فصل: بَابٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ:

(قَالَ) وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ فَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ أَيْ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ فَلَا تَكُونُ طَالِقًا، وَإِنَّمَا لَا تَكُونُ طَالِقًا عِنْدَ قُدُومِ فُلَانٍ إذَا كَانَ الْوُقُوعُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُدُومِ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ، فَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَشَرْطُ الْوُقُوعِ قَدْ انْعَدَمَ وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ فَقَدْ تَحَقَّقَ شَرْطُ الْوُقُوعِ الْآنَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ فَإِنَّهَا إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا قَبْلَ الْقُدُومِ طَلُقَتْ، وَإِنْ سَبَقَ الْقُدُومُ لَمْ تَطْلُقْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا يَمِينٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَالْيَمِينُ قَابِلَةٌ لِلتَّوْقِيتِ، فَكَانَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ تَوْقِيتٌ- لِيَمِينِهِ بِمَعْنَى حَتَّى وَإِذَا كَلَّمَتْ قَبْلَ الْقُدُومِ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ فَتَطْلُقُ.
وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَقَدْ انْتَهَتْ الْيَمِينُ بِوُجُودِ غَايَتِهَا، وَإِذَا كَلَّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَلَا يَمِينَ، فَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ فَلَوْ جَعَلْنَا قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ بِمَعْنَى حَتَّى كَانَ لَغْوًا وَكَلَامُ الْعَاقِلِ مَهْمَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ لَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ فَجَعَلْنَا قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ بِمَعْنَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَرَى فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا إلَيْهِ عَلَى مَجْلِسِهِ الَّذِي يُعْلَمُ فِيهِ فَإِنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَرَى غَيْرَهُ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ إنْ لَمْ يَرَ فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ رَأَى فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ كَأَنْ يَتَوَقَّتَ بِالْمَجْلِسِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ لَمْ يَرَ فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْأَمْرِ مِنْ فُلَانٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِفُلَانٍ غَيْرَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِلِسَانِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَقِفُ عَلَى مَا فِي ضَمِيرِهِ وَإِنَّمَا يُعَبِّرُ عَمَّا فِي قَلْبِهِ لِسَانُهُ.
وَلَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَوْ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَهُوَ إلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنَى تَمْلِيكِ الْأَمْرِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مَالِكًا لِأَمْرِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَةِ الشَّرْطِ، وَعَدَمُ رُؤْيَتِهِ غَيْرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا يَتَحَقَّقُ، وَالْحَالُ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي حَقِّهِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ أَحَبَّ أَوْ رَضِيَ أَوْ هَوِيَ أَوْ أَرَادَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهِ بِهِ.
وَلَوْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ عَلَى الْأَبَدِ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ يُجْعَلُ تَمْلِيكًا لِلْأَمْرِ مِنْهُ فَيَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَمْلِيكًا فَيَبْقَى حَقِيقَةُ الشَّرْطِ مُعْتَبَرًا وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَشَأْ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا أَشَاءُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ مَشِيئَةِ طَلَاقِهَا فِي عُمْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ فَإِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ أَبَيْت طَلَاقَك أَوْ كَرِهْت طَلَاقَك ثُمَّ قَالَ: لَسْت أَشَاءُ طَلَاقَك وَقَدْ أَبَيْته طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّرْطَ هُنَا وُجُودَ فِعْلٍ هُوَ إبَاءٌ مِنْهُ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَا أَشَاءُ، أَوْ بِقَوْلِهِ: أَبَيْت، وَفِي الْأَوَّلِ جَعَلَ الشَّرْطَ عَدَمَ الْمَشِيئَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ سَكَتُّ عَنْ مَشِيئَةِ طَلَاقِك حَتَّى أَمُوتَ فَلَا يَصِيرُ الشَّرْطُ مَوْجُودًا بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ فَلِهَذَا لَا تَطْلُقُ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ ذَلِكَ، فَقَالَ فُلَانٌ: لَا أَشَاءُ طَلُقَتْ لَا بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ وَلَكِنْ بِخُرُوجِ الْمَشِيئَةِ عَنْ يَدِهِ، فَقَوْلُهُ لَا أَشَاءُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ وَقَّتَ كَلَامَهُ فِي حَقِّ فُلَانٍ فَقَالَ إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ الْيَوْمَ فَقَالَ فُلَانٌ لَا أَشَاءُ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ هَذَا يَتَوَقَّتُ بِالْيَوْمِ دُونَ الْمَجْلِسِ وَبِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ لَا تَنْعَدِمُ الْمَشِيئَةُ مِنْهُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ فَلِهَذَا لَا تَطْلُقُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَزْهَارِ وَالرَّيَاحِينِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا فَاشْتَرَى دُهْنَ بَنَفْسَجٍ حَنِثَ عِنْدَنَا وَلَمْ يَحْنَث عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ حَقِيقَةَ لَفْظِهِ وَمَا اشْتَرَى غَيْرَ الْبَنَفْسَجِ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَقِلَ إلَى الدُّهْنِ رَائِحَةُ الْبَنَفْسَجِ لَا عَيْنَهُ وَلَكِنَّا نَعْتَبِرُ الْعُرْفَ فَإِنَّهُ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الْبَنَفْسَجِ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الدُّهْنُ وَيُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ هُوَ بِشِرَائِهِ مُشْتَرِيًا لِلْبَنَفْسَجِ أَيْضًا وَلَوْ اشْتَرَى وَرَقَ الْبَنَفْسَجِ لَمْ يَحْنَثْ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ أَيْضًا، وَهَذَا شَيْءٌ يَنْبَنِي عَلَى الْعُرْفِ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بَائِعُ الْوَرَقِ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ بَائِعَ الدُّهْنِ فَبَنَى الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ شَاهَدَ الْكَرْخِيُّ عُرْفَ أَهْلِ بَغْدَادَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بَائِعَ الْوَرَقِ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ أَيْضًا، فَقَالَ: يَحْنَثُ بِهِ، وَهَكَذَا فِي دِيَارِنَا، وَلَا يَقُولُ: اللَّفْظُ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ وَفِي الْآخَرِ مَجَازٌ وَلَكِنْ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ أَوْ يَحْنَثُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ، وَالْخَيْرِيُّ كَالْبَنَفْسَجِ فَأَمَّا الْحِنَّا وَالْوَرْدُ فَقَالَ: إنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَهُ عَلَى الْوَرَقِ وَالْوَرْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ.
وَإِنْ اشْتَرَى دُهْنَهُمَا لَمْ يَحْنَثْ وَالْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ وَلَكِنَّهُ بَنَى الِاسْتِحْسَانَ عَلَى الْعُرْفِ وَأَنَّ الْوَرْدَ وَالْحِنَّا تُسَمَّى بِهِ الْعَيْنُ دُونَ الدُّهْنِ، وَالْبَنَفْسَجُ وَالْخَيْرِيُّ يُسَمَّى بِهِمَا مُطْلَقًا وَالْيَاسَمِينُ قِيَاسُ الْوَرْدِ يُسَمَّى بِهِ الْعَيْنُ فَإِنَّ الدُّهْنَ يُسَمَّى بِهِ زَنْبَقًا.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بِزْرًا فَاشْتَرَى دُهْنَ بِزْرٍ حَنِثَ وَإِنْ اشْتَرَى الْحَبَّ لَمْ يَحْنَثْ لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ الظَّاهِرِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دُهْنًا فَهَذَا عَلَى الدُّهْنِ الَّذِي يَدَّهِنُ بِهِ النَّاسُ عَادَةً حَتَّى لَوْ اشْتَرَى زَيْتًا أَوْ بِزْرًا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدَّهِنُ فَادَّهَنَ بِزَيْتٍ حَنِثَ وَلَوْ ادَّهَنَ بِسَمْنٍ أَوْ بِزْرٍ لَمْ يَحْنَثْ وَالزَّيْتُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلْقَى فِيهِ الْأَرَايِحُ وَيُطْبَخُ ثُمَّ يُدْهَنُ بِهِ يَكُونُ دُهْنًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُدْهَنُ بِهِ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ دُهْنًا مُطْلَقًا، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِذَا كَانَتْ عَلَى الِادِّهَانِ يَحْنَثُ بِهِ، وَأَمَّا السَّمْنُ وَالْبِزْرُ لَا يُدْهَنُ بِهِمَا فِي الْعَادَةِ بِحَالٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَزًّا فَاشْتَرَى فَرْوًا أَوْ مِسْحًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ الطَّيَالِسَةُ وَالْأَكْيِسَةُ؛ لِأَنَّ بَائِعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُسَمَّى بَزَّازًا وَلَا يُبَاعُ فِي سُوقِ الْبَزَّازِينَ أَيْضًا فَلَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْبَزَّ بِشِرَائِهَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا فَاشْتَرَى تَمْرًا أَوْ فَاكِهَةً حَنِثَ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ اسْمٌ لِمَا يَطْعَمُهُ النَّاسُ، وَالْفَاكِهَةُ وَالتَّمْرُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْأَكْلِ حَنِثَ بِهِمَا؟ فَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي الْحِنْطَةِ وَالْخُبْزِ وَالدَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالشِّرَاءُ إنَّمَا يَتِمُّ بِهِ وَبِالْبَائِعِ، وَمَا يُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الطَّعَامِ أَوْ يُبَاعُ فِي سُوقِ الطَّعَامِ يَصِيرُ هُوَ بِشِرَائِهِ مُشْتَرِيًا لِلطَّعَامِ، وَبَائِعُ الْفَاكِهَةِ وَاللَّحْمِ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الطَّعَامِ فَلَا يَصِيرُ هُوَ بِشِرَائِهَا مُشْتَرِيًا لِلطَّعَامِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِالْآكِلِ وَحْدَهُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَقِيقَةُ الِاسْمِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي سِلَاحًا فَاشْتَرَى حَدِيدًا غَيْرَ مَعْمُولٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى بَائِعَ السِّلَاحِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى حَدَّادًا وَكَذَلِكَ يُبَاعُ فِي سُوقِ الْحَدَّادِينَ وَلَا يُبَاعُ فِي سُوقِ الْأَسْلِحَةِ.
وَإِنْ اشْتَرَى سِكِّينًا لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى بَائِعَ السِّلَاحِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى سَكَّانًا، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى سَيْفًا أَوْ دِرْعًا أَوْ قَوْسًا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ سِلَاحٌ يُبَاعُ فِي سُوقِ السِّلَاحِ وَبَائِعُهُ يُسَمَّى بَائِعَ السِّلَاحِ فَيَصِيرُ هُوَ مُشْتَرِيًا السِّلَاحَ بِشِرَائِهِ.
(قَالَ) وَإِذَا سَأَلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَنْ حَدِيثٍ فَقَالَ: أَكَانَ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَسِعَهُ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ بِكَذَا، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي جَوَابِهِ نَعَمْ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ مَا تَقَدَّمَ كَالْمُعَادِ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَرَأَ صَكًّا عَلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ أَشْهَدُ عَلَيْك بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ: نَعَمْ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ طِيبًا فَدَهَنَ بِهِ لِحْيَتَهُ فَوَجَدَ رِيحَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ مِنْهُ يُسَمَّى شَمَّ الطِّيبِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنَّمَا وَصَلَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ إلَى دِمَاغِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَرَّ عَلَى سُوقِ الْعَطَّارِينَ فَدَخَلَ رَائِحَةُ الطِّيبِ فِي أَنْفِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِمَ بِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَنَّهُ لَوْ ادَّهَنَ قَبْلَ إحْرَامِهِ ثُمَّ وَجَدَ رِيحَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؟ وَهُوَ مَمْنُوعُ مِنْ شَمِّ الطِّيبِ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَيْسَ الدُّهْنُ بِطِيبٍ إذَا لَمْ يُجْعَلْ فِيهِ طِيبٌ إنَّمَا الطِّيبُ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ وَنَحْوُهُمَا؛ لِأَنَّ الطِّيبَ مَا لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وَلَيْسَ لِلدُّهْنِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ الدُّهْنُ لِتَلْيِينِ الْجِلْدِ وَدَفْعِ الْيُبُوسَةِ لَا لِلطِّيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَيِّبًا.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ دُهْنًا أَوْ لَا يَدَّهِنُ فَالزَّيْتُ فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَالشِّرَاءِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ آسًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الرَّيَاحِينِ حَنِثَ، وَإِنْ شَمَّ الْيَاسَمِينَ أَوْ الْوَرْدَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَشْجَارِ، وَالرَّيْحَانُ اسْمٌ لِمَا لَيْسَ لَهُ شَجَرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} قَدْ جَعَلَ الرَّيْحَانَ غَيْرَ الشَّجَرِ عَرَفْنَا أَنَّ مَا لَهُ شَجَرٌ فَلَيْسَ بِرَيْحَانٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْعُرْفِ لَا يُطْلَقُ اسْمُ الرَّيْحَانِ عَلَى الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يَنْبُتُ مِنْ بِزْرِهِ مِمَّا لَا شَجَرَ لَهُ، وَقِيلَ: الرَّيْحَانُ مَا يَكُونُ لِعَيْنِهِ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وَشَجَرُ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ لَيْسَ لِعَيْنِهِ رَائِحَةٌ إنَّمَا الرَّائِحَةُ لِلْوَرْدِ خَاصَّةً فَلَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الرَّيَاحِينِ.
(قَالَ) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً حَلَفَتْ أَنْ لَا تَلْبَسَ حُلِيًّا فَلَبِسَتْ خَاتَمَ الْفِضَّةِ لَمْ تَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْحُلِيِّ وَلَهُ أَنْ يَلْبَسَ خَاتَمَ الْفِضَّةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مَصُوغًا عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ الرِّجَالِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ مِمَّا لَهُ فُصُوصٌ فَهُوَ مِنْ الْحُلِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحُلِيِّ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ، وَالسِّوَارُ وَالْخَلْخَالُ وَالْقِلَادَةُ وَالْقُرْطُ مِنْ الْحُلِيِّ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحُلِيِّ لِلتَّزَيُّنِ بِهَا حَتَّى يَخْتَصَّ بِلُبْسِهَا مَنْ يَلْبَسُ الْحُلِيِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَعَدَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ بِقَوْلِهِ {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} فَأَمَّا اللُّؤْلُؤُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ حُلِيًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَصَّعًا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ حُلِيٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} وَلِقَوْلِهِ {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} وَكَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ الْحُلِيِّ، فَالْمَرْأَةُ قَدْ تَلْبَسُ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ لِلتَّحَلِّي بِهَا وَلَكِنَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَاهَدَ الْعُرْفَ فِي عَصْرِهِ وَأَنَّهُمْ يَتَحَلَّوْنَ بِاللُّؤْلُؤِ مُرَصَّعًا بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَلَا يَتَحَلَّوْنَ بِاللُّؤْلُؤِ وَحْدَهُ فَبَنَى الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا تُبْنَى مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّ قَوْلَهُمَا أَظْهَرُ وَأَقْرَبُ إلَى عُرْفِ دِيَارِنَا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْطَعُ بِهَذَا السِّكِّينِ فَكَسَرَهُ فَجَعَلَ مِنْهُ سِكِّينًا آخَرَ ثُمَّ قَطَعَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ حِينَ كَسَرَهُ فَقَدْ زَالَ الِاسْمُ الَّذِي عَقَدَ بِهِ الْيَمِينَ فَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الدَّارِ إذَا جَعَلَهَا بُسْتَانًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ شُهُودٍ حَنِثَ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ أَصْلِ الْعَقْدِ وَالْفَسَادُ وَالْجَوَازُ صِفَةٌ لَا يَنْعَدِمُ أَصْلُ الْعَقْدِ بِانْعِدَامِهَا كَالْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ: مَا تَزَوَّجْت كَانَ عَلَى الْفَاسِدِ وَالْجَائِزِ فَكَذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ مِلْكُ الْحِلِّ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ كَيْف وَقَدْ نَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلَ الْعَقْدِ بِغَيْرِ شُهُودٍ حَيْثُ قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَالْمَقْصُودُ هُنَاكَ وَهُوَ الْمِلْكُ يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ إذَا تَأَكَّدَ بِالْقَبْضِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَدَبَّرَ الْكَلَامَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَبَرِ عَنْ الْمَاضِي مِنْ النِّكَاحِ لَيْسَ مَقْصُودُهُ الْحِلَّ وَالْعِفَّةَ وَإِنَّمَا يَمِينُهُ فِي الْمَاضِي عَلَى مُجَرَّدِ الْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ يَتَحَقَّقُ عَنْ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَالْجَائِزِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا حَنِثَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ نَظِيرُ الْقَبُولِ فِي الشِّرَاءِ الصَّحِيحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: شَرْطُ حِنْثِهِ الْعَقْدُ وَبِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فَاسِدًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا، وَالْمِلْكُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي تَحْقِيقِ شَرْطِ الْحِنْثِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ حَنِثَ؟ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُ قَالَ وَهَذَا وَالنِّكَاحُ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فِي الْبَيْعِ، وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ يَعُودُ إلَى الْقِيَاسِ فِي النِّكَاحِ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَتَقَ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؟ فَدَلَّ أَنَّ الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ هُنَا غَيْرُ مُنْعَقِدٍ هُنَاكَ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّاهَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا وَالنِّكَاحُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ الْعِبَادَةُ وَنَيْلُ الثَّوَابِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ».
(قَالَ) وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَسَجْدَةً اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ فِعْلٌ يَكُونُ بِهِ مُصَلِّيًا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى فِي الْعَادَةِ مُصَلِّيًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: الصَّلَاةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَرْكَانٍ: مِنْهَا الْقِيَامُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالسُّجُودُ، وَالرُّكُوعُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ، وَكُلُّ رُكْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا مُطْلَقًا مَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا بَعْدَ التَّكْبِيرِ مَجَازًا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ اشْتَغَلَ بِالْأَرْكَانِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُصَلِّيًا، فَإِذَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ فَقَدْ أَتَى بِأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ تَكْرَارًا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ فِي إتْمَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْقَعْدَةَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَأَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ أَفْطَرَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَشَرْطُهُ النِّيَّةُ فَلَمَّا أَصْبَحَ نَاوِيًا لِلصَّوْمِ فَقَدْ أَتَى بِمَا هُوَ رُكْنُ الصَّوْمِ فَيَتِمُّ بِهِ شَرْطُ حِنْثِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ يَوْمًا فَحِينَئِذٍ إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ اللَّيْلِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِامْتِدَادِ الْإِمْسَاكِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَإِنْ حَلَفَ لَيُفْطِرَنَّ عِنْدَ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَفْطَرَ عَلَى مَاءٍ وَتَعَشَّى عِنْدَ فُلَانٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ بِرِّهِ الْفِطْرَ عِنْدَ فُلَانٍ وَقَدْ تَعَشَّى عِنْدَ فُلَانٍ وَمَا أَفْطَرَ عِنْدَهُ فَالْفِطْرُ الْحُكْمِيُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَحَقِيقَتُهُ بِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ فُلَانًا، وَإِنْ كَانَ نَوَى حِينَ حَلَفَ الْعَشَاءَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ يُذْكَرُ فِي الْعَادَةِ وَالْمُرَادُ الْعَشَاءُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ: أَفْطَرْت عِنْدَ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يُفْطِرُ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ وَالْمُرَادُ التَّعَشِّي وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ بِكُوزِ فُلَانٍ فَصَبَّ فُلَانٌ عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنْ كُوزِهِ فَتَوَضَّأَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ التَّوَضُّؤَ بِالْمَاءِ الَّذِي فِي الْكُوزِ لَا يُغَيِّرُ الْكُوزَ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْكُوزِ غَيْرُهُ، وَكُوزُ الصُّفْرِ وَالْإِدَامِ وَغَيْر ذَلِكَ فِيهِ سَوَاءٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ يُسَمَّى كُوزًا عَادَةً فَأَمَّا إذَا تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ لِفُلَانٍ غَيْرِ الْكُوزِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ هُوَ الَّذِي وَضَّاهُ وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ التَّوَضُّؤُ وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ بِقَدَحِ فُلَانٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلٌ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا: إنْ مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَمَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ وَارِثُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْمُورَثِ سَبَبٌ لِانْتِقَالِ الْمَالِ إلَى الْوَارِثِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلنِّكَاحِ وَأَوَانُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَقْتَرِنُ الطَّلَاقُ بِحَالِ فَسَادِ النِّكَاحِ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا إذَا قَالَ: إذَا بَاعَك مِنِّي فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَطْلُقْ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي النِّكَاحِ الْمُسْتَقِرِّ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِي حَالِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ كَانَ قَالَ: إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَمَاتَ الْمَوْلَى وَهُوَ وَارِثُهُ لَا تَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَقِرِّ، وَبِنَفْسِ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ وَلَكِنَّ أَوَانَ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَمَلَكَتْك؛ لِأَنَّ أَوَانَ الْعِتْقِ هُنَاكَ مَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ بَعْدُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ وَارِثًا لَهُ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَوْتَ الْمَوْلَى سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِهِ فَإِنَّمَا يَزُولُ مِلْكُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ يَفْسُدُ النِّكَاحُ بَعْدَ مَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ قَبْلَ هَذَا بِدَرَجَتَيْنِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَقْتَرِنُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَزَوَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي دَفْعِ اسْتِقْرَارِ النِّكَاحِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ لَمْ تَعْتِقْ؛ لِأَنَّ أَوَانَ وُقُوعِ الْعِتْقِ مَعَ زَوَالِ مِلْكِ الْمَالِكِ، وَمِلْكُ الْوَارِثِ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرُ الْمِلْكُ الَّذِي يَتَأَخَّرُ لِلْوَارِثِ فِي تَصْحِيحِ عِتْقِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْمِلْكَ بِقَوْلِهِ: إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَمَلَكْتُك وَقَعَ الْعِتْقُ دُونَ الطَّلَاقِ؟ فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمِلْكَ يَقَعُ الطَّلَاقُ دُونَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُنَفِّذٌ لِلْعِتْقِ مَانِعٌ وُقُوعَ الطَّلَاقِ رَجُلٌ: قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا: إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَهُوَ وَارِثُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَعْتِقُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ الْعَتَاقُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا الْعَتَاقُ، أَمَّا أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَمْتَنِعُ وُقُوعُهُ إلَّا بَعْدَ الْمِلْكِ كَمَا أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ الْمِلْكِ، وَقَدْ عَلَّقَهُمَا الْحَالِفُ بِمَوْتِ فُلَانٍ وَاَلَّذِي ثَبَتَ بِمَوْتِ فُلَانٍ زَوَالُ مِلْكِهِ ثُمَّ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَوَانُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مَعَ وُقُوعِ الْمِلْكِ، وَحَالُ وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلزَّوْجِ فِي رَقَبَتِهَا لَيْسَ بِحَالِ اسْتِقْرَارِ النِّكَاحِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَرِنُ بِوُقُوعِ الْمِلْكِ، وَأَوَانُ نُفُوذِ الْعِتْقِ مَا بَعْدَ الْمِلْكِ، وَأَمَّا زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِحَالِ اسْتِقْرَارِ النِّكَاحِ، وَيَقَعُ الْعِتْقُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالْعِتْقِ فِي الْمِلْكِ وَالشَّرْطِ ثُمَّ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى الْمُورَثِ وَكَمَا مَاتَ الْمُورَثُ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى الْوَارِثِ فَيَقَعُ الْعِتْقُ.
وَلَا يُعْتَبَرُ تَخَلُّلُ زَوَالِ الْمِلْكِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا كَانَ أَوَانَ نُزُولِهِ بَعْدَ الْمِلْكِ يَصِيرُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَوَرِثْتُك وَلَا يُدْرَجُ مِثْلُ هَذَا فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الطَّلَاقَ، وَالْإِدْرَاجُ لِلتَّصْحِيحِ لَا لِلْأَبْطَالِ أَوْ يُدْرَجُ حَتَّى لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَقَعَ الْعِتْقُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ.
وَإِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إذَا بَاعَك فُلَانٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَبَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ تَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ بَيْعُ فُلَانٍ إيَّاهَا وَبَيْعُ فُلَانٍ مِنْ الْحَالِفِ سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِهِ فَأَمَّا وُقُوعُ الْمِلْكِ لِلْحَالِفِ بِشِرَائِهِ لَا بِبَيْعِ فُلَانٍ فَلِهَذَا لَا تَعْتِقُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إذَا وَهَبَك لِي فُلَانٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَبَاعَهَا مِنْ فُلَانِ وَسَلَّمَهَا ثُمَّ اسْتَوْدَعَهَا الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ لِلْبَائِعِ: هَبْهَا لِي فَقَالَ: هِيَ لَك أَنَّهَا لَهُ؟ وَهَذَا قَبُولٌ وَلَا تَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالْهِبَةَ وَقَعَا وَهِيَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهَا بِالْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالْوَاهِبِ فَكَانَ الْعِتْقُ مُتَّصِلًا بِزَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالْوَاهِبِ أَوْ مُقْتَرِنًا بِوُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْحَالِفِ، وَلَا يُنَفَّذُ الْعِتْقُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ.
وَإِنْ قَالَ: إذَا وَهَبَك فُلَانٌ مِنِّي فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَهَبَهَا مِنْهُ وَهُوَ قَابِضٌ لَهَا عَتَقَتْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إذَا بَاعَك فُلَانٌ مِنِّي فَأَنْتِ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي حَقِّهِ وَإِضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ كَإِضَافَتِهِ إلَى نَفْسِ الْمِلْكِ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: يَا فُلَانٌ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك عَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك تِسْعَةَ أَيَّامٍ، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فَقَدْ حَنِثَ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُخَاطِبًا لَهُ فَيَحْنَثُ فِي الْيَمِين الْأُولَى وَبِالْيَمِينِ الثَّالِثَةِ صَارَ مُخَاطِبًا لَهُ فَيَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ الثَّالِثَةُ حَتَّى إنْ كَلَّمَهُ فِي الثَّمَانِيَةِ الْأَيَّامِ حَنِثَ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك تِسْعَةَ أَيَّامٍ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَقَدْ حَنِثَ مَرَّتَيْنِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ الثَّالِثَةُ إنْ كَلَّمَهُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ حَنِثَ أَيْضًا.
رَجُلٌ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهُ حُرٌّ وَكُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ، وَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: عَلَيَّ مِثْلُ مَا حَلَفْت عَلَى يَمِينِك مِنْ هَذِهِ الْأَيْمَانِ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَدَخَلَ الثَّانِي الدَّارَ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الثَّانِي صَرَّحَ بِكَلِمَةِ عَلَيَّ وَهِيَ كَلِمَةُ الْتِزَامٍ فَكَانَتْ عَامِلَةً فِيمَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ فِي الذِّمَّةِ دُونَ مَا لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ فِي الذِّمَّةِ، وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى يَصِحُّ الْتِزَامُهُ فِي الذِّمَّةِ فَيَتَعَلَّقُ بِدُخُولِهِ الدَّارَ وَعِنْدَ الدُّخُولِ يَصِيرُ كَالْمُنَجِّزِ فَأَمَّا الطَّلَاقُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ فِي الذِّمَّةِ وَالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ الْتِزَامُهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَكِنْ لَا يَتَنَجَّزُ فِي الْمَحَلِّ بِدُونِ التَّنْجِيزِ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ مَمْلُوكُهُ وَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ إذَا دَخَلَ الدَّارَ، وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَقَالَ آخَرُ عَلَيَّ مِثْلُ ذَلِكَ فِي امْرَأَتِي مِنْ الطَّلَاقِ إنْ دَخَلْتُهَا فَدَخَلَ الثَّانِي الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَلُقَتْ عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ فِي امْرَأَتِهِ مِنْ الطَّلَاقِ مَا الْتَزَمَهُ الْأَوَّلُ وَالْأَوَّلُ إنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا عِنْدَ الدُّخُولِ لَا لُزُومَ الطَّلَاقِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الثَّانِي.
(قَالَ) فِي الْكِتَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ طَلَاقُ امْرَأَتِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؟ وَهَذَا يَصِيرُ رِوَايَةً فِي فَصْلٍ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ طَلَاقُك لِي لَازِمٌ فَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَالْعِرَاقِيُّونَ مِنْ مَشَايِخِنَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ وَاجِبٌ: لَا يَقَعُ وَفِي قَوْلِهِ لِي لَازِمٌ: يَقَعُ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ وَاللُّزُومَ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَالطَّلَاقُ لَا يُلْتَزَمُ فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَ لِالْتِزَامِهِ فِي الذِّمَّةِ عَمَلٌ فِي الْوُقُوعِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ لِي لَازِمٌ يَقَعُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ لِي لَازِمٌ وَجَعْلُ السَّبَبِ كِنَايَةً عَنْ الْحُكْمِ صَحِيحٌ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْوِي فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لُزُومُ الْحُكْمِ إيَّاهُ فَإِذَا نَوَى الْوُقُوعَ وَقَعَ فَأَمَّا الْعِتْقُ فَقَدْ جَعَلَ الثَّانِي بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ عِتْقُ مَمَالِيكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِي هَذَا لَمْ يَعْتِقْ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ إنْ بَقِيَ بِهِ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ كَمَا هُوَ مُوجِبُ نَذْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ عَبْدُهُ سَالِمٌ حُرٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: عَلَيَّ مِثْلُ مَا جَعَلْت عَلَى نَفْسِك إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَهَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَلْتَزِمُ بِالدُّخُولِ عِتْقَ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ فَإِنْ عَنِيَ بِهِ عِتْقَ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ الَّذِي يَمْلِكُهُ فَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يَفِيَ بِهِ وَهُوَ آثِمٌ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ لِتَرْكِ الْوَفَاءِ بِالْمَنْذُورِ وَبَيَانُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} الْآيَةَ، وَأَمَّا الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالنَّذْرُ وَالصِّيَامُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعَبْدُ إلَى رَبِّهِ فَإِذَا قَالَ رَجُلٌ آخَرُ: عَلَيَّ مِثْلُ مَا حَلَفْت بِهِ إنْ فَعَلْت فَفَعَلَهُ الثَّانِي فَإِنَّهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْأَوَّلُ عَلَيَّ عِتْقُ نَسَمَةٍ إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ نَسَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ يَصِحُّ الْتِزَامُهَا فِي الذِّمَّةِ بِالنَّذْرِ وَالْوَفَاءِ بِالنُّذُورِ يُؤْمَرُ بِهِ النَّاذِرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.