الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
أراد: مجموع بعضه إلى بعض والحتي: مذر المقل، وكذلك يقول العرب للشيء المجتمع: مكتنز لانضمام بعضه إلى بعض.قرأ يحيى بن عمر يكنزون بضم النون، وقراءة العامة بالكسر، وهما لغتان مثل يعكُفون ويعكِفون، ويعرُشون ويعرِشون {وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله} ولم يقل فينفقونهما، اختلف النحاة فيه، قال قطرب: أراد الزكاة أو الكنوز أو [.....] الذهب والفضة، وقال الفرّاء: استغنى بالخبر عن أحدهما في عائد الذكر عن الآخر لدلالة الكلام على أن الخبر على الآخر مثل الخبر عنه، وذلك موجود في كلام العرب وأخبارهم، قال الشاعر: وقال ابن الانباري: قصد الأغلب والأعم لأن الفضة أعم والذهب أخص مثل قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} [البقرة: 45] ردّ الكناية إلى الصلاة لأنّها أعم، وقوله: {رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] ردّ الكناية إلى التجارة لأنها أعم وأفضل.{فَبَشِّرْهُمْ} فأخبرهم وأنذرهم {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا} أي يدخل النار مرتدياً بعض الكنوز، ومنه يقال: حميت الحديدة في النار {فتكوى} فتحرق {بِهَا جِبَاهُهُمْ} جباه كانزيها {وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ}.قال عبد الله بن مسعود: والذي لا إله غيره مامن رجل يكوى، يكنز موضع دينار على دينار ودرهم على درهم، ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على خدّيه.وسئل أبو بكر الوراق: لم خص الجباه والجنوب والظهور بالكي؟ فقال: لأن الغني صاحب الكنز إذا رأى الفقير انقبض، فإذا ضمّه وإياه مجلس ازورّ عنه وولّى ظهره عليه، وقال محمد بن علي الترمذي: ذلك لأنّه يبذخ ويستكبر بماله ويقع على كنزه بجنبيه ويتساند إليه.وقال الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل خشن الثياب، خشن الجسد، خشن الوجه فقام عليهم، فقال: بشّر الكنّازين برضف يحمى عليه في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثدييه، ويزلزل ويكوي الجباه والجنوب والظهور حتى تلتقي الحمة في أجوافهم.قال: فوضع القوم رؤوسهم فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً، قال: فأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم، فقال: إن هؤلاء لايعقلون شيئاً.{هذا} أي يقال لهم: هذا {هذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} كقوله: {فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106] أي تجحدون حقوق الله في أموالكم وتمنعونها.واختلف العلماء في حكم هذه الآية، وفيمن نزلت منهم، فروى ابن شهاب عن خالد بن زيد بن أسلم عن ابن عمر وسئل عن قوله تعالى: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة} فقال ابن عمر: إنّما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلمّا نزلت جعلها الله تطهير الأموال.مجاهد عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية كبر ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحد منا يبقي لولده مالا يبقي بعده، فقال عمر رضي الله عنه: أنا أُفرّج عنكم فانطلقوا، وانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يانبي الله إنّه قد كبر على أصحابك هذه فقال: «إن الله عز وجل لم يفرض الزكاة إلا ليطيّب بها ما بقي من أموالكم وإنما فرض المواريث في أموال تبقى بعدكم» ثم قال: «الا أخبركم بخير مايكنز المرء، المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، فإذا غاب عنها حفظته».وقال بعض الصحابة: هي في أهل الكتاب خاصة، وقال السدّي: هي في أهل القبلة، وقال الضحاك: هي عامة في أهل الكتاب وفي المسلمين، مَن كسب مالاً حلالاً فلم يعط حق الله منه كان كنزاً وإن قلّ فكان على وجه الأرض، وما أُعطي حق الله منه لم يكن كنزاً وإن كان كثيراً ودفنه في الأرض.عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا انا بأبي ذر فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية {والذين يَكْنِزُونَ} الآية، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، وكان بيني وبينهم كلام في ذلك فكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فقدمتها فكثر الناس علي حتى كأنّهم لم يروني قبل ذلك فذكرت ذلك لعثمان فقال: إن شئت تنحّيت فكنت قريباً، فذلك الذي أنزلني هذه المنزل، ولو أمّروا عليَّ جيشاً لسمعت وأطعت.وقال بعضهم: نزلت في مانعي الزكاة خاصة، وهو أولى الاقاويل بالصحة، يدلّ عليه ماروى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب كنز لايؤدي زكاته إلاّ حُمي عليه في نار جهنم، فجعل صفائح فيكوي بها جبينه وجنباه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين الف سنة، ثم يرسله أمّا إلى الجنة وأمّا إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلجاء كلّما مضى عليه أخراها ردّت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرسله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب أبل لايؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت [........] كلّما مضى عليها أخراها ردّت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرسله أما إلى الجنة وأما إلى النار» قال سهيل: فلا أدري أذكر البقر أو لا؟وروى ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «من ترك بعده كنزاً مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يتبعه، يقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك، فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها، ثم يلقمه سائر جسده».{إِنَّ عِدَّةَ الشهور} يعني عدد شهور السنة {عِندَ الله اثنا عَشَرَ} قراءة العامة بفتح العين والشين، وقرأ أبو جعفر بجزم الشين، وقرأ طلحة بن سليمان بسكون الشين، شهراً نصب على التمييز.وهي المحرم وصفر وشهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجمادى الاولى وجمادى الآخرة ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة.وأما المحرم فسمي بذلك لتحريم القتال فيه، وسمي صفر لأن مكة تصفر من الناس فيه أي تخلو منهم، وقيل: وقع فيه وباء فاصفرّت وجوههم، وقال أبو عبيدة: سمّي صفر لأنه صفرت فيه وطابهم من اللبن، وشهرا الربيع سمّيا بذلك لجمود الماء فيهما، وسمّي رجب لأنهم كانوا يرجبونه أي يعظمونه، رجبته ورجّبته بالتخفيف والتشديد إذا عظمته، قال الكميت: وقيل: سمي بذلك لترك القتال فيه من قول العرب: رجل أرجب إذ كان أقطع لا يمكنه العمل، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إن في الجنة نهراً يقال له رجب ماؤه أشد بياضاً من الثلج وأحلى من العسل، من صام يوماً من رجب شرب منه»، وقال عمر: سمّي شعبان لتشعب القبائل فيه.وروى زياد بن ميمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سُمّي شعبان لأنه يتشعب فيه خير كثير لرمضان».وقد مضى القول في رمضان، وسمّي شوال لشولان النوق اللقاح بأذنابها فيه.قال أبو زيد البلخي: سمّي بذلك لأن القبائل تشول فيه أي تبرح عن أماكنها، وسمّي ذو القعدة لقعودهم عن القتال، وذو الحجة لقضاء حجهم فيه، والله أعلم.قال بعض البلغاء: إذا رأت العرب السادات تركوا العادات وحرموا الغارات قالوا: محرم، وإذا ضعفت أركانهم ومرضت أبدانهم، وأصفرت ألوانهم قالوا: صفر، وإذا ظهرت الرياحين وزهرت البساتين قالوا: ربيعان، وإذا قل الثمار وجمد الماء قالوا: جماديان، فإذا هاجت البحار وحمت الأنهار وترجبت الأشجار قالوا: رجب، وإذا بانت الفضائل وتشعبت القبائل قالوا: شعبان، وإذا حمي الفضا، ونفي جمر الغضاء قالوا: رمضان، وإذا انكشف السحاب، وكثرت الذباب وشالت الناقة إلا ذبحوها قالوا: شوال، وإذا قعد التجار عن الأسفار قالوا: ذو القعدة، وإذا قصدوا الحج من كل فج، وأظهروا النج والعج قالوا: ذو الحجة.{فِي كِتَابِ الله} يعني اللوح المحفوظ وقيل في قضائه الذي قضى {يَوْمَ خَلَقَ السماوات والأرض مِنْهَآ} من الشهور {أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} كانت العرب تعظمها وتحرم القتال فيها حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه، وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة ومحرم، واحد فرد وثلاثة سرد.{ذلك الدين القيم} الحساب المستقيم {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي في الأشهر الحرم بالعمل بمعصية الله عز وجل وترك طاعته، وقال ابن عباس: استحلال القتال والغارة فيهن، وقال محمد بن إسحاق عن يسار: لا تجعلوا حلالها حراماً ولا حرامها حلالا كما فعل أهل الشرك، وقال قتادة: إن العمل الصالح والأجر أعظم في الأشهر الحرم، والذنب والظلم فيهن أعظم من الظلم فيما سواهنّ، وإن كان الظلم على كل حال عظيم، ولكن الله يعظم من أمره ما شاء كما يصطفي من خلقه صفايا.{وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً} جميعاً عامّاً مؤتلفين غير مخلّفين {كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} نصب على الحال {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين}.واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم فقال قوم: إنه منسوخ، وقال قتادة وعطاء الخرساني: كان القتال كثيراً في الأشهر الحرم ثم نسخ وأُحل القتال فيه بقوله: {وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً} يقول: فيهن وفي غيرهنّ.قال الزهري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرّم القتال في الأشهر الحرم بما أنزل الله سبحانه من تحريم ذلك حتى نزلت براءة فأحل قتال المشركين، وقال أبو إسحاق: سألت سفيان الثوري عن القتال في الشهر الحرام فقال: هذا منسوخ، وقد مضى، ولا بأس بالقتال فيه وفي غيره، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين وثقيفاً بالطائف في شوال وبعض ذي القعدة فيدل على أنه منسوخ، وقال آخرون: إنه غير منسوخ، وقال ابن جريج: حلف بالله عطاء بن أبي رباح مايحلّ للناس أن يغزوا في المحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يُقاتَلوا فيها وما نَسخت، وقال ابن حيان نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة.{إِنَّمَا النسياء} قرأ الحسن، وعلقمة وقتادة ومجاهد ونافع غير ورش وأبو عامر وعيسى والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر: النسيء ممدود مهموز، واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم، وهو مصدر كالخرير والسعير والحريق ونحوها، ويجوز أن يكون مفعولاً مصروفاً إلى فعيل مثل الجريح والقتيل والغريق، تقديره: إنما الشهر المؤخَّر، وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة والأشهب وشبل: {إنما النسيء} ساكنة: السين مهموزة على المصدر لا غير، وقرأ أبو عمرو وورش النسيّ بالتشديد من غير همزة.وروي ذلك عن ابن كثير على معنى النسيّ أي المتروك قال الله تعالى {نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ} من النسيان، ويحتمل أن يكون أصله الهمز مخفف، واختلفوا في أصل الكلمة، فقال الأخفش: هو من التأخير ومنه النسيئة في البيع، ويقال: أنسأ الله أجله، ونسأ في أجله أي أخّره، وقال قطرب: هو من الزيادة، وكل زيادة حدثت في شيء فهو نسيء، وكذلك قيل للبن إذ كثر بالماء نسيء، ونسؤ، وللمرأة الحبلى نسؤتْ، لزيادة الواو فيها، وقد نسأتُ الناقة وأنسأتها إذا زجرتها ليزداد سيرها، وقال قتادة: عهد ناس من أهل الضلالة فزادوا صفراً في الأشهر الحرم، وكان يقوم قائمة في الموسم ويقول: ألا إن آلهتكم قد حرمت المحرم فيحرمونه ذلك العام، ثم يقوم في العام المقبل فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرّمت صفر فيحرمونه ذلك العام وكان يقال لهما: صفران.وأما معنى النسيء وبدوّ أمره على ماذكره العلماء بألفاظ مختلفة ومعنى متفق، فهو إن العرب كانت تحرّم الشهور الأربعة وكان ذلك مما تمسّكت به من ملّة إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل، وكان العرب أصحاب حروب وغارات فشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لايغزون فيها، وقالوا: لئن توالت علينا ثلاثة أشهر حرم لا نصيب فيها شيئاً لنجوعنّ، وإنما نصيب على ظهر دوابنا فربّما احتاجوا مع ذلك إلى تحليل المحرم أو غيره من الأشهر الحرم لحرب تكون بينهم فيكرهون استحلاله ويستحلون المحرم.وكانوا يمكثون بذلك زماناً يحرّمون صفر، وهم يريدون به المحرم ويقولون: هو أحد الصفرين، وقد تأوّل بعض الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا صفر، على هذا ثم يحتاجون أيضاً إلى تأخير الصفر إلى الشهر الذي بعده كحاجتهم إلى تأخيرالمحرم، فيؤخّرون تحريمه إلى ربيع، ثم يمكثون بذلك ما شاء الله، ثم يحتاجون إلى مثله، ثم كذلك فكذلك يتدافع شهراً بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلّها، فقام الإسلام قد رجع المحرم إلى وضعه الذي وضعه الله عز وجل وذلك بعد عمر طويل.وقال مجاهد: كان المشركون يحجّون في كل شهر عامين، فحجّوا في ذي الحجة عامين، ثم حجّوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، وكذلك في الشهور التي وافقت حجة أبي بكر التي حجها قبل حجة الوداع السنة الثانية من ذي القعدة، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذي الحجة، فذلك حين قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: «ألا إن الزمان قد ابتدأ فدعيت يوم خلق السموات والأرض إن السنة إثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان».أراد صلى الله عليه وسلم أنّ الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء.واختلفوا في أول من نسأ، فقال ابن عباس وقتادة والضحاك: أوّل من نسأ بنو مالك بن كنانة وكان يليه أبو ثمامة عبادة بن عوف بن أمية الكناني، كان يوافي الموسم كل عام على حمار فيقول: أيّها الناس إني أُحدّث ولا أخاف ولا مردّ لما أقول. إنّا قد حرمنا المحرم، وأخّرنا صفر، ثم يجيء العام المقبل فيقول: إنّا قد حرّمنا صفر وأخّرنا المحرم.وقال الكلبي: أول من فعل ذلك رجل من كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، وكان يكون قبل الناس بالموسم، وإذا همّ الناس بالصّدر قام فخطب الناس فقال: لا مردّ لما قضيت، أنا الذي لا أغاب ولا أخاب فيقول له المشركون: لبيك، ثم يسألهم أن ينسئهم شهراً يغيّرون فيه، فيقول: إن القتال العام حرام، وإذا قال ذلك حلّوا الأوتار وقرعوا الأسنّة والأزجّة، وإن قال: حلال عقدوا الأوتار وشددوا الأزجّة وأغاروا على الناس.وقيل بعد نعيم بن ثعلبة رجل يقال له: جنادة بن عوف وهو الذي أدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم.جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن أوّل من نسأ النسيء عمرو بن لحي بن بلتعة بن خندف، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو رجل من بني كنانة يقال له القملّس في الجاهلية، وكان أهل الجاهلية لايغير بعضهم على بعض في الأشهر الحرم، يلقي الرجل قاتل أبيه وأخيه فلا يتعرض له فيقول قائلهم: اخرجوا بنا فيقال له: هذا المحرم، فيقول القملّس: إني قد نسأته العام صفران، فإذا كان العام المقبل قضينا فجعلناهما محرمين، وقال [.............] وقال الكميت: فهو النسيء الذي قال الله تعالى: إنما النسيء زيادة {زِيَادَةٌ فِي الكفر يُضَلُّ} قرأ أهل المدينة وعاصم وأبو عمرو يَضِل بفتح الياء وكسر الضاد، واختاره أبو حاتم لأنه ضمّ الضالون لقوله: {بِهِ الذين كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً} وقرأ أبو رجاء والحسن وأبو عبد الرحمن وقتادة ومجاهد وابن محيصن: يضل مكسورة الضاد، ولها وجهان: أحدهما أن يكون {الذين كَفَرُواْ} في محل النصب أي يضل الله به الذين كفروا.والوجه الثاني أن يكون {الذين} في محل رفع على معنى يُضِل به الذين كفروا الناس المفسدين منهم، وقرأ أهل الكوفة: يُضل بضم الياء وفتح الضاد وهي قراءة ابن مسعود واختيار أبي عبيدة لقوله زُيّن لهم سوء أعمالهم ويحلّونه يعني النسيء عاماً ويحرّمونه عاما {لِّيُوَاطِئُواْ} ليوافقوا، قال ابن عباس: ليشبهوا، قال المؤرّخ: هو أنهم لم يحلّوا شهراً من الحرم إلا حرّموا مكانه شهراً من الحلال، ولم يحرّموا شهراً من الحلال إلاّ أحلوا مكانه شهراً من الحرم لئلاّ تكون الحرم أكثر من أربعة أشهر ممّا حرم الله فيكون موافقاً للعدد، فذلك المراد.{فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله زُيِّنَ لَهُمْ سواء أَعْمَالِهِمْ والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين}.
|