فصل: بَابٌ مِنْ الْكَفَالَةِ أَيْضًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابٌ مِنْ الْكَفَالَةِ أَيْضًا:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا أَقْرَضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ قَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْفُلَ بِهِ فُلَانٌ؛ كَانَ جَائِزًا حَاضِرًا كَانَ فُلَانٌ أَوْ غَائِبًا ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُحِيلَهُ بِهِ عَلَى فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يُفْسِدُهُ الْبَاطِلُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِيهِ كَفَالَةً أَوْ حَوَالَةً مِنْ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْلُومٍ غَيْرِ حَاضِرٍ؛ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الشُّرُوطِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشُّرُوطِ.
فَأَمَّا ضَمَانُ الْقَرْضِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ شَرْعًا وَلَا أَثَرَ لِلشُّرُوطِ فِيهِ كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ مِنْ دَمِ عَمْدٍ وَجِرَاحَةٍ فِيهَا قِصَاصٌ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا.
وَجِنَايَةُ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ إذَا ضَمِنَهَا فَشَرَطَ لَهُ فِي ذَلِكَ كَفَالَةً أَوْ حَوَالَةً فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يُبْطَلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ.
وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَلَوْ قَبِلَ الْكَفِيلُ الْكَفَالَةَ أَوْ الْحَوَالَةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَازِمٌ يُطَالِبُ بِهِ الْأَصِيلُ وَتُجْرَى النِّيَابَةُ فِي إيفَائِهِ وَبَدَلُ الْعِتْقِ بِمَالٍ لَيْسَ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي حُكْمِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَيْنٍ قَوِيٍّ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ فَسَادَ شَرْطِ الْكَفَالَةِ لَا يُبْطِلُ هَذِهِ الْعُقُودَ: مَا قَالَ فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ يُرَدُّ وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَلَكِنْ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْفَسْخُ بَعْدَ الِانْعِقَادِ، وَهَذِهِ الْعُقُودُ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ حَالٌّ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ نُجُومًا عَلَى أَنْ يَضْمَنَهُ لَهُ فُلَانٌ الْغَائِبُ فَصَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدِمَ الْكَفِيلُ فَأَبَى أَنْ يَضْمَنَ؛ فَالصُّلْحُ مُنْتَقَضٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى التَّنْجِيمِ فِي الْمَالِ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا وَهُوَ مَا رَضِيَ بِذَلِكَ إلَّا بِكَفَالَةِ الْكَفِيلِ فَإِذَا أَبَى أَنْ يَكْفُلَ كَانَ الْمَالُ حَالًّا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ وَإِنْ ضَمِنَ الْكَفِيلُ بَعْدَ مَا حَضَرَ جَازَ الصُّلْحُ لِتَمَامِ الرِّضَا بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْعَقْدِ مِنْ التَّمْلِيكِ شَيْءٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتِمَّ الرِّضَا بِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مَالٌ بِمَالٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّيِّقِ فَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ الْكَفِيلُ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ اشْتِرَاطُ كَفَالَتِهِ شَرْطًا فَاسِدًا.
وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى قَبُولِ الْكَفَالَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَأَبَى أَنْ يَضْمَنْ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ لِانْعِدَامِ تَمَامِ الرِّضَا بِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ فِي التَّأْخِيرِ أَنَّهُ إنْ أَخَّرَهُ عَنْ مَحَلِّهِ فَالْمَالُ كُلُّهُ حَالٌّ أَوْ إنْ أَخَّرَ نَجْمًا عَنْ مَحَلِّهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ؛ فَالْمَالُ كُلُّهُ حَالٌّ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الصُّلْحِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ شَيْءٌ وَهَذَا الشَّرْطُ فِي الصُّلْحِ مُتَعَارَفٌ وَلَوْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا عَلَى أَنْ جَعَلَ لَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا؛ كَانَ جَائِزًا فِي جَمِيعِ الدُّيُونِ إلَّا الْقَرْضَ فَإِنَّهُ حَالٌّ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ حَقُّ الْأَصِيلِ كَالْعَارِيَّةِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْأَجَلُ وَهُوَ مُؤَجَّلٌ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ.
وَالدَّيْنُ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ يَقْبَلُ الْأَجَلَ.
وَإِذَا كَفَلَ الْمَرِيضُ بِمَالٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ وَتَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ تَصِحُّ مِنْ ثُلُثِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَفَلَ بِهِ فِي الصِّحَّةِ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَالِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَارِثٍ وَلَا عَنْ وَارِثٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِي الصِّحَّةِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ بِسَبَبِ وُجُوبِ الدَّيْنِ مُضَافًا إلَى حَالِ الصِّحَّةِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ.
وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِالدَّيْنِ صَحِيحٌ وَلِلْوَارِثِ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ عَنْ وَارِثٍ فَهَذَا قَوْلٌ مِنْ الْمَرِيضِ فِيهِ مَنْفَعَةُ وَارِثِهِ.
وَالْمَرِيضُ مَحْجُورٌ عَنْ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الصِّحَّةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي الْمَرَضِ فَمَا بَقِيَ دَيْنُ الصِّحَّةِ لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ، وَإِذَا كَفَلَ فِي الصِّحَّةِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ لِفُلَانٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ ثُمَّ مَرِضَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَأَقَرَّ الْمَكْفُولُ عَنْهُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَزِمَ الْمَرِيضَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْمَالِ قَدْ تَمَّ مِنْهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ، وَالدَّيْنُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ لَهُ يُخَلِّصُ غُرَمَاءَ الْكَفِيلِ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَهُ كَانَ فِي الصِّحَّةِ وَكَانَ قَدْ لَزِمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَإِبْطَالَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَوْ بِمَا صَارَ لَهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِوَارِثٍ أَوْ عَنْ وَارِثٍ أَوْ لِوَارِثٍ عَنْ وَارِثٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الدَّرَكِ فَإِنَّهُ لَوْ كَفَلَ فِي صِحَّتِهِ بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْ دَرَكٍ فِي دَارٍ اشْتَرَاهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فِي مَرَضِ الْكَفِيلِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْرِبُ مَعَ غُرَمَاءِ الْكَفِيلِ الْمَيِّتِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ كَانَ فِي الصِّحَّةِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ فِي الْمَرَضِ.
وَإِنْ كَفَلَ فِي الْمَرَضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ اسْتَدَانَ دَيْنًا يُحِيطُ بِمَالِهِ ثُمَّ مَاتَ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ مَا لَزِمَهُ فِي الْمَرَضِ مِنْ الدَّيْنِ بِسَبَبٍ مُعَايِنٍ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَصِحُّ إذَا كَانَ دَيْنُ الصِّحَّةِ مُحِيطًا بِمَالِهِ وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ وَقَالَ: قَدْ كَفَلْت لِفُلَانٍ بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ، أَوْ كَفَلْت لِفُلَانٍ الْآخَرَ بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ؛ فَهَذَا بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ وَالْمَكْفُولَ عَنْهُ مَجْهُولٌ فَتَكُونُ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ تَمْنَعُ الْكَفَالَةَ وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ: كَفَلْت لَكَ بِمَالِكٍ عَلَى فُلَانٍ فَهَذَا جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ وَهِيَ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ الْمَبْنِيِّ عَلَى التَّوَسُّعِ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّالِبَ مَعْلُومٌ فَتَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنَّمَا بَقِيَ الْخِيَارُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ أَيَّ الْمَالَيْنِ شَاءَ.
وَلَوْ كَفَلَ عَنْ وَاحِدٍ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ؛ جَازَ فَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَالْمُطَالَبَةُ هُنَاكَ لَا تَتَوَجَّهُ مِنْ الْمَجْهُولِ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا مِثْلُ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: كَفَلْت لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِكَ بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مَا لَك عَلَيْهِ وَهُوَ الْمِائَةُ دِينَارٍ أَوْ بِنَفْسِ فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مَا لَك عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا؛ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَحَدِهِمَا أَحَدَ الْمَالَيْنِ أَيُّ ذَلِكَ شَاءَ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ وَاحِدٌ مَعْلُومٌ، وَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِدَفْعِ أَحَدِهِمَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِكَفَالَتِهِ فَتَبْطُلُ عَنْهُ كَفَالَتُهُ عَنْ الْآخَرِ بِهَذَا الِاخْتِيَارِ وَقَدْ وُجِدَتْ الْمُوَافَاةُ فِي حَقِّ الَّذِي اخْتَارَ فَيَبْرَأُ مِنْ كَفَالَتِهِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَقَالَ رَجُلٌ لِأَحَدِهِمَا: كَفَلْت بِنَفْسِ غَرِيمِك فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَمَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ؛ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِهَا لِمَعْلُومٍ مُطْلَقًا وَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَرَةٌ فَإِنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ بِالنَّفْسِ وَمَا كَانَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَالِ لِتَثْبُتَ الْكَفَالَةُ بِهَا تَبَعًا لِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَيَكُونُ هَذَا تَعْلِيقَ الْتِزَامِ الْمَالِ بِمَحْضِ الشَّرْطِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِلرَّجُلِ كَفَلْت لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَأَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ لِإِنْسَانٍ آخَرَ فَالْكَفَالَةُ الثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ تَوَابِعِ الْكَفَالَةِ الْأُولَى فَيَكُونُ تَعْلِيقًا لِالْتِزَامِ التَّسْلِيمِ بِمَحْضِ الشَّرْطِ وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ عَنْ وَاحِدٍ فَقَالَ: كَفَلْت لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَمَا لِفُلَانٍ عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ عَلَيَّ؛ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْآخَرُ فَالْكَفَالَةُ الْأُولَى جَائِزَةٌ وَالنِّيَابَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ مَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَالِ فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ تَبَعًا لِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ.
وَلَوْ قَالَ كَفَلْت لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ بِمَالِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِنَفْسِهِ فَهَذَا بَاطِلٌ كُلُّهُ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَلَوْ قَالَ: كَفَلْت لَك بِأَحَدِ غَرِيمَيْك هَذَيْنِ أَوْ بِأَحَدِ مَالَيْك عَلَى هَذَيْنِ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ الْمَكْفُولُ لَهُ وَالْمُطَالَبَةُ تَتَوَجَّهُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ مَا الْتَزَمَهُ الْكَفِيلُ إلَيْهِ.
وَإِذَا كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ بِأَمْرِهِ فَرَهَنَهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا بِهِ وَفَاءً فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ كَمَا وَجَبَ الْمَالُ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ؛ وَجَبَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَالرَّهْنُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ صَحِيحٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْكَفِيلِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقِيقَةً حَتَّى إذَا أَدَّى الْكَفِيلُ الْمَالَ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، وَإِنْ أَدَّاهُ الْأَصِيلُ إلَى الطَّالِبِ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِمِثْلِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ حَقِيقَةً.
وَلَوْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَمْرِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ رَهْنًا فَوَقَعَتْ الْكَفَالَةُ بِهَذَا بِغَيْرِ شَرْطٍ مِنْ الْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ لَهُ ثُمَّ إنْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَكُونُ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَمْ يَقْبِضْهُ وَالرَّهْنُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَا يُجْبَرُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ عَلَى دَفْعِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَعْدًا مِنْ جِهَتِهِ وَالْمَوَاعِيدُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ وَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ لِلْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَالَ لِلطَّالِبِ بِالْكَفَالَةِ الْمُطْلَقَةِ عِنْدَ شَرْطٍ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ اشْتَرَطَ عَلَى الطَّالِبِ فَقَالَ لَهُ: أَكْفُلُ لَك بِهَذَا الْمَالِ عَنْ فُلَانٍ عَلَى إنْ رَهَنَ بِهِ فُلَانٌ هَذَا الْعَبْدَ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيَّ؛ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ فَكَفَلَ لَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الرَّهْنَ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ وَالْتِزَامُ الْمَالِ بِالْكَفَالَةِ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا وَلِأَنَّهُ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ إذَا لَمْ يُعْطِهِ الرَّهْنَ وَالشَّرْطُ أَمْلَكُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ عَنْهُ بِالْمَالِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ بِذَلِكَ الْمَطْلُوبِ كَفِيلًا فَوَقَعَتْ الْكَفَالَةُ لِلطَّالِبِ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ إنْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ أَبَى أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلَ كَفِيلًا فَإِنَّ الْكَفَالَةَ عَلَى الْكَفِيلِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ شَرَطَ عَلَى الطَّالِبِ: إنْ لَمْ يُعْطِ كَفِيلًا بِهَذَا الْمَالِ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كَفَالَتِي فَهُوَ عَلَيَّ شَرْطُهُ إنْ لَمْ يُعْطِهِ كَفِيلًا؛ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الرَّهْنِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مَعَ الطَّالِبِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكَفِيلِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّوَثُّقُ وَالنَّظَرُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَلْحَقَهُ غُرْمٌ، وَإِنْ كَتَبَ الْكَفِيلُ عَلَى دَارِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ شِرَاءً بِالْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَهَذَا قَضَاءٌ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِلْكَفِيلِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ فَكَأَنَّهُ أَوْفَاهُ الدَّيْنَ حَقِيقَةً وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لِلْكَفِيلِ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى سَنَةٍ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَعْطَى الْمَكْفُولَ عَنْهُ رَهْنًا بِالْمَالِ قَبْلَ السَّنَةِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْكَفِيلِ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْتِزَامَ الْمَالِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا قَبْلَ الشَّرْطِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ نَفْسَهُ إلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ إنَّ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا أَوْ: إنَّهُ الْتَزَمَ الْمَالَ ثُمَّ جَعَلَ الْمُوَافَاةَ بِنَفْسِهِ صَرْفًا لَهُ عَنْ الْمَالِ قُلْنَا: ذَلِكَ طَرِيقٌ صَارَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- لِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ فَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ بِالْتِزَامِهِ وَهُوَ مَا الْتَزَمَ الْمَالَ إلَّا بَعْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ غَدًا فَلَا يَكُونُ الْمَالُ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَخْتَصُّ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ فَإِنَّ مُوجَبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ رَهْنًا بِغَيْرِ مَالٍ.
وَضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الدَّيْنِ.
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِمَا لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ بَعْدُ فَقَالَ: إذَا حَلَّ الْمَالُ فَهُوَ عَلَيَّ وَأَعْطَى الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْكَفِيلَ رَهْنًا كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَالَ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ وَجَعَلَ مُطَالَبَةَ الطَّالِبِ عَنْهُ مُتَأَخِّرَةً إلَى مَا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ وُجُوبَ أَصْلِ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِذَا وَجَبَ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ وَجَبَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَيْضًا فَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ تَوَى مَا لَك عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيَّ وَأَعْطَاهُ بِذَلِكَ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَإِنَّهُ عَلَّقَ الْتِزَامَ الْمَالِ بِالشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَفِّك الْمَالَ فَهُوَ عَلَيَّ فَأَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِهِ رَهْنًا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ فِي الْكَفَالَاتِ وَلَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ بِالدَّرَكِ رَهْنًا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّرَكِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَكُلُّ مَا أَبْطَلْنَا فِيهِ الرَّهْنَ بِالْمَالِ فَكَانَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ الْكَفِيلِ حَتَّى يَحِلَّ عَلَيْهِ الْمَالُ وَيُؤْخَذُ بِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَمْسِكَ الرَّهْنَ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لَمْ يَثْبُتْ بِقَبْضِهِ يَدٌ لِلِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ- وَإِنْ وَجَبَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ- وَلَوْ آجَرَ مِنْهُ إبِلًا إلَى مَكَّةَ وَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ بِالْأَجْرِ وَبِالْحُمُولَةِ فَأَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْهُ بِذَلِكَ رَهْنًا فَإِنَّ الرَّهْنَ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مَأْخُوذٌ بِالْكَفَالَةِ وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَمَّا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَلِأَنَّ الْأَجْرَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مُؤَجَّلًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- سَبَبُ الْوُجُوبِ مُتَقَرِّرٌ، وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْمَالِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ صَحِيحٌ فَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ سَوَاءٌ ارْتَهَنَ مِنْ الْكَفِيلِ أَوْ ارْتَهَنَ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَحَالَ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ وَأَعْطَاهُ بِهِ رَهْنًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ بِالْحَوَالَةِ يَجِبُ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا يَجِبُ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ يَتَأَخَّرُ إلَى حِينِ أَدَائِهِ الْمَالَ.
وَإِذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ عَلَى كَافِرٍ مَالًا وَأَدَّى كَفَالَةَ مُسْلِمٍ بِذَلِكَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ؛ ثَبَتَ الْمَالُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْأَصِيلِ دُونَ الْكَفِيلِ الْمُسْلِمِ وَشَهَادَةُ الْكُفَّارِ لَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُسْلِمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَصْلُ الْمَالِ عَلَى كَافِرٍ فَشَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ أَنَّهُمَا كَفَلَا عَنْهُ بِهَذَا الْمَالِ، وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَصِيلِ وَعَلَى الْكَفِيلِ الْكَافِرِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْكَفِيلِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ تَنْفَصِلُ عَنْ الْبَعْضِ فَإِنَّمَا يَقْضِي بِقَدْرِ مَا قَامَتْ الْحُجَّةُ بِهِ.
وَإِذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ مَالًا وَجَحَدَهُ الْمَطْلُوبُ وَادَّعَى الطَّالِبُ كَفَالَةَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْهُ بِالْمَالِ بِأَمْرِهِ وَجَحَدَ الْكَفِيلُ وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ ذِمِّيَّانِ؛ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْكَفِيلِ وَلَمْ تَجُزْ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى إنَّ الْكَفِيلَ إذَا أَدَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ لَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ الدَّيْنُ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِهَا أَمْرُ الْكَفِيلِ بِالْكَفَالَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَالُ عَلَيْهِمَا فِي الصَّكِّ وَالْمُسْلِمُ فِي صَدْرِ الصَّكِّ وَالذِّمِّيُّ كَفِيلٌ بَعْدَهُ أَوْ كَانَ الصَّكُّ عَلَيْهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَى أَحَدِهِمَا يَنْفَصِلُ عَنْ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِقَدْرِ مَا قَامَتْ الْحُجَّةُ بِهِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ عَلَى الْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ.
وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ فَكَفَلَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ عَنْ الْمَطْلُوبِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ الشَّرِكَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا.
مَعْنَاهُ أَنَّ أَصْلَ الْمَالِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هُوَ كَفِيلًا بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَفِيلًا بِالنِّصْفِ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا نَفْسَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ شَرِيكِهِ الْكَفِيلِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هُوَ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ مُسْقِطًا حَقَّهُ فِي الْمُشَارَكَةِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ قَبْلَ وُجُوبِ سَبَبِ الْوُجُوبِ بَاطِلٌ وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلشَّرِكَةِ لَهُ فِي الْمَقْبُوضِ الْقَبْضُ وَالْكَفَالَةُ يُسْتَحَقُّ ذَلِكَ فَلِهَذَا بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ وَلَيْسَتْ الْكَفَالَةُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ بِالْأَدَاءِ فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَوْ تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ عَنْ الْمَدْيُونِ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ مُتَقَرِّبًا بِالسَّبَبِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا كَفَلَ بِالْيَمِينِ عَنْ الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ؛ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ ادَّعَى عَنْهُ جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ إنْسَانٍ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْمُكَاتَبِ؛ جَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِوَاحِدٍ فَمَاتَ فَوَرِثَهُ ابْنَاهُ فَكَفَلَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا إرْثًا فَهُوَ قِيَاسُ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بِسَبَبٍ آخَرَ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَفَلَ بِهَا عَنْهُ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ وَارِثُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْمِيرَاثِ فَسَقَطَ عَنْهُ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ لِلطَّالِبِ فَإِنَّمَا يُسْقِطُ عَنْ الْكَفِيلِ حِصَّةَ الْمَطْلُوبِ وَلِوَارِثِ الْآخَرِ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حِصَّتِهِ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ وَإِنَّمَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَبْرَأُ بِهِ الْأَصِيلُ وَلَوْ كَانَ احْتَالَ بِهَا عَلَيْهِ فَكَفَلَ بِهَا عَلَى أَنْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ ثُمَّ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ وَارِثُهُ وَكَانَتْ الْحَوَالَةُ بِأَمْرِهِ؛ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمَطْلُوبِ بِمَوْتِ الطَّالِبِ فَلَوْ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ وَالْكَفَالَةَ كَانَتْ فَاسِدَةً فَلَا يَكُونُ مُقَيَّدًا بِقَضَاءٍ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَوْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَهَذَا رُجُوعٌ مُفِيدٌ فَإِنَّ الْكَفِيلَ وَالْمُحْتَالَ عَلَيْهِ إنْ كَانَا مُتَطَوِّعَيْنِ هُنَا لَا يَسْتَوْجِبَانِ الرُّجُوعَ عِنْدَ الْأَدَاءِ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمَالِ هُنَاكَ فِي ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ فَهُوَ إنَّمَا يَمْلِكُ بِالْإِرْثِ مَا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ فَسَقَطَ عَنْهُ وَلَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَفَلَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.
وَهُنَا أَصْلُ الْمَالِ تَحَوَّلَ إلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَالْأَصِيلُ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ إذَا كَانَ دَيْنًا مُفِيدًا.
وَإِذَا كَفَلَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ بِدِينٍ عَلَى رَجُلٍ وَعَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لِغُرَمَائِهِ.
فَهَذِهِ الْكَفَالَةُ فِي الصُّورَةِ لِلْعَبْدِ وَفِي الْمَعْنَى لِلْغُرَمَاءِ وَالْعَبْدُ الْمَدْيُونُ يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ الدَّيْنَ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَلِكَ بِالْكَفَالَةِ فَإِنْ قَضَى الْعَبْدُ الدَّيْنَ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ صَارَ لَهُ وَلَا يَكُونُ كَفِيلًا لِنَفْسِهِ عَنْ نَصِيبِهِ وَكَانَ الدَّيْنُ لِلْعَبْدِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ عَلَى حَالِهِ يَأْخُذُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْمَوْلَى هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْفَسْخِ لِلْكَفَالَةِ فَلَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ.
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْهُ وَالْمَالُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ عَلَى حِلِّهِ يَأْخُذُهُ بِهِ إنْ كَانَ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ كَفَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ لِلْكَفِيلِ مِيرَاثًا بِمَوْتِ الطَّالِبِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَارَ لَهُ بِهِبَةِ الطَّالِبِ مِنْهُ أَوْ بِقَضَائِهِ إيَّاهُ وَلَوْ قَضَاهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ؛ رَجَعَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَبْرَأَ مِنْهُ الْمَطْلُوبَ عَلَى أَنْ ضَمَّنَهُ هَذَا بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ أَوْ عَلَى أَنْ احْتَالَ بِهِ عَلَى هَذَا ثُمَّ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَصِيلَ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَطْلُوبِ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْإِرْثِ بِمَنْزِلَةِ تَمَلُّكِهِ بِالْأَدَاءِ وَإِذَا كَفَلَ الْعَبْدُ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ لِرَجُلَيْنِ بِأَلْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ اسْتَدَانَ أَلْفًا ثُمَّ بِيعَ بِأَلْفٍ كَانَ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمْ يَضْرِبُ صَاحِبُ الْكَفَالَةِ بِجَمِيعِهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ دَيْنِهِ ثَبَتَ عَلَى الْعَبْدِ بِكَفَالَتِهِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ حِينَ كَانَ فَارِغًا عَنْ الدَّيْنِ فَلَوْ كَانَ اسْتَدَانَ أَوَّلًا أَلْفًا وَكَانَتْ الْكَفَالَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالثَّمَنُ لِلْمَدِينِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مِنْهُ كَانَتْ بَعْدَ مَا اُشْتُغِلَتْ مَالِيَّتُهُ بِالدَّيْنِ فَكَفَالَتُهُ بِأَمْرِ الْمَوْلَى إقْرَارٌ لِلْمَوْلَى فِي الْفَصْلَيْنِ عَلَيْهِ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ كَفَلَ بِأَلْفٍ ثُمَّ اسْتَدَانَ أَلْفًا ثُمَّ بِيعَ بِأَلْفٍ كَانَتْ الْأَلْفُ الْوُسْطَى بَاطِلَةً؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِهَا وَمَالِيَّتُهُ اُشْتُغِلَتْ بِالْكَفَالَةِ الْأُولَى وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اسْتَدَانَ أَلْفًا ثُمَّ بِيعَ بِأَلْفٍ وَتَمَامُ بَيَانِ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.