فصل: بَابُ الطَّوَافِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الطَّوَافِ:

اعْلَمْ بِأَنَّ الطَّوَافَ أَرْبَعَةٌ ثَلَاثَةُ فِي الْحَجِّ وَوَاحِدٌ فِي الْعُمْرَةِ: أَمَّا أَحَدُ الْأَطْوِفَةِ فِي الْحَجِّ فَهُوَ طَوَافُ التَّحِيَّةِ، وَيُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ وَطَوَافَ اللِّقَاءِ، وَذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ وُصُولِهِ إلَى الْبَيْتِ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ وَاجِبٌ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِهِ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَهَذَا أَمْرٌ، وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ لِلتَّعْظِيمِ فَالنُّسُكُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الزِّيَارَةِ يَكُونُ وَاجِبًا بِمَنْزِلَةِ الذِّكْرِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ التَّكْبِيرُ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالطَّوَافِ، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَبِالْإِجْمَاعِ طَوَافُ يَوْمِ النَّحْرِ وَاجِبٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ مُؤَقَّتٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى لَا يَجُوزَ قَبْلَهُ فَمَا يُؤْتَى بِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا لِأَنَّهُ يُؤْتَى بِهِ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ رُكْنٌ وَاحِدٌ فِي الْإِحْرَامِ وَاجِبًا كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَجَعَلْنَاهُ سُنَّةً لِهَذَا بِخِلَافِ طَوَافِ الصَّدَرِ فَإِنَّهُ يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ تَمَامِ التَّحَلُّلِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ وَاجِبًا لَا يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الطَّوَافِ وَاجِبًا فِي الْإِحْرَامِ، وَالطَّوَافُ فِي الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ ثَنَاءِ الِافْتِتَاحِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ هُنَا كَالتَّكْبِيرِ هُنَاكَ، وَكَمَا أَنَّ ثَنَاءَ الِافْتِتَاحِ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ عَقِيبَ التَّكْبِيرِ سُنَّةٌ فَكَذَلِكَ الطَّوَافُ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ عَقِيبَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ.
وَمِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السَّعْيَ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ وَاجِبٌ، وَلَا يَكُونُ الْوَاجِبُ بِنَاءً عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْعُذْرَ عَنْ هَذَا فِيمَا مَضَى.
وَالطَّوَافُ الثَّانِي طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ رُكْنُ الْحَجِّ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}، وَالْمُرَادُ بِهِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ.
وَالطَّوَافُ الثَّالِثُ طَوَافُ الصَّدَرِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ طَوَافِ الْقُدُومِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْتِي بِهِ الْآفَاقِيُّ دُونَ الْمَكِّيِّ، وَمَا يَكُونُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ فَالْآفَاقِيُّ وَالْمَكِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ.
(وَلَنَا) فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ»، وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ، وَالْأَمْرُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ، وَتَخْصِيصُ الْحَائِضِ بِرُخْصَةِ التَّرْكِ دَلِيلٌ عَلَى الْوُجُوبِ أَيْضًا، وَكَمَا أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ لِتَمَامِ التَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فَطَوَافُ الصَّدَرِ لِانْتِهَاءِ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ فَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَى مَنْ يَنْتَهِي مُقَامُهُ بِهَا، وَهُوَ الْآفَاقِيُّ أَيْضًا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ دُونَ الْمَكِّيِّ الَّذِي لَا يَرْجِعُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيُسَمَّى هَذَا طَوَافَ الْوَدَاعَ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ دُونَ مَنْ لَا يُوَدِّعُهُ فَأَمَّا الطَّوَافُ الرَّابِعُ فَهُوَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ الرُّكْنُ فِي الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ طَوَافُ الصَّدَرِ، وَلَا طَوَافُ الْقُدُومِ أَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَلِأَنَّهُ كَمَا وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي هَذَا النُّسُكِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْقُدُومِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ فَيَأْتِي بِالطَّوَافِ الْمَسْنُونِ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ، وَأَمَّا طَوَافُ الصَّدَرِ فَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعُمْرَة طَوَافُ الصَّدَرِ أَيْضًا فِي حَقِّ مَنْ قَدِمَ مُعْتَمِرًا إذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ كَمَا فِي الْحَجِّ، وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّ مُعْظَمَ الرُّكْنِ فِي الْعُمْرَةِ الطَّوَافُ، وَمَا هُوَ مُعْظَمُ الرُّكْنِ فِي النُّسُكِ لَا يَتَكَرَّرُ عِنْدَ الصَّدَرِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْظَمَ الرُّكْنِ فِي نُسُكٍ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ رُكْنٍ فِي ذَلِكَ النُّسُكِ، وَلِأَنَّ مَا هُوَ مُعْظَمُ الرُّكْنِ مَقْصُودٌ، وَطَوَافُ الصَّدَرِ تَبَعٌ يَجِبُ لِقَصْدِ تَوْدِيعِ الْبَيْتِ، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا وَتَبَعًا (قَالَ) وَإِذَا قَدِمَ الْقَارِنُ مَكَّةَ فَلَمْ يَطُفْ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ كَانَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ فَإِنَّ عِنْدَهُ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يَدْخُلُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ فَلَا يَلْزَمُهُ طَوَافٌ مَقْصُودٌ لِلْعُمْرَةِ، وَعِنْدَنَا لَا يَدْخُلُ طَوَافُ الْحَجِّ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ فِي الْأَدَاءِ عَلَى الْحَجِّ، وَهَذَا يَفُوتُهُ بِالْوُقُوفِ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْوُقُوفُ، وَيَصِيرُ بِهِ مُؤَدَّيَا لِلْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ يَأْمَنُ الْفَوْتَ فَلَوْ بَقِيَتْ عُمْرَتُهُ لَكَانَ يَأْتِي بِأَعْمَالِهَا فَيَصِيرُ بَانِيًا أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَهَذَا لَيْسَ بِصِفَةِ الْقِرَانِ فَجَعَلْنَاهُ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ لِهَذَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ عَلَيْهَا بِسَرِفٍ، وَهِيَ تَبْكِي قَالَ مَا يُبْكِيكِ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ فَقَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَدَعِي عَنْكِ الْعُمْرَةَ أَوْ قَالَ اُرْفُضِي عُمْرَتَك وَانْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَاصْنَعِي جَمِيعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» فَقَدْ أَمَرَهَا بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الطَّوَافُ فَلَوْلَا أَنَّهَا بِالْوُقُوفِ تَصِيرُ رَافِضَةً لِعُمْرَتِهَا لَمَا أَمَرَهَا بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَمَا دَخَلَ وَقْتُ الْوُقُوفِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَتَانِ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ يَقُولُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا حَتَّى إذَا عَادَ مِنْ الطَّرِيقِ إلَى مَكَّةَ، وَطَافَ لِلْعُمْرَةِ فَهُوَ قَارِنٌ، وَالْحَسَنُ يَرْوِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَذْهَبِهِ كَمَا جَعَلَ التَّوَجُّهَ إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الشُّرُوعِ فِي الْجُمُعَةِ فِي ارْتِفَاضِ الظُّهْرِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ اسْتِحْسَانٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ هُنَاكَ مَأْمُورٌ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ فَيَتَقَوَّى السَّعْيُ بِمَشْيِهِ، وَهُنَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ هُنَا لِلِارْتِفَاضِ صَيْرُورَةُ رُكْنِ الْحَجِّ مُؤَدًّى حَتَّى يَكُونَ مَا بَعْدَهُ بِنَاءَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ.
وَهَذَا بِنَفْسِ التَّوَجُّهِ لَا يَحْصُلُ، وَهُنَاكَ الْمُوجِبُ لِرَفْضِ الظُّهْرِ الْمُنَافَاةُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَالسَّعْيُ مِنْ خَصَائِصِ الْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ مَقَامَ الشُّرُوعِ فِي ارْتِفَاضِ الظُّهْرِ بِهِ فَلَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ ذَهَبَ فَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَهُوَ رَافِضٌ لِلْعُمْرَةِ أَيْضًا لِأَنَّ رُكْنَ الْعُمْرَةِ الطَّوَافُ فَإِذَا بَقِيَ أَكْثَرُهُ غَيْرَ مُؤَدًّى جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ لَمْ يَكُنْ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى أَكْثَرَ الطَّوَافِ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَأَدَاءِ الْكُلِّ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ بَعْدَ أَدَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ يَأْمَنُ فَسَادَهَا بِالْجِمَاعِ، وَبَعْدَ أَدَاءِ ثَلَاثَةِ أَشْوَاطٍ لَا يَأْمَنُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُؤَدَّى إذَا كَانَ أَكْثَرَ فَالْأَقَلُّ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْعَدَمِ فَكَانَ جَانِبُ الْأَدَاءِ رَاجِحًا فَإِذَا تَرَجَّحَ جَانِبُ الْأَدَاءِ فَهُوَ بِالْوُقُوفِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلْحَجِّ فَإِنَّمَا يَصِيرُ مُؤَدِّيًا بَعْدَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ، وَإِذَا كَانَ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَلَمْ يَصِرْ رَافِضًا بِالْوُقُوفِ كَانَ مُؤَدِّيًا لِلْعُمْرَةِ بِأَدَاءِ الْأَشْوَاطِ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَيَكُونُ بَانِيًا لِلْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَكَمَا يَأْمَنُ الْفَسَادَ فِي الْعُمْرَةِ بِطَوَافِ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ يَأْمَنُ ارْتِفَاضَهَا بِالْوُقُوفِ، وَبَعْدَمَا طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ لَا يَأْمَنُ فَسَادَهَا بِالْجِمَاعِ فَلَا يَأْمَنُ ارْتِفَاضَهَا بِالْوُقُوفِ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَارَ رَافِضًا لَهَا عَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَعْمَالِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ اعْتِبَارًا بِالْمُحْصَرِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ لِخُرُوجِهِ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا «حِينَ أَمَرَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِهَا الَّتِي فَاتَتْهَا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ» لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي الْأَدَاءِ، وَقَدْ انْعَدَمَ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ يَصِرْ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ يُتِمُّ بَقِيَّةَ طَوَافِهَا وَسَعْيِهَا يَوْمَ النَّحْرِ، وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ تَحَقُّقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَدَاءً، وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَلَكِنَّهُ طَافَ وَسَعَى لِحَجَّتِهِ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ، وَكَانَ طَوَافُهُ، وَسَعْيُهُ لِلْعُمْرَةِ دُونَ الْحَجِّ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْبِدَايَةُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ بِجِهَةٍ فَأَدَاؤُهُ يَقَعُ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ.
وَإِنْ نَوَى جِهَةً أُخْرَى كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَهَذَا لِاعْتِبَارِ الطَّوَافِ بِالْوُقُوفِ فَإِنَّهُ لَوْ وُجِدَ مِنْهُ الْوُقُوفُ فِي وَقْتِهِ، وَنَوَى شَيْئًا آخَرَ سِوَى الْوُقُوفِ لِلْحَجِّ يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنُ الْحَجِّ، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي الطَّوَافِ إلَّا أَنَّ فِي الطَّوَافِ أَصْلَ النِّيَّةِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ عَدَا خَلْفَ غَرِيمٍ لَهُ حَوْلَ الْبَيْتِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ طَوَافُهُ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ النِّيَّةِ لِأَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنُ عِبَادَةٍ، وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَلِهَذَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي رُكْنِهَا وَالطَّوَافُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ نِيَّةِ الْجِهَةِ لِتَعَيُّنِهِ كَمَا قُلْنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ يُؤَدَّى فِي إحْرَامٍ مُطْلَقٍ فَأَمَّا طَوَافُ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ لَا يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ فِي الطَّوَافِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ الثَّانِي يَتَأَتَّى فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ دُونَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَالْفَرْقُ الْأَوَّلُ يَعُمُّ الْفَصْلَيْنِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ طَوَافَهُ، وَسَعْيَهُ لِلْعُمْرَةِ فَهَذَا رَجُلٌ لَمْ يَطُفْ لِحَجَّتِهِ، وَتَرْكُ طَوَافِ التَّحِيَّةِ لَا يَضُرُّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْمُلَ فِي طَوَافِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْحَجِّ وَسَعَى أَوَّلًا ثُمَّ طَافَ لِلْعُمْرَةِ وَسَعَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَطَوَافُهُ الْأَوَّلُ لِلْعُمْرَةِ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَنِيَّتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَغْوٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ لَهُمَا ثُمَّ سَعَى سَعْيَيْنِ فَقَدْ أَسَاءَ بِتَقْدِيمِهِ طَوَافَ التَّحِيَّةِ عَلَى سَعْيِ الْعُمْرَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَقْدِيمِ النُّسُكِ، وَتَأْخِيرِهِ شَيْءٌ سِوَى الْإِسَاءَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَقْدِيمُ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ يُوجِبُ الدَّمَ عَلَيْهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَى سَعْيِ الْعُمْرَةِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ طَوَافِ التَّحِيَّةِ أَصْلًا، وَاشْتِغَالُهُ بِطَوَافِ التَّحِيَّةِ قَبْلَ سَعْيِ الْعُمْرَةِ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا مِنْ اشْتِغَالِهِ بِأَكْلٍ أَوْ نَوْمٍ، وَلَوْ أَنَّهُ بَيْنَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِهَا اشْتَغَلَ بِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ فَكَذَا إذَا اشْتَغَلَ بِطَوَافِ التَّحِيَّةِ.
(قَالَ) وَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَلِلتَّحِيَّةِ كَذَلِكَ ثُمَّ سَعَى يَوْمَ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ مِنْ أَجْلِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَبْنِي الْمَسَائِلَ بَعْدَ هَذَا عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ طَوَافَ الْمُحْدِثِ مُعْتَدٌّ بِهِ عِنْدَنَا، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُعِيدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِ الْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَيْتِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَأَقِلُّوا فِيهِ الْكَلَامَ» ثُمَّ الطَّهَارَةُ فِي الصَّلَاةِ شَرْطُ الِاعْتِدَادِ بِهِ فَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ فِي الطَّوَافِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ بِالنَّصِّ هُوَ الطَّوَافُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلْيَطَّوَّفُوا وَهُوَ اسْمٌ لِلدَّوَرَانِ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُحْدِثِ وَالطَّاهِرِ فَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِيهِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَمِثْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنَّصِّ فَأَمَّا الْوُجُوبُ فَيَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ وَلَا يُوجِبَ عِلْمَ الْيَقِينِ، وَالرُّكْنِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِمَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ فَأَصْلُ الطَّوَافِ رُكْنٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَالطَّهَارَةُ فِيهِ تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَيَكُونُ مُوجِبُ الْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ فَلَمْ تَصِرْ الطَّهَارَةُ رُكْنًا، وَلَكِنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَالدَّمُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبَاتِ فِي بَابِ الْحَجِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الطَّوَافِ وَاجِبَةٌ، وَكَانَ ابْنُ شُجَاعٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ إنَّهُ سُنَّةٌ، وَفِي إيجَابِ الدَّمِ عِنْدَ تَرْكِهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ ثُمَّ الْمُرَادُ تَشْبِيهُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ فِي حَقِّ التَّوَّابِ دُونَ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي هُوَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الطَّوَافِ، وَأَنَّ الطَّوَافَ يَتَأَدَّى بِالْمَشْيِ، وَالْمَشْيُ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الطَّوَافَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ لَا يَسْتَدْعِي الطَّهَارَةَ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيْتِ يَسْتَدْعِي الطَّهَارَةَ كَالصَّلَاةِ، وَمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ فَيُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا فَلِشَبَهِهِ بِالصَّلَاةِ تَكُونُ الطَّهَارَةُ فِيهِ وَاجِبَةً، وَلِكَوْنِهِ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ يُعْتَدُّ بِهِ إذَا حَصَلَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ.
وَالْأَفْضَلُ فِيهِ الْإِعَادَةُ لِيَحْصُلَ الْجَبْرُ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ.
وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ فَإِنَّ نَقَائِصَ الْحَجِّ تُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا يَعْتَدُّ بِهَذَا الطَّوَافِ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ عَنْ الْإِحْرَامِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْتَدُّ بِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ أَعْظَمُ مِنْ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ مِنْ قُرَاةِ الْقُرْآنِ، وَالْجُنُبَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْجَنَابَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ حَيْثُ الطَّوَافُ، وَمِنْ حَيْثُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَمَنْعُ الْمُحْدِثِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلِتَفَاحُشِ النُّقْصَانِ هُنَا قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْجَبْرُ بِالْبَدَنَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْبَدَنَةُ فِي الْحَجِّ تَجِبُ فِي شَيْئَيْنِ عَلَى مَنْ طَافَ جُنُبًا، وَعَلَى مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَإِنْ أَعَادَ طَوَافَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ الْبَدَنَةُ، وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ طَوَافُهُ الثَّانِي أَمْ الْأَوَّلُ كَانَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي جَبْرٌ لِلْأَوَّلِ، وَكَانَ يَسْتَدِلُّ عَلَى هَذَا بِمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ إنَّهُ لَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ أَعَادَ طَوَافَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الطَّوَافُ الثَّانِي كَانَ مُتَمَتِّعًا وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْمُعْتَدَّ بِهِ مَا يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَالتَّحَلُّلُ حَصَلَ بِالطَّوَافِ الْأَوَّلِ فَهُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ، وَالثَّانِي جَبْرٌ لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهِ كَالْبَدَنَةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مُحْدِثًا فِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ كَانَ هُوَ الْمُعْتَدَّ بِهِ، وَالثَّانِي جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَدَّ بِهِ هُوَ الثَّانِي، وَأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ بِالثَّانِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ثُمَّ أَعَادَ طَوَافَهُ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَدُّ بِهِ هُوَ الْأَوَّلُ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمُ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُؤَدًّى فِي وَقْتِهِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّمَتُّعِ فَلِأَنَّهُ بِمَا أَدَّى مِنْ الطَّوَافِ فِي رَمَضَانَ، وَقَعَ لَهُ الْأَمْنُ عَنْ فَسَادِ الْعُمْرَةِ فَإِذَا أَمِنَ فَسَادَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْحَجِّ لَا يَكُونُ بِهَا مُتَمَتِّعًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ حُكْمُهُ مُرَاعًى لِتَفَاحُشِ النُّقْصَانِ فَإِنْ أَعَادَهُ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ، وَصَارَ الْمُعْتَدُّ بِهِ هُوَ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ فِي التَّحَلُّلِ كَمَنْ قَامَ فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يَقْرَأْ حَتَّى رَكَعَ كَانَ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ مُرَاعًى عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ فَإِنْ عَادَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ كَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ، وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ كَانَ الْأَوَّلُ مُعْتَدًّا بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ هُنَاكَ يَسِيرٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِهِ حُكْمُ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ بَلْ بَقِيَ مُعْتَدًّا بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَانَ الثَّانِي جَابِرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَافَتْ الْمَرْأَةُ لِلزِّيَارَةِ حَائِضًا فَهَذَا، وَالطَّوَافُ جُنُبًا سَوَاءٌ، وَلَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ، وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ كَانَ مُسِيئًا، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ أَخَفُّ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ قَلِيلٍ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ تَجُوزُ، وَكَذَلِكَ مَعَ النَّجَاسَةِ الْكَثِيرَةِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ نُقْصَانٌ فِي طَوَافِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ عُرْيَانًا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ.
وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ، وَالْكَشْفَ مُحَرَّمٌ لِأَجْلِ الطَّوَافِ عَلَى مَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلَا لَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا عُرْيَانٌ» فَبِسَبَبِ الْكَشْفِ يَتَمَكَّنُ نُقْصَانٌ فِي الطَّوَافِ، فَأَمَّا اشْتِرَاطُ طَهَارَةِ الثَّوْبِ لَيْسَ لِأَجْلِ الطَّوَافِ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِتَرْكِهِ نُقْصَانٌ فِي الطَّوَافِ، وَلَوْ كَانَ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا فَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ أَيْضًا كَمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُكْنٌ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ هُنَا، وَقَالَ عَلَيْهِ الدَّمُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْبَدَنَةِ فِي الْعُمْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْجِمَاعِ لَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَلِأَنَّ الدَّمَ يَقُومُ مَقَامَ الْعُمْرَةِ فَإِنْ فَاتَ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ الدَّمُ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ يَقُومُ مُقَامَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لِلتَّحَلُّلِ فَلَأَنْ يَقُومَ الدَّمُ مَقَامَ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ كَانَ أَوْلَى فَأَمَّا الدَّمُ لَا يَقُومُ مَقَامَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالْبَدَنَةُ قَدْ تَقُومُ مَقَامَهُ حَتَّى إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَأَوْصَى بِالْإِتْمَامِ عَنْهُ تَجِبُ بَدَنَةٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ فَكَذَلِكَ الْبَدَنَةُ تَقُومُ مَقَامَ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ الْقَارِنُ إذَا طَافَ حِينَ قَدِمَ مِنْ مَكَّةَ طَوَافَيْنِ مُحْدِثًا ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِطَوَافِ التَّحِيَّةِ مَعَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ تَرْكِ طَوَافِ التَّحِيَّةِ أَصْلًا، وَلَكِنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ لِلتَّحِيَّةِ مُعْتَدٌّ بِهِ مَعَ الْحَدَثِ فَالسَّعْيُ بَعْدَهُ مُعْتَدٌّ بِهِ أَيْضًا، وَالطَّهَارَةُ فِي السَّعْيِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَلَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ إعَادَةُ ذَلِكَ الطَّوَافِ فَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ ذَلِكَ الرَّمَلِ، وَالسَّعْيِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(قَالَ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ أَعَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَالدَّمُ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُعْتَدَّ بِهِ الطَّوَافَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَلَا يَجُوزُ طَوَافُ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَوَّلُ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ نَاقِصٌ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الدَّمُ بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ النُّقْصَانِ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَتَمَّ طَوَافَهُ يَوْمَ النَّحْرِ كَانَ صَحِيحًا فَكَذَا هَذَا.
وَإِذَا ارْتَفَعَ النُّقْصَانُ بِالْإِعَادَةِ لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَإِنْ طَافَهُمَا جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِطَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَيُعِيدُ السَّعْيَ لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ عَقِيبَ طَوَافِ التَّحِيَّةِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْجُنُبِ لِلتَّحِيَّةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا فَإِنَّهُ جَعَلَهُ كَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ حِينَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الدَّمَ فَدَلَّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ كَانَ الْمُعْتَدُّ بِهِ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ.
مُفْرِدٌ أَوْ قَارِنٌ طَافَ لِلزِّيَارَةِ مُحْدِثًا، وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدَرِ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ أَحَدُهُمَا لِلْحَدَثِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالْآخَرُ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ.
وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلصَّدَرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَا يُجْعَلُ طَوَافُهُ لِلصَّدَرِ إعَادَةً مِنْهُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ هَذَا الطَّوَافِ مَقَامَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ هَذَا إعَادَةً بِهِ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ صَارَ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدَرِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ لِأَجْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لَا يَشْتَغِلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدَرِ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى مَكَّةَ لِيَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَإِذَا عَادَ فَعَلَيْهِ إحْرَامٌ جَدِيدٌ؛ لِأَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ مُعْتَدٌّ بِهِ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَيَلْزَمُهُ إحْرَامٌ جَدِيدٌ لِدُخُولِ مَكَّةَ ثُمَّ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَخَّرَ الطَّوَافَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَسَنُبَيِّنُ هَذَا الْفَصْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الطَّوَافُ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَشَاةٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ، وَعَلَى الْحَائِضِ مِثْلُ ذَلِكَ لِلزِّيَارَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ شَيْءٌ لِأَنَّ لِلْحَائِضِ رُخْصَةٌ فِي تَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «فَإِنَّهُ أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَنَّهَا حَاضَتْ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَى حَلْقَى أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَقِيلَ إنَّهَا قَدْ طَافَتْ قَالَ فَلْتَنْفِرْ إذَنْ» فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّهَا طَافَتْ لِلزِّيَارَةِ أَمَرَهَا بِأَنْ تَنْفِرَ مَعَهُمْ، وَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَطَافَ لِلصَّدَرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَانَ طَوَافُ الصَّدَرِ مَكَانَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فَيَقَعُ عَمَّا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ، وَإِنْ نَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَفِي إقَامَةِ هَذَا الطَّوَافِ مَقَامَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَائِدَةٌ، وَهِيَ إسْقَاطُ الْبَدَنَةِ عَنْهُ ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ أَحَدُهُمَا لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَالْآخَرُ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْحَائِضِ إذَا طَافَتْ لِلزِّيَارَةِ ثُمَّ طَهُرَتْ فَطَافَتْ لِلصَّدَرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُؤَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَتَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ يُوجِبُ الدَّمَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُوجِبُ الدَّمَ فِي قَوْلِهِمَا.
وَعَلَى هَذَا مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ كَأَنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ نَحَرَ الْقَارِنُ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ بِالتَّقْدِيمِ،
وَالتَّأْخِيرِ، وَحُجَّتُهُمَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ، وَقَالَ آخَرُ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، وَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَوْمئِذٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» فَدَلَّ أَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ»، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَذَرَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِتَعَلُّمِ التَّرْتِيبِ وَمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي مُرَاعَاةِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ أَيْ لَا حَرَجَ فِيمَا تَأْتِي بِهِ، وَبِهِ يَقُولُ، وَإِنَّمَا الدَّمُ عَلَيْهِ بِمَا قَدَّمَهُ عَلَى وَقْتِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ تَوَقُّتَ النُّسُكِ بِزَمَانٍ كَتَوَقُّتِهِ بِالْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى النُّسُكُ إلَّا بِمَكَانٍ وَزَمَانٍ ثُمَّ مَا كَانَ مُؤَقَّتًا بِالْمَكَانِ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ يَلْزَمُهُ الدَّمُ كَالْإِحْرَامِ الْمُؤَقَّتِ بِالْمِيقَاتِ إذَا أَخَّرَهُ عَنْهُ بِأَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَلَالًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَكَذَلِكَ مَا كَانَ مُؤَقَّتًا بِالزَّمَانِ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ الَّذِي هُوَ مُؤَقَّتًا بِأَيَّامِ النَّحْرِ بِالنَّصِّ إذَا أَخَّرَهُ.
قُلْنَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَهَذَا لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْوَقْتِ فِي الْأَرْكَانِ وَاجِبٌ كَمُرَاعَاةِ الْمَكَانِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوُقُوفَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ فَبِتَأَخُّرِ الطَّوَافُ عَنْ وَقْتِهِ يَصِيرُ تَارِكًا لِمَا هُوَ وَاجِبٌ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ فِي الْحَجِّ يُوجِبُ الْجَبْرَ بِالدَّمِ ثُمَّ الْأَصْلُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ بِمَنْزِلَةِ الْكُلِّ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ بِهِ عَنْ الْإِحْرَامِ عِنْدَنَا.
وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْإِحْكَامِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقُومُ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكَمَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ فَكَمَا أَنَّ أَكْثَرَ عَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْكَمَالِ فَكَذَلِكَ أَشْوَاطُ الطَّوَافِ لَا تَقُومُ مَقَامَ الْكَمَالِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الطَّوَافِ بِسَبْعَةِ أَشْوَاطٍ ثَابِتٌ بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةُ فَكَانَ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ، وَمَا يُقَدَّرُ شَرْعًا بِقَدْرٍ لَا يَكُونُ لِمَا دُونَ ذَلِكَ الْقَدْرِ حُكْمُ ذَلِكَ الْقَدْرِ كَمَا فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الدَّوَرَانِ حَوْلَهُ، وَلَا يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ التَّكْرَارَ إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَفِعْلًا تَقْدِيرُ كَمَالِ الطَّوَافِ بِسَبْعَةِ أَشْوَاطٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ لِلْإِتْمَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلِاعْتِدَادِ بِهِ فَيَثْبُتُ مِنْهُ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ شَرْطُ الْإِتْمَامِ، وَلَئِنْ كَانَ شَرْطُ الِاعْتِدَادِ يُقَامُ الْأَكْثَرُ فِيهِ مَقَامَ الْكَمَالِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْوُجُودِ عَلَى جَانِبِ الْعَدَمِ إذَا أَتَى بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ صَحِيحٌ فِي الشَّرْعِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ يُجْعَلُ اقْتِدَاؤُهُ فِي أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ كَالِاقْتِدَاءِ فِي جَمِيعِ الرَّكْعَةِ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ، وَالْمُتَطَوِّعُ بِالصَّوْمِ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ يُجْعَلُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ كَوُجُودِهَا فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ، وَكَذَلِكَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ عِنْدَنَا.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ الطَّوَافُ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَفِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ يُقَامُ الْبَعْضُ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ إلَّا أَنَّا اعْتَبَرْنَا هُنَا الْأَكْثَرَ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ فَإِنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ،
وَالْحَلْقَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ فَيُقَامُ الرُّبُعُ مَقَامَ الْكُلِّ هُنَاكَ.
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَحَلَّلُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ خُطْوَةٌ مِنْ شَوْطٍ، وَلَوْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ لِلزِّيَارَةِ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدَرِ، وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِالْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ، وَيَقْضِيَ بَقِيَّةَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ بَاقٍ عَلَيْهِ فَكَانَ إحْرَامُهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بَاقِيًا، وَلَا يَحْتَاجُ هَذَا إلَى إحْرَامٍ جَدِيدٍ عِنْدَ الْعَوْدِ، وَلَا يَقُومُ الدَّمُ مَقَامَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى مَكَّةَ لِبَقِيَّةِ الطَّوَافِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُرِيقُ دَمًا لِتَأْخِيرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ أَكْثَرِ الْأَشْوَاطِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ كَتَأْخِيرِ الْكُلِّ، وَيَطُوفُ لِلصَّدَرِ، وَإِنْ كَانَ طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَجْزَأَهُ أَنْ لَا يَعُودَ، وَلَكِنْ يَبْعَثُ بِشَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ أَقَلُّ، وَشَرْطُ الطَّوَافِ الْكَمَالُ فَيَقُومُ الدَّمُ مَقَامَهُ، وَالدَّمُ الْآخَرُ لِطَوَافِ الصَّدَرِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْعَوْدَ إلَى مَكَّةَ يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ جَدِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ قَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ فَإِذَا عَادَ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ، وَأَعَادَ مَا بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَطَافَ لِلصَّدَرِ أَجْزَأَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ كُلِّ شَوْطٍ مِنْ أَشْوَاطِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْكُلِّ لَمَّا كَانَ يُوجِبُ الدَّمَ عَنْهُ فَتَأْخِيرُ الْأَقَلِّ لَا يُوجِبُ الدَّمَ، وَلَكِنْ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَقُولُ تَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ فَالْمُرَادُ طَعَامُ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ قِيمَةُ ذَلِكَ قِيمَةَ شَاةٍ فَحِينَئِذٍ يُنْقِصُ مِنْهُ مَا أَحَبَّ.
(قَالَ) وَإِنْ طَافَ الْأَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَطَافَ لِلصَّدَرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُكْمِلُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزِّيَارَةِ عَلَيْهِ أَقْوَى فَمَا أَتَى بِهِ مَصْرُوفٌ إلَى إكْمَالِهِ، وَإِنْ نَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ ذَلِكَ دَمٌ عَنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَدْ بَقِيَ مِنْ طَوَافِهِ لِلصَّدَرِ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ فَصَارَ تَارِكًا لِلْأَكْثَرِ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ، وَذَلِكَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ تَرْكِ الْكُلِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَكْمَلَ ذَلِكَ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ كَمَا بَيَّنَّا، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ مِنْهُ صَدَقَةٌ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي تَأْخِيرِ الْأَقَلِّ مَا يَجِبُ فِي تَأْخِيرِ الْكُلِّ ثُمَّ قَدْ بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ فَإِنَّمَا تَرَكَ الْأَقَلَّ مِنْهَا فَيَكْفِيهِ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِ طَوَافِ الصَّدَرِ فَلَا يَجِبُ فِي تَرْكِ أَقَلِّهِ مَا يَجِبُ فِي تَرْكِ كُلِّهِ، وَلَوْ طَافَ لِلصَّدَرِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَفَاحُشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ، وَيَكُونُ هُوَ كَالتَّارِكِ لِطَوَافِ الصَّدَرِ أَصْلًا، وَلَوْ طَافَ لِلصَّدَرِ وَهُوَ مُحْدِثٌ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِقِلَّةِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْجُنُبِ مُعْتَدٌّ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ يَحْصُلُ بِهِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ هَذَا النُّقْصَانِ مَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ أَصْلًا (قَالَ) وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا بِأَنْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ أَخَذَ عَلَى يَسَارِ الْكَعْبَةِ، وَطَافَ كَذَلِكَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ عِنْدَنَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ الْإِعَادَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الطَّوَافَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مَنْكُوسًا بِأَنْ بَدَأَ بِالتَّشَهُّدِ لَا يَجْزِيهِ فَكَذَلِكَ الطَّوَافُ.
وَلَنَا الْأَصْلُ الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الثَّابِت بِالنَّصِّ الدَّوَرَانُ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ أَخَذَ، وَلَكِنْ بِفِعْلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخَذَ عَلَى يَمِينِهِ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ هَذَا فَكَانَتْ هَذِهِ صِفَةٌ وَاجِبَةٌ فِي هَذَا الرُّكْنِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الطَّهَارَةِ عِنْدَنَا فَتَرْكُهُ لَا يَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ بِهِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ فِيهِ نُقْصَانًا يُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ مَعْقُولٌ، وَهُوَ تَعْظِيمُ الْبُقْعَةِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِنْ أَيِّ جَانِبِ أَخَذَ فَعَرَفْنَا أَنَّ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِدَايَةِ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ لِبَيَانِ صِفَةِ الْإِتْمَامِ لَا لِبَيَانِ صِفَةِ الرُّكْنِيَّةِ بِخِلَافِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِمَا لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ فِي السَّعْيِ حَيْثُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِمَا أَنَّهُ أَدَّاهُ مَنْكُوسًا فَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ: يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ مَكْرُوهًا.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ لَا لِكَوْنِهِ مَنْكُوسًا، وَلَكِنْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ صُعُودُ الصَّفَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَالْمَرْوَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِذَا بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ فَإِنَّمَا صَعِدَ الصَّفَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْعَدَ الصَّفَا مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ إلَّا بِإِعَادَةِ شَوْطٍ وَاحِدٍ مِنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَّا هُنَا مَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَصْلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَقَدْ دَارَ حَوْلَ الْبَيْتِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَلِهَذَا كَانَ طَوَافُهُ مُعْتَدًّا بِهِ (قَالَ) وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَعَادَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «طَافَ لِلزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَتِهِ، وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ»، وَلَكِنَّا نَقُولُ التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا الطَّوَافُ مَاشِيًا، وَعَلَى هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ كَالصَّلَاةِ الدَّمُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْمَكْتُوبَةِ رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَدَّ بِطَوَافِ الرَّاكِبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمَشْيُ شَرْطُ الْكَمَالِ فِيهِ فَتَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُوجِبُ الدَّمَ لِمَا بَيَّنَّا فَأَمَّا تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الطُّفَيْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ طَافَ رَاكِبًا لِوَجَعٍ أَصَابَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ وَثَبَتْ رِجْلُهُ فَلِهَذَا طَافَ رَاكِبًا، وَذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا طَافَ رَاكِبًا لِيُشَاهِدَهُ النَّاسُ فَيَسْأَلُوهُ عَنْ حَوَادِثِهِمْ، وَقِيلَ إنَّمَا طَافَ رَاكِبًا لِكِبَرِ سِنِّهِ»، وَعِنْدَنَا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ مَحْمُولًا أَوْ رَاكِبًا، وَكَذَلِكَ لَوْ طَافَ الْأَكْثَرُ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا فَالْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا (قَالَ) وَإِذَا طَافَ الْمُعْتَمِرُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِأَنْ كَانَ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَطَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ دَخَلَ شَوَّالٌ فَأَتَمَّ طَوَافَهُ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ كَانَ طَافَ لِأَكْثَرَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَامَعَ الْمُعْتَمِرُ بَعْدَمَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ، وَيَمْضِي فِيهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ فَيَمْضِي فِي الْفَاسِدِ حَتَّى يُتِمَّهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْجِمَاعِ، وَعُمْرَةٌ مَكَانَهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكَمَالِ، وَجِمَاعُهُ بَعْدَ إكْمَالِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ غَيْرُ مُفْسِدٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُؤَدَّاةً بِأَدَاءِ رُكْنِهَا فَكَذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ مِنْ الطَّوَافِ (قَالَ) وَإِنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إنْ أَعَادَهُ فِي شَوَّالٍ أَوْ لَمْ يُعِدْهُ، وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اسْتَدَلَّ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْعُذْرَ فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِوُقُوعِ الْأَمْنِ لَهُ مِنْ الْفَسَادِ بِمَا أَدَّاهُ فِي رَمَضَانَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا لَبَطَلَ بِالْإِعَادَةِ فِي شَوَّالٍ (قَالَ) كُوفِيٌّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ لِعُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَرَجَعَ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ فَقَضَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ عُمْرَتِهِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَتَى بِأَكْثَرِ الْأَشْوَاطِ بَعْدَمَا رَجَعَ ثَانِيًا فَكَأَنَّهُ أَتَى بِالْكُلِّ بَعْدَ رُجُوعِهِ، وَلَوْ كَانَ طَافَ أَوَّلًا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا كَمَا لَوْ أَكْمَلَ الطَّوَافَ، وَهَذَا لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَإِنْشَائِهِ السَّفَرَ لِأَدَاءِ كُلِّ نُسُكٍ مِنْ بَيْتِهِ (قَالَ) وَتَرَكَ الرَّمَلِ فِي طَوَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالسَّعْيِ فِي بَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ مُسِيءٌ إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَكَذَلِكَ تَرْكُ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فَالرَّمَلُ وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ، وَهَذِهِ الْخِلَالُ مِنْ آدَابِ الطَّوَافِ أَوْ مِنْ السُّنَنِ، وَتَرْكُ مَا هُوَ سُنَّةٌ أَوْ أَدَبٌ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إلَّا الْإِسَاءَةَ إذَا تَعَمَّدَ (قَالَ) وَإِذَا طَافَ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي جَوْفِ الْحَطِيمِ قَضَى مَا تَرَكَ مِنْهُ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الْأَقَلُّ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الطَّوَافَ عَلَى الْحَطِيمِ فَقَطْ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْأَقَلَّ مِنْ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَتْرُوكِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَنَا فَهَذَا مِثْلُهُ ثُمَّ الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ مِنْ الْأَصْلِ لِيَكُونَ مُرَاعِيًا لِلتَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ، وَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى الْحَطِيمِ فَقَطْ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمَتْرُوكُ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ مِنْ الْأَصْلِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي الطَّوَافِ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا تَرَكَ لَمْ يَكُنْ طَوَافُهُ مُعْتَدًّا بِهِ، وَعِنْدَنَا الْوَاجِبُ هُوَ الدَّوَرَانُ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِإِعَادَةِ الْمَتْرُوكِ فَقَطْ، وَلَكِنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ، وَالْإِعَادَةُ مِنْ الْأَصْلِ أَفْضَلُ، وَيُلْزَمُونَ عَلَيْنَا بِمَا لَوْ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَجَرِ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَتَّى يُنْتَهَى إلَى الْحَجَرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا لَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مُعْتَدًّا بِهِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ عِنْدَنَا، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَلَكِنْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ طَوَافُهُ إلَى الْحَجَرِ لَا لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ وَلَكِنْ لِأَنَّ مِفْتَاحَ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ائْتِنِي بِحَجَرٍ أَجْعَلُهُ عَلَامَةَ افْتِتَاحِ الطَّوَافِ فَأَتَاهُ بِحَجَرٍ فَأَلْقَاهُ ثُمَّ بِالثَّانِي ثُمَّ بِالثَّالِثِ فَنَادَاهُ قَدْ أَتَانِي بِالْحَجَرِ مَنْ أَغْنَانِي عَنْ حَجَرِك، وَوَجَدَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي مَوْضِعِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ افْتِتَاحَ الطَّوَافِ مِنْهُ فَمَا أَدَّاهُ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ لَا يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهِ.
(قَالَ) فَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ طَافَ لِحَجَّتِهِ كَذَلِكَ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَالْأَشْوَاطُ الَّتِي طَافَهَا لِلْحَجِّ مَحْسُوبَةٌ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ قَبْلَ طَوَافِ التَّحِيَّةِ فَإِذَا جَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ كَانَ الْبَاقِي عَلَيْهِ شَوْطًا وَاحِدًا حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَيَكُونُ قَارِنًا، وَيُعِيدُ طَوَافَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ لِعُمْرَتِهِ، وَلِحَجَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَا أَدَّى مِنْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ لِعُمْرَتِهِ كَانَ عَقِيبَ أَقَلِّ الْأَشْوَاطِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهِ فَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَ مَعَ السَّعْيِ لِلْحَجِّ، وَمَعَ الشَّوْطِ الْوَاحِدِ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْكُوفَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ ذَلِكَ الشَّوْطِ، وَدَمٌ لِتَرْكِ سَعْيِ الْحَجِّ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِسَعْيِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَعَى لِعُمْرَتِهِ عَقِيبَ سِتَّةِ أَشْوَاطٍ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ سَعَى لِلْحَجِّ، وَذَلِكَ يَقَعُ عَنْ سَعْيِ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى أَصْلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ السَّعْيِ فِي كُلِّ نُسُكٍ قَالَ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ يُعِيدُ الطَّوَافَ لِعُمْرَتِهِ غَيْرُ سَدِيدٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الِاسْتِحْبَابَ يُرِيدُ بِهِ بَيَانَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ التَّحِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَكَانَ ذَلِكَ سَعْيًا مُعْتَدًّا بِهِ لِلْعُمْرَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَةُ ذَلِكَ بَعْدَمَا أَكْمَلَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ بِالشَّوْطِ الْمَتْرُوكِ (قَالَ)، وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ مِنْ الطَّوَافِ قَبْل أَنْ يُصَلِّيَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا انْصَرَفَ عَلَى وِتْرٍ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةِ أَسَابِيعَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا طَافَتْ ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ ثُمَّ صَلَّتْ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الطَّوَافِ عَلَى الْوِتْرِ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ فَإِذَا انْصَرَفَ عَلَى وِتْرٍ لَمْ يُخَالِفْ انْصِرَافُهُ مَبْنَى الطَّوَافِ، وَاشْتِغَالُهُ بِأُسْبُوعٍ آخَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ كَاشْتِغَالِهِ بِأَكْلٍ أَوْ نَوْمٍ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ فَكَذَا هُنَا إذَا انْصَرَفَ عَلَى مَا هُوَ مَبْنَى الطَّوَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا انْصَرَفَ عَلَى شَفْعٍ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَاكَ لِانْصِرَافِهِ عَلَى مَا هُوَ خِلَافُ مَبْنَى الطَّوَافِ لَا لِتَأْخِيرِهِ الصَّلَاةَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا إتْمَامُ كُلِّ أُسْبُوعٍ مِنْ الطَّوَافِ بِرَكْعَتَيْنِ فَيُكْرَهُ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالْأُسْبُوعِ الثَّانِي قَبْلَ إكْمَالِ الْأَوَّلِ كَمَا أَنَّ إكْمَالَ كُلِّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ لَمَّا كَانَ بِالتَّشَهُّدِ يُكْرَهُ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالشَّفْعِ الثَّانِي قَبْلَ إكْمَالِ الْأَوَّلِ (قَالَ) وَإِذَا طَافَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ كَالْمَنْذُورِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَدَّى عِنْدَنَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَافَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِذِي طُوًى، وَارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: رَكْعَتَانِ مَكَانَ رَكْعَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَبْدَأُ بِالْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ مَا لَيْسَ بِمَكْتُوبَةٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَكْرُوهٌ، وَلَا تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ كَالْمَنْذُورِ أَوْ سُنَّةٌ كَسُنَنِ الصَّلَاةِ فَالْمَكْتُوبَةُ لَا تَنُوبُ عَنْهُ (قَالَ)، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُنْشِدَ الشِّعْرَ فِي طَوَافِهِ أَوْ يَتَحَدَّثَ أَوْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ فَإِنْ فَعَلَهُ لَمْ يَفْسُدْ عَلَيْهِ طَوَافُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ»، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ فِي الثَّوَابِ لَا فِي الْأَحْكَامِ فَلَا يَكُونُ الْكَلَامُ فِيهِ مُفْسِدًا لِلطَّوَافِ (قَالَ)، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِالذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ فَقَلَّ مَا يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ.
وَتَرْكُ الِاسْتِمَاعِ عِنْدَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ الْجَفَاءِ فَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ صِيَانَةً لِلنَّاسِ عَنْ هَذَا الْجَفَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ فِي نَفْسِهِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي طَوَافِهِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالذِّكْرِ فِي الطَّوَافِ، وَأَشْرَفُ الْأَذْكَارِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ (قَالَ) وَإِنْ طَافَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ الرَّجُلِ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ طَوَافَهُ يُرِيدُ بِهِ بِسَبَبِ الْمُحَاذَاةِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْأَحْكَامِ لَيْسَ كَالصَّلَاةِ، وَمُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ إنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ إذَا كَانَا يَشْتَرِكَانِ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِكَا فَلَا، وَهُنَا لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي الطَّوَافِ (قَالَ) وَإِذَا خَرَجَ الطَّائِفُ مِنْ طَوَافِهِ لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ جِنَازَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَادَ بَنَى عَلَى طَوَافِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَحْكَامِ فَالِاشْتِغَالُ فِي خِلَالِهِ بِعَمَلٍ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ لِجِنَازَةٍ ثُمَّ عَادَ فَبَنَى عَلَى الطَّوَافِ (قَالَ) وَإِنْ أَخَّرَ الطَّائِفُ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَضُرَّهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(قَالَ) وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَلِلْغُرَبَاءِ الطَّوَافُ فَإِنَّ التَّطَوُّعَ مِنْ الصَّلَاةِ عِبَادَةٌ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ تَشْمَلُ عَلَى أَرْكَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَالِاشْتِغَالُ بِهَذَا أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِطَوَافِ التَّطَوُّعِ إلَّا أَنَّ فِي حَقِّ الْغُرَبَاءِ الطَّوَافَ يَفُوتُهُ، وَالصَّلَاةُ لَا تَفُوتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّوَافِ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّوَافِ إلَّا فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَالِاشْتِغَالُ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِمَا يَفُوتُهُ أَوْلَى كَالِاشْتِغَالِ بِالْحِرَاسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْلَى مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَأَمَّا الْمَكِّيُّ لَا يَفُوتُهُ الطَّوَافُ، وَلَا الصَّلَاةُ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ فِي حَقِّهِ أَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا (قَالَ) رَجُلٌ طَافَ أُسْبُوعًا، وَشَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ مِنْ أُسْبُوعٍ آخَرَ ثُمَّ ذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ قَالَ يُتِمُّ الْأُسْبُوعَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَارِعًا فِي الْأُسْبُوعِ الثَّانِي مُؤَكِّدًا لَهُ بِشَوْطٍ أَوْ شَوْطَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهُ كَمَنْ قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ، وَقَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ كَانَ عَلَيْهِ إتْمَامُ الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ كُلُّ أُسْبُوعٍ سَبَبُ الْتِزَامِ رَكْعَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَانِ (قَالَ) وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَطُوفَ، وَعَلَيْهِ خُفَّاهُ أَوْ نَعْلَاهُ إذَا كَانَا طَاهِرَيْنِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا رَدًّا عَلَى الْمُتَشَفِّعَةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا يَطُوفُ إلَّا حَافِيًا، وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ الْخُفَّيْنِ أَوْ النَّعْلَيْنِ إذَا كَانَا طَاهِرَيْنِ فَالطَّوَافُ أَوْلَى (قَالَ) وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِي حَسَنٌ، وَتَرَكَهُ لَا يَضُرُّهُ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَسْتَلِمُهُ وَلَا يَتْرُكُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَسْتَلِمُهُ، وَيُقَبِّلُ يَدَهُ وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَ هَكَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِي، وَلَمْ يُقَبِّلْهُ»، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْوِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِي، وَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَيْهِ»، وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْوِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْتَلَمَ الرُّكْنَيْنِ يَعْنِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدِ، وَالْيَمَانِي» فَهُوَ دَلِيلٌ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ كُلَّ رُكْنٍ يَكُونُ اسْتِلَامُهُ مَسْنُونًا فَتَقْبِيلُهُ كَذَلِكَ مَسْنُونٌ كَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَبِالِاتِّفَاقِ هُنَا التَّقْبِيلُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ فَكَذَا الِاسْتِلَامُ (قَالَ) وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ اسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ الْأَرْبَعَةَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا تَسْتَلِمْ الرُّكْنَيْنِ فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ بِمَهْجُورٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْقِيَاسُ يَنْفِي اسْتِلَامَ الرُّكْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْحَجَرِ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ثُمَّ الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ لَيْسَا مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ قَصَّرُوا الْبَيْتَ عَنْ قَوَاعِدِ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَسْتَلِمُهُمَا (قَالَ) وَإِنْ رَمَلَ فِي طَوَافِهِ كُلِّهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى هَيْئَتِهِ فِي الْأَشْوَاطِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْآدَابِ، وَبِتَرْكِ الْآدَابِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (قَالَ) وَإِنْ مَشَى فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ أَوْ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ لَمْ يَرْمُلْ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ سُنَّةٌ فَإِذَا فَاتَتْ مِنْ مَوْضِعِهَا لَا تُقْضَى، وَالْمَشْيُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُخَرِ مِنْ آدَابِ الطَّوَافِ أَوْ مِنْ السُّنَنِ فَإِنْ تَرَكَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مَا هُوَ سَنَتُهَا لَا يَتْرُكُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُخَرِ مَا هُوَ سَنَتُهَا (قَالَ) وَإِنْ جَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ زَحْفًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ مَا يَتَنَفَّلُ بِهِ أَوْ مَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ، وَأَصْلُ الطَّوَافِ قُرْبَةٌ فَأَمَّا الزَّحْفُ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ فِي شَرِيعَتِنَا فَلَا تَلْزَمُهُ هَذِهِ الصِّفَةُ بِالنَّذْرِ، وَإِنْ طَافَ كَذَلِكَ زَحْفًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ طَافَ مَحْمُولًا أَوْ رَاكِبًا عَلَى مَا بَيَّنَّا (قَالَ) وَإِنْ طَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ، وَرَاءِ زَمْزَمَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ظُلَّةِ الْمَسْجِدِ أَجْزَأَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَطَوَافُهُ يَكُونُ بِالْبَيْتِ فَيَصِيرُ بِهِ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ فَأَمَّا إذَا طَافَ مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ فَكَانَتْ حِيطَانُهُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ طَافَ بِالْمَسْجِدِ لَا بِالْبَيْتِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ أَرَأَيْت لَوْ طَافَ بِمَكَّةَ كَانَ يُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ فِي مَكَّةَ أَرَأَيْت لَوْ طَافَ فِي الدُّنْيَا أَكَانَ يُجْزِئُهُ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ لَا يُجْزِئُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.