الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية (نسخة منقحة)
.مقدمة: أما بعد: مما لا شك فيه أن قضية بيت المقدس هي قضية العالم الإسلامي المحورية، واغتصابها على أيدي الإنجليز عام 1918، ومن بعدهم الصهاينة وقوى الاستعمار العالمي في 4 مايو 1948، قد عرض أمن العالم الإسلامي كله للخطر؟ فلقد أثبتت الدراسات والأحداث أن العدو الذي اغتصب القدس لن تقف أطماعه عند هذا الحد، بل إنه يحلم بتمزيق العالم إلى كانتونات عرقية وطائفية، وإقامة دولة يهودية عالمية عاصمتها بيت المقدس، ومن أجل هذا كان للعدو إستراتيجية ثابتة تقوم على توجيه ضربات مباغتة ومفاجئة لدول المنطقة، ثم التوقف حتى يتم هضم اللقمة التي ابتلعها، ولا مانع أثناءها من رفع شعارات- السلام- لتخدير مشاعر الفريسة وأهلها ريثما يتم توجيه الضربة التالية، وهكذا. والعقبة في سبيل تحقيق ذلك- كما يراها الصهاينة- هي عقيدة التوحيد، ووحدة الأمة المسلمة، وخصوبة النسل، والصحوة الإسلامية المتنامية، وامتداد رقعة العالم الإسلامي، ووفرة ثرواته وموارده الطبيعية، ومن هنا كانت إستراتيجية العدو التي تقوم على ضرورة تفكيك أوصال الأمة إلى كيانات طائفية عرقية، مع إشاعة الفتنة بين هذه الكيانات. بالإضافة إلى محاولة تحجيم نسل المسلمين، وطمس معالم عقيدة الإسلام في القلوب، وضرب مواقع القوة في الجسد الإسلامي بشتى الوسائل، وقد استطاع العدو أثناء تنفيذ هذه الإستراتيجية- تنويم الأمة- من خلال معاهدات السلام، وإجراءات التطبيع، ومن خلال توظيف المنظمات الدولية، وغالب الأنظمة الحاكمة بمؤسساتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية لتحقيق أهدافه، ورغم هذا فيبدو أن قطاعا كبيرا من الأمة لا يدرك حجم تلك الأخطار. ولما كان من واجب العلماء تنبيه الأمة إلى الأخطار المحدقة بها، وتبصيرها بضراوة الهجمة الصهيونية الاستعمارية وأبعادها التي لن تقف عند حد اغتصاب فلسطين وحدها، لعل الأمة تنتبه، وتأخذ زمام المبادرة في التصدي لهذا العدوان الواقع عليها وتحرير القدس وغيرها من ديار الإسلام. كخطوة أولى نحو تحرير إرادة الأمة، وإقامة دين الله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. من أجل هذا كان الكتاب الأول، وهو عبارة عن قراء! في فكر بعض علماء الإستراتيجية والعلوم السياسية والعسكرية المشهود لهم بالكفاءة، وبعض الكتاب المعاصرين الذين نبهوا- جميعاً- إلى تلك الأخطار التي طوقت الأمة ا وبينوا كيفية مواجهتها. وقراءتنا هذه جعلناها في ستة فصول على النحو التالي:- الفصل الأول: قراءة في فكر اللواء أ. ح. د. فوزي محمد طايل. المبحث ا لأول: الجولة الإسرائيلية- العربية السادسة. المبحث الثاني: صدام محتمل من أجل القدس. الفصل الثاني: قراءة في فكر الأستاذ الدكتور حامد عبد الله ربيع. المبحث الأول: الصهيونية والاستعمار يعدون العدة لتمزيق مصر والمنطقة العربية. المبحث الثاني: لماذا يحرص اليهود على تمزيق المنطقة العربية؟ المبحث الثالث: الأدوات التي تتبناها السياسة الأمريكية. المبحث الرابع: مصر والحرب القادمة. المبحث الخامس: أسباب نجاح مخططات الاستعمار والصهيونية في العالم العربي. الفصل الثالث: قراءة في فكر رجاء جارودي. المبحث الأول: حول كتاب 1- ملف إسرائيل. 2- الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية. المبحث الثاني: إسرائيل ظاهرة استعمارية. المبحث الثالث: إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات والتسعينات من خلال تقرير المنظمة الصهيونية العالمية. الفصل الرابع: قراءة في فكر دكتور جمال حمدان من خلال كتاب صفحات من أوراقه الخاصة. الفصل الخامس: قراءة في فكر الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدى من خلال كتابه الشخصية اليهودية من خلال القرآن الكريم (تاريخ- وسمات- ومصير). الفصل السادس: قراءات متنوعة... ومقالات صحفية: المبحث الأول: قراءة في فكر د. مراد هوفمان. المبحث الثاني: قراءة في مقالة: المصريون في مهب الريح. المبحث الثالث: قراءة في فكر الأستاذ سعد الدين وهبه. المبحث الرابع: قراءة في مقالة الدكتور مصطفى محمود (دستور اللصوص). المبحث الخامس: قراءة في مقالة الأستاذ أحمد بهجت (جذور العنف). أيها القارئ الكريم: لا يفوتنا أن ننوه إلى أن دورنا في هذا الإصدار- الأول- هو دور المؤرخ الذي يقوم بتجميع الوثائق التاريخية، وترتيبها، تمهيداُ لإخضاعها للتقويم والتحليل، واستخلاص النتائج، والفضل لله- سبحانه وتعالى- ثم للعلماء والكتاب الذين عايشوا القضايا والأحداث المصيرية، وغاصوا في أعماقها، وأدركوا خطورتها، فأدوا واجب البلاغ، ونبهوا إلى كيفية مواجهتها، ولكن الأمة- حتى الآن- لم تستمع لما قالوا، ولم تنتبه إلى خطورة البلاغ. بل إن من أبناء هذه الأمة من كان ينظر إلى هذا العالم.. أو ذاك قائلاً: (خيال مريض!!). لقد مضى بعض هؤلاء العلماء- ووقع بعض ما ذكروا- بل إن بعضهم قد اختفى من على مسرح الحياة فجأة!! وفي ظروف غامضة!! ما أحس به أحد. وفى الحقيقة أن هؤلاء قد أدوا واجبهم- ونحسبهم كذلك والله حسيبهم. من أجل هذا كان هذا الإصدار- الأول- تذكرة للأمة بتراث هؤلاء العلماء والمفكرين، علها تبحث عنه وتدرسه وتنتفع به، وفي النهاية ندعو الله- عز وجل- بالخير للقائمين على دور النشر التي قامت بنشر فكر هؤلاء العلماء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. إعداد: أ. د. جمال عبد الهادي مسعود. الشيخ. عبد الراضي أمين. .الفصل الأول: الفصل الأول: قراءة في فكر اللواء أ.ح. د. فوزي محمد طايل: المبحث الثاني: صدام محتمل من أجل القدس. .تعريف بالمؤلف: * أستاذ الإستراتيجية الشاملة بأكاديمية ناصر العسكرية. * من مواليد 1942. * تخرج في الكلية الحربية 1960. * تخرج في حقوق القاهرة 1978. * حصل على الدكتوراة 1986. * حصل على درجة الزمالة بكلية الدفاع الوطني (أكاديمية ناصر العسكرية 1987)- توفى في 13 رمضان 1416 هـ- 2 فبراير 1996. وللكاتب (رحمه الله) مؤلفات عديدة أهمها: * أهداف ومجالات السلطة في الدولة الإسلامية. * النظام السياسي في إسرائيل، دار الوفاء، المنصورة. * آثار حرب الخليج على منظومة القيم الإسلامية العليا. * آثار تفكك الاتحاد السوفيتي على أمن الأمة الإسلامية، دار الوفاء، المنصورة. * ثقافتنا في إطار النظام العالمي الجديد، مركز الإعلام العربي، القاهرة. * شيشان والخطر المحدق بمسلمي آسيا، مركز الإعلام العربي، القاهرة. * نحو نهضة أمة كيف نفكر إستراتيجيا، مركز الإعلام العربي، القاهرة. وللكاتب رحمه الله بعض الترجمات أهمها: * البعد الإسلامي في حرب الخليج، عن اللغة الفرنسية. * الجواسيس غير الكاملين، عن اللغة الإنجليزية. وللكاتب رحمه الله كتابات وأبحاث عديدة في الصحف والمجلات. .المبحث الأول: الجولة الإسرائيلية العربية السادسة: درجت إسرائيل على شن حرب عدوانية توسعية كل عقد من الزمان فكانت الجولة الأولى عام 1948، ثم الثانية عام 1956، والثالثة عام 1967، والرابعة عام 1973، أما الجولة الخامسة فقد كانت عام 1982 في لبنان، وليس من قبيل الإغراق في استقراء الأحداث المستقبلية أن نتحسب لجولة عدوانية إسرائيلية سادسة في عقد التسعينيات. وعلى الرغم مما يسمى بخطة بوش للسلام في الشرق الأوسط، فإن كل المؤشرات تدل على أن الجولة السادسة سوف تقع حتماً بل إنها وشيكة الحدوث. ولا غرو فما بدأ نزوح العدو إلى أرض فلسطين منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر إلا بهدف الاستيلاء على ما يدعون أنه أرض الميعاد، وإقامة إسرائيل الكبرى، وطرد السكان الأصليين، وبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى: وعرض الكاتب لأسلوب تفكير القادة الصهاينة من خلال كتاب (، ريموند كوهين الثقافة والصراع في العلاقات المصرية الإسرائيلية. يقوم النزاع بين العرب وإسرائيل على أرض بعينها، وبينما قبل العرب تدريجيا بفكرة تقسيم الأرض، ثم توالت تنازلاتهم في ظل الأرض مقابل السلام، فإن الفكر الإسرائيلي يقوم على أساس أن أرض إسرائيل هي المكان الذي فيه شعب إسرائيل، وتشكلت فيه شخصيتهم الدينية والسياسية، وعلى هذه الأرض أقاموا أول دولة لهم، وشكلوا القيم الثقافية ذات الدلالة العالمية، ومنحوا سفر الأسفار، وبالتالي فإن فكرة تقسيم الأرض كانت ولا تزال غير مقبولة. إن قادة إسرائيل لا يرون تعارضاً منطقياً بعرض السلام، وفي الوقت الذي يلجئون فيه لاستخدام القوة المسلحة، ويعتبر القادة الإسرائيليون أن الضربات العسكرية هي بمثابة إشارات تحذيرية، كي يعدل العدو (يقصد العرب) مسار تصرفاته المستقبلية بما يتواءم وأهدافهم تجنبا لما قد ينزل به من عقاب. وذكر الكاتب أيضا ما قاله إسحاق شامير لجريدة هارتس في يناير سنة 1987. لا سلام يدوم إلى الأبد، إن الاستقرار الدولي والإقليمي يقوم على قواعد للعبة قوامها الردع المستمر. كما أن قادة إسرائيل بلا استثناء يؤمنون أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق أمن إسرائيل هي الهجوم والتوسع على حساب الأرض العربية والسكان العرب. وبعد أن يقرر فرانك برنابي هذه الحقيقة يتساءل: ومن ذا الذي يستطيع أن يلومهم على ذلك؟. ويواصل فوزي طايل حديثه: قد أزعم أنى لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت: إنه بينما كان العرب في غفلة قامت إسرائيل بتمهيد الظروف الدولية- الإقليمية والمحلية- وقامت بدعم قواتها البشرية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية استعداداً لجولة عقد التسعينات، وربما لا أتجاوز الحقيقة إن قلت: إن هذا الاستعداد الضخم قد استغرق أكثر من عشرين عاماً من العمل المتواصل، لتحقيق أهداف محددة: فتح باب هجرة اليهود السوفييت وكذلك اليهود الأثيوبيين إلى إسرائيل على مصراعيه بأكثر مما يمكن أن تستوعبه الدولة برقعتها المحدودة حالياً. هجرة أعداد متزايدة من المهاجرين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا، وبعض البلاد العربية والأقطار الإسلامية، بعد أن كانت الصهيونية العالمية تعتمد على قوى كبرى لمساندتها، أصبحت الآن تتبنى فكرة تسخير قوى عظمى لتحقيق أهدافها. هذه القوى هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تضم أكبر تجمع يهودي في العالم لتحقيق الأهداف الصهيونية، وقد بلغ التغلغل الصهيوني في المجتمع الأمريكي وفي مؤسسات صنع القرار، وتوجيه الرأي العام، بل وفي مؤسسات صوغ وإدارة الأمن القومي الأمريكي، إلى حد تسخير الولايات المتحدة الأمريكية لخدمة التحرك الصهيوني. وقد يحتاج القارئ لبعض التفاصيل، حتى لا يكون الأمر غامضاً: * أسست الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية منظمات للتحرك السياسي اصطلح على تسميتها باللوبي اليهودي وهى تتكون من: * اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة (الإيباك) AIPAC تأسست عام 1959. * رؤساء المنظمات اليهودية. * مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى وتأسس العام نفسه. * لجان العمل السياسي (باكس) PACS، وأهمها اللجنة القومية للعمل السياسي (ناتباك) NATAPAC وتأسس عام 1982. * معاهد الرأي وأشهرها معهدان: أ- المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (جينسا JINSA الذي تأسس عام 1977 ليكون مركزا لمتابعة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وأداة لإقناع الرأي العام الأمريكي بالارتباط الحتمي بين أمن الولايات المتحدة الأمريكية وأمن إسرائيل، وغالبا ما تتسرب المعلومات العسكرية السرية الأمريكية إلى إسرائيل عبر هذا المعهد. ب- معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ويهتم هذا المعهد بالتحرك المؤيد لإسرائيل في أوساط المثقفين والعلماء ورجال الإدارة والسياسة وشؤون الأمن القومي في أمريكا. وقد نجحت هذه المنظمات- إلى حد كبير- في جذب تعاطف الشعب الأمريكي من غير اليهود، خلال التركيز على وحدته الثقافية اليهودية النصرانية. وتعمل هذه المنظمات على السيطرة بطرق مباشرة وغير مباشرة على قمة السلطة في اتخاذ القرار الأمريكي، عن طريق إحاطة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ونائبه وأعضاء الكونجرس بعدد من اليهود الذين يقيمون معهم علاقات شخصية وعلاقات عمل، فضلا عن إيصال شخصيات إلى المناصب العليا في وزارات الخارجية والدفاع والخزانة ومجلس الأمن القومي، بل إلى مركز القرار نفسه، وتهتم تلك المنظمات بالسيطرة على مراكز إمداد أجهزة صنع القرار بالمعلومات، وعلى مراكز توجيه الرأي العام (صحافة- دور نشر- إذاعة- تلفاز- والسينما)، بل وعلى الجامعات (هيئة التدريس والطلبة). إن النتيجة الحتمية لكل هذا: أن القرارات الأمريكية لم تعد تتخذ لمراعاة أمن ومصلحة إسرائيل فقط، بل إن القرارات أصبحت تتخذ في كثير من الأحيان مستهدفة حماية أمن إسرائيل ومصلحتها، وندلل على ذلك ببعض الأمور التي تمت في الثمانينات ومطلع التسعينات: أولاً: توقيع اتفاقية التفاهم الإستراتيجي بين البلدين- إسرائيل وأمريكا- في الثلاثين من نوفمبر 1981، والتي بموجبها يتم إجراء التدريب المشترك بين قوات البلدين في شرق البحر المتوسط، وإقامة منشآت البنية التحتية، فضلا عن التعاون في مجال البحث والتطوير- في كل النواحي العسكرية الحديثة- بما في ذلك برنامج مبادرة الدفاع الإستراتيجي SDI. ولقد سار البلدان شوطاً طويلاً في هذا المجال، فقام وزير الدفاع الأمريكي ريتشارد تشيني بزيارة لإسرائيل في الأسبوع الأخير من شهر مايو عام 1991، وقع في نهايتها اتفاقا للتعاون الإستراتيجي بين البلدين، وأعلن أن بلاده تقوم بتمويل برنامج إنتاج الصاروخ الإسرائيلي، كما أن أمريكا قد بدأت منذ وقت قريب في تكديس مخزون إستراتيجي من الأسلحة في إسرائيل، يسمح لأي الدولتين باستخدامه تحسباً لنشوب حرب جديدة بالشرق الأوسط. ثانياً: قامت الولايات المتحدة بتحويل معوناتها العسكرية إلى العديد من دول العالم الثالث إلى إسرائيل، مقابل أن تقوم إسرائيل بتوريد الأسلحة والخبرة العسكرية لتلك الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وذلك دعماً لاقتصادها وصناعتها الحربية. لئن كان قيام الولايات المتحدة الأمريكية بافتعال أزمة الخليج وتنفيذ عملية (درع الصحراء) يستهدف مصالح اقتصادية وإستراتيجية أمريكية، فإن الأسلوب الذي تم به تدمير القوى الشاملة للعراق- والذي لا يزال مستمراً- كان الهدف منه إزالة أقوى تهديد لإسرائيل، واستكمال عزل سوريا بوصفها الهدف الأول، وميدان المعركة الرئيسي للمستقبل في الجولة الإسرائيلية- العربية السادسة- حسب ما جاء في الدراسة التي أعلنها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ونشرت عام 1995 تحت عنوان ميدان المعركة المستقبلي والصراع العربي الإسرائيلي. وفى هذا السياق، فإن من غير المستغرب أن نرى الكونجرس الأمريكي وقد أصدر قانوناً في مطلع عام 1995، يعتبر فيه القدس عاصمة دولة إسرائيل، ضاربا عرض الحائط بكل قرارات مجلس الأمن التي تعتبر القدس الموحدة كيانا مستقلا Separatum Corpus تخضع لنظام دولي خاص Special international regime ولا يجوز بالتالي إخضاعها لأية دولة يهودية أو عربية، في أية تسوية مستقبلية للمشكلة، وليس من المستغرب أيضا أن يسعى الكونجرس والرئيس الأمريكي شخصيا لإلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الصادر في العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1975 باعتبار الصهيونية أحد أشكال التمييز العنصري فيصدر الكونجرس قراره رقم 73 في اليوم التالي مباشرة، مهدداً بإعادة تقويم مساهمات الولايات المتحدة الأمريكية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مستقبلا... ثم يتم تجديد هذا الموضوع، وبعد ممارسة الضغوط على الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دى كويار يصدر بياناً في شهر أيار (مايو) 1991، ينتقد فيه قرار الجمعية العامة بشدة ويدعو لإلغائه، في أول سابقة من نوعها، يخرج فيها شاغل مثل هذا المنصب العالمي عن حياده بهذه الصورة السافرة. وأخيراً: فليس من المستغرب أن يلغى الكونجرس الأمريكي في شهر حزيران (يونيو) 1991 القانون الذي يحرم الاتحاد السوفيتي من المساعدات الأمريكية، ومن تطبيق شرط الدولة الأولى بالرعاية عند التعامل معه، في مقابل القانون الذي أصدره الاتحاد السوفيتي فخففا القيود عن هجرة اليهود السوفيت الأمر الذي رفع عدد هؤلاء المهاجرين إلى 380 ألفا في عام 1990، بدلا من العدد الذي لم يكن يتجاوز 200 مهاجر في العام الواحد. ثالثاً: وفي إطار التحرك الإسرائيلي لمحاصرة المنطقة العربية- دبلوماسيا واقتصاديا- فإن إسرائيل قد تمكنت من تحسين علاقاتها، وإقامة جسر من المصالح المشتركة مع العديد من الدول الأفريقية والآسيوية، بما في ذلك دول إسلامية، مثل نيجيريا وتركيا، بل ووصلت إلى إقامة هذه العلاقات مع دول كانت ترفضها تقليديا، مثل الهند والصين الشعبية. ناهيك عن العلاقات القوية والمتشابكة مع دول أخرى كجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وتايوان، ومعظم دول أمريكا اللاتينية. رابعاً: أما على صعيد دعم القدرات الإسرائيلية الممتزجة بمعاناة المجتمع الإسرائيلي من مشكلات حالية وملحة، فإنه يعد في تقديري بمثابة مؤشر واضح على حتمية الجولة السادسة- التي أزعم أنها وشيكة الوقوع- فإذا ما انتقلنا إلى محاولة رصد المؤشرات الدالة على قرب وقوع الجولة السادسة، وتلك التي تحدد ملامحها الرئيسية فيمكننا ملاحظة ما يلي: 1- اشتداد أزمة نظام الأمن العربي: لقد نشأ النظام الإقليمي العربي في إطار جامعة الدول العربية منذ الحادي عشر من أيار (مايو) عام 1945، نظاماً تعتريه الكثير من العيوب، أخطرها وأهمها: أنه كان خلواً من أي فكر أيديولوجي أصيل، ولا يستهدف الوحدة العربية حقيقة، كما لم يحدد الأهداف القومية العربية، أو المصالح المشتركة، ولم تكن أهداف الحركة الصهيونية وأبعادها الحقيقية واضحة في أذهان القادة الذين شاركوا في صوغ هذا النظام، فجاء خالياً تماماً من أي ترتيبات للأمن والدفاع الجماعي. أخيراً: فإن معيار العروبة لم يحدد منذ قيام النظام العربي حتى الآن، فنتج عن ذلك مشكلة نفسانية خطيرة هي مشكلة الولاء (*). وعلى الرغم من توقيع اتفاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي في الثالث من نيسان (أبريل) عام 1950، فإن هذا الاتفاق لم يوضع موضع التطبيق العملي، اللهم إلا في صورة شكلية غير فاعلة، عقب مؤتمر القمة العربي الذي عقد في السابع عشر من كانون الثاني (يناير) عام 1964، وبذا خاض العرب ثلاث جولات فاشلة مع إسرائيل أتت بنتائج نفسانية خطيرة... ولا يمكن اعتبار التنسيق الموقوت الذي تم بين مصر وسوريا قبيل حرب رمضان 1393هـ- (أكتوبر 1973) دليلاً على أنه كان هناك أمن عربي، فإذا ما علمنا أن بعض أطراف الصراع العربي الإسرائيلي قد آثر السلامة والسلام الواقعي DEFAVTO مع إسرائيل منذ عام 1967، وأن أطرافاً أخرى اتبعت إستراتيجية السلام، وأن حرب رمضان (أكتوبر 1973) هي أخر الحروب، وتم تسجيل هذه الإستراتيجية في صورة معاهدة سلام، بدأ تطبيقها منذ عام 1979. وأخيراً: فقد أعطى الطرف الرئيسي في الصراع العربي الإسرائيلي- وهو منظمة التحرير الفلسطينية- أقصى ما يمكن تصوره من تنازلات. إن جاز لنا أن نتساءل هل لا تزال إسرائيل هي العدو الأول للعرب؟ وهل هناك ما يسمى حقيقة الأمن العربي؟. لقد أخلت حرب الخليج ونتائجها بفكرة الأمن العربي إخلالاً تمثل في الاقتتال العربي/ العربي من البداية، وإلى إخراج أحد أكبر القوى العربية من حلبة الصراع مع إسرائيل لسنوات طويلة مقبلة، وخلق فراغ قوة Power Vacum خلف سوريا التي تعد بمثابة خط الدفاع الأول ضد إسرائيل في الجولة القادمة، فصار خطاً يفتقد العمق الإستراتيجي، وفي محاولة أخيرة لصوغ نظام للأمن العربي الخالص على حد التعبير المتداول- تجاه إعلان دمشق، ليضع الكثير من علامات الاستفهام أهمها: هل اقتصر مفهوم الأمن العربي على سوريا ومصر والسعودية وإمارات الخليج؟ وهل يجوز أن يكون هناك نظام أمن غير موجه ضد أحد؟ إن الموقف المائع في البحر الأحمر وبخاصة في ظل جو من الجفاء بين اليمن والسودان من جانب، وبين مصر والمملكة العربية السعودية من جانب آخر، وفي ظل غموض الموقف في أثيوبيا وإطباق كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على مجريات الأمور هناك، وأخيراً في ظل الانهيار الكامل الذي حدث في الصومال، وتزايد الوجود الغربي والإسرائيلي عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر- ليجعل تأمين هذا البحر أمراً يكاد يكون مستحيلاً، ولا يخفى أن قيام مصر بالتعاون مع جمهوريتي اليمن بتأمين جنوب البحر الأحمر في أثناء سير عمليات رمضان (أكتوبر 1973) كانت له نتائج إستراتيجية على جانب كبير من الأهمية. وكيف يمكن تأمين البحر الأحمر في ظل نزوح اللاجئين من القرن الإفريقي إلى اليمن والسودان واحتمال موت أكثر من 15 مليونا في هذه المنطقة جوعاً. (لقد أثبتت، (حرب الخليج) خطر الموقع الإستراتيجي، وخطر ثقل (تركيا)، وتأثيرها على مجريات أي جولة قادمة مع إسرائيل، باعتبار (تركيا، عضوا في حلف شمال الأطلنطي، وحليفا رئيسيا للولايات المتحدة الأمريكية وسوف تكون بالتالي حليفا لإسرائيل، وخصوصاً في ظل وجود علاقات إستراتيجية سابقة بين البلدين، وحلول قدر من المصالح المشتركة بينهما مؤخرا، فهل يصاغ الأمن العربي على أساس أن تركيا الدولة المسلمة هي عدو؟). تضافرت مجموعة كبيرة من العوامل على حدوث خلل في كفاية تسليح القوات المسلحة، خصوصاً تلك المحيطة بإسرائيل، بسبب اعتماد كل من مصر وسوريا اعتماداً كاملاً على استيراد السلاح من الاتحاد السوفيتي، حتى مطلع الثمانينات، واستمرار سوريا على هذا الوضع حتى الآن. ونظراً للضغوط الاقتصادية الداخلية التي تتعرض لها هذه الأقطار العربية، وزيادة مديونياتها ووقوع الاتحاد السوفيتي رهن ظروف يصفها الغرب بأنها مقدمات السقوط النهائي، وبالتالي لم يعد قرار تصدير السلاح الشرقي للمنطقة حراً، وإنما صارت الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم فيه بطريق مباشر أو غير مباشر، نظراً لهذه الاعتبارات وغيرها، فإن الفجوة التكنولوجية والنوعية بين السلاح الإسرائيلي والسلاح العربي تزداد). ويزيد هذا الوضع سوءاً في ظل ما يسمى خطة بوش التي تسمح لإسرائيل بالاحتفاظ بالأسلحة النووية، وحرمان غيرها من بلدان المنطقة من أن تنتج أسلحة نظيرة، أو حتى بديلة، كما تضع تحت يد إسرائيل مخزوناً هائلاً من السلاح الأمريكي المتقدم، فضلا عما تنتجه إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو بتمويل أمريكي، أو بتقنية إسرائيلية خالصة، في الوقت الذي سيتم فيه التحكم في نوعية وكمية السلاح الذي يصل إلى الدول العربية. (أليس من الطبيعي أن تغرى هذه الأوضاع إسرائيل بجاراتها العربيات، كي تشن جولة عدوانية سادسة؟). لقد بدأت إرهاصات هذه الجولة تتكشف، بل وبدأت إجراءات الحرب النفسية السابقة عليها من خلال مجموعة من التصريحات التي تهدف إلى الردع من خلال الإخافة أو الغموض، ولعل أشهر وأهم التصريحات هي: ما أعلنه مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي في حزيران (يونيو) 1993، أن حرباً مع الدول العربية المجاورة لإسرائيل سوف تقع حتماً، وعندها لن تتوقف قوات جيش الدفاع عند الضفة الشرقية لقناة السويس، بل سوف تتجاوزها إلى الغرب!، ثم عاد بعد ذلك بأيام لينكر نسبة هذا التصريح إليه عقب حدوث مذبحة المصلين في ساحة المسجد الأقصى يوم الثامن عشر من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1990. ظهر عالم الآثار الإسرائيلي جوزيف سيرج على شاشة التلفاز الفرنسي ليقول: إن إسرائيل ستبدأ قريبا جداً في إقامة الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى، الذي تستطيع إسرائيل تصديعه باستخدام التقنية الحديثة. صرح إسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1990 أن المهاجرين الجدد يتوجهون للتوطن بالضفة الغربية وقطاع غزة، اللتين قال عنهما: إنهما جزء من إسرائيل، وعلق على مذبحة القدس بأن الوقت قد حان كي تمتد حدود إسرائيل في هذه المرحلة- من البحر إلى النهر- ثم عاد تحت ضغوط الاستنكار ليصرح أن ما قاله كان مجرد أحلام!! صرح الرئيس الإسرائيلي حاييم هرتزوغ في الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1995، ولأول مرة أن إسرائيل تمتلك سلاحاً نووياً، وقد كرر إسحاق رابين وزير الدفاع الإسرائيلي هذا الإعلان في محاضرة ألقاها في جامعة حيفا ضمن ندوة أقيمت في الأسبوع الأول من حزيران (يونيو) عام 1991، أن بلاده تمتلك أسلحة نووية، وأسلحة دمار شاملة قادرة على إبادة أي دولة، وأنه يتعين على جيش الدفاع الإسرائيلي أن يظل هجومياً بكل ما في الكلمة من معنى، وأنه قادر على بقاء القوات الإسرائيلية الأقوى والأفضل تسليحاً بالمنطقة. وعلى الرغم من إنكار رابين بعض ما جاء في محاضرته، فإن، بول وولفوتيز وكيل وزارة الدفاع الأمريكية، صرح في مؤتمر صحفي أن إسرائيل لن تتخلى عن احتكارها للسلاح النووي.. وأن الولايات المتحدة تحثها على توقيع المعاهدة الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية. وجدير بالذكر أن توقيع هذه المعاهدة لا يمنع الدولة التي أنتجت هذه الأسلحة بالفعل من استمرار الاحتفاظ بما سبق أن أنتجته. وواصل فوزي طايل حديثه عن: 2- دوافع شن الجولة الإسرائيلية العربية السادسة ومحدداتها. تعتنق إسرائيل مبدأ دفع الحدود إلى الأمام، وذلك استناداً إلى معيار القوة المتقدمة The advanced power ومفاده أن القوة التي لا تتقدم فلابد أن تتقهقر، وأن الدولة التي لا تنمو من كل النواحي (بشريا وجغرافيا وعسكريا) تنهار تدريجيا، لهذا فهي تخوض جولة كل عقد من الزمان، وتصاحب هذه الجولة عملية طرد تدريجي للسكان، واستيلاء على الأراضي، انطلاقا من فكرة أن أرض إسرائيل الكبرى لابد من أن تخلص لليهود وحدهم، فهي لا تتسع لحضارتين أو لعقيدتين دينيتين، لا يمكن قيام تصالح بينهما- كالإسلام واليهودية- وأن حل هذه المشكلة لا يكون إلا بالوسائل العسكرية على حد تعبير يوسف أولمرت. إن المبرر الوحيد لقيام دولة إسرائيل، ولدعوة المهاجرين إلى الهجرة إليها، بل والمبرر الوحيد للفكرة الصهيونية ذاتها، هو إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وبناء الهيكل الذي لا يتصورون إقامته إلا على أنقاض المسجد الأقصى. وهذه أمور تستدعى بالضرورة استخدام القوة المسلحة كلما سنحت الفرصة. خططت إسرائيل لاستقبال قرابة مليون ونصف مهاجر (حوالي ثلث عدد سكانها حاليا) حتى عام 1995، وهؤلاء يحتاجون إلى أرض للاستيطان وللزراعة، ويحتاجون إلى المزيد من المياه، إذ تحصل إسرائيل على 90% من المياه المتجددة ولا تترك لجيرانها سوى 10 % فقط، مع استخدام كل وسائل التقدم العلمي للاقتصاد في استخدام المياه، ومن المتوقع ألا يكون لدى إسرائيل أي احتياطى من المياه بنهاية عام 1991. وهذا فضلاً عن أن الجفاف اجتاح أرض فلسطين هذا العام، وانخفض مستوى المياه في بحيرة طبرية، مما أثر في القدرة على استخراج الطاقة الكهربائية؟ ولذا فقد لا يكون أمام إسرائيل سوى العدوان العسكري للاستيلاء على منطقة منابع الأنهار العربية في سوريا ولبنان، وعلى الرغم من عرض تركيا تزويد إسرائيل بالمياه فيما أطلق عليه المياه مقابل السلام فقد تفضل إسرائيل الخيار الأول، حتى لا تقع تحت الضغط التركي مستقبلا. وبعد هذا العرض حرص عالم الإستراتيجية فوزي طايل على بيان: عوامل الضعف الخطيرة التي تهدد الكيان الإسرائيلي الضعيف بالهزيمة إذا ما هو أخطأ الحساب. وسوف يظل العامل البشرى أخطر نقاط الضعف في إسرائيل، حتى لو هاجر إليها كل يهود الاتحاد السوفيتي، لذا فهناك حساسية شديدة لدى إسرائيل تجاه الخسائر البشرية، وقد حاولوا التغلب على هذه النقطة من خلال توفير أقصى وقاية ممكنة للدبابات ميركافا، وبتوفير درع المشاة، ومهمات الوقاية التقنية الحديثة والطائرات من دون طيار، وتكتيكات جديدة، بيد أن هذه الأمور جميعها لم تقلل من نقطة الضعف هذه كثيراً. يقع 90% من سكان إسرائيل و90% من منشأتها للصواريخ أرض/ أرض على بقعة محدودة من الأراضي، يمكن أن تصل إليها الصواريخ من أراضي العراق أو سوريا خلال بضع دقائق... كما يمكن أن تتحقق المفاجأة، إذا ما وجهت دول أخرى كإيران والمملكة العربية السعودية ومصر صواريخها بشكل مكثف إلى هذه الأهداف. تشكل قوات الاحتياط الإسرائيلية 80- 85% من إجمالي قواتها، وهذه تحتاج قرابة 48ساعة كي تعبأ تماماً وتنضم إلى صفوف القوات العاملة، فإذا ما وجهت ضربة إحباط Premptive strike أو تم شن هجوم استباقي من الجبهة السورية أو الأردنية خلال هذه المدة، فسوف تتغير نتيجة المعركة. إن إغراق إسرائيل في استخدام الأسلحة ذات التقنية الحديثة يثير من المشكلات الفنية الخطرة بقدر ما يحقق من مزايا، ولعل أهم هذه المشاكل هي مشكلة تكامل الأنظمة System Integration، يضاف إلى ذلك أن المنظومات الدفاعية المتكاملة تتضمن بالضرورة مراحل بينية ذات تقنيات منخفضة جدا، أو لا تقنيات على الإطلاق، كأعمال النقل والتخزين والحراسة واحتلال الأفراد لمواضعهم القتالية.. إلخ. ويعد التدخل في هذه المراحل باستخدام أسلحة ذات تقنيات متخلفة أو حتى أسلحة بدائية حاسمة في تحويل تلكم الأنظمة والأسلحة إلى مجرد كتل من المعدن لا فائدة منها، ومما يساعد على سهولة تنفيذ هذه الفكرة وجود حدود إسرائيلية طويلة ليس من المستحيل اختراقها. 3- وجهة النظر الإسرائيلية في طبيعة الجولة المقبلة: ترى إسرائيل حتمية قيام جولة سادسة، وأن جوهر نجاحها في الجولة المرتقبة هو قدرتها على إيجاد مكون متوازن من العمل العسكري والتحرك الدبلوماسي، يعتمد على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى استمرار وثبات السياسة السوفيتية الحالية، بما يحافظ على حالة السلم مع مصر، وحالة توقف العدائيات من جانب الأردن. وترى أن النجاح في الجولة المقبلة- من وجهة النظر العسكرية- سوف يكون للجانب الأكثر قدرة على إحداث تكامل بين أنظمته الدفاعية، وهذا يعتمد إلى حد كبير على القيادة والسيطرة والمواصلات والاستطلاع. ومن الضروري أن تكون الحرب المقبلة سريعة وحاسمة، وطالما استبعد العراق نتيجة لحرب الخليج، فلا يبقى من يخشى تدخله سوى إيران، ومع ذلك فطبيعة العلاقات العربية المتغيرة باستمرار وبسرعة، يمكن أن تؤدى إلى مواجهة عدة أطراف عربية في آن واحد، وخصوصاً إذا ما طال أمد المعركة، وهو أمر في غير مصلحة إسرائيل، لكن كلما تأخر تدخل الأطراف العربية، كلما كان ذلك في مصلحة إسرائيل، حيث يمكنها مواجهة هذه الأطراف واحداً تلو الآخر. ومن المتصور أن تكون القوات الجوية الإسرائيلية، والصواريخ سطح/ سطح من طراز جيريكو 2 التي جربت وجارى إنتاجها، هي الأداة الرئيسية لحسم المعركة، ولردع أي طرف ثالث يحاول التدخل. إذا تمكنت إسرائيل من تحقيق المفاجأة، فمن المحتمل أن نمر بخسائر في الأرواح تقدر ب 2000 قتيل، أما إن حققت سوريا المفاجأة، فقد تصل الخسائر إلى 4500 قتيل إسرائيلي. سوف تتعامل إسرائيل مع أي عملية سورية محدودة، لاستعادة الجولان- مثلا- على أنها حرب شاملة، تحاول إسرائيل تحقيق أسرع نصر بأقل تكاليف؟ باستخدام أسلوب المعركة العميقة Deep Strike Attacks. من المتوقع أن يزداد الاعتماد على الأسلحة والذخائر ذات قدرات التدمير والقتل الأكبر تلافيا لخسائر الأفراد من الجانب الإسرائيلي، فضلا عن استخدام وسائل التصويب الدقيقة بالليزر، ومنظومات الأسلحة الدفاعية المتكاملة ذات التكنولوجيا المتقدمة، التي لا يستطيع الجانب الآخر الحصول على مثيل لها، أو على وسائل مضادة لها، هذا إلى إمكانات الحرب الإلكترونية والطائرات الانتحارية دون طيار. ونظرا لما تتميز به الأسلحة ذات التقنية العالمية من تعقيد، فسوف تكون كفاية الفرد ومدى استيعابه للسلاح أو المعدة التي يقوم باستخدامها، ومدى قدرته عوامل حاسمة. وبالقدر نفسه سوف تكون إمكانات وقدرات الأفراد على القيام بأعمال الصيانة والإصلاح والإمداد حاسمة. لذا سوف يتفوق الجانب الذي يمتلك تقنية خاصة وينتج السلاح وقطع الغيار. ومن العوامل الحاسمة أيضا عملية جمع وتحليل وتخزين المعلومات، وهذا الأمر تتفوق فيه إسرائيل كثيرا، ويلحق بهذا مدى القدرة على سرعة اتخاذ القرار المبنى على معلومات دقيقة. نحو إستراتيجية لمواجهة الخطر الصهيوني: تحت هذا العنوان واصل فوزي طايل رحمه الله الحديث بقوله: ليست إسرائيل سوى الكيان الدولي الرسمي الظاهر للحركة الصهيونية العالمية ذات القدرة على الحركة الكوكبية Globally، وعلى هذا فمواجهة إسرائيل والتغافل عن النشاط الصهيوني العالمي لن يكون له نتيجة تذكر، وبالتالي فلابد من تحرك إستراتيجي كوكبي أيضا لمواجهة ذلكم الخطر الصهيوني. مثل هذه الإستراتيجية يستحيل على دولة عربية واحدة، أو تجمع عربي فرعى أو شبه إقليمي أن يقوم بها، إذن فلا بديل عن وحدة الأمة. وأياً كان توقيت وقوع الجولة السادسة وأياً كانت نتائجها- وهى بإذن الله لنا-فلن تكون الجولة الأخيرة، فإسرائيل تدير الصراع، ومن ورائها الصهيونية العالمية ومؤيدوها، باعتباره صراعا حضاريا عقائديا لا ينتهي إلا بإزاحة إحدى العقيدتين للأخرى... ومهما قيل عن مبادرات السلام، فالعقلية الصهيونية لا تؤمن بإمكانية التعايش السلمي... ولا بديل عن الصراع من أجل البقاء. مراجع تتصل بنفس الموضوع: (1) تفتيت الوطن العربي مجلة إستراتيجيا عدد سبتمبر- أكتوبر 1991 السنة التاسعة، شركة أبى ذر الغفاري للطباعة والإعلام (ش. م. م). (2) نحو إستراتيجية عربية موحدة في أفريقيا، لواء أ، ح. د محمد طايل مجلة إستراتيجيا عدد 5 السنة التاسعة يوليو1995 ص 29- 33. (3) العدو الخيار النووي الإسرائيلي والأمن العربي، لواء أ. ح. د فوزي محمد طايل مجلة إستراتيجيا. نفس العدد. (4) الإستراتيجية الأمريكية وأزمة الخليج، لواء أ. ح. د. فوزي محمد طايل مجلة إستراتيجيا العدد 106 السنة التاسعة مايو- يونيو ص 22- 28. (5) الصهيونية غير اليهودية (جذورها في التاريخ العربي، ريجينا الشريف- ترجمة أحمد عبد الله عبد العزيز- عالم المعرفة عدد 96 ربيع أول 1406 هـ- ديسمبر 1985. (6) الفكر الإسرائيلي وحدود الدولة، عادل محمد رياض، معهد البحوث والدراسات العربية. - دار النهضة العربية للطباعة والنشر- بيروت ط 1985. 2 م. (7) جماعات الضغط اليهودية الأمريكية، عبد الله فؤاد حافظ، غير منشور- 1988 م. (8) النظام السياسي في إسرائيل، لواء أ. ح. د فوزي محمد طايل- معهد البحوث والدراسات العربية- 45- 1989. (9) Anthony H. Cordesman , the Gulf and the west (Strategic relations and Military reality) , Westview Press , London , 1988. |