فصل: تفسير الآيات (1- 14):

صباحاً 6 :21
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
19
الجمعة
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (12- 13):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}
{ياأيها النبي إِذَا جَآءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ} الآية وذلك يوم فتح مكة لما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال وهو على الصَفا وعمر بن الخطاب أسفل منه وهو يبايع النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغهن عنه وهند بنت عتبة أمرأة أبي سفيان متنقبة مستنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً» فرفعت هند رأسها وقالت والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال، وبايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا يسرقن» فقالت هند: إن أبي سفيان رجل شحيح وإني أصيب من ماله هنات ولا أدري أتحل لي أم لا؟
فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غير فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها: «وإنك لهند بنت عتبة» قالت: نعم، فأعفُ عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك فقال: «لا يزنين» فقالت هند أوتزني الحرة؟ فقال: «{وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ}» فقالت هند: ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى وتبسّم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} وهو أن تقذف ولداً على زوجها وليس منه، فقالت هند: والله إنَّ البهتان يقبح وما تأمرنا إلاّ مكارم الأخلاق، {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فقالت: ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء، فأقرّ النسوة بما أخد عليهن.
وأختلف العلماء في كيفية بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه النساء، فأخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا مكي قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا سفيان وأخبرنا عبد الله ابن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدثنا بشر بن مطر قال: حدثنا سفيان بن عتبة عن محمد بن المفكر وسمع أميمة بنت رفيقة تقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فقال: فيما استطعتن وأطقتن فقلت: رسول الله أرحم بنا من أنفسنا، قلت: يا رسول الله صافحنا قال: «إني لا أصافح النساء إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة».
وأخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية على أن لا يشركن بالله شيئاً قالت: وما مسّ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد أمرأة قط الايد أمرأة تملكها، وقال السعري كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء وعلى يده ثوب مطري.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ثم غمس أيديهن فيه، وقال الكلبي: كان رسول صلى الله عليه وسلم يشرط على النساء وعمر رضي الله عنه يصافحهن.
وأختلف المفسرون في معنى المعروف فقال القرظي: المعروف الذي لا يعصينه فيه، ربيع: كل ما وافق طاعة الله فهو معروف، فلم يرض الله لنبيّه أن يطاع في معصية الله. بكر بن عبد الله المدني: لا يعصينك في كل أمر فيه رشدهن، مجاهد: لا تخلو المرآة بالرجال، سعيد ابن المسيب ومحمد بن السائب وعبد الرحمن بن زيد: لا تحلقن ولا تسلقن ولا تحرقن ثوباً ولا ينتفن شعراً ولا يخمشن وجهاً ولا ينشرن شعراً ولا يحدثن الرجال إلا ذا محرم ولا تخلو أمرأة برجل غير ذي محرم ولا تسافر أمرأة ثلاثة أيام مع غير ذي محرم، ابن عباس: لا ينحن.
ودليل هذا التأويل ما أخبرنا الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن علي الهمداني قال: حدثنا محمد بن علي بن مخلد الفرقدي قال: حدثنا سليمان الشادكوى قال حدّثنا النعمان بن عبد السلام قال حدّثني عمرو بن فروخ قال: حدثنا مصعب بن نوح قال: أدركت عجوزاً ممن بايعت النبي صلى الله عليه وسلم فحدّثتني عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعصينك في معروف قال: النوح وأخبرنا الحسن قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أخبرنا أبو بكر بن سلام قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدّثنا سعدون قال: حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفّين صفاً عن اليمين وصفاً وعن الشمال وينبحن كما تنبح الكلاب».
وأخبرنا الحسين قال: حدثنا السني قال: أخبرني إسحاق بن مروان الخطراني قال: حدثنا الحسن بن عروة قال: حدّثنا علي بن ثابت الحرري قال: حدّثنا حسان بن حميد عن سلمة بن جعفر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب من لعنة ودرع من حرب واضعة يدها على رأسها تقول: واويلاه، وملك يقول: آمين، ثم يكون من ذلك حظها النار».
وأخبرنا الحسن قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أخبرنا أبو يعلي الموصلي قال: حدثنا هدية بن خالد قال حدثنا أبان بن يزيد قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير أن زيداً حدّثه أنَّ أبا سلمة حدّثه أن أبا مالك الأشعري حدّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن: الفخر في الإحساب والطعن في الأنساب والإستسقاء بالنجوم والنياحة».
وقال: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها يقام يوم القيامة عليها سربال من قطران ودرع من حرب».
وأخبرنا الحسن قال: أخبرنا ابن حمدان قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن سنان قال: حدّثنا عبد الله بن رجاء العداي قال: حدّثنا عمران بن دوار القطان قال: حدّثنا قتادة عن أبي مرانة العجلي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصلي الملائكة على نائحة ولا مرنة».
وأخبرنا الحسن قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق قال: حدّثني عمر بن حفص المكاري قال: حدّثنا أبو عتبة قال: حدّثنا فقيه قال: حدّثنا أبو عامر قال: حدّثني عطاء بن أبي رياح أنَّه كان عند ابن عمر وهو يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمسمعة والحالقة والسالقة والواشمة والمتوشمة وقال: «ليس للنساء في إتباع الجنائز أجر».
وأخبرنا الحسن قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا يوسف بن عبد الله قال حدّثنا موسى ابن إسماعيل قال: حدّثنا حماد عن أبان بن أبي عياش عن الحسين أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع نائحة فأتاها فضربها حتى وقع خمارها عن رأسها، فقيل: يا أمير المؤمنين المرأة المرأة قد وقع خمارها، قال: إنها لا حرمة لها.
{ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} وهم اليهود وذلك ان ناساً من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين ويتواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك {قَدْ يَئِسُواْ} يعني هؤلاء اليهود {مِنَ الآخرة} أن يكون لهم فيها ثواب {كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} أن يرجعوا إليهم أو يبعثوا.
أخبرنا الشيخ أبو علي بن أبي عمرو الخيري الحرشي قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا محمد ابن خلف بن شُعبة قال: حدّثنا محمد بن سائق قال: حدّثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله سبحانه {كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} قال: هم الكفار أصحاب القبور قد يئسوا من الآخرة.
وأخبرنا أبو علي بن أبي عمرو قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا علي بن سعيد بن جبير النسائي قال: حدّثنا أبو النظر قال: حدّثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد {كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} قال: الكفار حين دخلوا قبورهم يئسوا من رحمة الله.
وأخبرنا أبو علي قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي قال: حدّثنا موسى قال: حدّثنا شبل عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عزّ وجلّ {يَئِسُواْ مِنَ الآخرة} بكفرهم كما يئس الكفّار من الموتى في الآخرة حتى يبين لهم أعمالهم.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمّد بن جعفر قال: حدّثنا علي بن حرب قال: حدّثنا وكيع قال: حدّثنا عبد الله بن حبيب عن أبي ثابت قال: سمعت القاسم بن أبي بزة يقول في قول الله سبحانه {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} قال: من كان منهم من الكفار يئس من الخير.

.سورة الصف:

مكية، وهي تسعمائة حرف، ومائتان وأحدى وعشرون كلمة، وأربع عشرة آية.
أخبرنا أبو الحسين الخبازي قال: حدّثنا ابن حبش قال: حدّثني أبو عباس محمد بن موسى الرازي قال: حدّثنا عبد الله بن روح المدائني قال: حدّثني شبابة بن سواد الغزاري قال: حدّثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد وعن عطاء بن أبي ميمونة عن بن حبش عن أُبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة عيسى عليه السلام كان عيسى مصلياً عليه مستغفراً له ما دام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه».
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 14):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)}
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العزيز الحكيم * ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} قال مقاتلان: قال المؤمنون قبل أن يؤمروا بالقتال: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله سبحانه لعلمناه وبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فدلّهم الله على أحب الأعمال اليه فقال: {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} فبيّن لهم فابتلوا يوم أحد بذلك، فولّوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مدبرين فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
وقال: الكلبي: قال: المؤمنون: يا رسول الله لو نعلم أحب الأعمال لفعلنا ونزل {هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ثم أنقطع الكلام ولم يبين لهم شيئاً فمكثوا بعد ذلك ما شاء الله أن يمكثوا وهم يقولون: ليتنا نعلم ماهي أما والله إذن لأشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين، فدلّهم الله سبحانه فقال: {تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله} الآية، فأبتلوا بذلك يوم أحد ففرّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صرع وشج في وجهه وكسرت رباعيته، فنزلت هذه الآية يعيّرهم ترك الوفاء.
وقال محمد بن كعب: لما أخبر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر قالت الصحابة: لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيّرهم الله بهذه الآية، وقال ابن عباس: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: وددنا لو أن الله دلّنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبرهم الله تعالى أن أفضل الأعمال إيمان لا شك فيه والجهاد، فكره ذلك ناس منه وشق عليهم الجهاد وتباطؤوا عنه فأنزل الله سبحانه هذه الآية، وقال: قتادة والضحاك: نزلتا في شأن القتال، كان الرجل يقول: قتلت ولم يقاتل، وطعنت ولم يطعن، وضربت ولم يضرب، وصبرت ولم يصبر.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن مقلاب قال: حدّثنا أبو الحرث أحمد بن سعيد بدمشق قال: حدّثنا يعقوب بن محمد الزهري قال: أخبرنا حصين بن حذيف الصهري قال: حدّثني عمي عن سعيد بن المسيب عن مهيب قال: كان رجل يوم بدر قد آذى المسلمين ونهاهم فقتله صهيب في القتال، فقال رجل: يا رسول الله قتلت فلاناً ففرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمرو بن عبد الرحمن لصهيب: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنك قتلته فأن فلاناً ينتحله، فقال صهيب: إنما قتلته لله تعالى ولرسوله، فقال عمرو بن عبدالرحمن: يا رسول الله قتله صهيب، قال: كذلك يا أبا يحيى؟ قال: نعم يا رسول الله، فأنزل الله سبحانه {ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} والآية الأخرى.
وقال الحسن: هؤلاء المنافقون ندبهم الله سبحانه ونسبهم إلى الأقرار الذي أعلنوه للمسلمين فأنزل الله فقال: {ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} كذباً وزوراً، وقال: ابن زيد: نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين النصر وهم كاذبون، وقال: مجاهد: نزلت في نفر من الأنصار منهم عبد الله بن رواحة قال: في مجلس لهم: لو علمنا أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا بها حتى نموت، فأنزل الله سبحانه هذه السورة فقال عبد الله بن رواحة: لا أبرح حبيساً في سبيل الله حتى أموت أو أُقتل فقتل بمؤته شهيداً رحمة الله عليه ورضوانه، وقال: ميمون بن مهران: نزلت في الرجل يقرض نفسه بما لم يفعله نظيره ويحبون أن يحمدوا عما لم يفعلوا.
حدّثنا أبو القاسم الحسيني لفظاً قال: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي قال: حدّثنا عمي سعيد الدارمي قال: حدّثنا محبوب بن موسى الأنطاكي قال: حدّثنا أبو إسحاق الفراري عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سلام قال: خرجنا نتذاكر فقلنا: أيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أي الأعمال أحب إلى الله، ثم تفرقنا وَهِبنا أن يأتيه أحدنا، فأرسل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعنا فجعل يومي بعضنا إلى بعض فقرأ علينا {سَبَّحَ لِلَّهِ} إلى آخرها.
قال أبو سلمة: فقرأها علينا عبد الله بن سلام إلى آخرها قال يحيى بن أبي كثير: فقرأ علينا أبو سلمة إلى آخرها، قال الأوزاعي: فقرأ علينا يحيى بن إسحاق إلى آخرها، قال أبو إسحاق الفزاري: فقرأها علينا الأوزاعي إلى آخرها، قال محبوب بن موسى: قرأها علينا الفزاري إلى آخرها، قال عثمان بن سعيد: فقرأها علينا محبوب إلى آخرها، قال الطرائفي: فقرأها علينا عثمان بن سعيد إلى آخرها، قال القاسم: وقرأها علينا أبو الحسن الطرائفي إلى آخره، وقرأها علينا الإستاذ أبو القاسم إلى آخرها وسألنا أحمد الثعلبي أن يقرأ فقرأ علينا إلى آخرها.
{كَبُرَ مَقْتاً} نصب على الحال وأن شئت على التمييز.
وقال الكسائي: {أَن تَقُولُواْ} في موضع رفع لان {كَبُرَ} بمنزلة قولك بئس رجلا أخوك، وأضمر القراء فيه أسماً مرفوعاً، والمقت والمقاتة مصدر واحد يقال: رجل ممقوت ومقيت إذا لم تحبّه الناس {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} قد رصّ بعضه إلى بعض أي أحكم وأيقن وأدقّ فليس فيه فرجة ولا خلل، وأصله من الرصاص، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تراصوا بينكم في الصفوف لا يتخللنكم الشياطين كأنها بنات حذف».
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ} من بني إسرائيل {ياقوم لِمَ تُؤْذُونَنِي} وذلك حين رموه بالادرة {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ} والرسول يحترم ويعظم {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله} عن الحق {قُلُوبَهُمْ} عن الدين {والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين * وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يابني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ} وهو الذي لا يذم، وفي وجهه قولان:
أحدهما: أن الأنبياء كلّهم حمّادون لله سبحانه ونبينا صلى الله عليه وسلم أحمد، أي أكثر حمداً لله منهم.
والثاني: أنَّ الأنبياء كلّهم محمودون ونبيّنا أحمد أي أكثر مناقب وأجمع للفضائل.
{فَلَمَّا جَاءَهُم بالبينات قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله الكذب وَهُوَ يدعى إِلَى الإسلام والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون * هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون * ياأيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم} قراءة العامة بالتخفيف من الإنجاء وقرأ ابن عامر بالتشديد من التنجية {مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} بيّن ما هي فقال: {تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً}.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثني ابن حرجة قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن سليمان قال: حدّثنا محمد بن الفرح البغدادي قال: حدّثنا حجاج بن محمد بن جبير القصاب عن الحسن قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فقال: «قصر من لؤلؤة في الجنّة وذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراء في كل بيت سبعون سريراً على كل سرير سبعون فراشاً من كل لون، على كلّ فراش امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من كل الطعام، في كل بيت سبعون وصيفاً ووصيفة، قال: فيعطي الله المؤمن من القوة في غذائه وحده ما يأتي على ذلك كله».
{فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفوز العظيم * وأخرى} قال: نحاة البصرة: هي في محل الخفض مجازه: وتجارة أخرى، وقال نحاة الكوفة: محلها رفع أي ولكم أخرى في العاجل مع ثواب الآجل.
{تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المؤمنين} ثم حثهم على نصرة الدين وجهاد المخالفين فقال: {ياأيها الذين آمَنُواْ كونوا أَنصَارَ الله} أعواناً بالسيف على أعدائه، قرأ أبو عمرو وقرأ أهل الحجاز أنصاراً بالتنوين وهو أختيار أيوب، وقرأ الباقون بالأضافة وهو أختيار أبي حاتم وأبي عبيد قال: لقوله: {أَنصَارَ الله} ولم يقل: أنصاراً لله.
{كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أنصاري إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنصَارُ الله فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ}.