها فهو كنزع العمامة‏,‏ إلا أنه إن كان مسح عليها في غسل يعم البدن لم يحتج إلى إعادة غسل ولا وضوء لأن الترتيب والموالاة ساقطان فيه

فصل‏:‏

ونزع أحد الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم منهم‏:‏ مالك والثوري‏,‏ والأوزاعي وابن المبارك والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي ويلزمه نزع الآخر وقال الزهري‏:‏ يغسل القدم الذي نزع الخف منه ويمسح الآخر لأنهما عضوان‏,‏ فأشبها الرأس والقدم ولنا أنهما في الحكم كعضو واحد ولهذا لا يجب ترتيب أحدهما على الآخر‏,‏ فيبطل مسح أحدهما بظهور الآخر كالرجل الواحدة وبهذا فارق الرأس والقدم‏.‏

فصل‏:‏

وانكشاف بعض القدم من خرق كنزع الخف فإن انكشفت ظهارته‏,‏ وبقيت بطانته لم تضر لأن القدم مستورة بما يتبع الخف في البيع فأشبه ما لو لم ينكشط

فصل‏:‏

وإن أخرج رجله إلى ساق الخف‏,‏ فهو كخلعه وبهذا قال إسحاق وأصحاب الرأي وقال الشافعي لا يبين لي أن عليه الوضوء لأن الرجل لم تظهر وحكى أبو الخطاب في ‏"‏ رءوس المسائل ‏"‏ عن أحمد رواية أخرى كذلك ولنا‏,‏ أن استقرار الرجل في الخف شرط جواز المسح بدليل ما لو أدخل الخف فأحدث قبل استقرارها فيه‏,‏ لم يكن له المسح فإذا تغير الاستقرار زال شرط جواز المسح فيبطل المسح لزوال شرطه‏,‏ كزوال استتاره وإن كان إخراج القدم إلى ما دون ذلك لم يبطل المسح لأنها لم تزل عن مستقرها‏.‏

فصل‏:‏

كره أحمد لبس الخفين وهو يدافع الأخبثين أو أحدهما لأن الصلاة مكروهة بهذه الطهارة واللبس يراد ليمسح عليه للصلاة وكان إبراهيم النخعي إذا أراد أن يبول لبس خفيه ولا يرى الأمر في ذلك واسعا لأن الطهارة كاملة‏,‏ فأشبه ما لو لبسه إذا خاف غلبة النعاس وإنما كرهت الصلاة لأن اشتغال قلبه بمدافعة الأخبثين يذهب بخشوع الصلاة ويمنع الإتيان بها على الكمال‏,‏ وربما حمله ذلك على العجلة فيها ولا يضر ذلك في اللبس‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولو أحدث وهو مقيم فلم يمسح حتى سافر‏,‏ أتم على مسح مسافر منذ كان الحدث‏]‏ لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من لم يمسح حتى سافر أنه يتم مسح المسافر وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن‏)‏ وهو حال ابتدائه بالمسح كان مسافرا وقوله‏:‏ ‏"‏ منذ كان الحدث ‏"‏ يعني ابتداء المدة من حين أحدث بعد لبس الخف هذا ظاهر مذهب أحمد وهو مذهب الثوري‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن أحمد رواية أخرى أن ابتداءها من حين مسح بعد أن أحدث ويروى ذلك عن عمر رضي الله عنه فروى الخلال عنه‏,‏ أنه قال امسح إلى مثل ساعتك التي مسحت وفي لفظ قال‏:‏ يمسح المسافر إلى الساعة التي توضأ فيها واحتج أحمد بظاهر الحديث‏,‏ قوله‏:‏ يمسح المسافر على خفيه ثلاثة أيام ولياليهن ‏"‏ ولأن ما قبل المسح مدة لم تبح الصلاة بمسح الخف فيها فلم تحسب من المدة كما قبل الحدث وقال الشعبي وأبو ثور‏,‏ وإسحاق‏:‏ يمسح المقيم خمس صلوات لا يزيد عليها ولنا‏:‏ ما نقله القاسم بن زكريا المطرز في حديث صفوان‏:‏ ‏(‏من الحدث إلى الحدث‏)‏ ولأن ما بعد الحدث زمان يستباح فيه المسح‏,‏ فكان من وقته كبعد المسح والخبر أراد أنه يستبيح المسح دون فعله والله أعلم وأما تقديره بعدد الصلوات فلا يصح لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما قدره بالوقت دون الفعل‏,‏ فعلى هذا يمكن المقيم أن يصلي بالمسح ست صلوات وهو أن يؤخر الصلاة ثم يمسح‏,‏ ويصليها وفي اليوم الثاني يعجلها فيصليها في أول وقتها قبل انقضاء مدة المسح إن كان له عذر يبيح الجمع من سفر‏,‏ أو غيره أمكنه أن يصلي سبع صلوات‏.‏

مسألة‏:‏

قال [ولو أحدث مقيما ، ثم مسح مقيما ، ثم سافر ، أتم على مسح مقيم ، ثم خلع] اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة ؛ فروي عنه : مثل ما ذكر الخرقي وهو قول الثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وروي عنه : أنه يمسح مسح المسافر ، سواء مسح في الحضر لصلاة أو أكثر منها بعد أن لا تنقضي مدة المسح ، وهو حاضر . وهو مذهب أبي حنيفة لقوله عليه السلام : (يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن) وهذا مسافر ؛ ولأنه سافر قبل كمال مدة المسح ، فأشبه من سافر قبل المسح بعد الحدث . وهذا اختيار الخلال ، وصاحبه أبي بكر . وقال الخلال : رجع أحمد عن قوله الأول إلى هذا ووجه قول الخرقي أنها عبادة تختلف بالحضر والسفر ، وجد أحد طرفيها في الحضر ، فغلب فيها حكم الحضر ، كالصلاة ، والخبر يقتضي أن يمسح المسافر ثلاثا في سفره ، وهذا يتناول من ابتدأ المسح في سفره ، وفي مسألتنا يحتسب بالمدة التي مضت في الحضر .">مسألة‏:‏قال ‏[‏ولو أحدث مقيما ، ثم مسح مقيما ، ثم سافر ، أتم على مسح مقيم ، ثم خلع‏]‏ اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة ؛ فروي عنه ‏:‏ مثل ما ذكر الخرقي وهو قول الثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وروي عنه ‏:‏ أنه يمسح مسح المسافر ، سواء مسح في الحضر لصلاة أو أكثر منها بعد أن لا تنقضي مدة المسح ، وهو حاضر ‏.‏ وهو مذهب أبي حنيفة لقوله عليه السلام ‏:‏ ‏(‏يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن‏)‏ وهذا مسافر ؛ ولأنه سافر قبل كمال مدة المسح ، فأشبه من سافر قبل المسح بعد الحدث ‏.‏ وهذا اختيار الخلال ، وصاحبه أبي بكر ‏.‏ وقال الخلال ‏:‏ رجع أحمد عن قوله الأول إلى هذا ووجه قول الخرقي أنها عبادة تختلف بالحضر والسفر ، وجد أحد طرفيها في الحضر ، فغلب فيها حكم الحضر ، كالصلاة ، والخبر يقتضي أن يمسح المسافر ثلاثا في سفره ، وهذا يتناول من ابتدأ المسح في سفره ، وفي مسألتنا يحتسب بالمدة التي مضت في الحضر ‏.

فصل‏:‏

فإن شك هل ابتدأ المسح في السفر‏,‏ أو الحضر بنى على مسح حاضر لأنه لا يجوز المسح مع الشك في إباحته فإن ذكر بعد أنه كان قد ابتدأ المسح في السفر جاز البناء على مسح مسافر وإن كان قد صلى بعد اليوم والليلة مع الشك‏,‏ ثم تيقن فعليه إعادة ما صلى مع الشك لأنه صلى بطهارة لم يكن له أن يصلي بها فهو كما لو صلى يعتقد أنه محدث‏,‏ ثم ذكر أنه كان على وضوء كانت طهارته صحيحة وعليه إعادة الصلاة وإن كان مسح مع الشك صح لأن الطهارة تصح مع الشك في سببها‏,‏ ألا ترى أنه لو شك في الحدث فتوضأ ينوي رفع الحدث ثم تيقن أنه كان محدثا أجزأه وعكسه‏:‏ ما لو شك في دخول الوقت‏,‏ فصلى ثم تيقن أنه كان قد دخل لم يجزه وكذلك إن شك الماسح في وقت الحدث‏,‏ بنى على الأحوط عنده وهذا التفريع على الرواية الأولى فأما على الثانية فإنه يمسح مسح المسافر على كل حال‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا مسح مسافر أقل من يوم وليلة‏,‏ ثم أقام أو قدم أتم على مسح مقيم وخلع وإذا مسح مسافر يوما وليلة فصاعدا ثم أقام أو قدم خلع‏]‏ وهذا قول الشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه مخالفا لأنه صار مقيما لم يجز له أن يمسح مسح المسافر‏,‏ كمحل الوفاق ولأن المسح عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر فإذا ابتدأها في السفر ثم حضر في أثنائها غلب حكم الحضر‏,‏ كالصلاة فعلى هذا لو مسح أكثر من يوم وليلة ثم دخل في الصلاة فنوى الإقامة في أثنائها‏,‏ بطلت صلاته لأنه قد بطل المسح فبطلت طهارته فبطلت صلاته لبطلانها‏,‏ ولو تلبس بالصلاة في سفينة فدخلت البلد في أثنائها بطلت صلاته لذلك‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولا يمسح إلا على خفين‏,‏ أو ما يقوم مقامهما من مقطوع أو ما أشبهه مما يجاوز الكعبين‏]‏ معناه والله أعلم يقوم مقام الخفين في ستر محل الفرض‏,‏ وإمكان المشي فيه وثبوته بنفسه والمقطوع هو الخف القصير الساق وإنما يجوز المسح عليه إذا كان ساترا لمحل الفرض لا يرى منه الكعبان لكونه ضيقا أو مشدودا‏,‏ وبهذا قال الشافعي وأبو ثور ولو كان مقطوعا من دون الكعبين لم يجز المسح عليه وهذا الصحيح عن مالك وحكي عنه‏,‏ وعن الأوزاعي جواز المسح لأنه خف يمكن متابعة المشي فيه فأشبه الساتر‏,‏ ولنا أنه لا يستر محل الفرض فأشبه اللالكة والنعلين‏.‏

فصل‏:‏

ولو كان للخف قدم وله شرج محاذ لمحل الفرض جاز المسح عليه‏,‏ إذا كان الشرج مشدودا يستر القدم ولم يكن فيه خلل يبين منه محل الفرض وقال أبو الحسن الآمدي‏:‏ لا يجوز ولنا أنه خف ساتر يمكن متابعة المشي فيه‏,‏ فأشبه غير ذي الشرج‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان الخف محرما كالقصب والحرير لم يستبح المسح عليه في الصحيح من المذهب وإن مسح عليه‏,‏ وصلى أعاد الطهارة والصلاة لأنه عاص بلبسه فلم تستبح به الرخصة‏,‏ كما لا يستبيح المسافر رخص السفر لسفر المعصية ولو سافر لمعصية لم يستبح المسح أكثر من يوم وليلة لأن يوما وليلة غير مختصة بالسفر ولا هي من رخصه فأشبه غير الرخص‏,‏ بخلاف ما زاد على يوم وليلة فإنه من رخص السفر فلم يستبحه بسفر المعصية كالقصر والجمع‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز المسح على كل خف ساتر‏,‏ يمكن متابعة المشي فيه سواء كان من جلود أو لبود وما أشبههما فإن كان خشبا أو حديدا أو نحوهما فقال بعض أصحابنا‏:‏ لا يجوز المسح عليها لأن الرخصة وردت في الخفاف المتعارفة للحاجة‏,‏ ولا تدعو الحاجة إلى المسح على هذه في الغالب وقال القاضي‏:‏ قياس المذهب جواز المسح عليها لأنه خف ساتر يمكن المشي فيه أشبه الجلود‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وكذلك الجورب الصفيق الذي لا يسقط إذا مشى فيه‏]‏ إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذين ذكرناهما في الخف أحدهما أن يكون صفيقا‏,‏ لا يبدو منه شيء من القدم الثاني أن يمكن متابعة المشي فيه هذا ظاهر كلام الخرقي قال أحمد في المسح على الجوربين بغير نعل‏:‏ إذا كان يمشي عليهما ويثبتان في رجليه فلا بأس وفي موضع قال‏:‏ يمسح عليهما إذا ثبتا في العقب وفي موضع قال‏:‏ إن كان يمشي فيه فلا ينثني‏,‏ فلا بأس بالمسح عليه فإنه إذا انثنى ظهر موضع الوضوء ولا يعتبر أن يكونا مجلدين قال أحمد‏:‏ يذكر المسح على الجوربين عن سبعة‏,‏ أو ثمانية من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال ابن المنذر‏:‏ ويروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي وعمار‏,‏ وابن مسعود وأنس وابن عمر‏,‏ والبراء وبلال وابن أبي أوفى‏,‏ وسهل بن سعد وبه قال عطاء والحسن وسعيد بن المسيب‏,‏ والنخعي وسعيد بن جبير والأعمش‏,‏ والثوري والحسن بن صالح وابن المبارك‏,‏ وإسحاق ويعقوب ومحمد وقال أبو حنيفة‏,‏ ومالك والأوزاعي ومجاهد‏,‏ وعمرو بن دينار والحسن بن مسلم والشافعي‏:‏ لا يجوز المسح عليهما‏,‏ إلا أن ينعلا لأنهما لا يمكن متابعة المشي فيهما فلم يجز المسح عليهما كالرقيقين ولنا‏:‏ ما روى المغيرة بن شعبة ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الجوربين والنعلين‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وهذا يدل على أن النعلين لم يكونا عليهما لأنهما لو كانا كذلك لم يذكر النعلين‏,‏ فإنه لا يقال‏:‏ مسحت على الخف ونعله ولأن الصحابة رضي الله عنهم مسحوا على الجوارب ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم‏,‏ فكان إجماعا ولأنه ساتر لمحل الفرض يثبت في القدم فجاز المسح عليه‏,‏ كالنعل وقولهم‏:‏ لا يمكن متابعة المشي فيه قلنا‏:‏ لا يجوز المسح عليه إلا أن يكون مما يثبت بنفسه ويمكن متابعة المشي فيه فأما الرقيق فليس بساتر‏.‏

فصل‏:‏

وقد سئل أحمد عن جورب الخرق يمسح عليه‏؟‏ فكره الخرق ولعل أحمد كرهها لأن الغالب عليها الخفة‏,‏ وأنها لا تثبت بأنفسها فإن كانت مثل جورب الصوف في الصفاقة والثبوت فلا فرق وقد قال أحمد في موضع‏:‏ لا يجزئه المسح على الجورب حتى يكون جوربا صفيقا‏,‏ يقوم قائما في رجله لا ينكسر مثل الخفين إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف يقوم مقام الخف في رجل الرجل‏,‏ يذهب فيه الرجل ويجيء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإن كان يثبت بالنعل مسح فإذا خلع النعل انتقضت الطهارة‏]‏ يعني أن الجورب إذا لم يثبت بنفسه وثبت بلبس النعل‏,‏ أبيح المسح عليه وتنتقض الطهارة بخلع النعل لأن ثبوت الجورب أحد شرطي جواز المسح وإنما حصل بلبس النعل‏,‏ فإذا خلعها زال الشرط فبطلت الطهارة كما لو ظهر القدم والأصل في هذا حديث المغيرة وقوله‏:‏ ‏"‏ مسح على الجوربين والنعلين ‏"‏ قال القاضي‏:‏ ويمسح على الجورب والنعل كما جاء الحديث والظاهر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم‏,‏ فأما أسفله وعقبه فلا يسن مسحه من الخف فكذلك من النعل

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا كان في الخف خرق يبدو منه بعض القدم لم يجز المسح عليه‏]‏ وجملته أنه إنما يجوز المسح على الخف ونحوه‏,‏ إذا كان ساترا لمحل الفرض فإن ظهر من محل الفرض شيء لم يجز المسح‏,‏ وإن كان يسيرا من موضع الخرز أو من غيره إذا كان يرى منه القدم وإن كان فيه شق ينضم ولا يبدو منه القدم لم يمنع جواز المسح نص عليه وهو مذهب معمر‏,‏ وأحد قولي الشافعي وقال الثوري ويزيد بن هارون وإسحاق‏,‏ وابن المنذر‏:‏ يجوز المسح على كل خف وقال الأوزاعي‏:‏ يمسح على الخف المخرق وعلى ما ظهر من رجله وقال أبو حنيفة‏:‏ إن تخرق قدر ثلاث أصابع لم يجز‏,‏ وإن كان أقل جاز ونحوه قال الحسن‏,‏ وقال مالك‏:‏ إن كثر وتفاحش لم يجز وإلا جاز وتعلقوا بعموم الحديث‏,‏ وبأنه خف يمكن متابعة المشي فيه فأشبه الصحيح ولأن الغالب على خفاف العرب كونها مخرقة وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمسحها من غير تفصيل فينصرف إلى الخفاف الملبوسة عندهم غالبا‏,‏ ولنا أنه غير ساتر للقدم فلم يجز المسح عليه كما لو كثر وتفاحش‏,‏ أو قياسا على غير الخف ولأن حكم ما ظهر الغسل وما استتر المسح فإذا اجتمعا‏,‏ غلب حكم الغسل كما لو انكشفت إحدى قدميه‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز المسح على اللفائف والخرق نص عليه أحمد وقيل له‏:‏ إن أهل الجبل يلفون على أرجلهم لفائف إلى نصف الساق‏؟‏ قال‏:‏ لا يجزئه المسح على ذلك إلا أن يكون جوربا وذلك أن اللفافة لا تثبت بنفسها‏,‏ إنما تثبت بشدها ولا نعلم في هذا خلافا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ويمسح على ظاهر القدم‏]‏ السنة مسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه فيضع يده على موضع الأصابع‏,‏ ثم يجرها إلى ساقه خطا بأصابعه وإن مسح من ساقه إلى أصابعه جاز والأول المسنون ولا يسن مسح أسفله ولا عقبه بذلك قال عروة‏,‏ وعطاء والحسن والنخعي‏,‏ والثوري الأوزاعي وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي وابن المنذر وروي عن سعد أنه كان يرى مسح ظاهره وباطنه وروي أيضا عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز‏,‏ والزهري ومكحول وابن المبارك‏,‏ ومالك والشافعي لما روى المغيرة بن شعبة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏وضأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح أعلى الخف وأسفله‏)‏ رواه ابن ماجه ولأنه يحاذي محل الفرض فأشبه ظاهره ولنا قول علي رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من ظاهره وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح ظاهر خفيه‏)‏ رواه أبو داود وعن المغيرة قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين على ظاهرهما‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح وعن عمر قال‏:‏ ‏(‏رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر بالمسح على ظاهر الخفين إذا لبسهما وهما طاهرتان‏)‏ رواه الخلال بإسناده ولأن باطنه ليس بمحل لفرض المسح‏,‏ فلم يكن محلا لمسنونه كساقه ولأن مسحه غير واجب ولا يكاد يسلم من مباشرة أذى فيه‏,‏ تتنجس يده به فكان تركه أولى وحديثهم معلول‏,‏ قاله الترمذي قال‏:‏ وسألت أبا زرعة ومحمدا - عنه فقالا‏:‏ ليس بصحيح وقال أحمد‏:‏ هذا من وجه ضعيف رواه رجاء بن حيوة‏,‏ عن وراد كاتب المغيرة ولم يلقه وأسفل الخف ليس بمحل لفرض المسح بخلاف أعلاه‏.‏

فصل‏:‏

والمجزئ في المسح أن يمسح أكثر مقدم ظاهره خطوطا بالأصابع‏,‏ وقال الشافعي‏:‏ يجزئه أقل ما يقع عليه اسم المسح لأنه أطلق لفظ المسح ولم ينقل فيه تقدير فوجب الرجوع إلى ما يتناوله الاسم وقال أبو حنيفة‏:‏ يجزئه قدر ثلاث أصابع لقول الحسن‏:‏ سنة المسح خطط بالأصابع فينصرف إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقل لفظ الجمع ثلاث‏,‏ ولنا أن لفظ المسح ورد مطلقا وفسره النبي بفعله فيجب الرجوع إلى تفسيره‏,‏ وقد روى الخلال بإسناده عن المغيرة بن شعبة‏,‏ فذكر وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ثم ‏(‏توضأ ومسح على الخفين فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن‏,‏ ووضع يده اليسرى على خفه الأيسر ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أثر أصابعه على الخفين‏)‏ قال ابن عقيل‏:‏ سنة المسح هكذا‏,‏ أن يمسح خفيه بيديه اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى وقال أحمد‏:‏ كيفما فعله فهو جائز باليد الواحدة أو باليدين‏,‏ وقول الحسن مع ما ذكرنا لا يتنافيان‏.‏

فصل‏:‏

فإن مسح بخرقة أو خشبة‏,‏ احتمل الإجزاء لأنه مسح على خفيه واحتمل المنع لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح بيده وإن مسح بإصبع أو إصبعين أجزأه إذا كرر المسح بها‏,‏ حتى يصير مثل المسح بأصابعه وقيل لأحمد‏:‏ يمسح بالراحتين أو بالأصابع‏؟‏ قال‏:‏ بالأصابع قيل له‏:‏ أيجزئه بإصبعين‏؟‏ قال‏:‏ لم أسمع‏.‏

فصل‏:‏

وإن غسل الخف فتوقف أحمد وأجازه ابن حامد لأنه أبلغ من المسح وقال القاضي‏:‏ لا يجزئه لأنه أمر بالمسح‏,‏ ولم يفعله فلم يجزه كما لو طرح التراب على وجهه ويديه في التيمم‏,‏ لكن إن أمر يديه على الخفين في حال الغسل أو بعده أجزأه لأنه قد مسح‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه‏]‏ لا نعلم أحدا قال‏:‏ يجزئه مسح أسفل الخف‏,‏ إلا أشهب من أصحاب مالك وبعض أصحاب الشافعي لأنه مسح بعض ما يحاذي محل الفرض فأجزأه‏,‏ كما لو مسح ظاهره والمنصوص عن الشافعي أنه لا يجزئه لأنه ليس محلا لفرض المسح فلم يجزئ مسحه كالساق‏,‏ وقد ذكرنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما مسح ظاهر الخف ولا خلاف في أنه يجزئ مسح ظاهره قال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم أحدا يقول بالمسح على الخفين يقول‏:‏ لا يجزئ المسح على أعلى الخف‏.‏

فصل‏:‏

والحكم في المسح على عقب الخف كالحكم في مسح أسفله لأنه ليس بمحل لفرض المسح فهو كأسفله

مسألة‏:‏

قال‏:‏ والرجل والمرأة في ذلك سواء يعني في المسح على الخفاف‏,‏ وسائر أحكامه وشروطه لعموم الخبر ولأنه مسح أقيم مقام الغسل فاستوى فيه الرجال والنساء كالتيمم‏,‏ ولا فرق بين المستحاضة ومن به سلس البول وغيرهما وقال بعض الشافعية‏:‏ ليس لهما أن يمسحا على الخف أكثر من وقت صلاة لأن الطهارة التي لبسا الخف عليها لا يستباح بها أكثر من ذلك ولنا عموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن‏)‏ ولأن المسح لا يبطل بمبطلات الطهارة فلا يبطل بخروج الوقت لكن إن زال عذرهما كملا في بابهما‏,‏ فلم يكن لهما المسح بتلك الطهارة كالتيمم إذا أكمل بالقدرة على الماء لا يمسح بالخف الملبوس على التيمم‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز المسح على العمامة قال ابن المنذر‏:‏ وممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق‏,‏ وبه قال عمر وأنس وأبو أمامة‏,‏ وروي عن سعد بن مالك وأبي الدرداء رضي الله عنهم وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن‏,‏ وقتادة ومكحول والأوزاعي‏,‏ وأبو ثور وابن المنذر وقال عروة والنخعي‏,‏ والشعبي والقاسم ومالك‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي‏:‏ لا يمسح عليها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وامسحوا برءوسكم‏}‏ ولأنه لا تلحقه المشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها‏,‏ كالكمين ولنا ما روي عن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ ‏(‏توضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الخفين والعمامة‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وفي ‏"‏ مسلم ‏"‏ ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار‏)‏ قال أحمد‏:‏ هو من خمسة وجوه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- روى الخلال‏,‏ بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله ولأنه حائل في محل ورد الشرع بمسحه فجاز المسح عليه‏,‏ كالخفين ولأن الرأس عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين‏,‏ والآية لا تنفي ما ذكرناه فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- مبين لكلام الله مفسر له وقد مسح النبي -صلى الله عليه وسلم- على العمامة‏,‏ وأمر بالمسح عليها وهذا يدل على أن المراد بالآية المسح على الرأس أو حائله ومما يبين ذلك‏,‏ أن المسح في الغالب لا يصيب الرأس وإنما يمسح على الشعر وهو حائل بين اليد وبينه فكذلك العمامة‏,‏ فإنه يقال لمن لمس عمامته أو قبلها‏:‏ قبل رأسه ولمسه وكذلك أمر بمسح الرجلين واتفقنا على جواز مسح حائلهما‏.‏

فصل‏:‏

ومن شروط جواز المسح على العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس‏,‏ إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس‏,‏ فإنه يعفى عنه بخلاف الخرق اليسير في الخف فإنه لا يعفى عنه لأن هذا الكشف جرت العادة به لمشقة التحرز عنه‏,‏ وإن كان تحت العمامة قلنسوة يظهر بعضها فالظاهر جواز المسح عليهما لأنهما صارا كالعمامة الواحدة ومن شروط جواز المسح عليها أن تكون على صفة عمائم المسلمين‏,‏ بأن يكون تحت الحنك منها شيء لأن هذه عمائم العرب وهي أكثر سترا من غيرها ويشق نزعها‏,‏ فيجوز المسح عليها سواء كانت لها ذؤابة أو لم يكن قاله القاضي وسواء كانت صغيرة أو كبيرة وإن لم يكن تحت الحنك منها شيء ولا لها ذؤابة‏,‏ لم يجز المسح عليها لأنها على صفة عمائم أهل الذمة ولا يشق نزعها وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط‏)‏ رواه أبو عبيد قال‏:‏ والاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا ليس تحت حنكه من عمامته شيء‏,‏ فحنكه بكور منها وقال‏:‏ ما هذه الفاسقية‏؟‏ فامتنع المسح عليها للنهي عنها وسهولة نزعها وإن كانت ذات ذؤابة‏,‏ ولم تكن محنكة ففي المسح عليها وجهان‏:‏ أحدهما جوازه لأنه لا تشبه عمائم أهل الذمة‏,‏ إذ ليس من عادتهم الذؤابة والثاني لا يجوز لأنها داخلة في عموم النهي ولا يشق نزعها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان بعض الرأس مكشوفا‏,‏ مما جرت العادة بكشفه استحب أن يمسح عليه مع العمامة نص عليه أحمد لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على عمامته وناصيته في حديث المغيرة بن شعبة‏,‏ وهو حديث صحيح قاله الترمذي وهل الجمع بينهما واجب‏؟‏ وقد توقف أحمد عنه فيخرج فيها وجهان‏:‏ أحدهما وجوبه للخبر ولأن العمامة نابت عما استتر‏,‏ فبقي الباقي على مقتضى الأصل كالجبيرة والثاني لا يجب لأن العمامة نابت عن الرأس‏,‏ فتعلق الحكم بها وانتقل الفرض إليها فلم يبق لما ظهر حكم ولأن وجوبهما معا يفضي إلى الجمع بين بدل ومبدل في عضو واحد‏,‏ فلم يجز من غير ضرورة كالخف وعلى هذا تخرج الجبيرة ولا خلاف في أن الأذنين لا يجب مسحهما لأنه لم ينقل ذلك وليسا من الرأس إلا على وجه التبع‏.‏

فصل‏:‏

وإن نزع العمامة بعد المسح عليها‏,‏ بطلت طهارته نص عليه أحمد وكذلك إن انكشف رأسه إلا أن يكون يسيرا‏,‏ مثل إن حك رأسه أو رفعها لأجل الوضوء فلا بأس قال أحمد‏:‏ إذا زالت العمامة عن هامته‏,‏ لا بأس ما لم ينقضها أو يفحش ذلك وذلك لأن هذا مما جرت العادة به‏,‏ فيشق التحرز عنه وإن انتقضت العمامة بعد مسحها بطلت طهارته لأن ذلك بمنزلة نزعها وإن انتقض بعضها ففيه روايتان‏,‏ ذكرهما ابن عقيل‏:‏ إحداهما لا تبطل طهارته لأنه زال بعض الممسوح عليه مع بقاء العضو مستورا‏,‏ فلم تبطل الطهارة ككشط الخف مع بقاء البطانة‏,‏ والثانية‏:‏ تبطل قال القاضي‏:‏ لو انتقض منها كور واحد بطلت لأنه زال الممسوح عليه فأشبه نزع الخف

فصل‏:‏

واختلف في وجوب استيعاب العمامة بالمسح فروي عن أحمد أنه قال‏:‏ يمسح على العمامة‏,‏ كما يمسح على رأسه فيحتمل أنه أراد التشبيه في صفة المسح دون الاستيعاب وأنه يجزئ مسح بعضها لأنه ممسوح على وجه الرخصة فأجزأ مسح بعضه‏,‏ كالخف ويحتمل أنه أراد التشبيه في الاستيعاب فيخرج فيها من الخلاف ما في وجوب استيعاب الرأس وفيه روايتان أظهرهما وجوب استيعابه بالمسح فكذلك في العمامة لأن مسح العمامة بدل من الجنس‏,‏ فيقدر بقدر المبدل كقراءة غير الفاتحة من القرآن بدلا من الفاتحة‏,‏ يجب أن يكون بقدرها ولو كان البدل تسبيحا لم يتقدر بقدرها‏,‏ ومسح الخف بدل من غير الجنس لأنه بدل عن الغسل فلم يتقدر به كالتسبيح بدلا عن القرآن وقال القاضي‏:‏ يجزئ مسح بعضها‏,‏ كإجزاء المسح في الخف على بعضه ويختص ذلك بأكوارها وهي دوائرها دون وسطها فإن مسح وسطها وحده فإن مسح وسطها ففيه وجهان أحدهما يجزئه‏,‏ كما يجزئ مسح بعض دوائرها والثاني لا يجزئه كما لو مسح أسفل الخف‏.‏

فصل‏:‏

والتوقيت في مسح العمامة كالتوقيت في مسح الخف لما روى أبو أمامة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر‏,‏ ويوما وليلة للمقيم‏)‏ رواه الخلال بإسناده إلا أنه من رواية شهر بن حوشب ولأنه ممسوح على وجه الرخصة فيوقت بذلك‏,‏ كالخف‏.‏

فصل‏:‏

والعمامة المحرمة كعمامة الحرير والمغصوبة لا يجوز المسح عليها لما ذكرنا في الخف المغصوب وإن لبست المرأة عمامة‏,‏ لم يجز المسح عليها لما ذكرنا من التشبه بالرجال فكانت محرمة في حقها وإن كان لها عذر‏,‏ فهذا يندر فلم يرتبط الحكم به

فصل‏:‏

ولا يجوز المسح على القلنسوة الطاقية‏,‏ نص عليه أحمد قال هارون الحمال‏:‏ سئل أبو عبد الله عن المسح على الكلتة‏؟‏ فلم يره وذلك لأنها لا تستر جميع الرأس في العادة ولا يدوم عليه‏,‏ وأما القلانس المبطنات كدنيات القضاة والنوميات‏,‏ فقال إسحاق بن إبراهيم قال أحمد‏:‏ لا يمسح على القلنسوة وقال ابن المنذر‏:‏ ولا نعلم أحدا قال بالمسح على القلنسوة إلا أن أنسا مسح على قلنسوته وذلك لأنها لا مشقة في نزعها‏,‏ فلم يجز المسح عليها كالكلتة ولأنها أدنى من العمامة غير المحنكة التي ليست لها ذؤابة وقال أبو بكر الخلال‏:‏ إن مسح إنسان على القلنسوة لم أر به بأسا لأن أحمد قال في رواية الميموني أنا أتوقاه وإن ذهب إليه ذاهب لم يعنفه قال الخلال‏:‏ وكيف يعنفه‏؟‏ وقد روي عن رجلين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأسانيد صحاح ورجال ثقات فروى الأثرم‏,‏ بإسناده عن عمر أنه قال‏:‏ إن شاء حسر عن رأسه وإن شاء مسح على قلنسوته وعمامته وروى بإسناده‏,‏ عن أبي موسى أنه خرج من الخلاء فمسح على القلنسوة ولأنه ملبوس معتاد يستر الرأس‏,‏ فأشبه العمامة المحنكة وفارق العمامة التي ليست محنكة ولا ذؤابة لها لأنها منهي عنها‏.‏

فصل‏:‏

وفي مسح الرأس على مقنعتها روايتان‏:‏ إحداهما يجوز لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها ذكره ابن المنذر وقد روي ‏(‏عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بالمسح على الخفين والخمار‏)‏ ولأنه ملبوس للرأس معتاد‏,‏ يشق نزعه فأشبه العمامة والثانية لا يجوز المسح عليه فإن أحمد سئل‏:‏ كيف تمسح المرأة على رأسها‏؟‏ قال‏:‏ من تحت الخمار‏,‏ ولا تمسح على الخمار قال‏:‏ وقد ذكروا أن أم سلمة كانت تمسح على خمارها وممن قال لا تمسح على خمارها نافع والنخعي‏,‏ وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز لأنه ملبوس لرأس المرأة‏,‏ فلم يجز المسح عليه كالوقاية ولا يجزئ المسح على الوقاية‏,‏ رواية واحدة لا نعلم فيه خلافا لأنها لا يشق نزعها فهي كالطاقية للرجل والله أعلم