الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).
.سورة القارعة: .تفسير الآيات (1- 11): {القارعة} مبتدأ {مَا} مبتدأ ثانٍ {القارعة} خبره والجملة خبر المبتدأ الأول، وكان حقه ما هي وإنما كرر تفخيماً لشأنها {وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة} أي أيّ شيء أعلمك ما هي ومن أين علمت ذلك؟ {يَوْمٍ} نصب بمضمر دلت عليه القارعة أي تقرع يوم {يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث} شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما يتطاير الفراش إلى النار، وسمي فراشاً لتفرشه وانتشاره {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} وشبه الجبال بالعهن وهو الصوف المصبغ ألوناً لأنها ألوان {وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ ألوانها} [فاطر: 27] وبالمنفوش منه لتفرق أجزائها {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه} باتباعهم الحق وهي جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله، أو جمع ميزان وثقلها رجحانها {فَهُوَ في عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} ذات رضا أو مرضية {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ موازينه} باتباعهم الباطل {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} فمسكنه ومأواه النار. وقيل: للمأوى أمٌّ على التشبيه لأن الأم مأوى الولد ومفزعه {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} الضمير يعود إلى {هَاوِيَةٌ} والهاء للسكت ثم فسرها فقال: {نَارٌ حَامِيَةٌ} بلغت النهاية في الحرارة والله أعلم. .سورة التكاثر: .تفسير الآيات (1- 8): {ألهاكم التكاثر} شغلكم التباري في الكثرة والتباهي بها في الأموال والأولاد عن طاعة الله {حتى زُرْتُمُ المقابر} حتى أدرككم الموت على تلك الحال، أو حتى زرتم المقابر وعددتم من في المقابر من موتاكم {كَلاَّ} ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه ولا يهتم بدينه {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} عند النزع سوء عاقبة ما كنتم عليه {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} في القبور {كَلاَّ} تكرير الردع للإنذار والتخويف {لَّوْ تَعْلَمُونَ} جواب (لو) محذوف أي لو تعلمون ما بين أيديكم {عِلْمَ اليقين} علم الأمر يقين أي كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور لما ألهاكم التكاثر، أو لفعلتم ما لا يوصف ولكنكم ضلال جهلة {لَتَرَوُنَّ الجحيم} هو جواب قسم محذوف والقسم لتوكيد الوعيد {لَتَرَوُنَّ}، بضم التاء: شامي وعلي {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا} كرره معطوف ب (ثم) تغليظاً في التهديد وزيادة في التهويل، أو الأول بالقلب والثاني بالعين {عَيْنَ اليقين} أي الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} عن الأمن والصحة فيم أفنيتموهما؟ عن ابن مسعود رضي الله عنه. وقيل: عن التنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه. وعن الحسن ما سوى كنّ يؤويه وثوب يواريه وكسرة تقويه وقد روي مرفوعاً والله أعلم. .سورة العصر: .تفسير الآيات (1- 3): {والعصر} أقسم بصلاة العصر لفضلها بدليل قوله تعالى: {والصلاوة الوسطى} [البقرة: 238] صلاة العصر في مصحف حفصة، ولأن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم، أو أقسم بالعشي كما أقسم بالضحى لما فيها من دلائل القدرة، أو أقسم بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب، وجواب القسم {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} أي جنس الإنسان لفي خسران من تجاراتهم {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا فربحوا وسعدوا {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} بالأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره وهو الخير كله من توحيد الله وطاعته واتباع كتبه ورسله {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى ما يبلو به الله عباده، {وَتَوَاصَوْاْ} في الموضعين فعل ماضٍ معطوف على ماض قبله والله أعلم. .سورة الهمزة: .تفسير الآيات (1- 9): {وَيْلٌ} مبتدأ خبره {لّكُلّ هُمَزَةٍ} أي الذي يعيب الناس من خلفهم {لُّمَزَةٍ} أي من يعيبهم مواجهة. وبناء (فعلة) يدل على أن ذلك عادة منه. قيل: نزلت في الأخنس بن شريق وكانت عادته الغيبة والوقيعة. وقيل: في أمية بن خلف. وقيل: في الوليد. ويجوز أن يكون السبب خاصاً والوعيد عاماً ليتناول كل من باشر ذلك القبيح {الذى} بدل من كل أو نصب على الذم {جَمَعَ مَالاً} {جَمَعَ} شامي وحمزة وعلي مبالغة جمع وهو مطابق لقوله {وَعَدَّدَهُ} أي جعله عدة لحوادث الدهر {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} أي تركه خالداً في الدنيا لا يموت أو هو تعريض بالعمل الصالح وأنه هو الذي أخلد صاحبه في النعيم، فأما المال فما أخلد أحداً فيه {كَلاَّ} ردع له عن حسبانه {لَيُنبَذَنَّ} أي الذي جمع {فِى الحطمة} في النار التي شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحطمة} تعجيب وتعظيم {نَارُ الله} خبر مبتدأ محذوف أي هي نار الله {الموقدة} نعتها {التى تَطَّلِعُ عَلَى الافئدة} يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم وهي أوساط القلوب، ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد ولا أشد تألماً منه بأدنى أذى يمسه، فكيف إذا اطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه؟ وقيل: خص الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة، ومعنى اطلاع النار عليها أنها تشتمل عليها {إِنَّهَا عَلَيْهِم} أي النار أو الحطمة {مُّؤْصَدَةُ} مطبقة {فِى عَمَدٍ} {بضمتين} كوفي حفص، الباقون {فِى عَمَدٍ} وهما لغتان في جمع عماد كإهاب وأهب وحمار وحمر {مُّمَدَّدَةِ} أي تؤصد عليهم الأبواب وتمدد على الأبواب العمد استيثاقاً في استيثاق. في الحديث: «المؤمن كيس فطن وقاف متثبت لا يعجل عالم ورع، والمنافق همزة لمزة حطمة كحاطب الليل لا يبالي من أين اكتسب وفيم أنفق» والله أعلم. .سورة الفيل: .تفسير الآيات (1- 5): {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} {كَيْفَ} في موضع نصب ب {فِعْلَ} لا ب {أَلَمْ تَرَ} لما في {كَيْفَ} من معنى الاستفهام، والجملة سدت مسد مفعولي {تَرَ} وفي {أَلَمْ تَرَ} تعجيب أي عجّب الله نبيه من كفر العرب وقد شاهدت هذه العظمة من آيات الله، والمعنى إنك رأيت آثار صنع الله بالحبشة وسمعت الأخبار به متواتراً فقامت لك مقام المشاهدة {بأصحاب الفيل} روي أن أبرهة ابن الصباح ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي، بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس، وأراد أن يصرف إليها الحاج فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلاً فأغضبه ذلك. وقيل: أججت رفقة من العرب ناراً فحملتها الريح فأحرقتها فحلف ليهدمن الكعبه، فخرج بالحبشة ومعه فيل اسمه محمود وكان قوياً عظيماً واثنا عشر فيلاً غيره، فلما بلغ المغمس خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى، وعبى جيشه وقدم الفيل، وكان كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى اليمن هرول، وأرسل الله طيراً مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه ففروا وهلكوا، وما مات أبرهة حتى انصدع صدره عن قلبه وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة، فلما أتمها وقع عليه الحجر فخر ميتاً بين يديه. وروي أن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير فخرج إليه فيها فعظم في عينه وكان رجلاً جسيماً وسيماً. وقيل: هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال، فلما ذكر حاجته قال: سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وشرفكم في قديم الدهر، فألهاك عنه ذود أخذلك فقال: أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ في تَضْلِيلٍ} في تضييع وإبطال. يقال: ضلل كيده إذا جعله ضالاً ضائعاً. وقيل لامرئ القيس: الملك الضليل لأنه ضلل ملك أبيه أي ضيعه يعني أنهم كادوا البيت أوّلاً ببناء القليس ليصرفوا وجوه الحاج إليه فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيه، وكادوه ثانياً بإرادة هدمه فضلل كيدهم بإرسال الطير عليهم {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ} حزائق الواحدة إبالة. قال الزجاج: جماعات من هاهنا وجماعات من هاهنا {تَرْمِيهِم} وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه {يرميهم} أي الله أو الطير لأنه اسم جمع مذكر وإنما يؤنث على المعنى {بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ} هو معرب من سنككل وعليه الجمهور أي الآجر {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} زرع أكله الدود. .سورة قريش: .تفسير الآيات (1- 4): {لإيلاف قُرَيْشٍ} متعلق بقوله {فَلْيَعْبُدُواْ} أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين. ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط أي إن نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة، أو بما قبله أي {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ لإيلاف قُرَيْشٍ} يعني أن ذلك الإتلاف لهذا الإيلاف وهذا كالتضمين في الشعر، وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلا به، وهما في مصحف أبيّ سورة واحدة بلا فصل. ويروى عن الكسائي ترك التسمية بينهما، والمعنى أنه أهلك الحبشة الذين قصدوهم ليتسامع الناس بذلك فيحترموهم فضل احترام حتى ينتظم لهم الأمن في رحلتيهم فلا يجترئ أحد عليهم. وقيل: المعنى اعجبوا لإيلاف قريش {لإِلاف قُرَيْشٍ} شامي أي لمؤالفة قريش. وقيل: يقال ألفته ألفاً وإلافاً. وقريش ولد النضر بن كنانة سموه بتصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ولا تطاق إلا بالنار، والتصغير للتعظيم فسموه بذلك لشدتهم ومنعتهم تشبيهاً بها. وقيل: من القرش وهو الجمع والكسب لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد {إيلافهم رِحْلَةَ الشتاء والصيف} أطلق الإيلاف ثم أبدل عنه المقيد بالرحلتين تفخيماً لأمر الإيلاف وتذكيراً لعظيم النعمة فيه. ونصب الرحلة ب {إيلافهم} مفعولاً به وأراد رحلتي الشتاء والصيف فأفرد لأمن الإلباس. وكانت لقريش رحلتان يرحلون في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله فلا يتعرض لهم وغيرهم يغار عليهم {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ} والتنكير في {جُوعٍ} و{خوْفٍ} لشدتهما يعني أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، وآمنهم من خوف عظيم وهو خوف أصحاب الفيل، أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم. وقيل: كانوا قد أصابتهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة، وآمنهم من خوف الجذام لا يصيبهم ببلدهم. وقيل: ذلك كله بدعاء إبراهيم عليه السلام. .سورة الماعون: .تفسير الآيات (1- 7): {أَرَءيْتَ الذي يُكَذّبُ بالدين} أي هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو إن لم تعرفه {فَذَلِكَ الذى} يكذب بالجزاء هو الذي {يَدُعُّ اليتيم} أي يدفعه دفعاً عنيفاً بجفوة وأذى ويرده رداً قبيحاً بزجر وخشونة {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين، جعل علم التكذيب الجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف أي لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد لخشي الله وعقابه ولم يقدم على ذلك، فحين أقدم عليه دل أنه مكذب بالجزاء. ثم وصل به قوله {فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ الذين هُمْ يُرَاءونَ وَيَمْنَعُونَ الماعون} يعني بهذا المنافقين لا يصلونها سراً لأنهم لا يعتقدون وجوبها ويصلونها علانية رياء. وقيل: فويل للمنافقين الذين يدخلون أنفسهم في جملة المصلين صورة وهم غافلون عن صلاتهم، وأنهم لا يريدون بها قربة إلى ربهم ولا تأدية للفرض فهم ينخفضون ويرتفعون ولا يدرون ماذا يفعلون، ويظهرون للناس أنهم يؤدون الفرائض ويمنعون الزكاة وما فيه منفعة. وعن أنس والحسن قالا: الحمد لله الذي قال: {عَن صلاتهم} ولم يقل (في صلاتهم) لأن معنى (عن) أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفات إليها ذلك فعل المنافقين، ومعنى (في) أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس وذلك لا يخلو عنه مسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته فضلاً عن غيره. والمراءاة مفاعلة من الإراءة لأن المرائي يرائي الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائياً بإظهار الفرائض فمن حقها الإعلان بها لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا غمة في فراض الله» والإخفاء في التطوع أولى فإن أظهره قاصداً للاقتداء به كان جميلاً، والماعون: الزكاة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: ما يتعاور في العادة من الفأس والقدر والدلو والمقدحة ونحوها، وعن عائشة رضي الله عنها: الماء والنار والملح والله أعلم.
|